المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الإسبانيون يعودون إلى وهران - سلسلة جهاد شعب الجزائر - جـ ٢

[بسام العسلي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أبرز الأحداث على المسرح الإسلامي

- ‌أبرز الأحداث على المسرح العالمي

- ‌أبرز الأحداث على مسرح الجزائر

- ‌الفصل الأول

- ‌ الجزائر المجاهدة

- ‌ الموقف على الجبهة الإسلامية في المشرق:

- ‌آ - معركة ليبانتي:

- ‌ب - الجهاد على الجبهة الأوروبية:

- ‌ج - تمرد جبلاط وثورة المعني:

- ‌الفصل الثاني

- ‌ الجزائر وبناء القدرة الذاتية

- ‌ إنكلترا تشن الحرب على الجزائر

- ‌آ - الحملة على جيجل (1664)

- ‌ب - الإغارة على الجزائر (1682م)

- ‌ القتال حول وهران - وتحريرها

- ‌ الإسبانيون يعودون إلى وهران

- ‌ تبادل الأسرى والمعركة البحريةأمام الجزائر

- ‌ الجزائر تدمر الحملةالإسبانية الكبرى

- ‌ معركة بحرية جديدةأمام الجزائر

- ‌ وأخيرا تحرير وهران

- ‌الفصل الثالث

- ‌ الجزائر (المحروسة)على طريق البناء والقوة

- ‌ السياسة الاستراتيجية للجزائر

- ‌ المجاهدون والحروب الثوروية الإسلامية

- ‌قراءات

- ‌(وهران) وأدب الحرب

- ‌ ترجمة رسالتين متبادلتينبين داي الجزائر والرئيس الأميريكي

- ‌المراجع

- ‌الفهرس

الفصل: ‌ الإسبانيون يعودون إلى وهران

5 -

‌ الإسبانيون يعودون إلى وهران

(1732 م)

أذاع ملك إسبانيا (فيليب الخامس)(1) منشورا ملكيا يوم 6 حزيران (يونيو) 1732 م (1145هـ) أخذته كل مراكز البلاد الغربية وعملت على توزيعه والدعاية له، وتضمن المنشور ما يلي:

(قضت إرادتنا الملكية ألا نترك خارج دائرة كنيستنا المقدسة، وديانتنا الكاثوليكية، أي جزء من أجزاء الأرض التي كانت العناية الإلهية قد وضعتها تحت سلطاننا، عندما اقتضت وضعنا على عرش هذه المملكة، والتي تغلب عليها الأعداء بكثرة عددهم، وأخذوها منا، وأخرجوها عن طاعتنا بواسطة العنف والاحتيال. إننا لم نترك قط التفكير في استرجاع تلك الأجزاء المقتطعة، إنما حالت الأحداث المؤلمة بيننا وبين تحقيق أملنا في ذلك الاسترجاع، فلم نتمكن قبل اليوم من تجهيز القوى العظيمة التي وضعتها العناية الإلهية تحت تصرفنا. واليوم، وعلى الرغم من أننا لم نتخلص بصفة تامة من تلك الأحداث المؤلمة، فقد صممت على أن أبادر باسترجاع مركز (وهران)

(1) فيليب الخامس: (PHILLIPPE 7) الحفيد الأصغر للملك الإفرنسي لويس الرابع عشر، ولد في فرساي سنة 1683م. وأصبح دوق أنجو في أول الأمر، ثم أصبح ملكا لإسبانيا (1700 - 1746م) وبسببه حدثت حرب الوراثة الإسبانية، وقد حاول أن يعيد لإسبانيا عظمتها، غير أنه لم يفلح كثيرا في ذلك.

ص: 128

ذي الأهمية العظمى والذي كان فيما مضى محط آمال، ومظهر قيمة التقوى المسيحية والأمة الإسبانية. ولقد رأيت أن بقاء وهران تحت سلطان المتوحشين الأفارقة، إنما هو عائق عظيم يحول بيننا وبين نشر ديانتنا المقدسة. كما أنه باب مفتوح يواجه إسبانيا، ويهدد سكانها الساحليين بالغزو والاسترقاق.

ومن أجل ذلك، قررت بأن أجمع في مدينة (اليقنت)(1) جيشا يضم ثلاثين ألفا من الرجال والفرسان، مع كل ما يلزمهم من الأسلحة والمؤن والمدفعية، وكل الآلات والمعدات اللازمة لمثل هذه المعركة الحاسمة. وعينت لقيادة هذه الحملة (الكونت دي موتيمار) ومعه مجموعة من القادة والضباط الذين تتوافر لهم الخبرة والشجاعة، مما يجعلنا نأمل بفوز مجيد في هذه العملية. ولقد جمعت بأمري في المكان ذاته عددا عظيما من السفن المختلفة الأنواع والأشكال، تحرسها سفن الأسطول الكبيرة والصغيرة، لحمل هذه الجيش العظيم حالا من أجل استرجاع مدينة وهران. وبما أن مثل هذه الحملة لا يمكن أن تنجح ما لم تكن مؤيدة بعناية الله، فقد أصدرت أوامري، لجميع ممالكي، بأن تقام في كل مكان صلوات عامة ابتهالا إلى الله، من أجل تحقيق النصر لجيشنا في هذه المهمة العظيمة) (اشبيليا 6 حزيران - يونيو - 1732م).

