الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ سنَّةِ الطَّلَاقِ وَبِدْعَتِهِ
السُّنَّة فِى الطَّلَاقِ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً فِى طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، ثمَّ يَدَعَهَا حَتَّى تَنْقَضِىَ عِدَّتهَا.
ــ
بابُ سُنَّةِ الطَّلاقِ وبِدْعَتِه
قوله: السُّنَّةُ أَنْ يُطَلِّقَها واحِدَةً فى طُهْرٍ لم يُصِبْها فيه، ثم يَدَعَها حتى تنْقَضِىَ عِدَّتُها. وهذا بلا نِزاعٍ. ولو طلَّقَها ثلاثًا فى ثلاثَةِ أَطْهارٍ، كان حُكمُ ذلك حُكمَ جَمْعِ الثَّلاثِ فى طُهْرٍ واحدٍ. قال الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله: طَلاقُ السُّنَّةِ واحدةٌ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثم يتْرُكُها حتى تَحِيضَ ثلاثَ حِيَضٍ.
وَإِنْ طَلَّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا فِى حَيْضِهَا، أَوْ طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ، فَهُوَ طَلَاقُ بِدْعَةٍ مُحَرَّمٌ، وَيَقَعُ.
ــ
قوله: وإِنْ طَلَّقَ المَدْخُولَ بها فى حَيْضِها، أو طُهْرٍ أصابَها فيه، فهو طلاقُ بِدْعَةٍ مُحَرَّمٌ، ويَقَعُ. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ طَلاقَها فى حَيْضِها أو طُهْرٍ أَصابَها فيه، مُحَرَّمٌ، ويقَعُ. نصَّ عليهما، وعليه الأصحابُ. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ وتِلْمِيذُه ابنُ القَيِّمِ، رَحِمَهما اللَّهُ: لا يقَعُ الطَّلاقُ فيهما. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اختارَ طائفةٌ مِن أصحابِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله، عدَمَ الوُقوعِ فى الطَّلاقِ المُحَرَّمِ. وقال أيضًا: ظاهرُ كلامِ ابنِ أبى مُوسى، أنَّ طَلاقَ المُجامَعَةِ مَكْرُوهٌ، وطَلاقَ الحائضِ مُحَرَّمٌ.
تنبيه: مُرادُه بقولِه: أو طُهْرٍ أصابَها فيه. إذا لم يَسْتَبِنْ حمْلُها، فإنِ اسْتَبانَ حمْلُها، فلا سُنَّةَ لطَلاقِها ولا بِدْعَةَ، على ما يأْتِى فى كلامِ المُصَنِّفِ قريبًا. والعِلَّةُ فى ذلك احتِمالُ أن تكونَ حامِلًا، فيَحْصُلُ النَّدَمُ، فإن كان الحَمْلُ مُسْتَبِينًا، فقد طلَّقَ وهو على بَصِيرَةٍ، فلا يَخافُ أمْرًا يتَجَدَّدُ معه النَّدَمُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فوائد؛ الأُولَى، قال فى «المُحَرَّرِ»: وكذا الحُكمُ لو طلَّقها فى آخِرِ طُهْرٍ لم يُصِبْها فيه. يعْنِى، أنَّه طَلاقُ بِدْعَةٍ ومُحَرَّم، ويقَعُ. وتبِعَه شارِحُه على ذلك، وصاحِبُ «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، وسَبَقَهم إليه القاضى فى «المُجَرَّدِ» . وجماهيرُ الأصحابِ على أنّه مُباحٌ والحالَةُ هذه، إلَّا على رِوايةِ أنَّ القُروءَ الأَطْهارُ. واختارَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله أيضًا. الثَّانيةُ، أكثرُ الأصحابِ على أنَّ العِلَّةَ فى مَنْعِ
وَتُسْتَحَبُّ رَجْعَتُهَا. وَعَنْهُ أَنَّهَا وَاجبَةٌ.
ــ
الطَّلاقِ زَمَنَ الحَيْضِ، هى تَطْويلُ العِدَّةِ. وخالَفَهم أبو الخَطَّابِ، فقال: لكَوْنِه فى زَمَنِ رَغْبَتِه عنها. وقال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله: وقد يقالُ: إنَّ الأَصْلَ فى الطَّلاقِ النَّهْىُ عنه، فلا يُباحُ إلَّا وَقْتَ الحاجَةِ، وهو الطَّلاقُ الذى تَتَعَقَّبُه العِدَّةُ؛ لأنَّه لا بُدَّ مِن عِدَّةٍ. الثَّالثةُ، اختلَفَ الأصحابُ فى الطَّلاقِ فى الحَيضِ، هل هو مُحَرَّمٌ لحَقِّ اللَّهِ فلا يُباحُ وإنْ سأَلَتْه إيَّاه، أو لحَقِّها فيُباحُ بسُؤالِها؟ فيه وَجْهان. قال الزَّرْكَشِىُّ: والأَوَّلُ ظاهرُ إطْلاقِ الكِتابِ والسُّنَّةِ. قلتُ: وهو ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا وغيرِه. لكنِ الذى جزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم، وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، وغيرِهم، أنَّ خُلْعَ الحائضِ -زادَ فى «المُحَرَّرِ» وغيرِه، وطَلاقَها- بسُؤالِها غيرُ مُحَرَّمٍ ولا بِدْعَةٍ. ذكرَه أكثرُهمْ فى كتابِ الخُلْعِ. وقال ابنُ عَبْدُوسٍ فى «تَذْكِرَتِه»: ولا سُنَّةَ لخُلْعٍ ولا بِدْعَةَ، بل لطَلاقٍ بعِوَضٍ. وتقدَّم ذلك أيضًا فى بابِ الحَيْضِ عندَ قوْلِه: ويَمْنَعُ سُنَّةَ الطَّلاقِ. الرَّابعةُ، العِلَّةُ فى تحْريمِ جَمْعِ الثَّلاثِ، سَدُّ البابِ عليه، وعدَمُ المَخْرَجِ له. وقال بعْضُهم: هل العِلَّةُ فى النَّهْى عن جَمْعِ الثَّلاثِ التَّحْرِيمُ المُسْتَفادُ فها، أو تَضْيِيعُ الطَّلاقِ لا فائدةَ له؟ ويَنْبَنِى على ذلك تحْريمُ جَمْعِ الطَّلْقتَيْن (1). الخامسةُ، قال فى «التَّرْغيبِ»: تَحَمُّلُ المرْأَةِ بماءِ الرَّجُلِ فى مَعْنَى الوَطْءِ. قال: وكذا وَطْؤُها فى غيرِ القُبُلِ؛ لوُجوبِ العِدَّةِ. قلتُ: وفيه نظَرٌ ظاهرٌ.
