الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يدي مؤلفات فيه للسوسيين؛ كالمرغيتي، وابن الطيفور، وبعض الكراميين، والدفلاوي، ومنظومة للتامانارتي وغيرهم، وقلما يَخلو كتاب سوسي من جداول ترسم في باطن دفتيه، وكثيرا ما يكتبون بِها التمائم، وكان لشيخنا سيدي سعيد التناني يد طولى في هذا العلم، وكتبه تزخر بِجداوله، ولكنه ليس علما يدرس، ولا ذا شهرة في المحافل فيما أدركناه وعرفناه وقرأناه.
تلخيص:
تلك نظرات سريعة إلى العلوم التي يتعاطاها السوسيون، وقد عددناها أحدا وعشرين بالإجمال، وإلا فعند التفصيل تكون أكثر من ذلك، فلعلم الوضع عندهم رواج على حدة، ومِمن ألف فيه أخيرا ابن مسعود، وشيخنا الشاعر الكبير سيدي الطاهر بن مُحمد الإفراني.
وأمَّا علم الكيميا الذي يَهتم به السوسيون؛ فلم نَر له في سوس رواجا متسعا، ولا عرفنا لَهم عناية به خاصة، لا اليوم ولا قبل اليوم، إلا النادر، وما هو إلا علم ينتحله البلداء، فيتناجون به كما يتناجون باستخدام الأرواح والسحر، ولا نعلم عن ذلك كله علما مستقرا، وكل ما كان سرا مَحوطا بالكتمان، فليس بعلم، على أن هذا لا يتعاطى كمدروس من العلوم التي تصدينا لذكرها؛ ولِهذا لَم نتعرض له، فهذا علم تاريخ الأمم حين لَم يتخذ موضوع الدراسة، لَم نتعرض له، وإن كنا نعلم لسعيد الكرامي، ولعبد الله بن يعقوب، وولده يبورك، ولغيرهم مؤلفات فيه تذكر.
يرى القارئ من تلك العلوم أن ما يَجول في سوس هو كل ما يَجول في غيرها من نواحي المغرب، فإن زادت ثَمرات بعض الحواضر على سوس بشيء -وهي لا بد زائدة- فإنّما ذلك من طبيعة الحضر على البدو، والحضر تجبي إليه ثَمرات كل شيء، ويقدر فيه قدر الناس، ولكن مَجموع هذه الفنون وتعاطيها قلما تفوق فيها جوانب المغرب من غير سوس سوسا إلا تحلة القسم، فبهذا يَخرج القارئ من هذا الفصل، وهو مدرك أن سوسا دائما تسير في قافلة المغرب العلمي بعد القرون الأولى إلى التاسع، فإن لَم تتقدم قط؛ فإنها ما تأخرت قط، بِحسب ما تؤتاه من جهد المستطاع، ثُم يدرك القارئ أيضا مقدار ما تمد به فاس والْحَمراء سوسا في كل دور من أدوارها العلمية، فيجتهد سوس أن يتمشى على خطا المشيخة في فاس، وأن يكون خير تلميذ لأفضل أستاذ، كما يدرك أيضا أن هذه العلوم تبلغ من
التمكن في سوس أحيانا، حتى تتخذ لَها وجهة مستقلة، وحتى تُهيئ لَها في الشعب قوة يُمكن بها الاستمرار والاستقرار، ثُم الاستقلال في الفهم، كما يتبين في مثل عمل (1) عبد الله بن الحضيجي المتوفى مفتتح الثالث عشر، الذي كان في مرتبة بناني المتوفى (1195هـ)، فهو كما قدمناه لَم يرتَحل عن سوس للأخذ، ككثيرين من جزولة تَخرجوا وراء الرحلة، ثُم رأيناه يتوجه في البحث حول انتقادات بناني للزرقاني فيتتبع النقول من مصادرها ويقابل، فيحكم بغلط المنتقد، أو بصحة نقده، سالكا عين ما سلكه بعده بقليل الرهوني، فهذا هو الذي نعنيه باستقلال الفهم، وحركة علمية رسخت في جانب كسوس حتى قدرت أن تلد مثل هؤلاء، وهم غير قليلين بسوس، حركة متسعة ثابتة الأساس، ينبغي للتاريخ أن لا يَجهل مكانتها، وإن لَم يكن فيها مبرزون عالميون أو يقلون فيها على الأقل، ويكفي أن يعرف القارئ مقدار الجهود التي يبذلها الشلحي حتى يتذوق اللغة العربية وعلومها، فيعذر السوسيين إن قل فيهم مبرزون.
