المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌«فصل»: يذكر فيه المواضع التي ينفصل فيها الضمير: - شرح التسهيل = تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد - ق ١ - جـ ٢

[بدر الدين الدماميني]

الفصل: ‌«فصل»: يذكر فيه المواضع التي ينفصل فيها الضمير:

«فصل» : يذكر فيه المواضع التي ينفصل فيها الضمير:

إما على جهة الوجوب أو الاختيار أو جواز الأمرين أعني، الاتصال والانفصال على السواء، وما يتصل ذلك.

«يتعين انفصال الضمير» أي القابل للفصل وإلا انتقض بنحو: إنما مررت بك.

«إن حصر بـ (إنما) كقول الفرزدق:

أنا الذائد الحامي الذمار وإنما

يدافع عن أحاسبهم أنا أو مثلي

ص: 82

الذائد: أوله ذال معجمة [وآخره دال مهملة، بمعنى الطارد، أي أنا الذي أطرد عنهم] ما يسؤوهم. والذمار: بكسر [الذال]، ما يلزمك حفظه وحمايته. والاستشهاد بهذا البيت مبني على أن (ما) من قوله:(وإنما) كافة. وقد يقال: إنها موصولة و (أنا) خبر، وفاعل يدافع ضمير مستتر عائد إلى ما. ولا يضر فوات الحصر المستفاد من إنما لحصوله على طريق:(المنطلق زيد) ، لكن فيه إطلاق (ما) على من يعقل لغير ضرورة، ولعلنا نتكلم فيه في باب الموصول إن شاء الله تعالى. ونسب أبو حيان المصنف في هذا الموضع إلى الغلط الفاحش والجهل بلسان العرب، وادعى أن ذلك قول لم يقله أحد، ثم تلا آيات شريفة جعلها مستند تغليطه.

نحو: {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} ، {إنما أعظكم بواحدة} ، {إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة} ، {وإنما توفون أجوركم يوم القيامة} قال: ولو كان على ما زعم لكان التركيب: إنما يشكو بثي وحزني أنا. وكذا الجميع. وهذا هجوم بالتخطئة من غير تثبت، قال الشيخ بهاء الدين السبكي: ولسان حال ابن مالك يتلو: {إنما أشكو بثي

ص: 83

وحزني إلى الله}. وكلام المصنف هو الصواب، وليس منفردًا به، وتحقيق ذلك: أن ابن مالك بنى كلامه على قاعدتين:

إحداهما: أن إنما للحصر وهو الذي عليه أكثر الناس.

والثانية: أن المحصور بها هو الأخير لفظًا، وهذا الذي أجمع عليه البيانيون، وعليه غالب الاستعمال، وإذا ثبت لنا هاتان القاعدتان صح ما ادعاه؛ لأنك لو وصلت لما فهم والتبس؛ إذ قولك: إنما قمت، موضوعه: لم يقع مني إلا القيام. فلو أردت به: ما قام إلا أنا، لم يفهم، ولا سبيل إلى فهمه إلا بأن تقول:[إنما قام أنا، كما تقول]: ما قام إلا أنا، وبهذا علم سقوط استدلال أبي حيان بالآيات المذكورة، وما يشبهها؛ لأن كلا منها قصد فيه حصر الأخير لا الفاعل، ولو قصد حصر الفاعل لا نفصل.

وقول سيبويه: إن الفصل ضرورة، لا يرد عليه، لأنه بناه على أن (إنما) ليست للحصر كما نقل.

وإذا تأملت كلام المصنف وجدته في غاية التحرير، وذلك أنه قال: إن حصر بإنما. ولم يقل: إنوقع بعد إنما، وسيبويه لا يقول: إن حصر بإنما لا ينفصل. بل يقول: الحصر بإنما لا وجود له. فهما كلامان لم يتواردا على محل واحد. «أو رفع بمصدر مضاف إلى المنصوب» كقوله:

ص: 84

بنصركم نحن كنتم ظافرين فقد

أغرى العدا بكم استسلامكم فشلا

فلو نصب بمصدر مضاف إلى المرفوع لم يجب فصله، [بل يترجح نحو: عجبت من ضربكه، ومن ضربك إياه.

