المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب التاسع«باب الموصول» - شرح التسهيل = تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد - ق ١ - جـ ٢

[بدر الدين الدماميني]

الفصل: ‌الباب التاسع«باب الموصول»

‌الباب التاسع

«باب الموصول»

اسمًا كان أو حرفًا.

«وهو» أي الموصول «من الأسماء» أي حالة كونه من الأسماء فهو في محل نصب على الحال.

فإن قلت: لا يصح وقوع الحال من المبتدأ على الصحيح؟

قلت: (هو) ليس بمبتدأ في الأصل؛ إذ التقدير: وتفسيره من الأسماء، فذو الحال ضمير مضاف إليه، لكن حذف المضاف لدلالة المقام عليه؛ إذ هو بصدد التفسير والبيان، وأقيم المضاف إليه مقامه، فارتفع الضمير وانفصل، بعد أن كان مخفوضًا متصلًا. وهذا التقدير: ينتفع به في مثل قولهم: الإعراب في اللغة البيان، الكلمة في الاصطلاح لفظ وضع لمعنى مفرد، إذ ليس ثم ما يتعلق به الجار والمجرور، وبهذا التقدير يصح التركيب، ويمكن أن يكون قوله (من الأسماء) حالًا من ضمير منصوب محذوف، والتقدير: أعنيه من الأسماء. والجملة معترضة بين المبتدأ والخبر؛ لبيان المراد بالمبتدأ، والتقدير الأول

ص: 175

أحسن. ولا يصح أن يكون قوله (من الأسماء) حالًا من الضمير المستكن في (افتقر) لأن (ما) من قوله: (ما افتقر) إما موصولة أو موصوفة، ولا يصح تقديم معمول الصلة ولا الصفة على الموصول أو الموصوف. «ما افتقر» جنس يشمل الموصولات وغيرها مما يفتقر. «أبدًا» لا في حال دون حال، وهو / فصل أخرج النكرة الموصوفة بالجملة، فإنها حال وصفها لها مفتقرة إليها، وتنفك عن الافتقار في حالة عدم الوصف أصلًا، وفي حالة الوصف بمفدر.

وفي شرح ابن قاسم ما معناه: أن الجملة الموصوف بها في تأويل المفرد. فلا يصدق على النكرة أنها افتقرت إلى جملة. وهو متعقب بأنها جملة قطعًا، وكونها في تأويل المفرد لا يخرجها عن تسميتها جملة.

«إلى عائد» يخرج الموصول الحرفي وإذ وإذا وحيث وضمير الشأن. وقال أبو حيان وتبعه تلميذه ابن قاسم: إن الموصول الحرفي خرج بقوله (من الأسماء).

قلت: وفيه نظر؛ لأن قوله (من الأسماء) ليس فصلًا وقع في التعريف حتى يكون مخرجًا، وإنما هو قيد في حيز المعرف بفتح الراء كما قررناه آنفًا، وما ذلك إلا بمثابة أن يقال: الكلمة اسمًا لفظ وضع لمعنى مفرد. فينتقض بالفعل والحرف، فيجاب بأنهما خرجا بقولك (اسمًا) ومثله لا يسمع.

فإن قلت: وأيضًا فقوله (إلى عائد) مخرج للموصول الحرفي، فلو خرج أولًا بقوله (من الأسماء) لكان محض تكرار لا فائدة فيه؟

قلت: ليس قوله (إلى عائد) مقصورًا على إخراج الموصول الحرفي، بل

ص: 176

يخرجه ويخرج غيره مما ذكرناه قبل، فلا بأس إذن، والمعتمد في الرد هو ما قلناه أولًا. «أو خلفه» أي خلف العائد، والمراد بالعائد الضمير، نحو: الذي قام أبوه زيد، وبخلفه الظاهر كقوله:

أيا رب ليلى أنت في كل موطن

وأنت الذي في رحمة الله أطمع

فالاسم الشريف خلف عن ضمير يعود إلى (الذي)، لكن قال أبو علي في التذكرة: من الناس من لا يجيز هذا، وقال بعضهم: هذا لم يجزه سيبويه في خبر المبتدأ، فأحرى أن لا يجيزه في الصلة.

«وجملة صريحة» : إما اسمية: نحو: الذي هو قائم. أو فعلية، نحو الذي ذهب غلامه. «أو مؤولة» نحو: الذي عندك، والذي في الدار، والقائم، وفي العبارة قلق؛ فإن الذي في هذه الأمثلة الثلاثة ليس جملة أولت بشيء آخر، والصواب أن يقول: وجملة ملفوظ بها أو مقدرة أو إلى مفرد مؤول بجملة فالأول - نحو: الذي قام أبوه. والثاني - نحو الذي في الدار. والثالث - نحو: القائم والقاعد. «غير طلبية» وأما قوله:

ص: 177

وإني لرام نظرة قبل التي

لعلي وإن شطت نواها أزورها

فالصلة (أزورها) و (لعل) محذوفة الخبر، والجملة معترضة، أو الصلة قول محذوف مثل:(وجدت الناس أخبر تقله) أي مقولا فيهم ذلك، ومفعول (أخبر) محذوف، أي أخبره، والهاء في (تقله) هاء السكت أو ضمير أفرد نظرًا إلى لفظ الناس، أو كل واحد، و (أخبر) فعل

ص: 178

أمر، من قولك: خبرت الشيء أخبره خبرًا - بالضم - وخبرة - بالكسرة أي - بلوته واختبرته، و (تقله) مضارع مجزوم على أنه جواب الأمر، أي تبغضه تقول: قلاه يقليه ويقلاه، بمعنى أبغضه.

قال الميداني: يجوز رفع الناس على الحكاية، ومن نصبه فقد نصبه بـ (أخبر) و (وجدت) بمعنى عرفت، أي وجدت الأمر كذلك، بمعنى عرفت هذه القصة وتحققتها.

وهذا المثل من كلام أبي الدرداء رضي الله عنه. «ولا إنشائية» كبعت واشتريت.

فإن قلت: يرد نحو {وإن منكم لمن ليبطئن} فإن القسم وجوابه صلة أو صفة.

قلت: الموصول [به] في الحقيقة إنما هو جملة جواب القسم، وهي

ص: 179

خبرية، وأما [جملة] القسم وإن كانت إنشائية فليست مذكورة لذاتها، بل لتقوية الجملة وتأكيدها.

وفي كلام المصنف جعل الطلب قسيمًا للإنشاء، وإنما هو قسم منه، قال ابن هشام: ويرد على طرد [هذا] التعريف / (من) الواقعة نكرة موصوفة.

قلت: يعني لكونها مفتقرة أبدًا إلى العائد والصفة، (وليس بشيء لأنا لا نسلم افتقار (من) النكرة دائمًا إلى ذلك لجواز وقوعها تامة غير موصوفة بشيء، كما صرح به الفارسي، ولو سلم افتقارها حالة كونها موصوفة إلى العائد والصفة) فلا نسلم أنه يلزم كون الصفة جملة لجواز: مررت بمن معجب لك. وقد عرفت فيما تقدم أن الموصول تعرف [صفته] بالعهد الذي في صلته على معنى أن وضعها أن يطلقها المتكلم على ما تقرر علمه عند المخاطب، وهذه خاصية المعارف، ومن ثم وجب كون الصلة جملة خبرية ليكون مضمونها حكمًا معلوم الوقوع للمخاطب قبل حال الخطاب، والجمل الإنشائية طلبية كانت أو غير طلبية لا يعرف مضمونها إلا بعد إيراد صيغها، وأما الاعتراض المشهور وهو أن الموصول لو كان معرفًا بصلته - وهي جملة - لتعرفت النكرة الموصوفة بها، فلم يكن إذن في قولك: لقيت من ضربته. فرق بين أن تكون موصولة أو موصوفة، فقد أجيب عنه بما سبق من أن تعريف الموصول بوضعه معرفة مشارًا به إلى المعهود الذي بين المتكلم والمخاطب

ص: 180

بمضمون صلته، فمعنى قولك: لقيت من ضربته إذا كانت موصولة لقيت الإنسان المعهود بكونه مضروبًا لك، فهي موضوعة على أن تكون معرفة بصلتها، وأما إذا جعلتها موصوفة فكأنك قلت: لقيت إنسانًا مضروبًا لك، وإن حصل لقولك إنسانًا تخصيص بمضروبية المخاطب، لكنه ليس تخصيصًا وضيعًا؛ لأن (إنسانًا) موضوع لا تخصيص فيه، بخلاف الذي ومن - مثلًا - فإن وضعهما على أن يتخصصا بمضمون صلتهما، والفرق بين المعرفة والنكرة المخصصة أن تخصيص المعرفة وضعي وهو المراد بالتعريف عندهم، وليس المراد به مطلق التخصيص، ألا ترى أنه قد تخصص النكرة بوصف لا يشاركها فيه شيء آخر، مع أنها لا تسمى بذلك معرفة؛ لكونه غير وضعي، كما تقول: رأيت اليوم رجلًا يسلم عليك اليوم وحده قبل أحد. وكذلك: إني أعبد إلهًا خلق السموات والأرض ونحو ذلك.

