الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السابع
«باب المضمر»
«وهو» الاسم «الموضوع لتعيين مسماه مشعرًا بتكلمه أو خطابه أو غيبته» ، فالاسم جنس يشمل المعرفة والنكرة، وإنما تركه اتكالًا على وضوح المعنى وظهوره.
قال المصنف: وخرج بالوضع المضاف والمنادى وذو الأداة، وخرج بالتعيين النكرات، إذ المراد به جعل المعنى معاينًا للسامع أو كالمعاين، وخرج بما بعده العلم والمشار به والموصول إذ لا يشعرن بشيء من ذلك، هذا معنى كلامه.
قلت: وفيه نظر، لأنا لا نسلم أن [الوضع] مخرج للمنادى والمضاف وذي الأداة، ضرورة أنهن معارف، وكل معرفة موضوعة لشيء بعينه، وغاية الأمر أن تعين المعنى تارة يكون بجوهر اللفظ، وتارة يكون بأمر خارج عنه كما مر، وذلك لا ينافي كون المعرفة موضوعة لشيء بعينه. فالحق أن قوله: الاسم. جنس يشمل المعرفة والنكرة، وقوله: الموضوع لتعيين مسماه يخرج
النكرة وأوله: مشعرًا بتكلمه. إلى آخره يخرج ما عدا الضمير من المعارف، وأحسن من هذا التعريف وأخصر قول ابن الحجاب ما وضع لمتكلم ××× مخاطب أو غائب «فمنه» أي من المضر «واجب الخفاء» وهو ما لا يخلفه ××× ولا ضمير منفصل، قال أبو حيان: وهذا اصطلاح غريب لا نعرفه لغير المصنف. «وهو المرفوع بالمضارع ذي الهمزة» نحو: أقوم. «أو النون» نحو: نقوم.
«وبفعل أمر المخاطب» المفرد المذكر نحو: قم.
ومضارعه» أي مضارع المخاطب المفرد المذكر نحو: تقوم. «اسم فعل الأمر مطلقًا» سواء كان لمفرد مذكر أو غيره نحو: نزال يا زيد ويا زيدان ويا زيدون ويا هند ويا هندان ويا هندات.
فإن قلت: نقص من مواضع وجوب الخفاء اسم الفعل المضارع نحو: أوه وأف.
قلت: كذا قال أبو حيان وتبعه ابن قاسم وغيره والانفصال عنه متأتٍ، بان ما ذكر في معنى المضارع ذي الهمزة، فإن أوه بمعنى أتوجع وأف بمعنى أتضجر فاستغنى عن ذلك، وأما اسم فعل الأمر - وإن كان الاستغناء عنه بفعل الأمر ممكنًا - فوجه تخصيصه بالذكر، أنه ذكر لأجل قوله:(مطلقًا) ، إذ هذا الإطلاق ليس باتًا في فعل الأمر ضرورة أن وجوب خفاء ضميره منوط [بما] إذا كان للمفرد المذكر فقط بدليل قومي وقوما وقوموا وقمن. «ومنه
جائز الخفاء» وهو ما يخلفه [ظاهر أو ضمير منفصل]. «وهو المرفوع بفعل الغائب» نحو: زيد قام، ويقوم، وليقم، إذ يجوز أن يخلفه الظاهر فتقول: زيد قام أبوه، ويقوم أبوه، وليقم أبوه، وكذا سائر أنواع هذا القسم. «والغائبة» نحو:«هند قامت، وتقوم، ولتقم «أو معناه» يريد: أو معنى فعل الغائب والغائبة. «من اسم فعل» نحو: زيد هيهات، وهند هيهات. «وصفة» نحو: زيد ضارب ومضروب، وهند ضاربة ومضروبة. «وظرف» / نحو: زيد عندك «وشبهه» أي شبه ظرف، وهو الجار والمجرور نحو: زيد في الدار، وهند في الدار، فالضمير مستكن في هذه الأمثلة كلها، وهو جائز الخفاء؛ لأن الظاهر قد يخلفه كما تقدم.
وقد انتقد [ذلك] على المصنف بأن الضمير في كل ما ذكره واجب الخفاء؛ إذ لا يصح أن يقال: زيد قام هو مثلًا، على أن يكون (هو) فاعلًا بقام، وكون الظاهر قد يقع في موقع هذا الضمير المستكن كما في قولك: زيد قام أبوه وكذا الضمير المنفصل، كما في قولك: زيد ما قام إلا هو لا يوجب إثبات جواز الخفاء لهذا الضمير، وذلك لأن هذا تركيب آخر غير تركيب زيد قام، وليس الكلام فيه، أما زيد قام فضميره واجب الاستكان دائمًا ولا يظهر في حين من الأحيان، ولو قلت: زيد قام هو، فـ (هو) توكيد للضمير المستكن
لا فاعل، نص على ذلك بعض النحويين، وهو [ظاهر] كلام المصنف وغيره، وقد نص سيبويه على أنه لا يجوز قام أنا بمعنى قمت.
قال ابن قاسم: وقال الجوهري يجوز في الشعر قام هو وقام أنا، وهو صحيح؛ لأنه يجوز إقامة المنفصل مقام المتصل للضرورة. وحكى عن المبرد أنه أجاز ذلك في الشعر وغيره على معنى الحصر، فقام أنا بمعنى ما قام إلا أنا، لكن قد أجاز سيبويه في نحو: مررت برجل مكرمك هو أن يكون توكيدًا وأن يكون فاعلًا.