قوله: وتُسْتَحَبُّ رَجْعَتُها. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ
(1) فى الأصل: «المطلقتين» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأصحابِ. وجزَم به فى «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرهم. وعنه، أنَّها واجِبَةٌ. ذكرَها فى «المُوجَزِ» ، و «التَّبْصِرَةِ» ، و «التَّرْغيبِ» ، وهو قوْلٌ فى «الرِّعايتَيْن» ، فيما إذا وطِئَ فى طُهْرٍ طلَّقَها فيه. وعنه، أنَّها واجِبَةٌ فى الحَيْضِ. اختارَها فى «الإِرْشادِ» ، و «المُبْهِجِ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدتان؛ إحْداهما، لو علَّق طَلاقَها بقِيامِها، فقامَتْ حائِضًا، فقال فى «الانْتِصارِ»: هو طَلاقٌ مُباحٌ. وقال فى «التَّرْغيبِ» : هو طَلاقٌ بِدْعِىٌّ. وقال فى «الرِّعايَةِ» : يَحْتَمِلُ وَجْهَيْن. وذكرَ المُصَنِّفُ، إن علَّق الطَّلاقَ بقُدومِ زَيْدٍ، فقَدِمَ فى حَيْضِها، فبدْعَةٌ ولا إثْمَ. قلتُ: مُقْتَضَى كلامِ أبى الخَطَّابِ فى «الانْتِصارِ» ، أنَّه مُباحٌ، بل أَوْلَى بالإِباحَةِ، وهو أَوْلَى. وجزَم فى «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» بأنَّه إذا وقَع ما كان علَّقه وهى حائضٌ، أنَّه يَحْرُمُ ويَقَعُ. الثَّانيةُ، طَلاقُها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فى الطُّهْرِ المُتَعَقِّبِ للرَّجْعَةِ بِدْعَةٌ فى ظاهرِ المذهبِ. واخْتارَه الأكثرُ. قالَه الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله. وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وصحَّحه فى «الرِّعايَةِ» ، و «القَواعِدِ» ، وغيرِهما. قلتُ: فيُعايَى بها. وعنه، يجوزُ. زادَ فى
وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِى طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، كُرِهَ. وَفِى تَحْرِيمِهِ رِوَايَتَانِ.
ــ
«التَّرْغيبِ» ، ويَلْزَمُه وَطْؤُها.
قوله: وإن طلَّقَها ثَلاثًا فى طُهْرٍ لم يُصِبْها فيه، كُرِهَ، وفى تَحْرِيمِه رِوايَتان. وأَطْلَقهما فى «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الهادِى» ، و «الكافِى» ؛ إحْداهما، يَحْرُمُ، وهو المذهبُ. نصَّ عليه فى رِوايةِ ابنِ هانِئٍ، وأبى داودَ، والمَرُّوذِىِّ، وأبى بَكرِ بنِ صَدَقَةَ، وأبى الحارِثِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به فى «العُمْدَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأدَمِىِّ البَغْدادِىِّ» ، وغيرِهم. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، وصاحِبُ «الفُروعِ»: اختارَه الأكثرُ. قلتُ: منهم أبو بَكْرٍ، وأبو حَفْصٍ، والقاضى، والشَّرِيفُ، وأبو الخَطَّابِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والقاضى أبو الحُسَيْنِ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» ، وابنُ رَزِينٍ فى «شَرْحِه» . قال فى «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ»: أصحُّ الرِّوايتَيْن أنَّه يَحْرُمُ. وقدَّمه فى «الخُلاصةِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الفُروعِ» . والرِّوايةُ الثَّانيةُ، ليس بحرامٍ. اختارَها الخِرَقِىُّ، وقدَّمها فى «الرَّوْضَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، وجزَم به فى «المُنَوِّرِ». قال الطُّوفِىُّ: ظاهرُ المذهبِ أنَّه ليس ببدْعَةٍ. قلتُ: ليس كما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قال. وعنه، الجَمْعُ فى الطُّهْرِ بدْعَةٌ، والتَّفْريقُ فى الأَطْهارِ مِن غيرِ مُراجَعَةٍ سُنَّةٌ. فعلى الرِّوايةِ الثَّانيةِ، يكونُ الطَّلاقُ على هذه الصِّفَةِ مكْروهًا. ذكَرَه جماعةٌ مِنَ الأصحابِ، منهم المُصَنِّفُ هنا، وقدَّمه فى «الفُروعِ» . ونقَل أبو طالِبٍ، هو طَلاقُ السُّنَّةِ. وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» . وعلى المذهبِ، ليس له أَنْ يُطَلِّقَ ثانيةً وثالثةً قبلَ الرَّجْعَةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اخْتارَها أكثرُ الأصحابِ؛ كأبى بَكرٍ، والقاضى، وأصحابِه. قال: وهو أصحُّ. وعنه، له ذلك قبلَ الرَّجْعَةِ.
