المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب العاشر«باب اسم الإشارة» - شرح التسهيل = تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد - ق ١ - جـ ٢

[بدر الدين الدماميني]

الفصل: ‌الباب العاشر«باب اسم الإشارة»

‌الباب العاشر

«باب اسم الإشارة»

«وهو ما وضع لمسمى» جنس يشمل النكرة والمعرفة «وإشارة إليه» فصل أخرج ما عدا اسم الإشارة.

والاعتراض بأن المضمرات وجميع المظهرات داخلة في هذا الحد، فلا يكون مطردًا؛ لأن المضمر يشار به إلى المعود عليه، والمظهر إن كان نكرة يشار به إلى واحد من الجنس غير معين، وإن كان معرفة فإلى واحد معين، يندفع بأن المراد بـ (الإشارة) الحسية، وما ذكر من الأسماء المنقوض بها ليست كذلك.

وإنما لم يقل: - في الحد - وإشارة إليه حسية؛ لأن مطلق الإشارة حقيقة في الحسية دون الذهنية، وقضية هذا أن يكون الأصل في أسماء الإشارة أن (لا) يشار بها (إلا) إلى مشاهد محسوس قريب أو بعيد. فإن أشير بها إلى غير محسوس أو إلى محسوس غير مشاهد فلتصييره كالمحسوس المشاهد.

ص: 309

والاعتراض بلزوم الدور من حيث أخذ لفظ الإشارة في كل من المعرف والمعرف يندفع بأن الإشارة في قوله: (اسم الإشارة) جزء المحدود، ولا يلزم من توقف المحدود على الحد توقف جزء المحدود أيضًا عليه، إذ ربما تكون معرفة ذلك الجزء ضرورية أو مكتسبة بغير ذلك (الحد).

«وهو» أي اسم الإشارة «- في القرب مذكرًا - ذا» و (هو) مبتدأ وخبره (ذا) ، وما بينهما من متعلقات شيء محذوف، والتقدير: أعنيه في القرب [مفردًا] مذكرًا، والجملة معترضة، وقد ظهر بذلك وجه إعرابه.

قال المصنف: والمشهور أن للمشار إليه ثلاث مراتب، وقيل له مرتبتان كالمنادى، وهو الصحيح، وقد سردتها على المشهور؛ لأنه الأسبق إلى أكثر الأذهان، فما عطفته بالواو فه لغة في المعطوف عليه، واقع في مرتبته، وما عطفته بـ (ثم) فهو في مرتبة تلي مرتبة المعطوف عليه.

«ثم ذاك» بدون لام للمتوسط. «ثم ذلك» بلام «وآلك» بلام وهمزة مفتتح بما ممدودة كلاهما للبعيد، وينبغي أن يكون كل من الذال والهمزة أصلًا، وأن لا يكون أحدها بدلًا من الآخر، لتباعد ما بين طرف اللسان وأول مخارج حروف الحلق، ولم يذكر هذه الكلمة في القرب، ولا في التوسط، فكأنها

ص: 310

لم تستعمل إلا في البعيد، ولفظ (آ) يستعمل حرفًا لنداء البعيد، وهذا يسأل عنه في باب النداء، فيقال: في أي موضع يكون «آ» اسمًا؟ . هذا كله للمفرد المذكر.

قال ابن قاسم: وقد يقال: - في القريب - (ذاء) بهمزة مكسورة بعد الألف، و (ذائه) بهاء مكسورة بعد تلك الهمزة، قال الراجز:

هذائه الدفتر خير دفتر

في كف قرم ماجدٍ مصدر

وقد يقال: - في البعيد- (ذائك) بهمزة مكسورة بعد الألف.

ومذهب البصريين أن (ذا) ثلاثي الوضع، قالوا: لتصغيره على (ذيا) بإعادة اللام.

قلت: قد يعارض بما قاله ابن يعيش من أنك إذا سميت به تقول: (ذاء) ، فتزيد ألفًا أخرى، ثم تقلبها همزة، كما تقول:(لاء) إذا سميت بـ (لا) ، وهذا حكم الأسماء التي لا ثالث لها وضعًا إذا كان ثانيها ألفًا وسمي بها، ولو كان أصله ثلاثة قلت:(ذاي) ردًا له إلى أصله.

ص: 311

وعلى قولهم فهل المحذوف العين أو اللام، لأنها طرف وهل الألف منقلبة عن ياء والمحذوف ياء، فيكون من باب (حي) ، أو عن واو والمحذوف ياء، فيكون من باب (طويت؟ . وهل وزنه (فعل) بتحريك العين وهو الأظهر - أو (فعل) بإسكانها؟ في ذلك كله خلاف.

وقال الكوفيون: ألف (ذا) زائدة. ووافقهم السهيلي احتجاجًا بقولهم: ذان وذين في التثنية، فالألف والنون، والياء والنون للتثنية، فلم يبق إذن إلا الذال.

ورد بأن الألف حذفت لالتقاء الساكنين، ولذا شددت النون عوضًا منها، ورد أيضًا بأن هذه صيغة مرتجلة للاثنين غير مبنية على واحد، فـ (ذان) صيغة الرفع و (ذين) صيغة أخرى للنصب والجر ولا يخفى أن هذه دعوى على خلاف الظاهر.

