الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الطَّلَاقِ
وَهُوَ حَلُّ قَيْدِ النِّكَاحِ،
ــ
كِتَابُ الطَّلاقِ
فائدة: قولُه: وهو حَلُّ قَيْدِ النِّكاحِ. وكذا قال غيرُه. وقال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى» : حَلُّ قَيْدِ النِّكاحِ أو بعضِه بوُقوعِ ما يَمْلِكُه مِن عدَدِ الطَّلَقاتِ، أو
وَيُبَاحُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِليْهِ، وَيُكرَهُ مِنْ غيْرِ حَاجَةٍ. وَعَنْهُ، أَنَّهُ يَحْرُمُ، وَيُسْتَحَبُّ إِذَا كَانَ بَقَاءُ النِّكَاحِ ضَرَرًا.
ــ
بعضِها. وقيل: هو تحْرِيمٌ بعدَ تحليلٍ، كالنِّكاحِ؛ تحْليلٌ بعدَ تحريمٍ.
قوله: ويُباحُ عِندَ الحاجَةِ إليه، ويُكرَهُ مِن غيرِ حاجَةٍ. وعنه، أنَّه يَحْرُمُ، ويُستَحَبُّ إذا كان بَقاءُ النِّكاحِ ضَرَرًا. اعلمْ أنَّ الطَّلاقَ ينْقَسِمُ إلى أحكامِ التَّكليفِ الخَمْسَةِ، وهى؛ الإِباحَةُ، والاستِحْبابُ، والكَراهَةُ، والوُجوبُ، والتَّحريمُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فالمُباحُ، يكونُ عندَ الحاجَةِ إليه، لسُوءِ خُلُقِ المرْأةِ، أو لسُوءِ عِشْرَتِها، وكذا للتَّضَرُّرِ منها مِن غيرِ حُصولِ الغرَضِ بها، فيُباحُ الطَّلاقُ فى هذه الحالَةِ مِن غيرِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
خِلافٍ أعلَمُه. والمَكروهُ، إذا كان لغيرِ حاجَةٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ، وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الخُلاصةِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الهادِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وعنه، أنَّه يَحْرُمُ. وأطْلَقَهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» . وعنه، يُباحُ فلا يُكرَهُ ولا يَحرُمُ. والمُسْتَحَبُّ، وهو عندَ تَفريطِ المرأةِ فى حُقوقِ اللَّهِ الواجِبَةِ عليها، مثْلَ الصَّلاةِ ونحوِها، وكوْنِها غيرَ عفيفَةٍ، ولا يُمْكِنُ إجْبارُها على فِعلِ حُقوقِ اللَّهِ تعالَى؛ فهذه يُسْتَحَبُّ طَلاقُها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه، وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وعنه، يجِبُ؛ لكَوْنِها غيرَ عفيفَةٍ، ولتَفْرِيطِها فى حُقوقِ اللَّهِ تعالَى. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وذكَر فى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، وغيرِهم، أنَّ المُسْتَحَبَّ هو فيما إذا كانتْ مُفَرِّطَةً فى حقِّ زَوجِها، ولا تَقُومُ بحُقوقِه. قلتُ: وفيه نظَرٌ.
فائدتان؛ إحْداهما، زِنَى المرْأةِ لا يَفْسَخُ النِّكاحَ. نصَّ عليه. ونقَل المَرُّوذِىُّ، فى مَن يَسْكَرُ زوْجُ أُخْتِه، يُحوِّلُها إليه، وعنه أيضًا، أيُفَرِّقُ بينَهما؟ قال: اللَّهُ المُسْتَعانُ. الثَّانيةُ، إذا تَرَكَ الزَّوْجُ حقَّ اللَّهِ، فالمرْأَةُ فى ذلك كالزَّوْجِ، فتتَخَلَّصُ منه بالخُلعِ ونحوِه. والمُحَرَّمُ، وهو طَلاقُ الحائضِ، أو فى طُهرٍ أصابها فيه، على ما يأتِى إنْ شاءَ اللَّهُ تعالَى فى بابِ سُنَّةِ الطَّلاقِ وبِدعَتِه. والواجِبُ، وهو طَلاقُ المُولِى بعدَ التَّرَبُّصِ إذا أَبَى الفَيْئَةَ، وطَلاقُ الحَكَمَيْن إذا رأيا ذلك. قالَه الأصحابُ. ذكَر المُصَنِّف الثَّلاثَةَ الأوَلَ هنا، والرَّابعَ ذكَرَه فى بابِ سُنَّةِ الطَّلاقِ وبِدعَتِه، والخامِسَ ذكَره فى بابِ الإِيلاءِ.
فائدة: لا يجِبُ الطَّلاقُ فى غيرِ ذلك. على الصَّحيحَ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وعنه، يجِبُ الطَّلاقُ إذا أمَرَه أَبُوه به، وقالَه أبو بَكرٍ فى «التَّنْبِيهِ» .
وَيَصِحُّ مِنَ الزَّوْجِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ الْمُخْتَارِ، ومِنَ الصَّبِىِّ الْعَاقِلِ. وَعَنْهُ، لَا يَصِحُّ حَتَّى يَبْلُغَ.
ــ
وعنه، يجِبُ بشَرطِ أن يكونَ أَبُوه عَدلًا. وأمَّا إذا أمَرَته أُمُّه، فنَصُّ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله: لا يُعْجِبُنِى طَلاقُه. ومنَعه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله، منه. ونصُّ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، فى بَيْعِ السُّرِّيَّةِ: إن خِفتَ على نَفسِكَ، فليس لها ذلك. وكذا نصَّ فيما إذا منَعاه مِنَ التَّزْوِيجِ.
