الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 -
الجزائر المجاهدة
أصبحت الجزائر مؤهلة لمجابهة كل عدوان، فهي تمتلك قدرات قتالية رائعة، ولها أسطولها الحربي المستقل ولها إدارتها الذاتية، وإن لم تكن قد عرفت بعد الحدود المميزة بينها وبين جارتيها في المشرق والمغرب. وقد ألقى ذلك عليها واجب قيادة الجهاد في سبيل الله في المغرب العربي الإسلامي كله ذلك هو الوضع الذي كانت عليه الجزائر بعد تلك الجهود الضخمة والتضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب في المغرب الأوسط تحت قيادة (خير الدين بربروس) وبالتعاون معه حتى أبعد الحدود، ولكن قبل أن يمضي (خير الدين) إلى جوار ربه سبقه رفيق جهاده ونائبه على الجزائر (محمد حسن آغا). وعلى أثر ذلك أصدر السلطان سليمان القانوني قراره بتعيين (حسان) الإبن الوحيد لخير الدين بربروس، واليا على الجزائر، وكان ذلك وفاء لما قدمه خير الدين من الجهد للإسلام والمسلمين، واستجابة لرغبة الجزائرين. وبرهن (حسان خير الدين) أنه جدير بالثقة التي منحها له الجزائريون، فتولى قيادة الجهاد في سبيل الله، بكل ما ورثه عن أبيه من كفاءة وتجربة، وبكل ما توافر له من العزم والتصميم والإخلاص.
وقد جابهته منذ بداية عهده في الولاية قضية (تلمسان)، حيث كان حاكمها (أبو زيان- أحمد الثاني) قد تولى الملك بدعم من إدارة
الجزائر، واعترف بالوحدة مع الجزائر. غير أنه ما لبث أن خضع للمؤامرات الخارجية وانساق في تيارها وأخذ في التقرب من الإسبانيين والإبتعاد عن أهله وأبناء دينه الجزائريين. وأدى ذلك قبل كل شيء إلى تدهور علاقاته مع قومه وأعوانه في تلمسان الذين ما لبثوا أن قرروا خلعه عن العرش ومبايعة أحد إخوته (الحسن). فتوجه (أبو زيان) إلى (وهران) طالبا الدعم من الإسبانيين، مقدما لهم التعهدات بأن يحافظ على إخلاصه وتبعيته لهم. وقرر حاكم وهران (الكونت د. الكوديت) اغتنام هذه الفرصة، فجهز جيشه، وانضمت إليه جموع الخاضعين للإسبانيين من (بني عامر وفليته وبني راشد- وعلى رأسهم قائدهم المنصور بن بوغانم) وتقدموا إلى تلمسان لإبعاد ملكها الحسن وإعادة تنصيب (أبو زيان) على عرش المدينة. وما أن علم (حسان خير الدين) بتحرك الجيش الإسباني وحلفاؤه من وهران، حتى قاد الجيش الإسلامي، وانطلق من الجزائر في محاولة للسيطرة على محاور التحرك ومنع الإسبانيين من الوصول إلى هدفهم. وبذلك يتمكن من دعم حليفه الملك الحسن في تلمسان، وذلك في شهر آب - أغسطس - 1547.
اصطدمت قوات المسلمين بالقوات الإسبانية عند بلدة (عربال) الواقعة على بعد خمسة وعشرين كيلو مترا إلى الجنوب من وهران (وإلى أسفل البحيرة المالحة). واستعد الطرفان للمعركة، ولكن قبل وقوع الاشتباك بوغت (حسان خير الدين) بخبر وفاة أبيه، وأعقب ذلك موجة من الذهول والاضطراب اجتاحت المغرب الإسلامي، وخشي (حسان) أن يؤدي ذلك إلى ظهور أحداث خطيرة في عاصمة الدولة، فقرر العودة فورا إلى الجزائر، ونظم قواته، وانسحب في اتجاه (مستغانم). وأدرك (الكونت د. الكوديت) سبب هذه الحركة إذ كان
قد عرف بدوره خبر وفاة (خير الدين بربروس) وما أحدثه ذلك من الشعور بالفراغ المريع، فقرر بدوره اغتنام حده الفرصة، ومطاردة (حسان) على أمل تحويل عملية الانسحاب إلى هزيمة لقوات المسلمين تساعده على احتلال (مستغانم). غير أن (حسان) وصل إلى مستغانم بكامل قوته، في الوقت الذي استولى الإسبانيون على (مازغران) دونما قتال. وفي (مستغانم) عقد (حسان) مؤتمرا مع القادة من أهل المدينة والمجاهدين فيها. وتقرر الدفاع عن المدينة، وصد العدو عنها مهما بلغ الثمن، ومهما تطلب ذلك من جهد وتضحيات. وتوجه الرسل من (مستغانم) لاستنفار العرب واستقدام قوة الحامية المدافعة عن تلمسان. ووصلت القوات الإسبانية إلى أمام أسوار (مستغانم) حيث احتدم القتاد طوال ثلاثة أيام متوالية، ولما لم يكن الإسبانيون يتوقعون مثل هذه المقاومة، فقد أصيبوا بخيبة أمل مريرة، غير أن ذلك لم يضعف من تصميمهم على احتلال المدينة وأدى ذلك إلى تصعيد حدة القتال.