فإن قلت: بل يجب فصله] في بعض الصور كما إذا قلت: عجبت من ضرب الأمير إياه، وعلى هذا فينبغي أن يجعل المنصوب في كلام المصنف صفة للضمير محذوفًا، والتقدير: أو رفع بمصدر مضاف إلى الضمير المنصوب. ليصير المعنى: أنه إذا نصب بمصدر مضاف إلى الضمير المرفوع لم يجب الفصل.

فيسلم. من النقض بمثل هذه الصورة؛ لأن المصدر فيها مضاف إلى ظاهر، لا إلى ضمير [مرفوع]؟

قلت: لا نسلم وجوب انفصال الضمير في صورة النقض، بل يجوز اتصاله، بأن تفصل بين المتضايفين، فتقول: عجبت من ضربه الأمير، بجر الأمير، كما وقع في قوله:

ص: 85

................ فإن نكاحها مطر حرام

فيمن رواه بجر مطر، وهذا على حد قوله تعالى في قراءة ابن عامر:

ص: 86

{قتل أولادهم شركائهم} بنصب أولاد وجر الشركاء. «أو» رفع «بصفة جرت على غير صاحبها» كقوله:

غيلان مية مشغوف بها هومذ

بدت له فحجاه بان أو كربا

قال المصنف في الشرح في باب المبتدأ: إن المرفوع بالفعل كذلك إذا حصل إلباس نحو: زيد وعمرو يضربه هو. فتقييده المسألة هنا بالصفة ليس بجيد، ثم إطلاقه الصفة مردود بمسألة زيد قائم أبواه لا قاعدان، فقد جرت الصفة على غير صاحبها، ولم يفصل الضمير.

فإن قلت: هل الصفة في هذه المسألة مسندة إلى الضمير المرفوع المنفصل؟

قلت: كلامه محتمل لذلك كما صرح به ابن الحاجب في الكافية، ولأن يكون المسند إليه هو الضمير المستكن في الصفة، وهذا الضمير البارز المنفصل تأكيد له، إذ رفعه بالصفة صادق بالأمرين.

ص: 87

قال الرضي الإستراباذي: الضمير البارز بعد الصفة إذا جرت على غير من هي له تأكيد للضمير المستكن فيها لا فاعلها، كما في {اسكن أنت وزوجك الجنة} ، وذلك لأنك تقول: - مطردًا نحو الزيدون ضاربوهم نحن، والزيدان الهندان ضارباهما [هما]، وقد عرفت ضعف [نحو]: جاءني رجل قاعدون غلمانه.

وقال الزمخشري في أحاجبيه: بل تقول ضاربهم نحن، وضاربهما هما، فإن ثبت ذلك فهو فاعل كما قيل. «أو أضمر العامل أو أخر» فالأول نحو: إياه. لمن قال: من أضرب؟ . ومنه قوله:

فإياك إياك المراء فإنه

إلى الشر دعاء وللشر جالب

ص: 88

والثاني نحو: {إياك نعبد وإياك نستعين} وإنما لزم الانفصال في الموضعين، لأنه لا يمكن أن يكون كالجزء الأخير من العامل المحذوف أو المؤخر. «أو كان» العامل «حرف نفي» نحو:{ما هن أمهاتهم} ، {وما أنتم بمعجزين} وقول الشاعر:

إن هو مستوليا على أحد

إلا على أضعف المجانين

وإنما انفصل هنا لأنه لو اتصل لوجب استتاره إذا كان مفردًا غائبًا - مثلًا - بعد تقدم ذكر زيد، فيقال: زيد ما قائمًا. على أن يكون في (ما) ضمير زيد، فيؤدي إلى استتار الضمير في الحرف، واللازم باطل؛ لأنه على خلاف لغتهم، ولا يخفاك أن هذا الموجب إنما هو على لغة من أعمل الحرف،

ص: 89

وهم الحجازيون في (ما) ، وأهل العالية في (إن). وأما التميميون فموجب انفصال الضمير عندهم في هذه الصورة كون عامل الضمير معنويًا، لأنه عندهم مرفوع بالابتداء. «أو فصلة متبوع» أي فصل العامل عن الاتصال بالضمير متبوع نحو:

{يخرجون الرسول وإياكم} ، {لقد كنتم أنتم وآباؤكم} ، ونحوه: قام القوم وأنت، وحتى أنت، وأكرمتهم حتى إياك، فإن أردت بحتى الجارة لم يجز لأنها لا تجر الضمير، والمبرد يجيزه فيقول: حتاك، فيظهر الفرق بين العاطفة والجارة بالفصل والوصل.