قال المصنف: والمشهور عند النحويين تقييد الجملة الموصول بها بكونها معهودة، وذلك [غير لازم] لأن الموصول قد يراد به معهود فتكون صلته معهودة، وقد يراد به الجنس فتوافقه صلته كقوله تعالى:{كمثل الذي ينعق بما لا يسمع} وقول الشاعر:

[ويسعى إذا أبني ليهدم صالحي

وليس الذي يبني كمن شأنه الهدم

ص: 181

وقد يقصد تعظيم الموصول، فتبهم صلته كقول الشاعر: ]

فإن أستطع أغلب وإن يغلب الهوى

فمثل الذي لاقيت يغلب صاحبه

«و» هو، أي: وتفسير الموصول «من الحروف ما أول» وهو جنس يتناول نحو: صه، من أسماء الأفعال، فإنه يؤول بمصدر معرفة، إن لم ينون، وبنكرة إن نون، وقد عرفت ما عليه حيث تكلمنا في حد الحرف، ويتناول الفعل المضاف إليه، نحو: حين قمت قمت، أي حين قيامك، ويتناول (هو) من قوله تعالى:{اعدلوا هو أقرب للتقوى} فاحترز عن هذه الأشياء ونحوها بقوله: «مع ما يليه بمصدر» فإن هذه الأشياء مؤولة بمصادر لا مع شيء يليها.

ص: 182

وقوله «ولم يحتج إلى عائد» احتراز من (الذي) الموصوف به مصدر، نحو:{وخضتم كالذي خاضوا} إذا قيل: التقدير كالخوض الذي خاضوه فإن (الذي) واقعة على الخوض، فهو معناها، لكن لابد له من عائد فسلم التعريف للحرف المصدري كذا قدروه، ويظهر من هذا أن ليس المراد بالتأويل السبك، بل المراد / به التفسير ولذا صح له أن يقول: دخل ضمير المصدر. وغير ذلك مما ذكره، ولو حملنا التأويل على السبك لم يصح أن يدخل تحت كلامه إلا الحرف المصدري.

قلت وعدم الاحتياج إلى عائد لا ينفي صحة تعلق العائد به، والمراد الثاني لا الأول، وكان الأول التعبير بما يقتضيه. «فمن الأسماء الذي والتي للواحد» عاقلًا أو غيره «والواحدة» عاقلة أو غيرها على طريق اللف والنشر المرتب، فالواحد للذي والواحدة للتي.

«وقد تشدد ياءاهما مكسورتين أو مضمومتين» وصرح أبو موسى الجزولي بأنهما مع التشديد معربتان بأنواع الحركات كما في أي، وقال

ص: 183

الرضي [الإستراباذي]: ولا وجه لإعراب المشدد؛ إذ ليس التشديد موجبًا للإعراب. وجزم المصنف بوجوب البناء: إما على الكسرة، وإما على الضم. ووجه الكسر ظاهر، وهو التقاء الساكنين، وأما البناء على الضم فبعيد، وأما (أي) فلما كان سبب بنائها حذف شيء أشبهت الغايات، ومن هنا يظهر أن تشبيه الزمخشري لها بقبل وبعد لم يصب المحز؛ إذ قصد التشارك في وجه البناء على الضم وقول الشاعر:

وليس المال فاعلمه بمال

وإن أغناك إلا الذي

ينال به العلاء ويصطفيه

لأقرب أقربيه وللقصي

يروى هكذا ويروى: وإن أرضاك. ورواه ابن عصفور: وإن أنفقته إلا الذي واستدلوا بذلك على البناء على الكسر؛ لأن (الذي) مستثنى، وليس في موضع جر، كذا قالوا، وفيه نظر؛ لاحتمال كون (إلا) صفة، بمعنى غير عند من لا يلتزم صحة قول ابن الحاجب كما ستراه في باب المستثنى.

ص: 184

«أو تحذفان» أي الياءان من الذي والتي «ساكنًا ما قبلهما» فتقول: الذ والت. بإسكان الذال والتاء بعد حذف الياء منهما كقوله:

فكنت والأمر الذي قد كيدا

كالذ يزبي زبية فاصطيدا

وكقول الآخر:

أرضنا الت آوت ذوي الفقر والذ

ل فأضحواذوي غنى واعتزاز

«أو مكسورًا» فتقول: الذ والت بكسر الذال والتاء كقوله:

ص: 185

لا تعذل ألذ لا ينفك مكتسبا

جهلا وإن كان لا يبقي ولا يذر

وقوله:

شغفت بك ألت تيمتك فمثل ما

بك ما بها من لوعة وغرام

وبعضهم ذهب إلى [أن] ما ذكر من تشديد الياءين وحذفهما مع الكسر أو السكون بابه الشعر وليس كذلك، فإن أئمة اللغة قد نقلوها على أنها لغات، فلا يحمل ما أنشدوه من الأبيات على أنه من باب الاستدلال، وإنما يحمل على التمثيل.

«وتخلفهما» أي يائي الذي والتي «في التثنية علامتها» أي علامة التثنية، وهي الألف رفعًا، والياء نصبًا وجرًا، فتقول: اللذان واللتان. وكان القياس عدم الحذف، فيقال اللذيان، كما يقال: الشجيان لكن لما كان الذي والتي مبنيين لم يكن ليائهما حظ في الحركة، فبقيت ساكنة، ثم حذفت

ص: 186

عند التثنية لالتقاء الساكنين، ومقتضى هذا الكلام أنهما معربان، وبعضهم لا يرى ذلك، بل يقول: هي صيغ مرتجلة غير مبنية على الواحد، فاللذان واللتان صيغة للرفع، واللذين واللتين صيغة للنصب والجر. والأول أولى؛ لأن ادعاء أن كل واحدة منها صيغة مستأنفة خلاف الظاهر. «مجوزًا شد نونها» أي نون التثنية مع الألف والياء، ومنع البصريون التشديد مع الياء، والصحيح جوازه، كما ذهب إليه الكوفيون، ويدل عليه قراءة ابن كثير:{ربنا أرنا الذين أضلانا} بالتشديد وجاز تشديد النون إبدالًا من الياء المحذوفة.

«وحذفها» أي حذف / النون، وهي لغة بلحارث بن كعب وبعض بني ربيعة لاستطالة الموصول بالصلة كقوله:

لبني كليب إن عمي اللذا

قتلا الملوك وفككا الأغلالا

ص: 187

وكقول الآخر:

هما اللتا لو ولدت تميم

لقيل فخر لهم صميم

وقضية كلام المصنف في المتن أن حذف النون لا يختص بالشعر وهو كذلك لما ذكرناه من أنه لغة لبعض العرب، ولكنه في الشرح صرح بأن قوله:(إن عمي اللذا) ضرورة.

«وإن عني بالذي من يعلم» نحو: {الذين هم في صلاتهم خاشعون} وهو كثير. «أو شبهة» نحو: {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم} . «فجمعه الذين مطلقًا» أي ولو في الرفع.

قال المصنف: لما كانت التثنية من خواص الأسماء المتمكنة ولحقت الذي والتي جعل لحاقها لهما معارضًا لشبههما بالحرف، فأعربا [في التثنية، كما جعلت إضافة (أي) معارضة لشبهها بالحرف فأعربت] ولم يعرف أكثر العرب

ص: 188

الذين، وإن كان الجمع من خصائص الأسماء المتمكنة، لأن الذين مخصوص بأولى العلم، والذي عام، فلم يجر على سنن الجموع لفظًا ومعنى.

