المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الإهداء

- ‌فاتحة:

- ‌المبحث الأول

- ‌المعجزة

- ‌الجدل والتحدي وآيات المعاجزة

- ‌وجوه الإعجاز والبيان القرآني

- ‌البلاغيون والإعجاز البياني

- ‌المبحث الثاني

- ‌فواتح السُّوَر وسِرُّ الحرف

- ‌دلالات الألفاظ وسر الكلمة

- ‌الأساليبُ وسرُّ التعبير

- ‌مسائل نافع بنِ الأزرق

- ‌اللهمَّ يسَّرْ وأَعِنْ

- ‌1 - {عِزِينَ}

- ‌2 - {الْوَسِيلَةَ} :

- ‌3 - {شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا}

- ‌4 - {وَيَنْعِهِ}

- ‌5 - {رِيشًا} :

- ‌6 - {كَبَدٍ}

- ‌7 - {سَنَا} :

- ‌8 - {حَفَدَةً} :

- ‌9 - {حَنَانًا}

- ‌10 - {يَيْأَسِ}

- ‌11 - {مَثْبُورًا}

- ‌12 - {فَأَجَاءَهَا}

- ‌13 - {نَدِيًّا}

- ‌15 - {قَاعًا صَفْصَفًا}

- ‌16 - {تَضْحَى}

- ‌18 - {وَلَا تَنِيَا}

- ‌19 - {الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ}

- ‌20 - {مَشِيدٍ}

- ‌21 - {شُوَاظٌ}

- ‌23 - {يُؤَيِّدُ}

- ‌24 - {نُحَاسٌ}

- ‌25 - {أَمْشَاجٍ}

- ‌26 - {فُومِهَا}

- ‌27 - {سَامِدُونَ}

- ‌28 - {غَوْلٌ}

- ‌29 - {اتَّسَقَ}

- ‌30 - {خَالِدُونَ} :

- ‌31 - {الْجَوَابِى}

- ‌32 - {فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}

- ‌33 - {لَازِبٍ}

- ‌34 - {أَنْدَادًا}

- ‌35 - {شَوْبًا}

- ‌37 - {حَمَإٍ مَسْنُونٍ}

- ‌39 - {مَاءً غَدَقًا} :

- ‌40 - {بِشِهَابٍ قَبَسٍ} :

- ‌41 - {أَلِيمٌ} :

- ‌42 - {قَفَّيْنَا} :

- ‌43 - {تَرَدَّى}

- ‌44 - {نَهَرٍ}

- ‌45 - {الْأَنَامِ}

- ‌46 - {يَحُورَ} :

- ‌47 - {أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا}

- ‌48 - {مُلِيمٌ}

- ‌49 - {تَحُسُّونَهُمْ}

- ‌50 - {أَلْفَيْنَا}

- ‌51 - {جَنَفًا}

- ‌52 - {الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ}

- ‌53 - {رَمْزًا}

- ‌54 - {فَازَ}

- ‌55 - {سَوَاءٍ}

- ‌59 - {الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}

- ‌57 - {زَنِيمٍ}

- ‌59 - {الْفَلَقِ}

- ‌60 - {خَلَاقٍ}

- ‌61 - {قَانِتُونَ}

- ‌61 - {جَدُّ رَبِّنَا}

- ‌64 - {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ}

- ‌65 - {أَكْدَى}

- ‌66 - {وَزَرَ}

- ‌67 - {نَحْبَهُ}

- ‌69 - {الْمُعْصِرَاتِ}

- ‌70 - {عَضُدَ}

- ‌72 - {لِكَيْلَا تَأْسَوْا}

- ‌73 - {يَصْدِفُونَ}

- ‌74 - {تُبْسَلَ}

- ‌75 - {أَفَلَتْ}

- ‌76 - {الصَّرِيمِ}

- ‌77 - {تَفْتَأُ}

- ‌78 - {إِمْلَاقٍ}

- ‌79 - {حَدَائِقَ}

- ‌80 - {مُقِيتًا}

- ‌81 - {لَا يَئُودُهُ}

- ‌82 - {سَرِيًّا}

- ‌83 - {دِهَاقًا}

- ‌84 - {كَنُودٌ}

- ‌85 - {يُنْغِضُونَ}

- ‌87 - {الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ}

- ‌88 - {تَتْبِيبٍ}

- ‌90 - {عَصِيبٌ}

- ‌91 - {مُؤْصَدَةٌ}

- ‌92 - {يَسْأَمُونَ}

- ‌93 - {أَبَابِيلَ}

- ‌94 - {ثَقِفْتُمُوهُمْ}

- ‌95 - {نَقْعًا}

- ‌97 - {مَخْضُودٍ}

- ‌98 - {هَضِيمٌ}

- ‌99 - {سَدِيدًا}

- ‌100 - {الإِلّ}

- ‌102 - {زُبَرَ الْحَدِيدِ}

- ‌103 - {سُحْقًا}

- ‌104 - {غُرُورٍ}

- ‌105 - {حَصُورًا}

- ‌106 - {عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا}

- ‌107 - {يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ}

- ‌108 - {إِيَابَهُمْ}

- ‌109 - {حُوبًا}

- ‌111 - {فَتِيلًا}

- ‌12 - {قِطْمِيرٍ}

- ‌113 - {أَرْكَسَهُمْ}

- ‌114 - {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا}

- ‌115 - {يَفْتِنَكُمُ}

- ‌116 - {لَمْ يَغْنَوْا}

- ‌118 - {نَقِيرًا}

- ‌119 - {فَارِضٌ}

- ‌120 - {الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} من {الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ}

- ‌121 - {شَرَوْا}

- ‌122 - {حُسْبَانًا}

- ‌123 - {عَنَتِ}

- ‌124 - {ضَنْكًا}

- ‌125 - {فَجٍّ}

- ‌126 - {الْحُبُكِ}

- ‌127 - {حَرَضًا}

- ‌128 - {يَدُعُّ}

- ‌129 - {مُنْفَطِرٌ}

- ‌130 - {يُوزَعُونَ}

- ‌131 - {خَبَتْ}

- ‌132 - {الْمُهْلِ}

- ‌133 - {وَبِيل}

- ‌134 - {نَقَّبُوا}

- ‌135 - {هَمْسًا}

- ‌136 - {مُقْمَحُونَ}

- ‌137 - {مَرِيجٍ}

- ‌138 - {حَتْمًا مَقْضِيًّا}

- ‌139 - {أَكْوَابٍ}

- ‌140 - {يُنْزَفُونَ}

- ‌141 - {كَانَ غَرَامًا} :

- ‌142 - {التَّرَائِبِ}

- ‌143 - {بُورًا}

- ‌145 - {أَلَدُّ الْخِصَامِ}

- ‌146 - {حَنِيذٍ}

- ‌147 - {الْأَجْدَاثِ}

- ‌148 - {هَلُوعًا}

- ‌149 - {لَاتَ حِينَ مَنَاصٍ}

- ‌150 - {دُسُرٍ}

- ‌151 - {رِكْزًا}

- ‌152 - {بَاسِرَةٌ}

- ‌153 - {ضِيزَى}

- ‌154 - {لَمْ يَتَسَنَّهْ}

- ‌155 - {خَتَّارٍ}

- ‌156 - {الْقِطْرِ}

- ‌157 - {خَمْطٍ}

- ‌158 - {اشْمَأَزَّتْ} :

- ‌159 - {جُدَدٌ}

- ‌160 - {أَغْنَى، وَأَقْنَى}

- ‌161 - {لَا يَلِتْكُمْ}

- ‌162 - {أَبًّا}

- ‌163 - {السِرًّ}

- ‌164 - {تُسِيمُونَ}

- ‌165 - {لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا}

- ‌166 - {مَتْرَبَةٍ}

- ‌167 - {مُهْطِعِينَ}

- ‌168 - {سَمِيًّا}

- ‌169 - (يُصْهَرُ)

- ‌170 - (لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ)

- ‌171 - (كُلَّ بَنَانٍ) :

- ‌172 - (إِعْصَارٌ)

- ‌173 - (مُرَاغَمًا) :

- ‌174 - (صَلْد) :

- ‌175 - (مَمْنُون) :

- ‌176 - (جَابُوا) :

- ‌177 - (جَمًّا) :

- ‌178 - (غَاسِقٍ) :

- ‌179 - (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) :

- ‌180 - (يَعْمَهُونَ) :

- ‌181 - (إِلَى بَارِئِكُمْ) :

- ‌182 - (رَيْبٍ) :

- ‌183 - (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ)

- ‌184 - (صَفْوَان) :

- ‌185 - (صِرٌّ) :

- ‌186 - (تُبَوِّئُ) :

- ‌187 (رِبِّيُّونَ) :

- ‌188 - (مَخْمَصَةٌ) :

- ‌189 - (يقترف) :

- ‌خاتمة

الفصل: ‌الأساليب وسر التعبير

(3)

‌الأساليبُ وسرُّ التعبير

قد نكون عرفنا البلاغة علماً وثَقِفناها صناعةً ومنطقاً. غير أننا ما نزال في أشد الحاجة إلى أن نجتليها ذوقاً أصيلاً وحِساً مرهفاً في آيات الفصاحة العليا والبيان المعجز.

ص: 239

الاستغناء عن الفاعل:

من الظواهر الأسلوبية اللافتة في البيان القرآني، ظاهرة الاستغناء عن الفاعل التي توزعت في دراستنا وكتبنا بين أبواب شتى متباعدة، لا تعطي سر هذا الاستغناء.

فأنت تقرأ في علم الصرف كيفية بناء الفعل للمجهول وصيغ المطاوعة، وتقرأ في علم النحو أحكام نائب الفاعل، أما لماذا حُذف الفاعل وبني فعله للمجهول، فذلك موضوع آخر تدرسه في علم آخر هو علم المعاني التي انفصلت عن الإعراب فعاد هذا الإعراب صنعة، وهو في الأصل مناط المعنى. كما تدرس في علم البيان إسنادَ الفعل إلى غير فاعله على سبيل المجاز.

دون أن يحاول أحد الدراسين فيما أعلم، أن يجمع هذا الشتاتَ المنتثر لظاهرة أسلةبية واحدة، لاستجلاء سرها الذي من أجله تستغنى العربية عن الفاعل فتسنده إلى غير فاعله، بالبناء للمجهول أو المطاوعة أو الإسناد المجازي.

وقد لفتني اطراد ظاهرة الاستغناء عن الفاعل في البيان القرآني، في موقف القيامة، أما بالبناء للمجهول في مثل آيات:

{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً}

{إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا}

{يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا}

{كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا}

{وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى}

ص: 240

{فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8) وَإِذَا السَّمَاءُ فُرِجَتْ (9) وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ}

{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7) وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13) عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ}

{أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ}

ومعها سائر آيات النفخ في الصور، وكلها مبنية للعل المجهول، الماضي منها والمضارع:

(الكهف 99، المؤمنون 101، يس 51، الزمر 68، ق 20، الحاقة 23، الأنعام 73، طه 102، النمل 87، النبأ 18. . .)