«وللمؤنثة» المفردة «تي» بتاء مكسورة فياء ساكنة، «وتا» بتاء فألف. «وته» بتاء مكسورة فهاء ساكنة «وذي» بذال معجمة مكسورة فياء ساكنة. وذه» بذال معجمة [مكسورة] فهاء ساكنة. «وتكسر الهاءان» من ته وذه «باختلاس» والمراد به عدم الإشباع لا اختطاف الحركة [باختلاس]. «وإشباع» فيتولد ياء ساكنة بعد كسرة الهاء. «وذات» .

قال ابن هشام: هي في [بعض] النسخ مضبوطة بكسر التاء، ولست

ص: 312

على يقين من ذلك، فإن صح فتكون حركة التقاء الساكنين، وهو ظاهر كـ (غارق).

فهذه عشرة ألفاظ للمؤنثة المفردة في حال القرب.

«ثم تيك» بكسر التاء. «وتيك» بفتحها، وهذا يقضي بجواز «تي» بفتح التاء للقريب، اللهم إلا أن يدعى أن هذه مختصة بالمتوسط والبعيد، وهو بعيد، لكن يؤنس به قولهم:(آلك) في البعيد خاصة. «وذيك» بكسر الذال، وأنكرها ثعلب، فعلى قوله هي عكس آلك وتيك بفتح التاء؛ حيث لم يستعملا في القريب واستعملا في غيره. فهذه ثلاثة ألفاظ للمؤنثة المفردة في حال التوسط. «ثم [تلك» بتاء مكسورة فلام ساكنة. «وتلك» بتاء مفتوحة فلام ساكنة. «و] تيلك» بتاء مسكورة فياء ساكنة فلام مكسورة حكاها الفراء وأنشد شاهدًا على ذلك قول الشاعر:

بآية تيلك الدمن الخوالي

عجبت منازلا لو تنطقينا

«وتالك» بتاء فألف فلام مكسورة كقول القطامي:

ص: 313

تعلم أن بعد الغي رشدا

وأن لتالك الغمر انقشاعا

فهذه أربعة ألفاظ للمؤنثة المفردة في حال البعد، وأصل الاسم فيهن تي وتا، لما التقى ساكنان حذفوا المعتل تارة وكسروا الصحيح أخرى.

«وتلى الذال» من (ذا)«والتاء» من (تا)«في التثنية علامتها» وهي الألف والنون أو الياء والنون، كما ولي الذال من (الذي) والتاء من (التي) علامة التثنية. «مجوزًا تشديد نونها» مع الألف والياء، كما كان ذلك في اللذان واللذين واللتان واللتين، لكن هنا لا يجوز حذف النون، وفي اللذان واللتان يجوز حذفها، لأن هناك طولًا بالصلة، ولا يحصل إلباس بالواحد، وهنا لا طول، ويوجد الإلباس [به].

ص: 314

ثم تشديد هذه النون مع الألف والياء هو مذهب الكوفين، وهو مختار المصنف، ولذا أطلق.

ومذهب البصريين منع التشديد إلا مع الألف، وقرأ بعضهم:(هذأن)(واللذأن) بالهمزة وتشديد النون، وهي لغة من جد في الهرب / من التقاء الساكنين.

ثم قال بعضهم: التشديد عوض من الألف المحذوفة وهو حسن.

وقال المبرد، النون الثانية بدل من اللام في ذلك وتالك، كأنه أدخل اللام مكسورة بعد نون التثنية، لأن اللام تدخل بعد تمام الكلمة، كما في ذلك وأولا لك، فاجتمع المتقاربان فقلبت اللام نونًا، والقياس في الإدغام قلب أول المثلين إلى الثاني، لأن المراد تغييره عن حاله بالإدغام في الثاني، فتغييره بالقلب أولى، وإنما قلبت هنا الثانية إلى الأولى لتبقى النون الدالة على التثنية. «وتليها» أي وتلي النون [فيهما]«والكاف وحدها» أي مجردة من اللام

ص: 315

«في غير القرب» فيقال في المرتبة الوسطى والبعدى جميعًا - ذانك وتانك، وذينك وتينك بالتخفيف والتشديد، هذا رأي المصنف، وذكر المغاربة أنه يقال: - في المرتبة الوسطى - ذانك وتانك بتخفيف النون، وفي البعدى ذانك وتانك بتشديدها، وذانيك وتانيك بياء بعد النون حفيفة، وقد سبق أن البصريين لا يجيزون التشديد مع الياء، فإذا أرادوا البعد معها قالوا: ذينيك وتينيك.

«وقد يقال: ذانيك» كما روى عن ابن كثير أنه قرأ: (فذانيك) بنون خفيفة بعدها ياء، كذا قال المصنف، وبعضهم يزعم أن الياء في هذه الكلمة بدل من النون الثانية، وفي نظر، لأن النون الأولى [كانت] ساكنة، وهذه النون مكسورة، والنون الثانية كانت مكسورة، وهذه ساكنة، وقد يقال: إن النون الأولى إنما كانت ساكنة للإدغام، وقد زال، فرجعت إلى أصلها من الكسر، وعلى هذا فتكون المدغمة هي نون التثنية، والمدغم فيها هي الزائدة، ويؤيده أننون التثنية لا تفصل من علامتها.

ويجاب عن الثاني بأن التحريك كان لأجل الإدغام في النون، وقد

ص: 316

زال، وبأن الحركة تستثقل على حرف العلة فخفف، وقد يّدعي أن نون التثنية أشبعت فتولدت الياء، ويؤيده أن المهدوي حكى:(ذانيك) بالتشديد والياء، وهذا إشباع لا غير.

