الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلِلنَّاصِر دَاوُدَ يَرْثِي المُسْتَنْصِرَ:
أَيَا رَنَّة النَّاعِي عَبَثْتِ بِمَسْمِعَي
…
وَأَجَّجْتِ نَارَ الحُزْنِ مَا بَيْنَ أَضْلُعِي وَأَخْرَسْتِ مِنِّي مِقولاً ذَا بَرَاعَةٍ
…
يَصُوغُ أَفَانِيْنَ القَرِيضِ المُوشَّعِ
نَعَيْتِ إِلَيَّ البَأْسَ وَالجُودَ وَالحِجَى
…
فَأَوْقَفتِ آمَالِي وَأَجرَيتِ أَدمُعِي
وَقَالَ صَفِيُّ الدِّيْنِ ابْنُ جَمِيْلٍ:
عَزّ العَزَاءُ وَأَعْوَزَ الإِلْمَامُ
…
وَاسْترجَعَتْ مَا أَعْطَتِ الأَيَّامُ
فَدَعِ العُيُونَ تَسُحُّ يَوْمَ فِرَاقِهِم
…
عِوَضَ الدُّمُوعِ دَماً فَلَيْسَ تُلَامُ
بَانُوا فَلَا قَلْبِي يَقِرُّ قَرَارُهُ
…
أَسفاً وَلَا جفنِي القَرِيحُ يَنَامُ
فَعَلَى الَّذِيْنَ فَقَدتُهُم وَعَدِمْتُهُم
…
مِنِّي تَحِيَّةُ مَوْجَعٍ وَسَلَامُ
وَكَانَتْ دَوْلَتُه سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً رحمه الله وَسَامَحَه -.
106 - المُسْتَنْصِرُ أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ ابنُ الظَّاهِر بِأَمْرِ اللهِ الهَاشِمِيُّ *
الخَلِيْفَةُ، الإِمَامُ، أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ ابنُ الظَّاهِر بِأَمْرِ اللهِ أَبِي نَصْرٍ مُحَمَّد ابْنِ النَّاصِرِ لِدِيْنِ اللهِ أَحْمَد ابْن المُسْتَضِيْءِ الهَاشِمِيُّ، العَبَّاسِيُّ، البَغْدَادِيُّ، أَخُو الخَلِيْفَةِ المُسْتَنْصِرِ بِاللهِ مَنْصُوْرٍ وَاقِفِ المُسْتَنْصِرِيَّة.
بُوْيِعَ بِالخِلَافَةِ أَحْمَدُ بَعْدَ خُلوِّ الوَقْت مِنْ خَلِيْفَةٍ عَبَّاسِيٍّ ثَلَاث سِنِيْنَ وَنِصْفَ سَنَةٍ، وَكَانَ هَذَا مُعْتَقَلاً بِبَغْدَادَ مَعَ غَيْرِه مِنْ أَوْلَادِ الخُلَفَاءِ، فَلَمَّا
(*) أخبار مشهورة في الكتب التي أرخت لهذا العصر فانظر ذيل الروضتين: 213، ذيل مرآة الزمان 2 / 441 - 452 تاريخ الإسلام للذهبي (أيا صوفيا 3013) ج 20 الورقة 189 - 190، دول الإسلام للذهبي 2 / 125، العبر للذهبي: 5 / 258 - 259، البداية والنهاية: 13 / 231 - 233، النجوم الزاهرة: 7 / 109 - 117، 206، تاريخ الخلفاء للسيوطي: 477 - 478.
اسْتولَى هُوْلَاكُو عَلَى بَغْدَادَ، نَجَا هَذَا، وَانضمَّ إِلَى عَرَبِ العِرَاقِ، فَلَمَّا سَمِعَ بِسلطنَة الْملك الظَّاهِر (1) وَفَدَ عَلَيْهِ فِي رَجَبٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِيْنَ فِي عَشْرَة مِنْ آلِ مهَارش، فَرَكِبَ السُّلْطَان لِلْقَائِهِ وَالقُضَاة وَالدَّوْلَة، وَشَقَّ قصبَةَ القَاهِرَة، ثُمَّ أَثْبَتَ نَسَبَهُ عَلَى القُضَاة، وَبُوْيِعَ، فَرَكِبَ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِنَ القَلْعَةِ فِي السَّوَادِ حَتَّى أَتَى جَامِعَ القَلْعَةِ، فَصَعِدَ المِنْبَرَ، وَخَطَبَ وَلَوَّحَ بِشَرفِ آلِ العَبَّاسِ، وَدَعَا لِلسُّلْطَانِ وَلِلرَّعيَّةِ، وَصَلَّى بِالنَّاسِ.
قَالَ القَاضِي جَمَال الدِّيْنِ مُحَمَّدُ بنُ سُومرَ المَالِكِيُّ: حَدَّثَنِي شَيْخُنَا ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، قَالَ:
لَمَّا أَخذنَا فِي بَيْعَةِ المُسْتَنْصِر، قُلْتُ لِلملكِ الظَّاهِر: بَايِعْهُ.
