الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7 -
الجزائر تدمر الحملة
الإسبانية الكبرى
(1775 م)
لم يكن استيلاء إسبانيا على وهران والمرسى الكبير غير مرحلة في أحلام الملوك الإسبانيين للتوسع عبر المغرب العربي - الإسلامي. وكان هذا الاحتلال لوهران محدود القيمة، محدود الأهمية، ما لم يصل إلى الجزائر ذاتها، ولكن الظروف لم تكن مناسبة لتطوير هذا الاحتلال، لا سيما بعد تلك المقاومة الضارية التي قدمتها الجزائر لحصار الحامية الإسبانية في وهران والمرسى الكبير والتضييق عليها، حتى إذا ما جاء (شارل الثالث)(1) حاول السير على أثر أسلافه، فجهز حملة قوية تكونت من:(22600) مقاتل و (مائة مدفع ضخم من مدفعية الحصار) و (44) سفينة حربية و (344) سفينة نقل، بالإضافة إلى وسائط القتال الأخرى والذخائر والمواد التموينية، وعندما انتهت الاستعدادات تولى (الكونت أوريلي) قيادة الحملة وتوجه بها إلى الجزائر في شهر حزيران - يونيو - 1775م. ووصلت سفن الحملة إلى مياه الجزائر مع بداية شهر تموز - يوليو -.
(1) شارل الثالث: (CHARLES III) ابن فيليب الخامس، ولد سنة 1716، وأصبح ملكا على إسبانيا سنة 1759، ووضع النظام المشهور باسمه في سنة 1771 م وهاجم الجزائر سنة 1775 وتوفي سنة 1788 م. وتولى الحكم بعده ابنه باسم شارل الرابع.
وقرر (الكونت أوريلي) قائد الحملة إنزال قواته عند فجر يوم 3 تموز (يوليو) فوق أرض الساحل الواقع إلى الجنوب من (وادي
الحراش). وطلب إلى قائد الأسطول (الأميرال مازاريدو) دعم الإنزال بمدفعية الأسطول للرمي على منطقة الإنزال، كما أمر بأن يتم إنزال 12 قطعة مدفعية عيار (4) و12 قطعة مدفعية عيار (8) وثمانية مدافع عيار (12) وذلك مع إنزال الأفواج الأولى من قوات الغزو. وتقرر اقتراب سفن الإنزال إلى أقرب نقطة من الساحل. وحددت مهمة كل سفينة حربية ومجموعة سفن النقل المرافقة لها. غير أنه تبين صعوبة الإنزال يوم 3 تموز (يوليو) فتقرر تأجيل تنفيذ العملية إلى اليوم التالي. وهبت رياح قوية جدا صبيحة يوم 3 تموز (يوليو) فأصبح من المحال تنفيذ عملية الإنزال بسبب هياج البحر. وفي مساء هذا اليوم ذاته، جمع القائد العام للحملة هجئة أركانه فتقرر إنزال القوات عند خليج (مالا موجير) الواقع غرب رأس كاكسين (غربي الجزائر بمسافة عشرين كيلومترا تقريبا). وحددت السفن المخصصة لهذا الإنزال وسفن الدعم التابعة لها. ونفذت البحرية ما هو مطلوب منها وأصدر قائد الأسطول (الأميرال مازاريدو) أوامره بإقلاع السفن، وفق التنظيم التالي:
…
تتحرك السفن تحت قيادة القائد العام، وتكون وراءه اسفغن ناقلة الجيش، تليها السفن ناقلة الفرنسان وآلات الحرب والعتاد والمؤن. وتتقدم السفن إلى أقرب نقطة من الساحل حتى تتمكن قوات الغزو من النزول بسرعة والسير فورا نحو المرتفع الذي تعلوه قلعة السلطان (برج بوليلة) المشرفة على الجزائر، وتحتل البطاريات الجزائرية الموجودة هناك ..
