المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌«فصل: » في الكلام على ضمير الفصل - شرح التسهيل = تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد - ق ١ - جـ ٢

[بدر الدين الدماميني]

الفصل: ‌«فصل: » في الكلام على ضمير الفصل

«فصل: » في الكلام على ضمير الفصل

.

«من المضمرات» الضمير «المسمى عند البصريين فصلًا» لأنه فصل [به] بين كون ما بعده خبرًا وكونه نعتًا، ألا ترى أنك إذا قلت: زيد المنطلق، جاز أن يتوهم السامع أن (المنطلق) صفة فينتظر الخبر، وجاز أن يفهم أنه خبر، فإذا قلت: زيد هو المنطلق تعين الخبر. فصارت هذه الصيغة هي التي فصلت بين الخبر والنعت، وعينت (المنطلق) للخبر. «وعند الكوفيين عمادا» لأنه اعتمد عليه في [هذا] المعنى، فالفصل أخص إذ كل ما وضع / للفصل كتاء التأنيث والإعراب قد اعتمد به على المراد منه، وليس كل ما يعتمد به في شيء يكون فصلًا، ألا ترى أن زيدًا من (زيد قائم) معتمد عليه في المراد منه، ولم يفصل شيئًا من شيء؟ . وإذا كان الفصل أخص كانت التسمية فصلًا أولى. لخصوصه؛ لأن الأخص يكون مشتملًا على الأعم ضرورة عدم تحقق الأخص بدون الأعم، فيكون أكثر فائدة، فيكون أولى، و [قد] قرر ابن الحاجب في شرح المفصل وجه الأولوية على طريقة أخرى فقال:

تسمية أهل البصرة له فصلًا أقرب إلى الإصطلاح؛ لأن الشيء يسمى باسم معناه في أكثر الألفاظ، ولما كان المعنى في هذا الضمير الفصل كان تسميته

ص: 128

فصلًا أخرى من تسمية الكوفيين، فإنهم سموه باسم ما يلازمه ويؤدي إلى معناه، فكانت تسمية البصريين أظهر.

«ويقع» هذا المسمى فصلًا أو عمادًا «بلفظ» الضمير «المرفوع المنفصل مطابقًا لمعرفة» في إفراد وضديه وتكلم نحو: [{وإنا لنحن الصافون} الآية وخطاب نحو: {أئنك لأنت يوسف} ، ونحو: {إنك أنت السميع العليم} ، وغيبة نحو: ]{إن هذا لهو القصص الحق} ، [وقوله]:«قبل» ظرف مقطوع عن الإضافة، مبني على الضم في محل جر على أنه صفة للمجرور من قوله: لمعرفة. أي لمعرفة كائنة قبل ضمير الفصل، لكن هذا يشكل بقولهم: إن الغايات لا تقع أخبارًا ولا صلات ولا صفات ولا أحوالًا. نص على ذلك سيبويه وجماعة من المحققين.

فإن قلت: يرد عليهم قوله تعالى: {قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل} .

ص: 129

قلت: كذا زعم ابن هشام، بناء على أن قوله:(من قبل) ظرف مستقر، وأنه صلة، وهو ممنوع، بل الصلة هي قوله {كان أكثرهم مشركين} و (من قبل) ظرف لغو متعلق بخبر كان، والتقدير: كيف كان عاقبة الذين كانوا مشركين من قبل. فلا إشكال.

«ثابت الابتداء» بالجر صفة لـ (معرفة) أيضًا نحو: زيد هو القائم، «أو منسوخه» أي منسوخ الابتداء كالأمثلة المتقدمة {وإنا لنحن الصافون} وما ذكر معه «ذي خبر» صفة لـ (معرفة) أيضًا «بعد» أي كائن بعده، فقطعه عن الإضافة، وهو صفة لـ (خبر)، ففيه ما تقدم من الإشكال. «معرفة» صفة لـ (خبر) نحو: زيد هو القائم، وما تقدم من الإشكال. «معرفة» صفة لـ (خبر) نحو: زيد هو القائم، وما تقدم من المثل. «أو كمعرفة في امتناع دخول لألف واللام عليه» نحو: زيد هو أفضل منك، فالخبر هنا نكرة لكنه مشابه للمعرفة في امتناع دخول (أل) عليه، فلو كانت النكرة قابلة لـ (أل) امتنعت المسألة نحو: كان زيد هو منطلقًا. «وأجاز بعضهم وقوعه بين نكرتين كمعرفتين» في امتناع دخول أل نحو: ما ظننت أحدًا هو خيرًا منك. «وربما وقع بين حال وصاحبها» نحو: {هؤلاء بناتي هن أطهر لكم} فيمن قرأ بنصب أطهر ولحن أبو عمرو من قرأ بذلك،

ص: 130

وقد خرجت على أن (هؤلاء بناتي) جملة، و (هن) إما توكيد لضمير مستتر في الخبر أو مبتدأ و (لكم) الخبر، وعليهما فـ أطهر حال.