قوله: ومِنَ الصَّبِىِّ العاقلِ. يَصحُّ طَلاقُ المُمَيِّزِ العاقلِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال فى «القَواعِدِ الأُصُولِيَّةِ»: والأصحابُ على وُقوعِ طَلاقِه، وهو المَنصوصُ عنِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، فى روايةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الجماعَةِ؛ منهم عَبدُ اللَّهِ، وصالِحٌ، وابنُ مَنصُورٍ، والحسَنُ بنُ ثَوابٍ، والأَثرَمُ، وإسحاقُ بنُ هانِئٍ، والفَضلُ بنُ زِيادٍ، وحَربٍ، والمَيْمُونِىُّ. قال فى «الفُروعِ»: نقَله واختارَه أكثرُ. قال الزَّرْكَشِىُّ: هذا اختِيارُ عامَّةِ الأصحابِ؛ الخِرَقِىِّ، وأبى بَكرٍ، وابنِ حامِدٍ، والقاضى، وأصحابِه؛ كالشَّرِيفِ، وأبى الخَطَّابِ، وابنِ عَقِيلٍ، وغيرِهم. قال فى «المُذْهَبِ»: يقَعُ طَلاقُ المُمَيِّزِ فى أصحِّ الرِّوايتَيْن. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه، وقدَّمه فى «الهِدايَةِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وهو مِن مُفرَداتِ المذهبِ. وعنه، لا يصِحُّ منه حتى يبلُغَ. وجزَم به الأدَمِىُّ البَغدادِىُّ، وصاحِبُ «المُنَوِّرِ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
واختارَه ابنُ أبى مُوسى وغيرُه. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «إِدْراكِ الغايةِ». قال فى «العُمْدَةِ»: ولا يصِح الطَّلاقُ إلَّا مِن زَوجٍ مُكَلَّفٍ مُختارٍ. وأَطْلَقَهما فى «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «الكافِى» ، و «البُلْغَةِ» ، و «تَجْريدِ العِنايةِ» . وعنه، يصِحُّ مِن ابنِ عَشْرِ سِنِين. نقَل صالِحٌ، إذا بلَغَ عشْرًا يَتَزَوَّجُ، ويُزَوِّجُ، ويُطَلقُ، واختارَه أبو بَكرٍ. وفى طَريقَةِ بعضِ الأصحابِ، فى طَلاقِ مُمَيِّزٍ رِوايَتان. وعنه، يصِحُّ مِن ابنِ اثْنَتَىْ عَشْرَةَ سَنَةً.
قال الشَّارِحُ: أكثرُ الرِّواياتِ تحديدُ مَن يقَعُ طَلاقُه مِنَ الصِّبْيان بكَونِه يعْقِلُ. وهو اختِيارُ القاضى. وروَى أبو الحارِثِ عنِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، إذا عقَلَ الطَّلاقَ، جازَ طَلاقُه ما بينَ عَشْر إلى ثِنْتَىْ عَشْرَةَ. وهذا يدُلُ على أنَّه لا يقَعُ ممَّنْ له دُونَ العَشْرِ، وهو اختيارُ أبى بَكرٍ. وتقدَّم شئٌ مِن ذلك فى أوَّلِ كتابِ البَيْعِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وتقدَّم فى أوَائلِ الخُلْعِ فى كلامِ المُصَنِّفِ، هل يَصِحُّ طَلاقُ الأَبِ لزَوجَةِ ابنِه الصَّغيرِ؟.
وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ يُعْذَرُ فِيهِ؟ كَالْمَجْنُونِ، والنَّائِمِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَالْمُبَرْسَمِ، لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ.
ــ
قوله: ومن زالَ عَقْلُه بسَبَبٍ يُعْذَرُ فيهِ؛ كالمَجْنُونِ، والنَّائِمِ، والمُغْمَى عليه، والمُبَرْسَم، لم يَقعْ طَلاقُه. هذا صحيحٌ، لكنْ لو ذكَر المُغْمَى عليه والمَجْنونُ بعدَ أَنْ أَفاقَا أنَّهما طَلَّقا، وقَع الطَّلاقُ. نصَّ عليه. قال المُصَنِّفُ: هذا فى مَن جُنونُه بذَهابِ مَعرِفَتِه بالكُلِّيَّةِ. فأمَّا المُبَرْسَمُ، ومَن به نِشَافٌ، فلا يقَعُ. وقال فى «الرَّوْضَةِ»: المُبَرْسَمُ، والموَسْوَسُ (1) إن عَقَلا الطَّلاقَ، لَزِمَهما. قال فى «الفُروعِ»: ويدْخُلُ فى كلامِهم، مَن غَضِبَ حتى أُغْمِىَ عليه، أو غُشِىَ عليه. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله: يَدخُلُ ذلك فى كلامِهم بلا رَيبٍ. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ أيضًا: إنْ غَيَّرَه الغَضَبُ ولم يَزُلْ عقْلُه، لم يقَعِ الطَّلاقُ؛
(1) فى الأصل، أ:«المسوس» .
فَإِنْ زَالَ بِسَبَبٍ لَا يُعْذَرُ فِيهٍ كَالسَّكْرَانِ، وَمَنْ شَرِبَ مَا يُزِيلُ عَقْلَهُ
ــ
لأنَّه ألْجأَه وحمَلَه عليه فأَوْقَعَه وهو يكْرَهُه، ليَسْتَرِيحَ منه، فلم يَبقَ له قَصْدٌ صحيحٌ، فهو كالمُكرَهِ، ولهذا لا يُجابُ دُعاؤُه على نفسِه ومالِه، ولا يَلْزَمُه نَذْرُ الطَّاعَةِ فيه.
قوله: وإن زالَ بِسَبَبٍ لا يُعْذَرُ فيه، كالسَّكرانِ، ففى صِحةِ طَلاقِه رِوايَتان.
لِغَيْرِ حَاجَةٍ، فَفِى صِحَّةِ طَلَاقِهِ رِوَايَتَانِ. وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ فِى قَتْلِهِ، وَقَذْفِهِ، وَسَرِقَتِهِ، وَزِنَاهُ، وَظِهَارِهِ وَإِيلَائِهِ.