قلت: وبتقدير تسليم ما قال المصنف، أو حمل ذلك على اصطلاح اختص به، فيرد على قوله: أو معناه. أنه مخرج لنحو: أنا هيهات وأنت هيهات، وكذلك في البواقي، مع أن الاستتار فيهن موجود، وهو جائز
لا واجب بالتفسير الذي قرره، يقال: أنا هيهات داري، وأنا في الدار غلامي، وأنا ما في الدار إلا أنا. وعلى ذلك فقس.
«ومنه» أي من الضمير «بارز متصل» والمراد به ما لا يبتدأ به ولا يقع بعد (إلا) في الاختيار، والمنفصل عكسه «وهو» أي المتصل. «إن عني به المعني بنفعل» أي المتكلم المعظم نفسه، أو المتكلم ومعه غيره واحدًا، [كان] أو أكثر.
«نا» خبر (هو)، أي والمتصل المراد به المتكلم عظيمًا أو مشاركًا هو لفظة «نا» «في الإعراب كله» الرفع والنصب والجر نحو: أكرمنا زيدًا وأكرمنا ومر بنا.
«وإن رفع» البارز المتصل «بـ[فعل] ماضٍ فتاءٍ» وهذا موهم لأن (نا) لا ترتفع بالفعل الماضي، وهو إذا ارتفع لا ترتفع إلا به خاصة.
«تضم للمتكلم» نحو: قمت؛ لمناسبة الضمة لحركة الفاعل، وخصوا المتكلم بها لأن القياس وضع المتكلم أولًا، ثم المخاطب ثم الغائب.
«وتفتح للمخاطب» (نحو: قمت فرقًا بينه وبين المتكلم، وتخفيفًا).
«وتكسر للمخاطبة» فرقًا ولم يعكسوا الأمر بكسرها) للمخاطب وفتحها للمخاطبة؛ لأن خطاب المذكر أكثر فالتخفيف به أولى، وأيضًا هو مقدم
على المؤنث فخص بالتخفيف، فلم يبق للمؤنث إلا الكسر. وحكى بعضهم أن في لغة رديئة لربيعة يجوز وصل فتحة [تاء] الضمير وكافه بألف نحو: فقتنا ورأيتكا، ووصل كسرتهما بياء، وقد اجتمعا في قوله:
رميتيه فأقصدت
…
فما أخطأت [في] الرمية
بسهمين صحيحين
…
أعارتكبهما الظبية
«وتوصل» التاء المذكورة حال كونها «مضمومة بميم وألف للمخاطبين» المذكرين «والمخاطبتين» المؤنثتين نحو: قمتهما يا زيدان، وقمتما يا هندان، وضمت التاء فيهما إجراء للميم مجرى الواو لتقاربهما في المخرج، قيل: والضمير هو التاء والألف، والميم زائدة للتقوية.
«وبميم مضمومة ممدودة للمخاطبين» نحو: قمتموا يا زيدون.
«وبنون مشددة للمخاطبات» نحو: قمتن / يا هندات فجيء بحرفين في المؤنث كما جيء بحرفين في المذكر.
وفي بعض المقدمات أن أصل ضربتن ضربتمن فأدغمت الميم في النون وأن النون هنا بإزاء الواو التي في ضمير الجماعة.
وهذا مردود بأن أحرف (ضوى مشفر) لا تدغم في مقاربها.
ويستثنى من قول المصنف: وتفتح للمخاطب وتكسر للمخاطبة إلى آخره. أرأيت بمعنى أخبرني.
واعلم أن هذا الكلمة يجوز أن يتصل بها الكاف وأن لا يتصل، فإن لم يتصل بها وجب للتاء ما يجب لها مع سائر الأفعال من تذكير وتأنيث وتثنية وجمع وإفراد، وإن اتصلت بها وجب [هنا] للتاء الفتح والإفراد واكتفي عن إلحاق علامات الفروع بكاف الخطاب ومنه قوله تعالى:{قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله} ، وكذا يقال: للإثنين أرأيتكما، وللمؤنثة أرأيتك، ولجمعها أرأيتكن، هذا كله إذا أردت معنى أخبر، وإلا فالمطابقة واجبة مع الكاف، كما تجب بدونها، فيقال: أرأيتك جميلة، أرأيتماكما فاضلين أو جميلتين، أرأيتموكم فاضلين، رأيتكن جميلات. واستدل سيبويه على أن الكاف في الأول حرف خطاب لا مفعول، بقولهم: أرأيتك زيدًا ما صنع؟ . ومثله: {أرأيتك هذا الذي كرمت علي} ، وأما عكس الفراء ذلك بجعله الكاف فاعلًا والتاء حرف خطاب، فمتضمن لأمرين، لم يثبتا: إذ لم يثبت للتاء
المتصلة بالفعل أن تكون حرف خطاب، ولا ثبت للكاف أن تكون فاعلًا، ثم هو مردود بأن الكاف يجوز أن لا يؤتى بها بخلاف التاء.
«وتسكين ميم الجمع إن لم يلها ضمير متصل» نحو: قمتم «أعرف» من وصلها بواو نحو: قمتمو، ومن وصلها قبل همزة القطع وإسكانها قبل غيرها كقراءة ورش، ومن الاختلاس، وهو ضمها غير موصولة، وهو قليل، وليس في كلامه بيان هذا القسم، وهو الاختلاس، لأنه إنما تقدم له ذكر الصلة، واعتذر المصنف عن ترك ذلك بشذوذه. ولا ينهض هذا عذرًا له في هذا الكتاب، فهو مشحون بالشواذ بل أشد الشواذ، نعم: يكون هذا عذرًا في مثل كتاب سيبويه وكتاب الإيضاح والمفصل والمقرب وكافية ابن الحاجب «فإن وليها» أي ولي ميم الجمع ضمير متصل، نحو: ضربتموه ففاعل ولي ضمير مستكن عائد على قوله قبل: ضمير
متصل. ومفعوله عائد على ميم الجمع. «لم يجز التسكين خلافًا ليونس» فإنه جوز أن تقول: الدرهم أعيتكمه، كما تقول في المظهر.