قلت: هذا معارض لمنع المصنف (كون العالمين) جمعًا لعالم فتأمل. «ويغني عنه» أي عن الذين. «الذي في غير تخصيص كثيرًا» يعني أنه إذا كان المراد الجنس لا أفراد منه على الخصوص، فيأتي الذي بصيغة الإفراد كثيرًا موصوفًا به مقدر مفرد اللفظ مجموع المعنى، كقوله تعالى:{والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون} أي والجمع أي الفريق الذي جاء بالصدق، فله جهتان بحسب اللفظ والمعنى، فروعي اللفظ فوصف بالمفرد، وروعي المعنى فعاد عليه ضمير الجماعة.

وكذا قوله: {كمثل الذي استوقد نارًا} فحمل على اللفظ، أي الجمع ثم قال (بنورهم) فحمل على المعنى، ولو كان في الآية مخففًا من الذين بحذف النون لم يجز إفراد العائد عليه. «و» يغني الذي عن الذين «فيه» أي في التخصيص «للضرورة» كقوله:

ص: 189

وإن الذي حانت بفلج دماؤهم

هم القوم كل القوم يا أم خالد

كذا مثل به المصنف، ولا مانع في هذا أن يكون مفردًا وصف به مقدر مفرد اللفظ مجموع المعنى، أي وإن الجمع الذي أو الجيش الذي. «وربما قيل الذون رفعا» كقوله:

نحن الذون صبحوا الصباحا

ص: 190

قال المصنف في الشرح: إعراب الذين في لفة طيء مشهور، يقولون: نصر الذون آمنوا على الذين كفروا. وهي لغة هذيل أيضًا، ونقلها بعضهم عن عقيل.

«وقد يقال لذي ولذان ولذين ولتي ولتان ولاتي» بحذف الألف واللام من كل واحدة من هذه الكلمات.

قال أبو حيان: ولم يذكر ابن مالك شاهدًا على تخفيف الذي وفروعه إلا قراءة أعرابي حكاها أبو عمرو: {صراط الذين} ، فلا ينبغي أن يقاس على الذين بقية الألفاظ. انتهى.

وفي كتاب الشواذ لأبي محمد عبد السلام بن فبيلة القمري السلامي

ص: 191

{صراط الذين} قرأ أُبي بن كعب وابن السميفع وأبو رجاء بتخفيف اللام حيث كان: جمعًا أو واحدًا. فقد ثبت بهذا أن ذلك وارد في الإفراد أيضًا، والقاعدة في التثنية أنها تكون بلفظ الواحد فيجيء ذلك في التثنية أيضًا، والقاعدة في التثنية أنها تكون بلفظ الواحد فيجيء ذلك في التثنية أيضًا، وقد يكون سمى التثنية جمعًا بالتسمية اللغوية، ومن البعيد عند كل أحد أن يكونوا قد خففوا الواحد دون المثنى، وربما احتج بقلة المثنى بالنسبة إلى المفرد والجمع لكن هذا كله في المذكر، فينبغي أن تحرر الشواهد في لتي ولاتي «وبمعنى الذين الأولى» على وزن العلا فيكون للعقلاء كقوله:

رأيت بني عمي الأولى يخذلونني

على حدثان الدهر إذ يتقلب

ص: 192

/ الحدث والحادثة والحدثان بمعنى، وقال ابن عصفور يقع على من يعقل وما لا يعقل من المذكرين، وقد يرد للمؤنث، وسيأتي، وقد استعملت بدون ألف ولام كقوله:

لأنتم أولى جئتم مع البقل والدبا

فطار وهذا شخصكم غير طائر

«والأولاء» بالمد كقول كثير:

أبى الله للشم الأولاء كأنهم

سيوف أجاد القين يومًا صقالها

ص: 193

«واللاء» بالمد على وزن الراء كقوله:

فما آباؤنا بأمن منه

علينا اللاء قد مهدوا الحجورا

«واللائين مطلقًا» على وزن القاضين رفعًا ونصبًا وجرًا، وهذه لغة أكثر هذيل. «أو جرًا ونصبًا واللاءون رفعًا» وهذه لغة لبعض هذيل ومنها قول بعضهم:

هم اللاءون فكوا الغل عني ...............

ص: 194

«وجمع التي اللاتي» على وزن القاضي، وشواهده كثيرة «واللائي» نحو:{واللائي يئسن} فيمن قرأ بياء «واللواتي» على وزن الفواعل. «وبلا ياءات» في الكلمات الثلاث كقوله:

اللات كن مرابعا ومصايفا

وقراءة من قرأ: {واللاء يئسن} بغير ياء، قال ابن هشام: ولم أجد شاهدًا على اللوات («واللا» بلا همزة ولا ياء كقوله:

وكانت من اللا لا يغيرها ابنها

إذا ما الغلام الأحمق الأم غيرا

«واللوا» بالقصر كقوله:

ص: 195

جمعتها من أينق عكار

من اللوا شددن بالصرار

«واللواء» بالمد «واللاءات» كاللآعات كقوله:

أولئك إخواني الذين عرفتهم

وإخوانك اللاءات زين بالكتم

«مكسورًا» دائمًا فيكون مبنيًا «أو معربًا بإعراب أولات» بالضمة رفعًا، والفتحة نصبًا وجرًا، وقد روي (اللاءات) في البيت بالوجهين: بكسر التاء وضمها «والأولى» على وزن العلى، كما تقدم فيكون هذا اللفظ مشتركًا بين جمع الذي وجمع التي، وقد اجتمعا في قول (الشاعر):

وتفني الألى يستلئمون على الألى

تراهن يوم الروع كالحدأ القبل

ص: 196

«وقد يرادف التي واللاتي ذات وذوات» في لغة طيئ، وإنما ذكر هنا ذات بيانًا للأصل [وإلا] فهو في مقام بيان جموع المؤنث، فكان الأصل أن يقول: ذوات. لكن كان ظاهره يقتضي أنها جمع للتي، فذكر مفردها قبلها دفعًا لهذا الوهم، ولك أن تقول: قد ذكر الألى في جمع التي فعلم أنه يريد الجمع اللغوي لا الصناعي. «مضمومتين مطلقًا» أي في جميع الحالات، ومن كلام بعض الطائيين: بالفضل ذو فضلكم الله به، وبالكرامة ذات أكرمكم الله به. يريد (بها) وقد حكى غير المصنف إعرابهما إعراب (ذات) بمعنى صاحبة، و (ذوات) بمعنى صاحبات، وإنما قدم ذكرهما على ذكر ذو؛ لأن الكلام الآن في الموصولات الخاصة.

«وبمعنى الذي وفروعه» أي للمؤنث المفرد، والمثنى مذكرًا أو مؤنثًا، والجمع كذلك. «من وما» فيجوز أن يطلق كل منهما على المذكر والمؤنث، ما كان منهما مفردًا أو مثنى أو جموعًا. «وذا غير ملغى» فيطلق على ما ذكرناه

ص: 197

على أي حالة كان من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث، لكن بشرط أن يكون غير ملغى، ويعنون بالإلغاء تركيب ذا مع من أو ما، فيصير المجموع اسمًا واحدًا، ولها - حينئذ - معنيان:

أحدهما: أن يكون المجموع اسم استفهام؛ ويدل عليه قولهم:

عماذا تسأل؟ بإثبات ألف (ما)؛ لتوسطهما، وقد يتعين كقول جرير:

يا خزر تغلب ماذا بال نسوتكم

لا يستفقن إلى الديرين تحنانا؟

إذ لا يصح [هنا] أن تجعل (ذا) موصولة، وقد يترجح، وذلك فيما إذا

ص: 198

وقع (الذي) بعد ماذا أو من ذا، كقوله تعالى:{من ذا الذي يقرض / الله قرضًا حسنًا} وكقول الشاعر:

فمن ذا الذي يشفي من الحب بعدما

تشربه بطن الفؤاد وظاهره

ويحتمل أن تكون (ذا) موصولة، فيكون فيه جمع بين موصولين فيخرج: إما على أن الثاني مؤكد للأول أو خبر مبتدأ محذوف.

والثاني - من المعنيين - أن يكون المجموع اسمًا واحدًا موصولًا أو نكرة موصوفة، وعليه بيت الكتاب:

ص: 199

دعي ماذا علمت سأتقيه

ولكن بالمغيب خبريني

فالجمهور على أن (ماذا) كله مفعول دعي، ثم اختلف:

فقال السيرافي وابن خروف: موصول بمعنى الذي.

وقال الفارسي: نكرة بمعنى شيء، قال: لأن التركيب ثبت في الأجناس دون الموصولات.