ــ
وأَطْلَقهما الخِرَقِىُّ، والحَلْوانِىُّ فى كتابِ «الوَجْهَيْن» ، و «الرِّوايتَيْن» ، وصاحِبُ «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الكافِى» ، و «المُغْنِى» ، و «المَذْهَبِ الأَحمَدِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الزُّبْدَةِ» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «شَرحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، وغيرُهم؛ إحْداهما، يقَعُ. وهو المذهبُ. اختارَه أبو بَكرٍ الخَلَّالُ، والقاضى، والشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ، وأبو الخَطَّابِ، والشِّيرَازِىُّ. وصحَّحه فى «التَّصْحيحِ» ، و «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ» ، و «إِدْراكِ الغايةِ» ، و «نهايةِ ابنِ رَزِينٍ» . وجزَم به فى «الخُلاصةِ» ، و «العُمْدَةِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ» ، و «الوَجيزِ» . وقدَّمه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فى «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ». قال فى «القاعِدَةِ الثَّانِيَةِ بعدَ المِائةِ»: هذا المَشْهورُ مِنَ المذهبِ. قال ابنُ مُفْلِح فى «أُصُولِه» : تُعْتَبَرُ أقْوالُه وأَفْعالُه فى الأشْهَرِ عنِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، وأكثرِ أصحابِه. وقدَّمه. وقال الطُّوفِىُّ فى «شَرْحِ مُخْتَصَرِه»: هذا المشْهُورُ بينَ الأصحابِ. والرِّوايةُ الثَّانيةُ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا يقَعُ. اخْتارَه أبو بَكرٍ عبْدُ العَزيزِ فى «الشَّافِى» ، و «زادِ المُسافِرِ» ، وابنُ عَقِيلٍ. ومالَ إليه المُصَنِّفُ، والشَّارحُ، وابنُ رَزِينٍ فى «شَرْحِه» . واخْتارَه النَّاظِمُ، والشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، وناظِمُ «المُفْرَداتِ» ، وقدَّمه، وهو منها. وجزَم به فى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«التَّسْهِيلِ» . قال الزَّرْكَشِىُّ: ولا يَخفَى أنَّ أدِلَّةَ هذه الرِّوايةِ أَظْهَرُ. نقَل المَيْمُونِىُّ، كنتُ أقولُ: يَقعُ، حتى تَبَيَّنتُه، فغلَبَ علىَّ أنَّه لا يقَعُ. ونقَل أبو طالِبٍ، الذى لا يَأمُرُ بالطَّلاقَ إنَّما أَتَى خَصْلَةً واحدةً، والذى يَأمُرُ به أَتَى باثْنَتَيْن؛ حرَّمَها عليه، وأباحَها لغيرِه، ولهذا قيلَ: إنَّها آخِرُ الرِّواياتِ. قال الطُّوفِىُّ فى «شَرْحِ الأُصُولِ» : هذا أشْبَهُ. وعنه، الوَقْفُ. قال الزَّرْكَشِىُّ: وفى التَّحْقيقِ لا حاجَةَ إلى ذِكرِ هذه الرِّوايةِ؛ لأَنَّ الإمامَ أحمدَ، رحمه الله، حيثُ تَوقَّفَ فللأصحابِ قولان، وقد نصَّ على القَوْلَيْنِ، واسْتَغْنَى عن ذِكْرِ الرِّوايةِ. قلتُ: ليس الأمْرُ كذلك، بل تَوقُّفُه لقُوَّةِ الأدِلَّةِ مِنَ الجانِبَيْن، فلم يقْطَعْ فيها بشئٍ. وحيثُ قال بقَوْلٍ، فقد ترَجَّح عندَه دَلِيلُه على غيرِه، فقطَع به.
قوله: وكذلك يُخَرَّجُ فِى قَتْلِه، وقَذْفِه، وسَرِقَتِه، وزِناه، وظِهارِه، وإيلائِه. وكذا قال فى «الهِدايَةِ»: وكذا بَيْعُه، وشِراؤُه، ورِدَّتُه، وإقْرارُه، ونَذْرُه، وغيرُها. قالَه المُصَنِّفُ وغيرُه. اعلمْ أنَّ فى أَقوالِ السَّكرانِ وأفعالِه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رِواياتٍ صَرِيحاتٍ عن الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله؛ إحْداهُنَّ، أنَّه مُؤاخَذٌ بها، فهو كالصَّاحِى فيها، وهو المذهبُ. جزَم به فى «المُنَوِّرِ» ، وقدَّمه فى «الفُروعِ». قال فى «القاعِدَةِ الثَّانِيَةِ بعدَ المِائةِ»: السَّكْرانُ يَشْرَبُ الخَمْرَ عمْدًا، فهو كالصَّاحِى فى أقْوالِه وأفْعالِه فيما عليه، فى المَشْهورِ مِنَ المذهبِ، بخِلافِ مَن سَكِرَ ببِنْجٍ، ونحوِه. انتهى. وتقدَّم كلامُ ابنِ مُفْلِحٍ فى «أُصُولِه» . والرِّوايةُ الثَّانيةُ، أنَّه ليسَ بمُؤاخَذٍ بهما، فهو كالمَجْنونِ فى أقْوالِه وأفْعالِه. واخْتارَه النَّاظِمُ. وقدَّمه المُصَنِّفُ فى هذا الكتابِ فى إقْرارِه فى كتابِ الإِقْرارِ، وكذا قدَّمه كثيرٌ مِنَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأصحابِ فى الإِقْرارِ، على ما يأْتِى. قال ابنُ عَقِيلٍ: هو غيرُ مُكَلَّفٍ. والرِّوايةُ الثَّالثةُ، أنَّه كالصَّاحِى فى أفْعالِه، وكالمَجْنونِ فى أقْوالِه. والرِّوايةُ الرَّابعةُ، أنَّه فى الحُدودِ كالصَّاحِى، وفى غيرِها كالمَجْنونِ. قال الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله، فى رِوايةِ المَيْمُونِىِّ: تَلْزَمُه الحُدودُ، ولا تَلْزَمُه الحُقوقُ. وهذا اختِيارُ أبى بَكرٍ فيما حكاه عنه القاضى، نقَله الزَّرْكَشِىُّ. والرِّوايةُ الخامسةُ، أنَّه فيما يسْتَقِلُّ به؛ مثْلُ قَتْلِه وعِتْقِه وغيرِهما، كالصَّاحِى، وفيما لا يسْتَقِلُّ به؛ كبَيْعِه، ونِكاحِه، ومُعاوَضاتِه، كَالمَجْنونِ. حَكَاها ابنُ حامِدٍ. قال القاضى: وقد أَوْمَأَ إليها فى رِوايةِ البِرْزَاطِىِّ، فقال: لا أقولُ فى طَلاقِه شيئًا. قيل له: فبَيْعُه وشِراؤُه؟ فقال: أمَّا بيْعُه وشِراؤُه، فغيرُ جائزٍ. وأَطْلَقَهُنَّ فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ». وقال الزَّرْكَشِىُّ: قلتُ: ونقَل عنه إِسْحاقُ بنُ هانِئٍ ما يحْتَمِلُ عكْسَ الرِّوايةِ الخامسَةِ، فقال: لا أقولُ فى طَلاقِ السَّكْرانِ وعِتْقِه شيئًا، ولكِنْ بيْعُه وشِراؤُه جائزٌ. وعنه، لا تَصِحُّ رِدَّتُه فقط، حَكاها ابنُ مُفْلِحٍ فى «أُصولِه» . ويأْتِى الخِلافُ فى قَتْلِه فى بابِ شُروطِ القِصاصِ فى كلامِ المُصَنِّفِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فوائد؛ الأُولَى، حَدُّ السَّكْرانِ الذى تَتَرتَّبُ عليه هذه الأحْكامُ؛ هو الذى يَخْلِطُ فى كَلامِه وقِراءَتِه، ويَسْقُطُ تَمْيِيزُه بينَ الأعْيانِ، ولا يُشْترَطُ فيه أن يكونَ بحيثُ لا يُمَيِّزُ بينَ السَّماءِ والأرْضِ، ولا بينَ الذَّكَرِ والأُنْثَى. قالَه القاضى وغيرُه، وقد أَوْمَأ إليه فى رِوايَةِ حَنْبَلٍ، فقال: السَّكْرانُ الذى إذا وَضَع ثِيابَه فى ثِيابِ غيرِه، فلم يعْرِفْها، أو وضَعْ نَعْلَه فى نِعالِهم، فلم يعْرِفْه، وإذا هَذَى فى أكثَرِ كلامِه، وكان مَعْروفًا بغيرِ ذلك. وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى». وقيل: يكفِى تخْلِيطُ كلامِه. ذكَره أكثرُهم فى بابِ حَدِّ السُّكْرِ. وضبَطَه بعضُهم، فقال: هو الذى يَخْتَلُّ فى كلامِه المَنْظُومِ، ويُبِيحُ بسِرِّه المَكْتُوم. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله: وزَعَم طائفةٌ مِن أصحابِ مالِكٍ، والشَّافِعِىِّ، وأحمدَ، رحمهم الله، أن النِّزاعَ فى وُقوعِ طَلاقِه إنَّما هو فى النَّشْوانِ، فأمَّا الذى تمَّ سُكْرُه بحيثُ لا يَفْهَمُ ما يقولُ، فإنَّه لا يَقَعُ به، قوْلًا واحدًا. قال: والأئمَّةُ الكِبارُ جعَلُوا النِّزاعَ فى الجميعِ. الثَّانيةُ، قال جماعَةٌ مِنَ الأصحابِ: لا تصِحُّ عِبادَةُ السَّكرانِ. قال الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله: ولا تُقْبَلُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
صَلاتُه أربَعِين يَوْمًا حتى يتُوبَ. للخَبَرِ (1). وقالَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله. الثَّالثةُ، محَلُّ الخِلافِ فى السَّكرانِ عندَ جُمهورِ الأصحابِ، إذا كان آثِمًا فى سُكْرِه، وهو ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا؛ فإنَّ قوْلَه: فإنْ زالَ عقْلُه بسَبَبٍ لا يُعْذَرُ فيه، يدُلُّ عليه. فأمَّا إنْ أُكْرِهَ على السُّكْرِ، فحُكمُه حُكمُ المَجْنونِ. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قال ابنُ مُفلِحٍ فى «أُصولِه»: والمَعْذُورُ بالسُّكرِ كالمُغْمَى عليه. وقال القاضى فى «الجامِعِ الكَبِيرِ» فى كتابِ الطَّلاقِ: فأمَّا إن أُكْرِهَ على شُرْبِها، احتمَلَ أن يكونَ حُكمُه حُكمَ المُختارِ؛ لِمَا فيه مِن اللَّذَّةِ، واحتَمَلَ أن لا يكونَ حُكمُه حُكمَ المُختارِ؛ لسُقوطِ المَأْثَمِ عنه والحَدِّ. قال: وإنَّما يُخَرَّجُ هذا على الرِّوايةِ التى تقولُ: إنَّ الإِكْراهَ يُؤَثِّرُ فى شُرْبِها. فأمَّا إن قُلنا: لا يُؤَثِّرُ الإِكراهُ فى شُرْبِها. فحُكمُه حُكمُ المُختارِ. انتهى.
قوله: ومَن شَرِبَ ما يُزيلُ عَقْلَه لغيرِ حاجَةٍ، ففى صِحَّةِ طَلاقِه رِوايَتان. اعلمْ
(1) أخرجه الترمذى، فى: باب ما جاء فى شارب الخمر، من أبواب الأشربة. عارضة الأحوذى 8/ 50 - 53. والنسائى، فى باب توبة شارب الخمر، من كتاب الأشربة. المجتبى 8/ 283، 284. وابن ماجه، فى: باب من شرب الخمر لم تقبل له صلاة، من كتاب الأشربة. سنن ابن ماجه 2/ 1120، 1121. والدارمى، فى: باب فى التشديد على شارب الخمر، من كتاب الأشربة. سنن الدارمى 2/ 111. والإمام أحمد، فى: المسند 2/ 189، 197.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنَّ كثيرًا مِنَ الأصحابِ أَلْحقُوا بالسَّكْرانِ مَن شَرِبَ أو أكَلَ ما يُزِيلُ عقْلَه لغيرِ حاجَةٍ؛ كالمُزِيلاتِ للعَقْلِ غيرِ الخَمْرِ مِنَ المُحَرَّماتِ، والبِنْجِ، ونحوِه، فجَعَلُوا فيه الخِلافَ الذى فى السَّكرانِ؛ منهم ابنُ حامِدٍ، وأبو الخَطَّابِ فى «الهِدايَةِ» ، وصاحِبُ «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، والمُصَنِّفُ هنا، وفى «الكافِى» ، و «المُغْنِى» ، والشَّارحُ، وابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» ، وصاحِبُ «التَّصْحيحِ» ، وغيرُهم. وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الزُّبْدَةِ» . ومَن أَطْلَقَ الخِلافَ فى السَّكرانِ أَطْلَقَه هنا، إلَّا صاحِبَ «الخُلاصةِ» فإنَّه جَزم بالوُقوعِ مِن السَّكرانِ، وأَطْلقَ الخِلافَ هنا. وصحَّح فى «التَّصْحيحِ» الوُقوعَ فيهما. واخْتارَ الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله، أنَّه كالسَّكْرانِ. قال: لأنَّه قصَد إزالةَ العَقْلِ بسَبَبٍ مُحَرَّمٍ وقال فى «الواضِحِ» : إنْ تداوَى [ببِنْجٍ فسَكِرَ، لم يقَعْ. وصحَّحه فى «القاعِدَةِ الثَّانِيَةِ بعدَ المِائَةِ». قال فى «الفُروعِ»: وهو ظاهرُ كلامِ جماعَةٍ. قال القاضى فى «الجامعِ الكَبيرِ»: إنْ زالَ عقْلُه بالبِنْجِ، نظَرْتَ، فإنْ تَداوَى](1) به، فهو مَعْذُورٌ، ويكونُ الحُكمُ فيه كالمَجْنونِ، وإنْ تَنَاوَلَ ما يُزِيلُ عقْلَه لغيرِ حاجَةٍ، كان حُكمُه كالسَّكرانِ، والتَّداوِى حاجَةٌ. انتهى. قلتُ: ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه إذا تَناوَلَه لحاجَةٍ، أنَّه لا يقَعُ، وصرَّح به المُصَنِّفُ فى «المُغْنِى» وغيرِه. واعلمْ أنَّ الصَّحيحَ مِنَ المذهبِ، أنَّ تَناوُلَ البِنْجِ ونحوِه لغيرِ حاجَةٍ إذا زالَ العَقْلُ به، كالمَجْنُونِ؛ لا يقَعُ طَلاقُ مَن تَناوَلَه. نَصَّ عليه؛ لأنَّه لا لَذَّةَ فيه. وفرَّق الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله، بينَه وبينَ السَّكرانِ، فأَلحَقَه بالمَجنونِ. وقدَّمه فى «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ» ، وهو ظاهرُ ما قدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، ومالَ إليه.
