الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التُّوزِي، وَالجَمَالُ ابْن الشَّاطِبِيّ، وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن زباطر، وَمُحَمَّد بن أَحْمَدَ القصَاص، وَيَحْيَى بن مَكِّيٍّ العقربَانِي، وَعَبْد اللهِ ابْنُ المُرَّاكُشِي، وَزَيْنَبُ بِنْتُ الرَّضِيِّ، وَزَيْنَب بِنْت عَبْدِ السَّلَامِ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
وَلِي خِطَابَة قَرْيَتِهِ مُدَّةً، وَبِهَا تُوُفِّيَ.
قَالَ أَبُو شَامَةَ (1) : دُفِنَ بِقَرْيَتِهِ، وَكَانَ صَالِحاً، مُشْتَغِلاً بِالحَدِيْثِ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ.
أَخْبَرَنِي أَنَّهُ كَانَ مُرَاهِقاً حِيْنَ خَتَنَ الملكُ نُورُ الدِّيْنِ وَلَدَهُ، وَأَنَّهُ حضَر لعبَ الأُمَرَاء بِالمَيْدَانِ مَعَ صِبيَانِ قَرْيَتِه.
وَقِيْلَ: وُلِدَ فِي أَوِّلِ المُحَرَّم، سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّيْنَ - فَاللهُ أَعْلَم - فَإِنَّهُ كتب هَذَا أَيْضاً بِيَدِهِ.
مَاتَ: فِي ثَامن رَبِيْع الأَوّل، سَنَة خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ.
220 - المُرْسِيُّ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدٍ *
الإِمَامُ، العَلَاّمَةُ، البَارِع، القُدْوَة، المُفَسِّرُ، المُحَدِّثُ، النَّحْوِيّ، ذُو الفُنُوْنِ، شَرَف
(1) ذيل الروضتين: 195.
(*) معجم الأدباء لياقوت (ط: رفاعي) 18 / 209 - 213، الترجمة 62، التكملة لابن الابار: 2 / 663 - 664 الترجمة 1689 وفيها أنه أجاز له سنة ثلاث عشرة وسنة أربعين، ذيل الروضتين لأبي شامة: 195 - 196، صلة التكملة للحسيني المجلد الثاني الورقة 26 - 27، وذيل مرآة الزمان لليونيني: 1 / 76 - 79، تاريخ الإسلام للذهبي (أيا صوفيا 3013) ج 20 الورقة 142 - 143، ودول الإسلام: 2 / 120، العبر 5 / 224، الوافي بالوفيات: 3 / 354 - 355 الترجمة 1435، عيون التواريخ 20 / 117 - 119، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي: 8 / 69 - 72 الترجمة 1079، طبقات الشافعية للاسنوي: 2 / 451 - 452 الترجمة 1133، مرآة الجنان لليافعي: 4 / 137، البلغة في تاريخ أئمة اللغة للفيروزآبادي: 228 الترجمة 330، العقد الثمين للفاسي: 2 / 81 - 86 الترجمة 234، طبقات النحاة واللغويين لابن قاضي شهبة: 141 - 143 الترجمة 102 وفيه أن اسمه محمد بن محمد بن عبد الله، النجوم الزاهرة: 7 / 59، طبقات المفسرين للسيوطي (ليدن) : 35، و (ط وهبة بتحقيق علي محمد عمر) : 106 - 107 الترجمة 104، بغية الوعاة للسيوطي: 1 / 144 - 146 الترجمة 241، طبقات المفسرين للداوودي: 2 / 168 - 172 الترجمة 513، نفح الطيب: 2 / 241 - 242 الترجمة 158، شذرات الذهب: 5 / 269.
الدِّيْنِ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الفَضْلِ السُّلَمِيّ، المُرْسِيّ، الأَنْدَلُسِيّ.
وُلِدَ: بِمُرْسِيَة، فِي أَوَّلِ سَنَة سَبْعِيْنَ، أَوْ قَبْلُ بِأَيَّامٍ.
وَسَمِعَ (المُوَطَّأ) مِنَ: المُحَدِّث أَبِي مُحَمَّدٍ بنِ عُبَيْدِ اللهِ الحَجْرِيّ فِي سَنَةِ تِسْعِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ.