وقال بن عصفور: لا يكون (ماذا) مفعولًا لـ (دعي)؛ لأن الاستفهام له الصدر، ولا لـ (علمت)؛ لأنه لم يرد أن يستفهم عن معلومها، ولا لمحذوف يفسره (سأتقيه)؛ لأن (علمت) – حينئذ - لا محل لها، بل (ما) استفهام مبتدأ

ص: 200

و (ذا) موصول خبر و (علمت) صلة، وعلق (دعي) عن العمل بالاستفهام.

انتهى.

قال ابن هشام: ونقول إذا قدرت (ماذا) بمعنى الذي، أو بمعنى شيء لم يمتنع كونها مفعول (دعي) وقوله: لم يرد أن يستفهم عن معلومها، لازم له إذا جعل (ماذا) مبتدأ وخبرًا، ودعواه تعليق (دعي) مردودة بأنها ليست من أفعال القلوب، فإن قال: إنما أردت أنه قدر الوقف على (دعي) فاستأنف ما بعده رده قول الشاعر: (ولكن) لأنها لابد أن يخالف ما بعدها ما قبلها، والمخالف هنا (دعي) ، فالمعنى دعي كذا ولكن افعلي كذا، [وعلى هذا] فلا يصح استئناف ما بعد (دعي)، لأنه لا يقال: من في الدار فإني أكرمه ولكن أخبرني عن كذا. إلى هنا كلامه.

قلت: وفيه تسليم لامتناع أن يعمل السابق على (ماذا)[فيها] للاستفهام، وقد صرح بعض المتأخرين بأنها من بين أدوات الاستفهام مخصوصة بجواز عمل ما قبلها فيها، وأن كلام العرب على ذلك، وقد ذكر المصنف هذه المسألة في توضيحه الموضوع للكلام على مشكلات الجامع الصحيح

ص: 201

واستشهد عليها بقول عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك: (أقول ماذا؟ ) وقول بعض الصحابة: فكان ماذا؟ فراجعه من هناك، لكن هذا على تقدير تسليمه لا يصلح في البيت؛ لأن المعنى ليس عليه. «ولا مشار به» بالجر عطفًا على (ملغى) من قوله: غير ملغى. و (لا) لتوكيد النفي، يعني أنه يشترط في كون ذا موصولًا عدم الإلغاء، وأن لا يكون مشارًا به إلى شيء. «بعد استفهام بما» ولا خلاف فيه. «أو من» وفيه خلاف فمنع بعض النحويين كون (ذا) موصولة بعد (من) الاستفهامية، قال: لأن الأصل في (ذا) أن يكون اسم إشارة، لكن لما دخلت عليها (ما) الاستفهامية - وهي في غاية الإبهام - جردتها عن معنى الإشارة وجذبتها إلى الإبهام، فجعلت موصولة، ولا كذلك (من) لتخصصها بمن يعقل، فليس فيها الإبهام الذي في (ما) وفيه نظر.

وأجاز ذلك جماعة استدلالًا بقول الشاعر:

وغريبة تأتي الملوك كريمة

قد قلتها ليقال من ذا قالها؟

ص: 202

والكوفيون يجوزون كون (ذا) وجميع أسماء الإشارة موصولة بعد (ما) الاستفهامية كانت أو لا استدلالًا بقوله تعالى: {ثم أنتم هؤلاء تقتلون} أي [أنتم] الذين، وبقوله تعالى:{وما تلك بيمينك} أي وما التي؟ وقول الشاعر:

عدس، ما لعباد عليك إمارة

نجوت وهذا تحملين طليق

ص: 203

واعتذر البصريون بأن أسماء الإشارة في هذه المواضع باقية على أصلها دفعًا للاشتراك الذي هو خلاف الأصل، وحملوا (تقتلون) / و (بيمينك) و (تحملين) على الحال، وحذف ضمير تحملين العائد على ذي الحال كالحذف من الصفة والخبر.

وقيل: (تحملين) و (طليق) خبران.

ويرد عليه بأنه ليس المراد [الإخبار] بأنه محمول. وجوز ابن عصفور تعليق (بيمينك) بأعني. ولا ينبغي أن يعول عليه؛ لأن (أعني) متعد بنفسه، لا بالباء، والحال أولى. كما قال البصريون؛ ولكون (ما) خبرًا مقدمًا و (تلك) مبتدأ مؤخرًا، فالحال مثلها في {فتلك بيوتهم خاوية} .

«و» ؛ بمعنى الذي وفروعه «ذو الطائية» ؛ لأن بني طيئ هم الذين يستعملونها كذلك، حكى الأزهري أنها في لغتهم تستعمل بمعنى الذي والتي، وتثنيتهما، وجمعهما، فتقول: رأيت ذو فعل، وذو فعلت، وذو فعلا، وذو فعلتا، وذو فعلوا، وذو فعلن. وما مجيئها بمعنى التي قول شاعرهم:

ص: 204

فإن الماء ماء أبي وجدي

وبئري ذو حفرت وذو طويت

وزعم ابن عصفور أنه ذكر البئر على معنى القليب، قال: وتقول في تثنية ذو الطائية ذوا رفعًا وذوي نصبًا وجرًا، [وفي تثنية][ذات][الطائية ذواتا رفعًا وذواتي نصبًا وجرًا] وفي جمعها ذوات، بضم التاء مطلقًا.

قال المصنف: أطلق ابن عصفور القول في تثنية ذو وذات وجمعهما، وأظن حامله على ذلك قولهم: ذات وذوات بمعنى التي واللاتي، فأضربت عنه لذلك.

ص: 205

وفي شرح ابن قاسم: قيل بل نقل ذلك الهروي وابن السراج عن العرب.

«مبنية» حال: إما من (ذو) إن جعلت فاعلًا بالمقدر الذي أشرنا إليه مثل: في الدار زيد. أو من ضميرها المستكن في الظرف المستقر الذي قدرناه. لكن هذا مشكل، فإن تقييدها بهذه الحالة يقتضي أنها لا تكون بمعنى الذي وفروعه عند إعرابها، وليس كذلك.

وأشار بقوله: «غالبًا» إلى أن بعض الطائيين يعربها فيقول: جاءني ذو يقوم، ورأيت ذا يقوم، ومررت بذي يقوم. حكاه ابن درستويه في الإرشاد وابن جني في المحتسب وأنشد:

.... فحسبي من ذي عندهم ما كفانيا

ص: 206

وإنما أعربها هؤلاء تشبيهًا بـ (ذي) بمعنى صاحب بل حكى بعضهم أن هذه منقولة منها؛ لاشتراكهما في التوصل إلى الوصف بهما. «و» بمعنى الذي وفروعه أيضًا «أي» خلافًا لثعلب فإنه زعم أن أيًا لا تكون موصولة أصلًا، وقال: لم يسمع أيهم هو فاضل جاءني، على معنى: الذي هو فاضل جاءني. فإن قصد الاحتجاج بذلك على دعوه لم ينتهض، لأن امتناع موصوليتها هنا قد يكون لمانع، وفي كلام ابن الصائغ ما يشير إليه، فقد قال في حواشيه:

لا تستعمل (أي) الموصولة إلا حيث الإبهام، فلا يجوز أيهم قام جاءني، لوقوعها هنا على شخص معين معلوم، [وعلى هذا فيمتنع أيهم قام عمرو؛ لأنها هنا لمعين معلوم] إلا على حكاية أبي الحسن فإنه حكى أن الماضي يعمل فيها قليلًا.

فإن قلت: هلا أجزت أيهم قام عمرو، على معنى أيهم ثبت أنه قام فهو عمر، فهو - حينئذ - مبهم عند المتكلم؟

قلت: لو صح ذلك لصح جاءني أيهم قام، على معنى: أيهم ثبت أنه قام فهو الذي جاءني، وهم قد منعوه. انتهى كلامه.

«مضافة» بالنصب على الحال - كما مر في (مبنية)«إلى معرفة لفظًا أو نية» .

ص: 207

ومن يرى أن تعريف الذي بأل وهو - الأخفش - يرى أن تعريف (من) - مثلًا - بأنها في معنى ما فيه (أل) ، وأن تعريف (أي) بالإضافة، فالموصولات عنده على ثلاثة أقسام، كذا نقل عنه، ولو أنه قال في أي كما قال في من وما لاتجه، وقول ابن عصفور: إن (أل) لا تجامع الإضافة لا يرد؛ لأن هذا القائل لا يرى (أل) مقدرة، بل يرى أن الكلمة في معنى ما فيه / (أل).

ومن يرى أن الموصولات معرفة بصلاتها، وأن (أل) فيها هي فيها زائدة، يشكل عليه أنه يلزم (أي) اجتماع تعريفين.

