المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب السادس«باب المعرفة والنكرة» - شرح التسهيل = تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد - ق ١ - جـ ٢

[بدر الدين الدماميني]

الفصل: ‌الباب السادس«باب المعرفة والنكرة»

‌الباب السادس

«باب المعرفة والنكرة»

ولم يتعرض المصنف لتعريفهما لما سنذكره عنه بعد هذا إن شاء الله تعالى.

«[الاسم معرفة ونكرة] ، فالمعرفة مضمر» نحو: أنا وأنت وهو.

«وعلم» شخصي نحو: زيد، وجنسي نحو: أسامة. لكن المصنف يرى أن علم الجنس معرفة لفظًا لا معنى. «ومشار به» نحو: ذا وذي [وذاك] وتلك. «ومنادى» وأغفله أكثرهم، والمراد به نحو: يا رجل، لا نحو يا رجلًا، فإنه نكرة ولا نحو: يا زيد فإنه معرفة بغير النداء على الصحيح المختار

ص: 7

عند المصنف، وازداد بالنداء وضوحًا. «وموصول» نحو: الذي والتي وتعريفه، بالعهد الذي في صلته كما ستعرفه، والأخفش يرى أن تعريف (الذي) بـ (أل)، ونحو: من وما بأنه في معنى ما فيه أل، و (أي) بالإضافة، فعلى هذا المذهب لا يعد الموصول قسيمًا لذي الأداة، ولا للمضاف «ومضاف» نحو: غلامك وغلام زيد وغلام هذا / وغلام الذي في الدار وغلام الرجل.

«وذو أداة» نحو: الفرس وامْ حمار «وأعرفها» - عند المصنف - «ضمير المتكلم» نحو: أنا، لأنه يدل على المراد بنفسه، وبمشاهدة مدلوله، وبعدم صلاحيته لغيره، وبتميز صوته. «ثم ضمير المخاطب» نحو: أنت؛ لأنه يدل على المراد بنفسه وبمواجهة مدلولة «ثم العلم» لأنه يدل على المراد حاضرًا وغائبًا على سبيل الاختصاص، وحقه أن يقول الشخصي، وفي بعض النسخ:(ثم العلم الخاص)«ثم ضمير الغائب [السالم] عن إبهام» نحو: زيد رأيته، بخلاف [نحو]: جاءني زيد وعمرو فأكرمته، فإنه تطرق إليه [إبهام]؛ لاحتمال عوده إلى الأول وإلى الثاني فنقص اختصاصه لذلك.

ص: 8

قلت: وفيه نظر؛ لأنه إما أن يكون ثم دليل يدل على عوده إلى الأول أو لا، فإن وجد الدليل [على ذلك] فلا إبهام وإلَّا فهو للأقرب حتمًا فلا إبهام.

وقال بعض النحاة: إن ضمير النكرة نكرة، لأنه لا يدل على خاص بعينه.

قال ابن قاسم: والصحيح أنه معرفة، لأنه يخصصه من حيث هو مذكور.

قلت: إنما يتم هذا إذا كان المنكر المعود إليه مخصوصًا قبل بحكم نحو: جاءني رجل فأكرمته، أما إذا لم يختص بشيء قبله نحو ربه رجلًا ويا لها قصة، ورب رجل وأخيه، فينبغي أن يكون نكرة. «ثم المشار به والمنادى» كلاهما في مرتبة واحدة؛ لأن تعريف كل منهما بالقصد، وفي بعض النسخ بعد قوله والمنادى ما نصه: وتعريفه بالقصد لا بحرف التعريف منويًا خلافًا لبعضهم. «ثم [الموصول] وذو الأداة» كلاهما أيضًا في مرتبة واحدة عنده، لأن تعريف كل منهما بالعهد فحقه أن يقول: ذو الأداة العهدية. وفي بعض النسخ: ثم ذو الأداة. فجعله بعد الموصول. هذا هو التفصيل الذي ذهب إليه المصنف في ترتيب المعارف، ومذهب الأئمة الأقدمين أن أعرفها الضمير. وقال الصيمري: العلم. ونسب إلى سيبويه والكوفيين.

ص: 9

وقال ابن السراج: اسم الإشارة.

وقيل: ذو الأداة. ولم يقل أحد: المضاف؛ لأن تعريفه إنما يكون بواحد من هذه الأشياء حين يضاف إليه، فاستحال أن يقال بذلك فيه إذ لا يكون المضاف أعرف من الشيء الذي تعرف به «والمضاف بحسب ما يضاف إليه» فعلى هذا يكون المضاف إلى الضمير في مرتبة الضمير وهو شيء ذهب إليه بعض النجاة، ومذهب الأندلسيين أن المضاف في مرتبة المضاف إليه، إلا المضاف إلى مضمر، فإنه في مرتبة العلم، وهو مذهب سيبويه وذهب [المبرد] إلى أن المضاف دون ما أضيف إليه مطلقًا ورد بنحو قوله تعالى:{ووعدناكم جانب الطور الأيمن} والنعت لا يكون أخص. «وقد يعرض للمفوق ما يجعله مساويًا» نحو: سلام على من نزلت عليه سورة البقرة، سلام على من سجدت له الملائكة، فإن الموصول فيهما بمنزلة [الاسم] العلم. وقال النحويون: إنما قالت العرب: وامن حفر بئر زمزماه. لأنه مثل واعبد المطلباه.

