المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌«فصل»: يذكر فيه أحكام (من وما) موصولتين كانتا أو غير موصولتين - شرح التسهيل = تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد - ق ١ - جـ ٢

[بدر الدين الدماميني]

الفصل: ‌«فصل»: يذكر فيه أحكام (من وما) موصولتين كانتا أو غير موصولتين

«فصل» : يذكر فيه أحكام (من وما) موصولتين كانتا أو غير موصولتين

.

«من وما في اللفظ» أي بسبب اعتبار اللفظ، فـ (في) سببية مثل:(دخلت امرأة النار في هرة)«مفردان مذكران، فإن عني بهما» أي بمن وما، والمراد بكل واحد منهما «غير ذلك» المذكور الذي هو المفرد المذكر، بأن يعنى مثنى أو جمع أو مؤنث. «فمراعاة اللفظ» وهو الإفراد والتذكير. «فيما اتصل بهما» أي جاء بعدهما من ضمير سابق بالعود إلى الموصول سواء كان بينهما فاصل نحو:{ومنهم من يؤمن به} أو لم يكن نحو: {أمن هو قانت} ولو أريد بالمتصل الضمير الذي إلى جانب الموصول من غير فاصل، لم يشمل سوى نحو:{أمن هو قانت} . «و» فيما اتصل. «بما أشبههما» مما لفظه مفرد مذكر، وقد يعنى به غير ذلك.

قال المصنف: وأشرت بذلك إلى نحو: (كم) و (كأين).

ص: 237

وفي شرح ابن قاسم: أن المصنف خص (كم) و (كأين) ولا خصوصية، بل كل لفظ له لفظ ومعنى: كـ (من) و (ما) و (أي) و (أل) ، وأن المصنف لولا تفسيره بـ (كم) و (كأين) لصح أن يفسر ببقية الموصولات التي لها لفظ ومعنى.

فأما اعتراضه بأن المصنف خص (كم) و (كأين) ولا خصوصية فمردود بأن المصنف لم يذكر (كم) و (كأين) إلا لضرب من التمثيل لا للحصر، ومثل بما يخفى، وليعلم أن ذلك لا يختص بالباب، ثم قوله: أشرت إلى نحو: (كم) و (كأين). ظاهر في أن الحكم المذكور غير مختص بهما. وأما ذكره لـ (أل) فغلط، وذلك لازم للمصنف أيضًا، فإنه أطلق. «أولى» من مراعاة المعنى؛ لأنه الأكثر في كلام العرب نحو:{ومنهم من يستمع إليك} {ومنهم من يؤمن به} {ومنهم من ينظر إليك} {أفمن أتبع رضوان الله} . ومن مراعاة المعنى قوله تعالى: {ومنهم من يستمعون إليك} وقال الفرزدق:

تعش فإن عاهدتني لا تخونني

نكن مثل من يا ذئب يصطحبان

ص: 238

وقال امرؤ القيس:

فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها

لما نسجتها من جنوب وشمأل

«ما لم يعضد المعنى سابق» على الضمير (العائد) سواء سبق على الموصول كقوله:

ص: 239

وإن من النسوان من هي روضة ...................

أو لا كقوله تعالى: {ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحًا} فيمن أنث (تعمل). «فتختار مراعاته» أي مراعاة المعنى على مراعاة اللفظ، لما حصل من الاعتضاد الذي قوى جانب المعنى، ولكنه لم ينشأ عن ترك مراعاته محذور، فلم ينته إلى رتبة الوجوب، فجازت رعاية اللفظ أيضًا.

«أو يلزم» بالجزم عطفًا على المجزوم من قوله: ما لم يعضد المعنى والمراد: أو لم يلزم. «بمراعاة» اللفظ ليس أو قبح، فتجب مراعاة المعنى»:

ص: 240

أما صورة اللبس فنحو: أعط من سألك، لا من سألتك. بإلحاق علامة التأنيث للفعل الثاني؛ إذ لو لم تلحقها - مع إرادتك للمؤنث - حصل الإلباس.

وأما القبح فمثل: من هي حمراء أمتك، فإنك لو راعيت اللفظ فقلت: من هو [أحمر أمتك، أو من هو] حمراء أمتك، لكان في غاية القبح، فتجب رعاية المعنى.