والجواب: أن أيًا محتاجة إلى ما يعرف جنس من وقعت عليه، وهو المضاف إليه وإلى ما يعرف عينه وهو الصلة، بخلاف بقية الموصولات، فإنها تفتقر إلى الثاني فقط، وحاصله أن الموصولات ليس فيها ما معناه نسبي سوى أي، فهي مفتقرة إلى المضاف إليه ليوضح المعنى الذي وقعت عليه بالنظر إلى جنسه، ومفتقرة إلى الصلة؛ لتوضحه بالنظر إلى شخصه، وهذا من غرائب العربية، أن اسمًا يحتاج إلى معرفين، ولكن من وجهين مختلفين، ومن ثم قال بعض المتأخرين:

القياس يقتضي جواز إضافة أي إلى نكرة؛ إذ ليس المراد بالإضافة تعريفها، فإن تعريفها بالصلة، بل بيان الجنس الذي هي بعض منه، وذلك حاصل بالنكرة، وإذ قد امتنعوا من ذلك، فكأنهم أرادوا بالتزام كون المضاف

ص: 208

إليه معرفة إصلاح اللفظ كي لا يضاف ما أريد به التعريف - وهو أي - إلى ما هو نكرة، فيحصل تدافع في الظاهر. «ولا يلزم استقبال عامله» فيجوز قام أيهم أكرمته. «ولا تقديمه» فيجوز أيهم قام ضربت.

«خلافًا للكوفيين» في المسألتين، وقد نوزع الكسائي في حلقة يونس في المسألة الأولى، فلم يكن له مستند إلا أن قال:[أي] كذا خلقت. يعني كذا وضعها الواضع، فقال له السائل: استحيت لك يا شيخ. يعني أن هذا أيضًا متنازع فيه. وقد علل له ابن الباذش بأن قال:

أي موضوعة على الإبهام، والإبهام لا يتحقق إلا في المستقبل الذي لا يدرى مقطعه ولا مبدؤه بخلاف الماضي والحال فإنهما محصوران، فلما كان الإبهام في المستقبل أكثر منه في غيره استعملت معه أي الموضوعة على الإبهام.

قال الرضي: وليس بشيء لاختلاف الإبهامين ولا تعلق لأحدهما بالآخر. وحاول الشيخ جمال الدين بن هشام توجيه قول الكوفيين في الأمرين فقال:

كأنهم قصدوا الفرق بينها وبين الشرطية والاستفهامية بإعمال ما قبلها فيها، ولما كان المعنى فيها على [معنى] الشرطية، وليست بها أوجبوا في عاملها - لكونها دليلًا على الجواب - أن يكون مستقبلًا. «وقد يؤنث» أي «بالتاء موافقًا للتي» كقوله:

إذا اشتبه الرشد في الحادثا

ت فارض بأيتها قد قدر

وحكى ابن كيسان أن أهل هذه اللغة يثنون أيًا ويجمعونها، فيقولون:

ص: 209

- مثلًا - أياهما أخواك، وأيوهم إخوتك. لكن في كلام المصنف مناقشة وذلك أنه سيذكر بقية أقسام أي، ولا يذكر أنها تؤنث فأوهم خلاف الواقع.

فإنه قد سمع تأنيث المستفهم بها، قال الكميت:

بأي كتاب أم بأية سنة

ترى حبهم عارًا علي وتحسب

وقال الآخر:

فإنك لا تدري بأية بلدة

تموت ولا ما يحدث الله في غد

ص: 210

وفي تفسير البغوي: أن أبيًا قرأ: {بأية أرض تموت} ويحسن تأنيث (أي) في الشرط والاستفهام حذف ما يضاف إليه كقوله:

..........................

وخلفوك اشتياقًا أية سلكوا

بمعنى أي طريق، قال السخاوي: إنما يجوز تذكير أي وتأنيثها مضافة [إلى المؤنث، عند ذكر ما تضاف إليه، فإن حذفته فالتأنيث لازم كقوله:

ص: 211

( ...... أية سلكوا) معناه] أية جهة؛ فإذا قيل: أيًا سلكوا، فالمقدر مذكر لا مؤنث والمعتمد ما قدمناه.

«وبمعنى الذي وفروعه الألف واللام» وفي أوائل الكشاف عند تفسير: {كمثل الذي استوقد نارًا} : إن (أل) في الصفات بعض (الذي) ، وإنما لكثرة الاستعمال متوصلًا به إلى وصف المعارف بالجمل - نهكوه بالحذف، فحذفوا تارة الياء وحدها، وتارة الياء / والكسرة، وتارة اقتصروا على (أل).

قال الرضي: والأولى أن نقول اللام الموصولة غير لام الذي؛ لأن لام الذي زائدة بخلاف اللام الموصولة. انتهى.

وظاهر كلام الزمخشري، بل صريحه في المفصل أن اللام في الذي حرف تعريف، وأن اللام التي تعد من الموصولات هي تلك اللام التي كانت في الذي، إلا أنها تعد اسمًا لا حرفًا، لأنها بمنزلة الذي، لكونها تخفيفًا [له].

ص: 212

قلت: دعوى لا دليل عليها، وفيها ما رأيت من جعل الاسم عين الحرف وهو باطل.

قال في الصحاح: الذي أصله لذي فأدخلت عليه الألف واللام، ولا يجوز أن ينزعا عنه لتنكير. وكثير من المحققين على أن الذي بكماله اسم موضوع، وبه يشعر ظاهر قول الزمخشري: الذي وضُع وصلة إلى وصف المعارف بالجمل.

وبعضهم على أن الموصول لذي واللام مزيدة لتحسين اللفظ، حتى لا يكون الموصوف به كمعرفة توصف بالنكرة، وجعلت لازمة؛ لأنها لو أدخلت تارة ونزعت [تارة] أخرى لأوهم أنها للتعريف، وأنت خبير بأن المصنف حكى نزعها فيما مر، ثم الجمهور على أن اللام التي هي من الموصولات ليست منقوصة من الذي، بل اسم موضوع برأسه. وهو ظاهر كلام المصنف. «خلافًا للمازني ومن وافقه في حرفيتها» لكن المازني يقول: هي موصول حرفي. والأخفش يقول: إنها حرف تعريف.

قال الرضي: وهذا الخلاف إذا لم تكن اللام للعهد، أما إذا كانت له كما في قولك: جاءني ضارب، فأكرمت الضارب، فلا كلام في حرفيتها، واستدل لمذهب الجمهور برجوع الضمير إليها في السعة نحو: المبرور به زيد، وقول المازني: يرجع إلى الموصوف المقدر مردود بأن لحذف الموصوف مظان

ص: 213

لا يحذف في غيرها، إلا ضرورة، وليس هذا منها كما ستعرفه في باب النعت إن شاء الله تعالى، وبأنه لو جاز مع تعريف الموصوف لجاز مع تنكيره بل أولى، لأن حذف المنكر أكثر، ثم لو كانت موصولًا حرفيًا لأولت مع ما بعدها بمصدر عملًا بالاستقراء واللازم باطل، ولو كانت حرف تعريف لامتنع دخولها على الفعل، وقد دخلت نحو:(الترضى) و (اليجدع) كما يأتي، ولقدح لحاقها في إعمال اسم الفاعل بمعنى الحال والاستقبال، لوجود المبعد له عن مشابهة الفعل، واللازم منتف.

واستدل المازني ومن وافقه على حرفيتها بأن العامل يتخطاها نحو: مررت بالضارب، فالمجرور (ضارب) ولا موضع لـ (أل) ولو كانت اسمًا لكان لها موضع من الإعراب.

وأجيب بأنه خولف مقتضى الدليل في هذا الاسم؛ لكونه على صورة الحرف، فنقل إعرابه إلى صلته عارية، كما في [إلا] الكائنة بمعنى (غير) كما تقرر في باب الاستثناء، كذا قاله الرضي.

وقال المصنف: مقتضى الدليل أن يظهر إعراب الموصول في آخر الصلة؛ لأن نسبتها منه نسبة عجز المركب، لكن منع من ذلك كون الصلة جملة

ص: 214

[والجملة] لا تتأثر بالعوامل، فلما كانت صلة الألف واللام مفردًا جيء بالإعراب فيه على مقتضى الدليل، لعدم المانع. كذا قال، وفيه نظر، لأن حق الإعراب أن يدور على الموصول لأنه المقصود، وإنما جيء بالصلة لتوضحه، والدليل عليه ظهور [كل] الإعراب في أي الموصولة نحو: جاءني أيهم ضربته، وكذا في اللذان واللتان فيمن قال بإعرابهما واللذون على لغة.