«وفي الجمع مطلقًا» أي سواء كان لمذكر أو لمؤنث، لعاقل أو غيره، «أولاء» بالمد وضم الهمزة الأولى، وكسر [الهمزة] الأخيرة، فتقول: أولاء ذهبوا في المذكر وأولاد ذهبن - في المؤنث - وتقول: - أيضًا في غير العاقل - أولاء الأيام انقرضت. قال:

ذم المنازل بعد منزلة اللوى

والعيش بعد أولئك الأيام

ص: 317

وهذا في القرب، أعني أولاء المجرد «وقد ينون» كما حكاه قطرب فيما ذكره المصنف، وخالفه قائلًا: الصواب أنه زاد نونًا، كما زيدت النون في صيفن، إلا أن ذاك اسم معرب، فصارت النون حرف إعراب، وهذا الاسم مبني، فسكنت نونه، وإلا فليس هذا شيئًا من أقسام التنوين. وفيه نظر:

أما أولًا - فلأن قطربًا إذا نقل أن هذا تنوين، فمعناه أن قائله يثبته وصلًا، ويحذفه وقفًا، فلا يتأتى تأويله بما ذكر.

وأما ثانيًا - فلأن الرضي ادعى أن التنوين فيه للتنكير، فيكون من أقسام التنوين المعروفة، [وقد] قال: والتنوين فيه للتنكير، كما في صهٍ، وإن كان أولاء معرفة، فيكون فائدتها البعد حتى يصير المشار إليهم كالمنكورين.

قلت: وفيه بحث لا يخفى.

«ثم أولئك» بالمد مع وجود الكاف في التوسط «وقد يقصران» أي أولاء المستعمل للقريب وأولاء المستعمل للمتوسط.

وفي قوله: (يقصران) مسامحة بالنسبة إلى الاصطلاح؛ إذ المقصود عندهم ما كان حرف إعرابه ألفا لازمة، وأولاء مبني، فالألف التي / هي آخره ليست

ص: 318

حرف إعراب، بمعنى أنها محل للإعراب، وإنما الذي في محل الإعراب الكلمة بأسرها.

وقد يقال: إنما يتم هذا أن لو أطلق لفظ المقصور، وهو لم يطلقه وأما مثل قولك: تقصر الكلمة، [أي] لا تمد ألفها، فلا نسلم أن فيه مسامحة، بل استعماله عندهم شائع، ولا تجوز [فيه]. «ثم أولالك [على رأي]» في البعد، بألف تليها لام «وعلى رأي أولاء» بالمد للقريب «ثم أولاك» بالقصر للمتوسط «ثم أولئك» بالمد «وأولالك» بالقصر واللام، وكلاهما للبعيد، وكلامه يوهم أن القصر لا يجوز على هذا المذهب في القرب، وأن المد لا يجوز في التوسط، وهذا له اتجاه، وهو قصد الفرق بينه وبين البعد، كما أن البعد لا يجوز معه القصر، إذ لم يؤت باللام لقصد الفرق المذكور.

«وقد يقال هلاء» بقلب الهمزة هاء، كما قالوا: - في إياك - هياك، بل هذا أولى لثقل الضم. «وأولاء» بضم الهمزتين الأولى والأخيرة.

ص: 319

«وقد تشبع الضمة قبل اللام» فتتولد واو ساكنة، فيقال: أولاء، مثل طومار، وهاتان اللغتان غربيتان حكاهما قطرب.

«وقد يقال: هؤلاء» على مثال توراة، حكاها أبو علي الشلوبين عن بعض العرب، وأنشد:

تجلد لا يقل هوْلاء هذا

بكى لما بكى أسفًا علينا

وخرجه في الخاطريات: على أن الأصل هاؤلاء، فحذفت الألف ثم شبه هؤلاء بعضد، فسكن ثم أبدل الهمزة واوًا - وإن كانت ساكنة بعد فتحة - تنبيهاً على حركتها الأصلية، ومثله في المعتل قول بعضهم: - في بئس - بيس بياء ساكنة بعد الباء.

وأسهل من ذلك أن يقال: أبدلت الهمزة من هاؤلاء واواً على غير

ص: 320

قياس، ثم استثقلت الضمة على الواو، فأسكنت فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، وإذا كانت قد حذفت بغير موجب في قوله:

وأتى صواحبها فقلن هذا الذي

منح المودة غيرنا وجفانا

في قول، فهذا أجدر. والقول الآخر في البيت: أن الأصل إذا الذي، فأبدلت همزة الاستفهام هاء. «وألاك» بهمزة مضمومة فلام مشددة، حكاها بعض أهل اللغة، وعليه قوله:

* من بين ألاك إلى ألاكا*

وهي للمتوسط.

«ومن لم ير التوسط» وهو الصحيح عند المصنف، وادعى أنه ظاهر كلام المتقدمين «جعل المجرد» عن اللام والكاف «للقرب، و»

ص: 321

جعل «غيره» أي غير المجرد، وهو ما صحب اللام والكاف جميعًا أو أحدهما «للبعد» فليس ثم إلا مرتبتان فقط.

«وزعم الفراء أن ترك اللام لغة تميم» .