«مطلقًا» سواء كانت الصفة مما يفرق بين مؤنثها ومذكرها بتاء التأنيث كمسحنة، أو لا كحمراء. «خلافًا لابن السراج في نحو: من هي محسنة أمك» فإنه لا يوجب رعاية المعنى، بل يجوز رعاية اللفظ والمعنى، فتقول على مذهبه: من هي محسنة أمك، ومن هو محسن أمك، وشبهته أن (محسنًا) شبيه بمرضع ونحوه من الصفات الجارية على الإناث بلفظ خال من علامة، بخلاف أحمر، فإن إجراءه على المؤنث لم يقع.

قال ابن هشام: والمصنف لما يمثل بحمراء يقول: أمتك، وبمحسن أو محسنة يقول أمك، فلينظر في وجه ذلك.

قلت: الأمر فيه سهيل، وكأن الحامل [له] على ذلك ذكر الأم بأحسن

ص: 241

صفاتها، من حيث هي أم مع رعاية الأدب في عدم مواجهة المخاطب يذكر ما يرجع إلى صفة جمال تتعلق بأمه، وأما الأمة فذكرها بما تمدح به من حيث هي أمة، وهو ما يرجع إلى حسن لونها، وليس في ذكرها بذلك إخلال بالأدب، والأمر في ذلك قريب. «فإن حذف هي» وقيل: من محسن أمك. «سهل التذكير» ..

قال المصنف: أجاز ابن السراج (من هي محسن أمك، ومن محسن، فأما من محسن فقريب، وأما) من هي محسن ففيه من القبح قريب مما في (من هي أحمر) فوجب اجتنابهما.

وقد تلخص من كلام المصنف ثلاثة مسائل:

إحداها من هي حمراء أمتك، وضابطها أن تخبر عن الموصول بمبتدأ مغاير للفظه، وتكون الصلة مبتدأ وخبرًا، وذلك الخبر لا يوافق خبر الموصول، إذا روعي لفظ الموصول، ولا يشبه ما يوافقه، فهذه يجب فيها مراعاة المعنى في جزأي الصلة جميعًا فيقال: من هي حمراء أمتك. وتمتنع مراعاة اللفظ فيهما معًا، فلا يقال: من هو أحمر أمتك، وفي الأول دون الثاني، فلا يقال: من هو حمراء أمتك، وعكسه، فلا يقال: من هي أحمر أمتك، كما أن مسألة الإلباس يتعين فيها رعي المعنى، ويمتنع رعي اللفظ، والعلة في المنع هنا القبح، وذلك في الثانية والثالثة من وجهين: تخالف الخبر والمخبر عنه في

ص: 242

الصلة، وتخالفهما في الموصول وخبره؛ لأن الصلة والموصول كشيء واحد، فكأنك حينئذ أخبرت عن موصول مؤنث بمذكر أو بالعكس وعلته في الأولى القبح من الوجه الثاني فقط.

المسألة الثانية: من هي محسنة أمك، وضابطهما كالتي قبلها، إلا أن الخبر هنا الواقع في الصلة يشبه ما يجوز فيه ذلك إذا روعي اللفظ، والحكم في هذه كالحكم في التي قبلها في وجوب تأنيث / جزءي الصلة مراعاة للمعنى، ومنع تذكيرهما، والمخالفة بينهما، إلا أن المسألة الأولى بلا خلاف، وهذه فيها خلاف ابن السراج، فإنه أجاز تأنيث المبتدأ حملًا على الخبر، وتذكير الخبر حملًا على اللفظ نظرًا إلى مشابهة محسن لمرضع في الصورة، وعلى هذا فيمتنع عنده من هي منطلق ومن هي مستخرج ونحو ذلك مما لا يشابه ما يجري على المؤنث، وهو بلفظ التذكير، وينبغي أن يجوز عنده: من هي ظريف، ومن هي كريم أمتك، لشبه ظريف وكريم بجريح، وقتيل، بل يلزمه أن يجيز: من هي أحمر؛ لشبهه بمن هي أفضل، وهو قد منع هذه.

المسألة الثالثة: كالتي قبلها إلا أن العائد حذف، فهذه يقول فيها ابن السراج أيضًا: يجوز مراعاة اللفظ في الخبر، فيذكر، وووافقه المصنف في هذه. «ويعتبر المعنى بعد اعتبار اللفظ كثيرًا» كقوله تعالى:{ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين} .

«وقد يعتبر اللفظ بعد ذلك» نحو: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين، وإذا تتلى عليه آياتنا

}.