وأثناء ذلك، كانت حامية تلمسان قد انطلقت للجهاد، وانضمت إليها جموع المجاهدين، ووصلت هذه القوات إلى ميدان المعركة يوم 21 - آب (أغسطس) فحدث نوع من التوازن في القوى. وقام الإسبانيون بهجوم قوي على المدينة، وأمكن هم خمس مرات رفع راياتهم فوق بعض أسوارها. وكان المجاهدون في كل مرة يقومون بهجوم مضاد يطردون فيه الإسبانيين من المواقع التي يحتلونها، ويسدون الثغرات التي تظهر في مواقعهم الدفاعية. واستمر الصراع المرير حول (مستغانم) أسبوعا كاملا. وعرف (الكونت د. الكوديت) أنه أخطأ في تقدير الموقف. وأنه لا قبل له فى الاستمرار بخوص معركة تستنزف قوته في حين كانت قوات المسلمين تتعاظم باستمرار.
وقرر رفع الحصار والعودة بقواته إلى قاعدته (بوهران) وبدأ بتنفيذ الانسحاب بعد عروب شمس يوم 28 آب- أغسطس-. غير أن قادة المجاهدين قرروا عدم إتاحة الفرصة للإسبانيين للقيام بانسحاب منظم. فقاد (حسان خير الدين) قوات المسلمين المكونة من (15) ألف من المشاة و (3) آلاف من الفرسان، وأخذ في مطاردة القوات الإسبانية خلال كل مرحلة من مراحل تحركها، وتضييق الخناق عليها باستمرار. وسيطر الذعر على القوات الإسبانية من جراء هذه المطاردة العنيفة. وحاول قائدها جمع الفارين من جيشه والقيام بهجوم مضاد لإيقاف مطاردة قوات المسلمين، غير أن جنوده كانوا يفكرون بالفرار أكثر من تفكيرهم بخوض المعركة. ولهذا كان الهجوم المضاد ضعيفا.
ولم تتمكن القوات الإسبانية من الوصول إلى وهران إلا بعد جهود مضنية. وأفاد (أبو زيان) من بقاء تلمسان دونما حامية تدافع عنها، فهاجمها برجاله واستولى عليها وأعاد حكمه إليها.
رجع (حسان) إلى عاصمته (الجزائر) واستقر فيها، وأخذ في الاستعداد لمتابعة الجهاد الداخلي من أجل بناء الجزائر وتوحيدها، ومن أجل تطوير أعمال الجهاد الخارجي ضد الأعداء. وكان هدفه الأول هو استعادة (تلمسان) وتحريرها من عميل الإسبانيين (أبازيان).
خلال هذه الفترة كان المغرب الأقصى (مراكش) يشهد تطورات حاسمة على أيدي (الأشراف السعديين)(1) الذين أخذوا
(1) هناك خلاف على أصل هؤلاء السعديين، فقد جاء في (الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى) ما يلي:(إعلم أن هؤلاء السعديين كانوا يقولون أن أصل سلفهم من (ينبع النخل) من أرض الحجاز وأنهم أشراف من ولد محمد النفس الزكيه- رضي الله عنه وإليه يرفعون نسبهم غير أن المولى محمد بن الشريف السجلماسي، أول ملوك العلويين، طعن في نسبهم،، وصرح بذلك في بعض رسائله التي وجهها إلى الشيخ بن زيدان وقال =
على عاتقهم تحقيق أمرين عظيمين: أولهما إنقاذ المغرب الأقصى من البرتغاليين. وثانيهما إنقاذ المغرب الأقصى من الانهيار الداخلي الذي وصلت إليه البلاد تحت حكم بني وطاس (المرينيين). وأقبل الشعب في المغراب الأقصى على دعم السعديين لتحقيق هذه الأهداف وقيادة حركة الجهاد. فأمكن للسعديين بذلك خوض مجموعة من المعارك والأعمال القتالية التي انتهت بتحرير السواحل المغربية من أيدي البرتغاليين. ولم تقبل سنة (1540) حتى أمكن لهم إخراج البرتغالين نهائيا من مقاطعة الدوكالة بكاملها. ومع هذه الانتصارات الخارجية، كان السعديون يمهدون لإقامة ملك جديد على أنقاض (الملك المريني المنهار) وجعلوا من مدينة (مراكش) عاصمة لهم.