قال ابن هشام: إنما قال الفراء إنه لغة أهل نجد من تميم وقيس وأسد وربيعة، فذكر أربع طوائف لا طائفة واحدة.

قال المصنف في الشرح: روى أن بني تميم يقولون ذاك وتيك بلا لام، حيث يقول الحجازيون ذلك وتلك باللام، وأن الحجازيين ليس من لغتهم استعمال الكاف بلا لام، فيلزم من هذا أن اسم الإشارة على اللغتين ليس له إلا مرتبتان: إحداهما - للقرب. والأخرى - للبعد، لأدناه وأقصاه.

انتهى.

وهذا إيضاح لا مزيد عليه.

وإنما أورد المصنف هذا النقل عن الفراء، ليرد به قول من زعم أن المراتب ثلاث.

وأورد في الشرح [أيضًا] نقلًا آخر عن الفراء رد به على من قال في (ألاء) بالمد والقصر في المراتب الثلاث، فقال: حكى الفراء أن القصر في (أولاء) وأولائك لغة بني تميم، وأن المد لغة الحجازين، فظهر بطلان

ص: 322

قول من زعم أن القصر يتعين في البعد لتدخل اللام، بخلاف القرب والتوسط، فيجوز معهما المد والقصر؛ إذ لا لام في التوسط، ولا كاف ولا لام في / القرب، وعلى من قال: يتعين القصر في التوسط، ليكون الإخلاء من اللام مع التمكن منها دليلًا، ويجوز في البعد الوجهان؛ لتكون اللام مع القصر في مقابلة المد، ويتعين المد في القرب، وتضمن الرد على الفريقين مدعاه أنه ليس إلا قرب وبعد قال: والأخذ بقول الفراء أولى، لأن مستنده رواية ومستند غيره رأي. وأبدى للاستدلال على رأيه وجوهًا أخر أضربنا عنها، لأنها ليس فيها ما يقوى على المطلوب قوة هذا، بل فيها ما هو ضعيف جدًا.

ص: 323

«ويصحب (ها) التنبيه المجرد» من الكاف «كثيرًا» نحو: هذا وهذي.

و(ها) المذكور ليس بعد ألفه همزة، وإنما هو علم على الكلمة المركبة من هاء فألف، ثم نكر وأضيف إلى التنبيه، ليتضح المراد به، كقوله:

علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم

ص: 324

ولا يصح أن يضبط بهمزة بعد الألف، إذ ليس لنا هاء تكون للتنبيه أصلًا «و» يصحب «المقرون بالكاف دون اللام قليلا» نحو: هذاك، وأطلق هنا، وقديه في الشروح بأن لا يكون مثنى ولا مجموعًا، فلا يجوز: هذانك ولا هؤلائك، ويرد عليه في الجمع قوله:

............................

من هاؤليائكن الضال والسمر

فتبين أن كلامه في الأصل والشرح معترض.

وزعم ابن يسعون: أن (تي) لا تستعمل إلا بـ (ها) قبلها،

ص: 325

وبالكاف بعدها كقوله:

قد احتملت مي فهاتيك دارها ............................

فعلى هذا لا تكون (تي) للقريبة، كما أن ثم في - المكان كذلك، لكن تلك بذاتها و (هاتيك) بغيرها، وإن صح ما قاله فيسأل: في أي موضع يلزم حرف التنبيه في الإشارة؟ . ولكن في حديث عائشة رضي الله عنها:

ص: 326

(كيف تيكم؟ ) أو (كيف تيكن؟ ) الشك مني الآن.

«وفصلها» يجوز أن تكتب متصلة هكذا على أن (ها) ضمير غيبة يعود إلى الكلمة السابقة، وهي (ها) الموضوعة للتنبيه، وأن تكتب منفصلة على أنها اسم ظاهر أريد به مسماه الذي هو حرف تنبيه، والمعنى أن (ها) [التي] يراد بها التنبيه. تفصل «من» اسم الإشارة «المجرد» عن كاف الخطاب «بـ (أنا) وأخواته» من الضمائر «كثير» وحرف الجر متعلق بالمصدر من قوله:(وفصلها)، و (كثير) خبر عنه نحو: ها أناذا، [وها أنا ذي] وها نحن أولاء.

قال تعالى: (ها أنتم أولاء) وفي حديث السائل عن أوقات الصلاة:

ص: 327

(ها أنا يا رسول الله)، ولا يقال: ها أنا ذاك، لأنه غير مجرد، وأما ها أنا ذلك فممتنع من أصله مع اللام، وينبغي لمن زعم أن التنبيه إنما دخل على الضمير أن يجيزه، وأن يجيز:(ها أنا ذلك)، وإنما امتنع عند الأولين - مع أن التنبيه يدخل على ذلك - لأن لحاق (ها) له قليل كقوله:

..................................

ولا أهل هذاك الطراف الممدد

ص: 328

فلما كان دخولها في الأصل ضعيفًا لم يحتمل التوسع والله أعلم.

«وبغيرها» أي بغير أنا وأخواته «قليل» كقوله:

ونحن اقتسمنا المال نصفين بيننا

فقلت لها: هذا لها ها وذاليا

ففصل بينهما بالعاطف، والأصل: وهذا ليا، كذا قالوا.

قلت: وفيه تعسف بتقديم بعض ما في حيز العاطف عليه، ويظهر لي أن (ها) هذه اسم فعل بمعنى خذي ولا غبار عليه.