قال المصنف: ولا أعرف سماعًا إلا ما روى ابن الأثير في غريب الحديث من قول عثمان رضي الله عنه: أراهمني الباطل شيطانًا. ولو جاء هكذا لكان شاذًا من وجه آخر، وهو تقديم غير الأخص مع الاتصال، هكذا في شرح ابن قاسم.
قلت: أما قوله: لم يجز التسكين. فمقتضاه أن يجوز الصلة
والاختلاس، وأن جوازهما متفق عليه، وقد يمنع تناول مفهومه للاختلاس، لأنه لم يتقدم له ذكر.
وأما قوله: خلافًا ليونس. فالخلاف في ذلك ليس خاصًا بيونس، بل نص سيبويه على جواز ذلك، وأن الوصل بالواو أكثر وأعرف.
«وإن رفع بفعل غيره» أي غير ماضٍ، وهو الأمر والمضارع.
«فهو نون مفتوحة للمخاطبات» نحو: يا هندات قمن، وأنتن تقمن [«أو الغائبات» نحو: الهندات يقمن] «وألف لتثنية غير المتكلم» فشمل ذا الخطاب وذا الغيبة، وفيه إجمال، فإنها إن ارتفعت بالمضارع كان كما ذكر، وإن ارتفعت بالأمر لم يكن إلا للمخاطب، وذلك نحو: يا زيدان افعلا، وهل تفعلان؟ وهما يفعلان «وواو للمخاطبين» نحو يا زيدون، قوموا، وأنتم تقومون «أو الغائبين» نحو: الزيدون يقومون. «وياء للمخاطبة» نحو: يا هند قومي، وهل تقومين؟ . «وللغائب مطلقًا» - أي مستترًا كان أو بارزًا «مع الماضي ماله مع المضارع» تقول: زيد ضرب، وهند ضربت، والزيدان ضربا، والهندات ضربتا، والزيدون ضربوا، والهندات ضربن كما تقول في المضارع يضرب وتضرب ويضربان وتضربان ويضربون ويضربن. ولم يكن بالمصنف حاجة إلى
ذلك، فإن قوله - فيما تقدم -: المرفوع بفعل الغائب والغائبة. يشمل ما رافعه الماضي، وما رافعه المضارع، وإنما ذكر هاهنا حكم الماضي لأنه قال: - قبل - وإن رفع بفعل غيره. أي غير الماضي، فلم يبين هناك إلا حكم المرفوع بالمضارع والأمر، وإنما خص المضارع هنا بالحوالة عليه دون الأمر لأن الكلام هنا في الغائب، والأمر لا يكون لغائب.
والحاصل أن هذه الضمائر الأربعة إن رفعت بالماضي فهي للغائب لا غير، أو بالأمر فهي للمخاطب لا غير، أو بالمضارع فهي لهما في وقتين لا على الاجتماع، وكل ذلك يعلم من كلامه، ويعلم منه [أيضًا] أن ياء المخاطبة لا ترفع بالماضي.
«وربما استغني معه» أي مع الماضي «بالضمة عن الواو» كقوله:
فلو أن الأطبا كانُ حولي
…
وكان مع الأطباء الأساة
قال أبو حيان: وهو ضرورة لا نادر، كما يفهمه ظاهر كلام المصنف، وقال بعضهم: إنه نادر.
قلت: ويؤيده ما وقع في الكشاف، ففيه:(أفلح، دخل في الفلاح، كأبشر: دخل في البشارة، ويقال: أيضًا أفلحه أي أصاره إلى الفلاح. وعليه قراءة طلحة بن مصرف: {قد أفلح المؤمنون} [بالبناء للمفعول] ، وعنه (أفلحوا) على لغة أكلوني البراغيث، أو على الإبهام والتفسير. وعنه بضمة بغير واو اجتزاء بها عنها، كقوله:
فلو أن الأطبا كانُ حولي ....................
انتهى
ومقتضى قول المصنف: معه أي مع الماضي كما تقدم أن هذا الحكم خاص بالماضي، وليس كذلك؛ فإنه ذكر في الشرح أنه ربما فعل ذلك مع فعل الأمر وأنشد:
إن ابن الأحوص معروف فبلغه
…
في ساعديه إذا رام العلا قصر
أراد فبلغوه وقال في شرح الكافية: وقد أنشد على حذف لام الأمر اضطرارًا:
فلا تستطل مني بقاي ومدتي
…
ولكن يكن للخير منك نصيب
وليس من قوله:
من كان لا يزعم أني شاعر .. فيدن مني تنهه المزاجر
بل يدن معطوف على يزعم، وحذف الواو من (يدنو) لدلالة الضمة عليها كما قال:
فلو أن الأطبا كانُ حولي ...............
فحذف واو الضمير اكتفاء بالضمة، فواو ليست بضمير أحق أن يفعل [بها] ذلك، وتنهه جواب (من) انتهى. فاقتضى كلامه جواز حذف الواو
التي هي ضمير، وأن حذف الواو التي هي لام أولى من ذلك. وقد استبان لك بما ذكرناه أن الاستغناء بالضمة عن الواو ثابت مع الأفعال الثلاثة على قلة. «وليس الأربع» وهن: النون والألف والواو والياء «علامات» كتاء التأنيث في فعلت هند «والفاعل مستكن» كما مثلنا «خلافًا للمازني فيهن» أي في الأربع، فإنه يقول: إنهن علامات والفاعل مستكن.
