المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثامن«باب الاسم العلم» - شرح التسهيل = تعليق الفرائد على تسهيل الفوائد - ق ١ - جـ ٢

[بدر الدين الدماميني]

الفصل: ‌الباب الثامن«باب الاسم العلم»

‌الباب الثامن

«باب الاسم العلم»

ولا أدري ما السبب في إتيانه بالموصوف - وهو الاسم - مع أن العلم عندهم مستعمل استعمال الأسماء.

«وهو» الاسم «المخصوص» فالاسم: جنس يشمل النكرة والمعرفة، لكن حذفه للقرينة الدالة عليه. والمخصوص: فصل أخرج به اسم الجنس نحو: رجل، فإنه شائع غير مخصوص. «مطلقًا» لا مقيدًا بحالة دون أخرى، وهذا فصل أخرج به غير العلم من المعارف، فإن الضمير مخصوص باعتبار أنه لا يتناول غير ما استعمل فيه: من متكلم أو مخاطب أو غائب، وغير المشار إليه في الحال، غير مخصوص باعتبار صلاحيته لكل مشار إليه: مفرد مذكر بعيد، وكذا بقية المعارف. «تعليقًا أو غلبة» تقسيم لحال العلم إلى نوعيه لو حذف لم يضر، والمراد بالتعليق: تخصيص الشيء بالاسم قصدًا للتسمية كزيد وسعاد. والغلبة: تخصيص أحد المشتركين أو المشتركات بشائع على

ص: 139

سبيل الاتفاق، لا على سبيل القصد، كتخصيص عبد الله بابن عمر، والكعبة بالبيت، ومصنف سيبويه بالكتاب، وبعضهم يرى أن ذا الغلبة ليس / بعلم، إنما أجرى مجراه وهو اختيار ابن عصفور. «بمسمى غير مقدّر الشياع» احترازًا من نحو: شمس وقمر، فإن شيوعهما مقدر لا محقق.

«أو الشائع» معطوف على قوله: المخصوص. «الجاري مجراه» أي مجرى المخصوص، يعني في اللفظ، والمراد به علم الجنس كأسامة للأسد، وثعالة للثعلب، وبرة للمبرة، وفجار للفجرة.

فهذه أعلام بحسب اللفظ، لا بحسب المعنى، فإنها شائعة كشياع النكرة، غير أنه وافقت العلم الشخصي لفظًا فجرت مجراه في الاستغناء عن حرف التعريف، وعن الإضافة، ومنعت الصرف مع التأنيث في نحو: أسامة، ووصفت بالمعرفة نحو: هذا أسامة المقبل، ونصبت النكرة بعدها على الحال، ولم يستقبحوا الابتداء بها نحو: أسامة أجرأ من ثعالة.

قال بعضهم: وإطلاق المعرفة على أسامة ونحوه مجاز؛ إذ لا يخالف معناه معنى أسد، وإنما يخالفه في أحكام لفظية، ألا ترى أنه داخل في حد

ص: 140

النكرة! ! هذا كله كلام ابن قاسم في الكلام على هذا التعريف بغالب لفظه، وأظنه تابعًا للمصنف في شرحه، وفي ذلك ما لا يخفى من الانتقاد على من تأمل، وقد عرفت مما سبق أن العلم الجنسي بمثابة العلم الشخصي في كونه موضوعًا لشيء بعينه على ما مر في باب المعرفة والنكرة.

وقال ابن الحاجب: الأعلام الجنسية وضعت أعلامًا للحقائق الذهنية المتعلقة، كما أشير باللام في نحو: اشتر اللحم، إلى الحقيقة الذهنية، فكل واحد من هذه الأعلام موضوع لحقيقة في الذهن متحدة، فهو إذن غير متناول غيرها وضعًا، وإذا أطلق على فرد من الأفراد الخارجية نحو: هذا أسامة مقبلًا، فليس ذلك بالوضع، بل لمطابقة الحقيقة الذهنية لكل فرد خارجي مطابقة كل كليّ لجزئياته الخارجية نحو قولهم: الإنسان حيوان ناطق. فلفظ أسد – مثلًا - موضوع حقيقة لكل فرد من أفراد الجنس في الخارج، على وجه التشريك، وأسامة موضوع للحقيقة الذهنية حقيقة، فإطلاقه على [الفرد] الخارجي ليس بطريق الحقيقة.

قال الرضي الإستراباذي: وإذا كان لنا تأنيث لفظي كغرفة وبشرى وصحراء، ونسبة لفظية نحو: كرسيّ، فلا بأس أن يكون لنا تعريف لفظي.

فاختاره ما اختاره المصنف أن الأعلام الجنسية نكرة بحسب المعنى، معرفة بحسب اللفظ فقط.

«وما استعمل قبل العلمية لغيرها منقول منه» أي من المستعمل لغير العلمية نحو: حارث [وفضل] وأسد ويزيد – أعلامًا - فإنها استعملت

ص: 141

قبل العلمية لغير العلمية، فهي أعلام نقلت من ذلك المستعمل غير علم. «وما سواه مرتجل» نحو: سعاد وأدد، فإن كلًا منهما لم يستعمل قبل العلمية لغيرها.