ويظهر [لي] أيضًا في كلام المصنف انتقاد من جهة أن لنا صورتين يقع فيهما الفصل بين (ها) التنبيه واسم الإشارة، وليس شيئًا من (أنا) وأخواته، ومع ذلك هو كثير لا قليل:

ص: 329

إحداهما - الكاف، نحو:(أهكذا [عرشك]) ونحو قوله:

* ما هكذا يا سعد [نورد] الإبل *

ويستعمل ذلك على الأصل كقوله:

ويلمها في هواء الجو طالبة

ولا كهذا الذي في الأرض مطلوب

ص: 330

الثانية اسم الله تعالى في القسم عند حذف [حرف] الجر منه نحو: (لا ها الله ذا) يقال بقطع الهمزة ووصلها، وكلاهما مع إثبات الألف من (ها) وحذفها.

«وقد تعاد» (ها) التنبيه «بعد الفصل توكيدًا» كقوله [تعالى]: {ها أنتم هؤلاء} .

وظاهر هذا مخالف لكلام سيبويه، فإن قال: وقد تكون (ها) في

ص: 331

[ها] أنت ذا غير مقدمة، ولكنها بمنزلتها في (هذا)، يدلك على ذلك قوله تعالى:{ها أنتم هؤلاء} ، فلو كانت المقدمة مصاحبة (أولاء) لم تعد مع (أولاء) ، وكلام المصنف يدل على أنها قدمت ثم أعيدت توكيدًا.

«والكاف» المصاحبة لأسماء الإشارة «حرف خطاب» بلا خلاف بين النحاة. «يبين أحوال المخاطب كما يبينها إذا كان اسمًا» من إفراد وتثنية وجمع، وتذكير وتأنيث، فتقول: ذاك وذاك وذاكما وذاكم وذاكن، كما تقول: أكرمك وأكرمك وأكرمكما وأكرمكم وأكرمكن.

والحامل للجماعة على ادعاء الحرفية فيها أنها تجردت عن معنى الاسمية، ودخلها معنى الحرفية أي إفادتها [معنى] في غيرها، وتلك الفائدة هي كون اسم الإشارة الذي قبله مخاطبًا به واحد أو مثنى أو مجموع، مذكرًا أو مؤنثًا، فصار حرفًا وإن بقي فيه التصرف الذي كان له في حالة الاسمية، من كونه مفردًا أو مثنى أو مجموعًا، ومذكرًا أو مؤنثًا.

وأورد الرضي عليه أن لنا أسماء كثيرة مفيدة للمعنى في غيرها، كأسماء الاستفهام والشرط، مع بقائها على الاسمية، فهلا كان كاف الخطاب كذلك! ! .

وأجاب: بأن بينهما فرقًا، وذلك أن أسماء الاستفهام والشرط دالة على

ص: 332

معنى في نفسها، ودالة على معنى في غيرها، وكاف الخطاب الحرفية لا تدل إلا [على] معنى في غيرها، وتقرر أن الحد الصحيح للحرف أن يقال: هو الذي لا يدل إلا على معنى في غيره. ولا يقال: هو ما دل على معنى في غيره.

«وقد يغني "ذلك" عن "ذلكم"» أي يكتفى في خطاب جمع المذكر بكاف الخطاب مفتوحة كما يخاطب المفرد المذكر، نحو:{فما جزاء من يفعل ذلك منكم} {ذلك خير لكم} .

ووجه ابن الباذش الإفراد مع خطاب الجماعة بأمرين:

أحدهما - أنه أقبل على خطاب واحد من الجماعة لجلالته مع أن المراد الجميع.

والثاني - أنهم خوطبوا كلهم على معنى اسم مفرد يشملهم، فكأنه قيل: يا فريق، أو يا جمع.

قال: وقد يجوز على هذا الوجه الإفراد والتأنيث بتأويل الفئة والفرقة.

انتهى.

وحكى غير المصنف لغتين أخريين.

إحداهما - الاكتفاء بكاف مفتوحة مفردة مطلقًا.

ص: 333

والثانية - الاكتفاء بها لكل مذكر، وبكاف مكسورة مفردة لكل مؤنث.

وإذا ثبت ذلك ففي كلام المصنف تقييد مضر، والصواب. (وقد يغني "ذلك" عن غيره).

وفي تفسير الثعلبي - في قوله تعالى: {ذلك يوعظ به} الآية -: الأصل في (ذلك) أن تكون الكاف بحسب المخاطب، ثم كثر حتى توهموا أن الكاف من نفس الحرف، فقالوا:(ذلك) بكاف موحدة مفتوحة في الاثنين والجمع والمؤنث.

«وربما استغني عن الميم بإشباع ضمة الكاف» كقوله:

* وإنما الهالك ثم الهالك *

* ذو حيرة ضاقت به المسالك *

* وهل يكون النوك إلا ذلك *

ص: 334

[كذلك] أنشده بعض الكوفيين.

قال المصنف: فأشبع الضمة واستغنى عن الميم بالواو الناشئة عن الإشباع.

وفي شرح ابن قاسم: قيل والأبيات تتزن بالإسكان / فإن كان معتمده في الضم الرواية فهو من باب تغيير الحركة لأجل القافية، فلا حجة فيه يعني لاحتمال أن يكون كاف الخطاب من (ذلك) مفتوحة أو مكسورة، ولكنها ضمت لمكان القافية.