فإن قلت: لم عدل المصنف عن أن يقول: أو كان الضمير تابعًا، إلى قوله: أو فصله متبوع؟

قلت: لعله ليشمل مسألة غريبة ذكرها أبو حيان في تفسيره في قوله تعالى:

ص: 90

{وإياي فاتقون} ، فإنه جعل (إياي) مفعولًا مقدمًا، والياء في (اتقون) توكيدًا. فهذه صورة وقع الضمير فيها تابعًا، ولم يفصل لاتصاله بالعامل لفظًا، ولا يتصور مثل ذلك إذا كان العامل مفصولًا عن مباشرة الضمير بمتبوع فيتعين الفصل، فكأنه اختار هذه العبارة لهذا المعنى فتأمله. «أو ولي» الضمير واو المصاحبة» كقوله:

فآليت لا أنفك أحدو قصيدة

تكون وإياها بها مثلا بعدي

«أو» ولي «إلا» كقوله تعالى: {أمر أن لا تبعدوا إلا إياه} وقال الشاعر:

ص: 91

قد علمت سلمى وجاراتها

ما قطر الفارس إلا أنا

«أو» ولي «إما» كقولك: [قام] إما أنا وإما أنت. وقول الشاعر:

بك أو بي استعان فليك

إما أنا أو أنت ما ابتغى المستعين

«أو» ولي «اللام الفارقة» بين إن النافية والمخففة من الثقيلة كقوله:

ص: 92

إن وجدت الصديق حقا لإيا

ك فمرني فلن أزال مطيعا

وقد يتخيل أن المصنف لو قال: لام الابتداء، لكان أحسن لشموله لنحو: إن الكريم لأنت، وليس كذلك لوجهين:

أحدهما: أن اللام الفارقة ليست لام الابتداء عن أبي علي الفارسي وأبي الفتح بن جني وجماعة، فلا يكون التعبير بلام الابتداء شاملًا لها على هذا الرأي. وسيأتي في ذلك كلام.

والثاني: أن الفصل في نحو: إن الكريم لأنت، ليس من جهة اللام؛ لحصوله قبلها، بل من جهة كونه خبرًا لإن.

«أو نصبه» أي الضمير «عامل في مضمر قبله غير مرفوع إن اتفقا رتبة» ، بأن يكونا جميعًا ضميري متكلم أو مخاطب أو غائب نحو: علمتني إياي، [وعلمتك إياك] ، وعلمته إياه، فلو كان الضمير الذي قبله مرفوعًا نحو: علمتني، لم يجز الفصل. «وربما اتصلا غائبين إن لم يشتبها لفظًا» نحو: ما حكاه الكسائي (هم أحسن الناس وجوهًا وأنضرهموما)، ومنه قول مغلس:

ص: 93

وقد جعلت نفسي تطيب لضغمة

لضغمهماها يقرع العظيم نابها

وقول الآخر:

لوجهك في الإحسان بسط وبهجة

أنا لهماه قفو أكرم والد

وهو قليل جدًا، والوجه الانفصال، فإن اشتبها لفظًا امتنع الاتصال نحو:

ص: 94

زيد الدرهم أعطيتهوه، وفي كلام سيبويه ما يدل على جوازه؛ فإنه قال: والكثير في كلامهم أعطاه إياه. فاقتضى ذلك أن نحو: أعطاهوه واقع في كلامهم بقلة.

«وإن اختلفا رتبة» بأن يكون أحدهما لمتكلم والآخر لمخاطب أو غائب «جاز» في الثاني «الأمران» : الاتصال والانفصال فنقول: الدرهم أعطيتكه، وأعطيتك إياه، وأما الأول الذي هو وال للفعل فلا يكون إلا متصلا كما رأيت. «ووجب - في غير ندور - تقديم الأسبق رتبة مع الاتصال» فيقدم المتكلم على المخاطب والمخاطب على الغائب نحو: يا غلام أعطانيك زيد، [والدرهم أعطانيه زيد] ، والدرهم أعطيتكه، هذا في الأمر الغالب، وندر غيره كما روي من قول عثمان، رضي الله عنه: أراهمني الباطل شيطانًا. فقدم ضمير الغائب على ضمير المتكلم مع الاتصال، قال المصنف: والقياس أرانيهم. وانتقد بأن ضمير الجمع للغائب هو الفاعل في المعنى، فالقياس إذن أراهم إياي، وإنما قال: مع الاتصال. احترازًا من الانفصال، فإن لك معه تقديم ما شئت منهما، فتقول: الدرهم أعطيتك إياه، وأعطيته إياك، [لكن] هذا مقيد بانتفاء اللبس، وأما مع وجود اللبس فيجب تقديم ما هو فاعل في المعنى نحو: زيد أعطيتك إياه. «خلافًا للمبرد وللكثير من القدماء» وفي بعض النسخ: ولكثير من القدماء. بتنكيز كثير، وهؤلاء جوزوا