وَسَمِعَ مِنْ: عَبْدِ المُنْعِمِ بنِ الفَرَسِ، وَنَحْوِهِ، وَحَجّ، وَدَخَلَ إِلَى العِرَاقِ وَإِلَى خُرَاسَانَ وَالشَّامِ وَمِصْرَ، وَأَكْثَرَ الأَسفَارَ قَدِيْماً وَحَدِيْثاً، وَسَمِعَ مِنْ: مَنْصُوْر الفُرَاوِيّ، وَالمُؤَيَّد الطُّوْسِيّ، وَزَيْنَب الشَّعْرِيَّة، وَعَبْد المُعِزّ بن مُحَمَّدٍ الهَرَوِيّ، وَعِدَّة.
وَبِبَغْدَادَ مِنْ: أَصْحَابِ قَاضِي المَرَسْتَان، وَكَتَبَ، وَقَرَأَ وَجَمَعَ مِنَ الكُتُبِ النفِيسَة كَثِيْراً، وَمَهْمَا فَتح بِهِ عَلَيْهِ صَرَفَهُ فِي ثمنِ الكُتُب، وَكَانَ متضلِّعاً مِنَ العِلْمِ، جَيِّدَ الفَهْم، مَتِيْنَ الدّيَانَة.
حَدَّثَ (بِالسُّنَنِ الكَبِيْرِ) غَيْرَ مرَّةٍ عَنْ مَنْصُوْرٍ.
حَدَّثَ عَنْهُ: ابْنُ النَّجَّارِ، وَالمُحِبّ الطَّبَرِيّ، وَالدِّمْيَاطِيّ، وَالقَاضِي الحَنْبَلِيّ، وَالقَاضِي كَمَال الدِّيْنِ المَالِكِيّ، وَشَرَف الدِّيْنِ الفَزَارِيّ الخَطِيْب، وَأَبُو الفَضْلِ الإِرْبِلِيّ، وَالعِمَاد ابْن البَالِسِيّ، وَمُحَمَّد بنُ المهتَارِ، وَبَهَاء الدِّيْنِ إِبْرَاهِيْم ابْن المَقْدِسِيّ، وَالشَّرَف عَبْد اللهِ ابْن الشَّيْخ، وَالشَّمْس مُحَمَّد بن التَّاج، وَابْن سَعْدٍ، وَمُحَمَّد بن نِعمَةَ، وَمَحْمُوْدُ ابْنُ المَرَاتِبِيِّ، وَعلِي القصِيْرِي، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ.
قَالَ ابْنُ النَّجَّارِ: قَدِمَ طَالباً سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّ مائَةٍ، فَسَمِعَ الكَثِيْر، وَقَرَأَ الفِقْه وَالأُصُوْل، ثُمَّ سَافر إِلَى خُرَاسَانَ، وَعَاد مُجتازاً إِلَى الشَّامِ، ثُمَّ حَجَّ.
قُلْتُ: وَسَمِعَ مِنْهُ الإِرْبِلِيُّ الذَّهَبِيُّ (السُّنَنَ الكَبِيْرَ) كُلَّهُ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِيْنَ.
قَالَ: وَقَدِمَ بَغْدَادَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِيْنَ، وَنَزَلَ بِالنّظَامِيَّةِ، وَحَدَّثَ (بِالسُّنَن الكَبِيْر (1)) وَ (بِالغَرِيْبِ) لِلْخطَابِي، وَهُوَ مِنَ الأَئِمَّةِ الفُضَلَاء فِي جَمِيْع فُنُوْن العِلْم، لَهُ فَهْم ثَاقب، وَتَدقيق فِي المَعَانِي، وَلَهُ تَصَانِيْف عِدَّة وَنظم وَنثر
…
، إِلَى أَنْ قَالَ:
وَهُوَ زَاهِد مُتَوَرِّع كَثِيْر العِبَادَة، فَقير مُجَرَّدُ، مُتعفِّف نَزه، قَلِيْل المُخَالَطَة، حَافِظ لأَوقَاته، طَيِّب الأَخلَاق، كَرِيْم متودد، مَا رَأَيْتُ فِي فَنه مِثْلَه، أَنْشَدَنِي لِنَفْسِهِ:
مَنْ كَانَ يَرغب فِي النَّجَاة فَمَا لَهُ
…
غَيْر اتِّبَاع المُصْطَفَى فِيمَا أَتَى
ذَاك السَّبِيل المُسْتقيم وَغَيْرهُ
…
سبل الضَّلَالَة وَالغوَايَة وَالرَّدَى
فَاتَّبعْ كِتَابَ اللهِ وَالسُّنَنَ الَّتِي
…
صَحَّتْ فَذَاكَ إِنِ اتَّبَعتَ هُوَ الهُدَى
وَدعِ السُّؤَال بِلِمْ وَكَيْفَ فَإِنَّهُ
…
بَابٌ يَجرُّ ذَوِي البصِيْرَةِ لِلْعمَى
الدِّيْنُ مَا قَالَ الرَّسُولُ وَصحبُهُ
…
وَالتَّابِعُوْنَ وَمَنْ مَنَاهِجَهُم قَفَا
قَالَ ابْنُ الحَاجِبِ: سَأَلت الضِّيَاء عَنِ المُرْسِيّ، فَقَالَ: فَقِيْه منَاظر نَحْوِي مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ، صَحِبَنَا فِي الرِّحلَةِ، وَمَا رَأَينَا مِنْهُ إِلَاّ خَيراً.