قلت: وهذا اعتراض ساقط.

«وتتصل بـ " أرأيت" - موافقة أخبرني -» لا التي بمعنى (أعلمت؟ ) فهذه تكون الكاف معها ضمير المفعول، وتجب فيها وفي التاء المطابقة، فتقول:[أرأيتك منطلقًا]؟ ، أرأيتك منطلقة؟ أرأيتماكما [منطلقين] أو منطلقتين؟ ، أرأيتموكم منطلقين؟ ، أرأيتكن منطلقات؟ .

ص: 335

ويقال: - في جوابهن - (نعم) أو (لا) ، فإن كانت بمعنى أخبرني، فإنها تتصل بها «هذه الكاف مغنيًا لحاق علامات الفروع بها» أي بالكاف، نحو: أرأيتك زيدًا ما صنع، وأريتكما بكرًا ما فعل؟ ، وأريتكم خالدًا ما ارتكب؟ ، وأريتكن هندًا ما عملت؟ . «عن لحاقها بالتاء» فإنها تكون – حينئذ - اسمًا مجردًا عن الخطاب، ملتزمًا فيها لفظ الإفراد والتذكير.

ويستفاد - من قول المصنف: (ويتصل بأرأيت) أنه لا يلزم - في أرأيت [التي] ، بمعنى أخبرني - أن تتصل بها الكاف، لأنه أثبت لها هذا المعنى قبل أن تلحقها الكاف، فدل على أن إفادتها ذلك المعنى سابق على وجود الكاف، لا موقوف عليه، وهو في التنزيل [نحو]:{قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره} الآية.

قال ابن هشام: و (أرأيت) هذه منقولة من (أرأيت؟ ) بمعنى (أعلمت؟ ) ، لا التي بمعنى أبصرت، ألا ترى أنها تتعدى إلى مفعولين؟ وهذا من الإنشاء المنقول إلى إنشاء آخر. يعني أن هذا الكلام كان أولًا لإنشاء هو الاستفهام، ثم صار لإنشاء هو الأمر، إذ هو بمعنى أخبر.

وفي شرح الكافية للرضي الإستراباذي ما نصه: و (أرأيت) بمعنى

ص: 336

أخبر، وهو منقول من (أرأيت) بمعنى (أأبصرت) أو (أعرفت)، كأنه قيل: أأبصرته وشاهدت حاله العجيبة أو أعرفتها؟ أخبرني عنها، فلا تستعمل إلا في الاستخبار عن حالة عجيبة، وقد يؤتى بعده بالمنصوب الذي كان مفعولًا به نحو: أرأيت زيدًا ما صنع؟ ، وقد يحذف نحو:{أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله} الآية و (كم) ليس بمفعول، بل حرف خطاب، ولابد - سواء أتيت بذلك المنصوب أو لم تأت - من استفهام ظاهر أو مقدر يبين الحال المستخبر عنها: فالظاهر نحو: أرأيت زيدًا ما صنع؟ و {أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله [بغتة] [أو جهرة هل يهلك} ، والمقدر كقوله تعالى:{أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتني} أي أرأيتك هذا المكرم، لم كرمته علي؟ ، وقوله:{لئن أخرتني} كلام مستأنف، وقد تكون الجملة المتضمنة للاستفهام جوابًا للشرط كقوله:{أرأيتكم إن أتاكم} الآية، وقوله:{أرأيت الذي ينهى. عبدًا إذا صلى} إلى قوله: {ألم يعلم [بأن

ص: 337

الله يرى} ، وقوله:{أرأيت إن كان} كرر (أرأيت) للتأكيد، ولا محل للمتضمنة معنى الاستفهام؛ لأنها مستأنفة لبيان الحال المستخبر عنها، كأن المخاطب قال: - لما قلت: أرأيت زيدًا؟ - عن أي شيء من حاله تستخبر، فقلت: ما صنع؟ ، فهو بمعنى [قولك]: أخبرني عنه ما صنع؟ . وليس الجملة المذكورة مفعولًا ثانيًا لـ (أرأيت) ، كما ظن بعضهم. انتهى.

قلت: وفيه أمور منها: أنه لم يبين وجه نصب (زيد) في مثل: (أرأيت زيدًا ما صنع؟ ) ، فإنه لا يصح أن يكون منصوبًا على إسقاط الخافض، [أي أخبرني عن زيد، وإن كان في كلامه ما يشير إلى هذا الوجه، وذلك لأن النصب على إسقاط الخافض] ليس بقياس في مثل هذا، ولا مفعولًا به لـ (أرأيت)؛ لأن معنى الرؤية قد انسلخ عن هذا اللفظ، ونقل إلى طلب الإخبار.

والذي يظهر لي أنه على حذف مضاف، أي خبر زيد أو حاله، كأنك قلت: أخبرني خبر زيد، ثم حذف المضاف، لدلالة الاستفهام على أن المطلوب معرفة خبرة لا ذاته.

ومنها [أن] قوله: إن الجملة الاستفهامية قد تكون جوابًا للشرط، مستشهدًا على ذلك بقوله تعالى:{أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون} مشكل؛ لعدم اقترانها بالفاء، والاقتران

ص: 338

بها في مثل ذلك واجب، وكذلك في الآية الأخرى.