وما إن استقر مؤسس دولة السعديين (محمد المهدي- أبو عبد الله الشيخ) في (مراكش) حتى انصرف لبناء جيش قوي ضم إليه المقاتلين من أبناء المغرب كله. وكان يتابع التطورات في البلد المجاور (الجزائر) فعز عليه استيلاء الترك عليه، باعتبارهم غرباء عن هذا الإقليم، وكان يقبح على أهله وملوكه أن يتركوهم يغلبون على بلادهم. وفي الوقت ذاته كان يخشى ما يقوم به زعيم الوطاسيين (أبو حسون) من تحريض للبرتغاليين والإسبانيين ضد بلاده، والانطلاق في العدوان من (تلمسان) فقرر الاستيلاء عليها وعلى المغرب الأوسط بكامله (الجزائر). وفي سنة (1500 م) وجه جيشا قويا بقيادة ابنه (الشريف محمد الحران) بمهمة الاستيلاء على تلمسان. وتولى بعد
= فيها: وقد اعتمدنا في- الطعن بنسبكم- على ما نقله الثقات المؤرخون لأخبار الناس من علماء مراكش وتلمسان وفاس، ولقد أمعن الكل التأمل بالذكر والفكر، فما وجدوكم إلا من بني سعد بن بكر) أي من بني سعد الدين منهم حليمة السعدية- مرضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم (حرب الثلاثمائة سنة- أحمد توفيق المدني- ص 325).
ذلك تجهيز جيش آخر انطلق به (من فاس) لإحكام الحصار على تلمسان وإخضاعها. غير أن أهل تلمسان قاوموا عملية الحصار بضراوة، واشتبكوا مع قوات السعديين مرات كثيرة قتل أثناءها (الحران) بن (الشريف محمد) والذي اشتهر بكفاءته القيادية العالية وشجاعته. وبعد حصار دام تسعة أشهر، أمكن للشريف محمد اقتحام تلمسان وكان ذلك يوم الإثنين الثالث والعشرين من جمادي الأولى سنة سبع وخمسين وتسمائة للهجرة (1550 م) وأخرج الأتراك منها، وامتد حكمه ليشمل الإقليم التابع لها حتى (وادي شلف).
كان (حسان خير الدين) أثناء ذلك قد جهز جيشا قويا يضم (5) آلاف رجل من المجاهدين الجزائريين (من المشاة المسلحين بالبنادق) و (ألف) فارس و (8) آلاف مقاتل من مجاهدي جبال زواوة (تحت قيادة السيد عبد العزيز سلطان قلعة بني عباس). وغادرت هذه القوة (الجزائر) في سنه (1550) وهدفها مدينة (وهران) لانتزاعها من قبضة العدو الإسباني، واستثمار النصر الذي تم إحرازه عليها تحت أسوار (مستغانم).
علم (حسان خير الدين) وهو في طريقه إلى (مستغانم) بأن قوات السعديين قد احتلت تلمسان ومستغانم، وأنها تتابع تقدمها نحو مدينة الجزائر، وقد وصلت في طريقها إلى مجرى (نهر الشلف).
وعند ذلك، تم تشكيل قوة جزائرية تولى قيادتها (حسان قورصو) وتوجه بها فورا إلى مجرى (نهر الشلف) حيث التقى بقوات السعديين ودارت رحى معركة ضارية، انتهت بهزيمة السعديين، واستثمر (حسان قورصو) النصر بأن وجه قوة بسرعة إلى (مستغانم) أمكن لها إخراج السعديين منها. وتابعت القوات الجزائرية تقدمها في اتجاه المغرب الأقصى. غير أن (الشريف محمد المهدي) شكل جيشا يضم
(20)
ألف مقاتل بمجرد عودته من المعركة. وأسند قيادة هذا الجيش إلى ابنه (الشريف عبد القادر) بمهمة إيقاف تقدم الجزائرين. واصطدمت القوتان عند حدود المغرب (بجوار قبة سيدي موسى).