ص: 95

تقديم غير الأسبق رتبة مع الاتصال نحو: أعطيتهوك، كأنهم استندوا فيه إلى ما تقدم من: أراهمني الباطل شيطانًا، لكنهم مع ذلك يقولون: الانفصال أحسن.

«وشد إلاك» بكسر الكاف في قول الشاعر:

وما نبالي إذا ما كنت جارتنا

أن لا يجاورنا إلاك ديار

حيث أتى بالضمير متصلًا بعد إلا وحقه أن يكون منفصلا [كما تقدم] ، فهذا يعد من الضرورات «فلا يقاس عليه» بحيث يستعمل مثله في السعة، وقد يقال: إن الحكم بشذوذ (إلاك) مقتض لعدم القياس عليه، فيكون قوله: فلا يقاس عليه. أمرًا استغني عنه.

فإن قلت: المنقول عن ابن الأنباري جواز مثل ذلك في الكلام، فهو مما يقاس عليه عنده، فلعل المصنف أشار بقوله: فلا يقاس عليه. إلى هذا القول؟

قلت: إن ثبت أن ابن الأنباري يجيز القياس على ذلك، كما يقتضيه كلام ابن قاسم وغيره، فلا يمكنه أن يحكم بشذوذ مستنده في القياس لمنافاته له، نعم يمكن أن يكون مخالفًا في الأمرين معًا شذوذ (إلاك) ونفي القياس عليه.

ص: 96

وحينئذ تظهر فائدة الإتيان بالجملة الثانية؛ وذلك لأن المخالفة في الأولى لا تستلزم المخالفة في الثانية؛ إذ من الجائز أن يخالف المخالف في شذوذ (إلاك) ، لكونه عنده كثيرًا، ولا يخالف في عدم القياس عليه؛ لأنه لم يبلغ من الكثرة إلى الحد المسوغ للقياس عليه، فلذلك لم يستغن بالأولى عن الثانية، وفي بعض النسخ: فلا يقاس عليه ولا يجوز حتاك خلافًا لابن الأنباري فيهما.

«ويختار اتصال نحو هاء «أعطيتكه» وهو كل مفعول ثانٍ ليس بخير في الأصل نحو: {أنلزمكموها} ، واقتصر سيبويه فيه على ذكر الاتصال. قال المصنف [رحمه الله]: وظاهر كلامه لزم الاتصال. وأجاز غير سيبويه الانفصال، ويدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام «إن الله ملككم إياهم، ولو شاء لملكهم إياكم» .

«و» يختار «انفصال الآخر من نحو: «فراقيها» في قول الشاعر:

ص: 97

تغربت عنها كارها فتركتها

وكان فراقيها أمر من الصبر

والمراد بهذا كل ضمير منصوب بمصدر مضاف إلى ضمير قبله هو فاعل «و» من نحو: «منعكها» في قول الشاعر:

فلا تطمع - أبيت اللعن - فيها

ومنعكها بشيء يستطاع

والمراد بهذا: كل ضمير منصوب بمصدر مضاف إلى ضمير قبله وهو مفعول.

«و» من نحو: «خلتكه» وهو كل ضمير [هو] ثاني مفعولين أصلهما

ص: 98

المبتدأ والخبر، فالانفصال في هذه الصور الثلاث أرجح عند المصنف. ومن الانفصال في الصورة الأخيرة قول الشاعر:

أخي حسبتك إياه وقد ملئت

أرجاء صدرك بالأضغان والإحن

ووجه اختيار الانفصال في الصورتين الأوليين أن الانفصال فيما ولي الضمير [المجرور أولى من الانفصال فيما ولي الضمير] المنصوب؛ لأن الفعل أقعد في اتصال الضمير به من المصدر؛ لأنه يطلب الفاعل والمفعول لذاته، والمصدر يطلبهما لمشابهته له.