ص: 243

وفي البصريات لأبي علي الفارسي: قال النحويون في قراءة أبي عمرو {ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل} لو عكس ذلك لم يجز؛ لأنه يكون إلباسًا بعد البيان، وأما إذا حمل على المعنى بعد الحمل على اللفظ فإنه يكون تفسيرًا.

قال ابن هشام: انظر قوله (قال النحويون) فهو مقتض لبطلان مسألة المصنف.

قلت: مسألة المصنف هي اعتبار اللفظ أولًا، ثم اعتبار المعنى ثانيًا، ثم اعتبار اللفظ ثالثًا. ومسألة الفارسي هي اعتبار المعنى أولًا، ثم اعتبار اللفظ ثانيًا. ولا يلزم من امتناع الثانية، امتناع الأولى فتأمله.

«وتقع «من» و «ما» شرطيتين» نحو: {من يعمل سوءًا يجز به} {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها} «واستفهاميتين» نحو: {من إله غير الله} {قال فرعون وما رب العالمين} . «ونكرتين موصوفتين» نحو: مررت بمن معجب لك، ومررت بما معجب لك.

ص: 244

«ويوصف بـ «ما» على رأي» كقولهم: لأمر ما جدع قصير أنفه أي لأمر أي أمر، وهذه التي يعبر عنها بـ (الإبهامية)، ويتفرع على الإبهام الحقارة نحو: أعطه شيئًا ما، والفخامة مثل:

............................... لأمر ما يسود من يسود

إذا لم تجعل [ما] مصدرية، والنوعية، نحو: اضربه ضربًا ما، وفي الجملة تؤكد ما أفاده تنكير الاسم قبلها.

ص: 245

قال المصنف: والمشهور أنها زائدة منبهة على وصف لائق بالمحل، وهو أولى؛ لأن زيادتها عوضًا عن محذوف ثابتة في كلامهم نحو: أما أنت منطلقًا انطلقت، فزادوها عوضًا من كان، ونحو: حيثما تكن أكن، فزادوها عوضًا من الإضافة، وليس في كلامهم نكرة موصوف بها جامدة كجمودها إلا وهي مردفة بمثل الموصوف نحو: مررت برجل أي رجل، وطعمنا شاة كل شاة، وهذا رجل ما شئت نم رجل، فالحكم على (ما) المذكورة بالاسمية واقتضاء الوصفية حكم بما لا نظير له، فوجب اجتنابه. «ولا تزاد «من» خلافًا للكسائي» فإنه قال بزيادتها، ولم يتحاش من القول بالزيادة، مع كون (من) اسمًا؛ جريًا على قول أهل بلده الكوفيين: إن الأسماء يجوز أن تزاد، واستدل على مذهبه بقول حسان رضي الله عنه:

فكفى بنا فضلا على من غيرنا

حب النبي محمد إيانا

ص: 246

فيمن خفض (غيرنا) ويقول عنترة:

يا شاة من قنص لمن حلت له

حرمت عليّ وليتها لم تحرم

فيمن رواه بـ (من) دون (ما)، وكقول الآخر:

ص: 247

آل الزبير سنام المجد قد علمت

ذاك القبائل والأثرون من عددا

وأجيب بأن (من) في الأولين نكرة موصوفة، أي على قوم غيرنا، ويا شاة إنسان قنص، وهذا من الوصف بالمصدر للمبالغة، و (عددًا): إما صفة لـ (من) على أنه اسم وضع موضع المصدر، وهو العد أي والأثرون قومًا عددًا، أي قومًا معدودين. وإما معمول لـ (بعد) محذوفًا صلة أو صفة لـ (من) ، و (من) بدل من الأثرون.

فإن قلت: ذكر المصنف زيادة (من) مع الاختلاف فيها، وترك زيادة (ما) مع الاتفاق عليها، فما وجهه؟

قلت: فعل ذلك، لأن كلامه في (ما) الاسمية و (ما) الزائدة حرف، وأما (من) فاسم دائمًا، حتى عند القائلين بزيادتها. «ولا تقع» من «على ××× لا يعقل» في حال من الأحوال «إلا» في حال كونه «منزلًا منزلته» أي منزلة من يعقل كقوله:

ص: 248

أسرب القطا هل من يعير جناحه؟

لعلي إلى من قد هويت أطير

وقول امرئ القيس:

ألا عم صباحًا أيها الطلل البالي

وهل يعمن من كان في العصر الخالي

فإنه خاطب في الأول، ونسب الإعارة، ونادى في الثاني، وهذا التنزيل أعم من أن يكون من المتكلم أو من غيره، كما في قوله تعالى:{ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له} المراد الأصنام.

