الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ
ــ
بابُ صَريحِ الطَّلاقِ وكِنايَتِه
فائدة: لو قال: امْرأَتى طالِقٌ. وأَطْلقَ النِّيَّةَ، أو قال: عبْدِى حُرٌّ. أو: أمَتى حُرَّةٌ. وأَطْلقَ النِّيَّةَ، طَلُقَ جميعُ نِسائِه، وعتَقَ جميعُ عَبِيدِه وإمائِه، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، ونصَّ عليه. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. واختارَ المُصَنِّفُ، وصاحِبُ «الفائقِ» ، أنَّه لا تَطْلُقُ إلَّا واحدةٌ، ولا تَعْتِقُ إلَّا واحدةٌ، وتَخْرُجُ بالقُرْعَةِ. وتقدَّم هذا أيضًا فى أواخِرِ كتابِ العِتْقِ بعدَ قولِه: وإن
وَصَرِيحُهُ لَفْظُ الطَّلَاقِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ، فِى الصَّحِيحِ. وَقَالَ الْخِرَقِىُّ: صَرِيحُهُ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ؛ الطَّلَاقُ، وَالْفِرَاقُ، وَالسَّرَاحُ، وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُنَّ.
ــ
قال: كلُّ مَمْلُوكٍ لى حُرٌّ.
قوله: وصَرِيحُه لَفْظُ الطَّلاقِ، وما تَصَرَّفَ منه. [يعْنِى أنَّ صَريحَ الطَّلاقِ، هو لَفْظُ الطَّلاقِ، وما تصَرَّفَ منه](1)، لا غيرُ. وهذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وصحَّحه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» ، والنَّاظِمُ. واختارَه ابنُ حامِدٍ. قال فى «الهِدايَةِ»: وهو الأَقْوَى عندِى. وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ البَغْدادِىِّ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «تَجْريدِ العِنايةِ» .
وقال الخِرَقىُّ: صرِيحُه ثَلَاثَةُ ألْفاظٍ؛ الطَّلاقُ، والفِراقُ، والسَّراحُ، وما
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَصَرَّفَ مِنْهُنَّ. وقاله أبو بَكرٍ، ونَصَرَه القاضى، واختارَه الشَّرِيفُ، وأبو الخَطَّابِ فى «خِلافَيْهما» ، والشِّيرازِىٌّ، وابنُ البَنَّا. قال فى «الواضِحِ»: اختارَه الأكثرُ. وجزَم به القاضى فى «الجامعِ الصَّغِيرِ» ، وابنُ عَقِيلٍ فى «التَّذْكِرَةِ» . وقدَّمه فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «البُلْغةِ» ، و «إِدْراكِ الغايةِ» . وأطْلَقَهما فى «الفُصولِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «الكافِى» ، و «الهادِى» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى» . وعنه، أنتِ مُطَلَّقَةٌ. ليست صريحةً فيه. ذكرَها أبو بَكرٍ؛ لاحْتمالِ أن يكونَ طَلاقًا ماضِيًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال الزَّرْكشِىُّ: ويَلْزَمُه ذلك فى: طَلَّقْتُكِ. وقيل: طَلَّقْتُكِ ليست صريحةً أيضًا، بل كِنايةٌ. قال فى «الفُروعِ»: فيتَوجَّهُ عليه أنَّه يَحْتَمِلُ الإِنْشاءَ والخَبَرَ، وعلى الأَوَّلِ، هو إنشاءٌ. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله: هذه الصِّيَغُ إنْشاءٌ؛ مِن حيث إنَّها هى التى أثْبَتَتِ الحُكمَ وبها تَمَّ، وهى إخبارٌ؛ لدَلالَتِها على المَعنَى الذى فى النَّفْس. وفى «الكافِى» احْتِمالٌ فى: أنتِ الطَّلاقُ. أنَّها ليست بصَرِيحةٍ. وقيل: إنَّ لفظَ الإطْلاقِ نحوَ قولِه: أَطْلَقْتُك. صريحٌ. وهو احْتِمالٌ للقاضى، ورَدَّه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وأطْلَقَ فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «البُلْغَةِ» فيه وَجْهَيْن.