قال ابن هشام: وفيهما نظر، أما الأول فلأن (بناتي) جامد غير مؤول بالمشتق، فلا يتحمل ضميرًا عند البصريين.

قلت: قد يمنع كونه غير مؤول بمشتق، إذ هو في معنى مولوداتي.

قال: وأما الثاني، فلأن الحال لا تتقدم على عاملها الظرفي عند أكثرهم.

«وربما وقع بلفظ الغيبة بعد حاضر قائم مقام مضاف» كقول جرير:

وكائن بالأباطح من صديق

يراني لو أصبت هو المصابا

ص: 131

فكان القياس: يراني أنا المصاب. مثل: {إن ترني أنا أقل} ، وهذا كالاستدراك من قوله: مطابقًا لمعرفة قبل. فإنه قد وقع في هذا البيت مخالفًا لما قبله؛ فإن ضمير الفصل بلفظ الغيبة، وما قبله بلفظ الحضور، وهو ياء المتكلم من قوله: يراني. فاعتذر / المصنف عنه بما تراه، من أنه على تقدير مضاف، أي يرى مصابي. والمصاب حينئذٍ مصدر كقولهم: جبر الله مصابك. أي مصيبتك، أي يرى مصابي هو المصاب العظيم، ومثله في حذف الصفة {قالوا الآن جئت بالحق} ، أي الواضح، ولولا ذلك لكفروا بمفهوم الظرف، {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنًا} أي نافعًا؛ لأن أعمالهم توزن، بدليل {ومن خفت موازينه} الآية، وأجازوا سير بزيد سير، بتقدير الصفة، أي واحد، وإلا لم يفد. كذا في مغني اللبيب لابن هشام، قال: وزعم ابن الحاجب أن الإنشاد (لو أصيب) بإسناد الفعل إلى ضمير الصديق، وأن (هو) تأكيد له أو لضمير يرى قال: إذ لا يقول عاقل يراني مصابًا

ص: 132

إذ أصابتني مصيبة. قال ابن هشام: وعلى ما قدمناه من تقدير الصفة لا يتجه الاعتراض.

قلت: الصفة التي أشار إليها إنما قدرها على جعل المصاب مصدرًا لا اسم مفعول، وكلام ابن الحاجب فيما إذا كان المصاب اسم مفعول لا مصدرًا؛ ولذلك جعله مفعولًا ثانيًا لـ (يرى) والمفعول الأول هو الياء، ولولا ذلك لما صح بحسب الظاهر، وأنا أقول: إن الاعتراض الذي أشار إليه ابن الحاجب غير متجه مع الإعراض عن تقدير الصفة؛ وذلك لأن مبناه على أن يكون (مصابًا) اسم مفعول نكرة، والواقع في البيت ليس نكرة، بل هو معرف بأل، والحصر يستفاد من هذا التركيب، كقوله: زيد الفاضل، أي لا غيره، وكذا المعنى في البيت، أي لو أصبت أنا رآني المصاب، بمعنى أنه لا يرى المصاب إلا إياي دون غيري، كأنه لعظم منزلته عنده وشدة صداقته له تتلاشى عنده مصائب غير صديقه هذا، فلا يرى غيره مصابًا، ولا يرى المصاب إلا إياه مبالغة، فالمعنى صحيح متجه بدون تقدير صفة، كما رأيت. وأنت خبير بأن هذا المعنى يمكن إجراؤه إذا جعل المصاب مصدرًا، فلا يحتاج إلى تقدير صفة، كما ادعاه ابن هشام. «ولا يتقدم» ضمير الفصل «مع الخبر المقدم» نحو: القائم [كان] زيد، وهو القائم ظننت زيدًا وشبهه؛ لأن فائدة الفصل صون الخبر من توهم كونه تابعًا، ولا توهم مع تقديمه، ضرورة أن التابع لا يتقدم

ص: 133

على المتبوع، فتكون فائدته إذ ذاك منتفية، فتمتنع المسألة، كذا قال المصنف. وفيه نظر؛ للزوم امتناع الإتيان به حيث انتفت تلك الفائدة، واللازم باطل بدليل: كان زيد هو القائم بالنصب ونحوه.