فائدة: لو طلَّق ثانيةً وثالثةً فى طُهْرٍ واحدٍ، بعدَ رَجْعَةٍ أو عَقْدٍ لم يكُنْ بِدْعَةً بحالٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به فى «الرِّعايَةِ» . وقدَّمه فى «الفُروعِ» . وقدَّم فى «الانْتِصارِ» رِوايةَ تحْريمِه حتى تفْرُغَ العِدَّةُ، وجزَم به فى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الرَّوْضَةِ» ، فيما إذا رجَع. قال: لأنَّه طوَّلَ العِدَّةَ، وأنَّه مَعْنَى نَهْيِه تعالَى بقولِه:{وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا} (1).
تنبيه: ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّ طَلاقَها اثْنَتَيْن ليس كطَلاقِها ثلاثًا، وهو صحيحٌ، اختارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وقدَّمه فى «الفُروعِ». وقيل: حُكمُه حُكمُ الطَّلاقِ الثَّلاثِ. جزَم به فى «المُحَرَّرِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ،
(1) سورة البقرة 231.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» . وأَطْلَقَهما فى «القَواعِدِ الأُصُولِيَّةِ» ، وقال: وقد يَحْسُنُ بِناءُ رِوايَتَىْ تَحْريمِ الطَّلاقِ مِن غيرِ حاجَةٍ على أصْلٍ. قالَه أبو يَعْلَى فى «تَعْليقِه الصَّغِيرِ» ، وأبو الفَتْحِ ابنُ المَنِّىِّ، وهو أنَّ النِّكاحَ لا يقَعُ إلّا فَرْضَ كِفايَةٍ، وإن كان ابْتداءُ الدُّخولِ فيه سُنَّةً. انتهى. وقال بعضُ الأصحابِ: مأْخَذُ الخِلافِ أنَّ العِلَّةَ فى النَّهْى عن جَمْعِ الثَّلاثِ، هل هى التَّحْريمُ المُسْتَفادُ منها، أو تَضْيِيعُ الطَّلاقِ لا فائدةَ له؟ فيَنْبَنِى على ذلك جَمْعُ الطَّلْقَتَيْن.
فائدة: إذا طلَّقَها ثلاثًا مُتَفَرِّقَةً بعدَ أن راجَعَها، طَلُقَتْ ثلاثًا، بلا نِزاعٍ فى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المذهبِ، وعليه الأصحابُ، منهم الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله. وإنْ طلَّقَها ثلاثًا مَجْموعَةً أو مُتَفَرِّقَةً قبلَ رَجْعَةٍ واحدةٍ، طَلُقَتْ ثلاثًا [وإنْ لم يَنْوِها](1)، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه مِرارًا، وعليه الأصحابُ، بل الأئمَّةُ الأرْبَعَةُ، رحمهم الله، وأصحابُهم فى الجُمْلَةِ. وأوْقَع الشَّيْخُ تَقِىُّ الدِّينِ، رحمه الله، مِن ثَلاثٍ مَجْمُوعَةٍ أو مُتَفَرِّقَةٍ قبلَ رَجْعَةٍ، طَلْقَةً واحدةً، وقال: لا نعْلَمُ أحدًا فرَّقَ بين الصُّورَتَيْن. وحَكَى عدَمَ وُقوعِ الطَّلاقِ الثَّلاثِ جُمْلَةً، بل واحدةً فى المَجْمُوعَةِ أوِ المُتَفَرِّقَةِ، عنِ جَدِّه المَجْدِ، وأنَّه كان يُفْتِى به أحْيانًا سِرًّا. ذكَرَه عنه فى «الطَّبَقاتِ» ؛ لأنَّه مَحْجورٌ عليه، إذَنْ فلا يَصِحُّ، كالعُقودِ المُحَرَّمَةِ لحقِّ اللَّهِ
(1) سقط من: الأصل، ط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تعالَى. [وظاهرُه، ولو وَجَبَ عليه فِراقُها؛ لإمْكانِ حُصولِه بخُلْعٍ بعِوَضٍ يُعارِضُ لَفْظَ الطَّلاقِ ونِيَّتِه، فَضْلًا عن حُصولِه بنَفْسِ طَلْقَةٍ واحدةٍ أو طَلَقاتٍ](1). وقال عن قولِ عمَرَ بنِ الخَطَّابِ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، فى إيقاعِ الثَّلاثِ: إنَّما جعَله؛ لإِكْثارِهم منه؛ فعاقَبَهم على الإِكْثارِ منه، لمَّا عصَوْا بجَمْعِ الثَّلاثِ، فيكونُ عُقوبَةَ مَن لم يتَّقِ اللَّهَ مِنَ التَّعْزيرِ الذى يُرْجَعُ فيه إلى اجْتِهادِ الأئمَّةِ، كالزِّيادَةِ على الأرْبَعِين فى حَدِّ الخَمْرِ؛ لمَّا أكثرَ النَّاسُ منها وأَظْهَرُوه، ساغَتِ الزِّيادَةُ عُقوبَةً. انتهى. [واخْتارَه الحِلِّىُّ (2) وغيرُه مِنَ المالِكِيَّةِ؛ لحديثٍ صحيحٍ فى «مُسْلِمٍ» (3) يقْتَضِى أنَّ المُرادَ بالثَّلاثِ فى ذلك ثَلاثُ مرَّاتٍ، لا أنَّ المُرادَ بذلك ثَلاثُ تَطْليقاتٍ. فعليه لو أرادَ به الإِقْرارَ، لَزِمَتْه الثَّلاثُ اتِّفاقًا إنِ امْتَنَعَ صِدْقُه، وإلَّا فظاهِرًا فقط](4). واختارَه أيضًا ابنُ القَيِّمِ وكثيرٌ مِن أتباعِه. قال ابنُ المُنْذِرِ: هو
(1) زيادة من: ش.