فوائد؛ إحْداها، لو قال لها: أنتَ طالِقٌ. بفَتْحِ التَّاءِ، طَلُقَتْ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقال أبو بكرٍ، وابنُ عَقِيلٍ: لا تَطْلُقُ. قال فى «الفُروعِ» : ويتَوَجَّهُ الخِلافُ على المَسْأَلَةِ الآتيةِ. الثَّانيةُ، لو قال لزَوْجَتِه: كلَّما قُلْتِ لى شيئا ولم أَقُلْ لكِ مِثْلَه، فأنتِ طالِقٌ ثلاثًا. فهذه وَقَعَتْ زَمَنَ ابنِ جَرِير الطَّبَرِىِّ، رَحِمَه اللَّهُ تعالَى (1)
(1) انظر القصة فى: سير أعلام النبلاء 14/ 278.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فأفْتَى فيها بأنَّه لا يقَعُ إذا علَّقَه؛ بأنْ قال لها: أنتِ طالِقٌ ثلًاثًا إنْ أنَا طَلَّقْتُكِ. وقال فى «الفُروعِ» : طَلُقَتْ، ولو علَّقَه. وجزَم فى «المُسْتَوْعِبِ» ، بأنَّها تَطْلُقُ إذا قالتِ، بكَسْرِ التَّاءِ، وقالَه. وقال فى مَوْضِعٍ: إذا قالَه وعلَّقَه بشَرْطٍ، تَطْلُقُ. وإنْ فتَح التَّاءَ مُذَكّرًا، فحكَى ابنُ عَقِيلٍ عن القاضى، أنَّها تَطْلُقُ؛ لأنَّه واجَهَها بالإشارَةِ والتَّعْيِينِ، فسقَطَ حكْمُ اللَّفْظِ. نقَله فى «المُسْتَوْعِبِ» ، وقال: حُكِىَ عن أبى بَكرٍ أنَّه قال فى «التَّنْبِيهِ» : إنّها لا تَطْلُقُ. قال: ولم أجِدْها فى «التَّنْبِيهِ» . وذُكِرَ كلامُ ابنِ جَرِيرٍ لابنِ عَقِيل فاستَحْسَنَه، وقال: لو فتَح التَّاءَ، تخَلَّصَ. وقال فى «الفُروعِ»: ولو كسَر التَّاءَ، تخلَّص وبَقِىَ مُعَلَّقًا. ذكرَه ابنُ عَقِيلٍ. قال ابنُ الجَوْزِىِّ: وله التَّمادِى إلى قُبَيْلِ المَوْتِ. وقيل: لا يقَعُ عليه شئٌ؛ لأنَّ اسْتِثناءَ ذلك معْلومٌ بالقَرِينَةِ. قال [ابنُ القَيِّمِ، رحمه الله](1) فى «بَدائعِ الفَوائدِ» : وفيه وَجْهٌ آخَرُ أحْسَنُ مِن وَجْهَى ابنِ جَرِيرٍ، وابنِ عَقِيلٍ، وهو جارٍ على أُصولِ المذهبِ، وهو تَخْصيصُ اللَّفْظِ العامِّ بالنِّيَّةِ، كما لو حَلَفَ لا يتَغدَّى، ونيَّتُه غداءُ يوْمِه، قَصرَ عليه، ولو حَلَفَ لا يُكَلِّمُه، ونِيَّتُه تَخْصيصُ الكَلامِ بما يَكْرَهُه، لم يَحْنَثْ إذا كلَّمَه بما يُحِبُّه. ونظائِرُه كثيرةٌ، وعلَّلَه بتَعَالِيلَ جيِّدَةٍ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. الثَّالثةُ، مِن صَرِيحِ الطَّلاقِ أيضًا، إذا قيلَ له:
(1) زيادة من: أ.
فَمَتَى أَتَى بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ وَقَعَ، نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ.
ــ
أطَلَّقْتَ امْرَأَتَك؟ قال: نعم. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، كما يأْتِى فى كلامِ المُصَنِّفِ قريبًا. جزَم به فى «الكافِى» هنا وغيرِه، وقدَّمه الزَّرْكَشِىُّ وغيرُه. ويَحْتَمِلُ أن لا يكونَ صرِيحًا. قالَه الزَّرْكَشِىُّ.
تنبيه: قولُه: وما تَصَرَّفَ منه. يُسْتَثْنَى من ذلك الأَمْرُ والمُضارِعُ. وقد تقدَّم نظِيرُه فى أوَّلِ كتابِ العِتْقِ والتَّدْبيرِ. [وكذا قولُه: أنتِ مُطَلِّقَةٌ. بكَسْرِ اللَّامِ، اسْمُ فاعِلٍ](1).
قوله: فمتى أَتى بصَرِيحِ الطَّلاقِ، وقَع، نواه أو لم ينوِه. أمَّا إذا نواه، فلا نِزاعَ فى الوُقوعِ، وأمَّا إذا لم ينْوِه، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، ونصَّ عليه الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله، وعليه الأصحابُ، أنَّه يقَعُ مُطْلَقًا. وعنه، لا يقَعُ إلَّا بنِيَّةٍ، أو قرينَةِ غَضَبٍ، أو سُؤَالِها، ونحوِه.
(1) سقط من: الأصل.
وَإِنْ نَوَى بِقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ. مِنْ وَثَاقٍ. أَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: طَاهِرٌ.
ــ
تنبيه: ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ وكثير مِنَ الأصحابِ، وُقوعُ الطَّلاق مِنَ الهازِلِ واللَّاعِبِ كالجَادِّ. وهو صحيحٌ، نصَّ عليه الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله، وعليه الأصحابُ، وصرَّحُوا به، وكذلك المُخْطِئُ. قالَه النَّاظمُ وغيرُه.