وارتجال الخطبة والشعر ابتداؤهما من غير تهيئة قبل [ذلك] كذا في الصحاح، فإذن معنى كون العلم مرتجلًا: أنه ابتدئ بالتسمية به من غير أن يكون مسبوقًا باستعماله غير علم، وتقسيمه إلى منقول ومرتجل، هو رأي الأكثرين، وقيل: الأعلام كلها منقولة، ولا يضر جهل أصلها، وهو ظاهر مذهب سيبويه فيما حكي، وقيل: كلها مرتجلة، وهو رأي الزجاج، والمرتجل عنده ما لم يقصد في وضعه النقل من محل آخر إلى هذا، وموافقتها للنكرات بالعرض لا بالقصد، قيل: والتقسيم إنما هو بالنسبة إلى الأعم والأغلب، وإلا فما هو علم بالغلبة لا منقول ولا مرجل. «وهو» أي العلم المرتجل «إما مقيس» بأن يكون موافقًا حكم نظيره من النكرات، إما «بفك ما يدغم» نحو: محبب، فقياسه الإدغام؛ لأنه مفعل؛ / لانتفاء: م ح ب، وظن أبو حيان أن التقسيم للعلم من حيث هو، فاعترض بأنه فاته إدغام ما يفك، نحو: معد، فإن

ص: 142

ميمه أصلية، فحقه معدد؛ لأنه ملحق بجعفر. ولا يخفى اندفاعه بما عرفت من عود الضمير إلى العلم المرتجل؛ وذلك لأن معدًا منقول لا مرتجل، وقد وقع في المفصل ما يقتضي أن محل التقسيم هو المرتجل، لا مطلق العلم. «أو فتح ما يكسر» نحو: موهب وموظب، فإن القياس كسر العين؛ لأن ذلك حكم كل معتل فاؤه واو، وعينه صحيحة، نحو: موعد وموعدة، ولا يصح ادعاء أن وزنه فوعل، إذ ليس في كلام العرب م هـ ب، ولا م ظ ب. «أو كسر ما يفتح» نحو: معدي كرب، وفي المبهج لابن جني: قال أحمد بن يحيى هو من عداه الكرب إذا جاوزه وانصرف عنه، وهو شاذ؛ لمجيئه على مفعل بالكسر، مع كون لامه معتلة، وبابه مفعل، ومثله: مأوي الإبل، وتوهم الفراء أن مأقي العين من هذا، وليس كذلك، لأن ميمه

ص: 143

أصلية. «أو تصحيح ما يعل» نحو: مدين، وقياسه مدان، مكوزة، وقياسه مكازة، وحيوة، وقياسة حية؛ لما سيأتي في التصريف. «أو إعلال ما يصحح» نحو: داران وماهان، قياسهما دوران وموهان بالتصحيح، نحو: الجولان والطوفان.

«وما عري من إضافة» كعبد الله. «وإسناد» نحو برق نحره.

ص: 144

«ومزج» نحو: بعلبك وسيبويه. والمراد به ما ركب من اسمين ثانيهما منزل منزلة هاء التأنيث.

«مفرد» ويرد عليه نحو: حيثما وإذ ما - علمين - فليسا مفردين، ولا هما شيئًا مما ذكر. «وما لا يعر» من الإضافة أو الإسناد أو المزج. «مركب» وقد تقدمت المثل. «فذو الإسناد جملة» نحو: شاب قرناها وبرق نحره. «وذو الإضافة كنية» إن صدر بأب أو أم نحو: أبي بكر وأم كلثوم. «وغير كنية» إن فقد التصدير بأب أو أم نحو: عبد الله وعبد الرحمن. «وذو المزج إن ختم بغير ويه» نحو: بعلبك ومعدي كرب. «أعرب غير منصرف» فلا ينون ويرفع بضمة وينصب ويجر بفتحة، وهذه [هي] اللغة الفصحى «وقد يضاف» صدره إلى عجزه فيعامل العجز بما يقتضيه حاله [من صرف وغيره، وقد يلتزم فيه منه الصرف، ويعامل الصدر أيضًا بما يقتضيه حاله] إلا في فتحة الحرف العليل في حالة النصب فلا يظهر نحو: رأيت معدي كرب، ونقص المصنف لغة أخرى: وهي بناؤه تشبيهًا له بخمسة عشر، فلو قال هنا: وقد يبنى. لاستوفى اللغات ولطابق قوله: - في المختوم بويه - كسر وقد يعرب. ولعلك لا تغفل عما نبهناك عليه أولًا من مسامحة في كلام المصنف. «وإن ختم بويه كسر» في جميع الحالات، ولم يذكر سيبويه فيه غير هذا.

ص: 145

«وقد يعرب غير منصرف» على ما صرح به الجرمي، قيل: وإنما يقبل هذا إذا كان مستنده فيما سماعًا، وإلا فالقياس [فيه] البناء، وقد أسلفنا في ذلك كلامًا في باب إعراب المثنى والمجموع على حده.

«وربما أضيف صدر ذي الإسناد إلى عجزها» أي الجملة، ولو قال: إلى عجزه - بالتذكير - لكان أولى؛ لأنه تفسير للضمير بالمذكور؛ ولأن تسمية ذلك جملة [مجاز] باعتبار ما كان عليه. «إن كان» العجز اسمًا «ظاهرًا» فخرج المضمر: مستترًا كان نحو: يزيد في قوله:

نبئت أخوالي بني يزيد ...............