(2)
لم نجده.
(3)
أخرجه مسلم، فى: باب طلاق الثلاث، من كتاب الطلاق. صحيح مسلم 2/ 1099.
(4)
زيادة من: ش.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مذهبُ أصحاب ابنِ عَبَّاسٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما، كعَطاءٍ، وطاوُسٍ، وعمرِو بنِ دِينارٍ، رحمهم الله. نقَلَه الحافِظُ شِهَابُ الدِّينِ أحمدُ بنُ حَجَرٍ فى «فَتْحِ البارِى شَرْحِ البُخارِىِّ» (1). وحكَى المُصَنِّفُ، عن عطاءٍ، وطاوُسٍ، وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، وأبى الشَّعْثاءِ، وعمرِو بنِ دِينارٍ، أنَّهم كانوا يقُولُون: مَن طلَّقَ البِكْرَ ثلاثًا، فهى واحِدَةٌ. وقال القُرْطُبِىُّ فى «تَفْسيرِه» (2)، على قوْلِه تعالَى:{الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (3): اتَّفَقَ أئمَّةُ الفَتْوَى على لُزومِ إيقاعِ الثَّلاثِ، وهو قولُ جمهورِ السَّلَفِ، وشَذَّ طاوُسٌ وبعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ، فذَهَبُوا إلى أنَّ الطَّلاقَ الثَّلاثَ فى كلمةٍ واحدةٍ يقَعُ واحدةً، ويُرْوَى هذا عن محمدِ بنِ إسْحَاقَ، والحَجَّاجِ بنِ أَرْطاةَ. وقال بعدَ ذلك: ولا فرْقَ بين أن يُوقِعَ ثلاثًا مجْتَمِعَةً فى كلمةٍ، أو مُتَفَرِّقَةً فى كلماتٍ ثلاثٍ (4)، وقال بعدَ ذلك: ذكَر أحمدُ بنُ محمدِ بنِ مُغِيثٍ (5)
(1) فتح البارى 9/ 363، 364.
(2)
3/ 127 - 133.
(3)
سورة البقرة 229.
(4)
سقط من: الأصل.
(5)
فى النسخ: «محمد بن أحمد بن مغيث» . خطأ. وهو أحمد بن محمد بن مغيث الصدفى الطليطلى، أبو =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فى «وَثائقِه» ، أنَّ الطَّلاقَ ينْقَسِمُ إلى طَلاقِ سُنَّةٍ وطَلاقِ بِدْعَةٍ؛ فطَلاقُ البِدْعَةِ، أَنْ يُطَلِّقَها فى حَيْضٍ، أو ثلاثًا فى كلمةٍ واحدةٍ، فإن فَعَلَ، لَزِمَه الطَّلاقُ. ثم
= جعفر كبير طليطلة وفقيهها، كان حافظا، بصيرا بالفتيا والأحكام، صنف كتاب «المقنع فى الوثاق» . توفى سنة تسع وخمسين وأربعمائة. ترتيب المدارك 8/ 145، 146.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اخْتَلَفَ أهلُ العِلْمِ -بعدَ إجْماعِهم على أنَّه مُطَلِّقٌ- كم يَلْزَمُه مِنَ الطَّلاقِ؟ فقال علىٌّ، وابنُ مَسْعُودٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما: يَلْزَمُه طَلْقةٌ واحدةٌ. وقالَه ابنُ عَبَّاسٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما، وقال: قوْلُه: ثلاثًا. لا مَعْنًى له؛ لأنَّه لم يُطَلِّقْ ثلاثَ مرَّاتٍ. وقالَه الزُّبَيْرُ بنُ العَوَّامِ، وعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما، ورَوَيْناه عن ابنِ وَضَّاحٍ (1). وقال به مِن شُيوخِ قُرْطُبَةَ؛ ابنُ زِنْبَاعٍ (2)، وأحمدُ بنُ بَقِىِّ بنِ مَخْلَدٍ (3)، ومحمدُ بنُ عَبْدِ السَّلامِ الخُشَنِىُّ (4) فقِيهُ عَصْرِه، وأَصْبَغُ بنُ الحُبَابِ (5)، وجماعةٌ سِواهم. وقد يُخرَّجُ بقِياسٍ، مِن غيرِ ما مسْأَلَةٍ مِن
(1) محمد بن وضاح بن بزيع القرطبى، أبو عبد اللَّه، من العلماء الذين رحلوا وسمعوا، وبه وببقى بن مخلد صارت الأندلس دار حديث، وكان معلما لأهل الأندلس العلم والزهد، ألف كتاب «العباد» ، و «القطعان» ، وغيرهما. توفى سنة سبع وثمانين ومائتين. ترتيب المدارك 4/ 435 - 440.
(2)
هو محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن كليب ابن زنباع القرطبى، أبو عبد اللَّه يلقب بغلام اللَّه، كان مشاورا فى الفقه وعقد الوثائق. توفى سنة تسع وثلاثمائة. تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضى 2/ 33.
