المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌«فصل»: يتكلم فيه على الصلة والموصول باعتبار الترتيب والحذف وغيرهما من الأحكام المتعلقة بذلك - شرح التسهيل = تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد - ق ١ - جـ ٢

[بدر الدين الدماميني]

الفصل: ‌«فصل»: يتكلم فيه على الصلة والموصول باعتبار الترتيب والحذف وغيرهما من الأحكام المتعلقة بذلك

«فصل» : يتكلم فيه على الصلة والموصول باعتبار الترتيب والحذف وغيرهما من الأحكام المتعلقة بذلك

.

«الموصول والصلة كجزءي اسم، فلهما» أي للموصول والصلة «مالهما» أي لجزءي الاسم «من ترتيب» بأن يكون الموصول قبل الصلة «ومنع فصل» بينهما «بأجنبي» لا بغير، كالجملة الاعتراضية كقوله:

ماذا ولا عتب في المقدور رمت أما

يحظيك بالنجح أم خر وتضليل

والقسم كقوله:

ذاك الذي - وأبيك - يعرف مالكا .....................

ص: 291

كذا قال المصنف، فجعل الفصل بالاعتراض والفصل بالقسم قسمين. والحق أن الفصل بالاعتراض جنس، وأن الفصل بالقسم نوع من ذلك الجنس، وهو قول النحويين.

قال: وكذا النداء [الذي] يليه مخاطب كقوله:

وأن الذي يا سعد - بؤت - بمشهد كريم وأبواب المكارم والحمد فلو لم يكن بعد النداء مخاطب عد الفصل به أجنبيا، ولم يجز إلا في

ص: 292

الضرورة كقوله:

............................... نكن مثل من - يا ذئب - يصطحبان

وهذا الكلام من المصنف يقتضي أن الجمل الاعتراضية والندائية التي ذكرها ليست بأجنبيه، ولهذا لم يستثنها، وفيه نظر، بل هي أجنبية مغتفرة.

«فلا يتبع الموصول» تفصيل لما أجمله في قوله: (فلهما ما لهما) ، أي فلا يؤتى للموصول بتابع قبل تمام الصلة أو تقدير تمامها، فلا يجوز: مررت بالضاربين وإخوتك زيدًا، ولا بالضاربين كلهم زيدا، ولا بالضاربين المحسنين زيدا، ولا بالضاربين إخوتك زيدا، بيانًا قدرته أو بدلا. «ولا يخبر عنه» فلا يجوز: الذي زيد أكرمته، يعني الذي أكرمته زيد. «ولا يستثنى منه» فلا يجوز: جاء الذين إلا زيدا أكرمتهم، [وإنما تقول: جاء الذين أكرمتهم إلا زيدا]. «قبل تمام الصلة» معمول تنازعه الأفعال المتقدمة، وهو قبد في كل واحد منها. «أو تقدير تمامها» .

قال ابن قاسم: هو إشارة إلى نحو قوله:

ص: 293

لسنا كمن جعلت إياد دارها

تكريت تمنع حبها أن يحصدا

فظاهره أن (إياد) بدل من (من) في رواية من جر، وبدل من الضمير المستكن في (جعلت) في رواية من رفع، فقد أبدل على الأول من الموصول قبل تمام الصلة، لكنه قدر التمام.

قلت: في هذا الكلام نظر، فإن كل موضع ممنوع يمكن فيه هذا التقدير، قالوا: والصواب أن يجعل (دارها) منصوبًا بفعل يدل عليه المذكور، والتقدير: لسنا كمن جعلت إياد جعلت دارها.

قال ابن هشام: وهذا مشكل، لأن (جعلت) فعل عام لا يصح أن يتعرف به الموصول، بخلاف ضربت وأكلت ونحو ذلك من الأفعال الخاصة، ولا يقال: فإن رفع الإبهام قد زال بالجملة الثانية، لأنا نقول: شرط الصلة نفسها أن يعرف الموصول منها، أما أنه يعرف من جملة أخرى بعدها فليس بكافٍ.

ص: 294

«وقد ترد صلة بعد موصولين» [نحو: الذي والتي قاما، وأنشد المصنف عليه بيتًا لم يتحرر لي إلى الآن كقوله:

صل الذي والتي منا بآصرة

وإن نأت عن مراقي منها الرحم

منا: توسلا. بآصرة، أي بما تعطف من منة ونحوها. وإن نأت، أي بعدت. والرحم: القرابة، أي صل من توسل إليك من ذكر أو أنثى بمنة تعطفك عليه، وإن لم يكن بينكما قرابة].