ص: 146

لأن إضافة يزيد إلى الضمير المستتر تنقله من الاستتار والرفع إلى البروز والخفض، فيقول: يزيدها. فيتغير لفظًا لعم. أو بارزًا، كما لو سميت بـ (كنت) ، فلو أضفت صدره إلى عجزه، لقلت: كاني، كما تقول: غلامي. فيتغير أيضًا. وأما تغير (برق نحره) ففي إعرابه لا في ذاته، وأجاز بعضهم في نحو: قمت - علمًا - الإعراب، فتقول: جاء قمت، ورأيت / قمتًا ومررت بقمتٍ بالتنوين والحركات الثلاث على التاء، ووجه ذلك أن الكلمتين كالكلمة الواحدة من حيث هما في الأصل فعل وفاعل، وقد غير الفعل لأجل الضمير، وعلى ذلك بني من قال:

........ كنيتًا ................ ................

«ومن العلم» أعم من أن يكون مفردًا أو غير مفرد «اللقب» وهو

ص: 147

ما أشعر برفعة مسماه أو ضعته، نحو: زين العابدين وأنف الناقة وصالح وبطة.

«ويتلو غالبًا» إذا اجتمع هو والاسم «[اسم] ما لقب به» نحو: مررت بعبد الله جمال الدين، وإنما جعل تاليا للاسم، لأن اللقب غالبًا أوضح من الاسم، فقدم غير الأوضح، ليكون لذكر الأوضح فائدة؛ ولأن اللقب شبيه بالصفة، وهي مؤخرة عن الموصوف.

واحترز بقوله: غالبًا عن (نحو) قول الشاعر:

أبلغ هذيلًا وأبلغ من يبلغها

عني حديثا وبعض القول تجريب

بأن ذا الكلب عمرًا خيرهم حسبا

ببطن شريان يعوي حوله الذيب

ص: 148

وقد اجتمع الأمران في قوله:

أنا ابن مزيقيا عمرو وجدي

أبوه منذر ماء السماء

فقدم اللقب أولًا وأخره ثانيًا، وقوله:«بإتباع» ظرف مستقر في محل نصب على الحال من فاعل (يتلوا) وهو الضمير العائد إلى اللقب، أي إذا اجتمع الاسم واللقب، فإن الاسم يقدم ويتلوه ملتبسًا بإتباع: إما [على] أن يجعل بدلًا، أو عطف بيان. «أو قطع» عن التبعية: إما برفعه خبرًا لمبتدأ محذوف، أو بنصبه مفعولًا بفعل محذوف. [يفعل] ما ذكر من الإتباع والقطع «مطلقًا» أي سواء كان الاسم واللقب مركبين كعبد الله أنف الناقة، أو مفردين

ص: 149

كسعيد كرز، أو مختلفين كعبد الله بطة، وزيد زين العابدين. «أو بإضافة إن كانا مفردين» فيجوز في المفردين [مع] الإتباع والقطع وجه ثالث، وهو إضافة الأول إلى الثاني، وجمهور البصريين يوجبون هذا الوجه وهو الإضافة، ويرده النظر؛ لما سيأتي، وقول العرب: - في شخص يسمى بيحبى، ويلقب بعينين، لضخامة عينيه - هذا يحيى عينان. بالألف رفعًا، فلم يضف بل أتبع بيقين، وهذا بخلاف قولهم:[فيه] يحيى عينين نصبًا وجرًا، فإنه محتمل للإضافة والإتباع، وكلام المصنف في الشرح صريح أو كالصريح في أن سيبويه يجوز الأوجه الثلاثة، إلا أنه ترك [ذكر] الإتباع والقطع، لظهور الأمر فيهما، من حيث كانا جاريين على الأصل، وخص الإضافة بالذكر تنبيهًا على افتقارها إلى التأويل، وذلك لأنها على خلاف الأصل، من حيث إن الاسم واللقب مدلولهما واحد، فيلزم من إضافة أحدهما إلى الآخر، إضافة الشيء إلى نفسه، فيحتاج إلى تأويل الثاني بالاسم، والأول بالمسمى؛ لأنه المعرض للإسناد إليه، والمسند إليه حقيقة هو المسمى، فيكون معنى

ص: 150

قولك: جاءني سعيد كرز، جاءني مسمى هذا الاسم، فلا يكون [إذن] من إضافة الشيء إلى نفسه. «ويلزم» العلم «ذا الغلبة» في حالة كونه «باقيًا [على حاله]» من الاختصاص الحاصل بسبب الغلبة «ما عرّف به قبل: » أي قبل علميته، فإن لم تعريفًا سابقًا، وهو التعريف بأل أو الإضافة، وتعريفًا متجددًا، وهو تعريف العلمية، فيحفظ عليه ما كان معرفًا به قبل العلمية. «دائمًا إن كان مضافًا» كابن عمر فلا يزايله في حالة اختصاصه المضاف إليه أصلًا، والصواب أن لو قال: ذا إضافة وقد نبهناك على تسامحه في مثل ذلك آنفًا. «وغالبًا» معطوف على دائمًا أي يكون لزوم ما عرف به قبل العلمية مستصحبًا له في حالة اختصاصه على جهة الغلبة «إن كان ذا أداة» كالنابغة فلا تزايله الأداة غالبًا / وقد تزايله في بعض الأحيان كقوله:

ونابغة الجعدي بالرمل بيته

عليه صفيح من رخام مرصعُ

ص: 151

ولنفصح عن هذه المسألة بإيضاح وترتيب، فنقول:

اعلم أن ذا الغلبة نوعان: ذو إضافة وذو ال، وأن لكل منهما حالتين:

بقاءه على علميته واختصاصه، وزوال ذلك.