وإما أن يستغنى البيان القرآني عن ذكر الفاعل في موقف الآخرة، بإسناده إلى غير فاعله، مطاوعة أو مجازاً، كما في آيات:

{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}

{فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ}

{إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ}

{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ}

{يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا}

{يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا}

{فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}

ص: 241

{فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ}

{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} .

وعجيب حقاً أن تطرد هذه الظاهرة الأسلوبية في موقف واحد، ثم لا تلفت البلاغيين والمفسرين مع وضوحها.

والبلاغيون يقولون في حذف الفاعل: إنه يُحذف للعلم أو الجهل به، أو الخوف منه أو عليه. ونعرض هذه الوجوه على البيان القرآني، فيأبى أن يكون حذف الفاعل، سبحانه، لأحداث القيامة، للخوف عليه أو الجهل به. ثم يشهد الاستقراء أن القرآن لم يحذف الفاعل في مواضع العلم به يقيناً، مثل:

{يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ}

{يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}

{يُحْيِي وَيُمِيتُ}

{يَهدِى ويُضِلُّ}

{خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}

. . . . . . . . . . . . ..

فما سر ظاهرة الاستغناء عن ذكر الفاعل في أحداث يوم القيامة؟

يهدينا البيان القرآني إلى:

أن أساليب: البناء للمجهول، والمطاوعة، والاسناد المجازي، تلتقي جميعاً في الاستغناء عن ذكر الفاعل، وإن كان لكل أسلوب منها ملحظة البياني الخاص، يجلوه استقراء مواضعه في الكتاب المحكم.

* اطراد هذه الظاهرة في موقف البعث والقيامة، ينبه إلى أسرار بيانية وراء ضوابط الصنعة وإجراءات الإعراب الشكلية:

فبناء الفاعل للمجهول: فيه تركيز الاهتمام على الحَدث، بِصَرْفِ النظرِ عن مُحدِثه.

ص: 242

والمطاوعة: فيها بيانً للطواعية التي يتم بها الحدَثُ تلقائياً أو على وجه التسخير، وكأنه ليس في حاجة إلى فاعل. . .

والإسناد المجازي: يعطى المسنَد إليه فاعليةً محققة يستغنى بها عن ذكر الفاعل الأصلي. . . والله أعلم.

* * *

ص: 243

البدء بواو القسم:

ننطر في ظاهرة أسلوبية أخرى من البيان القرآني، وهي ظاهرة البدء بواو القسم في مثل آيات:

الضحى: {وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}

الليل: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}

الفجر: {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ}

النجم: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى}

العاديات: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا}

العصر: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}

. . . . . . . . . . . . . . .

والأصل في الواو أن تأتي في درَج الكلام للربط والعطف، فإذا جاءت للقسم فإن لها الصدارة، في مقام التوثيق لما يسبق إنكاره، أو الإقرار والشهادة.

وقد اتجه بها المفسرون، أو جمهرتهم فيما أعلم، إلى تعظيم المقسَم به.

ثم مضوا يلتمسون وجه العظمة في المقسم به بالواو. وأكثر ما ذكروه من ذلك يدخل في الحكمة وهي تختلف تماماً عن العظمة: فما من شيء في الكون خُلِق عبثاً، وكل ما خلقه الله، خلقه لحكمة ظاهرة لنا أو خفية علينا، وأما العظمة فلا يهون القول بها لمجرد لمح وجهٍ لظاهر الحكمة في المقسَم به، بعد هذه الواو.

ثم إنهم غالباً، لم يراعوا القيد في المقسم به: ففي الضحى مثلاً تحدثوا عن عظمة الضياء، وليس مقصوراً على وقت الضحى، بل لعله في الظهيرة أقوى. . .

وفي الليل إذا سجى، تحدثوا عن عظمة الليل مطلق الليل، وهو في الآية مقيد

ص: 244

بـ "إذا سجى" وجاء في آيات أخرى مقيداً بـ: إذا عسعس، إذا يغشى، إذا يسرى، إذا أدبر. . .

وفي آية النجم، تحدثوا عن عظمة النجم، وهو في الآية مقيد بـ: إذا هوى: واضطربوا كذلك في ربط القسم بهذه الواو، بجواب قسَمه: فأين الصلة بين عظمة العاديات ضبحاً، وبين كنود الإنسان لربه، وبعثرة ما في القبور؟ وما معقد الصلة بين عظمة الليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى، وبين: إن سعيكم لشتى؟ أو بين عظمة النجم إذا هوى، و {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} ؟

وقبل ذلك كله، ما السر البياني لهذا البدء بالواو القسم؟ وهل كان العربي الأصيل في عصر المبعث لا يجد فرقاً بين الآيات:{وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} . . .

وبين مألوف التعبير بصريح القسم: أقسم بالضحى، وبالليل إذا سجى، وأقسم بالنجم إذا هوى؟ . . .

إن التعظيم الذي لفتهم من واو القسم، يتحقق مثله بصريح لفظ القسم، فهل العدول عن: أقسم بالنجم، إلى "والنجم" لا يعطى أي ملحظ بياني؟

* * *

نلحظ بادئ ذي بدء أن ظاهرة القسم بالواو جاءت في مستهل السور مع: الضحى، والليل، والفجر وليال عشر، والعصر، والتين والزيتون، والنجم إذا هوى، والعاديات ضبحاً، والنازعات غرقاً، والذاريات ذرواً، والصافات صَفَّا والسماء والطارق، والسماء ذات البروج، والشمس وضحاها، والطور وكتاب مسطور، والتين والزيتون، وطور سنين. . .

وكلها سور مكية، ولم تأت سورة مدنية مبدوءة بهذه الواو.

ص: 245

فإذا كان القصد إلى إعظامها، فما وجه إيثارها بهذا الاستهلال، وليس في القرآن كله، سورة مفتتحة بالواو مع اسم من أسماء الله الحسنى، وأين من عظمته تعالى عظمة مخلوقاته؟

ولا مجال أن نقيس بعظمة الله، عظمةَ التين والزيتون والعاديات ضبحاً، والنجم إذا هوى. . .

بل ليس في القرآن "والله" قسماً غير قسم المشركين يوم القيامة، في آيتى الأنعام:{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (22) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} - 23

{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} - 30

والواو هنا في درج الكلام وليست في مستهل السورة أو الآية، والمقسِمون هم المشركون يوم الحشر، والقسم على أصل معناه من الإقرار. . .

على حين تأتي واو القسم في فواتح السور والآيات، والمقسِم فيها جيمعأً هو الله سبحانه.

وجاءت واو القسم مع "رَبًّ" في أربع آيات ليست في مستهل سورها، والواو فيها لا تثع ابتداء في أول الجملة، بل يسبقها حرف الفاء، أو: فلا، أو إى:

الذرايات 23: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}

الحجر 92: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}

النساء 65: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}

يونس 53: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ}

ص: 246

والقسم فيها جميعاً على وجهه من التأكيد والتقرير والإعظام.

وإذ يأتي القسم بالواو على وجهه مع "ربَّ" في أربع آيات ومع "الله" في آيتين فحسب، وجاء القسم بـ:"والليل" وحده ست مرات، يطرد فيها مجئ الواو في صدر الآيات، فإن ذلك يدعو إلى مراجعة لما قنع به المفسرون والبلاغيون في تأويل هذه الواو بأنها لإعظام ما تلاها، من ليل ونهار وضحى وفجر وتين وزيتون. . .

ولا سبيل إلى قياس عظمتها بعظمة الخالق جل جلاله.

وهم قد ذكروا في القسَم بالليل والنهار مثلاً، وجوهَ الحكمة فيهما وعَدوُّا الكثير من فوائدها. وكرروا ذكر هذه الفوائد حيثما جاء القسم بالفجر والصبح والضحى والنهار، أو بالليل ساجياً وغاشياًَ وسارياً ومدبراً. . .

وحمَّلوا الآيات من التأويلات الفلسفية والإشارية - في مثل ما نقرأ في تفاسير الفخر الرازي والنبيسابورى والطبرسى والشيخ محمد عبده - ما لا نتصور أن هذه الواو يمكن أن تحمله من قريب أو بعيد. مع ملاحظة أن البيان القرآني يلفت إلى آيتى الليل والنهار، أو الشمس والقمر، بغير القسم، فيفهمها النائ بأيسر تنُّبهٍ، كالذي في آيات:

القصص 71: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} ؟

الإسراء 12: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ}

يونس 6: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا

ص: 247

بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ}

- وانظر معها آيات: الأنعام 96، يونس 67، النمل 86، آل عمران 190، الجاثية 5، الفرقان 47، الروم 23.

وليس على هذا النحو من بيان الحكمة، تأتي آيات القسم بالواو: والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى، والنجم إذا هوى، والضحى، والليل إذا سجى. ونظائرها.

من هنا كان وقوفي أمام هذه الظاهرة الأسلوبية في البيان القرآني، لعلى أجتلى من سرها البياني ما أضيفه إلى فكرة الإعظام التي سيطرت وحدها على جمهرة من قرأت لهم من المفسرين والبلاغيين. . . .

والذي اطمأننت إليه بعد طول التدبر لسياقها في الآيات المستهلة بالواو، هو أن هذه الواو قد خرجت عن أصل معناها اللغوي الأول في القسم للتعظيم، إلى معنى بلاغي، هو اللفتُ بإثارة بالغة إاى حِسَّيات مُدرَكة لا تحتمل أن تكون موضع جدل ومماراة، توطئة إيضاحية لبيانِ معنوياتِ مُمارَى فيها، أو تقرير غيبياتِ ليست من الحسيات والمدركات.

فالبيان القرآني في قسمه بالفجر وبالصبح إذا أسفر وإذا تنفس، وبالشمس وضحاها، والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى. . .

يَجلو معاني من الهدى والحق أو الضلال والباطل، بماديات من النور والظلمة في مختلف درجاتهما.

وهذا البيان للمعنوي بالحسي، هو مدار استعمال البيان القرآني للظلمات والنور بمعنى الضلال والهدى.

ص: 248

وهو الذي يمكن أن نعرضه على أكثر الآيات المستهلة بواو القسم، فتقبله دون تكلف في التأويل أو اعتساف الملحظ.

ففي آيات الليل مثلاٍ:

{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}

ذكروا فيها وجوه الحكمة في تعاقب الليل والنهار، وليسا هنا مطلق الليل ومطلق النهار. وإذ لم يتعلق البيان القرآني فيهما بغير الغشية والتجلي، نلمح السر البياني فيما تلفت إليه الواو من تقابل واضح محسوس، بين غشية الليل بظلامه وتجلي النهار بضيائه.