غير أنه ما أن هبط ظلام الليل، وأزفت الساعة المحددة لإعطاء
الأوامر بالتحرك، حتى كانت الريح قد أخذت في الاتجاه نحو الشرق، واهتاج البحر واضطرب، فحال ذلك دون تنفيذ عملية الإنزال. وعقد قائد الحملة من جديد مؤتمرا لهيئة أركانه، فتقرر تعديل مخطط الإنزال، والعودة لإنزال القوات عند المكان الذي تم اختياره من قبل (إلى الجنوب من وادي الحراش) على أن تنفذ العملية يوم 7 تموز - يوليو - وانصرف قائد الأسطول لوضع المخطط النهائي بنقل الجند، وتعيين السفن المكلفة بالتنفيذ، بحيث يتم إنزال (7700) رجل في موجة الإنزال الأولى ثم تليها الموجة التالية المكونة من (700) رجل فقط. وعندما أزف الموعد المحدد للإنزال (من صباح يوم 7 تموز - يوليو) هدأ البحر قليلا. فقام قائد الأسطول بتوزيع قائمة السفن المخصصة لكل فرقة من الفرق السبعة، وتم تعيين ضابط بحري لكل مجموعة من سفن النقل واجبه تنسيق التعاون مع قائد الفرقة التي سيتم نقلها، والتي سيرافقها حتى منطقة إنزالها. ثم ذهب القائد العام (الكونت أوريلي) برفقة قائد الأسطول للإشراف على العملية. وأمكن لهما تحديد مرابض بطاريات المدفعية الجزائرية التي تم نشرها على الساحل المخصص لإنزال القوات الإسبانية. فقرر القائد العام وضع سفينتين حربيتين في مواجهة كل بطارية من بطاريتي المدفعية الجزائر.
كانت الجزائر تتابع الموقف منذ أن بدأت إسبانيا بالإعداد لحملتها، وعرفت أنها هي المستهدفة من هذه الحملة. فاستعدت لتلقي صدمة الهجوم. تحت قيادة والي الجزائر (الداي محمد عثمان باشا). وهكذا فعندما وقفت قطع الأسطول الإسباني في مواجهة الجزائر، لم يكن الأمر مباغتا. ووقف المقاتلون المسلمون وهم يتابعون حركة سفن الأسطول وهي تصطف على أشكال وخطوط مختلفة، في خيلاء وتحد، ثم عندما وجهت هذه السفن مقدماتها في مواجهة وادي
الحراش، وعندما وصلت إلى مدى رمي المدفعية الجزائرية بدأت بإنزال القوات. وعلى الرغم من معرفة المجاهدين مسبقا بأمر هذه الحملة، فقد كان حجم قوات الغزو، وتفوقها، مثيرا للقلق، وهنا انطلق قادة المجاهدين، ومشايخهم، وهم يحضون على القتال، ويرددون على إسماع المجاهدين قوله تعالى:{وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين} فاطمأنت النفوس لذكر الله وأنزل الله السكينة على قلوب المؤمنين.
عمل والي الجزائر (محمد عثمان باشا) على استنفار كل قادر على حمل السلاح وحشده في المعركة، كما كلف الأولاد - الصبيان - ممن يتجاوزون عمر السابعة بالعمل مع المجاهدين لمساعدتهم في أعمال الدفاع والتحصين، وتم اختيار المواقع المناسبة (لمرابض المدفعية). وقسمت القوة على النحو التالي:
1 -
قوة مقاتلة بقيادة (حسن الخزنجي) - وزير المالية ومركزه (عين الربط) - وهو الحي الذي يدعى اليوم باسم (ساحة المناورات) بين مدينة الجزائر وحي بلكور.
2 -
قوة مقاتلة بقيادة (القائد علي) المعروف (بآغة العرب) ومركزه عند (وادي خنيس) وهو في آخر حي العناصر حاليا (حيث حديقة التجارب).
3 -
قوة مقاتلة بقيادة (خوجة الخيل - وزير الحربية) ومركزه في (باب الوادي).
4 -
قوة باي الشرق (صالح) التي عسكرت على وادي الحراش.
5 -
قوة باي (تيطري) مصطفى باي التي أقامت معسكرها على جهة (تامانتغوس) ومعها بعض القبائل وفرسان ناحية سباو.
6 -
قوة خليفة الغرب (محمد عثمان) التي ضمت (4) آلاف فارس من فرسان العرب الدواير، وقد أقامت معسكرها على مقربة من معسكر (الخزنجي).
7 -
قوة باي الغرب (إبراهيم باي) والتي أقامت معسكرها على مقربة من مدينة (مستغانم) وواجبها العمل كقوة احتياطية.