ووجه اختيار الانفصال في الصورة الأخيرة أن في مفعولي (خلت) رائحة المبتدأ والخبر اللذين حقهما الانفصال. «وكهاء «أعطيتكه» هاء» نحو: «كنته» وهو ما وقع خبرًا لـ (كان) أو إحدى أخواتها، فيختار فيه الاتصال / وهو رأي المصنف، وصرح ابن الحاجب وجماعة بأن المختار في خبر (كان) الانفصال.

ووجه الأول كون الاسم كالفاعل والخبر كالمفعول، فكنته كضربته.

ص: 99

ووجه الثاني أن اسمها في الحقيقة ليس فاعلًا حتى يكون كالجزء من عامله، بل الفاعل في الحقيقة مضمون الجملة؛ لأن الكائن - في قولك: كان زيد قائمًا - (زيد، كما يجيء في الأفعال) الناقصة، قال عمر بن أبي ربيعة:

لئن كان إياه لقد حال بعدنا

عن العهد والإنسان قد يتغير

وقال:

ص: 100

ليت هذا الدهر شهر

لا نرى فيه عريبا

ليس إياي وإيا

ك ولا نخشى رقيبا

وقد جاء [على] ما حكاه سيبويه: ليسني وكأنني قال:

عددت قومي كعديد الطيسي

إذ ذهب القوم الكرام ليسي

ص: 101

وقيل - لبعض العرب -: إن فلانًا يريدك. فقال: عليه رجلًا ليسني.

وقال أبو الأسود الدؤلي:

فإن لا يكنها أو تكنه فإنه

أخوها غذته أمه بلبانها

وفي الحديث: (إن يكنه فلن تسلط عليه، وإن لم يكن فلا خير لك في [قتله].

«وخلف ثاني مفعولي [نحو]: «أعطيت زيدًا درهمًا» في باب الإخبار» يعني أن هذا أيضًا مثل هاء (أعطيتكه) في اختيار الاتصال فيه، فإذا

ص: 102

أخبرت عن الدرهم في [مثل] هذا المثال قلت: الذي أعطيته زيدًا درهم.

وهذا اختيار المازني؛ لأن الاتصال هو الأصل، واختار قوم الانفصال فيه، فتقول: الذي أعطيت زيدًا إياه درهم. على قاعدة باب الإخبار، وهو أنك تضع الضمير موضع المخبر عنه، ورجح أيضًا بوجوب الانفصال عنه خوف اللبس، فتقول: في أعطيت زيدًا عمرًا - الذي أعطيت زيدًا إياه عمرو. «نحو: ضمنت إياهم الأرض» في قول الشاعر:

بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت

إياهم الأرض في دهر الدهارير

ص: 103

«و «يزيدهم حبًا إليّ هم» في قول الشاعر:

وما أصاحب من قوم فأذكرهم

إلا يزيدهم حبًا إليّ هم

«من الضرورات» ، وذلك لأنه استعمل في كل منهما المنفصل في مكان المتصل مع عدم داع إليه غير الضرورة، ووجه ذلك في البيت الثاني أن المصنف ادعى أن الأصل فيه يزيدون أنفسهم، ثم صار يزيدونهم، ثم فصل ضمير الفاعل للضرورة وأخر عن ضمير المفعول.

قال ابن هشام في مغنيه: وحامله على ذلك ظنه أن الضميرين لمسمى

ص: 104

واحد وليس كذلك، فإن مراده أنه ما يصاحب قومًا فيذكر قومه لهم إلا ويزيد هؤلاء القوم قومه حبًا إليه؛ لما يسمعه من ثنائهم [عليهم] والقصيدة في حماسة أبي تمام.

قلت: قدر رحمه الله ما لا دليل عليه في البيت؛ لأنه قدر (لهم) بعد (أذكرهم) وقد ثناءهم على قومه ليكون ذلك سببًا لزيادتهم إياه حبًا في قومه، وهو في غنية عن ذلك، إذ يجوز أن يكون المراد أنه إذا صاحب قومًا فذكر قومه - أي تذكرهم - زاد هؤلاء القوم المصاحبون قومه حبًا إليه، لما يشاهده من انحطاط مرتبة هؤلاء من مرتبة قومه ففيه إشارة إلى فضل قومه على كل من يصاحبه من الأقوام، وقد قال: في الصحاح إنه يقال: ذكرته بلساني وبقلبي، وتذكرته بمعنى.

ص: 105