ومثله في الوضوح الحسي المدرك، التفاوت بين خلق الذكر والأنثى.

توطئة إيضاحية لبيان تفاوت مماثل في معنويات لا تدرك بالحس: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} وتفاوت أبعدَ في غيبياتٍ بين الآخرة والأولى، والجزاء والعقاب.

{أَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} . . .

{إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} .

كل هذه المتقابلات: المعنوي منها والغيبي: اعطى وبخل، اتقى واستغنى، صدق وكذب، اليسرى والعسرى، الآخرة والأولى، يصلاها ويُجَنَّبُها، الأشقى والأتقى. . .،

يجلوها البيان المعجز بتوطئة موضحة لافتة إلى التفاوت المادي الواضح المدرك في: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى}

* * *

ص: 249

وفي آيات الضحى:

{وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}

الواو لافتة إلى صورة مادية وواقع حسي، يشهد به الناس تألق الضوء في ضحوة النهار، ثم فتور الليل إذا سجى وسكن. وتتعاقب الظاهرتان الكونيتان كل يوم دون أن يكون في تواردهما ما يبعث على دهشة وإنكار، بل دون أن يخطر على بال أحد أن السماء تخلت عن الأرض بأن أسلمتها إلى وحشة الليل بعد تألق الضوء في ضحى اليوم نفسه.

فأي عجب في أن يجئ بعد أنس الوحي وتجلي نوره على المصطفى صلى الله عليه وسلم، فترةُ سكون للوحي، على نحو ما نشهد من سجو الليل بعد تألق الضحى؟ وفيم القول، أو الظن بأن محمداً ودعه ربه وقلاه؟

* * *

ونتدبر كذلك آية النجم:

{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى} .

اللفت بالواو إلى ظاهرة كونية مشهودة، يراها الناس في النجم إذا هوى فيلمحون على الأفق ما يبدو على مد البصر من اتصال السماء بالأرض بخيط من النور.

ظاهرة كونية تتكرر على مرأى منهم ومشهد، فلا يجدون فيها ما هو موضع جدل أو إنكار، ففيم العجب وفيم المماراة والإنكار للظاهرة الغيبية المماثلة، إذ يتجلى نور الوحي من الأفق الأعلى فيدنو ويتدلى حتى يصل إلى المصطفى على هذه الأرض؟

{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)

ص: 250

فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} ؟

* * *

وآيات العاديات:

السورة تبدأ بالواو لافتة إلى ما عهد القوم من غارات الخيل المصبحة، تفجؤهم على غير توقع فلا ينتيهون إلا وقد توسطت الجمعَ فبعثرته وسط نقعها المثار.

توطئة إيضاحية لصورة بيانية أخرى منذرة بغيب غير مشهود ولا مدرك، يفجأ الإنسانَ الكنود لربه، بالبعث يأخذه على غير أهبة أو توقع، فإذا الناس في حيرة وارتباك، قد بعثُروا من القبور أشتاتاً كالفراش المبثوث أو الجراد المنتشر، وإذا كل ما في صدورهم قد حُصّل لم تفلت منه خافية مضمرة في طي الصدور:

{إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} . . .

{أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ}

* * *

وآية العصر:

الواو في موضعها الذي تطرد به الظاهرة الأسلوبية في اللفت إلى ابتلاء الإنسان بالزمن يعصره ويصهره بالضغط والمعاناة.

توطئة إيضاحية لبيان ما يستخلص العصرُ من عصارة هذا الإنسان وما يبلو من طاقته ويصهر من معدنه، كاشفاً عن خبره أو شره. فيكون الخسر أو النجاة:

{وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}

* * *

ص: 251

وقوة اللفت في مثل هذا الأسلوب، تأتي من العدول بالواو عن موضعها المألوف في درج الكلام، فتثير أقصى التنبه.

ولعل السلف الصالح من المفسرين، ما فاتهم هذا الملحظ البياني إلا لأن علماء البلاغة قد عرفوا خروج الخبر والاستفهام والأمر والنهي عن معانيها الأولى في أصل اللغة إلى معان بلاغية نصوا عليها في كتب البلاغة المدرسية. ثم لم يشيروا إلى خروج القسم عن معناه الأول. فكان ما كان من اعتساف التأويل للآيات المبدوءة بواو القسم لتظل كما أراد لها علماء البلاغة على أصل معناها اللغوي، لا تخرج عنه إلى معنى بلاغي.

ولا بأس علينا إن شاء الله، إذا نحن التمسنا من البيان القرآني ما يمنح هذه الواو سرها البلاغي وراء معناها القريب المألوف الذي عرفوه لها.

والله أعلم. . .

* * *

ص: 252

السجع ورعاية الفواصل:

وأنتقل إلى النظر في الفواصل القرآنية التي شغلت السلف واختلفوا فيها اختلافاً بعيداً.

ولا خلاف بينهم أعلمه في أن لفواصل القرآن إيقاعها الفريد وبلاغتها العليا، لكن الخلاف في شأن هذه الفواصل، هل هي من قبيل ما يعرف بالسجع في فنون البديع، أو هي شيء آخر غيره؟

ومنذ بدأ عصر التأليف في الدراسات القرآنية والبلاغية، أخذت قضية الفواصل موضعها من عناية الأجيال الأولى من علماء العربية وأن لم تستقل بمباحث مفردة بل جاءت عارضة في ثنايا المصنفات القرآنية المبكرة:

فأبو عبيجة، معمر بن المثنى البصري - 310 هـ - يقف بين حين وآخر في متابه (مجاز القرآن) عن الفاصلة إذا لحظ فيها عدولاً عن مألوف الاستعمال اللغوي، موجهاً همه إلى الاحتجاج لهذا العدول بأن "العرب تفعل ذلك في كلامها" وهي العبارة التي تلقانا كثيراً في كتاب مجاز القرآن.

كذلك لم يعرض "الفراء أبو زكريا الكوفي" - 207 هـ - لمسألة الفواصل عرضاً مباشراً في متابه (معاني القرآن) ولكنه في توجيه الآيات، وترجيحه بين القراءات. يصرح بأن القرآن يراعي الفاصلة: فيقدم أو يؤخر أو يحذف، ويؤثر لفظاً على آخر في معناه، أو يعدل عن صيغة للكلمة إلى صيغة أخرى، رعاية "لمشاكلة المقاطع ورءوس الآيات، وكأنه نزل على ما يستحب العرب من موافقة المقاطع".

وعلى كثرة ما عرض "الفراء" للفواصل القرآنية وبخاصة في السور المكية،

ص: 253

لم يذكرها باسم الفواصل وإنما هي عنده رءوس آيات. وقد تحاشى القول "بالسجع" فيها، وإن ثبت على مذهبه في أن النظم القرآني يرعاها قصداً إلى الجرس الصوتي ومشاكلة المقاطع.

وحتى القرن الثالث للهجرة، كان التحرج واضحاً من القول بالسجع في القرآن، وكأنما كان الحس المؤمن ينبو عن هذه الكلمة، لكثرة ما أطلقت عن قديم على سجع الكهان.

لكن القضية ما لبثت أن دخلت معترك الجدل الكلامي بين الفرق الإسلامية فارتبطت بالإعجاز بالنظم، وبدأت تستقل بمباحث مفردة.

قرر "الأشاعرة" نفي السجع عن القرآن، وقالوا إنما هي فواصل. وعقد "الباقلاني" في كتابه (إعجاز القرآن) فصلا في نفي السجع عن القرآن بسط فيه مذهبهم في التفرقة بين السجع والفواصل. وقد بدأه بقوله:

"ذهب أصحابنا كلهم إلى نفي السجع عن القرآن. وذكره الشيخ أبو الحسن الأشعري في غير موضع من كتبه. . . وذهب كثير ممن يخالفهم إلى إثبات السجع في القرآن. وزعموا أن ذلك مما يبين به فضل الكلام، وإنه من الأجناس التي يقع فيها التفاضل في البيان والفصاحة، كالتجنيس والالتفات، وما أشبه ذلك من الوجوه التي تعرف بها الفصاحة. . . وأما ما في القرآن من السجع فهو كثير لا يصح أن يتفق كله غير مقصود إليه.

"وهذا الذي يزعمونه غير صحيح. ولو كان القرآن سجعاً لكان غير خارج عن أساليب كلامهم ولو كان داخلاً فيها لم يقع بذلك إعجاز. ولو جاز أن يقولوا: سجع معجز. لجاز لهم أن يقولوا: شعر معجز. وكيف والسجع مما كان يألفه الكهان من العرب؟ ونفيه عن القرآن أجدر بأن يكون حجة من نفي الشعر. لأن الكهانة تنافي النبوات وليس كذلك الشعر. وقد روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذين جاءوه وكلموه في شأن - دِيَةِ - الجنين: كيف نَدِى مَن لا شَرِبَ ولا أكل، ولا صاح فاستهل، أليس دمُه قد يُطَل؟ فقال عليه الصلاة والسلام:

ص: 254

"أسجاعة كسجاعة الجاهلية؟ " وفي بعضها - أي الروايات" "أسجعا كسجع الكهان؟ ".

"والذي يقدرونه أنه سجع فهو وهم، لأنه قد يكون في الكلام على مثال السجع وإن لم يكن سجعاً. لأن السجع يتبع المعنى فيه اللفظَ الذي يؤدى السجع، وليس كذلك ما اتفق مما هو في تقدير السجع من القرآن، لأن اللفظ يقع فيه تابعاً للمعنى. وفصلَ بين أن ينتظم الكلام في نفسه بألفاظه التي تؤدي المعنى المقصود إليه، وبين أن يكون المعنى منتظماً دون اللفظ. ومتى انتظم المعنى بنفسه دون السجع كان مستجلبا لتحسين الكلام دون تصحيح المعنى. . .

"ثم إن سلَّم لهم مُسلَّم موضعاً أو مواضع معدودة، وزعم أن وقوع ذلك موقع الاستراحة في الخطاب إلى الفواصل لتحسين الكلام بها - وهي الطريقة التي يباين بها القرآن سائر الكلام - وزعم أن الوجه في ذلك أنه من الفواصل، أو زعم أن ذلك وقع غير مقصود إليه، فإن ذلك إذا اعترض الخطاب لم يُعد سجعاً، على ما قد بَيَّنا في القليل من الشعر كالبيت الواحد والمصراه والبيتين من الرجز ونحو ذلك، يعرض فيه فلا يقال إنه شعر، لأنه لا يقع مقصوداً إليه مإنما يقع مغموراً في الخطاب، وكذلك حال السجع الذي يزعمونه ويقدرونه. . .