ص: 249

وحقيقة المسألة أنه متى نسب إلى المسمى شيء، وذلك الكلام شأنه أن لا ينسب نفيًا أو إثباتًا - إلا إلى العقلاء، أجري عليه حكم العاقل، وأما كون المعتقد لذلك المتكلم أو المخاطب أو غيرهما، فلا مدخل له فيما نحن فيه ألبتة.

قلت: وقد يقال في بيت امرئ القيس إن (من كان في العصر الخالي) مراد به: الذي في العصر الماضي كائنًا ما كان ومن جملة ذلك الطلل، فيكون من القسم الذي يأتي، وهو قوله:

«أو مجامعًا له» أي لمن يعقل «بشمول» نحو: {ألم تر أن الله يسبح [له] من في السموات والأرض} و (من)[في السموات والأرض] لفظ عام يشمل العاقل وغيره، ويدل على إرادة الكل قوله تعالى:{وإن من شيء إلا يسبح بحمده} ومثله: {ومنهم من يمشي على رجلين} وهو شامل للإنسان والطائر مثلًا. «أو اقتران» والمراد به أن لفظة من [قد] اقترنت بها لفظة أخرى اجتمع فيها العاقل وغير العاقل

ص: 250

مثل: {من يمشي على بطنه} و {من يمشي على رجلين} فإنهما اقترنا بـ (كل دابة) وهو شامل للنوعين لا كلمة من. «خلافًا لقطرب» فإنه جوز إطلاق (من) على غير العاقل بلا شرط، استدلالًا بقوله تعالى:{ومن لستم له برازقين} وكأنه حملها على البهائم، ولا دليل فيه؛ لجواز أن تحمل على الرقيق والبهائم؛ لأن الجميع خلق للمنافع، ولكن الأول أظهر. «و «ما» في الغالب لما لا يعقل وحده» نحو: أعجبني ما صنعته.

قال المصنف: واحترزت بقولي (في الغالب) من نحو قوله تعالى: {ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي} ومن قول بعض العرب: سبحان من سخركن لنا.

قلت: إنما يتم هذا لو كانت (ما) في المثال المذكور مستعملة للعاقل وليس كذلك؛ لما تقرر من منع إطلاق هذا اللفظ على البارئ سبحانه، وسننبه على أن التعبير بـ (ما لا يعلم) كان أولى من هذه العبارة.

وقد استدل على إطلاق ما على ذوي العقول بإطباق أهل العربية على قولهم:

من لما يعقل. من غير تجوز في ذلك، حتى لو قيل: من لم يعقل. كان لغوًا من الكلام بمنزلة أن يقال: الذي يعقل عاقل.

فإن قيل: ها هنا يجب أن يفرق بـ (ما) و (من)؛ لأن ما يعقل / معلوم أنه من ذوي العلم.

ص: 251

قلنا: نعم لكن يعد اعتبار الصلة، أعني (بعقل) ، فأما الموصول نفسه فيجب أن يعتبر مبهمًا مرادًا به شيء ما؛ ليصح في موقع التفسير بالنسبة إلى من لا يعلم مدلول (من)؛ وليقع وصله مفيدًا غير لغو، فليتأكل كذا في حاشية التفتازاني على الكشاف «وله» أي لما لا يعقل «مع من يعقل» نحو:{ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة} .

وكان الجيد أن لو قال: وتقع على من يعقل مختلطًا بغيره. فإن الذي يحتاج إلى الاعتذار عنه إطلاقها على العقل، وأما إطلاقها على غير العاقل فذلك أصلها، وقد تقدم، فالاختلاط إنما كان سببًا في إطلاقها على العقل، لا سببا لإطلاقها على غير العاقل. «ولصفات من يعقل» هذه عبارة أبي علي، وهو في كلام المصنف من ذكر الخاص بعد العام، فإن صفات من يعقل هي مما يصدق عليه ما لا يعقل، فما ذكر هنا [هو] بعض ما تناوله العام المذكور أولًا، ومثلوا ذلك بقوله تعالى:{فانكحوا ما طاب لكم} .

وفي الكشاف: وقيل: ما طاب ذهابًا إلى الصفة.