فأما ذو الإضافة الباقي على حاله من العلمية والاختصاص، فلا يجوز في حال ما الأحوال أن يفارقه ما عرف به في الأصل، وهو المضاف إليه.

وأما ذو الإضافة غير الباقي على اختصاصه فيجوز استعماله بغير ما تعرف به في الأصل، ألا ترى أنك تقول: ما من ابن عمر كابن الفاروق. وفي شرح ابن قاسم: كالفاروق. وهو سهل؛ لأن الإخبار عن ابن عمر لا عن عمر، فثبت بالمثال المذكور أنه استعمل بالمضاف إليه، وذلك في قوله: ما من ابن عمر وبدونه، وذلك في قوله: كابن الفاروق. وهذان الوجهان مفهومان من قوله: ويلزم ذا الغلبة

إلى آخره، فإن مفهومه أنه إذا لم يبق على حاله لا يلزمه المضاف إليه، بل يجوز أن يستعمل به، وأن يستعمل بدونه، وأما ذو الأداة الباقي على اختصاصه فيلزمه ما عرف به في الأصل غالبًا.

واحترز بـ (غالبًا) من زوالها وجوبًا في النداء، نحو: يا رحمان، وشذوذًا في غيره، نحو: هذا يوم اثنين، هذا عّيوق.

ص: 152

وأما ذو الأداة الذي زال عنه الاختصاص الحاصل بالغلبة، فنوعان: ما قصد تعريفه بعد ذلك وما لم يقصد، وكلاهما يجب نزع (أل) منه، ولكن الأول يضاف نحو: أعشى تغلب ونابغة بني ذبيان والثاني يبقى على تجرده وتنكيره

كقول بعض المشركين يوم أحد:

* إن لا العزى ولا عزى لكم *

الشاهد في الثاني. «ومثله» أي مثل ذي الغلبة الباقي على حاله في مطلق لزوم (أل)، ولا يريد: ومثله في لزوم ما عرف به، لأن هذا النوع إنما تعريفه بالعلمية، و (أل) فيه زائدة لا للتعريف وإنما دخلت مع العلمية لا قبلها.

ص: 153

«ما قارنت الأداة نقله» كالنضر والنعمان. «أو ارتجاله» كالسموءل (واليسع).

فإن قلت: التمثيل بالنعمان لما قارنت الأداة نقله منظور فيه؛ وذلك لأنه يخالف قول المصنف في الخلاصة:

وبعض الأعلام عليه دخلا

للمح ما قد كان عنه نقلا

كالفضل والحارث والنعمان

فذكر ذا وحذفه سيان

كالفضل والحارث والنعمان

فذكر ذا وحذفه سيان

وكذا في التمثيل باليسع، لما قارنت الأداة ارتجاله نظر؛ لجواز كونه منقولًا من الفعل.

قلت: أما الاعتراض الأول فقد أورده ابن قاسم، وليس بجيد، لأن تمثيله - في الألفية - بالنعمان للعلم الملموح فيه أصله إنما يتأتى إذا كانت التسمية بنعمان بدون أداة، والتمثيل به هنا لما إذا سمي به والأداة فيه، فلا تنافي. وأما الاعتراض في اليسع بجواز كونه منقولًُا من الفعل، فمندفع بأن ذلك يأبى دخول (أل) عليه في الأصل وفي الحال. «وفي المنقول من مجرد» عن الأداة. «صالح لها» أي للأداة. «ملموح به الأصل» المنقول منه «وجهان» إدخال (أل) وتركها. وأورد عليه أنا إذا لمحنا الأصل، فإنا ندخل

ص: 154

(أل) ولابد، وليس كما ذكروا، بل لمح الأصل يقتضي أن يثبت له حكم الأصل، وهو قبل العلمية، كان يستعمل بالوجهين، فكذلك بعد العلمية إذا لمح الأصل، وأما إذا لم يلمح أصلًا ورأسًا، فيمتنع (أل).

قال ابن يعيش: والذي يدل على أن تعريف هذا النوع إنما هو بالعلمية، لا باللام قولهم: أبو عمرو بن العلاء، ومحمد بن الحسن بطرح التنوين من عمرو ومحمد.

وظاهر كلام المصنف / أنه يجوز لنا فيما لمح أصله وجهان قياسًا، ولو صح ذلك لكان أكثر الأعلام المنقولة يجوز فيه ذلك، نحو: زيد وعمرو وبكر وخالد ومحمد وأحمد، ولا سبيل إلى ذلك، فينبغي أن يحمل كلامه على معنى أن ذلك يأتي في العربية بوجهين: وذلك سماعي. «وقد ينكر العلم تحقيقًا» كقول نوف البكالي: (ليس موسى بني إسرائيل وإنما هو موسى آخر». «أو تقديرًا كقول أبي سفيان: ............................................