وَقَالَ أَبُو شَامَةَ (2) : كَانَ مُتَفَنِّناً مُحققاً، كَثِيْرَ الحَجِّ، مُقتصداً فِي أُموره، كَثِيْرَ الكُتُبِ مُحصلاً لَهَا، وَكَانَ قَدْ أُعْطِي قبولاً فِي البِلَاد.
وَقَالَ يَاقُوْت (3) : هُوَ أَحَد أُدبَاء عصرنَا، تَكَلَّمَ عَلَى (الْمفصل) لِلزَّمَخشرِي، وَأَخَذَ عَلَيْهِ سَبْعِيْنَ مَوْضِعاً، وَهُوَ عذرِيُّ الهَوَى، عَامِرِيُّ
(1) الذي للبيهقي، وقد حدث به عن منصور بن عبد المنعم الفراوي.
(2)
ذيل الروضتين: 195 - 196 وفيه وردت العبارة: وكان شيخا فاضلا مفتيا كثير الحج محقق البحث مقتصدا في اموره..".
(3)
معجم الأدباء: 18 / 209 - 213 بتصرف.
الجَوَى، كُلَّ وَقتٍ لَهُ حَبِيْب، وَمِنْ كُلِّ حُسنٍ لَهُ نصِيْب.
رَحَلَ إِلَى خُرَاسَانَ، وَقَدِمَ بَغْدَادَ، وَأَقَامَ بِدِمَشْقَ وَبِحَلَبَ، وَرَأَيْتُهُ بِالمَوْصِلِ، ثُمَّ يَتبع مَنْ يَهْوَاهُ إِلَى طيبهِ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ وُلِدَ بِمُرْسِيَةَ سَنَةَ سَبْعِيْنَ، وَهُوَ مِنْ بَيْتٍ كَبِيْرٍ وَحِشْمَةٍ، وَانْتَقَلَ إِلَى مِصْرَ، وَقَدْ لَزِمَ النُّسْكَ وَالانْقِطَاعَ، وَكَانَ لَهُ فِي العُلُوْمِ نَصِيْبٌ وَافِرٌ، يَتَكَلَّمُ فِيْهَا بِعَقْلٍ صَائِبٍ، وَذِهْنٍ ثَاقِبٍ.
وَأَخْبَرَنِي فِي سَنَةِ 626 أَنَّهُ قَرَأَ القُرْآنَ عَلَى غَلبُوْنَ بنِ مُحَمَّدٍ المُرْسِيِّ صَاحِبِ ابْنِ هُذَيْلٍ، وَعَلِيِّ بنِ الشَّرِيْكِ (1) ، وَقَرَأَ الفِقْهَ وَالنَّحْوَ وَالأُصُوْلَ، ثُمَّ ارْتَحَلَ إِلَى مَالقَةَ سَنَةَ تِسْعِيْنَ، فَقَرَأَ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ يُوْسُفَ بنِ دهَاقٍ، وَيُعْرَفُ بِابْنِ المَرْأَةِ.