إيه، هل هذه العلوم لا تزال تدرس إلى اليوم (مفتتح 1358هـ)؟
الجواب: أن القطر السوسي كان دب إليه الفتور العام الذي دب إلى جَميع المغرب، بعد ما ولى صدر هذا القرن بعد (1311هـ) فلم يصل (1330هـ) حتى تضاءلت المدارس جدّا وضعفت الهمم ضعفا عظيما، ثم جاءت أهوال يعرفها كل أحد من جراء الاحتلال، زلزلت القلوب، فلم يكد يصل (1345هـ) حتى قلت جدّا المدارس العامرة، ثم جاءت المسبغة التي وقعت في هذه السنة وفي التي بعدها، فأتت على الباقي، فانقضى كل شيء، وقدر مع ذلك وفاة كبار العلماء، ثم سرى ما سرى في كل أطوار الحياة المغربية، فتأثرت مَجالس دراسة العلوم غاية التأثر، فلم تدخل سنوات (1350هـ) حتى لا تكاد تَجد مدرسة عامرة العمارة المعهودة، فلا ترى إلا البعض يكون فيها عشرة إلى عشرين، أو أدون من عشرة، ثم تزايد النقصان حتى لا أعلم في هذه السنة (1358هـ) مدرسة فيها نحو (50) من الطلبة فما فوق بقليل، إلا مدرسة أيغيلالن بقبيلة ماسجينة بسبب الأستاذ الْحَاج مسعود الوفقاوي الإلغي (2)، وأمَّا غيرها ففيها نَحو عشرة، إلى خَمْسة عشر، وإلى عشرين أو ثلاثين على الأكثر، وتوجد ثلة من المدارس العامرة عمارة ما، لَكن لا تتجاوز خَمس عشرة مدرسة فما دون، وقل أن يتجاوز ذلك العدد، وقد أقفلت أبواب الدراسة
(1) تلميذه أبو زيد الجشتيمي في (الحضيجيين) ط.
(2)
توفي سنة 1365هـ، فاندثرت تلك الهمة.
الْجدية، ولا يرابط الأساتذة اليوم غالبا في المدارس، ولا الطلبة الذين معهم إلا للمعاش فقط، وقد يَمضي أسبوع فشهر من غير معاطاة دروس، إلا عند أناس منهم لا يتجاوزون نَحو خَمْسة عشر، هذا ما في نَحو الْخَمس عشرة مدرسة التي لا تزال تذكر، وأمَّا غيرها فأستاذها بِمنْزلة الناطور للبستان، يَحرس سقوف المدرسة وأبوابَها؛ لئلا تمد إليها الأيدي، حقيقة والله مؤلِمة، لا يَملك معها الغيور إلا أن يقول:
إن دام هذا ولَم يَحدث له غير
…
لَم يُبكَ مَيْتٌ ولَم يفرح بِمولود
هذا مع كونها قبل (1330هـ) مع ضعفها إذ ذاك، يكون فيها ما يناهز المائة لكل مدرسة من المدارس الكبرى؛ مثل الأدوزية والتانالتيَّة والبونعمانية والمحمدية والبعبدلية والإلغية والتيمجدشتية فلله الأمر من قبل ومن بعد، وقد توفي سيدي العربي الأدوزي سنة (1286هـ) عن مائتين من الطلبة فأين ذلك اليوم ولا نصفه (1).
(1) أقول أن الزمان قد استدار بما تحبه سوس، فبرز بعد الاستقلال معهد منظم حافل يضمُّ بين جنبيه هو وفروعه أزيد من سبعمائة وألف طالب، لا مائتين فقط، فالحمد لله الذي آتانا الاستقلال على يد محمد الخامس فأتانا منه كل ما يرام، وهل تروم سوس إلا انبعاث العلوم فيها.