ص: 155

(لا قريش بعد اليوم). وقول بعض العرب: لا بصرة لكم.

وقد عرفت من هذا أن محل التحقيق هو ما إذا كان العلم قد حصل فيه اشتراك عارضه بأن سمي به اثنان أو أكثر، وأن محل التقدير هو ما إذا لم يحصل بالفعل اشتراك عارض في العلم. «فيجري مجرى نكرة» غيره أو مجرى نكرة ليست العلمية سابقة على كونها نكرة، فبهذه الصفة التي قدرناها يندفع ما قد يقال: إذا نكر العلم فهو نكرة، فما معنى كونه يجري مجرى نكرة؟ . «ويسلب» العلم «التعيين بالتثنية والجمع» لتغير الصورة التي وقعت التسمية بها، لما سبق، ولا فرق بين أن يكون الجمع مكسرًا أو مصححًا، مذكرًا أو مؤنثًا، كالخوالد والهنود والزيدين والزينبات.

وكان ينبغي أن يقول: ويجب التنكير عند إرادة التثنية والجمع. لئلا يتوهم بتغيير العبارة أن هذا شيء مخالف لما تقدم بالنسبة إلى التنكير. «فيجبر بحرف التعريف» إن أردت تعريفه، وإلا فليس هذا بأبعد من العلم المفرد، وأنت تقول: رب لقيته. وقالوا: لكل فرعون موسى. فكذا تقول: رأيت زيودًا وهنودًا قال.

رأيت سعودا من شعوب كثيرة

فلم أر سعدا مثل سعد بن مالك

وقد ضمنت شطر هذا البيت في زمن الصبا مادحًا للمصنف فقلت:

ص: 156

حبا طالبي علم اللسان ابن مالك

مطالب فضل لم تشن بمهالك

وكم من سعود للنحاة رأيتها

فلم أر سعدا مثل سعد بن مالك

وجبره بحرف التعريف إنما يكون عند انتفاء المانع، واحترز بذلك من نحو: عبد الله [فلا يجوز] إذا ثني أو جمع أن تدخل عليه (أل) ، لما علم من منافاتها للإضافة، والعلم بذلك أغناه عن التنبيه عليه؛ فلذلك تقول: هذان عبدا الله، وهؤلاء عبيد الله [وأعبد الله] وقد يقال: لا تدخل هذه المسألة تحت كلامه ألبته؛ لأن العلم المجموع، وأنت إنما تثني وتجمع المضاف؛ لأنهم أجروا على جزءي العلم ذي الإضافة ما أجروا على: غلام زيد، ألا ترى أنهم أعربوا الثاني إعراب غير المنصرف إذا كان معه علة أخرى غير العلمية كأبي هريرة وابن أوبر؟ . «إلا في نحو جماديين» وهو ما كان المثنى فيه اسمًا لمتعدد

ص: 157

متلازم، ولكل من ذلك المتعدد اسم من ذلك اللفظ بالحقيقة. «وعمايتين» وهما جبلان لهذيل متقاربان، اسم كل واحد منهما عماية. فهذا كجماديين، فإنهما اسمان لشهرين معروفين [كل منهما] يسمى جمادى، لكن يميز أحدهما عن الآخر بالصفة، فيقال: جمادى الأولى، وجمادى الآخرة. «وعرفات» . وهو ما كان الجمع فيه علمًا لواحد؛ إذ ليس معنا مواضع اسم كلٌ منها عرفة، وإنما عرفة وعرفات مترادفان، وقد تقدم قول الفراء: إن عرفة مولد وليس بعربي محض. وسبق رده، بأنه قد ثبت في الصحيح (الحج عرفة).

واعلم أن كلام المصنف مشكل؛ لأن الاستثناء فيه إما أن يرجع إلى الجملة الأولى، أو الثانية، وكلاهما باطل، أما الأول فلأن مقتضاه أن عرفات جمع ولم يسلب مفرده التعيين، وقد عرفت أن عرفات ليس جمعًا لعرفة، وإنما هو وعرفة مترادفان.

وأما الثاني فلأن مقتضاه أن ما ذكره من المستثنيات كلها سلب فيها العلم التعيين، ولكنه لم يجبر بحرف التعريف، ولا يخفى بطلان ذلك نعم يمكن جعل الاستثناء منقطعًا فلا يرد هذا فتأمله.

«ومسميات / الأعلام أو لو العلم» من الملائكة والإنس والجن

ص: 158

والقبائل، ونحو: جبريل وزيد والولهان وربيعة «وما يحتج إلى تعيينه من المألوفات» من الأمكنة والكواكب والحيوان الذي لا يعقل من فرس وبغل وحمار وجمل وشاة وكلب، نحو: مكة وزحل وسكاب ودلدل ويعفور وشدقم وهيلة وواشق.

قال ابن هشام: ومنه أسماء الكتب، وهي عندي من الأعلام النوعية، لا الشخصية، ألا ترى أن كل نسخة من ن سخ كتاب الفارسي العضدي يسمى بالإيضاح، لا يختص بذلك نسخة دون أخرى، كما أن أسامة كذلك، وكذا الباقي، فإذا قلت: هذا الإيضاح، فهو كقولك: هذا أسامة. تشير إلى فرد حاضر، وإذا قلت: الإيضاح خير من الجمل والمفصل. فهو كقولك: أسامة أجرأ من ثعالة. فهو علم جنس في المألوفات. «وأنواع معان» نحو: برة [للمبرة] وفجار للفجرة. «و» أنواع «أعيان لا تؤلف» كأبي الحارث وأسامة للأسد وأبي جعدة وذؤالة للذئب.