وتلقى المجاهدون من (زواوة) الصدمة الأولى، ثم تبعهم بقية الجيش الجزائري. ودارت معركة قاسية خاضها الطرفان بعناد، وانتهت بمصرع قائد الجيش السعدي (الشريف عبد القادر) وتراجع جيشه إلى ما وراء نهر الملوية. وعادت القوات الجزائرية بعد ذلك إلى (تلمسان) التي بقيت بدون حاكم لها، فتم تنصيب الأمير الحسن بن عبد الله الثاني ملكا عليها. غير أن هذا الملك كان ضعيفا، فتولى ممارسة السلطة الفعلية فيها القائد العثماني (في سفطة). واكتفى الملك بالانصراف إلى حياته الخاصة التي لم تكن (فاضلة) مما أثار الشعب عليه واجتمع مجلس العلماء فأعلن خلعه (سنة 962 هـ = 1554 م) وأعلن (صالح رايس) يومئذ نهاية دولة بني زيان وانضمام تلمسان نهائيا إلى دولة الجزائر. أما الملك السابق (أحمد الثالث) الذي أبعده الأشراف السعديون عند احتلالهم تلمسان، والذي ساءت سيرته بسبب اعتماده على الإسبانيين في حكم (تلمسان) فإنه مات في وهران.
كان سلطان المغرب الأقصى (الشريف محمد المهدي) قد عمل عند احتلاله لمدينة فاس (سنة 956 هـ) على إلقاء القبض على كل الوطاسيين من أبناء (بني مرين) وأرسل بهم مقيدين بالأغلال إلى مدينة (مراكش) وكان لهم أنصارهم (بصورة خاصة من النازحين الأندلسيين) فساءهم ما لقيه هؤلاء من سوء المعاملة، وكان آخر ملوكهم (أبو حسون) قد نجا بنفسه، وأخذ بالدعوة لشخصه ولبني وطاس المرينيين. ولما وقعت الحرب بين المغربيين والجزائريين في معركة
(نهر الشلف) وعلم السلطان سليمان القانوبي بذلك ساءه وقوع الحرب بين المسلمين. فأرسل وفدا من كبار العلماء يرأسه الفقيه الشخ أبو عبد الله محمد بن علي الخروبي (الطرابلسي الأصل الجزائري المستقر) بمهمة توطيد السلام. ووصل هذا الوفد إلى مدينة (مراكش) وفاوض سلطان المغرب (الشريف محمد المهدي) باسم السلطان سليمان حول النقاط التالية:
أولا: اعتراف السلطان العثماني بالاستقلال التام لدولة المغرب مقابل اعتراف هذه الدولة بالخلافة العثمانية، جمعا لوحدة المسلمين، وذلك بالدعاء للخليفة العثماني على المنابر.
ثانيا: إطلاق سراح المقيدين المنكوبين من (بني وطاس المرينيين) والتخفيف من ضائقتهم، إذ لا يجوز شرعا أن يغل جماعة من المسلمين.
ثالثا: تحديد الحدود بين مملكتي الجزائر والمغرب الأقصى.
وطال النقاش حول هذه النقاط، ولم يوافق سلطان مراكش السعدي على الاعتراف بخلافة آل عثمان على المسلمين، كما لم يقبل تدخلهم في أمر بني وطاس، غير أن وساطة العلماء أسفرت عن اتفاق حول الحدود الفاصلة بين دولتي المغرب والجزائر، من ساحل البحر إلى بداية الصحراء. وهي الحدود التي ما زالت كما هي حتى اليوم، وكانت سنة (961 هـ = 1053 م) هي بداية تحديد (حدود دولة الجزائر ككيان مستقل).
انصرف (حسان خير الدين بربروس) بعد ذلك إلى تحقيق أهداف ثلاثة:
أولا: جمع وحدة البلاد، وإرساء قواعد الدولة على أسس
راسخة، وتحصين الثغور استعدادا لمجابهة كل عدوان.
ثانيا: تحرير المدن الجزائرية التي احتلتها القوات الإسبانية وأقامت حاميات فيها، وخاصة بجاية ووهران.
ثالثا: بعد تطهير وهران، قيادة المجاهدين في سبيل الله من أبناء المغرب العربي الإسلامي ودعم بقايا المسلمين، في الأندلس، لقهر الإسبانيين في بلادهم، وإقامة دولة إسلامية جديدة، حيث كانت تقوم مملكة غرناطة من قبل عهد قريب.