فائدة: لا يقَعُ مِنَ النَّائمِ، كما تقدَّم [فى كلامِ المُصَنِّفِ فى كتابِ الطَّلاقِ](1)، ولا مِنَ الحاكِى عن نفْسِه، ولا مِنَ الفَقِيهِ الذى يُكَرِّرُه، ولا مِنَ الزَّائلِ العَقْلِ، إلَّا ما تقدَّمَ مِنَ السَّكْرانِ ونحوِه على الخِلافِ.
قوله: وإن نوى بقولِه: أنتِ طالِقٌ. مِن وَثاقٍ. أو أراد أَنْ يقولَ: طاهِرٌ.
(1) سقط من: الأصل، ط.
فَسَبَقَ لِسَانُهُ، أَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: مُطَلَّقَة. مِنْ زَوْج كَانَ قَبْلَهُ، لَمْ تَطْلُقْ، وَإِذَا ادَّعَى ذَلِكَ دُيِّنَ، وَهَلْ يُقْبَل فِى الْحُكْمِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِى حَالِ الْغَضَبِ، أَوْ بَعْدَ سُؤالِهَا الطَّلَاقَ، فَلَا يُقْبَلُ.
ــ
فسَبَقَ لِسانُه، أو أراد بقولِه: مطَلَّقَةٌ. مِن زَوْجٍ كَان قَبْلَه، لم تَطْلُقْ، وإنِ ادَّعَى ذلِكَ، دُيِّنَ. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه إذا ادَّعَى ذلك يُدَيَّنُ فيما بينَه وبين اللَّهِ تعالَى، وعليه الأصحابُ. وعنه، لا يُدَيَّنُ. حَكاها ابنُ عَقِيلٍ فى بعضِ كُتُبِه، والحَلْوانِىُّ، كالهازِلِ، على أصحِّ الرِّوايتَيْن.
قوله: وهل يُقبَلُ فى الحُكمِ؟ على رِوايتَيْن، إلَّا أَنْ يَكُونَ فى حالِ الغَضَبِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أو بعدَ سُؤالِها الطَّلاقَ، فلا يُقبَلُ. قوْلًا واحدًا. وأطْلقَ الرِّوايتَيْن فى «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الهادِى» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «تَجْريدِ العِنايةِ» ؛
وَفِيمَا إِذَا قَالَ: أَرَدْتُ أَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ مِنْ زَوْجٍ قَبْلِى. وَجْهٌ ثَالِثٌ، أَنَّهُ يُقْبَلُ إنْ كَانَ وُجِدَ، وَإِلَّا فَلَا.
ــ
إحْداهما، يُقْبَلُ، وهو المذهبُ. صحَّحه فى «التَّصْحيحِ» . وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ» . وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الكافِى» ، إلّا فى قولِه: أَرَدْتُ أنَّها مُطَلَّقَة مِن زَوْجٍ كان قَبْلِى. وكان كذلك، فأَطْلَقَ فيها وَجْهَيْنِ. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا يُقْبَلُ [فى الأظْهَرِ] (1). قال فى «الخُلاصةِ»: لم يُقْبَلْ فى الحُكمِ على الأصحِّ. قال فى «إِدْراكِ الغايةِ» : لم يُقْبَلْ فى الحُكمِ فى الأظهَرِ. واختارَه ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» . وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» . وفيما
(1) سقط من: الأصل.
وَلَوْ قِيلَ لَهُ. أَطَلَّقْتَ امْرأتَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَأَرَادَ الْكَذِبَ، طَلُقَتْ، وَلَوْ قِيلَ لَهُ: أَلَكَ امْرأةٌ؟ قَالَ: لَا. وَأَرَادَ الْكَذِبَ، لَمْ تَطْلُقْ.
ــ
إذا قال: أرَدْتُ أنَّها مُطَلَّقَةٌ مِن زَوْجٍ كان قَبلِى. وَجْهٌ ثالثٌ؛ أنَّه يُقْبَلُ إن كان وُجِدَ، وإلَّا فلا. قلتُ: وهو قَوِىٌّ. ويأتِى ذلك أيضًا فى أوَّلِ بابِ الطَّلاقِ فى الماضِى والمُسْتَقبَلِ عندَ قولِه: فإنْ قال: أرَدْتُ أنَّ زَوْجًا قَبلِى طَلَّقَها.
فائدة: مِثْلُ ذلك، خِلافًا ومذهبًا، لو قال: أنتِ طالِقٌ. وأرادَ أَنْ يقولَ: إن قُمْتِ. فتَرَكَ الشَّرْطَ، ولم يُرِدْ به طَلاقًا. قالَه فى «الفُروعِ» وغيرِه. [ويأتِى فى كلامِ المُصَنِّفِ فى أوَّلِ بابِ تعْليقِ الطَّلاقِ بالشُّروطِ] (1): إذا قال: أنتِ طالِقٌ. ثم قال: أرَدْتُ إن قُمْت. [وقيل: لا يُقْبَلُ هنا](2).