فَقَالَ: مَا أُحْسِنُ، لَكِن بَايِعْهُ أَنْتَ أَوَّلاً وَأَنَا بَعْدَكَ.
فَلَمَّا عقدنَا البَيْعَةَ، حَضَرنَا مِنَ الغَدِ عِنْد السُّلْطَان، فَأَثْنَى عَلَى الخَلِيْفَة، وَقَالَ: مِنْ جُمْلَةِ بَرَكَتِهِ أَنَّنِي دَخَلتُ أَمسِ الدَّارَ، فَقصدتُ مَسْجِداً فِيْهَا لِلصَّلَاةِ، فَأَرَى مصطبَة نَافرَة، فَقُلْتُ لِلْغلمَان: أَخرِبُوا هَذِهِ.
فَلَمَّا هَدَمُوهَا، انفتَحَ تَحْتهَا سَرب، فَنَزَلُوا، فَإِذَا فِيْهِ صنَادِيق كَثِيْرَة مَمْلُوْءة ذهباً وَفِضَّة مِنْ ذخَائِر الْملك الكَامِل رحمه الله.
قُلْتُ: وَهَذَا هُوَ الخَلِيْفَةُ الثَّامنُ وَالثَّلَاثُونَ مِنْ بَنِي العَبَّاسِ، بُوْيِعَ بِقَلْعَةِ الجبلِ، فِي ثَالِثَ عَشَرَ رَجَبٍ، سَنَةَ تِسْعٍ (2) .
وَكَانَ أَسْمَرَ آدَمَ، شُجَاعاً، مَهِيْباً، ضَخْماً، عَالِي الهِمَّةِ.
وَرَتَّبَ لَهُ السُّلْطَان أَتَابَكاً وَأُسْتَاذَ دَار، وَشرَابياً وَخَزْنَدَاراً وَحَاجِباً وَكَاتِباً، وَعيَّن لَهُ خزَانَةً، وَعِدَّةَ مَمَالِيْكَ، وَمائَة فَرَسٍ وَعشر قطَارَاتِ جمالٍ وَعشرَ قطَارَاتِ بغَالٍ إِلَى أَمثَالِ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ (3) : قُرِئَ بِالعَادليَة كِتَابُ السُّلْطَانِ إِلَى قَاضِي القُضَاةِ
(1) بيبرس البند قداري.
(2)
يعني: وخمسين وست مئة.
(3)
ذيل الروضتين: 213.
نَجْم الدِّيْنِ ابْن سنِيِّ الدَّوْلَة بِأَنَّهُ قَدِمَ عَلَيْهِم أَبُو القَاسِمِ أَحْمَدُ ابْنُ الظَّاهِر وَهُوَ أَخُو المُسْتَنْصِر، وَجَمَعَ لَهُ النَّاس، وَأَثْبَت فِي المَجْلِسِ نَسَبَه عِنْد قَاضِي القُضَاةِ، وَبَدَأَ بِالبَيْعَةِ السُّلْطَانُ، ثُمَّ الكِبَارُ عَلَى مَرَاتِبِهِم، وَنُقِشَ اسْمُهُ عَلَى السِّكَّةِ، وَلُقِّبَ بِلَقَبِ أَخِيْهِ.
قَالَ قُطْب الدِّيْنِ البَعْلِيُّ (1) : وَفِي شَعْبَانَ رَسَمَ الخَلِيْفَةُ بِعَمَلِ خِلْعَةٍ لِلسُّلطَانِ وَبِكِتَابَة تَقليدٍ، وَنُصِبَتْ خَيْمَةٌ بِظَاهِرِ مِصْر، وَركب المُسْتَنْصِر وَالظَّاهِر إِلَيْهَا فِي رَابع شَعْبَان، وَحضرَ القُضَاة وَالأُمَرَاء وَالوَزِيْر، فَأَلبسَ الخَلِيْفَةُ السُّلْطَانَ الخِلْعَة بِيَدِهِ، وَطَوَّقَهُ وَقَيَّدَهُ،
وَنُصِبَ مِنْبَرٌ صَعِدَ عَلَيْهِ فَخْر الدِّيْنِ ابْنُ لُقْمَانَ كَاتِب السِّرِ، فَقَرَأَ التَّقْلِيد الَّذِي أَنشَأَه، ثُمَّ ركب السُّلْطَانُ بِالخِلْعَة، وَدَخَلَ مِنْ بَاب النَّصْر، وَزُيِّنَت القَاهِرَة، وَحَمَلَ الصَّاحِبُ التّقليد عَلَى رَأْسه رَاكِباً وَالأُمَرَاءُ مشَاةٌ.
قُلْتُ: ثُمَّ عَزَمَ المُسْتَنْصِر عَلَى التَّوجّه إِلَى بَغْدَادَ بِإِشَارَةِ السُّلْطَان وَإِعَانته، فَذَكَر ابْنُ عَبْدِ الظَّاهِر فِي (سِيْرَةِ المَلِكِ الظَّاهِرِ) أَنَّ السُّلْطَانَ قَالَ لَهُ: أَنفقت علَى الخَلِيْفَة وَالمُلُوْك الموَاصِلَة أَلفَ أَلفٍ وَسِتَّ مائَةِ أَلْفِ دِيْنَارٍ.