ص: 159

واحترز بقوله: لا تؤلف من المألوفات، فإن الأعلام توضع لآحادها لا لجنسها، «غالبًا» أشار به إلى ما وضع قليلًا من الأعلام الجنسية لما يؤلف من الأعيان، نحو: هيان بن بيان، للمجهول العين والنسب، وهذا المثال لا يستعمل استعمال ذي الأداة الحضورية؛ لأن حضور الشيء ينفي جهالة عينه، فلم يبق إلا أن يستعمل استعمال ذي الأداة الجنسية، فيقال: هيان بن بيان لا تقبل روايته، وهذا الحديث يرويه هيان بن بيان، أي يرويه مجهول العين والنسب. «ومن» العلم «النوعي ما لا يلزم التعريف» نحو: فينة وغدوة وبكرة وعشية، قالت العرب: فلان ما يأتينا فينة. بلا تنوين أي الحين دون الحين، وفينة، بالتنوين، أي حينًا دون حين، فيختلف التقديران، وفلان يتعهدنا غدوة وبكرة وعشية، أي الأوقات المعبر عنها بهذه الأسماء، منعتها من الصرف حين قصدت بها ما يقصد بالمعرف بـ (أل) عهدية أو جنسية، ولك أن تصرفها إذا أردت معنى غدوة من الغدوات وكذا الباقي، وباب ذلك كله السماع، فليس لك أن تستعمله في نحو: أسامة.

«ومن الأعلام» الجنسية «الأمثلة الموزون بها» في بعض الأحيان، وإلا فليست ملازمة للعلمية، بدليل قولك: كل أفعل لا ينصرف علمًا، فالمراد إذن: ومما قد يكون من الأعلام الجنسية الأمثلة. لا أن كل موزون به

ص: 160

علم، ثم إجراء الأمثلة مجرى الأعلام، هو اصطلاح [من] النحاة مخترع من غير أن يقع ذلك في كلام العرب، وإنما تكون كذلك إذا عبر بها عن موزوناتها، ولم يدخل عليها ما يقتضي تنكيرها، ككل ورب ومن الاستغراقية وغيرها من علامات التنكير. «فما كان منها بتاء تأنيث» نحو: فاعلة وزن قائمة «أو [على] وزن الفعل به أولى» نحو: أفعل وزن أحمد، وإنما لم يذكر الوزن الخاص بالفعل؛ لأنه تجب معه حكاية الحال التي كان عليها موزونه، فتقول: استفعل فعل ماض ودال على الطلب، وانفعل لازم مطاوع لفعل، وأما أن الوزن الخاص بالفعل قد يكون موجودًا في الاسم، كما في بقم وإستبرق ودئل، فال مدخل له هنا، ضرورة أنه ليس الكلام في الموزون، وإنما هو في الوزن باعتبار موزون ما، فإنما يجري عليه حكم موزونه الأصلي فتأمه «أو مزيدًا آخره ألف ونون» نحو: فعلان وزن سكران. «أو ألف إلحاق مقصورة» نحو: فعنلى وزن حبنطى، وأما الممدودة فلا اثر لها، فنقول: فعلاء ملحق بقرطاس، وفعلاء ملحق بقسطاس. «لم ينصرف إلا منكرًا» هذا خبر المبتدأ من قوله: فما كان منها. إن جعلنا (ما موصولة،

ص: 161

وجواب الشرط إن جعلناها شرطية، ثم يجري الكلام في ذلك على إعراب أسماء الشرط، فتجعل (ما) الشرطية هنا مبتدأ أيضًا، لكن خبرها هو جملة الشرط أو جملة الجواب، أو مجموعهما فيه خلاف، والصحيح الأول، فلا يكون قوله: لم ينصرف إلا منكرًا. خبرًا لما الشرطية، وذلك نحو: كل فاعلة حكمها كذاو ورب أفعل لا ينصرف وما من فعلان مؤنثة فعلى إلا ويمنع الصرف، وكل فعنلى تقلب ألفه في التثنية ياء.

قال سيبويه: قلت للخليل في قوله كل أفعل إذا أردت به الوصف لا ينصرف، وقد صرفته، فقال: أفعل هنا مثال، وليس بوصف ثابت في الكلام، [إنما] زعمت أن ما كان على هذا المثال، وكان وصفًا، لا ينصرف، وإنما انصرف؛ لأنه نكرة، ولو أشرت به إلى معلوم لم تصرفه للزنة والعلمية، كقولك: أفعل لا ينصرف إذا كان صفة. فإنك لا تصرف أفعل، كأنك قلت: هذا البناء. «وإن كان على زنة منتهى التكسير» نحو: مفاعل ومفاعيل: «أو ذا ألف تأنيث» مقصورة كفعلى، أو ممدودة كفعلاء. «لم ينصرف مطلقًا» معرفة كان أو نكرة، تقول: حمراء فعلاء، وحبلى فعلى، وكل فعلاء يعرب ظاهرًا وكل فعلى يعرب تقديرا فلا