قوله: ولو قِيلَ له: أطَلقْتَ امرَأَتَك؟ قال: نعم. وأراد الكَذِبَ، طَلُقَتْ. وهو المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «المُغْنِى» ،
(1) سقط من: الأصل.
(2)
سقط من: ط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فى «الفُروعِ» وغيرِه. وقال ابنُ أبى مُوسى: تَطْلُقُ فى الحُكمِ فقط. وتقدَّم احتِمالٌ ذكَرَه الزَّرْكَشِىُّ، أنَّ هذه الصِّيغَةَ ليست بصَريحٍ فى الطَّلاقِ، كما لو قال: كُنْتُ طَلَّقْتُها. وكذا الحُكْمُ لو قيلَ له: امْرَأَتُكَ طالِقٌ؟ فقال: نعم. أو: ألَكَ امْرَأَةٌ؟ فقال: قد طَلَّقْتُها. فلو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال: أرَدْتُ أنى طَلقْتُها فى نِكاحٍ آخَرَ، دُيِّنَ. وفى الحُكمِ وَجْهان، إنْ كان وُجِدَ. قدَّم فى «الرِّعايَةِ» ، أنَّه لا يُقْبَلُ. ولو قيلَ له: أأَخْلَيْتَها؟ فقال: نعم. فكِنايَةٌ.
فائدتان؛ إحْداهما، لو أُشْهِدَ عليه بطَلاقٍ ثلاثٍ، ثم اسْتَفتَى، فأُفْتِى بأنَّه لا شئَ عليه، لم يُؤاخَذْ بإقْرارِه؛ لمَعْرِفَةِ مُسْتَندِه، ويُقْبَلُ قوْلُه بيَمِينِه؛ لأنَّ مُسْتَندَه فى إقْرارِه ذلك ممَّن يَجْهَلُه مِثْلُه. ذكرَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله واقتَصَرَ عليه فى «الفُروعِ» . وتقدَّم ذلك فى آخِرِ بابِ الخُلْعِ أيضًا. الثَّانيةُ، لو قال قائلٌ لعالِمٍ بالنَّحْوِ: ألَمْ تُطَلِّقِ امْرَأتَكَ؟ فقال: نعم. لم تَطْلُقْ، وإنْ قال: بلَى. طَلُقَتْ. ذكرَه النَّاظِمُ وغيرُه. ويأتِى نظِيرُ ذلك فى أوَائلِ بابِ ما يحْصُلُ به الإِقْرارُ. ولم يُفَرِّقُوا هناك بين العالمِ وغيرِه، والصَّوابُ التَّفْرِقةُ.
تنبيه: مفْهومُ قولِه: ولو قيلَ له: ألكَ امرَأَةٌ؟ قال: لا. وأراد الكَذِبَ، لم تَطْلُقْ. أنَّه لو لم يُرِدِ الكَذِبَ، أنَّها تَطْلُقُ. ومِثْلُه قولُه: ليس لى امْرأَةٌ. أو لستِ لى بامْرَأَةٍ. ونوى الطَّلاقَ. وهو صحيحٌ؛ لأنَّه كِنايةٌ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. قال الزَّرْكَشِىُّ: هذا هو المَشْهورُ مِن الرِّوايةِ. وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» . وقدَّمه فى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، وصحَّحه النَّاظِمُ. ونقَل أبو طالِبٍ، إذا قيلَ: ألَكَ امرَأَةٌ؟ فقال: لا. ليس بشئٍ. فأخَذَ المَجْدُ مِن إطْلاقِ هذه الرِّوايةِ أنَّه لا يَلْزَمُه طَلاقٌ، ولو نوى يكونُ لَغْوًا، وحَمَلَها القاضى على أنه لم يَنْوِ الطَّلاقَ. فعلى المذهبِ، لو حَلَفَ باللَّهِ على ذلك، فقد تَوقفَ الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله، فى رِوايةِ مُهَنَّا عن الجوابِ، فيَحْتَمِلُ وَجْهَيْن. وأَطْلَقَهما فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى» ، و «الفُروعِ» ، و «الزَّرْكَشِىِّ». وقال: مَبْناهُما على أنَّ الإِنْشاءاتِ، هل تُؤكِّدُ فيقَعُ الطَّلاقُ، أو لا يُؤكِّدُ إلَّا الخَبَرُ، فتَتَعَيَّنُ خَبَرِيَّةُ هذا، فلا يقَعُ الطَّلاقُ؟ قال ابنُ عَبْدُوسٍ: ذلك كِنايةٌ، وإنْ أقْسَمَ باللَّهِ.