(3)
فى النسخ: «محمد بن بقى» . خطأ. وهو أحمد بن بقى بن مخلد الأندلسى، أبو عبد اللَّه، سمع من أبيه خاصة وهو صغير، وكان زاهدا فاضلا، متفننا، وولى القضاء، وكان ذا سيرة حسنة فيه. توفى سنة أربع وعشرين وثلاثمائة. ترتيب المدارك 5/ 200 - 209.
(4)
محمد بن عبد السلام بن ثعلبة الخشنى القرطبى، أبو عبد اللَّه، سمع من كثير من العلماء، وأدخل الأندلس كثيرا من حديث الأئمة، وكثيرا من اللغة، والشعر الجاهلى رواية، ولم يكن عنده كبير علم بالفقه، إنما كان الغالب عليه حفظ اللغة، ورواية الأحاديث. توفى سنة ست وثمانين ومائتين. تاريخ علماء الأندلس، لابن الفرضى 2/ 16، 17.
(5)
لم نجد له ترجمة، ولعل فى اسمه خطأ.
وَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً، أَوْ آيِسَةً، أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، أَوْ حَامِلًا قَدِ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا، فَلَا سُنَّةَ لطَلاقِهَا وَلَا بِدْعَةَ إِلَّا فى الْعَدَدِ، فَإِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ. أَوْ قَالَ: لِلْبِدْعَةِ، طَلُقَتْ فِى الْحَال وَاحِدَةً.
ــ
«المُدَوَّنَةِ» ، ما يدُلُّ على ذلك. وذكَرَه وعلَّلَ ذك بتَعاليلَ جيِّدَةٍ. انتهى. فوُقوعُ الواحدةِ فى الطَّلاقِ الثَّلاثِ الذى ذكَرْناه هُنا؛ لكَوْنِه طَلاقَ بِدْعَةٍ، لا لكَوْنِ الثَّلاثِ واحدةً.
قوله: وإنْ كانتِ المرأةُ صَغِيرَةً، أو آيسَةً، أو غَيْرَ مَدْخُولٍ بها، أو حامِلًا قد اسْتَبان حَمْلُها، فلا سُنَّةَ لطلاقِها ولا بِدْعَةَ إِلَّا فى العَدَدِ. هذا إحْدَى الرِّواياتِ. قال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الشَّارِحُ: فهؤلاءِ كلُّهُنَّ ليس لطَلاقِهِنَّ سُنَّةٌ ولا بِدْعَةٌ مِن جهَةِ الوَقْتِ، فى قَوْلِ أصحابِنا. انتهى. وقدَّمه فى «النَّظْمِ» . وعنه، لا سُنَّةَ لهُنَّ ولا بِدْعَةَ لا فى العَدَدِ ولا فى غيرِه، وهو المذهبُ. جزَم به فى «الوَجيزِ» ، وصحَّحه فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، وقدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وأَطْلَقَهما فى «المُسْتَوْعِبِ» . وعنه، سُنَّةُ الوَقْتِ تَثْبُتُ للحامِلِ. وهو قوْلُ الخِرَقِىِّ. فلو قال لها: أنتِ طالِقٌ للبِدْعَةِ. طَلُقَتْ بالوَضْعِ؛ لأَنَّ النِّفاسَ زَمَنُ بِدْعَةٍ، كالحَيْضِ. ونقَل ابنُ مَنْصُورٍ، ولا يُعْجِبُنى أن يُطَلِّقَ حائضًا لم يدْخُلْ بها. فعلى الرِّوايةِ الثَّانيةِ -وهى المذهبُ- لو قال لمَنِ اتَّصَفَتْ ببعضِ هذه الصِّفاتِ: أنتِ طالِق للسُّنَّةِ طَلْقَةً، وللبِدْعَةِ طَلْقَةً. وقَع طَلْقَتان، إلَّا أَنْ ينْوِىَ فى غيرِ الآيِسَةِ إذا صارَتْ مِن أَهْلِ ذلك الوَصْفِ، فيُدَيَّنُ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وذكَرَ فى «الواضِحِ» وَجْهًا، أنَّه لا يُدَيَّنُ. وهل يُقْبَلُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فى الحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ على وَجْهَيْن، ذكرَهما القاضى. وأَطْلَقَهما فى «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ،
وَإِنْ قَالَ لِمَنْ لَهَا سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ. فِى طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، طَلُقَتْ فِى الْحَال، وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا، طَلُقَتْ إِذَا طَهُرَتْ، وَإِنْ كَانَتْ فِى طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ، طَلُقَتْ إِذَا طَهُرَتْ مِنَ الْحَيْضَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ.
ــ
و «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» . وظاهرُ كلامِه فى «المُنَوِّرِ» ، أنَّه لا يُقْبَلُ فى الحُكْمِ. والوَجْهُ الثَّانى، يُقْبَلُ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: هذا أشْبَهُ بمذهبِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله؛ لأنَّه فسَّر كلامَه بما يَحْتَمِلُه.
فائدة: لو قالَ لمَن لها سُنَّةٌ وبِدْعَةٌ: أنتِ طالِقٌ طَلْقَةً للسُّنَّةِ، وطَلْقَةً للبِدْعَةِ. طَلُقَتْ طَلْقَةً فى الحالِ، وطَلْقَةً فى ضِدِّ حالِها الرَّاهِنَةِ. قالَه الأصحابُ.
قوله: وإن قال لمَن لها سُنَّة وَبِدْعَةٌ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ. فى طُهْرٍ لم يُصِبْها فيه،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
طَلُقَتْ فى الحالِ. بلا نِزاعٍ.
وظاهرُ قوْلِه: وإن كانت حائِضًا، طَلُقَتْ إذا طَهُرَتْ. سَواءٌ اغْتَسَلَتْ أَوْ لا، وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قال فى «البُلْغَةِ»: هذا أصحُّ الوَجْهَيْن.
وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ. وَهِىَ حَائِضٌ أَوْ فِى طُهْرٍ أَصَابَهَا
ــ
قال الزَّرْكَشِىُّ: هذا المذهبُ. وقدَّمه فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، ونَصَراه، والزَّرْكَشِىُّ، وهو ظاهرُ كلإمِ الخِرَقِىِّ. وقيل: لا تَطْلُقُ حتى تغْتَسِلَ. اختارَه ابنُ أبى مُوسى. قال الزَّرْكَشِىُّ: ولعَلَّ مَبْنَى القَوْلَيْن، على أنَّ العِلَّةَ فى المنْعِ مِن طَلاقِ الحائضِ، إنْ قيل: تَطْويلُ العِدَّةِ. وهو المَشْهورُ، أُبِيحَ الطَّلاقُ بمُجرَّدِ الطُّهْرِ، وإنْ قيلَ: الرَّغْبَةُ عنها. لم تُبَحْ رَجْعَتُها (1) حتى تغْتَسِلَ؛ لمَنْعِها منها قبلَ الاغْتِسالِ. انتهى. ويأْتِى فى بابِ الرَّجْعَةِ ما يَقْرُبُ مِنْ ذلك، وهو ما إذا طَهُرَتْ مِن الحَيْضَةِ الثَّالثةِ ولم تَغْتَسِلْ، هل له رَجْعَتُها، أمْ لا؟
قوله: وإن قال لها: أنتِ طالِقٌ للبِدْعَةِ. وهى حائِضُ أو فى طُهْرٍ أَصابَها فيه،
(1) سقط من: الأصل، ط.
فِيهِ، طَلُقَتْ فِى الْحَالِ. وَإِنْ كَانَتْ فِى طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ طَلُقَتْ إِذَا أَصَابَهَا أَوْ حَاضَتْ.
ــ
طَلُقَتْ فى الحالِ. وإنْ كانتْ فى طُهْرٍ لم يُصِبْها فيه، طَلُقَتْ إذا أَصابَها أو حاضَتْ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. لكِنْ يَنْزِعُ فى الحالِ بعدَ إيلاجِ الحَشَفَةِ؛
وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلاثًا لِلسُّنَّةِ. طَلُقَتْ ثَلَاثًا فِى طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ، فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. وَفِى الْأُخْرَى، تَطْلُقُ فِيهِ وَاحِدَةً، وَتَطْلُقُ الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ فِى طُهْرَيْنِ فِى نِكَاحَيْنِ إِنْ أَمْكَنَ.
ــ
لوُقوعِ طَلاقٍ ثَلاثٍ عَقِيبَ ذلك، فإنِ اسْتَدامَ ذلك؛ حُدَّ العالِمُ، وعُذِرَ الجاهِلُ. قالَه الأصحابُ. وقال فى «المُحَرَّرِ»: وعندِى أنَّها تَطْلُقُ طَلْقَتَيْن فى الحالِ، إذا كان زَمَنَ السُّنَّةِ، وقُلْنا: الجَمْعُ بِدْعَةٌ؛ بِناءً على اختِيارِه مِن أنَّ جَمْعَ طَلْقَتَيْن بِدْعَةٌ.
قوله: وإنْ قال لها: أَنتِ طالِقٌ ثلاثًا للسُّنَّةِ. طَلُقَتْ ثلاثًا فى طُهْرٍ لم يُصِبْها فيه، فى إحْدى الروايَتَيْن. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: هذا المَنْصوصُ عن الإِمامِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أحمدَ، رحمه الله، وصحَّحهِ فى «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» ، وجزَم به فى «الوَجيزِ» . وقدَّمه فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «الرِّعايتَيْن» . وفى الأُخْرَى، تَطْلُقُ فى الحالِ واحدةً، وتَطْلُقُ الثَّانِيةَ والثَّالثةَ فى طُهْرَيْن فى نِكاحَيْن إن أمْكَنَ، [واخْتارَها جماعةٌ](1) وعنه، تَطْلُقُ ثلاثًا فى ثلاثَةِ أطْهارٍ لم يُصِبْها فِيهِنَّ. [وهو ظاهِرُ ما قدَّمه فى «الفُروعِ»](1). وأطْلقَهُنَّ فى «المُحَرَّرِ» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» .