قَالَ قُطْب الدِّيْنِ البَعْلِيُّ (2) : ثُمَّ سَارَ هُوَ وَالسُّلْطَان مِنْ مِصْرَ فِي تَاسِعَ عَشَرَ رَمَضَان، وَدخلَا دِمَشْقَ فِي سَابعِ ذِي القَعْدَةِ، ثُمَّ سَارَ الخَلِيْفَةُ وَمَعَهُ صَاحِب المَوْصِل وَصَاحِب سِنْجَارَ بَعْد أَيَّام.
قَالَ أَبُو شَامَةَ (3) : نَزَلَ الخَلِيْفَة بِالتُّرْبَةِ النَّاصِرِيَّةِ، وَدَخَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ
(1) ذيل مرآة الزمان: 1 / 443.
(2)
ذيل مرآة الزمان: 1 / 453.
(3)
ذيل الروضتين: 213.
إِلَى جَامِع دِمَشْقَ، إِلَى المَقْصُوْرَةِ، ثُمَّ جَاءَ بَعْدَهُ السُّلْطَان فَصَلَّيَا وَخَرَجَا، وَمشيَا إِلَى نَحْو مَرْكُوب الخَلِيْفَة بِبَابِ البَرِيْد، ثُمَّ رَجَعَ السُّلْطَان إِلَى بَابِ الزِّيَادَة (1) .
قَالَ القُطْب (2) : فَسَافر الخَلِيْفَة وَصَاحِبُ المَوْصِلِ إِلَى الرّحبَة، ثُمَّ افْترقَا، ثُمَّ وَصل الخَلِيْفَة بِمَنْ مَعَهُ إِلَى مشْهد عَلِيّ، وَلَمَّا أَتُوا عَانَة وَجَدُوا بِهَا الحَاكِم فِي سَبْع مائَة نَفْسٍ، فَأَتَى إِلَى المُسْتَنْصِر وَبَايع، وَنَزَلَ فِي مُخيَّمِه مَعَهُ، وَتَسَلَّمَ الخَلِيْفَة عَانَة، وَأَقطعهَا جَمَاعَةً، ثُمَّ وَصل إِلَى الحَدِيْثَة، فَفَتَحهَا أَهْلُهَا لَهُ، فَلَمَّا اتَّصل الخَبَرُ بِمقدمِ المَغُوْلِ بِالعِرَاقِ، وَبشحنَة بَغْدَاد سَارُوا فِي خَمْسَة آلَاف، وَعَسْكَرُوا بِالأَنْبَار، وَنَهبُوا أَهْلَهَا وَقتلُوا، وَسَارَ الخَلِيْفَة إِلَى هيت فَحَاصَرَهَا، ثُمَّ دخلهَا فِي آخِرِ ذِي الحِجَّةِ، وَنَهب ذِمَّتهَا، ثُمَّ نَزَلَ الدُّور، وَبَعَثَ طلَائِعه، فَأَتَوُا الأَنْبَارَ فِي ثَالِثِ المُحَرَّمِ سنَةَ سِتِّينَ، فَعَبَرَتِ التَّتَارُ فِي اللَّيْلِ فِي المَرَاكِبِ وَفِي المَخَائِضِ، وَالتَقَى مِنَ الغَدِ الجَمْعَانِ، فَانْكَسَرَ أَوَّلاً الشِّحنَةُ، وَوَقَعَ مُعْظَمُ أَصْحَابِهِ فِي الفُرَاتِ، ثُمَّ خَرَجَ كَمِيْنٌ لَهُم، فَهَرَبَتِ الأَعرَابُ وَالتُّرُكْمَانُ، فَأَحَاطَ الكَمِيْنُ بِعَسْكَرِ الخَلِيْفَةِ، فَحَمَلَ الخَلِيْفَةُ بِهِم، فَأَفرجَ لَهُم التَّتَار، وَنَجَا جَمَاعَة مِنْهُم الحَاكِم فِي نَحْو الخَمْسِيْنَ، وَقُتِلَ عِدَّةٌ، وَالظَّاهِر أَنَّ الخَلِيْفَة قُتِلَ، وَيُقَالُ: بَلْ سَلِمَ، وَأَضمرته البِلَاد، وَلَمْ يَصِحَّ.
وَقِيْلَ: بَلْ قُتِلَ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَة مِنَ التَّتَار، وَقُتِلَ رحمه الله فِي أَوَائِل المُحَرَّم، كَهْلاً، وَبعدَ سَنَتَيْنِ بُوْيِع الحَاكِم بِأَمْرِ اللهِ أَحْمَد.
(1) في المطبوع من ذيل الروضتين (الزيارة) بالراء وما أثبتناه عن الأصل وعن تاريخ الإسلام وعن ذيل مرآة الزمان 1 / 453، ومعجم البلدان (صادر) 2 / 469.
(2)
ذيل مرآة الزمان: 1 / 454 - 457 باختصار وتصرف.