"ويقال لهم: لو كان الذي في القرآن، على ما تقدرونه، سجعاً لكان مذموماً مرذولاً، لأن السجع إذا تفاوتت أوزانه واختلفت طرقه كان قبيحاً من الكلام. وللسجع منهج مرتب محفوظ وطريق مضبوط، متى أخل به المتلكم وقع الخلل في كلامه وُسب إليه الخروج عن الفصاحة، كما أن الشاعر إذا خرج عن الوزن المعهود كان مخطئاً وكان شعره مرذولاً، وربما أخرجه ذلك عن كونه شعراً.

"وقد علمنا أن بعض ما يدعونه سجعاً متقارب الفواصل متداني المقاطع

ص: 255

وبعضها مما يتضاعف طوله وترد الفاصلة على ذلك الوزن الأول بعد كلام كثير، وهذا في السجع غير مُرضٍ ولا محمود.

"فإن قيل: متى خرج السجع المعتدل إلى نحو ما ذكرتموه، خرج من أن يكون سجعاً وليس على المتكلم أن يكون كلامه كله سجعاً، بل يأتي به طوراً ثم يعدل عنه إلى غيره، ثم قد يرجع إليه،

"قيل: متى وقع أحد مصراعي البيت مخالفاً للآخر كان تخليطاً وخبطاً. وكذلك متى اضطرب أحد مصراعي الكلام المسجّضع وتفاوت، كان خبطاً. وقد عُلم أن فصاحة القرآن غير مذمومة في الأصل، فلا يجوز أن يقع فيها هذا النحو من الاضطراب.

"ولو كان الكلام الذي هو في صورة السجع، منه، لما تحيروا فيه، ولكانت الطباع تدعو إلى المعارضة لأن السجع غير ممتنع عليهم"

وبعد أن أطنب "الباقلاني" في الاحتجاج لنفي السجع في القرآن، بعجز العرب عن معارضته، قال:

"فبَاَنَ بما قلنا أن الحروف التي وقعت في الفواصل متناسبة موقع النظائر التي تقع في الاسجاع، لا يخرجها عن حَدَّها ولا يدخلها في باب السجع.

"ولابد لمن جوَّز السجع فيه وسلك ما سلكوه، من أن يُسلم بما ذهب إليه (النظام، وعباد بن سليمان، وهشام القوطي) ويذهب مذهبهم في أنه "ليس في نظم القرآن وتأليفه إعجاز، وأنه يمكن مع معارضته وإنما صُرفوا عنه ضرباً من الصرف" ويتشمن كلامه تسليم الخبط في طريقة النظم، وأنه منتظم من فرق شتى ومن أنواع مختلفة ينقسم إليها خطابهم ولا يخرج عنها، ويستهين ببديع نظمه وعجيب تأليفه الذي وقع التحدي إليه. وكيف يعجزهم الخروج عن السجع والرجوع إليه، وقد علمنا عادتهم في خُطبهم وكلامهم، أنهم كانوا لا يلزمون أبداً

ص: 256

طريقة السجع والوزن، بل كانوا يتصرفون في أنواع مختلفة؟ فإذا ادعوا على القرآن مثل ذلك، لم يجدوا فاصلة بين نظمى الكلام".

ويوشك "الباقلاني" في احتجاجه لنفي السجع في القرآن، أن يسلم بقدر منه فيه مما سماه السجع المعتجل، وهذا القدر لا يكفي عنده لحمله على السجع، كما لا يكفي وجود شطر أو بيت وبيتين من الشعر والرجز في الكلام ليكون شعراً.

ولا يبدو لنا قوياًَ واضحاً، وجهُ تفريقه بين الفواصل والسجع، من حيث تفاوتُ المقاطع طولاً وقُصراً.

وليس حتماً على من جَوَّز السجع في القرآن، أن يسلم كما قال الباقلاني بمذهب أصحاب الاعتزال في الإعجاز بالصرفة، فالمعتزلة أنفسهم نفوا السجع عن القرآن نفياً باتاً، واحتج منهم "علي بن عيسى الرماني" لهذا النفي بأقوى مما احتج به الأشاعرة، وعدَّ الفواصل القرآنية من وجوه الإعجاز البلاغي للقرآن، مميزاً بينها وبين الأسجاع تمييزاً واضحاً.

ففي رسالته (النكت في إعجاز القرآن) عقد باباً خاصاً للفواصل، عرفها فيه بأنها "حروف متشاكلة في المقاطع، توجب إفهام المعاني" ثم استطرد شارحاً: "والفواصل بلاغة والأسجاع عيب. وذلك أن الفواصل تابعة للمعاني، وأما الأسجاع فالمعاني تابعة لها، وهو قلب ما توجبه الحكمة في الدلالة، إذ كان الغرض الذي هو حِكمة، إنما هو الإبانة عن المعاني التي إليها الحاجةُ ماسَّةٌ. فإذا كانت المشاكلة وصلة إليه فهي بلاغة، وإذا كانت المشاكلة على خلاف ذلك فهو عيب ولُكنة. . .

"وفواصل القرآن كلها بلاغة وحكمة، لأنه طريق إلى إفهام المعاني التي يحتاج إليها في أحسن صورة يدل بها عليها. وإنما أُخِذَ السجع في الكلام من سجع الحمامة، وذلك أنه ليس فيه إلا الأصوات المتشاكلة، إذ كان المعنى لَمَّا تُكُلَّفَ من

ص: 257

غير وجه الحاجة إليه والفائدة فيه لم يُعتد به، فصار بمنزلة ما ليس فيه إلا الأصوات المتشاكلة"

والفواصل عند "الرماني" علة وجهين:

أحدهما على الحروف المتجانسة، كآيات:

{طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى}

{وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ}

والآخر، على الحروف المتقاربة كالميم والنون في مثل:

{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}

والدال والباء، في مثل:

{ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ}

فالعبرة عند "الرماني" بالمعنى، وإن لم يمتنع عنده أن يكون للجرس اللفظي وائتلاف الإسقاع حظه من التقدير أو كما قال في ختام الباب:

"والفائدة في الفواصل دلالتها على المقاطع، وتحسينها الكلام بالتشاكل، وإبداؤها في الآى بالنظائر".

* * *

لكن أكثر البلاغيين لم يطمئنوا مع ذلك إلى هذه التفرقة بين الفواصل والأسجاع وإن أجمعوا على الإقرار بإعجاز النظم القرآنر.

فابو هلال العسكري - 359 هـ - يصرح في (الصناعتين) بأن جميع ما في القرآن مما يجرى على التسجيع والازدواج، مخالف في تمكين المعنى وصفاء اللفظ وتضمنه الطلاوة والماء، لا يجرى مجراه من كلام الخلق. . . ألا ترى قوله عن اسمه:{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا} قد بان عن جميع أقسامهم الجارية هذا المجرى.

ص: 258

ولهذا ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل قال له: أَنَدِى مَنْ لا شَرِبَ ولا أكل، ولا صاح فاستهلّ! :"أسجعا كسجع الكهان؟ " لأن التكلف في. سجعهم فاش. ولو كرهه عليه الصلاة والسلام لكونه سجعاً لقال: أسجعاً؟ ثم سكت. وكيف يذمه ويكرهه، وإذا سلم من التكلف وبرئ من التعسف لم يكن في جميع صنوف الكلام أحسن منه؟ ".

فالقضية عند أبي هلال ليست قضية فواصل واسجاع بل سجع بليغ وآخر متكلف مستكره. وكذلك هي عند عبد القاهر الجرجاني - 471 هـ - في (أسرار البلاغة) لا يقبل من النظم ما جاء "لنصرة السجع وطلب الوزن. . . وعلى الجملة فإنك لا تجد تجنيساًَ مقبولاً ولا سجعاً حسنا حتى يكون المعنى هو الذي طلبه واستدعاه وساق نحوه، وحتى لا تبتغي به بدلاً ولا تدج عنه حِوَلا. . . ".

و"أبو هلال" وإن صرح بوجود السجع والازدواج في القرآن، لم يعرض للخرف في القضية عرضاً مباشراً، كما فعل "ابن الخفاجي - 466 هـ" الذي تصدى للرد على من نفوا السجع عن القرآن وفرقوا بينه وبين الفواصل. قلا:

". . . وأما الفواصل التي في القرآن فإنهم سموها فواصل ولم يسموها أسجاعاً. . . وفرقوا فقالوا: إن السجع هو الذي يُقصد في نفسه ثم يُحْمَلُ المعنى عليه، والفواصل التي تتبع المعاني ولا تكون مقصودة في أنفسها. وقال "علي بن عيسى الرماني": إن الفواصل بلاغة والسجع عيب. وعلل ذلك بما ذكرناه من أن السجع تتبعه المعاني والفواصل تتبع المعاني. وهذا غير صحيح.

"والذي يجب أن يحرر فذ لك أن يقال: إن الأسجاع حروف متماثلة في مقاطع الفصول. والفواصل على ضربين، ضرب يكون سجعاً وهو ما تماثلت حروفه في المقاطع. وضرب لا يكون سجعاً وهو لمِا تقابلت حروفه في المقاطع ولم تتماثل. ولا يخلو كل واحد من هذين القسمين - التماثل والتقارب - من أن

ص: 259

يكون يأتي طوعاً سهلاً وتابعاً للمعاني، وبالضد من ذلك حتى يكون متكلفاً يتبعه المعنى. فإن كان من القسم الأول فهو المحمود الدال على الفصاحة وحسن البيان، وإن كان من النوع الثاني فهو مذموم مرفوض.

"فأما القرآن فلم يرد فيه إلا ما هو من القسم الأول المحمود لعُلوَّه في الفصاحة، وقد وردت فواصل متماثلة"

- ذكر منها آيات: طه، والطور، والعاديات، والفجر. ونص على أن الياء حذفت فيها، من: يسر (ى) الواد (ى) طلباً للموافقة في الفواصل. وكذلك الآيات الولى من سورة القمر. ثم قال:

"وجميع هذه السورة - القمر - هذا الازدواج. وهذا جائز أن يسمى سجعاً لأن فيه معنى السجع، ولا مانع في الشرع يمنع ذلك"

وأما مثال الفواصل المتقاربة فذكر منها، كالرمانى، آيات الفاتحة وأوائل سورة ق، ثم قال:

"وهذا لا يسمى سجعاً. لأنا قد بينا أن السجع ما كانت حروفه متماثله. فأما قول الرومانى: "إن السجع عيب والفواصل بلاغة" على الإطلاق، فغلط: لأنه إن أراد بالسجع ما يكون تابعاً للمعنى وكأنه غير مقصود، فذلك بلاغة والفواصل مثله. وإن كان يريد بالسجع ما تقع المعاني تابعة له وهو مقصود متكلف، فذلك عيب والفواصل مثله. وكما يعرض التكلف في السجع عند طلب تماثل الحروف، كذلك يعرض في الفواصل عند تقارب الحروف"

ونبه "الخفاجي" إلى ملحظ دقيق من كراهية تسمية الفواصل القرآنية المتماثلة سجعاً فقال: "وأظن أن الذي دعا اصحابنا إلى تسمية كل ما في القرآن فواصل، ولم يسموا ما تماثلت حروفه سجعاً، رغبة في تنزيه القرآن عن الوصف اللاحق

ص: 260

بغيره من الكلام المروي عن الكهنة وغيرهم. وهذا غرض في التسمية قريب، فأما الحقيقة فما ذكرناه".