تنبيه: قال القاضى، وأبو الخَطَّابِ فى «الهِدايَةِ» ، وابنُ الجَوْزِىِّ فى «المُذْهَبِ» ، والسَّامَرِّىُّ «المُسْتَوْعِبِ» ، وغيرُهم: وُقوعُ الثَّلاثِ فى طُهْرٍ لم يُصِبْها فيه، مَبْنِىٌّ على الرِّوايةِ التى قال فيها: إنَّ جَمْعَ الثَّلاثِ يكونُ سُنَّةً. فأمَّا على الرِّوايةِ الأُخْرَى، فإذا طَهُرَتْ، طَلُقَتْ واحدةً، وتَطْلُقُ الثَّانيةَ والثَّالثةَ فى نِكاحَيْن آخرَيْن أو بعدَ رَجْعَتَيْن. وقد أَنْكَرَ الإِمامُ أحمدُ، رحمه الله، هذا القَوْلَ،
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فَقال فى رِوايةِ مُهَنَّا: إذا قال لامْرأَتِه: أنتِ طالِقٌ ثلاثًا للسُّنَّةِ. قد اخْتَلَفُوا فيه؛ فمنهم مَن يقولُ: تقَعُ عليها السَّاعَةَ واحدةٌ، فلو راجَعَها تقَعُ عليها تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى، وتكونُ عندَه على أُخْرَى. وما يُعْجِبُنِى قوْلُهم هذا. قال القاضى، وأبو الخَطَّابِ: فيَحْتَمِلُ أنَّ الإِمامَ أحمدَ، رحمه الله، أوْقَعَ الثَّلاثَ؛ لأَنَّ ذلك عندَه سُنَّةٌ، ويَحْتَمِلُ أنَّه أوْقَعَها لوَصْفِه الثَّلاثَ بما لا تتَّصِفُ به، فأَلْغِى الصِّفَةَ، وأوْقَع الثَّلاثَ، كما لو قال لحائضٍ: أنتِ طالِقٌ فى الحالِ للسُّنَّةِ. وقال فى رِوايةِ أبى الحارِثِ، ما يدُلُّ على هذا، فإنَّه قال: يقَعُ عليها الثَّلاثُ، ولا مَعْنَى لقوْلِه: للسُّنَّةِ. قال ابنُ مُنَجَّى فى «شَرْحِه» : وفى هذا الاحْتِمالِ نظَرٌ؛ لأنَّه لو أَلْغَى قوْلَه: للسُّنَّةِ. وَجَبَ أَنْ تَطْلُقَ فى الحالِ؛ حائِضًا كانت أو طاهِرًا، مُجامَعَةً أو غيرَ مُجامَعَةٍ؛ لأنَّه إذا أَلْغَى قوْلَه: للسُّنَّةِ. بَقِىَ: أنتِ طالِقٌ. وهو مُوجِبٌ لِمَا ذكَرَه. ولقائلٍ أن يقولَ: إنَّ وُقوعَ الثَّلاثِ يُمْكِنُ تَخْريجُه على غيرِ ذلك، وهو أنَّه لمَّا كانتِ البِدْعَةُ على ضَرْبَيْن؛ أحدُهما، مِن جهَةِ العَدَدِ، والأُخْرَى، مِن جِهَةِ الوَقْتِ، فحيث جَمَع الزَّوْجُ بينَ الثَّلاثِ وبينَ السُّنَّةِ، كان ذلك قرِينَةً فى إرادَتِه السُّنَّةَ مِن حيث الوَقْتِ، لا مِن حيثُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
العَدَدِ، فلا تُلْحَظُ فى الثَّلاثِ السُّنَّةُ؛ لعدَمِ إرادَتِه له، ويصِيرُ كما لو قال: أنتِ طالِقٌ ثلاثًا. وتُلْحَظُ السُّنَّةُ فى الوَقْتِ؛ لإرادَتِه له، فلا تَطْلُقُ إلَّا فى طُهْرٍ لم يُصِبْها فيه. انتهى.
فائدة: لو قال لمَن لها (1) سُنَّةُ وبِدْعَةٌ: أنتِ طالِقٌ ثلاثًا؛ نِصْفَها للسُّنَّةِ، ونِصْفَها للبِدْعَةِ. طَلُقَتْ طَلْقَتَيْن فى الحالِ، وطَلُقَتِ الثَّالثةَ فى ضِدِّ حالِها الرَّاهِنَةِ، وهذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. اختارَه القاضى. قال فى «الفُروعِ»: هذا الأصحُّ. وجزَم به فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» . وقدَّمه فى «الرِّعايتَيْن» ، و «النَّظْمِ» ، وهو ظاهرُ ما قدَّمه فى «المُحَرَّرِ» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ». وقال ابنُ أبى مُوسى: تَطْلُقُ الثَّلاثَ فى الخالِ؛ لتَبْعيضِ كلِّ طَلْقَةٍ. انتهى. وكذا
(1) سقط من: الأصل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لو قال: أنتِ طالِقٌ ثلاثًا للسُّنَّةِ والبِدْعَةِ. وأَطْلَقَ. ولو قال: طَلْقَتان للسُّنَّةِ، وواحِدَةٌ للبدْعَةِ. أو عَكْسُه، فهو على ما قالَ، فإن أَطْلَقَ، ثم قال: نَوَيْتُ ذلك. إنْ فسَّر نِيَّتَهَ بما يُوقِعُ (1) فى الحالِ، طَلُقَتْ، وقُبِلَ قوْلُه؛ لأنَّه يقْتَضِى الإِطْلاقَ،
(1) فى أ: «يقع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لأنَّه غيرُ مُتَّهَمٍ فيه، وإنْ فسَّرَها بما يُوقعُ طَلْقة واحدةً، ويُؤَخِّرُ اثْتَنيْن، دُيِّنَ، ويُقْبَلُ فى الحُكمِ، على الصَّحيحِ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: هذا أَظْهَرُ. وقيل: لا يقبَلُ فى الحُكمِ؛ لأنَّه فسَّر كلامَه بأخَفَّ ممَّا يلْزَمُه حالَةَ الإطْلاقِ. وأطلَقهما فى «الفُروعِ» . ولو قال: أنتِ طالِقٌ ثلاثًا؛ بعْضَهُنَّ للسُّنَّةِ، وبعْضَهُنَّ للبِدْعَةِ. طَلُقَتْ فى الحالِ طَلْقَتَيْن، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه فى «المغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايَةِ» . ويَحْتَمِلُ أن تَقَعَ طَلْقَة، وتتأَخَّرَ اثْنَتانِ إلى الحالِ الأُخْرَى.
وَإِنْ قَالَ لَهَا: أنْتِ طَالِقٌ فِى كُلِّ قَرْءٍ طَلْقَةً. وَهِىَ مِنَ اللَّائِى لَمْ يَحِضْنَ، لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ، فَتَطْلُقُ فِى كُلِّ حَيْضَةٍ طَلْقَةً. وَإِنْ قُلْنَا: الأَقْرَاءُ الأَطْهَارُ. فَهَلْ تَطْلُقُ طَلْقَةً فِى الْحَالِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ. وَيَقَعُ بِهَا الْبَاقِى فِى الأَطْهَارِ الْبَاقِيَةِ.