(1) سقط من: الأصل.
وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلاقِ بِغَيْرِ حَقٍّ، لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ،
ــ
قال فى «المُنَوِّرِ» : لا يقَعُ مِنْ زائلِ العَقلِ إلَّا بمُسْكِرٍ مُحَرَّمٍ. وهو الظَّاهِرُ مِن كلامِ الخِرَقِىِّ، فإنَّه قال: وطَلاقُ الزَّائلِ العَقْلِ بلا سُكْرٍ لا يقَعُ. قال الزَّرْكَشِىُّ: قد يدْخُلُ ذلك فى كلامِ الخِرَقِىِّ. وقال فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ»: وإنْ أثِمَ بسُكْرٍ ونحوِه فرِوايَتان. ثم ذكَر حُكْمَ البِنْجِ ونحوِه.
فائدتان؛ إحْداهما، قال الزَّرْكَشِىُّ: وممَّا يَلْحَقُ بالبِنْجِ الحَشِيشَةُ الخَبِيثَةُ. وأبو العَبَّاسِ يرَى أنَّ حُكمَها حُكمُ الشَّرابِ المُسْكِرِ، حتى فى إيجابِ الحَدِّ. [وهو الصَّحيحُ، إنْ أسْكَرَتْ أو كثِيرُها، وإلَّا حَرُمَتْ، وعُزِّرَ فقط فيها فى الأَظْهَرِ، ولو طَهُرَتْ](1). [فرَّق أبو العبَّاسِ](2) بينَها وبينَ البِنْجِ، بأنَّها تُشْتَهَى وتُطْلَبُ، فهى كالخَمْرِ بخِلافِ البِنْجِ. فالحُكمُ عندَه مَنُوطٌ باشْتِهاءِ النَّفْسِ لها وطَلَبِها. الثَّانيةُ، قال فى «القاعِدَةِ الثَّانِيَةِ بعدَ المِائةِ»: لو ضُرِبَ برَأسِه فجُنَّ، لم يقَعْ طَلاقُه على المَنصُوصِ. وعلَّلَه.
قوله: ومَن أُكرِهَ على الطَّلاقِ بغيرِ حَقٍّ، لم يقَعْ طَلاقُه. هذا المذهبُ مُطلَقًا.
(1) زيادة من: ش.
(2)
فى الأصل، ط:«يفرق» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
نصَّ عليه فى رِوايةِ الجماعَةِ، وعليه الأصحابُ. وعنه، يُشْترَطُ فى الوُقوعِ، أَنْ يكونَ المُكْرِهُ -بكَسْرِ الرَّاءِ- ذا سُلْطانٍ.
وَإِنْ هَدَّدَهُ بِالْقَتْلِ أَوْ أَخْذِ الْمَالِ وَنَحْوِهِ، قَادِرٌ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ وُقُوعُ مَا هَدَّدَهُ بِهِ، فَهُوَ إِكْرَاهٌ. وَعَنْهُ، لَا يَكُونُ مُكْرَهًا، حَتَّى يُنَالَ بِشَىْءٍ مِنَ الْعَذَابِ؛ كَالضَّرْبِ، وَالْخَنْقِ، وَعَصْرِ
ــ
قوله: وإنْ هَدَّدَه بالقَتلِ أو أخذِ المالِ ونَحوِه، قادِرٌ يغْلِبُ على ظَنِّه وُقُوعُ ما هَدَّدَه به، فهو إكراهٌ. هذا المذهبُ، صحَّحه فى «النَّظْمِ» وغيرِه. واختارَه ابنُ
السَّاقِ. اخْتَارَهُ الْخِرَقِىُّ.