ومنها أن كلامه مخالف لكلام ابن هشام من وجهين:

أحدهما - جعله (أرأيت) منقولًا من (أرأيت؟ ) بمعنى (أأبصرت؟ ) أو (أعرفت؟ ).

والثاني - أنها ليست بمتعدية إلى مفعولين، وأن الجملة المذكورة بعدها مستأنفة، لا مفعول ثانٍ.

«وليس الإسناد إليها» أي إلى الكاف «مزالا عن التاء» إلى الكاف «خلافًا للفراء» فإنه يرى أن التاء حرف خطاب، وأن الكاف فاعل؛ لكونها المطابقة للمسند إليه كما عرفت.

ورده المصنف بأن الكاف استغنى عنها، والتاء لا يستغنى عنها، وما لا يستغنى [عنه] أولى بالفاعلية، وأيضًا فالتاء محكوم بفاعليتها مع [غير] هذا الفعل بإجماع، والكاف بخلاف ذلك، فلا يعدل عما ثبت لهما دون دليل.

ص: 339

وقد رجع في كتاب التوضيح إلى مذهب الفراء، فخرج:(ما عسيتهم أن يفعلوا بي؟ ) على أن التاء حرف خطاب والهاء والميم فاعل، أي ما عسوا، و (أن يفعلوا) ساد مسد مفعولي (عسى) ، لتضمنها معنى (حسب).

قال: وبهذا ينتصر الفراء في (أرأيتك).

وكان ينبغي للمصنف أن يحكي هنا أيضًا مذهب شيخ الفراء، وهو الكسائي، فإنه يقول: التاء فاعل، والكاف مفعول.

«وتتصل» الكاف المذكورة «أيضًا بـ " حيهل "» .

في المحكم: قال أبو عبيدة سمع أبو مهدية رجلًا من العجم يقول

ص: 340

لصاحبه: زوذ، فسأل أبو مهدية عنها، فقيل له: يقول عجل، فقال أبو مهدية: فهلا قال: حيهلك؟ فقيل له: ما كان الله ليجمع لهم إلى العجمية العربية.

«والنجاء» بمعنى أسرع.

«ورويد» بمعنى أمهل.

قال ابن قاسم: واحترز بقوله «أسماء أفعال» من أن يكون (النجاء) و (رويد) مصدرين، وسيأتي ذكرهما في باب أسماء الأفعال.

قلت: فيصير الاحتراز بالنسبة إلى (حيهل) ضائعًا، فعلى هذا لو قال: اسمي فعل لكان حسنًا.

«وربما اتصلت» هذه الكاف «بـ " بلى " وأبصر» [فعل] أمر «وكلا» التي هي حرف زجر وردع. «و " ليس " و " نعم" و " بئس" و " حسبت "» .

فتقول: بلاك، وأبصرك، وكلاك، وليسك، ونعمك، ويشك، وحسبتك، وهذا كله شاذ، وحمل عليه الفارسي قوله:

ص: 341

لسان السوء تهديها إلينا

وحنت وما حسبتك أن تحينا

لئلا يلزم الإخبار عن اسم العين بالمصدر، وقيل: يحتمل كون (أن) وصلتها بدلًا من الكاف سادا مسد المفعولين، كقراءة حمزة:{ولا تحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم} بالخطاب.

«وقد ينوب ذو البعد عن ذي القرب؛ لعظمة المشير» نحو: {وما تلك بيمينك يا موسى} . «أو» لعظمة «المشار إليه» نحو: {فذلكن الذي لمتنني فيه} بعد أن أشار إليه النسوة بـ (هذا) حيث قلن: {ما هذا بشرا} والمجلس واحد، وذلك لأن يوسف عليه [الصلاة و] السلام كان عند امرأة العزيز أعظم منزلة منه عند النسوة، فأشارت إليه بما يشار [به] إلى البعيد، إجلالًا وإعظامًا.

ص: 342

«وذو القرب عن ذي البعد لحكاية الحال» نحو: {هذا من شيعته وهذا من عدوه} . «وقد يتعاقبان مشارًا بهما إلى ما ولياه» كقوله / تعالى: - متصلًا بقصة عيسى عليه السلام {ذلك نتلوه عليك} ، ثم قال:{[إن] هذا لهو القصص الحق} .

«وقد يشار بما للواحد إلى الاثنين» كقوله تعالى: {عوان بين ذلك} أي بين الفارض والبكر [ومنه قول الشاعر:

إن للخير وللشر مدى

وكلا ذلك وجه وقبل

أي كلا ذينك الأمرين الخير والشر].

«وإلى الجمع» كقوله:

[وبينا الفتى يرجو أمورًا كثيرة

أتى قدر من دون ذاك متاح

ومنه قول الشاعر]:

ص: 343

ولقد سئمت من الحياة وطولها

وسؤال هذا الناس كيف لبيد؟

أي هؤلاء الناس، ولا يخفاك أن هذه الشواهد محتملة للتأويل، فلا يثبت المدعى بمجردها.

«ويشار إلى المكان بـ (هنا)» نحو قولك: اجلس هنا. «لازم الظرفية» بحيث لا يخرج عنها بأن يكون فاعلًا أو مفعولًا به أو مبتدأ أو نحو ذلك. «أو» لازم «شبهها» أي شبه الظرفية، بأن يجر ببعض حروف الجر قال الراجز:

قد أقبلت من أمكنة

من ها هنا ومن هنه

ص: 344

وتقول: تعال إلى هنا.