قال الرضي: ولعل ذلك حملًا للمضارع على اسم الفاعل، واستنكارًا لوقوع الفاعل بين الكلمة وإعرابها. يعني النون «و» خلافًا «للأخفش في الياء» فإنه وافق المازني على أنها علامة كتاء التأنيث، ووافق الجمهور في النون والألف / والواو على أنهن ضمائر.
قال ابن قاسم: وشبهة المازني أن الضمير لما استكن في فعل وفعلت، استكن في التثنية والجمع، وجيء بالعلامات للفرق، وشبهة الأخفش أن فاعل المضارع المفرد لا يبرز، بل يفرق بين المذكر والمؤنث بالياء أول الفعل للغيبة، ولما كان الخطاب بالتاء في الحالتين احتيج إلى الفرق فجعلت الياء علامة للمؤنث.
وأبطل المصنف القولين بأنها لو كانت حروفًا لما التزمت كما أن تاء التأنيث لم تلزم في نحو قوله:
فإما تريني ولي لمة
…
فإن الحوادث أودى بها
وبأنها لو كانت حروفًا لزم أن تكون نون الإناث ساكنة، وألا يسكن آخر الفعل [لها] كتاء التأنيث. «ويسكن آخر المسند إلى التاء والنون ونا» نحو: ضربت وضربن وضربنا، وهذا المسند يكون ماضيًا فقط مع التاء
[ونا] ، ويكون ماضيًا ومضارعًا وأمرًا مع النون، ويكون الفعل الذي هو غير أمر مبنيًا للفاعل تارة، ومبنيًا للمفعول أخرى.
فإن قلت: لم عدل المصنف -[رحمه الله]- عن التعبير بلام المسند إلى التعبير بآخره؟ .
قلت: ليدخل نحو: سلقيت، فإن المسكن فيه آخره لا لامه تقول: سلقته، ألقيته على ظهره، وتقول: سلقيته، بزيادة الياء. وعلة الإسكان عند الجمهور كراهة توالي أربعة متحركات في شيئين هما كشيء واحد؛ لأن الفاعل كجزء من فعله ثم حمل المضارع عليه، وأما الأمر فمستكن استصحابًا.
وضعفه المصنف بأن الحكم عام والعلة قاصرة، إذ لا يوجد التوالي المذكور إلا في الصحيح، وبعض الخماسي نحو: انطلق، والكثير لا توالي فيه، فمراعاته أولى، ثم التوالي لم يهمل بدليل جندل وعلبط ولو كان مقصود الإهمال لم يتعرضوا إليه دون ضرورة. واختار المصنف في التعليل وجهًا آخر، وهو إرادة الفرق بين الفاعل والمفعول مع (نا) نحو: أكرمنا ثم حملت التاء والنون على (نا) ، للمساواة في الرفع والاتصال والصحة.
«ويحذف ما قبله من معتل» أي ما قبل الآخر نحو: قال وباع، فتقول: قلت وبعت، وهذا الحذف عام في كل معتل.
«وتنقل حركته» أي حركة المعتل الثابتة له في الأصل، والمراد بها الضمة والكسرة، لأنه سيخص الفتحة بكلام.
«إلى فاء الماضي الثلاثي» نحو: جُدت وطُلت، فأصله جودت وطُولت بضم الواو، ويدل على أنه واوي جواد وطويل، فسكن آخر المسند ونقلت ضمة ما قبله - وهو الواو - إلى فاء الفعل وحذف حرف العلة، فقيل: جدت وطلت، وكذا القول في خفت وهبت بكسر الخاء، والهاء، فإن أصلهما خوفت وهيبت، على فعل بكسر العين، بدليل: أخاف وأهاب، ففعل فيهما ما تقدم من الإسكان والنقل والحذف، هذا إن كانت الحركة غير فتحة كما تقدم. «وإن كانت فتحة أبدلت بمجانسة المحذوف ونقلت» نحو: قلت وبعت، فأصلهما: قولت وبيعت، بفتح العين، لكن أبدلت الفتحة بمجانسة الواو في فعل القول - وهي الضمة - وبمجانسة الياء في فعل البيع وهي الكسرة، ثم نقلت، هذا هو مذهب الجمهور، قال سيبويه: وأما قلت فأصلها فعلت معتلة من فعلت، وإنما حول إلى فعلت ليحولوا حركة الفاء عن حالها. وقال أيضًا: وأما بعت فإنها معتلة من فعل يفعل، ولو لم يحولوها إلى فعلت لكان حال الفاء كحال فاء (قلت). ورأى ابن الحاجب أن الضم للدلالة على الواو والكسر للدلالة على الياء لا للنقل، وادعى أنه الصحيح، واحتج
عليه بأنه لو لم يجعل للدلالة كما قال: وجعل للنقل كما قالوه، لزم نقل باب / أصلي إلى باب فرعي وهو خلاف الأصل.