ومضى كل قائد لتنظيم قواته في المنطقة المحددة له، وأقيمت التحصينات، وحفرت الخنادق، واتصل العمل في الليل والنهار، فيما كانت المدفعية تشتبك مع سفن الأسطول، وما أن سمع رجال القبائل في الجبال القريبة من الجزائر، باقتراب قوات الغزو الإسباني حتى أسرعوا من كل ناحية للاشتراك في شرف الجهاد. وتبعتهم جموع المجاهدين من كل أنحاء الجزائر، وبصورة خاصة من ناحية (قسنطينة) حتى ضاقت بهم الأرض على رحبها وسعتها.
اختار قائد الحملة الإسباني خمس سفن حربية - من أكبر سفنه وأقواها تسليحا - وكانت كل سفينة منها تحمل ثمانين مدفعا، وكلفها بالتمهيد لعملية الإنزال بقذف قنابلها من عيار 24 و36 رطلا. ووقفت سفينتان منها في مواجهة (برج الشرق - أو برج الكيفان). واثنتان منها في مواجهة (محلة الآغا) ووقفت الخامسة في مواجهة (محلة الخزنجي). وأخذت هذه السفن في قصف مرابض بطاريات المدفعية الجزائرية، اعتبارا من صباح يوم 7 تموز - يوليو - وردت عليها المدفعية الجزائرية برمايات كثيفة ومركزة استمرت طوال الليل. ثم انسحبت السفن إلى عرض البحر مبتعدة عن مدى عمل المدفعية الجزائرية، ومفسحة المجال أمام سفن النقل التي استمرت في نقل القوات وإنزالها طوال اليوم واللية التالية. وتمكنت المدفعية الجزائرية من إنزال بعض الخسائر في سفن إنزال العدو. وأثناء ذلك نقلت مدفعية الأسطول
الإسباني رماياتها الكثيفة ضد حصون المسلمين ومواقعهم في (الحراش وخنيس). ثم أخذت سفن الإنزال بالتوجه إلحى مصب وادي خنيس وقامت بإنزال قسم من قواتها عنده. وبادرت قوات الغزو هذه بالانقضاض على مواقع المجاهدين المسلمين غير أن هؤلاء استطاعوا تدمير الموجات المتتالية للقوات الإسبانية، ووصلت مجموعة مقاتلة إسبانية إلى البساتين حيث كان يتمركز (مخزن البارود) إلى جانب بطارية مدفعية خنيس، وهنا دارت معركة ضارية أمكن بواسطتها إيقاف التقدم الإسباني.
وأمضى المقاتلون من الطرفين ليلهم في الاستعداد للقتال، وعندما ارتفع الأذان لفجر يوم 8 تموز - يوليو - وذهب المسلمون للصلاة، دوت المدفعية الإسبانية معلنة بدء المعركة، واحتل المجاهدون مواقعهم، ووقفوا خلف تحصيناتهم، ولم تلبث نيران المدفعية الإسبانية أن غطت مواجهة الجبهة بكاملها (من مربض باي قسنطينة ما بين وادي الجميز والحرج، وحتى محلة الخزنجي ما بين وادي الحراش وعين الربط). واستمر القصف الكثيف حتى طلعت الشمس وعندها شاهد المجاهدون أن هناك أكثر من ألف وخمسمائة سفينة وناقلة وفلك وقارب قد اتجهت صوب وادي الحراش وعين الربط. وأسرع قادة قوات المسلمين في قيادة قواتهم نحو المكان الذي حدده الإسبانيون للإنزال، وأخذوا في الاستعداد للمعركة.