ص: 10

«أو فائقًا» إن أراد فائقًا لما قبله فالمساوي أيضًا فائق لما قبله إذا كان بينهما مرتبة أو أكثر فينبغي أن يريد أو فائقًا المراتب كلها، فلا يمثل له إلَّا بما فاق الضمير، فعلى هذا تحسن المقاسمة، ويكون المساوي نوعين: ما ساوى ما قبله بلا تخلل مرتبة بينهما، وما تخلله ذلك؛ إذ المعنى: مساويًا لما فوقه، والعبارة صادقة على النوعين، والذي يفوق المراتب نوع واحد، وذلك مثل:{أنا يوسف} فالعلم هنا أعرف من ضمير المتكلم، وكذا قول من / طرق بابًا فقيل له: من أنت؟ فقال: فلان. فهو أعرف من أن يقول: أنا وتقول لرجلين أتياك دون ثالث: لك مني محبة، بل لك. فإنهما لا يعرفان من أردت حتى يقترن بلفظ مواجهة أو نحو ذلك، ولو قلت: الذي جاء [منكما] أولًا أو الكبير منكما. لعلم من أردت، فالمعرف بالأداة والموصول هنا قد فاقا ضمير المخاطب.

«والنكرة ما سوى المعرفة» سلك في تبيين المعرفة والنكرة هذه الطريقة فذكر أقسام المعرفة ثم جعل النكرة ما عداها، وذلك أنه رأى تمييزهما بالتعريف عسرًا، فقال: في الشرح ما حاصله: من تعرض لحدَّ المعرفة عجز عن الوصول إليه دون استدراك عليه؛ لأن منهما ما هو معرفة معنى نكرة لفظًا، نحو: عام أول وأول من أمس، وعكسه كأسامة، وما فيه الوجهان كالواحد أمه وعبد بطنه، فأكثر العرب يجعلهما معرفة وبعضهم يجعلهما نكرة، وينصبهما على الحال، وكذا ذو (أل) الجنسية فيه الوجهان؛ ولذلك ينعت نعت

ص: 11

المعرفة تارة ونعت النكرة أخرى، فأحسن ما تبين به أن نذكر أقسام المعرفة، ثم نقول: وما سوى ذلك نكرة انتهى. وهو كما ترى كلام ظاهري خال عن التحقيق. وقد قرر بعض الفضلاء في هذا المعنى كلامًا نفيسًا يشتمل على بيان المعرفة والنكرة وتمييز أقسام المعرفة بعضها عن بعض، فقال:

التعريف يقصد به عند السامع من حيث هو معين كأنه أشير إليه بذلك الاعتبار، وأما النكرة فيقصد بها التفات النفس إلى المعين من حيث ذاته، ولا يلاحظ فيه تعينه وإن كان معينًا في نفسه لكن بين مصاحبة التعيين وملاحظته فرق جلي، ومهد في تصوير ذلك مقدمة: هي أن فهم المعاني من الألفاظ بمعونة الموضع والعلم به فلابد أن تكون المعاني مقصودة ممتازًا بعضها عن بعض عند السامع، فإذا دل باسم على معنى فإما أن يكون بذلك الاعتبار، أي كون المعنى معينًا عند السامع متميزًا في ذهنه ملحوظًا معه أولا، فالأول يسمى معرفة والثاني نكرة. ثم قال: الإشارة إلى تعين المعنى وحضوره إن كانت بجوهر اللفظ سمي علمًا إما جنسيًا إن كان المعهود الحاضر جنسًا وماهية كأسامة أو شخصيًا إن كان فردًا منها كزيد أو أكثر: كـ (أبانين) وإن

ص: 12

لم تكن بجوهر اللفظ فلابد من أمر خارج عنه مشار به إلى ذلك مثل: الإشارة في أسماء الإشارة، وكقرينة التكلم والخطاب والغيبة في الضمائر، وكالنسبة المعلومة من جملة وغير جملة في الموصولات والمضاف إلى المعارف، وكحرفي اللام والنداء في المعرفات بهما، فظهر أن معنى التعريف مطلقًا هو العهد في الحقيقة، لكنه جعل أقسامًا خمسة بحسب تفاوت ما يستفاد منه، ويسمى كل قسم باسم مخصوص، وأن الأعلام الجنسية - وإن كانت قليلة - أعلام حقيقة كالأعلام الشخصية، إذ في كل منهما إشارة بجوهر اللفظ إلى حضور المسمى في الذهن قال سيبويه: إذا قلت أسامة فكأنك قلت: الضرب الذي من شأنه كيت وكيت. وأن الفرق بين أسامة وأسد إذا كان موضوعًا للجنس من حيث هو بحسب الإشارة وعدمها كما سبق، وأما الأسد فالإشارة فيه بالآلة دون جوهر اللفظ انتهى.