وأورد عليه أنه لو كانت الكسرة دالة على الياء لدلت عليها في (خفت) واللازم باطل، فأجاب: بأن الضمة والكسرة تدلان على الواو والياء إذا لم يمكن أن يراعى بيان البنية، فإنهم لو فتحوا في (قلت) و (بعت) لما دل فتح الفاء على فتح العين، أما إذا أمكن ببيان البنية كما في (خفت) و (هبت) فلا يدلان عليهما، والكلام على ذلك يطول. «وربما نقل» أي وقع النقل المذكور قليلًا، وهو نقل حركة عين الفعل المعتل الأجوف إلى فائه. «دون إسناد إلى أحد الثلاثة» التي هي التاء والنون ونا. «في زال وكاد أختي كان وعسى» كقول بعضهم ما زيل يفعل، وقول أبي خراش الهذلي:
وكيدت ضباع القف يأكلن جثتي
…
وكيد خراش عند ذلك ييتم
ووجه ذلك أنهم أمنوا اللبس حيث كان هذا الفعل لا مفعول له.
واحترز بقوله: أختى كان وعسى. من زال بمعنى ماز وبمعنى ذهب، ومن كاد بمعنى أراد وبمعنى مكر، ويجمعها قولك: ماضي يزال ويكاد.
فإن مضارع التي بمعنى (ماز): يزيل، وبمعنى (ذهب): يزول، ومضارع (كان) بذينك المعنيين: يكيد.
ولما كان كلام المصنف السابق يقتضي أن الإسكان خاص بتلك الضمائر، وكان ما عداها محرك ما قبله، أراد أن يبين حقيقة تلك الحركة، ولم يتعرض للألف للعمل بأنها لا يكون [ما] قبلها إلا الحركة الخاصة التي هي الفتحة؛ فلذلك قال:
«وحركة ما قبل الواو والياء مجانسة» فيضم ما قبل الواو نحو: يضربون، ويكسر ما قبل الياء نحو: تضربين.
«فإن ماثلها» أي [فإن] ماثل ما قبل الحركة المجانسة تلك الحركة المجانسة بأن كان واوًا قبل ضمة نحو: تدعون، إذ أصله تدعوون، أو كان ياء قبل كسرة نحو: ترمين، إذ أصله ترميين؛ وهذا الكلام مبني على أن حركة الحرف بعد الحرف «أو كان» ما قبل الواو والياء «ألفًا حذف» أي
ما ذكره من واو وياء وألف «وولي» الضمير «ما قبله» أي ما قبل المحذوف «بحاله» من غير تغيير له، فتبقى حركة العين في (يدعون) ، والميم في (ترمين)، والشين في تخشين على حالها. «وإن كان الضمير واوًا والآخر» بكسر الخاء «ياء» نحو: الزيدون يرمون، إذ أصله يرميون، فآخر الفعل ياء والضمير واو. «أو بالعكس» فيكون الضمير ياء وآخر الفعل واوًا نحو: تغزين؛ إذ أصله تغزوين.
«حذف الآخر» أي آخر الفعل، وهو الياء من ترميون، والواو من تغزوين مثلًا. «وجعلت الحركة المجانسة على ما قبله» فتقول: ترمون وتغزين.
وظاهر هذا الكلام أنا حذفنا الحرف وحده ونقلنا حركته التي كانت معه إلى ما قبله، وقال في شرحه: استثقلت ضمة على ياء مكسور ما قبلها في ترميون، وكسرة على واو مضموم ما قبلها في تغزوين، فحذفت الضمة والكسرة تخفيفًا ثم الياء والواو - يعني للساكنين - ثم خيف على واو الضمير في ترمون وياء الضمير في تغزين الانقلاب إلى الواو والياء فجيئ بالحركة المجانسة ليسلم الضميران.
وقوله: وجعلت الحركة على ما قبله. يقتضي أن الحركة مع الحرف.
«ويأتي ضمير الغائبين» بفتح النون جمع غائب «كضمير الغائبة كثيرًا» نحو: {وإذا الرسل أقتت} كقوله:
قد علمت والدتي ما ضمت
…
إذا الكماة بالكماة التفت
وكقول حسان بن ثابت رضي الله عنه:
وقال الله قد يسرت جندا
…
[هم] الأنصار عرضتها اللقاء
وإطلاق هذا القول من المصنف إنما يصح على قول الكوفيين، وأما / البصريون فيمنعون في جمع السلامة: الزيدون قامت، كما يمنعون قامت الزيدون، وهو موافق لهم في ذلك الباب، فكان ينبغي أن يوافقهم هنا، فلا يطلق. وفي حواشي الصحاح لابن بري: أن قيسا - يعني ابن ذريح - لما دخل مكة شرع أصحابه يدعون الله عز وجل ويسألونه المغفرة، قال هو:
يا رب ليلى، فقالوا [له]: ويحك، هلا سألته المغفرة فقال:
دعا المحرمون الله يستغفرونه
…
بمكة شعثا أن تمحى ذنوبها
فناديت يا رباه أول سؤلتي
…
لنفسي ليلى ثم أنت حسيبها
فإن أعط ليلى في حياتي لا يتب
…
إلى الله عبد توبة لا أتوبها
«لتأولهم بجماعة» أي أن مجيء ضمير الغائبين كضمير الغائب مبني على التأويل بجماعة لا على وجه الحقيقة، وهذا الكلام متعلق بما تقدم من قوله: إن الواو والنون يكونان للغائبين، والغائبات والمخاطبين والمخاطبات، وإن الواو للمذكرين غيبة وحضورا والنون للمؤنثات كذلك، فبين هنا أن ضمير الغائبين كما يكون بالواو يكون كضمير المفرد مذكرًا [كان] أو مؤنثًا، وأن مجيئه كالمفرد المؤنث على التأويل لا على وجه الحقيقة، فتكون على ما تقدم، من أن الواو للعقلاء الذكور. «وكضمير الغائب قليلًا» كقوله:
فإني رأيت الصامرين متاعهم
…
يموت ويفنى فارضخي من وعائيا
«لتأويلهم بواحد يفهم الجمع» فيؤول في البيت المذكور أن الصامرين بمعنى من [ثم] ، أو من ذكر، وهو واحد يفهم الجمع، فعاد الضمير عليه بهذا الاعتبار، وهذا التأويل هو الذي يدل كلام سيبويه على اعتباره. «أو لسد واحد مسدهم» وهذا تأويل الفارسي، وقد احتج للتأويل الأول بقوله عليه الصلاة والسلام:
(خير النساء صوالح نساء قريش أحناه على ولد
…
الحديث) ، فإنه لو اعتبر. المعنى الثاني لقيل: أحناها، فإنه إنما يقال:[هنا] خير امرأة.