قَالَ: وَلَمْ يَكُنْ بِالأَنْدَلُسِ فِي فَنِّهِ مِثْلُهُ، يَقُوْمُ بِعِلْمِ التَّفْسِيْرِ وَعُلُوْمِ الصُّوْفِيَّةِ، كَانَ لَوْ قَالَ: هَذِهِ الآيَةُ تَحْتَمِلُ أَلفَ وَجْهٍ، قَامَ بِهَا، قَالَ: وَمَا سَمِعْتُ شَيْئاً إِلَاّ حَفِظْتُهُ، قَرَأَ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ الشَّوْذِيِّ التِلِمْسَانِيِّ الصَّالِحِ.
قَالَ يَاقُوْتُ (2) : فَحَدَّثَنِي شَرَفُ الدِّيْنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ دهَاق:
حَفِظْتُ وَأَنَا شَابٌّ القُرْآنَ، وَكُتُباً مِنْهَا (إِحْيَاء عُلُوْم الدِّيْنِ) لِلْغزَالِيِّ، فَسَافَرْتُ إِلَى تِلمسَانَ، فَكُنْتُ أَرَى رَجُلاً زرِّياً قَصِيْراً طُوْلُهُ نَحْو ذِرَاعٍ، وَكَانَ يَأْخُذُ زَنْبِيْلَهُ وَيَحْمِلُ السَّمَكَ بِالأُجْرَةِ، وَمَا رَآهُ أَحَدٌ يُصَلِّي، فَاتَّفَقَ أَنِّي اجْتزتُ يَوْماً وَهُوَ يُصَلِّي، فَلَمَّا رَآنِي قَطَعَ الصَّلَاةَ، وَأَخَذَ يَعْبَثُ، ثُمَّ جَاءَ العِيْدُ، فَوَجَدْتُهُ فِي المُصَلَّى، فَقُلْتُ: سَآخُذُهُ مَعِي أُطْعِمُهُ.
فَسَبَقَنِي، وَقَالَ: قَدْ سَبَقْتُكُ، احْضر عِنْدِي.
فَمَضَيْتُ مَعَهُ إِلَى المَقَابِرِ، فَأَحْضَرَ طَعَاماً حَارّاً يُؤْكَلُ فِي الأَعيَادِ، فَعَجِبْتُ وَأَكَلْتُ، ثُمَّ شَرَعَ يُخْبِرُنِي بِأَحْوَالِي كَأَنَّهُ كَانَ مَعِي، وَكُنْتُ إِذَا صَلَّيْتُ يُخَيَّلُ لِي نُوْرٌ عِنْدَ قَدَمِي، فَقَالَ لِي: أَنْتَ مُعْجَبٌ تَظُنُّ نَفْسَكَ شَيْئاً، لَا، حَتَّى تَقْرَأَ
(1) هو علي بن يوسف بن شريك الداني، أبو الحسن.
(2)
هذا النص غير موجود في ترجمة المرسي في " معجم الأدباء "، ولا بعض الذي قبله.
العُلُوْمَ.
قُلْتُ: إِنِّيْ أَحْفَظُ القُرْآنَ بِالرِّوَايَاتِ.
قَالَ: لَا، حَتَّى تَعْلَمَ تَأْوِيْلَهُ بِالْحَقِيْقَةِ.
فَقُلْتُ: عَلِّمْنِي.
فَقَالَ: مِنْ غَدٍ مُرَّ بِي فِي السَّمَّاكِيْنَ.
فَبَكَّرْتُ، فَخَلَا بِي فِي مَوْضِعٍ، ثُمَّ جَعَلَ يُفَسِّرُ لِيَ القُرْآنَ تَفْسِيْراً عَجِيْباً مُدْهِشاً، وَيَأْتِي بِمَعَانِي (1) ، فَبَهَرَنِي، وَقُلْتُ: أُحِبُّ أَنْ أَكْتُبَ مَا تَقُوْلُ.
فَقَالَ: كَمْ تَقُوْلُ عُمُرِي؟
قُلْتُ: نَحْو سَبْعِيْنَ سَنَةً.
قَالَ: بَلْ مائَةٌ وَعشر سِنِيْنَ، وَقَدْ كُنْتُ أَقرأُ العِلْمَ أَرْبَعِيْنَ سَنَةً، ثُمَّ تَرَكْتُ الإِقْرَاءَ، فَاسْأَلِ اللهَ أَنْ يُفَقِّهَكَ فِي الدِّيْنِ.
فَجَعَلَ كُلَمَّا أَلقَى عَلَيَّ شَيْئاً حَفِظْتُهُ.