وَلَوْ لَطَمَ امْرأَتَهُ، أَوْ أَطْعَمَهَا، أَوْ سَقَاهَا، وَقالَ: هَذَا طَلَاقُكِ. طَلُقَتْ، إِلَّا أَنْ يَنْوِىَ أَنَّ هَذَا سَبَبُ طَلَاقِكِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.
ــ
قوله: وإنْ لَطَمَ امرَأتَه، أو أطْعَمَها، أو سقاها -وكذا لو ألْبَسَها ثوْبًا، أو أخْرَجَها مِن دارِها، أو قبَّلَها، ونحوَ ذلك- وقال: هذا طَلاقُكِ. طَلُقَتْ، إلَّا أن يَنْوِىَ أنَّ هذا سبَبُ طَلاقِك، أو نحوَ ذلك. اعلمْ أنَّه إذا فعَل ذلك، فلا يخْلُو؛ إمَّا أن ينْوِىَ به طَلاقَها، أو لا، فإن نوى به طَلاقَها طَلُقَتْ، وإن لم يَنْوِه، وقَع أيضًا؛ لأنَّه صريحٌ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه. وقال فى «الفُروعِ»: فنَصُّه صريحٌ. وقال فى «الرِّعايتَيْن» : فإن فعَل ذلك، وقَع. نصَّ عليه. وقال فى «المُسْتَوْعِبِ» ، و «البُلْغَةِ»: مَنْصوصُ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، أنَّه يقَعُ، نواه أو لم يَنْوِه. [قال فى «الكافِى»: فهو صريحٌ. ذكَرَه ابنُ حامِدٍ. وذكَر القاضى، أنَّه مَنْصوصُ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله] (1). قال الزَّرْكَشِىُّ: كلامُ الخِرَقِىِّ يقْتَضِيه. وقطَع به فى «الخُلاصةِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» . وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوِى» . واختارَه ابنُ حامِدٍ
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وغيرُه. وعنه، أنه كِناية. قال فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوِى» ، وغيرِهم. وقيل: لا يَلْزَمُه حتى ينْوِيَه. قال القاضى: يَتَوَجَّهُ، أنَّه لا يقَعُ حتى ينْوِيَه. نقَلَه فى «البُلْغَةِ» . وقدَّم المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، أنَّه كِناية، ونَصَرَاه. وهو ظاهرُ كلام أبى الخَطَّابِ فى «الخِلافِ». قال الزَّرْكَشِىُّ: ويَحْتَمِلُه كلامُ الخِرَقِىِّ، ويَكونُ اللَّطْمُ قائمًا مَقامَ النِّيَّةِ، لأنَّه يدُلُّ على الغَضَبِ. فعلى المذهبِ -وهو الوُقوعُ مِن غيرِ نِيَّة- لو فسَّره بمُحْتَمِلٍ (1) غيرِه، قُبِلَ. وقالَه [ابنُ حَمْدانَ و] (2) الزَّرْكَشِىُّ. وقال: وعلى هذا، فهذا قسَمٌ برأْسِه، ليسَ بصريحٍ. وقال فى «التَّرْغيبِ» ، و «البُلْغَةِ»: لو أطْعَمَها، أو سقَاها، فهل هو كالضَّرْبِ؟ فيه وَجْهان. فعلى المذهبِ، لو نوى أنَّ هذا سبَبُ طَلاقِك، دُيِّنَ فيما بينَه وبين اللَّهِ تعالَى، وهل يُقْبَلُ فى الحُكمِ؟ على وَجْهَيْن، وأطْلَقَهما فى «الفُروعِ» ، أحدُهما، يُقْبَلُ وهو الصَّحيحُ. اختارَه فى «الهِدايَةِ» ،
(1) فى الأصل: «بغير محتمل» .
(2)
سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وصحَّحه فى «الخُلاصةِ» ، وجزَم به فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوِى» ، و «الوَجيزِ» ، والمُصَنِّفُ، وغيرُهم. والوَجْهُ الثَّانى، لا يُقْبَلُ فى الحُكمِ.
فائدة: لو طلَّق امْرَأَةً، أو ظاهَرَ منها، أو آلَى، ثم قال سرِيعًا لضَرَّتِها: اشْرَكْتُكِ معها. أو: أنْتِ مِثْلُها. أو: أنْتِ كهِىَ. أو: أنتِ شَرِيكَتُها. فهو صريحٌ، فى الضَّرَّةِ، فى الطَّلاقِ والظِّهارِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وقدَّمه فى الظِّهارِ، فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه فيهما فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايَتَيْن» ، و «الحاوِى» ، وغيرِهم. وعنه، أنَّه فيهما كِنايةٌ. وأطْلَقهما فى «الفُروعِ» . وأمَّا الإيلاءُ، فلا يصِيرُ بذلك مُولِيًا مِنَ الضَّرَّةِ مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وجزَم به المُصَنِّفُ فى «المُقْنِعِ» -فى بابِ الإِيلاءِ- وصاحِبُ «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرُهم. وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرى» ، فى آخِرِ بابِ الإيلاءِ. وعنه، أنه صريح فى حقِّ الضَّرَّةِ أيضًا، فيكونُ مُولِيًا منها أيضًا. نصَّ عليه. وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم، واختارَه القاضى. وعنه، أنَّه كِنايةٌ، فيَكونُ مُولِيًا منها، إنْ نواه، وإلَّا فلا. وأَطْلَقَهُنَّ فى «الفُروعِ» . وتأتِى مسْألَةُ الإيلاء فى كلام المُصَنِّفِ فى بابِ الإِيلاءِ.
وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا شَىْءَ. أَوْ: لَيْسَ بِشَىْءٍ. أَوْ: لَا يَلْزَمُكِ شَىْءٌ. طَلُقَتْ، وَإِنْ قَالَ: أنْتِ طَالِقٌ أَوْ لَا؟ أَوْ: طَالِقٌ وَاحِدَةً
ــ
قوله: وإنْ قال: أنتِ طالِقٌ لا شَىْءَ -أو ليس بشَىْءٍ -أو- لا يَلْزَمُكِ شئٌ. طَلُقَتْ. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: لا نعْلَمُ فيه خِلافًا. وجزَم به فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. قال فى «الفُروعِ»: وإنْ قال: أنتِ طالِقٌ لا شئَ. وقَع فى الأصحِّ. وقدَّمه فى «الرِّعايَتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ». أعْنِى فى قوْلِه: أنتِ طالِقٌ لا شئَ. فقط، وقيل: لا تَطْلُقُ.
فائدة: وكذا الحُكمُ لو قال: أنتِ طالِقٌ طَلْقَةً لا تَقَعُ عليْكِ. أو طالِقٌ طَلْقَةً لا ينْقُصُ بها عَدَدُ الطَّلاقِ.
قوله: وإنْ قال: أنتِ طالِقٌ أَوْ لا؟ أو: طالِقٌ واحِدَةً أَوْ لا؟ لم يقَعْ. أمَّا إذا
أَوْ لَا؟ لَمْ يَقَعْ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَقَعَ.
ــ
قال: أنتِ طالِقٌ أَوْ لا؟ فالصحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه لا يقَعُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرهم. وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. ويَحْتَمِلُ أَنْ يقَعَ. وأمَّا إذا قال: أنتِ طالِقٌ واحدةٌ أَوْ لا؟ فقدَّم المُصَنِّفُ هنا عدَمَ الوُقوعِ. وهو أحدُ الوَجْهَيْن. قدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، ونصَراه، ورَدَّا قوْلَ مَن فرَّقَ بينَهما. قال ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه»: هذا المذهبُ، وصحَّحه فى «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ» . وقدَّمه فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» . وجزَم به الأدَمِىُّ فى «مُنْتَخَبِه» . ويَحْتَمِلُ أَنْ يقَعَ، وهو الوجهُ الثَّانى، وهو ظاهِرُ
وَإِنْ كَتَبَ طَلَاقَ امْرأَتِهِ وَنَوَى الطَّلَاقَ، وَقَعَ، وَإِنْ نَوَى تَجْوِيدَ خَطِّهِ، أَوْ غَمَّ أَهْلِهِ، لَمْ يَقَعْ. وَهَلْ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ فِى الْحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.
ــ
ما جزَم به فى «الوَجيزِ» ؛ فإنَّه ذكرَ عدَمَ الوُقوعِ فى الأُولَى، ولم يَذْكُرْه فى هذه. وجزَم به فى «المُنَوِّرِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ». قال فى «الخُلاصةِ»: فقيل: تَطْلُقُ واحدةً. واقْتَصَرَ عليه. وأطْلَقَهما فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم (1).