ــ
عَقِيلٍ فى «التَّذْكِرَةِ» ، وابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» ، وغيرُهما، وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهما، وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. قال ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه»: هذا المذهبُ، وإليه مَيْلُ المُصَنِّفِ، والشَّارِحِ. وعنه، لا يكونُ مُكْرَهًا حتى يُنالَ بشئٍ مِنَ العَذابِ؛ كالضَّربِ، والخَنْقِ، وعَصْرِ السَّاقِ. نصَّ عليه فى روايةِ الجماعَةِ. واختارَه الخِرَقِىُّ، والقاضى، وأصحابُه؛ منهم الشَّرِيفُ، وأبو الخَطَّابِ فى «خِلافَيْهما» ، والشِّيرَازِىُّ. وجزَم به فى «الإِرْشادِ» ، وقدَّمه فى «الخُلاصةِ» . وهو مِنَ المُفرَداتِ. وأَطْلَقَهما فى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الشَّرْحِ» ، وأطْلَقهما فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» فى تهْديدِه بغيرِ القَتلِ والقَطعِ. وقطَع فى «المُحَرَّرِ» ، و «الحاوِى» ، أنَّ الطَّلاقَ لا يقَعُ إذا هدَّدَه بالقَتلِ أو القَطعِ. وقدَّم فى «الرِّعايتَيْن» ، أنَّه يقَعُ إذا هُدِّدَ بهما. وعنه، إن هدَّدَه بقَتلٍ أو قَطعِ عُضْوٍ، فإكْراهٌ، وإلَّا فلا. قال القاضى فى كتابِ «الرِّوايتَيْن»: التَّهْديدُ بالقَتْلِ إكْراهٌ، روايةً واحدةً. وتبِعَه المَجْدُ فى «المُحَرَّرِ» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، وزادَ: وقَطْعُ طَرَفٍ. كما تقدَّم عنهما.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فوائد؛ الأُولَى، يُشْتَرَطُ للإِكْراهِ شُروطٌ؛ أحدُها، أن يكونَ المُكْرِهُ -بكَسْرِ الرَّاءِ- قادِرًا بسُلْطانٍ، أو تَغَلُّبٍ كاللِّصِّ ونحوِه. الثَّانى، أن يَغْلِبَ على ظنِّه نزُولُ الوَعيدِ به، إن لم يُجِبْه إلى ما طلَبَه، مع عَجْزِه عن دَفْعِه وهَرَبِه واخْتِفائِه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثَّالثُ، أن يكونَ ممَّا يَسْتَضِرُّ به ضرَرًا كثيرًا؛ كالقَتلِ، والضَّربِ الشَّديدِ، والحَبسِ والقَيْدِ الطَوِيلَيْن، وأَخْذِ المالِ الكثيرِ. زادَ فى «الكافِى» ، والإِخْراجِ مِنَ الدِّيارِ. وأَطْلَقَ جماعةٌ الحَبْسَ. وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» . وقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: وأمَّا الضَّربُ اليَسِيرُ، فإن كان فى حقِّ مَن لا يُبالِى به، فليس بإكْراهٍ، وإن كان فى ذَوِى المُروءاتِ على وَجْهٍ يكُونُ إخْراقًا بصاحبِه وغَضًّا له وشُهْرَةً له فى حقِّه، فهو كالضَّرْبِ الكثيرِ فى حقِّ غيرِه. انتهيا. فأمَّا السَّبُّ والشَّتْمُ والإِخْراقُ، فلا يكونُ إكراهًا، روايةً واحدةً. قالَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وقدَّمه فى «الرِّعايَةِ» ، و «الفُروعِ». وقيل: إخْراقُ مَنْ يُؤْلِمُه ذلك إكراهٌ. وهو ظاهرُ كلامِه فى «الواضِحِ» . قال القاضى فى «الجامعِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الكَبِيرِ»: الإِكراهُ يخْتَلِفُ، فلا يكونُ إكراهًا، رِوايةً واحدةً، فى حقِّ كلِّ أحَدٍ؛ ممَّنْ يتَأَلَّمُ بالشَّتْمِ أو لا يتَأَلَّمُ. قال ابنُ عَقِيلٍ: وهو قولٌ حسَنٌ. وقال ابنُ رَزِينٍ فى «مُخْتَصَرِه» : لا يقَعُ الطَّلاقُ مِن مُكرَهٍ، لا بشَتْمٍ وتوَعُّدٍ لسُوقَةٍ. الثَّانيةُ، ضَرْبُ وَلَدِه وحَبْسُه ونحوُهما إكراهٌ لوالِدِه، على الصَّحيحِ مِن المذهبِ. صحَّحه فى «الفُروعِ» ، و «القَواعِدِ الأُصُولِيَّةِ» ، وغيرِهما. واختارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما، فلا يَقَعُ طَلاقُ الوالِدِ. وقيل: ليس بإكراهٍ له. قال فى «الفُروعِ» : ويتَوَجَّهُ أنَّ ضَرْبَ والدِه ونحَوَه وحَبْسَه كضَربِ وَلَدِه. قال فى «القَواعِدِ الأُصُولِيَّةِ» : ويَتَوَجَّهُ تعْدِيَتُه إلى كلِّ مَن يَشُقُّ عليه تَعْذيبُه مشَقَّةً عظيمةً؛ مِن والدٍ وزَوْجَةٍ وصديقٍ. الثَّالثةُ، لو سُحِرَ ليُطَلِّقَ، كان إكراهًا. قالَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله. قلتُ: بل هو مِن أَعْظَمِ الإِكْراهاتِ. [ذكرَه ابنُ القَيِّمِ، والشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، وابنُ نَصْرِ اللَّهِ، وغيرُهم. وهو واضِحٌ، وهو المذهبُ الصَّحيحُ](1). الرَّابعَةُ، يَنْبَغِى للمُكْرَهِ، بفَتْحِ الرَّاءِ، إذا أُكِرهَ على الطَّلاقِ، وطلَّقَ، أن يتَأَوَّلَ، فإنْ تَرَكَ التَّأْوِيلَ بلا عُذرٍ، لم يَقَعِ الطَّلاقُ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، ونَصَراه. قلتُ: وهو ظاهرُ كلامِ كثيرٍ مِنَ الأصحابِ. وقيل: تَطْلُقُ. وأطْلَقَهما فى
(1) زيادة من: ش.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الفُروعِ» ، و «القَواعِدِ الأُصُولِيَّةِ». قال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى»: وقيل: إن نَوَى المُكْرَهُ ظُلْمًا غيرَ الظَّاهرِ، نَفَعَه تأوِيلُه، وإن ترَكَ ذلك جَهْلًا أو دَهْشَةً، لم يَضُرَّه، وإن ترَكَه بلا عُذْرٍ، احْتَمَلَ وجْهَيْن. انتهى. وقال الزَّرْكَشِىُّ: ولا نِزاعَ عندَ العامَّةِ، أنَّه إذا لم يَنْوِ الطَّلاقَ، ولم يتَأَوَّلْ بلا عُذْرٍ، أنَّه لا يقَعُ. ولابنِ حَمْدانَ احْتِمالٌ بالوُقوعِ، والحَالَةُ هذه. انتهى. وكذا الحُكمُ لو أُكرِهَ على طَلاقِ مُبْهَمَةٍ، فَطَلَّقَ مُعَيَّنَةً. وقال فى «الانْتِصارِ»: هل يقَعُ لَغْوًا، أو يقَعُ بنِيَّةِ الطَّلاقِ؟ فيه رِوايَتان. [يعْنِى أنَّ طَلاقَ المُكْرَهِ، هل هو لَغْوٌ لا حُكْمَ له، أو هو بمَنْزِلَةِ الكِنايةِ إنْ نوَى الطَّلاقَ، وَقَع، وإلَّا فلا؟ وفيه الخِلافُ، كما سيَأْتِى ذلك، فى «الفائدَةِ السَّادِسَةِ والخَمْسِين» صرِيحًا فيهما](1). الخامسةُ، لو قصَدَ إيقاعَ الطَّلاقِ دُونَ دَفْعِ الإِكراهِ، وقَع الطَّلاقُ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. صحَّحه القاضى، وجماعَةٌ مِنَ المُتَأَخِّرِين. ويَحْتَمِلُ أن لا يَقَعَ، وهما
(1) زيادة من: ش.
وَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِى النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، كِالنِّكَاحِ بِلَا وَلِىٍّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا. وَاختَارَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ لا يَقعُ حَتَّى يَعْتَقِدَ صِحَّتَهُ.
ــ
احْتِمالان فى «الجامعِ الكَبِيرِ» . قال الزَّرْكَشِىُّ لو أُكْرِهَ فطَلَّقَ، ونوَى به الطَّلاقَ، فقيل: لا يقَعُ. وهو ظاهرُ كلامِ الخِرَقِىِّ. وقيل: إنْ نَوَى، وقَع، وإلَّا فلا، كالكِنايةِ. حَكاهما فى «الانْتِصارِ» . وحكَى شيْخُه، عن الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، ما يدُلُّ على رِوايتَيْن، وجعَل الأَشْبَهَ الوُقوعَ، أوْردَه أبو محمدٍ مذهبًا. السَّادسةُ، الإِكراهُ على العِتْقِ واليَمِينِ ونحوِهما، كالإِكْراهِ على الطَّلاقِ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وعنه، تَنْعَقِدُ يَمِينُه. قال فى «الفُروعِ»: ويَتَوَجَّهُ غيرُها مِثْلَها.
قوله: ويَقَعُ الطَّلاقُ فى النِّكاحِ المُختَلَفِ فيه، كالنِّكاحِ بلا وَلِىٍّ عِنْدَ أصحابِنَا -قلتُ: ونصَّ عليه الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله، وهو المذهبُ- واختارَ أبو الخَطَّابِ أنَّه لا يقَعُ حتى يَعْتَقِدَ صِحَّتَه. وهو رِوايةٌ عن الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله. قال فى «المُذْهَبِ»: وهو الصَّحيحُ عندِى. واختارَه صاحِبُ «التَّلْخيصِ» . قال فى «الحاوِى الصَّغِيرِ» : حَمَلَه أصحابُنا على أنَّ طَلاقَه يقَعُ وإنِ اعْتَقَدَ فَسادَ النِّكاحِ. وقال أبو الخَطَّابِ: كلامُ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، مَحْمولٌ على مَنِ اعْتَقَدَ صِحَّةَ النِّكاحِ؛ إمَّا باجْتِهادٍ أو تقْليدٍ، فأمَّا مَنِ اعْتَقَدَ بُطْلانَه، فلا يقَعُ طَلاقُه. انتهى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدتان؛ إحْداهما، حيثُ قُلْنا بالوُقوعِ فيه، فإنَّه يكونُ طَلاقًا بائنًا. قالَه فى «الرِّعايَةِ» ، و «الفُروعِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، وغيرِهم. قلتُ: فيُعايَى بها. الثَّانيةُ، يجوزُ الطَّلاقُ فى النِّكاحِ المُخْتَلَفِ فيه فى الحَيْضِ، ولا يُسَمَّى طَلاقَ بِدْعَةٍ. قلتُ: فيُعايَى بها.
تنبيه: ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه لا يقَعُ الطَّلاقُ فى نِكاحٍ مُجْمَعٍ على بُطْلانِه. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وعنه، يَقَعُ. اختارَه أبو بَكرٍ فى «التَّنْبِيهِ» .
فائدة: الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه لا يقَعُ الطَّلاقُ فى نِكاحِ فُضُولِىٍّ قبلَ إجازَتِه، وإِنْ بَعُدَ بها، وعليه الأصحابُ، وفيه احْتِمالٌ بالوُقُوعِ. ذكَره صاحِبُ «الرِّعايَةِ الكُبْرى» مِن عندِه. واخْتارَ الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله، أنَّ طَلاقَ الفُضُولِىِّ كبَيْعهِ. ذكرَه فى «الفُروعِ» فى بابِ أرْكانِ النِّكاحِ.
وَإِذَا وَكَّلَ فِى الطَّلاقِ مَنْ يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ، صَحَّ طَلَاقُهُ،
ــ
قوله: وإذا وَكَّلَ فى الطَّلاقِ مَن يَصحُّ تَوكِيلُه، صَحَّ طَلاقُه. قال فى «الفُروعِ»: وإنْ صحَّ طَلاقُ مُمَيِّزٍ، صحَّ تَوْكِيلُه. وذكرَ ابنُ عَقِيلٍ رِوايةً اختارَها أبو بَكرٍ، يعْنِى ولو صحَّ طَلاقُه، لم يصِحَّ توْكِيلُه [فيه، وإنْ لم يَصحَّ طَلاقُه لم يَصِحَّ تَوكيلُه](1)، نصَّ عليهما. ذكَره فى بابِ صَرِيحِ الطَّلاقِ وكِنايَتِه.
(1) سقط من: ط، أ.
وَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ مَتَى شَاءَ، إِلَّا أَنْ يَحُدَّ لَهُ حَدًّا،
ــ
قوله: وله أن يُطَلِّقَ متى شاء، إِلَّا أَنْ يَحُدَّ له حَدًّا. أو يَفْسَخَ، أو يطَأَ. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ الوَطْءَ عَزْلٌ للوَكِيلِ (1)، وعليه الأصحابُ. وقيل: لا ينْعَزِلُ به. وهو رِوايةٌ فى «الفُروعِ» ، ذكَرَه فى بابِ الوَكالَةِ، وقال: فى بُطْلانِها بقُبْلَةٍ خِلافٌ.
(1) زيادة من: أ.
وَلَا يُطَلِّقُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ إِلَيْهِ. وَإِنْ وَكَّلَ اثْنَيْنِ فِيهِ، فَلَيْسَ لأحَدِهِمَا الِانْفِرَادُ بِهِ، إِلَّا بِإِذْنٍ،
ــ
قوله: ولا يُطَلِّقُ أكْثَرَ مِن واحِدَةٍ، إلَّا أَنْ يَجْعَلَ إليه. جزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الوَجيزِ». وقيل: له أن يُطَلِّقَ أكثرَ مِن واحدةٍ، إن لم يَحُدَّ له حدًّا. قال فى «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ»: فله أن يُطَلِّقَ متى شاءَ وما شاءَ، إلَّا أن يَحُدَّ فى ذلك حدًّا. وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، وأطْلَقَهما فى «النَّظمِ» .