وكذلك لم ير "ابن الأثير الضياء أبو الفتح - 637 هـ - في (المثل السائر) وجهاً لذم السجع على الإطلاق، ونفيه عن القرآن جمبة، ولا تكاد تخلو سورة من السور من السجع البليغ.

وإنما المنكر أن يأتي الكلام على مثل سجع الكهان.

وقد عرض للقضية بتفصيل في مبحث "الصناعة اللفظية" في أول كتابه (المثل السائر قال: "أعلم أن صناعة تأليف الألفاظ إلى ثمانية أنواع هي: السجع، ويختص بالكلام المنثور.

والتصريع، ويختص بالكلام المنظوم وهو داخل في باب السجع والتجنيس، وهو يعم الجنسين أيضاً. والموازنة، وتختص بالكلام المنثور، واختلاف صيغ الألفاظ، وهو يعم القسمين جميعاً، وتكرير الحروف، كذلك.

"النوع الأول المسجع، وحَدُّه أن يقال: تواطؤ الفواصل في الكلام المنثور على حرف واحد. وقد ذمه بعض أصحابنا من أرباب هذه الصناعة، ولا أرى لذلك وجهاً سوى عجزهم أن يأتوا به، وإلا فلو كان مذموماًَ لما ورد في القرآن الكريم، فإنه قد أتى منه بالكثير حتى إنه ليؤتى بالسورة جميعاً مسحوعة، كسورة الرحمن وسورة القمر وغيرهما. وبالجملة فلم تخل منه سورة من السور.

"وقد ورد على هذا الأسلوب من كلام النبي صلى الله عليه وسلم شيء كثير أيضاً. . . فإن قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبعضهم منكراً: "أسجعاً كسجع الجاهلية. أو" كسجع الكهان" ولولا أن السجع مكروه لما أنكره النبي صلى الله عليه وسلم، فالجواب عن ذلك أنا نقول: لو كره النبي - صلى الله عليه

ص: 261

وسلم - السجع مطلقاً لقال "أسجعاً؟ " ثم سكت.. فلما قال: "أسجعاً كسجع الكهان" صار المهنى معلقاً على أمر وهو إنكار الفعل لم كان على هذا الوجه. فعُلم أنه إنما ذم من السجع ما كان مثل سجع الكهان لا غير، وأنه لم يذم السجع على الإطلاق، وقد ورد في القرآن الكريم. وهو، صلى الله عليه وسلم، قد نطق به في كثير من كلامه حتى إنه غيَّر الكلمة عن وجهها إتباعاً لها بأخواتها من أجل السجع، فقال لابن بنته عليهما السلام:"أعيذه من الهامة والسامَّة، وكل عين لأمة".

وإنما أراد "ملمة" لأن الأصل فيها من: أَلَّم فهو مُلِمّ. وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "ارجعن مأزورات غير مأجورات" وإنما أراد: موزورات من الوز، فقال: مأزورات، لمكان "مأجورات" طلباً للتوازن والسجع. وهذا مما يدلك على فضيلة السجع.

"على أن هذا الحديث النبوي الذي يتضمن إنكار سجع الكهان، عندي فيه نظر، فإن الوهم يسبق إلى إنكاره، يقال: فما سجع الكهان الذي يتعلق الإنكار به ونهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟

والجواب عن ذلك: أن النهي لم يكن عن السجع نفسه وإنما النهي عن حكم الكاهن الوارد باللفظ المسجوع. ألا ترى لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية الجنين بِغرّة: عبد أو أمَة، قال الرجل: أأّدِى من لا شرب ولا أكل، ولا نطق فاستهل، ومثل ذلك يُطَلّ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أسجعاً كسجع الكهان"؟

"فالسجع إذن ليس بمنهي عنه، وإنما المنهي عنه هو الحكم المتبوع في قول

ص: 262

الكاهن. . . أي: أحُكماً كحكم الكهان. . .؟ وإلا فالسجع الذي أتى الرجلُ لا بأس به، وكلامه حسن من حيث السجع، وليس بمنكر لنفسه وإنما المنكر هو الحكم الذي تضمنه في امتناع الكاهن أن يَدِى الجنين. . .

"واعلم أن الأصل في السجع إنما هو الاعتدال في مقاطع الكلام. ومع هذا فليس الوقوف في السجع عند الاعتدال فقط، ولا عند تواطؤ الفواصل على حرف واحد، إذ لو كان في ذلك هو المراد من السجع لكان كل أديب سجَّاعاً، وما من أحد منهم، ولو شدا شيئاً يسيراً من الأدب، إلا ويمكنه أن يؤلف ألفاظاً مسجوعة ويأتي بها في كرمه، بل ينبغي أن تكون الألفاظ المسجوعة حلوة حادة طنانة رنانة، لا غثة ولا باردة. وأعني بقولي: غثة باردة، أن صاحبها يصرف نظره إلى السجع نفسه من غير نظر إلى مفردات الألفاظ المسجوعة وما يشترط لها من الحسن، ولا إلى تركيبها وما يشترط له من الحسن. . .

"وهذا مقام تزل عنه الأقدام ولا يستطعيه إلا الواحد من أرباب هذ الفن بعد الواحد. ومن أجل ذلك كان أربابه قليلاً.

"فإذ صفى الكلام المسجوع من الغثاثة والبرد، فإن وراء ذلك مطلوباً آخر وهو أن يكون اللفظ فيه تابعاً للمعنى، لا أن يكون المعنى تابعاًُ للفظ فإنه يجئ عند ذلك كظاهر مُمَوَّهٍ على باطن مشوَّه، ويكون مثله كغِمدٍ من ذهب على نصل من خشب. وكذلك يجرى الحكم على الأنواع الباقية، من التجنيس والترضيع وغيرهما" ولخص "ابن الأثير" مذهبه في السجع البليغ فحدد له شرائطاً أربعا: اختيار مفردات الألفاظ، واختيار التركيب، وأن يكون اللفظ تابعاً للمعنى، وأن تكون كل من الفقرتين المسجوعتين دالة على معنى غير الذي دلَّت عليه أختها، فهذه شرائط أربع لابد منه للسجع البليغ.

و"ابن أبي الإصبع" البلاغي المصري - ت: 654 هـ - لا يبدو في كتابه

ص: 263

(بديع القرآن) مستقراً على رأي في الموضوع: فهو في باب "ائتلاف الفاصلة مع ما يدل عليه سائر الكلام" - وهذا الباب عنده من مخترعات قدامة بن جعفر، وسماه مَنْ بعده:(التمكين) - يقول ما نصه: "وكل مقاطع آي الكتاب العزيز لا تخلو من أن تكون أحد الأقسام الأربعة - لائتلاف الفاصلة، وهي: التمكين، والتصدير، والتوشيح، والإيغال - ولهذا تسمى مقاطعة فواصل لا سجعاً ولا قوافي، لاختصاص القوافي بالشعر، والسجع بالمنافرة، مأخوذ من سجع الطائر" فتفهم من هذا، أنه مع الذين تفوا وجود السجع في القرآن. لكنه لا يلبث في "باب التسجيع" أن يعده فناً من بديع القرآن، ويستشهد لضَرببيه - المتماثل والمتقارب - بالآيات الأولى من سورة "ق" وسورة "الرحمن" وكأنه تحاشى القول صراحة بالسجع في القرآن، ثم لما وصل إلى باب التسجيع، شق عليه ألا يقدم نماذجه العليا من الفواصل القرآنية، في (بديع القرآن) .

و"يحيى بن حمزة العلوي" - ت: 749 هـ - في باب "التسجيع" من كتابه (الطراز، المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز) لم يفرق بين الأسجاع والفواصل، ولا اعتد بقول الذين نفوا السجع في القرآن. والتسجيع عنده:"من علوم البلاغة، كثير التدوار عظيم الاستعمال في ألسنة البلغاء، ويقع في الكلام المنثور. وهو في مقابل التصريع، في الكلام المنظور الموزون في الشعر. ومعناه في ألسنة علماء البيان: اتفاق الفواصل في الكلام المنثور، في الحرف، أو في الوزن، أو في مجموعهما".

ص: 264

وواضح من مسلكه في الاستشهاد لكل ضرب من ضروب التسجيع بىيات قرآنية، أنه على مذهب الذين قالوا بوجود السجع في القرآن، ولا فرق عندهم بينه وبين الفواصل. قال يبين أنواع التسجيع:

"فإن اتفقت الأعجاز في الفواصل مع اتفاق الوزن، سُمَّى المتوازي كقوله تعالى:

{فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ} - سورة الغاشية.

وإن اتفقا في الأعجاز من غير وزن، سُمي المُطَرَّق كقوله تعالى:

{مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} - سورة نوح

وإن اتفقا في الوزن دون الحرف، سُمَّى المتوازن، كقوله تعالى:

{وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} - سورة الغاشية

وفصَّل "ابن حمزة" القول في حكم التسجيع مع الحديث المروي في كراهة سجع الكهان، فقال:

"وفيه مذهبان: الأول جوازه وحُسنُه، وهذا هو الذي عول عليه علماء أهل البيان. والحجة على ذلك هي أن كتاب الله تعالى والسنة النبوية وكلام أمير المؤمنين، مملوء منه. فلو كان مستكرهاً لما ورد في هذا الكلام البالغ في الفصاحة كل مبلغ. ولأجل كثرته في ألسنة الفصحاء لا يكاد بليغ من البلغاء يرتجل خطبة ولا يحرر موعظة إلا ويكون أكثره مبنياً على التسجيع في أكثره. وفي هذا دلالة قاطعة على كونه مقبولاً مستعملاً على ألسنة الفصحاء في المقامات المشهورة والمحافل المعهودة.

"المذهب الثاني: استكراهه. وهذا شيء حكاه ابن الأثير ولم أعرف قائله ولا وجدته فيما طالعت من كتب البلاغة. ولعل الشبهة لهم في استكراهه ما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لما أوْجَبَ في (دية) الجنين غُرَّةً، عبداً أو أمَة.

ص: 265

فقال الذي أوجبها عليه: كيف تِدى من لا شرب ولا أكل، ولا صاح فاستهل ومثلُ ذلك يُطَلُّ؟

"والجواب أنا نقول: إنه لم ينكر السجع مطلقاً، وإنما أنكر سجعاً مخصوصاً وهو سجع الكهان لأن أكثر أخبارهم عن الأمور الكونية والأوهام الظنية، على جهة السجع وتطابق أعجاز الألفاظ.