ص: 252

قال التفتازاني: يعني استعملت كلمة ما في النساء، مع اختصاصها أو غلبتها في غير ذوي العقول، لأن هذه التفرقة إنما هي إذا أريد الذات، وأما إذا أريد الوصف كما تقول: - في (الاستفهامية) - ما زيد؟ أي أفاضل أم كريم؟ وفي الموصولة أكرم ما شئت من هؤلاء الرجال، أي القائم أو القاعد أو نحو ذلك، فهو بكلمة ما بحكم الوضع على ما ذكره المصنف - يعني الزمخشري - وصاحب المفتاح وغيرهما، وإن أنكره البعض، وهاهنا المراد الصفة، أي انكحوا الموصوفة إلى غير ذلك من الأوصاف، وقيل: المراد الموصوفة بانتفاء التحرج والتضييق في تزوجها. وقد خفي معنى قوله: ذهابًا إلى الصفة. على بعض الأفاضل، فذهب إلى أن معناه أن المراد [به] الوصف المأخوذ من المذكور بعد (ما) ، فمعنى (ما طاب) الطيب، وهو صادق على العاقل وغيره. ومعنى (ما سخركن) المسخر. وأنت خبير بأن السؤال لا يسقط بمجرد ذلك إلى هنا كلام التفتازاني.

ولو عبر المصنف بـ (من يعلم) ليشمل نحو: {أفمن يخلق}

ص: 253

ونحو: {والسماء وما بناها} ، لكان أولى من تعبيره بـ (من يعقل)؛ إذ لا يطلق عليه تعالى أنه عاقل. «وللمبهم أمره» كأن ترى شبحًا تقدر إنسانيته وعدم إنسانيته، فتقول: أخبرني ما هنالك، وكذا لو علمت إنسانيته واستبهم عليك حاله بالنسبة إلى الذكورة والأنوثة، ومنه:{[رب] إني نذرت لك ما في بطني محررًا} قاله المصنفز

وعلى الجملة، إذا لم يكن للمتكلم التفات إلا إلى الشيء، من حيث هو، فجعله متعلق الحكم من غير أن يعتبر وصفًا زائدًا على ذلك، فإنه [إنما] يأتي بـ (ما) نحو:{لما خلقت بيدي} فإن الذم إنما كان على مخالفة الأمر بالسجود، لا لذلك مع كون المسجود له عاقلًُا، ونحو:{إني نذرت لك ما في بطني محررًا} المراد أنها جعلت ما في بطنها، وثمرة فؤادها خادمًا للمسجد، ولم تقصد إذ ذاك ذكورته من أنوثته، وكذا المراد بقوله: انظر إلى ما ظهر، انظر إلى هذا الشيء [الذي ظهر] كائنًا ما كان.

ص: 254

«وأفردت» (ما) خالية عما تقدم، من كونها موصولة أو موصوفة، أو شرطية أو استفهامية، وهذه [هي] التي تسمى تامة، وتقع في ثلاثة أبواب:

أحدها: التعجب نحو: ما أحسن زيدًا، المعنى شيء حسن زيدًا، جزم بذلك جميع البصريين، إلا الأخفش فجوزه، وجوز أن تكون معرفة موصولة، والجملة بعدها صلة لا محل / لها من الإعراب، وأن تكون نكرة موصوفة، والجملة بعدها في موضع رفع نعتًا لها، وعليهما فخبر المبتدأ محذوف وجوبًا تقديره: شيء عظيم، ونحوه.

الثاني: باب نعم وبئس نحو: غسلته غسلًا نعمًا، ودققته دقًا نعمًا، أي نعم شيئًا، فـ (ما) نصب على التمييز عند كثير من المتأخرين، منهم الزمخشري وسيأتي فيه كلام إن شاء الله تعالى.

الثالث: قولهم - إذا أرادوا المبالغة في الإخبار عن أحد بالإكثار من فعل كالكتابة - إن زيدًا مما أن يكتب، أي أنه من أمر كتابة، أي أنه مخلوق من أمر، ذلك الأمر هو الكتابة، فـ (ما) بمعنى شيء، وأن وصلتها في موضع خفض بدلًا منها، والمعنى بمنزلته في:{خلق الإنسان من عجل} (جعل لكثرة عجلته كأنه خلق منها وزعم السيرافي وابن خروف وتبعهما

ص: 255

ابن مالك، ونقله عن سيبويه أنها معرفة تامة، بمعنى الشيء، وأن وصلتها مبتدأ، والظرف خبره، والجملة خبر لأن.

قال ابن هشام: ولا يتحصل للكلام معنى طائل على هذا التقدير.

«وقد تساويها (من) عند أبي علي» فتكون نكرة تامة، قال ذلك في قول الشاعر:

...........................