فائدة: لو وَكَّله فى ثَلاثٍ، فطَلَّقَ واحدةً، أو وَكَّلَه فى واحدةٍ، فطَلَّقَ ثلاثًا، طَلُقَتْ واحدةً، بلا خِلافٍ أعْلَمُه. ونصَّ عليه. وإنْ خيَّرَه مِن ثلاثٍ، مَلَكَ اثْنَتَيْن فأقَلَّ، ولا يَمْلِكُ بالإِطْلاقِ تعْليقًا. ذكرَه فى «الفُروعِ» فى بابِ صَرِيحِ الطَّلاقِ وكِنايَتِه. [ويأْتِى فى آخِرِه أيضًا، هل يقَعُ مِنَ الوَكيلِ بالكِنايَةِ إذا وَكَّلَه بالصَّرِيحِ أمْ لا؟](1).
قوله: وإن وكَّلَ اثْنَيْن فيه، فليس لأحَدِهما الانفِرادُ به، إلَّا بإذْنٍ. وهذا بلا
(1) سقط من: الأصل.
وَإِنْ وَكَّلَهُمَا فِى ثَلَاثٍ، فَطَلَّقَ أحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنَ الْآخَرِ، وَقَعَ مَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ.
ــ
نِزاعٍ.
قوله: فإنْ وكَّلَهما فى ثَلاثٍ، فطَلَّقَ أحدُهما أكْثَرَ مِن الآخَرِ، وقَعَ ما اجْتَمَعَا عليه. فلو طلَّقَ أحدُهما واحدةً، والآخَرُ أكثرَ، فواحِدَةٌ. نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ. وقال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى»: وفيه نظَرٌ.
فائدتان؛ إحْداهما، ليس للوَكيلِ المُطَلِّقِ الطَّلاقُ وَقْتَ بدْعَةٍ، فإنْ فَعَل، حَرُمَ ولم يقَعْ. صحَّحه النَّاظِمُ. وقيل: يَحْرُمُ ويقَعُ. قدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ». قلتُ: وهو ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ، حيث قال: وله أن يُطَلِّقَ متى شاء. وهو ظاهرُ كلامِه فى «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، كما تقدَّم قريبًا. وأَطْلَقَهما فى «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» . الثَّانيةُ، تُقْبَلُ دَعْوَى الزَّوْجِ أنَّه رجع عنِ الوَكالَةِ قبلَ إيقاعِ الوَكِيلِ الطَّلاقَ عندَ أصْحابِنا. قالَه فى
وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: طَلِّقِى نَفْسَكِ. فَلَهَا ذَلِكَ، كَالْوَكِيلِ،
ــ
«المُحَرَّرِ» وغيرِه، وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وذكرَ فى «المُجَرَّدِ» ، و «الفُصولِ» فى تعْليقِ الوَكالَةِ، أنَّ الإِمامَ أحمدَ، رحمه الله، نصَّ فى رِوايةِ أبى الحارِثِ، أنَّه لا يُقْبَلُ إلَّا ببَيِّنَةٍ. وجزَم به فى «التَّرْغيبِ» ، والأَزَجِىُّ فى عَزْلِ المُوَكَّلِ. واخْتارَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله. قال: وكذا دَعْوَى عِتْقِه ورَهْنِه، ونحوِه. وعادَةُ كثيرٍ مِنَ المُصَنِّفِينَ ذِكْرُ الوَكالَةِ فى الطَّلاقِ فى آخِرِ بابِ صَرِيحِ الطَّلاقِ وكِنايَتِه، عندَ قوْلِه: أَمْرُكِ بيَدِكِ. ونحوِه.
قوله: وإن قال لامْرأَتِه: طَلِّقِى نَفْسَكِ. فلها ذلك، كالوَكِيلِ. إذا قال لها: طَلِّقِى نَفْسَكِ. صحَّ ذلك، كتَوْكِيلِ الأجْنَبِىِّ فيه، بلا نِزاعٍ. فإن نَوَى عَدَدًا،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فهو على ما نَوَى، وإن أَطْلَقَ مِن غيرِ نِيَّةٍ، لم تَمْلِكْ إلَّا واحدةً، على ما يأتِى فى كلام المُصَنِّفِ، فى آخِرِ بابِ صَرِيحِ. الطَّلاقِ وكِنايَتِه. ويأْتِى فى كلامِ المُصَنِّفِ هناك، لو قال لها: طَلِّقِى نفْسَكِ. فقالتْ: اخْتَرْتُ نَفْسِى. ويأْتِى هناك ما تَمْلِكُ بقَوْلِه لها: طَلاقُكِ بيَدِكِ. أو: وَكَّلْتُكِ فى الطَّلاقِ. وصِفَةُ طَلاقِها، وفُروعٌ أُخَرُ مُسْتَوْفاةٌ مُحَرَّرَةٌ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تنبيه: ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّ لها أَنْ تُطَلِّقَ نفْسَها فى مَجْلِسِ الوَكالَةِ وبعدَه ما لم يَبْطُلْ حُكمُ الوَكالَةِ، كالوَكِيلِ الأجْنَبِىِّ، وكـ: أمْرُكِ بيَدِكِ، وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وهو ظاهرُ ما فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، ونَصَراه. ورَجَّحه فى «الكافِى». قال فى «الرِّعايتَيْن»: وهو أَوْلَى. وجزَم به ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» . وقال القاضى: إذا قال لامْرَأَتِه: طَلِّقِى نفْسَكِ. تقَيَّدَ بالمَجْلِسِ، واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» ، وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» . وجزَم به فى «المُنَوِّرِ» . وأَطْلَقَهما فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» . ويأْتِى فى آخِرِ بابِ صَريحِ الطَّلاقِ وكِنايَتِه فى كلامِ المُصَنِّفِ، إذا قال لها: أمْرُكِ
وَإِنْ قَالَ لها: اخْتَارِى مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْتِ. لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَخْتَارَ أَكْثَرَ مِنَ اثْنَتيْنِ.
ــ
بيَدِكِ. أو: اختارِى نفْسَكِ. هل يتَقَيَّدُ بالمَجْلِسِ أَوْ لا؟ وتأْتِى أيضًا هذه المسْألَةُ هناك.