شحنت القوات الإسبانية فوق ناقلات الجند كل ما تتطلبه عمليات التمركز والتحصين، وحملت معها كميات مذهلة من الأكياس الفارغة (لتملأ بالتراب والرمل وتوضع بعضها فوق بعض) كما دفعت مع المقدمة وحدات من المهندسين للإشراف على إقامة التحصينات وتنظيم الأرض. وكانت السفن تتقدم بصورة بطيئة نحو
الساحل، بينما كانت السفن الحربية تلقي بمقذوفات مدافعها على معسكرات المسلمين في الشرق، وعلى معسكر الخزنجي بصورة خاصة، وقابلت بطاريات مدفعية المسلمين أعمال القصف بقصف مضاد اشتركت فيه كل المدفعية باستثناء مدفعية المرسى ومدينة الجزائر، نظرا لأن السفن الإسبانية كانت بعيدة عنها وخارج مجال عملها. ووصلت السفن الإسبانية، وألقت بمراسيها في البحر، وتقدمت القوارب تحمل الجنود حتى وصلت على مقربة من الساحل، فوضعت ألواحا من الخشب تصل بينها وبين البر، اجتازها الجند، واستقر فوق اليابسة. وكان كل جندي من جنودهم يحمل بندقية ورمحا برأسين من الحديد، لكي يغرسوها في الأرض حول معسكرهم، فتعيق وصول الفرنسان المسلمين إليهم. وكذلك أنزلوا معهم كميات صخمة من الأخشاب التي ربط بعضها إلى بعض من أجل إقامة الحواجز. وهكذا فما أن وطئت أقدام الإسبانيين الأرض حتى أقاموا معسكرا منيعا، دعموه بحفر خندق عميق، ثم أوثقوا حوله الحبال، ووضعوا وراءها أكياس الرمل. وغرسوا أعمدة من الخشب بين هذه الأكياس ثم إن كل فرقة من فرق الجند شبكت حول منطقتها، وعلى شكل دائري، تلك الرماح ذات الرأسين الحديديين التي أنزلوها معهم،، فكانوا يستطيعون التنقل والسير وهم محتمون بتلك الدائرة التي تمنع عنهم الهجمات المباغتة لقوات المسلمين. وأمكن إنشاء ذلك المركز الذي كان أشبه شيء بمدينة صغيرة خلال فترة قصيرة من الوقت، وكان يتخلل المعسكر 14 طريقا يتصل بعضها ببعض. وحفروا في الوسط بئرا يستسقون من مائه العذب.
قامت قوات المجاهدين بهجوم قوي على معسكر الإسبانين، فقتلوا كل الجنود الذين كانوا خارج المعسكر، غير أنهم لم يتمكنوا من
اقتحامه، فانسحبوا ومعهم قتلاهم وجرحاهم. ثم استؤنفت المعركة بقوة وشدة. وكانت القنابل والرصاص تسقط بكثافة عالية، وتحصن المسلمون وراء بطارياتهم وفوق كثبان الرمل المحيطة بالمعسكر الصليبي. وكانت قذائف المسلمين ورصاص بنادقهم يصيب جند الأعداء وهم في داخل معسكرهم، فكانوا لا يستطيعون الخروج منه أبدا. وكلما سقط منهم رجل أخذوه فورا إلى القوارب التي تنقله للأسطول، فربطوا رجله إلى قذيفة وألقو به إلى البحر حتى لا تطفو جثته فوق الماء، وكانوا أحيانا يجمعون الخمسة والستة من الجثث ويربطونها إلى قذائف ثم يلقون بها إلى البحر. وهكذا يفعلون بموتاهم داخل معسكرهم. لكن هذه الأعمال لم تكن حاسمة. ولم يجد المسلمون حيلة لاقتحام مركز العدو الإسباني نظرا للعدد الضخم من القنابل الذي كان يتساقط حول المعسكر لحمايته. واقترح باي قسنطينة القيام بهجوم شامل، على أن تتقدمه الجمال كستارة وقائية، وجمعت الإبل من كل ناحية بسرعة ودفعت نحو معسكر الإسبانيين تبعها عن قرب المجاهدون وعلى رأسهم القادة والولاة ودارت معركة طاحنة تحول لها النهار إلى ليل لكثرة دخان البارود والغبار المتصاعد، ولم تسفر المعركة عن نصر حاسم، فتراجع المسلمون من جديد، وأخذوا في الاستعداد للقيام بهجوم ليلي.