"والمختار: قبولُه. ولو لم يكن جائزاً في البلاغة لما أتى في أفصح كلام وهو التنزيل. ولما جاء في كلام سيد البشر وكلام أمير المؤمنين. لأن هذه هي أعظم الكلام بلاغة وأدخلها في الفصاحة فلا يمكن ترك هذا الأسلوب من الكلام لقصَّة عارضةٍ من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم يمكن حملُها على وجه لائق كما أشرنا إليه"

وفي بيان السجع البليغ المقبول، اشترط مثل ما اشترط "ابن الأثير" - ويمثل عبارته، وعلى نفس الترتيب - من الاعتدال مع شرائط أربع:

"أن تكون الألفاظ حلوة المذاق رطبة طنانة، صافية على السماع طيبة رنانة، وجوده التركيب وحسنة، وأن تكون الألفاظ في تركيبها تابعة لمعناها، ولا يكون المعنى فيها تابعاً لألفاظ فيكون ظاهرة التمويه وباطنُه التشويه، ويصير مثاله كمثال عمد من ذهب على نصب من خشب.

"وأن تكون كل واحدة من السجعتين دالة على معنى حسن بانفراده، مغاير للمعنى الذي دلت عليه الأخرى. فهذه الشرائط الأربع لابد من اعتبارها في كل كلام مسجوع".

* * *

وأراني أطلت في عرض أقوال السلف في الفواصل القرآنية والسجع، توطئة لتدبر أسرار التعبير في هذه الظاهرة الأسلوبية اللافتة، من البيان المعجز

ص: 266

وقد رأينا كيف تباعدت بهم السبل بين الطرفين المتقابلين:

ففي البيئة الكلامية اختلفت الفرق الإسلامية بين نفي السجع في القآن نفياً باتاً، والقول بوجوده في النظم القرآني، وعَدَّه من وجوه إعجازه.

وفي البيئة اللغوية والبلاغية، اتسع الخلاف بين مذهب "الفراء" في أن السجع في القرآن مقصود إليه لذاته، وأنه ربما عدل عن نسق إلى آخر وآثر لفظاً على غيره في معناه، قصداً إلى المشاكلة والتوافق بين رءوس الآيات.

وبين من أنكروا، كابن سنان الخفاجي وابن الأثير، أن تكون معاني الفواصل القرآنية تابعة للألفاظ.

ورأينا من علماء السلف من فرقوا بين الفواصل والأسجاع، كالقاضي الباقلاني وعلي بن عيسى الرماني. وإن لم ير أكثر البلاغيين فرقاً بين الفواصل والسجع، وعندهم أن الأمر في هذه التفرقة، ليس إلا كراهة القول بالسجع في القرآن، بعد أن شاع إطلاقه على سجع الكهان.

* * *

ص: 267

وما نزال نجد جفوة تجاه لفظ السجع، لطول ما ابتذلته الصنعة اللفظية في الزخرف البديعي، في أساليب العصور المتأخرة، بعد أن التزمه الكهان في العصر الجاهلي.

ومن ثم نؤثر أن نمضي على تسمية مقاطع الآيات في القرآن بالفواصل، وهو الذي جرى عليه أكثر المفسرين.

وبعد الذي سُقناه من خلافهم، يكون من المجدي في القضية، أن نتدبر الفواصل القرآنية، لنرى ما إذا كان البيان الأعلى يتعلق في فاصلة منها بمجرد رعاية شكلية للرونق اللفظي، أو أن فواصله تأتي لمقتضيات معنوية، مع نسق الإيقاع بهذه الفواصل، وائتلاف الجرس لألفاظها التي اقتضها المعاني على نحو تتقاصر دونه بلاغة البلغاء؟

وأختار هنا شواهد من الفواصل التي مال "الفراء" ومن ذهب مذهبه، إلى حملها على قصد المشاكلة اللفظية بين رءوس الآيات، بإيثار نسق على آخر، أو العدول عن لفظ إلى غيره في معناه.

دون أن يحتاطوا لدفع وهم الإطلاق، والتعميم، بذكر المقتضى المعنوي للفواصل المرعية.

ننظر، مثلاً، في هذه الفواصل القرآنية:

{وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}

ذهب "الفراء" إلى أن القرآن جرى فيها على طرح كاف الخطاب من: قلاك، اكتفاء بالكاف الأولى - في: ودعك - ولمشاكلة رءوس الآيات.

ص: 268

وعدّ "الفخر الرازي" من وجوه حذف الكاف رعاية الفاصلة.

ومثله "النيسابورى" في تفسيره لآيات الضحى، ونظائرها.

ولو كان البيان القرآني يتعلق بهذا الملحظ اللفظي فحسب، لما عدل عن رعاية الفاصلة في الآيات بعدها:

{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}

وليس في السورة كلها "ثاء" فاصلة.

بل لسي فيها حرف ثاء، على الإطلاق.

وعلى مذهبهم، كانت الفواصل تُرعى بمثل لفظ: فخَّبْر، لمشاكلة رءوس الآيات بالعدول إلى هذا اللفظ، عن:"فحدثْ"

ونرى والله أعلم، أن حذف كاف من:"وما قلى" مع دلالة السياق عليها، تقتضيه حساسية مرهفة بالغة الدقة واللطف، هي ما تحاشى خطابه رسوله المصطفى، في موقف الإيناس، بصريح القول: وما قلاك.

لما في القلى من حسَّ الطرد والإبعاد وشدة البغض. وأم التوديع فلا شيء فيه من ذلك، بل لعل الحس اللغوي فيه يؤذن بأنه لا يكون وداع إلا بين الأحباب كما لا يكون توديع إلا مع رجاء العودة وأمل البقاء.

وحُذفت كاف الخطاب في الفواصل بعدها، لأن السياق بعد ذلك أغنى عنها. ومتى أعطى السياق الدلالة المرادة مستغنياً عن الكاف، فإن ذكرها يكون من الفضول والحشو المنزة عنهما أعلى بيان.

* * *

وآيات الفجر:

{وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي ذَلِكَ

ص: 269

قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ (5) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8) وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ}

صرح "الفراء" في (معاني القرآن) بأن ياء العلة حذفت من: يسرِ (ى) لمشاكلة رءوس الآيات. وكذلك ذهب "ابن سنان الخفاجي" في (سر الفصاحة) إلى حذفعا وحذف باء المنقوص من: بالوادِ (ى) قصداً إلى تماثل الفواصل.

لأن القاعدة عندهم، إثبات ياء العلة، في الفعل المضارع المرفوع. إثبات ياء الاسم المنقوص مجروراً ومرفوعاً، إذ اقترن بـ: ال، أو أضيف.

ويكفي الرد على من ذهبوا إلى حذف الياءين في آيات الفجر، لرعاية الفاصلة، أن نذكر أن القرآن الكريم لم يقتصر على حذفهما عنا في مقاطع الآيات، ليسلم لهم القولُ بأن الحذف قصد إلى رعاية الفواصل وتماثل رءوس الآيات، وإنما حذفت ياء المصارع المرفوع المعتل الآخر، وواوه أيضاً، وباء امنقوص مضافاً ومعرفاً بأل، في أواسط الجمل ودرج الكلام. وقد عقد الإمام "أبو عمرو الداني" باب في ذكر أصول القراء الأئمة، في الياءات المحذوفة من الرسم ومنها في غير الفواصل:

هود 105: {يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ}

الإسراء 11: {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ}

القمر 6: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ}

القمر 8: {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ}

ق 41: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ}

النازعات 16: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى}

ومعها: القصص 30، طه 12

ص: 270

النمل 18: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُون}

الروم 53: {وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ}

البقرة 186: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي. . .}

الصافات 163: {إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ}

الرحمن 24: {وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ}

التكوير 15: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ}

ولا مجال لقولٍ في هذه الآيات ونظائرها، بحذف ياء المنقوص المضتف أو المعروف بال، وآخر المضارع المرفوع المعتل بالواو أو الياءـ لرعاية الفواصل، ومشاكلة رءوس الآيات، وقد يسبق إلى الظن أن الياء والواو حذفتا فيها للتخلص من التقائهما ساكنتين، بساكن بعدهما، إلا أن نلتفت إلى آيات هود والبقرة والقمر، والحرف فيها غير متلو بحرف ساكن.

أفلا يكون القائلون بالحذف لرعاية الفواصل قد تعجلوا بمثل هذا القول في آيات الفجر ونظائرها، محتكمين إلى قواعد اللغويين والنحاة في المعتل الآخر والمنقوص، حين ينبغي أن نعرض قواعدهم على ما يهدي إليه الاستقراء لكل مواضع الحذف والإثبات في الكتاب المحكم؟

* * *

وآيتا الأعلى:

{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى}

والليل: {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى}

ليست صيغة "الأعلى" معدولاً إليها فيهما عن العلىَّ لمجرد رعاية الفاصلة.

ص: 271

ولا أَريدَ بها المفاضلة بين أعلى وعال، على ما وهم بعضهم خضوعاً لأحكام اللغويين في صيغ التفضيل ودلالتها؟ وقد جَرَّ هذا الوهم إلى ما أشار إليه "افخر الرازي" من تعلق الملاحدة في "ربه الأعلى" من اقتضاء أن يكون هناك رب آخر مفضولاً في العلو، على ما يقضى به منطق التفضيل عندهم وقواعده.

وذلك من عُقم الحسَّ في من يغيب عنه السر البياني في إطلاق مثل صيغة الأعلى - والعليا - دون قصد إلى مفاضلة أو ترتيب، وإنما القصد إلى المضي بالعلو إلى نهايته القصوى بغير حدود ولا قيود.

وهو نفس الملحظ الدلالي لصيغ: الحسنى، واليسرى، والعسرى، والأشقى، والأتقى، في سورة "الليل" دالة على غاية الحسن واليسر والتقوى، وأقصى العسر والشقاء الذي ما بعده من شقاء.

ومثلها صيغة الأكرم في آية العَلَق:

{اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}

لم يعدل فيها عن الكريم إلى الأكرم، لمجرد رعاية الفاصلة، ولا قُصد بها المفاضلة بين أكرم وكريم، على ما تأوله مفسرون، وساقوا وجوهاً عدة لأكرميته تعالى.

واستقراء آياتها، يشهد بأن صيغتى الأفعل والفعلى، تفيدان الإطلاق إلى أقصى المدى، بغير حد أو قيد مفاضلة.

إنما تتعين المفاضلة بذكر المفضول، مضافاً إليه أو مجروراً بحرف من، في مثل: أكثر الناس، أكثركم، أكبر من أختها، والفتنة أشد من القتل، ولا أقل من ذلك ولا أكثر. . .