قَالَ: فَجَمِيْع مَا تَرَوْنَهُ مَسّنِي مِنْ بَرَكَتِهِ، وَسَمِعْتُهُ يَقُوْلُ: قطبُ الأَرْضِ اليَوْمُ ابْنُ الأَشْقَرِ -أَوْ قَالَ: الأَشْقَرُ- وَإِن مَاتَ قَبْلِي فَأَنَا أَصِيْر القُطْبَ.
ثُمَّ قَالَ المُرْسِيُّ: أَنْشَدَنِي ابْنُ دهَاقٍ، أَنْشَدَنِي الشَّوْذِيّ لِنَفْسِهِ:
إِذْ نَطَقَ الوُجُوْدُ أَصَاخَ قَوْمٌ
…
بِآذَانٍ إِلَى نُطْقِ الوُجُوْدِ
وَذَاكَ النُّطْقُ لَيْسَ بِهِ انْعِجَامٌ
…
وَلَكِنْ جَلَّ عَنْ فَهْمِ البَلِيْدِ
فَكُنْ فَطِناً تُنَادى مِنْ قَرِيْبٍ
…
وَلَا تَكُ مَنْ يُنَادى مِنْ بَعِيْدِ
وَلَقَي المُرْسِيُّ بِفَاسٍ أَبَا عَبْدِ اللهِ مُحَمَّد ابْن الكَتَّانِيّ، وَكَانَ إِمَاماً فِي الأُصُوْلِ وَالزُّهْدِ، قَالَ: فَكَتَبْتُ إِلَى ابْنِ المَرْأَةِ:
يَا أَيُّهَا العَلَمُ المرفَّعُ قَدْرُهُ
…
أَنْتَ الَّذِي فَوْقَ السِّمَاك حُلُوْلُهُ
أَنْتَ الصَّبَاحُ المُسْتَنِيْرُ لِمُبْتَغِي
…
عِلْمِ الحَقَائِقِ أَنْتَ أَنْتَ دَلِيْلُهُ
بِكَ يَا أَبَا إِسْحَاقَ يَتَّضِحُ الهُدَى
…
بِكَ تَسْتَبِيْنُ فُرُوْعُهُ وَأُصُوْلُهُ
مَنْ يَزْعُمُ التَّحْقِيْقَ غَيْرَكَ إِنَّهُ
…
مِثْلُ المُجَوِّزِ مَا العُقُوْلُ تُحِيْلُهُ
…
إِلَى أَنْ قَالَ: وَقَرَأْت (كِتَاب سِيْبَوَيْه) عَلَى أَبِي عَلِيٍّ الشَّلَوْبِيْنِ
(1) هكذا في الأصل.
جَمِيْعه، فَكَتَبَ لِي بِخَطِّهِ: تَفقَّهتُ مَعَ فُلَان فِي (كِتَاب سِيْبَوَيْه) وَقدمت إِسكندرِيَة فِي صَفَرٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّ مائَةٍ، وَوصل مَكَّة فِي رَجبِهَا، فَسَمِعَ بِهَا، وَقَدِمَ بَغْدَادَ، فَأَقَامَ بِهَا نَحْو عَامَيْنِ يَشتغل بِالعَقْلِيَّات، وَسَمِعَ بِوَاسِط مِنِ ابْنِ المَنْدَائِيّ (المُسْنَد) ، فَمَاتَ فِي أَثْنَاء القِرَاءة، ثُمَّ رَحل إِلَى هَمَذَان سَنَة سَبْعٍ، وَإِلَى نَيْسَابُوْرَ وَهرَاة وَبَحَثَ مَعَ العَمِيدِيِّ فِي (الإِرْشَادِ) وَمَعَ القُطْب المِصْرِيّ، وَقَرَأَ عَلَى الْمعِين الجَاجرمِي تَعَاليقَه فِي الخلَاف، وَدَخَلَ مَرْو وَأَصْبَهَانَ، وَقَرَأَ بِدِمَشْقَ عَلَى الكِنْدِيِّ (كِتَابَ سِيْبَوَيْه) ، وَحَجّ مَرَّات، وَشرع فِي عَملِ تَفْسِيْرٍ، وَلَهُ كِتَابُ (الضَّوَابط) فِي النَّحْوِ، وَبدَأَ بِكِتَاب فِي الأَصْلَيْنِ، وَصَنَّفَ كِتَاباً فِي البَلاغَة وَالبَدِيْع، وَأَملَى عَلَيَّ (دِيْوَانَ المتنبِي)
…
، إِلَى أَنْ قَالَ: وَأَنْشَدَنِي لِنَفْسِهِ وَقَدْ تَمَارَوْا عِنْدَهُ فِي الصِّفَاتِ:
مَنْ كَانَ يَرغب فِي النَّجَاة فَمَا لَهُ
…
غَيْر اتِّبَاع المُصْطَفَى فِيمَا أَتَى
…
، وَذَكَرَ الأَبيَات.