«ويعامل بذلك ضمير الاثنين وضمير الإناث بعد أفعل التفضيل كثيرًا، ودونه قليلًا» مثال الأول، وهو ضمير الاثنين بعد أفعل التفضيل قوله:
ومية أحسن الثقلين جيدا
…
وسالفة وأحسنه قذالا
وقد يتوهم أن هذا البيت مما يرد به تأويل الفارسي، إذ لا يصح أن يقع واحد الثقلين هنا؛ لأنه لا يفرد فلا يقال: أحسن ثقل ولا أحسن الثقل؛ لأن له أن يقول: يصح أحسن شيء جيدًا، وليس شرط الواحد أن يكون من لفظ المذكور. ومثال ضمير الإناث بعد أفعل التفضيل (خير النساء صوالح نساء قريش
…
) الحديث، ومثال ضمير الاثنين دون (أفعل) قول الشاعر/
أخو الذئب يعوي والغراب ومن يكن
…
شريكيه تطمع نفسه كل مطمع
كأنه قال: ومن يكن هذا النوع.
وقال [ابن] الشجري: جعل الذئب والغراب بمنزلة الواحد فأعاد إليهما ضمير الواحد؛ وذلك لأن الذئب والغراب كثيرًا ما يصطحبان في الوقوع على الجيف، ولولا ذلك لقال: ومن يكونا. ووجه القلة في غير اسم التفضيل، أنه لا يطرد فيه قيام المفرد مقام الاثنين والجماعة، كما اطرد ذلك في اسم التفضيل.
قلت: وفي كلام المصنف مناقشة، وذلك أن قوله: ويعامل بذلك يشمل ضمير الغائبة، وليس الحكم في هذا القسم كذلك، فكان الصواب: ويأتي كضمير الغائب ضمير الغائبين وضمير الغائبات.
وقد يجاب بأن / اسم الإشارة لا يرجع إلى مجموع ما تقدم من الإتيان كضمير الغائبة كثيرًا، وكضمير الغائب قليلا، وإنما يرجع إلى الأخير فقط.
«وللجمع الغائب غير العاقل ما للغائبة» نحو: {وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت وإذا العشار عطلت وإذا الوحوش حشرت وإذا البحار سجرت} ، ولا يقال: قد مضى هذا في قوله: ويأتي ضمير الغائبين كضمير الغائبة. لأنا نقول ذلك في العقلاء خاصة، وهذا في غير العقلاء.
«أو الغائبات» نحو: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها} ، وكان الأولى بالمصنف لو عبر - بدل الجمع - بالجماعة؛ ليدخل فيه دخولًا ظاهرًا نحو: {ومن آياته الليل
والنهار والشمس والقمر} الآية فقال تعالى: {خلقهن} ولم يتقدم جمع صناعي، وإنما تقدم جمع لغوي فقط، ولما بين المصنف جواز الوجهين شرع في تبيين الراجح منها فقال:«وفعلت ونحوه» فدخل فيه ضمير الوصف المرفوع وغير المرفوع «أولى من فعلن ونحوه بأكثر جمعه» أي جمع غير العاقل «وأقله» أي وأقل الجمع المذكور، وهو بالرفع على أنه مبتدأ، والعاقلات معطوف عليه، والخبر قوله: بالعكس، فالأحسن الجذوع انكسرت، ومنكسرة، وكسرتها، والأجذاع انكسرت، ومنكسرات، وكسرتهن، وينبغي أن يبحث عن وجه الفرق.
«والعاقلات مطلقًا» سواء كان الجمع الذي لهن جمع قلة أو جمع كثرة. «بالعكس» ففعلن ونحوه لهن أولى من فعلت ونحوه، وكلاهما كثير فصيح نحو:{والمطلقات يتربصن بأنفسهن} الآية، وفي الحديث (فإنهن عوار عندكم) ، ومن الوجه الآخر {ولهم فيها أزواج مطهرة} . «وقد يوقع»
بالبناء للفاعل وضم الياء من أوقع «فعلن» مفعول به عامله (يوقع)«موقع فعلوا» بنصب (موقع) على الظرفية، أي في محل وقوعه. «طلب التشاكل، برفع (طلب) على أنه فاعل (يوقع)، وذلك كما في الحديث:(اللهم رب السموات وما أظللن، ورب الأرضين وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن)، فالقياس أن يقال:
ورب الشياطين ومن أضلوا. لكن تقدم عليه أظللن وأقللن، فطلبت المشاكلة بين ذلك [وبينهما] ، فأتى به على صيغتهما، فقيل: ومن أضللن. فطلب المشاكلة والمناسبة اللفظية هو الذي أوقع (أضللن) موقع (أضلوا)«كما قد يسوغ» طلب التشاكل «لكلمات أخر غير ما» ثبت «لهما من حكم
ووزن» فالأول كما وقع في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال لنسائه: (لأيت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأديب تنبحها كلاب الحوأب) أراد: الأدب، فأظهر الإدغام لأجل (الحوأب).