قوله: وإنْ كتَب طَلاقَ امرَأَتِه -يعْنِى، صريحَ الطَّلاقِ- ونوَى الطَّلاقَ، وقَع. إذا كتَبَ صريحَ الطَّلاقِ ونوى به الطَّلاقَ، وقع الطَّلاقُ على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ،
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «المُسْتَوْعِب» وغيرِهم: وقَع. روايةً واحدةً. وجزَم به المُصَنِّفُ، وصاحِبُ «الخُلاصةِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرُ هم؛ لأنَّه إمَّا صَريحٌ، أو كِنايةٌ، وقد نوَى به الطَّلاقَ. قال فى «الفُروعِ»: ويتَخَرَّجُ أنَّه لَغْوٌ. اختارَه بعضُ الأصحابِ؛ بناءً على إقرارِه بخَطِّه، وفيه وَجْهان. قال: ويَتَوَجَّهُ عليها صِحَّةُ الولايةِ بالخَطِّ، وصِحَّةُ الحُكمِ به. انتهى. قال فى «الرِّعايَةِ»: ويتَخَرَّجُ أنَّه لا يقع بخَطِّه شئ ولو نواه؛ بِناءً على أن الخَطَّ بالحَقِّ ليسَ إقْرارًا شَرْعِيًّا فى الأصحِّ. انتهى. قلتُ: النَّفْسُ تَمِيلُ إلى عَدمِ الوُقوعِ بذلك. واختارَ فى «الرِّعايَةِ الكُبرى» فى حدِّ الإِقْرارِ، أنَّه إظْهارُ الحَقِّ لَفْظًا أو كِنايةً. وفى «تَعْليقِ القاضى» ، ما تَقُولُون فى العُقودِ، والحُدودِ، والشَّهاداتِ، هل تَثْبُتُ بالكِتابَةِ؟ قيل: المَنْصوصُ عنه فى الوَصِيَّة تَثْبُتُ. وهى عَقْدٌ يَفْتَقِرُ إلى إيجابٍ وقَبُولٍ. فيَحْتَمِلُ أن تَثْبُتَ جميعُها؛ لأنَّها فى حُكمِ الصَّريحِ، ويَحْتَمِلُ أن لا تَثْبُتَ؛ لأنَّه لا كِنايةَ لها،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فقَوِيَتْ، وللطَّلاقِ والعِتْق كِنايةٌ، فضَعُفَا. قال المَجْدُ: لا أدْرِى أرادَ صِحَّتَها بالكِنايةِ، أو تثْبِيتَها بالظَّاهرِ. قال فى «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ أنَّه أرادَهما.
قوله: وإن نوى تَجوِيدَ خَطِّهِ، أو غَمَّ أهلِه، لم يقَعْ. هذا المذهبُ. يعنِى، أنَّه يُدَيَّنُ فيما بينَه وبينَ اللَّهِ تعالَى، وعليه الأصحابُ. وقد روَى أبو طالِبٍ فى مَن كتَبَ طَلاقَ زَوْجَتِه، ونوَى أَنْ يغُمَّ أهْلَه قال: قد عُمِلَ فى ذلك، يعْنِى، أنَّه يُؤاخَذُ به. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: فظاهرُ هذا، أنَّه أوْقَعَ الطَّلاقَ. ويَحْتَمِلُ أن لا يقَعَ؛ لأنَّه أرادَ غَمَّ أهْلِه بتَوَهُّمِ الطَّلاقِ، دُونَ حَقِيقَتِه، فلا يكونُ ناوِيًا للطَّلاقِ.
قوله: وهل تُقْبَلُ دَعواه فى الحُكمِ؟ يُخَرَّج على رِوايَتَيْن. وأطْلَقَهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ؛ إحْداهما، تُقْبَلُ، وهو المذهبُ. قال فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ»: هذا أصحُّ الوَجْهَيْن، وصحَّحه فى
وَإن لَمْ يَنْوِ شَيْئًا، فَهَلْ يَقَعُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.
ــ
«التَّصْحيحِ» . قال فى [«المُحَرَّرِ»، و](1)«الفُروعِ» : قُبِل حُكمًا، على الأصحِّ. قال النَّاظِمُ: هذا أجْوَدُ. قال فى «تَجْريد العِنايةِ» : قُبِلَ، على الأَظْهَرِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا يُقْبَلُ.
قوله: وإنْ لم يَنْوِ شَيْئًا، فهل يَقَعُ؟ على وَجْهَيْن. وهما رِوايَتان، خرَّجَهما فى «الإِرْشادِ» . واطْلَقهما فى «المغْنِى» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، هو أيضًا صريحٌ، فيقَعُ مِن غيرِ نِيَّةٍ. وهو الصَّحيحُ ينَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قال ناظِمٌ المُفرَداتِ: أدْخَلَه الأصحابُ فى الصَّريحِ، ونَصَره القاضى وأصحابُه، وذكَرَه الحَلْوانِىُّ عنِ الأصحابِ، وصحَّحه فى «التَّصْحيحِ». قال فى «تَجْريدِ العِنايةِ»: وقَع، على الأظْهَرِ. واختارَه ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه» . وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» . والثَّانى، أنَّه كِنايةٌ، فلا
(1) سقط من: الأصل.
وَإِنْ كَتَبَهُ بِشَىْءٍ لَا يَبِينُ، لَمْ يَقَعْ. وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: يَقَعُ.
ــ
يقَعُ مِن غيرِ نِيَّةٍ، جزَم به فى «الوَجيزِ». قال فى «الرِّعايَةِ»: وهو أَظْهَرُ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وتقدَّم تخْريجٌ بأنَّه لَغْوٌ مع النِّيَّةِ.
قوله: وإن كَتَبَه بشَىْءٍ لا يبِينُ، لم يَقَعْ. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وهو ظاهرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله. قال فى «تَجْريدِ العِنايةِ»: لم يقَعْ، على الأظْهَرِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. قال أبو حَفْصٍ: يقَعُ. وأَطْلَقهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِب» .