قَالَ: وَأَنْشَدَنِي لِنَفْسِهِ:
أَبُثك مَا فِي القَلْب مِنْ لَوعَة الحبِّ
…
وَمَا قَدْ جَنَتْ تِلْكَ اللِّحَاظ عَلَى لُبِّي
أَعَارَتْنِي السُّقم الَّتِي بِجُفُونِهَا
…
وَلَكِنْ غَدَا سُقمِي عَلَى سُقمِهَا يُربِي
قُلْتُ: وَلَهُ أَبيَات رَقيقَةٌ هَكَذَا، وَكَانَ بَحرَ مَعَارِفَ رحمه الله.
قَرَأْت بِخَطّ الكِنْدِيّ فِي (تَذكرته) : أَنَّ كتب المُرْسِيّ كَانَتْ مُودعَة بِدِمَشْقَ، فَرسم السُّلْطَان بِبيعهَا، فَكَانُوا فِي كُلِّ ثُلَاثَاء يَحملُوْنَ مِنْهَا جُمْلَةً إِلَى دَار السعَادَة، وَيَحضر العُلَمَاء، وَبيعت فِي نَحْو من سَنَةٍ، وَكَانَ فِيْهَا نَفَائِسُ، وَأَحرزتْ ثَمناً عَظِيْماً، وَصَنَّفَ (تَفْسِيْراً) كَبِيْراً لَمْ يُتِمَّهُ.
قَالَ: وَاشْتَرَى البَاذَرَائِيُّ مِنْهَا جُمْلَةً كَثِيْرَةً.
وَقَالَ الشَّرِيْفُ عِزُّ الدِّيْنِ فِي (الوَفِيَّاتِ (1)) : تُوُفِّيَ المُرْسِيّ فِي رَبِيْعٍ الأَوَّلِ، سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِيْنَ وَسِتِّ مائَةٍ، فِي مُنتصفِه، بِالعرِيش، وَهُوَ مُتوجّه إِلَى دِمَشْقَ، فَدُفِنَ بتل الزَّعقَة، وَكَانَ مِنْ أَعيَانِ العُلَمَاءِ، ذَا مَعَارِفَ مُتعدِّدَة، وَلَهُ مُصَنّفَات مُفِيْدَة.
قُلْتُ: تَأَخَّر مِنْ روَاته يُوْسُف الخُتَنِي بِمِصْرَ، وَأَيُّوْب الكَحَّال بِدِمَشْقَ.
وَفِيْهَا تُوُفِّيَ: إبراهيمُ بنُ أَبِي بَكرٍ الحَمَّامِيُّ الزُّعبِيُّ صاحبُ ابْنِ شَاتِيلَ، والمُفتِي عِمَادُ الدِّيْنِ إِسْمَاعِيْل بن هِبَةِ اللهِ بِشْر بن بَاطِيش المَوْصِلِيّ، وَالسُّلْطَان الْملك المُعِزّ أَيبك التُّرُكْمَانِيّ قتلته زَوجته شجر الدُّرّ وَقُتلت، وَالعَلَاّمَة نَجْم الدِّيْنِ عَبْد اللهِ ابْن أَبِي الوَفَاء مُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ البَاذَرَائِيّ رَسُوْلُ الخِلَافَةِ، وَالمُعَمَّرُ المُحَدِّث تَقِيّ الدَّين عَبْد الرَّحْمَنِ اليَلْدَانِيُّ، والمُحَدِّث مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيْمَ بنِ جوبر البَلَنْسِيّ، وَالعَلَاّمَة التَّاج مُحَمَّد بن الحُسَيْنِ الأُرْمَوِيّ صَاحِب (المَحْصُوْل) .
(1) صلة التكملة لوفيات النقلة المجلد الثاني الورقة 26.