«وتوصل» الألف واللام «بصفة» فشمل اسم الفاعل واسم المفعول. قال المصنف: والصفة المشبهة. وقد صرح جماعة بأن الصفة المشبهة لا تكون صلة الألف واللام.

قال ابن هشام: لأنها للثبوت / فلا تؤول بالفعل؛ ولهذا كانت الداخلة على [اسم] التفضيل ليست موصولة باتفاق.

وقال الرضي: إنما لم توصل اللام بالصفة المشبهة مع تضمنها للحكم، لنقصان مشابهتها للفعل، ولذا لم توصل بالمصدر، لأنه لا يقدر بالفعل إلا مع ضميمة (أن) وهو معها بتقدير المفرد، والصلة لا تكون إلاجملة.

وقال ابن الحاجب ما معناه، إنما التزم في صلة الألف واللام واللام أن تكون اسم فاعل أو اسم مفعول فقط؛ لأنهم لما رأوها موافقة للألف واللام الحرفية [في] نحو الرجل لفظًا ومعنى: أما لفظًا فواضح، وأما معنى فلأنها للتعريف مثل اللام الحرفية.

ص: 215

قلت: فيه نظر؛ لأن [أل] الحرفية معرفة لما دخلت عليها من الاسم، و (أل) الاسمية موصولة معرفة بصلتها الداخلة هي عليها باعتبار ما فيها من العهد كما هو الصحيح في تعريف الموصول على ما مر، فأين إحداهما من الأخرى بحسب المعنى! !

ثم قال: فلما وافقتها قصدوا أن لا تدخل إلا على المفرد [كما لا تدخل تلك إلا على المفرد] للمشابهة المذكورة، وخصوصًا بالجملة الفعلية ليسبكوا من الفعل اسم فاعل أو مفعول بحسب ما يقتضيه معنى الفعل، فإن كان الفعل مبنيًا للفاعل نحو: الذي ضرب أو يضرب - بصيغة المبني للفاعل - قلت: الضارب؛ لأن معنى المبني للفاعل يقتضي اسم الفاعل، وإن كان الفعل مبنيًا للمفعول نحو: الذي ضرب أو يضرب -[بصيغة المبني للمفعول]- قلت: المضروب؛ لأن معنى الفعل المبني للمفعول يقتضي اسم المفعول، ولم يدخلوها على الجملة الاسمية؛ لتعذر أن يسبك منها مفرد يصح دخول الألف واللام عليه. ويمكن أن يرد هذا بطريق السؤال والجواب كما وقع [له] في شرح المفصل. فيقال: قولهم صلة الموصول يجب أن تكون جملة، منقوض باسم الفاعل والمفعول في مثل: الضارب والمضروب، فإنه صلة وليس بجملة. ويجاب بأن اسم الفاعل والمفعول في ما ذكر في معنى الجملة، وإنما وقع مفردًا لإرادة المشاكلة بين (أل) الموصولة و (أل) المعرفة [في مثل الرجل] فسبكوا من الجملة اسم فاعل أو مفعول ليوفروا على الألف واللام ما يقتضيه من المفرد والمعنى على ما كان عليه، فكان فيه وفاء بالغرضين.

واحترز المصنف بقوله: «محضة» عما يوصف به وليس بمشتق كأسد،

ص: 216

وعن الصفة التي غلبت عليها الاسمية كأبطح وأجرع وصاحب وراكب، فـ (أل) في ذلك كله معرفة لا موصولة. «وقد توصل» الألف واللام «بمضارع اختيارًا» كقوله:

ما أنت بالحكم الترضى حكومته

ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل

فوصلها بترضى وهو فعل مضارع وكقوله:

يقول الخنا وأبغض العجم ناطقًا

إلى ربنا صوت الحمار اليجدع

ص: 217

قال المصنف في الشرح: وعندي أن هذا غير مخصوص بالشعر؛ لتمكن قائل الأول من أن يقول: ما أنت بالحكم المرضي حكومته. ولتمكن قائل الثاني من أن يقول:

إلى ربنا صوت الحمار يجدع.

وأنشد أبياتًا أخر، ادعى فيها كلها عدم الاضطرار بهذه الطريقة.

وحاصلها أن الضرورة [عنده] عبارة عما ليس للشاعر عنه مندوحة، وهذا ليس بمرضي؛ لأن الشاعر لا يلزمه تخيل جميع العبارات التي يمكن أداء المقصود بها، فقد لا يحضره في وقت النظم إلا عبارة واحدة تحصل غرضه فيكتفي بها، ولو فتح هذا الباب لاتسع الخرق وأمكننا في كل ما يدعى أنه ضرورة أن يدعى أنه أمر اختياري، لتمكن الشاعر من أن يقول غير تلك العبارة، ويعين تركيبًا آخر يتم الوزن به، وهذا سهل على من له محاولة لنظم / الشعر ولا يكاد يعوزه ذلك في جميع الأشعار أو غالبها، لإهذه طريقة كما تراها، والمعول عليه عندهم في تفسير الضرورة، أنه ما لا يوجد إلا في الشعر، كان للشاعر عنه مندوحة أو لم تكن.

ص: 218

[قلت]: وقد ظهر لي هنا شيء [آخر] وهو [استدراك على النحاة وذلك] أنهم أجمعوا على أن جملة الصلة لا محل لها من الإعراب، وهذا على إطلاقه غير صحيح، بل ينبغي التفصيل بين صلة (أل) وصلة غيرها: فالصلة في الثاني لا محل لها قطعًا؛ ضرورة أنه لا يصح حلول المفرد محلها. وأما صلة (أل) حيث توصل بالفعلية ذات [الفعل] المضارع: إما اختيارًا - كما يقول ابن مالك - أو اضطرارًا - كما يقول غيره - وحيث توصل بجملة غير المتقدمة على وجه الضرورة بالإجماع، فينبغي أن يكون لها محل من الإعراب، ويكون محلها بحسب ما يقتضيه العامل في المفرد الذي يصح حلوله محلها: من رفع ونصب وجر، فيحكم بأنها في محل رفع [في مثل] قوله:

لا تبعثن الحرب إني لك الينـ

ذر من نيرانها فاتق

وفي محل نصب مثل:

[حالف ووال اليتقي ربه

وخالف اليعصيه ولا ترعه

وفي مثل] قولك: لا أحب اليروح للهو.

ص: 219

وفي محل جر في مثل قوله:

ما أنت بالحكم الترضى حكومته ..........................

وهذا من الغرائب، أن تكون جملة يثبت لها بحسب محلها أنواع إعراب الاسم، لا بطريق التبعية في الأنواع الثلاثة، ولا في شيء منها، ويمكن أن يحاجى به، وقد يعتذر عن تركهم ذلك بأن هذا لا يستعمل إلا في الضرورة [أو فيها] وفي قليل من الكلام، وفيه ما لا يخفى. «ومبتدأ وخبر» عطف على مضارع، أي وقد توصل بمبتدأ وخبر.

«أو ظرف اضطرارًا» فالأول كقوله:

من القوم الرسول الله منهم

لهم دانت رقاب بني معد

ص: 220

والثاني كقوله:

من لا يزال شاكرًا على المعه

فهو حر بعيشة ذات سعة

«ويجوز حذف عائد غير الألف واللام إن كان» ضميرًا «متصلًا» فلو كان منفصلًا نحو: جاء الذي إياه أكرمت، أو ما أكرمت إلا إياه، امتنع حذفه. «منصوبًا بفعل» نحو:{أهذا الذي بعث الله رسولًا} .

«أو وصف» كقوله:

ما الله موليك فضل فاحمدنه به

فما لدى غيره نفع ولا ضرر

أي موليكه، فلو نصب بغير فعل، أو وصف نحو: جاء الذي كأنه قمر، امتنع حذفه.