ونجح (حسان خير الدين) في تحقيق هدفه الأول بسرعة مذهلة، بفضل ما عرفه الجزائريون وأبناء المغرب من إخلاص واليهم وصدقه وحسن سياسته. وقسم المملكة إلى مقاطعة غربية، ومقاطعه جنوبية ومقاطعه عامة. وأطلق على كل مقاطعة اسم (بايليك) ووضع على رأسها حاكما يدعى (الباي) أما المقاطعة العامة فهي (دار السلطان) وتشمل الجزائر وما حواليها، وتحكمها الإدارة المركزية مباشرة. وباي الشرق مركزه قسنطينة. وباي الغرب مركزه (وهران- بعد فتحها) وقد استقر موقتا بمازونة وبمعسكر. أما باي الجنوب، فمركزه مدينة المدية. ويحكم الشعب شيوخ منه، تحت إمرة ونظر البايات ويدعى هؤلاء الشيوخ (شيوخ الوطن). وهم:(شيخ وطن بني خليل، وشيخ وطن بني موسى، وشيخ وطن يسر، وشيخ وطن سباو، وشيخ وطن بني جعد، وشيخ وطن بني خليفة، وشيخ وطن حمزة، وشيخ وطن السبت، وشيخ وطن عرب، وشيخ وطن بني مناصر، وشيخ وطن الفحص - متيجة).
وأظهر حسان خير الدين اهتمامه الكبير بتحصين الثغور، وقد استخلص من مجموعة التجارب القتالية السابقة أن (كدية الصابون)
تشكل موقعا استراتيجيا هاما، حيث كانت القوات الاسبانية الصليبية تعمل في كل مرة على احتلال هذا الموقع المشرف على مدينة الجزائر-من خلفها- وحيث تستطيع مدفعية العدو تدمير الجزائر إذا ما أمكن لها احتلالها. ولهذا أمر ببناء معقل منيع، وحصن شامخ يرتفع فوق تلك الربوة التي تعلو مائتي متر تقريبا عن سطح البحر (1) ثم أخذ في الاستعداد لتنفيذ الهدف الثاني وهو تحرير وهران وتلمسان.
انتهج (حسان خير الدين) سياسة مضادة لكل الدول الأجنبية، بما فيها فرنسا التي كانت ترتبط بالسلطنة العثمانية بروابط رسمية جيدة، ساعدت فرنسا على الإفادة من الحريات الاقتصادية الواسعة التي منحتها لها معاهدتها مع استامبول والتي شملت كل بلاد السلطنة العثمانية غير أن (حسان خير الدين) لم يلتزم بذلك، وأعلن عن عدائه لفرنسا في مناسبات كثيرة، فما كان من فرنسا إلا أن أرسلت سفيرها المعتمد في استامبول إلى الجزائر، بهدف معرفة المدى الذي سيصل إليه (حسان) في عدائه لفرنسا، وفيما إذا كان هذا العداء سيؤثر على العلاقة الاقتصادية ما بين فرنسا والجزائر. واجتمع سفير فرنسا بالأمير (حسان) وعرض عليه تقديم مساعدات عسكرية- الأسطول والرجال - لتنفيذ مشروعه في غزو إسبانيا ونجدة مسلمي الأندلس. لكن (حسان) رفض هذا العرض، وأعلن بصراحة أن قضية الجهاد هي قضية خاصة بالمسلمين، فأكد بذلك القاعدة الثابتة (وهي عدم
(1) ما زالت هذه القلعة موجودة حتى اليوم، وقد عمل الجزائريون على تدميرها في تموز - يوليو - 1830،يوم اجتاحت قوات الاستعمار الفرنسي الجزائر. وأعاد الإفرنسيون بناءها وتحصينها. وتدعى القلعة رسميا باسم (سلطان قلعة سي - أي - قلعة السلطان). أما الشعب الجزائري فما زال حتى اليوم ينسبها إلى بانيها الأول، ويدعوها باسم (برج مولاي حسان) - حرب الثلاثمائة سنة - أحمد توفيق المدني - ص 333.
موقع المغرب العربي الإسلامي من العالم
الانتصار بكافر على كافر). ورجع السفير الإفرنسي إلى إستامبول، وأفاد من نفوذه الواسع للتأثير على رجال الديوان، وأوغر صدر السلطان بقوله:(إن السلطة الواسعة المطلقة التي يمارسها حسان، ومحاولاته توسيع مملكته ستحطم وحدة الدولة العثمانية وتهدد كيانها بالانقسام). فقرر الديوان السلطاني دعوة (حسان) إلى إستامبول لمجابهته بالأمر ومعرفة نواياه السياسية ومدى مطامعه. وغادر حسان مدينة الجزائر موقتا. وخلفه على ولاية الجزائر في نيسان - أبريل- سنة 1552 م ذلك القائد الشهير (صالح رايس).
الجزائر عند ظهور الأتراك العثمانيين