الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خاتمة
وبعد فلعلى بهذه المحاولة فى خدمة الإعجاز البياني ودراسة مسائل ابن الأزرق، قد أجبت عن سؤال لعدد من أبنائى طلاب الدراسات القرآنية العليا بجامعة
القرويين: فيم كان إنكار ابن الأزرق على عبد الله بن عباس رضى الله عنهما، مجلسه فى حرم الكعبة يفسِّر ما يُسأل عنه فى القرآن الكريم، وابن عباس حَبْرُ هذه الأمَّةِ ومن أعلم الصحابة بتفسير القرآن وأحفظهم لديوان العرب،.
من شعر الفصحى أخذ علماء اللغة شواهدهم لألفاظها وصيغها ومعانيها
الحسية والمجازية، وما هو من تعدد لغات القبائل العربية، أومن الأضداد.
ويها استأنس أهل التأويل فى فهمهم لمعاني القرآن، مع التنبه لما يحتمل الشعر
من ضرورات، وما يجوز عليه من آفات النقل.
ومع التقدير لما جاء به القرآن الكريم من دلالات إسلامية لم تكن معروفة للعرب قبل نزوله.
ثم تبقى الكلمة القرآن فوق ذلك كله، متفردة بجلالها وإعجازها يعيى
الفصحاء والعلماء أن يأتوا بكلمة من مثلها، تقوم مقامها فى موضعها وسياقها.
من ثم كان تحرج صحابة كبار، كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وهما من أفصح قريش وأجل الصحابة باتفاق - من تأويل المتشابه والغريب من مفردات القرآن.
وقد مر بنا فى المسألة عن قوله تعالى: (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا) أن أبا بكر سئل فيها
فقال: أي سماء تظلنى وأيُّ أرض تقلنى إن أنا قلت فى كتاب الله بما لا أعلم، وقرأ عمر الآية وقال: هذه الفاكهة عرفناها، فما الأب؟
ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكلف، (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) .
معتبرا بقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) .
من علماء العربية من تحرجوا كذلك من تأويل المتشابه والغريب والأضداد.
"كان الأصمعي وهو إمام، لا يفسر شيئا من غريب القرآن.
وحُكى عنه أنه سئل عن معنى (قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا) فسكت وقال: هذا فى القرآن، ثم ذكر قول بعض العرب لقوم أرادوا بيع جارية لهم: "أتبيعونها وهى لكم شغاف، (البرهان فى علوم القرآن: معرفة غريبه) .
وأبو حاتم السجستاني، من أعلام البصريين علماء اللغة والقرآن - توفى حوالى سنة 250 هـ - كان شديد التحرج من تأويل ما يكون من الأضداد فى القرآن، والضيق بمن تجاسروا على تأويلها بما عندهم من علم بالعربية.
من ذلك على سبيل المثال، من كتابه (الأضداد) :
(خاف) : كان أبو عبيدة يقول: خاف من الخوف، ومن اليقين، وكان يقول فى قوله تعالى:(فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا) : يريد أيقنتم. ولا علم لى بهذا لأنه قرآن وإنما نحكيه عن رب العالمين، ولا ندرى لعله ليس كماي ظن أبو عبيدة.
(عسعس) : قال أيو عبيدة (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ) : أقبل ويقال: أدبر.
وأشد لعِلقمة بن قرط التيمى، فجعله إقبالا:
مُدرَّعاتُ الليل لما عسعسا. . . وادَّرعتْ منه بهيماً حندسا
قال: زعموا أن ابن عباس رحمه الله، قال:(عَسْعَسَ) ، أدبر.
وقال الزبرقان فى الإدبار:
وماءٍ قديم عهدُه ما يرى به. . . سوى الطيرُ قد باكرتْ ورد المغلسِ
وردتُ بأفراس عِتَاقٍ وفية. . . فوارط فى أعجاز ليل معسعس
قال أبو حاتم:
قد تقلد أبو عبيدة أمرا عظيما، ولا أظن ها هنا معنى أكثر من الاسوداد،
(عَسْعَسَ) : أظلم واسود، فى جميع ماذكر، وكل شيء من ذا الباب فى القرآن فتفسيره يُتَّقَى. ومالم يكن فى القرآن فهو أيسر خطأً.
(أوزع) : وقالوا، زعموا: أوزعنى به: أوْلني به. وهذا معروف، وقالوا:
أوزعته نهيته وكففته، قال طرَفة فى معنى الكف والمنع من: وزعته أزعه:
نَزَعُ الجاهلَ فى مجلسنا. . . فترى المجلِس فينا كالحرَمْ
ومنه قيل: يوزَعون. ومنه وزعة السلطان الذين يكفون عنه الناس.
وفى
الحديث " لا بدَّ للسلطان من وزَعة ".
وقال الذبياني:
على حين عاتبتُ المشيب على الصًبا. . . وقلت أئا تَصْحُ والشيبُ وازعُ
(الأضداد لأبي حاتم السجستاني)
وقد رأينا إنه ما من كلمة قرآنية فى (مسائل نافع بن الأزرق) إلا احتشد لها
اللغويون والمفسرون وتعددت أقوالهم فى تأويلها، وبقيت على تفردها وإعجازها، يعييهم مجتمعين أن يأتوا بكلمة من مثلها تقوم مقامها.
قصارى ما يملكه أفقهَ علماء القرآن بالعربية، لغة الكتاب العربي المبين، هو
جهد المحاولة للمح سرِّ الدلالة للحرف القرآني، أو الكلمة والأسلوب على الوجه الذى جاء به فى البيان المعجز. فإن يكن تفسير فعَلى وجه الشرح والتقريب.
(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) .
صدق الله العظيم