لقد عبر مضمون بيان (الملك فيليب الخامس) عن مدى المرارة التي نزلت بالإسبانبين نتيجة طردهم من (وهران). كما يعبر عن مدى الأهمية التي كان يعلقها الإسبانيون على امتلاكهم لهذه القاعدة في حربهم ضد الإسلام والمسلمين. ولقد تم تحرير وهران في الفترة التي كانت تخوض فيها إسبانيا ومعها أوروبا كلها تقريبا - حرب الوراثة

(1) أليقنت: (ALICANTE) مدينة إسبانية تقع على البحر الأبيض المتوسط ولها ميناء كبير

ص: 129

الإسبانية (1701 - 1714) وهي الحرب التني خرجت فيها إسبانيا وهي محرومة من معظم مستعمراتها فيما وراء البحار -لمصلحة إنكلترا - ولهذا، فقد اتجه تفكير فيليب - منذ أن تم له الاستقرار على ملك إسبانيا بالعودة إلى (وهران) وفتحها من جديد، وأمضى في الاستعداد لهذه الحملة زهاء عشرين سنة تقريبا. وفي النهاية، أمكن له حشد قوات صخمة تكونت من:(30 ألف مقاتل و525 سفينة من سفن النقل والسفن الحربية و720 مدفعا و16420 قنبلة، و56 ألف قنبلة يدوية و80693 قذيفة مختلفة و12427 قنطارا من البارود و8 آلاف صندوق لرصاص البنادق و12 ألف بندقية ومليوني وجبة طعام لأفراد الجيش علاوة على وسائط الحصار وبقية المتطلبات)(1) وعندما تم حشد كل هذه المتطلبات، أطلق ملك إسبانيا بيانه، وأصدر أمره إلى الحملة بالتحرك إلى هدفها. وأقلع الأسطول الإسباني من خليج (أليقنت) يوم 15 حزيران - يونيو - 1732 فوصل بعد عشرة أيام إلى المياه الإقليمية لمدينة وهران، غير أن الرياح المعاكسة أعاقته عن الاقتراب من الساحل، فبقي يقوم بمناوراته على امتداد الساحل حتى يوم 29 حزيران - يونيو - حيث تم له الاقتراب من وهران.

اختار الإسبانيون لنزولهم ساحة (عين الترك) على بعد خمسة عشر كيلو مترا إلى الغرب من وهران. ولم تكن القوة الإسلامية المدافعة عن الإقليم كافية لإيقاف عملية الإنزال أو تعطيلها. فأمكن للقوات الإسبانية إنزال قواتهم وأعتدتهم الثقيلة دونما عناء كبير. وأثناء ذلك استمرت الاشتباكات بين القوات الإسلامية الجزائرية وبين قوات العدوان على الرغم من قلة عدد المجاهدين المسلمين الذين لم

(1) المرجع - تقرير الحملة في (حرب الثلاثمائة سنة) أحمد توفيق المدني - ص 475 - 476.

ص: 130

يلبثوا أن تلقوا بعض الدعم من حامية وهران مع شيء من المدفعية، فصارت أكثر قدرة على تكبيد القوات الإسبانية المزيد من الخسائر. وأرسلت القوات الإسبانية فرقة لمجابهة هذه الكتائب الجزائرية، فاشتبكت معها في القتال، وتقدمت شيئا فشيئا إلى أن تمكنت من مشاهدة مركز التجمع الإسلامي، القليل العدد والذي كان يمتد على طول الجبل المشرف على ميدان المعركة. انقضت حينئذ كتيبة من المجاهدين تشمل نحو الألفي رجل، بين مشاة وفرنسان، على الميمنة الإسبانية، فتمكنت من احتلال مرتفع تقع تحته عين يستقي منها جند العدو، فحالت بينه وبين الماء. لكن القائد الإسباني أصدر أمره في الساعة الرابعة من عشية يوم 29 حزيران - يونيو - إلى فرقة كبيرة من المشاة، ومعها أربعمائة فارس، بمهمة التصدي لهذه الكتيبة، العربية المسلمة، والقيام بحركة التفاف لقطع خط تراجع الكتيبة، غير أن هذه الكتيبة لم تقع في الكمين وانسحبت إلى المرتفعات التي كانت قاعدة لمجموع القوى الإسلامية.