ص: 162

تصرف شيئًا من ذلك. «فإن صلحت الألف لتأنيث وإلحاق» نحو: فعلى - بفتح الفاء - وفعلى - بكسرها - فإن ألفهما قد تكون للتأنيث نحو: سكرى وذكرى، وقد تكون للإلحاق نحو: أرطى ومعزى. «جاز في المثال اعتباران» كقولك: كل فعلى - بفتح الفاء - مثلًا أو فعلى - بكسرها - تقلب ألفه في التثنية ياء، إن جعلت ألفه للتأنيث لم تصرفه، وإن جعلتها للإلحاق صرفته؛ لتنكيره بدخول كل، وجميع الأوزان التي ذكرها المصنف لا تصلح إلا للأسماء، فخرج عن كلامه نوعان: ما كان وزنًا لاسم وليس شيئًا مما ذكر، فليس فيه إلا الصرف، وذلك يؤخذ من مفهوم كلامه، فإن ذلك لم يذكر في واجب المنع، ولا فيما يجوز فيه الوجهان، فلم يبق فيه إلا وجوب الصرف مطلقًا، كقولك: فاعل اسمًا يجمع على فواعل، ووصفًا يجمع على فعل أو فعال. وما كان وزنًا للفعل غير ما ذكر، كقولنا: فعل وفعل وفعل، فهذه إن أريد بها العموم فالإعراب والصرف، كالذي قبلها، وإن أريد بها خصوصية الفعل حكيت كقولك: ضرب فعل، وعلم فعل، وظرف فعل. ولم يتعرض لهذا، كما لم يتعرض للوزن الخاص بالفعل؛ لأن بابهما باب الحكاية. «وإن قرن» [مثال من الأمثلة الموزون بها]. «بما ينزله منزلة الموزون فحكمه حكمه» في الصرف وعدمه، تقول: مررت برجل فاعل. تكني به عن فاضل مثلًا، فيصرف؛ لأن حكم المكني عنه الصرف، وتقول: مررت

ص: 163

برجل أفعل. تريد أفضل [مثلًا] فتمنعه من الصرف وإن كان نكرة؛ لأنه كناية عن صفة لا تصرف، ويدل على أنه في موضعها أن موقعة [هنا] موقع النعت، إذ لا يتأتى أن يكون علمًا هنا؛ لأن العلم لا يوصف به؛ ولأن المعرفة لا تكون صفة للنكرة، وهذا مذهب سيبويه، وخالفه المازني، وانتصر له السيرافي: بأن أفعل أقصى أحواله أن يكون كأربع إذا وصف به، فهو اسم وصف به، وما هو كذلك لا يمتنع من الصرف. ورده ابن الصائغ: بأن أربعًا وضع على أن يكون اسمًا ولا وصفًا، فعرضت الوصفية فيه فلم يعتد بها، وأفعل هذا لم يستقر في كلامهم لا اسمًا ولا صفة، فينبغي أن يراعى حكمه الحاضر له.

ص: 164

«وكذا بعض الأعداد المطلقة» التي لم تقيد بمعدود مذكور ولا محذوف، وإنما تدل على مجرد العدد، يعني / أنها تكون أعلامًا فلا تنصرف إن انضم إلى العلمية سبب آخر، كقولك: ستة ضعف ثلاثة. غير منصرفين، نص عليه ابن جني في سر الصناعة، ووقع في بعض نسخ المفصل، قال ابن الحاجب: والظاهر أن جار الله أثبته ثم أسقطه، لضعفه، قال: ووجه إثباته أن ستة مبتدأ، فلولا أنه علم لكنت مبتدئًا بالنكرة من غير مخصص، قال: ووجه ضعفه أنه يؤدي إلى أن تكون أسماء الأجناس كلها أعلامًا، إذ ما من نكرة إلا ويصح استعمالها كذلك، نحو: رجل خير من امرأة، أي كل رجل، وذلك في كل نكرة قامت قرينة على أن الحكم غير مختص ببعض جنسها.

«وكنوا بـ «فلان» و «فلانة» عن» علم مذكر عاقل وعلم مؤنث عاقل «نحو: زيد» الذي هو علم لمذكر عاقل «وهند» الذي هو علم لمؤنث

ص: 165

عاقل، وفيه لف ونشر مرتب، فزيد يرجع إلى (فلان) وهند يرجع إلى (فلانة) قال الشاعر:

ألا قاتل الله الوشاة وقولهم

فلانة أضحت خلة لفلان

فيجريان - أعني فلانًا وفلانة - مجرى المكني عنه، أي يكونان كالعلم، فلا تدخلهما اللام، ويمتنع صرف فلانة، كما يجري أفعل بمعنى أحمق مجرى المكنى عنه في الامتناع من الصرف على ما مر، ولا يجوز تنكير (فلان) كسائر الأعلام، فلا يقال: جاءني فلان وفلان آخر؛ إذ هو موضوع للكناية عن العالم؛ فالثاني مثل الأول في أنه غير نكرة وإن كان المكني عنه قد ينكر، والفرق بينه وبين مررت بزيد وزيد آخر، أنك أردت واحدًا ممن يسمى بزيد، وليس هذا بمتأتٍ في فلان.