«ومعطى ما لـ " ذا "» أي مالكلمة (ذا) المشار بها «من مصاحبة» لـ (ها) التنبيه، فتقول: ها هنا، كما تقول:(هذا .. ولكاف الخطاب، فتقول: هناك، كما تقول): ذاك. وللكاف واللام معًا فتقول: هنالك، كما تقول: ذلك. «وتجرد» عن مصاحبة ما ذكر، فتقول: هنا، كما تقول: ذا. «وكـ " هنالك" (ثم) و "هنا" بفتح الهاء وكسرها» [والتشبيه] في أمور ثلاثة: أحدها الإشارة، والثاني - كونها للمكان. والثالث كونها للبعيد منه. وعلم من هذا أنهما لا تلحقهما كاف ولا لام، لأنهما يدلان على البعد بوضعهما له، فلا اشتراك فيهما، وهذا أخذ من تشبيههما بـ (هنالك) ، أعني بقيد الكاف، ولو شبها به مجردًا لم يكن صحيحًا.

وعلم من ذلك أيضًا أنهما يلزمان الظرفية أو شبهها.

ص: 345

وانظر (ثم) في قول العلماء: ومن ثم كان كذا. هل معناها معنى (هنا لك) ، أو معنى (هنا) التي للقريب؟ والظاهر هو الثاني.

«وقد يقال: " هنت " موضع " هنا"» كقول الشاعر:

* وذكرها هنت ولات هنت *

قال المصنف: أراد (هنا) ولات (هنا).

«وقد تصحبها الكاف» أي تصحب (هنا) بفتح الهاء وكسرها مع تشديد النون، وهي التي أول الكلام فيها، ولا يرجع الضمير إلى (هنت) بالتاء، وإن كانت أقرب مذكور، فيقال: هناك وهناك.

«وقد يراد بـ " هناك" و " هنالك " و " هنا " الزمان» فالأول كقول الأفوه الأودي:

ص: 346

وإذا الأمور تعاظمت وتشابهت

فهناك يعترفون أين المفزع

والثاني كقوله تعالى: {هنالك ابتلي المؤمنون} أي في ذلك [الزمان] وقبله: {إذا جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم} كذا استدل المصنف، ونوزع بأن تطرق الاحتمال لإرادة المكان يما ذكره ثابت، وكأنه قيل: في ذلك المكان الذي كان جاء لكم في زمانه كذا وكذا. والثالث كقوله:

حنت نوار ولات هنا حنت

وبدا الذي كانت نوار أجنت

ص: 347

و (هنا) - عند المصنف - إشارة إلى زمان، وهو منصوب على الظرفية، و (حنت) في موضع رفع بالابتداء، وخبره الظرف قبله، وأخبر عن الفعل مؤولًا بالمصدر، والتقدير: ولا حنان في هذا الوقت، وأحسن من ذلك أن يقال: إن (هنا) مضافة إلى الجملة الواقعة بعدها، فهي بمعنى (حين) ، واسم (لا) محذوف، أي حنت نوار وليس الوقت حين حنينها.

«وبني اسم الإشارة لتضمن معناها» وهي من جملة المعاني كالاستفهام، وكان حقها أن يوضع لها حرف يدل عليها، وذلك أن عادتهم جارية في كل / معنى يدخل الكلام أو الكلمة أن يوضع له حرف يدل عليه كالاستفهام في: أزيد قائم؟ ، والنفي والتمني والترجي والابتداء والانتهاء والتنبيه والتشبيه الموضوع لها حروف النفي و (ليت) و (لعل) و (من) و (إلى)

ص: 348

و (ها) وكاف الجر، أو يوضع لها ما يجري مجرى الحرف في عدم الاستقلال، كالإعراب الدال على المعاني المختلفة، وكتغيير الصيغة في الجمع والمصغر والمنسوب وفي الكلمات المشتقة [من شيء]: كضرب ويضرب وضارب ومضروب من الضرب، وكذا المعنى العارض في المضاف إنما هو بسبب حرف الجر المقدر بعده.

وفي أسماء الإشارة معنى الإشارة، ولم يوضع لهذا المعنى حرف فبنيت لتضمنها معنى الحرف الذي كان ينبغي أن يوضع.

قال المصنف: وهذا السبب يقتضي بناء كل اسم إشارة، لكن عارضه في (ذين) و (تين) شبههما بمثنيات الأسماء المتمكنة، فأعربا.

وقد عرفت أن ثم من يقول: إن (ذان) و (تان) صيغتان مرتجلتان للرفع، و (ذين) و (تين)[صيغتان مرتجلتان] للنصب والجر.

وكان الأحسن أن لو قال المصنف: (لتضمن معنى حرفها)؛ لأن المقتضى للبناء تضمن معنى الحرف، لا مطلق تضمن المعاني، لكن قد علم أن الإشارة من معاني الحروف، فكأنه قال ذلك. «أو» بني اسم الإشارة «لشبه الحرف وضعًا» ، لأن منه ما وضع على حرفين كـ (ذا) و (ذي) ، ثم حملت البواقي عليه؛ لأنها فروع «وافتقارًا» وذلك أن اسم الإشارة يحتاج في إبانة مسماه إلى مواجهة أو ما يقوم مقامها، فهو إذن كالحرف في افتقاره إلى غيره.

ص: 349