والجمل الأدب هو الكثير الوبر.
وفي حديث عذاب القبر: (لا دريت ولا تليت) بقلب واو تلوت ياء لتشاكل دريت، وقال الخطابي: يقوله المحدثون تليت، هكذا والصواب [ولا] ائتليت، تقديره: افتعلت، أي لا استطعت، من قولك: ما ألوت هذا الأمر. وفيه وجه آخر، وهو أن يقال: ولا اتليت - يعني بتشديد التاء الأولى - قال: والمعنى الدعاء عليه بأن لا تتلي، إبله، أي لا يكون لها أولاد تتلوها، أي
تتبعها. انتهى. وهذا معى ركيك لا يناسب هذا المقام، ورواية المحدثين صحيحة على الإتباع، وإذا كانوا يقولون: حسن بسن. فيأتون بكلمة تامة للتناسب والتسجيع، فلأن يغيروا جزء كلمة لها معنى لذلك أخف وأسهل. والثاني كقولهم: أخذه ما قدُم وحدُث - بضم الدال من حدث - فغيروه عن وزن فعل بفتح العين إلى فعُل بضمها لطلب / مشاكلته لقدم، وكذلك نحو: هنأه ومرأه، فإنه لا يقال في الإفراد إلا أمرأه، فلما قرنوه بهنأه طلبوا مشاكلة وزنه، فحذفوا الهمزة وقالوا: مرأه.
«ومن البارز المتصل في الجر والنصب ياء للمتكلم» احترازًا من ياء المخاطبة نحو: {ربي أكرمن} «وكاف مفتوحة للمخاطب» نحو: {وما ودعك ربك} ، ولا يرد عليه كاف (ذلك)، فإنها للخطاب لا للمخاطب. «ومكسورة للمخاطبة» نحو:{جعل ربك تحتك} الآية، {إن الله اصطفاك وطهرك} «وها» أي مجموع هذا اللفظ، وهو الهاء والألف «للغائبة» نحو: (والشمس وضحاها، والقمر إذا تلاها، والنهار إذا
جلاها} الآيات، وحكى السيرافي الاتفاق على أن الضمير هو مجموع الهاء والألف، وقيل: الألف زائدة مقوية لفتحة الهاء الفارقة بين المذكر والمؤنث، وأجاز بعضهم حذفها وقفًا، ومنه: والكرامة ذات أكرمكم الله به، أي بها. «وهاء» بهمزة بعد الألف «مضمومة للغائب» نحو:{قال له صاحبه وهو يحاوره} ، والضمير هو الهاء وحدها، والواو مقوية للحركة، وقال الزجاج: مجموعهما هو الضمير. «وإن وليت» هاء الغائب «ياء ساكنة» نحو: {بما عاهد عليه الله} «أو كسرة» نحوه: {قال لأهله امكثوا} .
«فيكسرها غير الحجازين» كما مثلنا. وأما الحجازيون فعلى ما قدمنا من قولنا: وهاء مضمومة - وبلغتهم قرأ حفص: {وما أنسانيه [إلا الشيطان] و: {بما عاهد عليه الله} وقرأ حمزة: {لأهله امكثوا} بضم الهاء.
فإن قلت: ما وجه دخول الفاء الرابطة للجواب على (بكسرها) مع صلوحه لأن يجعل شرطًا، وإنما يربط بالفاء ما لا يصلح لأن يكون شرطًا؟ .
قلت: هو مثل قوله [تعالى]{ومن عاد فينتقم الله منه} ، فلا تقدر الفعلية جوابًا، وإنما تجعل خبرًا لمحذوف، أي فهو ينتقم الله منه، وكذا (فيكسرها) التقدير: فهي يكسرها غير الحجازيين، فالجملة اسمية، فالفاء متعينة حينئذ لعدم صلاحية الجملة إذ ذاك لأن تكون شرطًا.
«وتشبع حركتها بعد متحرك» نحو: {له ما - في السموات} .
«ويختار الاختلاس بعد ساكن مطلقًا» [أي] سواء كان حرف علة نحو: فيه وعليه، أو صحيحًا نحو: منه وعنه، فالاختلاس في ذلك هو المختار على الإشباع.
«وفاقا لأبي العباس» المبرد، وخلافًا لغيره في قولهم: لا يختار بعد الساكن مطلقًا، بل مقيدًا بكونه معتلًا، فنحو: عليه ورموه، بالإشباع فيهما
متفق على مرجوحيته؛ لأنه الذي يعرض فيه اجتماع مثلين بينهما حرف خفي، فلا يأتي ذلك في الألف، ولكن حمل عليهما، والحق أنه لا فرق؛ لأن المضعف اجتماع ساكنين بينهما حرف خفي مطلقًا، لا هذا بقيد التماثل؛ لأن الخصم موافق على مسألة:(ضرباه) مع التخالف، والأصل عدم الحمل، ومما يدل للمبرد أنه لم يقرأ بالإشباع مطلقًا إلا ابن كثير، وأما باقي السبعة فيختلسون بعد الساكن مطلقًا معتلًا كان أو صحيحًا، ولم يقرأ أحد من القراء السبعة بالإشباع بعد الصحيح، والاختلاس بعد المعتل، كما اختاره سيبويه.
وكان حق المصنف أن يقول: بعد ساكن معتل اتفاقًا، وصحيح وفاقًا لابن العباس. أو: وبعد صحيح على الصحيح.