فإن قلت: قد نصوا في قوله تعالى: {أين شركائي الذين [كنتم] تزعمون} أنه يجوز أن يكون التقدير: تزعمونهم شركاء، وهذا لا إشكال فيه، وأن يكون التقدير: تزعمون أنهم شركاء، وعلى هذا فقد صح حذف العائد المنصوب بغير فعل ولا وصف؟

قلت: إنما الذي اعتمد بالحذف المعمول المشتمل على الضمير، ولم يعتمد

ص: 221

الضمير بالحذف، ورب شيء يجوز تبعًا لغيره ولا يجوز مستقلًا، مثاله: حذف الفاعل في نحو: زيدًا ضربته، تبعًا للفعل، وحذف الفاء في نحو:{فأما الذين استودت وجوههم أكفرتم} . وزاد بعضهم لجواز حذف العائد المنصوب شروطًا أخر:

أحدها: أن يكون غير متبع، فنحو: جاء الذي ضربته نفسه أو وزيدًا لا يجوز فيه الحذف، هذا قول أبي بكر [بن السراج] وأكثر أصحابه، وأجازهما على الحذف الأخفش والكسائي، [واتفقوا على جواز الحال من المحذوف نحو: جاء الذي ضربت مكتوفًا.

الثاني: أن يكون متعينًا] للربط، وإلا لم يجز الحذف نحو: جاء الذي ضربته في داره، ذكره ابن عصفور وغيره.

الثالث: أن يكون الفعل الناصب تامًا لا ناقصًا نحو: جاء الذي كنته.

«أو» كان. «مجرورًا بإضافة صفة ناصبة له تقديرًا» نحو: جاء الذي أنا مكرمه الآن أو غدًا، ومنه قوله تعالى:{فاقض ما أنت قاضٍ} وقال طرفة بن العبد:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا

ويأتيك بالأخبار من لم تزود

ص: 222

ودعوى ابن عصفور أن حذفه ضعيف جدًا مردودة بوروده في القرآن العزيز، فلو كان المضاف غير صفة نحو: جاء الذي وجهه حسن أو صفة غير عاملة نحو: جاء الذي أنا ضاربه أمس لم يجز حذف العائد حينئذ. «أو» كان مجرورًا «بحرف جر بمثله معنى ومتعلقًا الموصول أو موصوف به» أي بالموصول مثال الأول: قوله تعالى: {ويشرب مما تشربون} أي منه، فالعائد المجرور قد جر يمن، وقد جر الموصول [الذي] هو (ما) بمثلها معنى ومتعلقًا: أما معنى فلأن كلا منهما لابتداء الغاية، وأما متعلقًا فلأن العامل الذي تعلقت به (من) الأولى (يشرب) ، والذي تعلقت به (من) الثانية (تشربون)، وتماثلهما واضح. وتشمل المماثلة في المتعلق أن يكون أحد المتعلقين فعلًا والآخر وصفًا كقول حاتم:

ص: 223

وقد كنت تخفي حب سمراء حقبة

قبح لان منها بالذي أنت بائح

أي به. ومثال الثاني: وهو أن يكون العائد مجرورًا بحرف، والموصوف بالموصول مجرورًا بمثل ذلك الحرف معنى ومتعلقًا - قولك: مررت بالرجل الذي مررت، [أي به، فلو جر العائد بحرف، والموصول ليس مجرورًا، نحو: جاء الذي مررت] به، امتنع الحذف إلا في الندور كقوله:

ومن حسد يجور عليّ قومي

وأي الدهر ذو لم يحسدوني

أي فيه، ولو جر الموصول بحرف لا يماثل [الحرف] الجار للعائد امتنع [الحذف] أيضًا، إلا للضرورة كقوله:

ص: 224

فأصبح من أسماء قيس كقابض

على الماء لا يدري بما هو قابض

أي عليه.

قال ابن القاسم: وإن تماثلا معنى واختلفا لفظًا لم يحذف نحو: حللت في الذي حللت به، إذ لو حذف لتبادر أنه فيه.

قلت: فيرد هذا على المصنف؛ إذ لم يشترط المثلية في اللفظ.

[قال: ] وإن تماثلا لفظًا ومعنى، واختلفا متعلقًا لم يجز الحذف نحو:

مررت بالذي مررت به.

قال: وترك المصنف موضعين يجوز فيهما الحذف:

أحدهما: أن ينجر العائد بحرف جر بمثله عائد على الموصول بعد الصلة كقوله:

ولون ما عالجت لين فؤادها

فقسا استلين به للان الجندل

ص: 225

أي عالجت به، ذكره المصنف في الكافية، وذكر غيره أن الحذف في هذا البيت ونحوه ضرورة.

الثاني: أن يدخل [الحرف] على المضاف إلى الموصول نحو: مررت بغلام الذي مررت.

[قال]: وأهمل ثلاثة شروط:

الأول: أن لا يكون المجرور في موضع ما لم يسم فاعله نحو: مررت بالذي مر.

قلت: لا حاجة بالمصنف إلى ذكر هذا، فإنه قد ذكر في باب الفاعل أنه لا يحذف الفاعل وحده، ونائبه مثله.

ص: 226

قال: الثاني: أن لا يكون ثم ضمير آخر يصلح للعود نحو: مررت بالذي مررت به في داره.

قلت: وهذا أيضًا مستغنى عنه، ضرورة أنه قد علم أنه لابد للمحذوف من قرينة تدل عليه، وفي هذه الصورة لا يقوم على المحذوف قرينة، فلا يجوز حذفه، عملًا بهذه القاعدة [العامة] المعلومة.

قال: الثالث: أن لا يكون محصورًا نحو: مررت بالذي ما مررت إلا به، أو إنما مررت به.

قلت: وهذا أيضًا من الطراز الأول، فقد صرح المصنف في باب تعدي الفعل ولزومه أن المفعول المحصور لا يجوز حذفه، فإذن هذه كلها أمور قد علمت في أبوابها، فلا حاجة إلى التنبيه عليها، ولا يكون تركه إعراضًا. «وقد يحذف منصوب صلة الألف واللام» كقوله:

ما المستفز الهوى محمود عاقبة

وإن أتيح له صفو بلا كدر

أي ما الذي يستفزه الهوى، والجمهور على منع الحذف في مثل ذلك.

ص: 227

«و» قد يحذف أيضًا العائد «المجرور بحرف، وإن لم يكمل شرط الحذف» كقوله:

ومن حسد يجور علي قومي

وأي الدهر ذو لم يحسدوني

وقد تقدم إنشاده.

فإن قلت: الواو من قوله: (وإن لم يكمل شطر الحذف) هو كالواو في مثل: (أعطوا السائل وإن جاء على فرس) وبعضهم يجعلها للعطف على مقدر [وهو ضد المذكور، أي إن لم يجئ على فرس وإن جاء على فرس] ، واعتبار ذلك في كلام المصنف يفسد المعنى؛ لأنك إذا قدرت إن كمل شرط الحذف، وإن لم يكمل. لزم أن يكون الحذف عند توفر شرائط الحذف قليلًا؛ وذلك لأن قوله:(المجرور بحرف) معطوف على المرفوع بـ (يحذف) الذي دخل عليه حرف التقليل.

ص: 228

قلت: الزمخشري يرى أن الواو في مثله واو الحال لا واو العطف، وعليه فلا إشكال، وسيأتي في ذلك كلام في باب الحال إن شاء الله تعالى.

«ولا يحذف» العائد «المرفوع إلا مبتدأ» فخرج: ضربًا وضربًا وكانا فاضلين وخبر المبتدأ وإن ونحو ذلك. «ليس خبره جملة» اسمية ولا فعلية. «ولا ظرفًا» أو شبه ظرف أعني الجار والمجرور، فإن كان خبره شيئًا من ذلك لم يحذف نحو:{الذين هم يراؤون} . ونحو: الذي هو غلامه منطلق، ونحو: الذي هو عندك، والذي هو في الدار؛ لأنه لو حذف لم يدر أحذف شيء أم لا؟ لأن الباقي صالح لأن يكون صلة تامة. «بلا شرط آخر عند الكوفيين» فيجوز عندهم جاء الذي قائم. «وعند البصريين بشرط الاستطالة في صلة غير أي» نحو:{وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله} ، ومثله قول بعض العرب: ما أنا بالذي قائل لك سوءًا. «غالبًا» إشارة إلى قراءة بعضهم: {تمامًا على الذي أحسن} . «وبلا شرط في صلتها» أي صلة أي كقوله:

إذا ما لقيت بني مالك

فسلم على أيهم أفضل

ص: 229

«وهي» يعني أيًا «حينئذ» أي حين إذ حذف المبتدأ الذي هو صدر صلتها. «[باقية] على موصوليتها مبنية على الضم» تشبيهًا بقبل وبعد، لأنه حذف منه بعض ما يوضحه ويبينه من الصلة لأنها المبينة للموصول، كما حذف من قبل وبعد المضاف إليه المبين للمضاف، نحو:{لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا} .