فوائد؛ الأُولَى، لو كَتَبَه على شئٍ لا يثْبُتُ عليه خَطٌّ، كالكِتابةِ على الماءِ والهَواءِ، لم يقَعْ، بلا خِلافٍ عندَ أَكثرِ الأصحابِ. وقال فى «الفُروعِ»: وذكرَ فى «المُغْنِى» الوَجْهَ لأبى حَفْصٍ، فيما إذا كَتَبَه بشئٍ لا يَبِينُ هنا. فالصُّورَةُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأُولَى، صِفَةُ المَكتُوبِ به، والصُّورَةُ الثَّانيةُ، صِفَةُ المَكتُوبِ عليه. قالَه فى «البُلْغَةِ» وغيرِه. فأجْرَى المُصَنِّفُ الخِلافَ فى المَكتُوبِ عليه، كما هو فى المَكتُوبِ به. قلتُ: الشَّارِحُ مَثَّلَ كلامَ المُصَنِّفِ بصِفَةِ المَكتُوبِ عليه، فقال: مِثْلُ أَنْ يكْتُبَه بإصْبَعِه على وِسادَةٍ، أو فى الهَواءِ. وكذا قال النَّاظِمُ. الثَّانيةُ، لو قرَأَ ما كَتَبَه، وقصَد القِراءةَ، ففى قَبُولِه حُكمًا الخِلافُ المُتقَدِّمُ، فيما إذا قصَدَ تجْوِيدَ خَطِّه، أو غَمَّ أهْلِه. ذكَرَه فى «التَّرْغيبِ» . الثَّالثةُ، يقَعُ الطَّلاقُ مِنَ الأَخْرَسِ وحدَه بالإِشارَةِ، فلو فَهِمَها البَعْضُ فكِنايَةٌ، وتأوِيلُه، مع صرِيحٍ، كالنُّطْقِ، وكنايَتُه طَلاقٌ، ولا يقَعُ الطَّلاقُ بغيرِ لَفْظٍ إلَّا فى الكِنايَةِ، والأَخْرَسِ
وَصَرِيحُ الطَّلَاقِ فِى لِسَانِ الْعَجَمِ بِهِشْتَمْ. فَإِنْ قَالَهُ الْعَرَبِىُّ وَلَا يَفْهَمُهُ، أَوْ نَطَقَ الْعَجَمِىُّ بِلَفْظِ الطَّلَاق وَلَا يَفْهَمُهُ، لَمْ يَقَعْ، وَإِنْ نَوَى مُوجَبَهُ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ.
ــ
بالإِشارَةِ، على ما تقدَّم فيهما.
قوله: وصرِيحُ الطَّلاقِ فى لِسانِ العَجَمِ «بِهِشْتَمْ» -بكسْرِ الباء والهاءِ وسُكونِ الشِّينِ وفتحِ التَّاءِ- فإنْ قاله العرَبِىُّ، وهو لا يَفْهَمُه، أو نطَقَ الأَعْجَمِىُّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بلَفْظِ الطَّلاقٍ وهو لا يَفْهَمُه، لم يَقَعْ -بلا نِزاعٍ- وإن نوَى مُوجِبَه، فعلى وَجْهَيْن. وأطْلَقهما فى «الخُلاصةِ» ، و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى» ؛ أحدُهما، لا يقَعُ. وهو المذهبُ. صحَّحه فى «التَّصْحيحِ» . وجزَم به فى «الوَجيزِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأَدَمِىِّ» ، و «المُنَوِّرِ» (1). وقدَّمه فى «الكافِى» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. قال فى «القاعِدَةِ الرَّابعَةِ بعدَ المائةِ»: والمَنْصوصُ فى رِوايةِ أبى الحارِثِ، أنَّه لا يَلْزَمُه الطَّلاقُ، وهو قَوْلُ القاضى، وابنِ عَقِيلٍ، والأَكْثَرِينَ. انتهى. والوجهُ الثَّانى، يقَعُ. جزَم به فى «المُذْهَبِ» . وقدَّمه فى «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» . وقال فى «الانْتِصارِ» ، و «عُيونِ المَسائلِ» ، و «المُفْرَداتِ»: مَن لم تَبْلُغْه الدَّعْوَةُ، فهو غيرُ مُكَلَّفٍ، ويقَعُ طَلاقُه.
فائدة: لو قالَه العَجَمِىُّ، وقَع ما نواه، فإن زادَ «بِسْيار» بأنْ قال: أنتِ بِهِشْتَم بسْيار. طَلُقَتْ ثلاثًا. وقدَّمه فى «الفُروعِ» ، وجزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، ونَصراه. وقال فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَب» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، وغيرِهم: يقَعُ ما نواه. وجزَم به فى «الرِّعايتَيْن» . ونقَله ابنُ مَنْصُورٍ، وقال: كلُّ شئٍ بالفارِسِيَّةِ، على ما نواه؛ لأنَّه ليس لِه حَدٌّ، مثْلَ كَلامٍ عرَبِىٍّ.
(1) سقط من: الأصل.