وقال ابن الحاجب في الكافية: المعرفة ما وضع لشيء بعينه. وذكر أقسامها ثم قال: والنكرة ما وضع لشيء لا بعينه.

قال الرضي قوله بعينه احترازًا / من النكرات، ولا يريد به أن الواضع قد قصد في حال وضعه واحدًا معينًا، إذ لو أراد ذلك لم يدخل فيه إلا الأعلام أو الضمائر، والمبهمات وذو اللام والمضاف إلى أحدها تصلح لكل معنى قصده المستعمل، فالمعنى ما وضع ليستعمل في واحد بعينه سواء كان ذلك

ص: 13

الواحد مقصود الواضع كما في الأعلام أو لا كما في غيرهما، ولو قال: ما وضع لاستعماله في شيء بعينه لكان أصرح. هذا نصه، يعني أن المعتبر في المعرفة هو التعين عند الاستعمال دون الوضع ليندرج فيه الأعلام الشخصية وغيرها من المضمرات والمبهمات وسائر المعارف فإن لفظة (أنا) مثلًا لا تستعمل إلَّا في أشخاص معينة؛ إذ لا يصح أن يقال:(أنا) ويراد به متكلم لا بعينه، وليست موضوعة لواحد منها، وإلَّا لكانت في غيره مجازًا، ولا لكل واحد منها، وإلَّا لكانت مشتركة موضوعة أوضاعًا بعدد أفراد المتكلم، فوجب أن تكون موضوعة لمفهوم كلي شامل لكل الأفراد، ويكون الغرض من وضعها له استعمالها في أفراده المعينة دونه.

وقد أولع كثير من الفضلاء بهذا البحث والظاهر ما أفاده بعض الحذاق: من أنها موضوعة لكل معين منها وضعًا واحدًا عامًا، فلا يلزم كونها مجازًا في شيء منها ولا الاشتراك، ولا تعدد الأوضاع. ولو صح ما ذكروه لكان: أنا، وأنت، وهذا، مجازات لا حقائق لها، إذ لم تستعمل فيما وضعت هي له من المفهومات الكلية، ولا يصح استعمالها [في شيء] منها أصلًا، وهذا مستبعد جدًا، وكيف لا ولو كانت كذلك لما اختلف أئمة اللغة في عدم استلزام المجاز الحقيقة، ولما احتاج من نفى الاستلزام إلى التمسك في ذلك بأمثلة نادرة فتفهم. «وليس ذو الإشارة قبل العلم خلافًا للكوفيين» ، فإنهم قدموه

ص: 14

على العلم مستدلين بأن اسم الإشارة ملازم للتعريف بخلاف العلم، وبأنه يقدم عليه عند الاجتماع، نحو: هذا زيد. ولا دليل في ذلك، لأن المعتبر إنما هو زيادة الوضوح، والعلم أزيد وضوحًا، لا سيما علم لم تعرض فيه شركة، نحو: إسرافيل وطالوت كذا قال المصنف، والذي نقله الرضي عن الكوفيين غير هذا فإنه قال: ومذهب الكوفيين أن الأعرف العلم ثم المضمر ثم المبهم ثم ذو اللام. ولعلهم نظروا إلى أن العلم حين وضع لم يقصد فيه إلَّا مدلول واحد معين بحيث لا يشاركه في اسمه ما يماثله وإن اتفقت مشاركة فبوضع ثانٍ بخلاف سائر المعارف إلى هنا كلامه. «ولا ذو الأداة قبل الموصول، ولا من وما المستفهم بهما معرفتين خلافًا لابن كيسان في المسألتين» أما المسألة الأولى فقد استدل عليها بقوله تعالى: {قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى} إذ الصفة إما مساوية أو دون الموصوف ولا قائل بالمساواة] / فثبت الثاني.

وأجاب المصنف: بأن (الذي) بدل أو مقطوع، و (الكتاب) علم بالغلبة، لأن المعنيين بالخطاب بنو إسرائيل، وقد غلب عندهم الكتاب على التوراة فالتحق بالأعلام. وهذا تسليم من المصنف أنه لا قائل بالمساواة بين الموصول وذي الأداة، وهو خلاف ما هو منصوص له في هذه النسخة، وعليها أكثر النسخ وأما المسألة الثانية فمستنده فيها تعريف جوابهما، نحو: من

ص: 15

عندك؟ فتقول: زيد. وما دعاك إلى كذا؟ فتقول: لقاؤك. والجواب يطابق السؤال، وهو ضعيف جدًا؛ لأن تطابقهما غير لازم ولا نزاع في أنه يصح أن تقول: في (من عندك؟ ): رجل من بني فلان. وفي (ما دعاك إلى كذا؟ ): أمر مهم.

وأيضًا فهما قائمان مقام: أي إنسان. وأي شيء؟ وهما نكرتان، فكذا ما قام مقامهما، وأيضًا فالأصل هو التنكير كذا قال المصنف.

ص: 16