ووجه التفضيل في مثل قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} أنه في سياق الحديث عن مكر المخلوقين: ثمود في آية (النمل 50) والكافرين من بني إسرائيل

ص: 272

(آل عمران 54) والذين كفروا من قريش (الأنفال 30) .

وقوله تعالى: {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} بآيات يونس 109، والأعراف 87، ويوسف 80. ومعها {أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} في آيتى هود 45 والتين 8.

منظور فيها إلى أن الحكم قد يكون من المخلوقين ومنه في القرآن الكريم مثل آيات: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ} {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى} . . .

وأما قوله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} فإذ لم يُنظر فيه إلى أن الخلق قد يكون من الناس - و"الراغب" في المفردات يفرق بين الخلق من الله على غير مثال، ومن الناس على مثال - فأقربُ ما يبدو لنا من وجه فيه، أن العربية لا تصوغ أفعل وفعلى، من: خَلَق فهو خالق. إنما تصوغ الأخلق من معنى: خايق.

والتقييد بوجه مفاضله، في أفعل التفضيل، إنما يتعين صراحة بالتمييز في مثل: أكبر شهادة، أكثر أموالآً، أكثر جمعاً، أكثر شيء جدلاً، أزكى طعاماً، أعظم درجةً، أهدى سبيلاً. . .

وذلك كله غير الإطلاق بصيغتى: الأفعل، والفعلى، إلا أن يصرح في النص بقيد تمييزٍ أو تخصص ومقارنة، كالذي في آيات:

الكهف 103: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}

آل عمران 139: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} معها: محمد 35

الأنفال 42: {إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى}

ص: 273

الإسراء 1: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}

فإذا أطلق "الأفعل، والفُعلى" من قيد ومن مفضول، خرج، والله أعلم، عن دلالة المفاضلة وخصوصية القيد، وأفاد الإطلاق غير المحدود، فذلك هو قوله تعالى:

{اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} ومثله:

{الْآيَةَ الْكُبْرَى} في سورتى النازعات والنجم.

و {آيَاتِنَا الْكُبْرَى} في سورة طه.

و {الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى} في سورة الدخان.

و {الطَّامَّةُ الْكُبْرَى} في سورة النازعات

و {النَّارَ الْكُبْرَى} في سورة الأعلى.

و {الْمَثَلُ الْأَعْلَى} في سورتى النحل والروم..

* * *

وآية الرحمن:

{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) . . . ذَوَاتَا أَفْنَانٍ}

ليست تثنية جنتين فيها مراداً بها الإفراد وعدل القرآن إليها مراعاة للنظم كما ذعهب "الفراء". وإنما السياق قبلها وبعدها على التثنية. وواضح لنا أن المراد بالآية: ولمن خاف مقام ربه، من الإنس والجان، جنتان. {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}

* * *

وآية التكاثر:

{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}

تجد الصنعة البلاغية فيها أن المقابر أوثرت على القبور، للمشاكلة اللفظية بينها

ص: 274

وبين التكاثر، ويحس البلاغيون، ونحس معهم، نَسَقَ الإيقاع بها وانسجام الجرس.

ولكن وراء هذا الملحظ البلاغي في النسق اللفظي، ملحظاً بيانياً اقتضاه المعنى: فالمقابر جميع مقبرة، وهي مجتمع القبولا. واستعمالها هنا هو الملائم معنوياً لهذا التكاثر، دلالة على مصير ما يتكالب عليه المتكاثرون في حطام الدنيا. . . هناك حيث مجتمع الموتى ومحتشد الرمم على اختلاف الأعمار والأجيال والطبقات. وهذه الدلالة من السعة والعموم والشمول، لا يمكن أن يقوم بها لفظ القبور جمع قبر. فبقدر ما بين قبر ومقبرة من تفاوت، يتجلى البيان القرآني في إيثار المقابر على القبور، حين يتحدث عن غاية ما يتكاثر فيها المتكاثرون على مرَّ العصور والأجيال. . .

* * *

ومما قالوا فيه برعاية الفاصلة، آياتُ الهمزة:

{نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ}

على القول بأن الأفئدة في معنى القلوب، وعدل إليها للمشاكلة بين رءوس الآيات.

ولا تترادف الأفئدة والقلوب في حس العربية المرهف، ليقال فيهما برعاية الفاصلة. بل يطلق القلب بدلالة عامة على الجهاز العضوي من أجهزة الجسم، وعلى موضع الشعور والأهواء والعقدية والوجدان.

وأما الفؤاد فلا يطلق إلا بدلالة خاصة على المعنوي دون العضوي. ونحن نعرف مثلاً جراحة القلب، وأما جراحة الفؤاد فلا تدخل في نطاق الطب البشري. ونحن نأكل القلب كما نأكل الكبد والكلى، وأما الفؤاد فليس مما يؤكل أو يباع. كما نعرف قلوباً للبشر والحيوان الأعجم على اختلاف فصائله، وأما الفؤاد فللإنسان لا غير. . .

ص: 275

وبهذه الخصوصية في الدلالة المعنوية للفؤاد، جاء اللفظ مفردا وجمعاً ست عشرة مرة في القرآن الكريم، ليس فيها ما يحمل على معنى الجارحة.

والقلب، وإن جاء في القرآن في المعنويات كذلك من الاطمئنان والسكينة والرحمة والتآلف والخشوع والوجل والفقه والطهر، ومع الارتياب والتقلب والخوف والاشمئزاز والقسوة والتكبر والجبروت والزيغ والمرض والإثم والغفلة والعمى، إلا أن العربية، لغة القرآن، لا تستعمل غير القلب في الدلالة الأصلية على هذا العضو من الجسم.

وإذن يكون لإيثار الأفئدة على القلوب في آية الهُمزَة، مع الملحظ البلاغي من النسق اللفظي والجرس الصوتي، مقتضاه المعنوي البياني، في تخليص الأفئدة من حسِ العضوية التي يحتملها لفظ القلوب فيما ألف العرب من لغتهم. ولا نزال نستعمل القلب بمعناه العضوي في التشريح والطب وأصناف اللحوم، ولا نستعمل الفؤاد بهذه الدلالة على الإطلاق.

وكذلك لا تترادف مؤصدة ومغلقة، ليقال باحتمال العدول عن أولهما إلى الآخرى رعاية للفاصلة.

بل يتميز الإيصاد بخصوصية الدلالة على إحكام الإغلاق وقوة تحصينة، والعربية استعملت "الوصيد" للبيت الحصين يُتَّخذ من حجارة في الجبال، وتقول: استوصد في الجبل، أي اتخذ فيه حظيرة من حجارة.

ويمثل هذا المعنى من الإيصاد المحكم، جاءت آية البلد:

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ}

ولا رعاية فيها لفاصلة لفظية، بل المعنى من إطباق النار على أصحاب المشأمة وإحكام إيصادها، هو ما تعلق البيان الأعلى، والله أعلم.

* * *

ص: 276

وآية الزلزلة:

{وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} .

قالوا فيها: "وعدىّ أوحى باللام، وإن كان المشهور تعيدتها بإلى، لمراعاة الفواصل"

ونستقرئ مواضع فِعل الإيحاء في القرآن كله فلا نراه يتعدى بـ "إلى" إلا حين يكون الموحى إليه من الأحياء. يطرد ذلك في كل آيات الإيحاء بإلى، وعددها سبع وستون آية.

وأما حين يكون الموحي له جماداً، فالفعل يتعدى باللام كآية الزلزلة، أو بحرف في، كما في آية فُصلت:{وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا}

ودلالة "اللام" الإيحاء المباشر على وجه النسخير، ودلالة "في" البَثُّ والملابسة. وأما الإيحاء بـ "إلى" فيأخذ دلالته الخاصة في المصطلح الدينى للوحي، إذا كان الموحى إليه من الأنبياء.

وإلى غير الأنبياء، بشراً أو حيواناً يكون الإيحاء بمعنى الإلهام.

وللجماد بمعنى التسخير، فلا يكون للأرض في آية الزلزة، عدولاً عن: أوحى إليها، لمراعاة الفواصل،

بل التعدية باللام هنا متعينة، لأن الموحّى إليه جماد، وقد هدى الاستقراء إلى أن القرآن لا يُعدى الفعل بحرف "إلى" إلا حين يكون الموحي إليه من الأحياء.

* * *

وفي التقديم والتأخير، قالوا برعاية الفاصلة في مقل آية الليل:

{إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى}

ص: 277

عدل البيان القرآني فما عما هو مألوف ومتبادر من تقديم الأولى على الآخرة.

وليس القصد إلى رعاية الفاصلة، هو وحده الذي اقتضى تقديم الآخرة هنا على الأولى. وإنما اقتضاه المعنى أولاً، في سياق البشري والوعيد، إذ الآخرة خير وأبقى، وعذابها أكبر وأشد وأخزى. . .

وبهذا الملحظ البياني قُدمت الآخرة على الأولى في سياق البشري للمصطفى، عليه الصلاة والسلام، بآية الضحى:

{وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}

كما قُدمت الآخرة على الأولى في سياق الوعيد لفرعون، بآية النازعات:

{فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (24) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى}

. . . . . . . . . . . .

* * *

مقتضى الإعجاز أنه ما من فاصلة قرآنية لا يقتضى لفظها في سياقه، دلالة معنوية لا يؤديها لفظ سواه، قد نتدبره فنهتدي إلى سرَّه البياني. وقد يغيب نا فنْقرُّ بالقصور عن إدراكه.

ولا يُظَن بي أنني أُهوَّن من قيمة التآلف اللفظي والإيقاع الصوتي لهذا النسق الباهر الذي يجتلي فيه فنيَّة البلاغة، تؤذي المعنى بأرهف لفظ وأروع تعبير وأجمل إيقاع.

فالبلاغة من حيث هي فن القول، لا تفصل بين جوهر المعنى وبين أسلوب أدائه، ولا تعتد بمعان جليلة تقصر الألفاظ عن التعبير البليغ عنها، كما لا تعتد بألفاظ حميلة تضيع المعنى أو تجور عليه ليسلم لها زخرف بديعي.

وهذا هو الحد الفاصل بين فنية البلاغة كما تجلوها الفواصل القرآنية بدلالتها المعنوية المرهفة ونسقها الفريد في إيقاعها الباهر، وبين ما تقدمه الصنعة البديعية من زخرف لفظي يُكرِه الكلماتِ على أن تجئ في غير مواضعها.

ص: 278

فلعل جلال الفواصل القرآنية في نسقها الفريد، يعفينا من لَدَدِ خصومةٍ بين أصحاب اللفظ وأصحاب المعنى، لا يعرفها ذوق العربية المرهف في البيان الأعلى بالكتاب العربي المبين.

