الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَانَتْ قُرْطُبَة مَدينَتَيْنِ: إِحدَاهُمَا الشَّرْقِيَّةُ وَالأُخْرَى المَدِيْنَة العُظْمَى، فَقَامَتِ الصَّيْحَة وَالنَّاس فِي صَلَاةِ الفَجْر، فَرَكِبَ الجُنْد وَقَالُوا لِلوَالِي: اخْرُج بِنَا لِلمُلْتَقَى.
فَقَالَ: اصْبِرُوا حَتَّى يضحِي النَّهَار.
فَلَمَّا أَضْحَى رَكِبَ وَخَرَجَ مَعَهُم، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الفِرَنْج قَالَ:
ارجعُوا حَتَّى أَلبس سلَاحِي!
فَرَجَعَ بِهِم وَهُم يُصَدِّقُونه، وَذَا أَمرٌ قَدْ دُبر بِليلٍ، فَدَخَلَ الفِرَنْج عَلَى أَثرِهِم، وَانْتَشَرُوا، وَهَرَبَ النَّاسُ إِلَى البَلَدِ، وَقُتِلَ خَلْقٌ مِنَ الشُّيُوْخ وَالولدَان وَالنسوَان، وَنُهِبَ لِلنَّاسِ مَا لَا َيُحْصَى، وَانحصرت المَدِيْنَة العُظْمَى بِالخَلْقِ، فَحَاصَرَهُم الفِرَنْج شُهُوْراً، وَقَاتلوهُم أَشَدّ القِتَال، وَعدم أَهْلُهَا الأَقوَات، وَمَاتَ خَلْقٌ كَثِيْرٌ جُوْعاً، ثُمَّ اتَّفَقَ رَأْيُهُم مَعَ أَدفونش - لَعَنَهُ اللهُ - عَلَى أَنْ يُسلموهَا وَيَخْرُجُوا بِأَمتعتِهِم كُلّهَا، فَفَعَل، وَوَفَّى لَهُم، وَوصّلهُم إِلَى مَأْمَنِهِم فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
قُلْتُ: وَلَمْ يُمتّع بَعْدهَا ابْن هُود، بَلْ أَخَذَهُ اللهُ فِي سَنَةِ خَمْسٍ، فَكَانَتْ دَوْلَتُه تِسْعَةَ أَعْوَامٍ وَتِسْعَةَ أَشهر وَتِسْعَةَ أَيَّام، وَهَلَكَ بِالمَرِيَّةِ جُهّز عَلَيْهِ مَن غَمَّهُ وَهو نَائِم، وَحُمِلَ إِلَى مُرْسِيَة فَدُفِنَ هُنَاكَ، وَلَمْ يَمت حَتَّى قَوِيَ أَمرُ المُوَحِّدِيْن، وَقَامَ بَعْدَهُ مُحَمَّدُ بنُ يُوْسُفَ بنِ نَصْر ابْن الأَحْمَر، وَدَامَ الْملك فِي ذُرِّيَته.
وَقَدِمَ عَلَيْنَا دِمَشْق ابْن أَخِيْهِ الزَّاهِدُ الكَبِيْرُ بَدْر الدِّيْنِ بن هُود، وَرَأَيْتُهُ، وَكَانَ فَلسفِيَّ التَّصَوُّف يَشْرَب الخَمْر، أَخَذَه الأَعْوَانُ مَخْمُوْراً (1) !
15 - الرُّعَيْنِيُّ أَبُو مُوْسَى عِيْسَى بنُ سُلَيْمَانَ الأَنْدَلُسِيُّ الرُّنْدِيُّ *
الإِمَامُ، المُحَدِّثُ، المُتْقِن، الرَّحَّالُ، أَبُو مُوْسَى عِيْسَى بنُ سُلَيْمَانَ الرُّعَيْنِيُّ، الأَنْدَلُسِيُّ، الرُّنْدِيُّ.
(1) هذا الفاسد من صلب ذاك الفاسد الذي باع المسلمين بثمن بخس فإنا لله وإنا إليه راجعون، فأي تصوف هذا؟ !
(*) التكملة لابن الابار: 3 / الورقة: 84، وتاريخ الإسلام، الورقة: 126 (أيا صوفيا 3012)، وشذرات الذهب: 5 / 156.
سَمِعَ بِمَالَقَةَ مِنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ القُرْطُبِيِّ، وَأَبِي العَبَّاسِ بنِ الجَيَّارِ، وَبأَصْطبَّةَ (1) مِنْ إِبْرَاهِيْمَ بن عَلِيٍّ الخَوْلَانِيّ.
وَحَجّ وَأَكْثَر بِدِمَشْقَ عَنْ: أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ البُنِّ، وَأَبِي القَاسِمِ بنِ صَصْرَى، وَالطَّبَقَة.
ذكره الأَبَّارُ، فَقَالَ (2) : كَانَ ضَابِطاً مُتْقِناً، كتبَ الكَثِيْرَ، ثُمَّ امتُحِنَ فِي صَدَرِهِ بأَسر العَدُوِّ، فَذَهَبَ أَكْثَر مَا جَلب (3) ، وَوَلِيَ خطَابَة مَالَقَة، وَأَجَاز لِي مَرْوِيَّاتِه.
تُوُفِّيَ: سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، وَلَهُ إِحْدَى وَخَمْسُوْنَ سَنَةً (4) .
وَذكره رفِيقُه عُمَر بن الحَاجِب، فَقَالَ: كَانَ حَافِظاً مُتْقِناً، أَدِيْباً نَبِيْلاً، سَاكِناً وَقُوْراً، نَزِهاً.
قَالَ لِي الحَافِظ الضِّيَاءُ: مَا فِي الطّلبَة مِثْله.
وَقَالَ لِي الزَّكِيّ البِرْزَالِيُّ: ثِقَةٌ ثَبْتٌ، حَدَّثَنَا مِنْ حِفْظِهِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيْمُ بنُ عَلِيٍّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ قُزْمَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الفَرَجِ الطَّلَاّعِيُّ بِحَدِيْثٍ مِنَ (المُوَطَّأِ) .
وَذَكَرَهُ ابْنُ مَسْدِي، فَقَالَ: أَخَذَ بِمَكَّةَ عَنْ يُوْنُسَ القَصَّارِ الهَاشِمِيّ، وَأَقَامَ بِتِلْكَ البِلَادِ نَيِّفاً وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَكَانَ ضَابطاً، نَقَّاداً، عَارِفاً بِالرِّجَال،
(1) حصن بالاندلس.
(2)
التكملة: 3 / الورقة: 84.
(3)
أصل كلام ابن الابار أوضح، قال:" ورحل إلى أداء الفريضة، وسماع العلم، فاستوسع في روايته وأقام في رحلته نحوا من ستة عشر عاما كتب فيها بخطه علما كثيرا، وكان حسن الوراقة ضابطا متقنا عارفا بالرجال، وعاد إلى بلده، وقد لقي شيوخا عدة وجلب فوائد وغرائب وعوالي من روايته، على أنه امتحن في صدرة بأسر العدو إياه فذهب كثير مما جلب ".
(4)
أصل كلام ابن الابار: " وكتب الينا بإجازة ما رواه غير مرة، وتوفي في الثالث من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وست مئة، ولم يطل الامتاع به، ومولده في أحد شهري ربيع سنة إحدى وثمانين وخمس مئة ". والذهبي رحمه الله يختصر ويأخذ المعنى.