بضم العين «وبني كلاب اختيارًا» فيقولون: {إن الإنسان لربه لكنود} بإسكان الهاء و: (لربه) بالاختلاس، وقرئ بهما في الشواذ، وكذا: له مال وله مال.
وقد اجتمع الاختلاس والتسكين في قوله:
له زجل كأنه صوت حاد ................
«وعند غيرهم اضطرارًا» كقوله:
وأشرب الماء ما بي نحوه عطش
…
إلا لأن عيونًا سال واديها
وأنشد الجوهري في الصحاح:
إنه لا يبرئ داء الهدبد
…
مثل القلايا من سنام وكبد
الهدبد: على زنة العلبط العمش والخفش وضعف العين.
«وإن فصل المتحرك» ولو قال: المتحركة لكان أنسب لما تقدم. «في الأصل» متعلق بـ (فصل) ، لا بـ (المتحرك).
«ساكن حذف جزمًا» نحو: {لا يؤده إليك} {ونصله جهنم} ، إذ أصلهما يؤديه ونصلبه. «أو وقفا» نحو:{فألقه إليهم} ؛ إذ أصله فألقيه. «جازت الأوجه الثلاثة» هذه الجملة جواب الشرط، وقوله: حذف جزمًا أو وقفًا. جملة في محل رفع على أنها صفة [لقوله]: ساكن.
والأوجه الثلاثة هي الإشباع والاختلاس والإسكان. فالإشباع نظرًا إلى اللفظ؛ إذ الضمير بعد حركة، والاختلاس نظرًا إلى الأصل؛ لأنه بعد ساكن، والإسكان نظرًا إلى حلول الهاء محل المحذوف، وحقه الإسكان لو لم يكن معتلًا.
واعلم أن الاختلاس والإشباع كل منهما مع الضم مطلقًا، ومعه أو مع الكسر إذا تقدمت كسرة [قال] أبو البقاء قرئ {يؤده إليك} على خمسة أوجه: يؤده بالإسكان، يؤده بالكسر [مع الاختلاس، يؤده بالكسر} مع
الإشباع، يؤده بضم الهاء مع الاختلاس، يؤده بضمها مع الإشباع. «ويلي الكاف والهاء في التثنية والجمع ما ولي التاء» نحو: ضربكما غلامكما، وضربكم غلامكم، وضربكم غلامكن، وضربهما غلامهما، وضربهم غلامهم، وضربهن غلامهن. ومن كسر الهاء في (به) و (فيه) كسرها في: بهم، وبهما، وبهن، وفيهما، وفيهم، وفيهن، ومن ضم ضم. قال أبو عمرو: والضم مع الياء أكثر منه مع الكسرة. وتسكين ميم الجمع أيضًا هنا أعرف إن لم يلها ضمير متصل، فإنو ليها ففيه خلاف يونس، كما تقدم في التاء.
«وربما كسرت الكاف فيهما» أي في التثنية والجمع «بعد ياء ساكنة أو كسرة» نحو: فيكما، وفيكم، وفيكن، وبكما، وبكم، وبكن، بكسر الكاف في الكل، وهذه لغة حكاها سيبويه عن ناس من بكر بن وائل قال: وهي رديئة جدًا سمعنا أهل هذه اللغة ينشدون اللحطيئة:
وإن قال مولاهم على جل حادث
…
من الدهر ردوا بعض أحلامكم ردوا
ولكن لم ينقل سيبويه ذلك إلا بعد الكسر، وحكاه الفراء عن النمر، قال: ولا نعلم أحدًا من العرب يقولها غيرهم.
«وكسر ميم الجمع) أعم من أن يكون في ضمير رفع أو نصب أو جر؛ إذ لا فرق «بعد الهاء المكسورة» نحو: عليهم. واحترز بالمكسورة عن
المضمومة نحو: {تتوفاهم الملائكة} ، فإن الميم لا تكسر حينئذٍ، وإذا كانت مكسورة كما قال المصنف، فكسر الميم «باختلاس قبل ساكن» نحو:{بهم الأسباب} ، {عليهم القتال} .
«وبإشباع دونه» أي دون الساكن المذكور نحو: فيهم إحسان وعليهم جلالة. «أقيس» من ضمها قبل الساكن؛ لثقل الخروج من كسر إلى ضم، ومن إسكانها قبل المتحرك؛ لأن الصلة هي الأصل. وفي قوله: أقيس، نظر وإنما حقه أن يقول: أسهل، وإلا فالأقيس الضم؛ لأنه أصل حركة واو الجماعة وما كان أحسن اللفظ والمعنى لو قال في الأول: أيسر. وفي الثاني: أشهر. فيكون التركيب هكذا: وكسر ميم الجمع بعد الهاء المكسورة باختلاس قبل ساكن، وبإشباع دونه أيسر. «وضمها قبل ساكن وإسكانها قبل متحرك أشهر» فمثال ضمها قبل ساكن قراءة الأكثرين {بهم الأسباب} ، بضم الميم ومثال إسكانها قبل متحرك قراءة الأكثرين {صراط الذين أنعمت
عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}؛ ولكون ما ذكر هو الأشهر في الوجهين قرأ به الأكثر.
«وربما كسرت الميم قبل ساكن مطلقًا» أي وإن لم يكن قبلها كسرة ولا ياء ساكنة [كقوله]:
فهم بطانتهم وهم وزراؤهم
…
وهم القضاة ومنهم الحكام
وكقوله:
ألا إن أصحاب الكنيف وجدتهم
…
هم الناس / لما أخصبوا وتمولوا
أنشدهما المصنف في الشرح.