الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 -
تبادل الأسرى والمعركة البحرية
أمام الجزائر
(1773 م)
حاولت إسبانيا بعد استيلائها على وهران والمرسى الكبير الوصول إلى سلم مع الجزائر، غير أن هذه رفضت الدخول في أية تسوية سلمية طالما بقيت القوات الإسبانية فوق أرض الجزائر. واستمرت المفاوضات فترة طويلة، تتوقف فترة لتستأنف في مرحلة لاحقة. وأمكن في النهاية الوصول إلى اتفاقية لتبادل إطلاق سراح الأسرى فقط، وعقدت الاتفاقية الأولى في شهر تشرين الأول - أكتوبر - سنة 1768 م. واشترط الجزائريون أن تطلق إسبانيا جميع من لديها من أسرى المسلمين مقابل إطلاق سراح الأسرى الإسبانيين الموجودين في الجزائر فقط. وبموجب هذا الاتفاق أطلقت إسبانيا سراح (1200) أسير مسلم مقابل (712) أسير إسباني. وأعيد تطبيق هذه الاتفاقية ذاتها في سنة 1773، واشترطت الجزائر في هذه المرة إطلاق سراح أسيرين مسلمين مقابل كل أسير إسباني، وبذلك أطلقت إسبانيا (1106) أسيرا من المسلمين - هم كل من كان لديها - مقابل إطلاق الجزائريين سراح (570) أسيرا من الإسبانيين.
ظنت الإدارة الإسبانية بعد ذلك، أن الظروف قد باتت مناسبة لها لتوجيه حملة هدفها تدمير مدينة الجزائر وإخضاعها، إذ كانت الدولة الجزائرية في حال حرب مع معظم الدول الأوروبية، وكان الأسطول
الجزائري منتشرا في عدد كبير من قواعد البحر الأبيض المتوسط. ووضعت الإدارة الإسبانية مخطط عملياتها على أساس تحقيق الأهداف التالية: 1 - مهاجمة الجزائر بحرا بواسطة قدرة بحرية كافية. 2 - تدمير السفن الجزائرية التي تكون راسية بالميناء - المرسى -. 3 - تدمير حصون مدينة الجزائر وقلاعها. 4 - فرض الشروط المناسبة لإسبانيا على حكومة الجزائر. وأخذت الإدارة الإسبانية بعد ذلك في حشد أسطولها البحري في مدينة قرطاجة الإسبانية، فتجمعت (76) سفينة حربية، أسندت قيادتها للأميرال (أنطونيو - باركلو).
تلقى داي الجزائر (محمد عثمان باشا) إعلاما من ملك المغرب (السلطان محمد بن عبد الله) في شهر أيار (مايو) 1773 م (1187 هـ) يعلمه بتجمع الأسطول النصراني واستعداده لمهاجة الجزائر - خلال فترة وجيزة - فشرع (داي الجزائر) بالاستعداد لمجابهة العدوان في البر والبحر، وشملت استعداداته:
1 -
تجميع القوات في الجزائر، واستقدام القوات من داخل البلاد، فجاء من ولاية قسنطينة (بايليك)(25) ألفا ومن ولاية معسكر (20) ألفا ومن ولاية تيطري (5) آلاف.
2 -
إخراج السكان المدنيين من مدينة الجزائر ومعهم أمتعتهم وثرواتهم إلى حدائق النزهة في ظاهر المدينة.
3 -
إرسال الأسرى المسيحيين فورا - وعددهم 1548 أسيرا - إلى مدينة المدية.
4 -
الشروع فورا ببناء سفينتين مسلحتين بالمدفعية القوية لدعم الأسطول البحري (العمارة).
غادر الأسطول الإسباني قواعده في شهر تموز (يوليو) 1773 - وأصبح لزاما على الأسطول الجزائري المكون من (25) سفينة، مجابهة أسطول العدو المتفوق بمعدل ثلاثة أضعاف تقريبا. وصل الأسطول الإسباني إلى المياه الإقليمية لمدينة الجزائر يوم 29 تموز (يوليو) واصطفت سفنه في مواجهة المدينة استعدادا للانقضاض عليها وقصفها، فرفعت الحصون الجزائرية على الفور أعلامها، وبادرت سفن العدو بإطلاق النار عليها.
وفي يوم 30 تموز - يوليو - غادرت مرسى الجزائر بعض السفن، وسارت متحدية الأسطول الإسباني الذي اشتبك معها بالنيران، غير أنه لم يتمكن من إصابتها بسوء، واستمر تبادل إطلاق النار بين القوتين.