ونعم من هو في سر وإعلان

فزعم أن الفاعل مستتر ومن تمييز، وقوله (هو) مخصوص بالمدح، فهو مبتدأ خبره ما قبله، أوخبر لمبتدأ محذوف.

وقال غيره: (من) موصول فاعل، وقوله (هو) مبتدأ، وخبره (هو)

ص: 256

آخر محذوف على حد قوله:

.......... وشعري شعري

والظرف متعلق بالمحذوف، لأن فيه معنى الفعل، أي ونعم من هو الثابت في حالتي السر والعلن.

قال ابن هشام: ويحتاج إلى تقدير (هو) ثالث يكون مخصوصًا بالمدح.

قلت: ويحتاج إلى تقدير (هو) رابع، على القول بأن المخصوص خبر مبتدأ محذوف.

«وقد تقع (الذي) مصدرية» فلا يعود عليها شيء، [وقد] تأول عليه يونس:{ذلك الذي يبشر الله عباده} .

ص: 257

قال الفارسي: وعليه {وخضتم كالذي خاضوا} أي كخوضهم. ولا يعود إلى (الذي) شيء، لأنها في مثل هذا حرف، وهذا مذهب الفراء في قوله:{تمامًا على الذي أحسن} فجعلها مصدرية، و (أحسن) فعلًا ماضيًا مسندًا إلى ضمير موسى، والتقدير: تمامًا على إحسانه، واختاره المصنف وسبقه إلى اختياره ابن خروف، وحكي عن الفراء أنه سمع بعض العرب يقول: أبوك بالجارية الذي يكفل فـ (الذي يكفل) مبتدأ بمنزلة {وأن تصوموا} و (بالجارية) خبره، والمعنى: كفالته استقرت بالجارية، [كما قالوا: - أيضًا - ما يكفلك}. ولولا هذا التأويل لزم محذوران: أن تعلق الباء بـ (يكفل) ، وإنما يتعدى بنفسه. وتقدم معمول الصلة على الموصول.

وأجيب: بأن التقدير أبوك كفيل بالجارية، فحذف الخبر وأبدل منه الذي.

وأما {وخضتم كالذي خاضوا} فتوجيه الاستدلال به أنه لو كان موصولًا اسميًا لاحتاج إلى عائد، وليس مقدرًا؛ لأنه لا يتعدى، فيقال: حذف مفعوله

ص: 258

وهو العائد فلم يبق إلا أن يكون العائد هو ضمير الفاعل المصرح به، وإذا قدر كذلك لم يتطابق (الذي) وعائده المذكور، لأن (الذي) مفرد، وعائده جمع.

وأجيب: بأن (الذي) جمع في المعنى: إما على أنه صفة لجمع في المعنى، مفرد في اللفظ، أي كالفريق أو كالجمع الذين خاضوا، فإفراد الموصوف لفظًا اقتضى صحة التعبير بـ (الذي) وجمعه معنى اقتضى عود الضمير مجموعًا. وإما على أن (الذي) بمعنى الذين، كما في قوله:

وإن الذي حانت بفلج دماؤهم

هو القوم كل القوم يا أم خالد

والفرق بين هذا والذي قبله أن لفظ الذي لا تجوز فيه على الأول، وأنه لا حذف موصوف على الثاني. وإما على أن الذي واقع على حدث هو الخوض، ويكون العائد محذوفًا، وهو ضمير المفعول المطلق.

وأما {تمامًا على الذي أحسن} فقد تؤول على أن فاعل (أحسن) ضمير راجع إلى الله تعالى، وعائد (الذي) محذوف، والتقدير: على الذي أحسنه الله، والأصل: تمامًا على الإحسان الذي أحسنه الله [إليه].

«وموصوفة بمعرفة» نحو: مررت بالذي الفال «أو شبهها في

ص: 259

امتناع لحاق «أل) فيقال: مررت بالذي [أخيك، وبالذي] مثلك، وبالذي خير منك، وعليه خرج:{تمامًا على الذي أحسن} فجعل (أحسن) أفعل تفضيل مجرورًا بالفتحة صفة للذي، وعلى هذا فلا يقال: مررت بالذي قائم، وهذا الذي ذكره المصنف من وقوع (الذي) موصوفة بمعرفة أو شبهها في امتناع لحاق (أل) ، هو مذهب الفراء وأبي علي الفارسي، قال المصنف: وهو الصحيح، وبه أقول.

ص: 260