«أو أكثر مشتركًا فيها» كقوله:

من اللواتي والتي واللاتي

يزعمن أني كبرت لداتي

ومثله ما أنشده المبرد في المقتضب:

بعد اللتيا واللتيا والتي

إذا علتها أنفس تردت

ص: 295

قال ابن هشام: وأما قول ابن الشجري لم يأت للموصولين الأولين بصلة لأن / صلة الثالث دلت على ما أراد، وأن الأمر كذلك في قوله:

بعد اللتيا .......................

......................

البيت، فمردود. ولا أدري ما وجه الرد؟ .

«أو مدلولا بها على ما حذف» كقوله:

وعند الذي [واللات] عدنك إحنة

عليك فلا يغررك كيد العوائد

ص: 296

ويحتمل أن يكون هذا من باب:

...........................

ويرجعن من دارين بجر الحقائب

بل أولى هنا، للاختلاط، وسهله أنه تغليب للأكثر المجاور على المفرد المنفصل عن الصلة.

«وقد يحذف ما علم من موصول» اسمي «غير الألف واللام» وهذا مذهب قال به الكوفيون والبغداديون والأخفش، ومنعه غيره من البصريين، واختار المصنف الجواز مستدلًا بالقياس على (أن) ، فإن حذفها مكتفى بصلتها جائز إجماعًا، وبالسماع الوارد في ذلك قال الله تعالى:

ص: 297

{آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم} . (أي وبالذي أنزل إليكم) ، وعلى الاستدلال بها منع ظاهر، واستدل أيضًا بقول حسان رضي الله عنه:

أمن يهجو رسول الله منكم

ويمدحه وينصره سواء

[أي ومن يمدحه] ويقول الآخر:

[ما الذي دأبه احتياط وعزم

وهواه أطاع يستويان

ص: 298

أي والذي هواه أطاع وبقول الآخر: ]

لكم مسجدا الله المزوران، والحصى

لكم قبصة من بين أثرى وأقترا

أي من بين [من] أثرى، أي استغنى، ومن أقتر، أي افتقر.

وهذا كله مخصوص بالشعر عند البصريين «و» قد يحذف أيضًا ما علم «من صلة غيرهما» ، أي غير الألف واللام، كقوله:

نحن الأولى فاجمع جمو

علك ثم وجههم إلينا

ص: 299

أي نحن الأولى عرفوا بالنجدة والشجاعة، وعدم المبالاة بكثرة الأعداء.

«ولا تحذف صلة حرف إلا ومعمولها باق» نحو قولهم: لا أفعله ما أن حراء مكانه، وما أن في السماء نجما، أي ما ثبت، - في المثالين - فحذف الفعل منهما، وهو (ثبت) وأبقي معموله، وهو أن وصلتها. وفي العبارة تسامح؛ لأن الصلة المجموع، لا الفعل فقط، فكان الأحسن أن يقال: وقد يحذف الفعل الواقع صدر صلة حرف [مع] مرفوعه، ويبقى المنصوب، نحو:(كل شيء أمم ما النساء وذكرهن) ، أو بدون المرفوع، نحو: ما أن

ص: 300

حراء مكانه، و (أما أنت منطلقًا انطلقت). «ولا» يحذف «موصول حرفي إلا «أن» وحذفها نوعان: مطرد، نحو:{ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه} وغير مطرد وهو نوعان: مع بقاء العمل، وبدونه، وقد روي قوله:

ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى وأن

أشهد اللذات هل أنت مخلدي

بالوجهين، وكذا (تسمع بالمعيدي

) ، والأرجح الرفع، وزعم

ص: 301

السيرافي أنه يجوز - في {يريد الله يبين لكم} - تقدير (كي). وهو مخالف لقول المصنف: (إلا أن).

«وقد يلي معمول الصلة الموصول إن لم يكن حرفا، أو الألف واللام» مثل: جاء الذي زيدا ضرب، فإن كان حرفًا أو الألف واللام لم يجز.

قال المصنف: وعلة ذلك أن امتزاج الحرف بصلته أشد من امتزاج الاسم بصلته، فلو تقدم معمولها كان تقديمه بمنزلة وقوع كلمة بين جزءي مصدر، وكذلك اشتد امتزاج الألف واللام.

قال ابن قاسم: ولم يفصل المصنف في الحرف بين العامل وغيره، وفصل غيره، فأجاز ذلك في غير العامل نحو: عجبت مما زيدًا تضرب، ومنع في العامل نحو (أن) وتعليل المصنف يقتضي إطلاق / المنع.