* * *

ص: 279

{لَا أُقْسِمُ}

ومن الظواهر الأسلوبية اللافتة في البيان القرآني، مجئ فعل القسم بعد "لا النافية" في مثل قوله تعالى:

{لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} .

والخلاف قديم في تأويل "لا" وتوجيه القسم بعدها.

قال "الفراء" يرد على قول كثير من النحويين بأنها صلة: "ولا يُبتَدأ بجحد ثم يُجعَل صلةَّ على نية الطرح فلا يُعرف خبر فيه جحد من خبر لا جحد فيه. ولكن القرآن جاء بالرد على الذين أنكروا البعث والجنة والنار، ومثل لذلك بقولك: لا والله لا أفعل ذاك؛ جعلوا لا وإن رأيتها مبتدأة، رداً لكلام قد كان مضى، ولو ألقيت "لا" مما يُنوَى به الجواب، لم يكن بين اليمين التي تكون جواباً والتي تستأنف فرق. . . "

في القرن الثامن، جاء بها "ابن هشام" في باب "لا، الزائدة في الكلام لمجرد تقويته وتأكيده" ولخص أقوالهم فيها:

قيل هي نافية. ثم اختلفوا في تأويل المنفي بها:

منهم من قال إنها تنفي شيئاً تقدم في سورة أخرى، ففي آية القيامة أنكر المشركون البعث، فقيل لهم: لا، ليس الأمر كذلك. ثم استؤنف القسم: أقسم.

ووجه هذ التأويل عندهم، أن القرآن كله كالسورة الواحدة، ولهذا يُذكر الشيء في سورة، وجوابه في سورة أخرى، ونَظَّرا لذلك بقوله تعالى:

ص: 280

{مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} رداً على ما في سورة أخرى:

{وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} . . .

ورَّده "أبو حيان" بأنه لا يجوز، لأن في لك حذف اسم "لا" وخبرها. وليس جواباً لسائل يسأل فيحتمل ذلك. نحو قولك: لا، لمن سأل: هلى من رجل في الدار؟ (البحر المحيط) .

وقيل هي زائدة: توطئة وتمهيداً لنفي الجواب محذوفاً. وتقديره في آية القيامة:

{لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} لا يُتْرّكون سُدَّى.

ورُد هذا التأويل بأنه لا وجه لتقدير جواب، والجواب صريح في مثل:

{فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ} المعارج.

{لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} البلد.

{فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ} . الواقعة.

وفي قولٍ إنها زيدت لمجرد التأكيد وتقوية الكلام. ونظيره عندهم، آية الحديد:

{لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} . . .

ورُدّ بأنها لا تزاد لذلك في صدر الكلام، بل تزاد حشواً. لأن زيادة الشيء تفيد اطراحه، وكونه في أول الكلام يفيد الاعتناء به.

وقول ثالث: إنها ليست نافية ولا زائدى، وإنما هي لام الابتداء، أشبِعت فَتحتُها فتولدت عنها ألف، كقول الشاعر: * أعوذ بالله من العقراب *.

أشبعت فتحة الراء فيها، فتولَّد عنها ألِفٌ، وإنما هي: العقرب.

ص: 281

وعلى هذا الوجه قراءة الحسن البصري، إمامها:{فَلَأُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ} .

وقراءة هشان بن عمار الدمشقي مقرئها الإمام، لآية إبراهيم:

{فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} .

بياء بعد الهمزة، تولدت من إشباع كسرتها.

ولما كانت لام الابتداء لا تدخل على الفعل، في قواعدهم، قدروا دخولها في الآية على جملة من مبتدأ وخبر: {فلأنا أقسم" ثم حذف المبتدأ.

وردّه "الزمخشري" بأن اللام في هذه القراءة لا تصح أن تكون لام القسم لأمرين:

أحدهما: أن حقها أم يُقرن بها النون المؤكدة، والإخلال بها ضعيف قبيح.

والثاني: أن سياق الآية يرشد إلى أن القسم بمواقع النجوم واقع، ومقتضى جعلها جواباً لقسم محذوف، أن تكون للاستقبال، وفعل القسم يجب أن يكون للحال.

* * *

وبعذ هذا كله، نرد إلى القرآن ما تنازعوا فيه. فنستبعد بادئ ذي بدء أن تكون "لا" في آيات القسم، رداً على كلام سبق في سورة أخرى، لأن هذا فضلاً عما سبق من رد أبي حيان، يقتضي القراءة على وجوب الفصل بين: لا، أقسم، لكمال الانقطاع، وكل القراءات فيها على الوصل. وتنظيرهم بقوله تعالى:{مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} رداً على ما حكى القرآن من قولهم في سورة الحِجْر: {إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} ؛

يرد عليه أن سورة القلم، ثانية السور في ترتيب النزول على المشهور، وسورة الحجر، ترتيبها في النزول الرابعة والخمسون!

ص: 282

وتأويل "لا أقسم" بأنها "لأقسم" أشبعت فتحة اللام فيها فتولدت عنها ألف، إذا لم يبعده رد "الزمخشري" فقد يبعده معه أن هذا الإشباع موضع إلباس بـ: لا النافية. ولا إلباس في قراءة "أفئيدة".

ثم نتدبر آيات القسم في الكتاب المحكم، فيهدينا إلى اطراد مجئ آيات "لا أقسم" وضمير المتكلم فيها، لله تعالى:

الواقعة 75: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ}

الحاقة 38: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ}

المعارج 40: {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ} .

القيامة 1: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (1) وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (2) أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} .

التكوير 15: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ}

الانشقاق 16: {فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ (16) وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ (17) وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (18) لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ}

البلد 1: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} .

ولو يأت فعل القسم، في القرآن كله، مسنداً إلى الله تعالى. بغير "لا" هذه.

كن لم تأت "لا" النافية مع فعل القسم مسنداً إلى غيره تعالى. وإنما جاءت "لا" الناهية في آية النور {لَا تُقْسِمُوا} وليست مما يشغلنا هنا من الظاهرة الأسلوبية "لا أقسم" في القرآن لله وحده، دون غيره من الخلق.

ص: 283

وهذا الاطراد يُبعد احتمالَ أن تكون "لا" هي لام الابتداء أشبعت فتحتها فتولدت عنها ألف، كما أشبعت فتحة الراء في شاهدهم:

* أعوذ بالهه من العقراب *

كما يُبعد احتمالَ أن تكون "لا" زائدة، والمعنى:"أقسم" كما اختار أبو حيان.

وقد قالوا هم أنفسهم إن زيادة الحرف تفيد اطراحه. كما صرحوا بأن مجئ الحرف في أول الكلام يفيد كونه موضعَ عنايةٍ أعطتْه الصدارة.

فهل هي مزيدة للقسم تقوية وتأكيداً له؟

قالوا إن إدخال لا النافية على فعل القسم جاء في كلام العرب وأشعارهم، ومن شواهدهم قول "امرئ القيس":

فلا وأبيكِ ابنةَ العامرىَّ. . . لا يدَّعى القومُ أني أفِرْ

وقول "غوية بن سلمى":

ألا نادتْ أمامةُ باحتمالِ. . . لتحزننى، فى بِكِ ما أُبالى

وقول آخر:

* فلا وأبي أعدائها لا أخونها *

وجعول منه آية الحديد:

{لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} - 29

والآية كما لاجظ "ابن هشام" في سياق لانفي الصريح.

وكذلك كل الشواهد الشعرية التي ذكروها، سياقُها النفي الصريح.

وليس الأمر كذلك في آيات "لا أقسم" وكلها في سياق الإثبات والتقرير.

ونفهم أن تأتي "لا" في سياق النفي فتؤكده.

واما أن تأتي لتؤكد الإثبات، فذلك ما يبدو غريباً حقاً على المنطق اللغوي والحس البياني. إذ القسم للتوثيق، وهو أقوى من التأكيد، ولا يسوغ، في الأصول أو المنطق، أن تؤكد التوثيق بنفيه. والنفي نقيضُه التأكيد، فإذا نفيت

ص: 284

القسَم انتقض بنفيك إياه. والجمعُ بينهما أوْلى بأن يُسقطهما كليهما، على القاعدة الأصولية في الدليلين يتعارضان فيتساقطان.

* * *

أفلا يهيدنا تدبر سياق آيات "لا أقسم" لله تعالى وحده، إلى سر البيان في "لا" تنفي حاجته، جل جلاله، إلى القسم؟.

بلى، وإنما نحتاج نحن البشر إلى أن نقسم، دفعاً لمظنة اتهام أو إزاحةً لشكَّ. ومن ثم نلمح سر العربية إذ تستعمل هذا الأسلوب، حيث تنتفي الحاجة إلى القسم، في مواضع الثقة واليقين.

وفرقً بعيد أقصى البعد، بين أن تكون "لا" لنفي القسم، كما قال بعضهم. وبين أن تكون لنفي الحاجة إلى القسم، كما يهدي إليه البيان القرآني. ومن نفي الحاجة إلى القسم، يأتي التوثيق والتقرير. لأنه يجعل المقام في غنى بالثقة واليقين عن الإقسام.

والسر البياني لهذا الأسلوب، يعتمد في قوة اللفت، على ما يبدو بين النفي والقسم من مفارقة مثيرة لأقصى الانتباه. وما نزال بسليقتنا اللغوية نؤكد الثقة بنفي الحاجة معها إلى القسم، فتقول لمن تثق فيه: لا تقسم، أو: من غير يمين.

مقررأ بذلك أنه موضع ثقتك فلست بحاجة إلى أن يقسم لك. كما تقول لصاحبك: لا أوصيك بكذا، تأكيداً للتوصية بنفي الحاجة إليها.

* * *

وإذ اكتفى بهذا القدر ككا اجتليت من أسرار الإعجاز في البيان القرآني، أرجو ألا يُظن بي أنني أجحد جهود السلف الصالح في خدمة كتاب الإسلام ومحاولاتهم في فهم إعجازه. فالحق أن عطاءهم السخي كان لنا على تتابع الأجيال ذخيرة ومدداً.

ص: 285

وأعود فأقرر أن الإعجاز البياني للقرآن، يفوت كل محاولة لتحديده، ويجاوز كل طاقاتنا في لمح أسراره الباهره.

قصارى ما اطمأننت إليه في هذه المحاولة لفهم إعجاز البيان القرآني، هو أنه ما من لفظ فيه أو حرف يمكن أن يقوم مقامه غيره، بل ما من حركة أو نبرة لا تأخذ مكانها في ذلك البيان المعجز.

وما أزعم، وما ينبغي لي، أنني فيكا اجتليت وأجتلى من أسرار البيان القرآني قد شارفت أفُقه العالى.

لكنها محاولة أبتغي بها ثواب المسعى وشرف الوسيلة والقربى.

وينفد القول ولا تنفد كلمات ربي:

{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}

صدق الله العظيم.

ص: 286