ــ
قوله: وإن قال لها: أنتِ طالِقٌ فى كُل قَرْء طَلْقَةً. وهى من اللَّاِئى لم يَحِضْنَ، لم تَطْلُقْ حتى تَحِيضَ، فتَطْلُقُ فى كُلِّ حَيْضَةٍ طَلْقَةً. بلا نِزاعٍ، لكِنْ تُسْتَثْنَى الحائضُ التى لم يُدْخَلْ بها. والصَّحيحُ مِن المذهبِ، أن القَرْءَ هو الحَيْضُ. على ما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يأْتِى فى بابِ العِدَدِ.
قوله: وإن قلنا: القُرُوءُ الأَطْهارُ. وهى طاهِر طَلُقتْ فى طُهْرِها، هذا بلا خِلافٍ أعْلَمُه. وإن كانتْ مِن اللائى لم يَحِضْنَ وقلنا: القُروءُ الأطْهارُ، وهى مسْألةُ المُصَنِّفِ، فهل تَطْلُقُ فى الحَالِ طَلْقةً؟ أَطْلَق المُصَنِّفُ فيه وَجْهَيْنِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأَطْلَقهما فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَيْن» ، و «الحاوِى الصَّغِيرِ» ، و «الفُروعِ» ؛ أحَدُهما، تَطْلُقُ فى الحالِ طَلْقَةً، وهو المذهبُ. جزَم به فى «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوك الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصةِ» ، و «البُلْغَةِ» . والوَجْهُ الثَّانى، لا تَطْلُقُ إلَّا فى طُهْرٍ بعدَ حَيْض مُتَجدِّدٍ.
فوائد؛ إحْداها، حُكْمُ الحامِلِ كحُكمِ اللَّائِى لم يَحِضْنَ، على ما تقدَّم. وأمَّا الآيِسَةُ، فتَطْلُقُ طَلْقَةً واحدةً على كلِّ حالٍ. قالَه القاضى، واقْتَصَرَ عليه المُصنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما.
وَإِنْ قَالَ لَهَا: أنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنَ الطَّلاقِ -أَوْ- أجْمَلَهُ. فَهُوَ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ.
ــ
الثَّانيةُ، قولُه: وإن قال: أنتِ طَالِقٌ أحْسَنَ الطَّلاقِ وأجْمَلَه. فهو كقَوْلِه: أَنْتِ طالِقٌ للسُّنَّةِ. وكذا قوْلُه: أقْرَبَ الطَّلاقَ، وأعْدَلَه، وأكْمَلَه، وأفْضَلَه، وأَتَمَّه، وأسَنَّه. ونحوُه. وكذا قولُه: طَلْقَةً جليلَةً، أو سَنِيَّةً. ونحوُه.
وإنْ قَالَ لَهَا: أَقْبَحَ الطَّلاقِ -أو- أَسْمَجَهُ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: للْبِدْعَةِ. إِلَّا أَنْ يَنْوِىَ: أَحْسَنُ أَحْوَالِكِ أَوْ أقْبَحُهَا أَنْ تَكُونِى مُطَلَّقَةً، فَيَقَعُ
ــ
وإنْ قال: أَقْبَحَ الطَّلاقِ وأَسْمَجَه. وكذا: أَفْحَشَ الطَّلاقِ، أو أرْدَأَه، أو أَنْتَنَه. ونحوُه. فهو كقوْلِه: للبِدْعَةِ.
إلَّا أَنْ يَنْوىَ أحْسَنَ أحْوالِك أو أقْبَحَها، أَنْ تَكونى مُطَلَّقَةً، فيقَعَ فى الحالِ. بلا
فِى الْحَالِ.
وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً حَسَنَةً قَبِيحَةً. طَلُقَتْ فِى الْحَالِ.
ــ
نِزاعٍ. لكِنْ لو نوَى بأَحْسَنِه زَمَنَ البِدْعَةِ؛ لشَبَهِه بخُلُقِها القَبِيحِ، أو بأَقْبَحِه، زَمَنَ السُّنَّةِ؛ لقُبْحِ عِشْرَتِها ونحوِه، ففى الحُكْمِ وَجْهان. وأَطْلَقهما فى «الفُروعِ» ، وأطْلَقَهما أيضًا فى «المُغْنِى» ، و «الشَّرْحِ». قال فى «الرِّعايَةِ الكُبْرى»: وقيل: إنْ قال فى أَحْسَنِ الطَّلاقِ ونحوِه: أرَدْتُ طَلاقَ البِدْعَةِ. وفى أقْبَحِ الطَّلاقِ ونحوِه: أرَدْتُ طَلاقَ السُّنَّةِ. قُبِلَ قوْلُه فى الأَغْلَظِ عليه، ودُيِّنَ فى الأخَفِّ. وهل يُقْبَلُ حُكْمًا؟ خُرِّج فيه وَجْهان. انتهى.
الثَّالثةُ، قولُه: وإن قال: أنتِ طالِقٌ طَلْقَةً حَسَنَةً قَبِيحَةً. طَلُقَتْ فى الحالِ. وكذلك لو قال: أنتِ طالِقٌ فى الحالِ للسُّنَّةِ. وهى حائضٌ، أو قال: أنتِ طالِقٌ للبِدْعَةِ فى الحالِ. وهى فى طُهْر لم يُصِبْها فيه، بلا نِزاعٍ فيهما.