قامت مدفعية الأسطول الإسباني بقذف قنابلها على الميناء - المرسى - يوم 1 - آب - أغسطس - وردت عليها بطاريات الحصون برمايات كثيفة ومركزة. وخرجت عوامتان جزائريتان تجرهما القوارب، فاقتربتا من الأسطول الإسباني، وألقتا عليه ما كانتا تحملانه من القنابل، ثم رجعتا إلى المرسى سالمتين، ثم خرجتا مرة ثانية، ومعهما سفن أخرى، وهاجمت هذه القوة الأسطول الإسباني، ثم رجعت سالمة، وخسر الجزائريون 8 - 10 شهداء بينهم وزير الحرب.
وفي يوم 2 آب - أغسطس - فتحت حصون الجزائر نيرانها ولم ترد عليها مدفعية الأسطول الإسباني إلا بعد ساعتين تقريبا. ثم خرجت قوة بحرية جزائرية لمهاجمة الأسطول المعادي، واشتبكت معه بنيران المدفعية، فيما كانت مدفعية الحصون تتابع قذف الأسطول الإسباني باستمرار حتى الساعة (16،00) مساء، فتوقفت المدفعية الإسبانية،
وأوقفت المدفعية الجزائرية عملية القصف بعد ذلك بربع ساعة. وأثناء ذلك أصابت قنابل الإسبانيين بعض منازل المدينة، كما نزلت قذيفة بدار الحكومة (قصر الجنينة).
وتجدد القتال يوم 4 آب - أغسطس - وخرجت السفن الجزائرية، وهاجمت الأسطول الإسباني وأصلته نارا حامية، وكان ضرب بطاريات الأرض - الجزائرية - قويا جدا، كما كان قصف الأسطول الإسباني أشد قوة من كل الاشباكات السابقة. ظهرت ريح قوية شرقية - يوم 5 آب - أغسطس - وانتشرت غيوم الضباب الكثيف، فأعاقت حدوث اشتباكات قوية. وفي المساء أمكن تبادل القذف المدفعي. ودعم الجزائريون قواتهم بوضع مدافع إضافية.
وتقدمت السفن الإسبانية يوم 6 آب - أغسطس - فاصطدمت بسفن الأسطول الجزائري، وتبادلت القوتان أعمال القذف. واشتركت مدفعية الحصون بدعم الأسطول الجزائري. ورجمت السفن الإسبانية في الساعة (18،00) إلى مركز التجمع بعد أن أصابت قنابلها بعض منازل المدينة فدمرتها. وأصيبت سفينة جزائرية فاحترقت، غير أن بقية السفن أنقذتها. وقتل في معركة هذا اليوم وجرح (30) رجلا. كما غرقت سفينة استطلاع جزائرية (جوالة) وغرق قائدها.
وفي يوم 7 آب - أغسطس - اتخذت السفن الإسبانية مواقعها للقتال وتقدمتها سفينتان لرمي المدفعية، فتصدى لها الأسطول الجزائري، واشتبك معها بالنيران لمدة ساعتين، ثم انسحبت السفينتان الإسبانيتان. واستؤنف القتال في المساء. وأصيبت بارجة إسبانية كانت تحتل أقصى موقع في تشكيل المعركة، فانفجرت وصدر
عنها دوي هائل، وعندما تقشعت سحب الدخان، تبين أنه لم يعد هناك أثر لهذه البارجة، وتوقفت المعركة، وعادت سفن الطرفين المتصارعين إلى مراكزها.
ثم ألقى الإسبانيون عددا من القنابل على المرسى (الميناء) يوم 8 آب - أغسطس - غير أن هذه الرمايات لم تكن محكمة، وسقطت بعيدا في البحر.
استعد الأسطول الإساني للانسحاب يوم 9آب - أغسطس - واتجه نحو الشمال. ومرت سفينة الأميرال الإسباني أثناء انسحابها على مسافة قريبة جدا من الحصون الجزائرية، فحيتها الحصون الجزائرية بطلقتي مدفع (بالبارود وبدون قذائف).
انتهت هذه المعركة بفشل 9 هجمات إسبانية، وأطلق الجزائريون خلالها (15) ألف قذيفة من قذائف مدفعيتهم. وخسر المسلمون في هذه الهجمات مائة شهيد بالمرسى ولم يعلن الإسبانيون عدد قتلاهم، وخاصة ضحايا السفينة البارجة التي غرقت.
أما بالمدينة، فقد كان عدد القتلى نحو الثلاثمائة. وتم أيضا تدمير ثلاثمائة منزل تقريبا. وبلغ عدد القنابل التي قذفها الإسبانيون على الأسطول الجزائري وعلى المدينة أكثر من (750) قنبلة وقذيفة من عيارات مختلفة.
ـ[صورة]ـ
الوالى الجزائري يشرف على مرعكة بحرية أمام مدينة الجزائر