وأشار بقوله: «غالبًا» إلى أن بعض العرب يعربها مع ذلك ولا بينهما كقراءة طلحة ومعاذ: (أيهم [أشد]) بالنصب.

«خلافًا للخليل ويونس» فإنهما يقولان: ليست حينئذ موصولة، وإنما هي استفهامية معربة، ثم اختلفا في تخريج الآية بالنسبة إلى مفعول (ننزع):

فقال الخليل: محذوف، والتقدير لننزعن الفريق الذي يقال فيهم [أيهم] أشد؟ وبرده أنه لا يجوز أن يقال: لأضربن الفاسق، بالرفع بتقدير: الذي يقال فيه الفاسق.

ص: 230

وقال يونس: الجملة، وعلق (ننزع) عن العمل لأجل الاستفهام. ويرده أن التعليق مختص بأفعال القلوب، و (ننزع) ليس منها، ويبطل مذهبهما جميعًا قوله:

........ فسلم على أيهم أفضل

على رواية من رواه بضم (أي) ، لأن حرف الجر لا يعلق، ولا يجوز حذف المجرور ودخول الجار على معمول صلته. «وإن حذف ما تضاف إليه أعربت مطلقًا» سواء حذف صدر صلتها، أو لم يحذف، نحو: اضرب أيًا هو قائم، واضرب أيًا قائم.

قال الزجاج: ما تبين لي أن سيبويه غلط إلا في موضعين هذا أحدهما، فإنه يسلم أنها تعرب إذا أفردت، فكيف يقول ببنائها إذا أضيفت! ! وقد حكي أن سيبويه قال معتذرًا عن ذلك: لما بعدت / عن حال أخواتها بحذف أحد جزءي الابتداء، كان ذلك مخالفًا لأخواتها، فغيروها تغييرًا ثانيًا؛ لأن التغيير يأنس بالتغيير.

وقال الرضي: إذا حذف صدر صلتها بنيت كأخواتها الموصولة، وذلك أن شيئًا إذا فارق أخواته لعارض فهو شديد النزوع إليها، فبأدنى سبب يرجع إليها. ولا يخفاك ضعف هذين الاعتذارين. «وإن أنثت» أي الموصولة.

ص: 231

«بالتاء حينئذ» أي حين إذ حذف ما تضاف إليه، فقيل أية. «لم تمنع الصرف، خلافًا لأبي عمرو» فخص الحكم بالموصولة ويأبى عمرو.

وفي حواشي الإسفراييني على كتابه اللباب: إذا قلت: أية صاحبتك؟ فقال أبو عثمان: أية نكرة كمن وما في الاستفهام، قال: ولهذا صرفت. وقال الأخفش: هي معرفة، وإنما تؤنث؛ لأن التنوين في وسط الكلمة، كما إذا سميت بـ (خير منك) ، وكان غيره لا يصرفها؛ لأنها معرفة مؤنثة، وكذا حكاه ابن السراج. وأقول: إن كان لم يتقدم ذكر شيء فهي نكرة؛ إذ التقدير أية صاحبة صاحبتك؟ وإن تقدم ذكر نسوة فهي معرفة، إذ التقدير أيتهن صاحبتك؟ ولكنها مع تعريفها مصروفة، لأن الإضافة منوية، وهي معارضة لمنع الصرف؛ ولعروض التأنيث، وأما الذي يمنع الصرف فإنه رأى أن الصيغة وضعت للمؤنث، ورأى أنها معرفة ولم ينظر لتقدير الإضافة. انتهى ملخصًا «ويجوز الحضور أو الغيبة في ضمير» الموصول «المخبر به أو بموصوفه» أي بموصوف الموصول المخبر به «عن حاضر» متكلمًا [كان] أو مخاطبًا «مقدم» مثل: أنا الذي فعل أو فعلت. [وأنت الذي

ص: 232

فعل أو فعلت] اعتبارًا بحال الموصول وحال المخبر عنه. [لأن المخبر عنه] والمخبر به شيء واحد، واعتبار حال الخبر أكثر وأقيس، كقول الفرزدق:

وأنت الذي أمست نزار تعده

لدفع الأعادي والأمور الشدائد

ومن اعتبار المخبر عنه قول الفرزدق أيضًا:

وأنت الذي تلوي الجنود رؤوسها

إليك وللأيتام أنت طعامها

ص: 233

وبعضهم يخص هذا الحكم بالذي والتي وتثنيتها وجمعهما، ولا يجوز في غيرها إلا الغيبة، وظاهر كلام المصنف التعميم.

واحترز بقوله: (مقدم) من أن يكون المخبر عنه مؤخرًا نحو: الذي قام أنا أو أنت، فيتعين الغيبة، وهو مذهب الفراء، ومقتضى أصول البصريين.

قال ابن قاسم: وهو الصحيح؛ لأنهم يمنعون الحمل على المعنى قبل تمام الكلام. وأجاز الكسائي ذلك مع التأخير. «ما لم يقصد تشبيهه» أي تشبيه المخبر عنه «بالمخبر به، فيتعين الغيبة» نحو: أنا في الشجاعة الذي قتل مرحبًا تريد عليًا كرم الله وجهه، وكذا في المخاطب نحو: أنت الذي قتل مرحبًا، وذلك لأن المعنى على حذف مثل، ولو صرح بها تعينت الغيبة. «ودون التشبيه يجوز الأمران» الحضور والغيبة «إن وجد ضميران» نحو: أنا الذي قام وأكرمت زيدًا، وأنت الذي قام وأكرمته، وتعكس فتقول: أنا الذي قمت وأكرم، وأنت الذي قمت وأكرم، والأحسن البداية بالحمل على اللفظ كقول بعض الأنصار:

نحن الذين بايعوا محمدا

على الجهاد ما بقينا أبدا

ص: 234

ومن العكس قوله:

لأنت الهلالي الذي كنت مرة

سمعنا به والأرحبي المعلق

والكوفيون يمنعون الجمع بين الأمرين حيث لا فاصل قال ابن قاسم:

والسماع يشهد لهم.

«ويغني عن الجملة الموصول بها ظرف» نحو: الذي عندك زيد.

«أو جار ومجرور» نحو: الذي في الدار عمرو. «منوي معه / استقر» (وتقدير الفعل هنا مجمع عليه. «أو شبهه» أي شبه استقر) نحو: ثبت وحصل، وهذا الكلام يوهم أن هذا المنوي غير الجملة التي قال أولًا: ويغني عن الجملة. وقد يقال: إن مراده بالجملة الموصول بها الجملة الملفوظ بها، وهي التي عناها في صدر الباب بقوله: وجملة صريحة، فهذه المقدرة مغنية عن الملفوظ بها. «وفاعل هو العائد» كما مثلنا، فإن الفاعل في قولنا: الذي عندك أو في الدار ضمير عائد على الموصول «أو ملابس له» (نحو: الذي عندك أخوه زيد) ، فالفاعل هنا ليس بعائد، لكنه ملابس للعائد. وفي كلامه إشكال، فإن إن كان (فاعل) عطفًا على (ظرف) ، فالذي استغني عنه فعل لا جملة، وإن كان عطفًا على (استقر) فالملابس للعائد أو الجار والمجرور. «بذي حدث خاص» نحو: جلس، ونام. «ما لم يعمل مثله» أي مثل ذلك الحدث الخاص. «في الموصول» نحو: نزلنا الذي البارحة، أي نزلنا المنزل الذي نزلنا البارحة «أو» في «موصوف به» أي بالموصول نحو: نزلنا المنزل الذي

ص: 235

البارحة، ولعل هذا [إنما] هو عند قيام الدليل على الحدث الخاص، وإلا فلو قام لم يمتنع التركيب، كأن يقال: اعتكف زيد في الجامع، وعمرو في المسجد، فتقول: بل زيد الذي في المسجد وعمرو الذي في الجامع. «وقد يغني عن عائد الجملة ظاهر» أي عائد الموصول الذي يعود من الجملة، فأضاف العائد إليها لهذه الملابسة.

وذلك كقولهم: - فيما حكاه الكسائي: أبو سعيد الذي رويت عن الخدري والحجاج الذي رأيت ابن يوسف.

فإن قلت: هذا تكرير لقوله - أول الباب - (أو خلفه) فإن المراد بخلف العائد هو الاسم الظاهر.

قلت: ليس كذلك، فإن المفاد هنا قلة وجود الخلف، وهذا ليس بمستفاد هناك.

ص: 236