وأمضت القوتان المتصارعتان الليل في الاستعداد للمعركة، وما كادت تشرق شمس يوم 30 حزيران - يونيو - حتى كانت ميسرة الجيش الإسباني قد التحمت في معركة ضارية مع المجاهدين قتل فيها قائد القوة الإسباني الذي كان يدير المعركة. وعندما رأت قيادة الإسبانيين أن ضغط القوات الجزائرية قد اشتد ضد الميسرة، أمرت بأن يتحرك الجيش كله ضد المراكز الجزائرية، وانطلق الهجوم الإسباني بقوة وعنف فامتد أفق المعركة ليشمل الجبهة المواجهة بكاملها. ولم تصمد قوات المسلمين لثقل هذه الهجمة، فتراجعت عن مواقعها لتحتل مواقع جديدة على جانبي فج عميق يتحدر من الجبل، وهو ممر الجيش الإسباني، وأخذوا في توجيه نيرانهم ضد القوات الإسبانية، وأوقعوا

ص: 131

فيها خسائر فادحة. لكن القوات الإسبانية أفادت من تفوقها العددي فتمكنت من دحر قوات المجاهدين التي اضطرت من جديد إلى التراجع والاعتصام بمواقع أخرى تقع إلى الخلف من سابقتها في عمق الجبال. وأصبح باستطاعة القوات الإسبانية الإشراف من مواقعها على مدينة (المرسى الكبير).

كان الباي الشيخ (مصطفى بوشلاغم) فاتح وهران وأميرها منذ سنة (1707م) قد استعد للدفاع بما توافر له من القوى والوسائط. وتجمع حوله ما يزيد على العشرين ألفا من المجاهدين من رجال الشعب، بالإضافة إلى قوة الجيش المكونة من (2500) مقاتل، وكانت وهران مسلحة بما يزيد على (138) مدفعا منها 87 مدفعا من البرونز. وقد عمل على توجيه جزء من هذه القوة لمقاومة الإسبانيين في منطقة الإنزال (عين الترك) وعندما تطورت المعركة جمع (مصطفى بوشلاغم) قادته وأعاد تقدير الموقف على أساس التفوق الإسباني فتقرر الانسحاب من مدينة (وهران) وإخلاءها من سكانها ومن الحامية المدافعة عنها. على أن تستمر المقاومة فيما وراء المدينة، ريثما تتوافر قوات دعم كافية لاستعادة المدينة وخرج الباي ورجال الإدارة وأمتعتهم وأموال الحكومة - على مائتي بعير - وتبعهم السكان. ولم يكن عددهم حينئذ كبيرا، ودخل الإسبانيون يوم أول تموز - يوليو - المدينة فكانت مدينة مهجورة، خالية من كل حياة.

وكان داي الجزائر (عبدي باشا) قد أرسل دعما سريعا من الجزائر يتكون من ألفي رجل تحت قيادة ابنه، غير أن هذا الدعم وصل متأخرا، حيث كانت القوات الإسبانية قد دخلت المدينة، فانضم هذا الدعم إلى قوى المجاهدين التي طوقت المدينة من كل جهاتها. وما كاد نبأ سقوط المدينة يصل إلى الجزائر حتى هيمن عليها

ص: 132

الغضب، واعتزل الداي - الذي كان قد بلغ الثامنة والثمانين من عمره - ولم يلبث أن قضى نحبه حزنا.

كانت حامية وهران قد تركت في المدينة عند انسحابها كامل مدفعيتها، ولم تحمل معها إلا أسلحتها الخفيفة، ورابطت في الجبال المهيمنة على المدينة، وأخذت في تضييق الحصار عليها، فلم يتمكن الإسبانيون من التحرك بعيدا عن المدينة، ولهذا عملوا على إعادة معظم قواتهم إلى إسبانيا تاركين في وهران والمرسى الكبير حامية قوية وكافية للدفاع عنهما. واستمرت الاشتباكات العنيفة طوال سنة قريبا. وكان من أبرزها معركة يوم 4 تشرين الأول - أكتوبر - حيث تمكن المجاهدون من عزل حصن (سانتا كروز) بحيث لم يتمكن الإسبانيون من إمداده إلا بعد معركة ضارية تكبدوا فيها خسائر فادحة. وفي يوم 4 تشرين الثاني - نوفمبر - هاجم المجاهدون المدينة ووصل الباي (مصطفى بوشلاغم) على رأس فرقته إلى أبواب المدينة، والتحم مع الإسبانيين في معركة ضارية استشهد خلالها ابنه. وفي يوم 12 تشرين الثاني - نوفمبر - اندلعت نيران معركة جديدة، قتل فيها المركيز (دي سانتا كروز) وعدد كبير من أفراد الحامية الإسبانية. وفي سنة (1733 م) قام المجاهدون يوم 10 حزيران - يونيو - بهجوم عنيف على المدينة، وقتل القائد الإسباني (دي ميروسنيل) ومعه عدد كبير من أفراد الحامية الإسبانية. وقام (مصطفى بوشلاغم) بقيادة هجوم جديد في سنة (1734 م) ضد (مركز العيون) حول وهران، ووصل إلى أبواب المدينة، غير أنه لم يتمكن من احتلالها.

وهكذا بقيت (وهران والمرسى الكبير) تحت حصار محكم، وتحت التهديد الدائم بالحرب طوال خمسين عاما، إلى أن تم تحريرها نهائيا في سنة (1791م).

ص: 133