قلت: ومما يدل على أنه لا فرق في الموصول الحرفي بين العامل وغيره اتفاقهم على منع تقديم خبر (دام) عليها نفسها، مع اختلافهم في جمودها وتصرفها، وما أحسن قول المصنف:(وقد يلي) ولم يقل: وقد يتقدم معمول الصلة إن لم يكن الموصول حرفًا أو الألف واللام. لأن ذلك باطل لقوله تعالى: {والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون} فإن المعطوف على الصلة صلة، وقد تقدم معمول الثانية، مع أن الموصول (ال) ، فإن صلة (ال) تكون جملة فعلية، إذا لم تجاور (ال) ، بل كانت معطوفة.

ص: 302

«ويجوز تعليق حرف جر قبل الألف واللام» الموصلة «بمحذوف دل عليه صلتها» نحو: {وكانوا فيه من الزاهدين} و: {إني لعملكم من القالين، {إني لكما لمن الناصحين} ، {وأنا على ذلكم من الشاهدين} ، فحرف الجر في ذلك وأمثاله متعلق بمحذوف تدل عليه الصلة، وغير المصنف يقدر:(أعني) ، وليس بجيد.

وإذا قدر على رأي المصنف: - مثلًا – زاهدين فيه من الزاهدين، فهل (من الزاهدين) صفة لزاهدين مؤكدة، كما تقول: عالم من العلماء، أو صفة مبينة [لا مؤكدة] ، أي زاهدين، بلغ بهم الزهد إلى أن يعدوا في الزاهدين، لأن الزاهد قد لا يكون عريقًا في الزهد بحيث يعد في الزاهدين، إذا عدوا؟ ، أو يكون خبرًا ثانيًا؟ كل ذلك محتمل. ولا يكون بدلًا من المحذوف لوجود (من) معه، وكلام ابن الحاجب صريح في أن التعلق في مثل ذلك بنفس الصلة لا بشيء محذوف، قال: - في أمالي القرآن في الكلام على قوله تعالى: {وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين} -.

ص: 303

الظاهر في (لكما) - في مثل هذا الموضع - أنه متعلق بـ (الناصحين) ونحوه، لأن المعنى عليه، ولا يرتاب في أن المعنى: لمن الناصحين لكما، وأن اللام إنما جيء بها لتخصيص معنى النصح بالمخاطبين، وإنما فر الأكثرون من ذلك، لما فهموا من أن صلة الموصول لا تعمل فيما قبل الموصول، والفرق عندنا أن الألف واللام لما كانت صورتها صورة الحرف المنزل جزءًا من الكلمة صارت كغيرها من الأجزاء التي لا تمنع التقدم، ففرق بينها وبين الموصولات بذلك، كما فرق بينهما بالاتفاق في جعل هذه الصلة اسم فاعل أو اسم مفعول؛ لتكون مع (أل) كالاسم الواحد، ولذلك لم توصل بجملة اسمية، وذلك واضح، ولا حاجة إلى التعسف.

«ويندر ذلك» أي تعليق حرف جر واقع قبل الموصول بمحذوف تدل عليه الصلة. «في الشعر مع غيرها» أي غير الألف واللام، وأعاد الضمير مفردًا مؤنثًا باعتبار الأداة والكلمة. «مطلقًا» أي سواء كان الموصول مجرورًا [بمن] كقوله:

ص: 304

لا تظلموا مسورا فإنه لكم

من الذين وفوا [في السر والعلن

أي واف لكم من الذين وفوا].

أو كان الموصول غير مجرور بمن كقوله:

وأهجو من هجاني من سواهم

وأعرض منهم عمن هجاني

التقدير: عمن هجاني منهم والمذكور مؤكد للمحذوف.

ص: 305

وقيل: التقدير: عن هاجي منهم، إذ تقدير اسم فاعل أسهل من حذف موصول وصلته. «و» يندر ذلك «معها» أي مع الكلمة التي هي الألف واللام «غير مجرورة بـ «من» ، التبعيضية، [بذلك] قيدها المصنف في الشرح، وعلله بأن في ذلك إشعارًا بأن المحذوف بعض المذكور، فتقوى الدلالة عليه. ومثال ذلك – أعني / ما إذا كانت الألف واللام غير مجرورة بمن - قوله:

تقول ودقت صدرها بيمينها

أبعلي هذا بالرحى المتقاعس

ص: 306

قال ابن قاسم: فـ (بالرحى) متعلق بمحذوف يدل عليه صلة (أل) ، وهي متقاعس، والتقدير: متقاعسًا [بالرحى]. وتبع المصنف فإنه [قال]:

أراد بعلي هذا كائنًا [بالرحى] ، أو متقاعسًا بالرحى.

قلت: الظاهر أن يقدر (متقاعس) أو (المتقاعس) ، والمذكور بدل، وهو على قراءة ابن مسعود {وهذا بعلي شيخ} وعلى الأول يحتاج إلى أن يقدر (المتقاعس) خبرًا لمحذوف، وهو أمر لا داعي إليه.

ص: 307