«خلافًا للكسائي» فإنه أجاز تقدمه مع الخبر المقدم، كذا نقل عنه الفراء، ونقل هشام عنه المنع كقول البصريين، وفي كلام المصنف إشارة إلى أن المسألة مفروضة في تقدمه مع [تقدم] الخبر وحده، فلا يدخل في ذلك نحو: زيدًا هو القائم ظننت.

قال ابن قاسم: فلو تقدم الأول وتأخر الثاني نحو: زيدًا ظننت هو القائم، ففي جواز ذلك نظر. «ولا موضع له من الإعراب على الأصح» لأن الغرض به الإعلام من أول الأمر بكون ما يليه خبرًا لا صفة، فاشتد شبهه بالحرف؛ إذ لم يجأ به إلا لمعنى في غيره، فلم يجعل له موضع من الإعراب، ولم يبين في الشرح من المخالف، وهم الكوفيون، وذكر في شرح الكافية: أن محله باعتبار ما قبله عند الفراء، وباعتبار ما بعده عند الكسائي. وغيره عكس هذا النقل. وكل من قال: له موضع فهو عنده اسم، وأما القائلون بأنه لا موضع له: فمن قائل هو حرف، ومن قائل هو اسم يشبه الحرف، لأنه جيء به لمعنى يشبه معنى الحرف فأعطي حكمه كما تقدم.

ص: 134

وصحح ابن الحاجب في شرح المفصل كونه ضميرًا، وكونه / ذا موضع وكون الموضع باعتبار ما قبله، قال: على أنه توكيد، وأنه - إذا انتصب ما قبله - نائب عن الضمير المنصوب. ويرد عليه أن ما قبله قد يكون ظاهرًا، والمضمر لا يؤكد به الظاهر [فلا يقال جاءني زيد هو، على أن الضمير توكيد لزيد، ونحن نقول: إن زيدًا هو القائم، وأيضًا فاللام تدخل عليه في نحو: إن زيدًا لهو العالم، ولا تدخل في توكيد الاسم] فلا يقال: إن زيدًا لنفسه كريم.

وقال في أماليه: إنه ليس بتوكيد؛ لأنه ليس عبارة عما قبله ولا له مفسر.

وهذا بناء منه على أنه حرف.

قال أبو حيان في الارتشاف: وهو قول أكثر النحاة، وصححه ابن عصفور. «وإنما تتعين فصليته إذا وليه منصوب» أي ما يعلم كونه منصوبًا، وهذه العبارة أجود من قول بعضهم في ضابطه: يتعين الفصلية في باب ظننت وأعلمت وكان وأخواتهن، بشرط اللام أو تقدم الظاهر. لأنه يخرج عنه نحو: ظننت زيدًا هو المعطى دينارًا فلا يتعين الفصلية حينئذ. «وقرن باللام» نحو: إن كان زيد لهو الفاضل، وإن ظننت زيدًا لهو الفاضل، إذ يمتنع جعله مبتدأ لنصب ما بعده، وتابعًا لدخول اللام عليه. «أو ولي ظاهرا» منصوبًا ووليه منصوب نحو: ظننت زيدًا هو القائم، فهنا أيضًا تتعين الفصلية؛ لامتناع كونه مبتدأ بسبب نصب ما بعده، والبدلية، لنصب

ص: 135

ما قبله، وإذا تقرر ذلك فقول المصنف: ولي ظاهرًا. معطوف على قوله: قرن باللام. لا على قوله: وليه منصوب. لأن تعينه للفصلية مشروط بأن يليه منصوب، وينضاف إلى هذا الشرط أحد أمرين: أن يقرن باللام أو يلي ظاهرًا منصوبًا، لكن المصنف أخل بتقييد الظاهر بكونه منصوبًا؛ لأنه إن لم يل منصوبًا لم تتعين الفصلية نحو: كان زيد هو القائم؛ لجواز أن يكون (وهو) بدلًا، وإن كان الاسم ضميرًا نحو:{كنت أنت الرقيب عليهم} جاز الوجهان وجاز مع ذلك أن يكون توكيدًا.

«وهو مبتدأ مخبر عنه بما بعده عند كثير من العرب» حكى الجرمي: أنها لغة بني تميم وحكى عن أبي زيد أنه سمعهم يقرؤون: {تجدوه عند الله هو خير وأعظم أجرًا} - بالرفع - وقال قيس بن الذريح:

ص: 136

تبكي على لبنى وأنت تركتها

وكنت عليها بالملا أنت أقدر

ص: 137