وكان المعسكر الصليبي محددا جدا، وضيقا، وفيه تكدست جماعات الجند وكميات السلاح والذخائر، وأقام فيه الإسبانيون ستين نقطة محصنة، غير أن التحرك بين هذه النقاط كان صعبا جدا بسبب ضيق المعسكر، ولهذا كان من المحال القيام بأي مناورة للقوات. وكانت ميمنة هذا المعسكر على وشك الانهيار تحت هجوم المسلمين لولا تدخل السفن الإسبانية، وتوجيه نيران غزيرة عطلت تقدم المجاهدين
وأوقفته. وكذلك الأمر بالنسبة للجناح الشرقي الذي تعرض لهجوم فرنسان المسلمين وكاد يسقط بدوره لولا دعم القوات البحرية. ولهذا أعادت القيادة الإسبانية تنظيم مواقعها على عمق جبهة لا يتجاوز الخمسمائة متر. واستمر الإسبانيون في المقاومة ضمن هذه المنطقة الخطرة. وكانوا يتلقون ضربات محكمة لا يعرفون مصدرها فيتساقط منهم الجنود صرعى. وكانت كل رمية بندقية يقذفها المسلمون تصيب مقتلا من جند الإسبانيين بسبب ضيق المكان واكتظاظه بالمقاتلين. وزاد الأمر سوءا - بالنسبة للإسبانيين - نتيجة الرمايات المحكمة التي كانت تطلقها بطارية (وادي خنيس) وهي البطارية التي لم تتمكن السفينة (القديس شارل) من تدميرها. فأحدثت رمايات بطارية المسلمين خسائر فادحة في القوات الإسبانية. وزادت خسائر الإسبانيين. فامتلأت القوارب بالجرحى الذين كان يتم نقلهم إلى مركز الأسطول، حيث تجرى لهم الإسعافات الأولية في السفن الحربية، لينقلوا بعدها إلى أحد السفن الثمانية التي حولت إلى (مستشفيات بحرية) وأدرك القائد العام للحملة بعد مضي ساعات فقط أنه من المحال أمام هذه المقاومة الضارية إحراز أي نجاح أو أي تقدم. فقرر الاسحاب بقواته فورا، وأصدر أوامره إلى سفن الأسطول الإسباني بالتجمع تحت حماية مدفعية الأسطول. وأخذت بعض الفرق في الانسحاب فورا ومعها بعض قطع المدفعية.
بدأ المجاهدون المسلمون هجومهم الليلي - بعد أداء صلاة المغرب مباشرة - من ليل 8 - 9 تموز - يوليو - وهطلت أمطار غزيرة زادت من صعوبة القتال، وشعر المجاهدون بمحاولات العدو للانسحاب فقطعوا عليها طريق انسحابها مرات عديدة، وأنزلوا فيها خسائر فادحة، فيما كانت المدفعية تقصف مواقع الإسبانيين دون هوادة،
وعندما ارتفعت الأصوات معلنة أذان الفجر توقفت مدفعية الأسطول الإسباني عن الرمي. واندفعت قوة من المسلمين إلى داخل معسكر الصليبيين فوجدته فارغا، ووجدت فيه الكثير من الأسلحة والذخائر والمدفعية مما يدل على أن القوات المعادية قد انسحبت على عجل فلم تتوافر لها فرصة من الوقت لحمل أسلحتها وأمتعتها وعتادها. واستولت قوات المسلمين على ما تركه العدو من غنائم فوق أرض المعركة من الوسائط القتالية والبنادق و 16 مدفعا من النحاس وقطعتين من راميات القذائف. وجمع المسلمون المقذوفات التي أرسلتها المدفعية الإسبانية فبلغت (40) ألف قذيفة. واعترفت المصادر الإسبانية بمصرع (191) ضابطا و (2088) جنديا في اليوم الأول من المعركة. في حين تذكر مصادر أخرى أن عدد القتلى الإسبانيين يرتفع إلى (4) آلاف قتيل. أما المصادر العربية فتذكر أن عدد قتلى الأعداء يبلغ (10) آلاف قتيل مقابل (مائتا شهيد) من قوات المسلمين.
أمضت سفن الأسطول الإسباني أيام 9 و10 و11 تموز - يوليو - 1775 وهي في عرض البحر، تنظم المستشفيات، ثم رفعت العلم الأسود علامة الحداد، ومضت خائبة في طريق عودتها إلى قواعدها. وقرر القائد العام للحملة الإسبانية، قصف مدينة الجزائر بالقنابل يوم 13 تموز - يوليو - انتقاما لما نزل بقواته من الخسائر، غير أن هيئة أركانه أقنعته بعقم محاولته وعدم جدواها، علاوة على ما تحمله من خطر التعرض لمدفعية الساحل القوية.
يذكر هنا أنه ما كادت المعركة تصل نهايتها حتى بلغت أعداد المقاتلين المسلمين الذين تدفقوا من كل أنحاء البلاد أكثر من (150) ألفا، بينهم (6) آلاف من الأتراك، و (3) آلاف بحار في الميناء (المرسى).