قال ابن الحاجب: فلان وفلانة علمان لأعلام الأناسي وهي من بابه أسامة؛ لأنها تنطلق على كل علم منها، فهي موضوعة لحقيقة أعلام أناسي من يعقل، فإن لها حقيقة ذهنية، كما أن الجنس الأسد حقيقة ذهنية وضع لها

ص: 166

أسامة. قال: ولم يثبت استعمالها إلا في الحكاية، تقول: قال زيد جاءني فلان، ولا تقول ابتداء جاءني فلان، من غير أن تحكي ذلك عن أحد، قال الله تعالى:{ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلًا، يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانًا خليلًا} وهذا الذي ذكره ابن الحاجب من أنها لا تستعمل إلا في الحكاية نص عليه ابن السراج قبله، ولكنه مخالف لقول ابن السكيت: إذا كنيت عن الآدميين قلت: لقيت فلانًا. ويدل عليه ما رواه الأصمعي من قول مرار الفقعسي:

ص: 167

سكنوا شبيثا والأحص وأصبحت

نزلت منازلهم بنو ذبيان

وإذا فلان مات عن أكرومة

دفعوا معاوز فقره بفلان

وقال معن بن أوس:

أخذت بعين المال حتى نهكته

وبالدين حتى ما أكاد أدان

وحتى سألت القرض عند ذوي الغنى

ورد فلان حاجتي وفلان

فإن قلت: كون فلان وفلانة علمين لأعلام الأناسي منظور فيه، لأن تلك ألفاظ، فعلى هذا إذا قلت: قال زيد جاءني فلان، فمعناه جاءني مسمى فلان، وإنما مسماه لفظ، وليس هذا كـ (زيد) في جاءني زيد؛ لأن مسماه ذات.

قلت: هذا إشكال أورده ابن هشام رحمه الله [تعالى] ، ولم يجب عنه، ويمكن أن يجاب: بأن معنى جاءني فلان جاءني مسمى مسمى فلان،

ص: 168

فكما صح الإسناد إلى لفظ زيد، والمراد مسماه صح الإسناد إلى فلان، والمراد مسمى مسماه، ولا إشكال، وكذا القول في فلانة. «وبأبي فلان» [أي] وكنوا بأبي فلان «وأم فلان عن نحو: أبي بكر» في كنية المذكر العاقل «وأم سلمة» في كنية المؤنثة / العاقلة.

ووقع في بعض النسخ: وأم فلانة. وهو تحريف من النساخ أوقعهم فيه ما تقدم من اقتران فلانة بفلان، وما تأخر من اقتران الفلانة بالفلان، وذكر كلمة الأم أيضًا، والتمثيل بسلمة، ولفظه مؤنث. وسلمة - كطلحة وحمزة - علم مذكر عاقل مختتم بتاء التأنيث، فتأنيثه لفظي. «و» كنوا «بالفلان والفلانة عن» علم مذكر لا يعقل وعلم مؤنث لا يعقل. «نحو: لاحق وسكاب» فالأول للأول والثاني للثاني على طريق اللف والنشر المرتب، ولا فرق في أعلام البهائم بين أن تكون أسماء أو كنى في إدخال لام التعريف عليها، فتقول: الفلان والفلانة، وأبو الفلان وأم الفلانة، والمصنف لم يذكر حكم الكناية عن أعلام البهائم إذا كانت كنى، ونص الرضي الإستراباذي على ما قلناه من عدم الفرق، قال: وإنما أدخلوا اللام للفرق، وكانت كناية أعلام البهائم أولى من كناية أعلام الأناسي، لأن أنس الإنسان بجنسه أكثر هو عنده أشهر من أعلام البهائم، فكان فيها نوع تنكير.

ص: 169

وسلك ابن الحاجب طريقة أخرى في التعليل فقال: زادوا (أل) للفرق، وجعلوا الزيادة في علم ما لا يعقل، لأن علميته دخيلة على علم من يعقل؛ لأن أصل الباب لمن يعقل فكانت زيادة (أل) في الأقل أولى منها في الأكثر تقليلًا للزيادة، وكانت في الدخيل في العلمية لضعيف علميته أولى منها في القوي في باب العلمية. «و» كنوا «نهن وهنة [أو هنت] عن اسم جنس» مذكر أو مؤنث: و (هن) لاسم الجنس المذكر، نحو: رجل، و (هنة) لاسم الجنس المؤنث، نحو: امرأة. «غير علم» صفة لاسم جنس، وربما كنوا بـ (هن) عن علم الشخص العاقل الذي لا يراد الإفصاح باسمه كقوله:

والله أعطاك فضلًا من عطيته

على هن وهن فيما مضى وهن

ص: 170

يخاطب بذلك حسن بن زيد، وكان عبد الله وإبراهيم [وحسن] بنو [عم] حسن المذكور وعدوه شيئًا ولم ينجزوه له، وهذا الذي ذكره المصنف هنا، وفيما يأتي إنما هو على سبيل الاستطراد في الكناية وإلا فالأصل أن يقتصر على كنايات الأعلام؛ لأنها المتعلقة بالباب. «و» كنوا «بهنيت عن جامعت ونحوه» من مقدمات الجماع، كما كنوا عن الفرج (بهن) ، وإنما لم يذكر المصنف لامست ومسست وباشرت ورفثت وباضعت وغير ذلك؛ لأنه لما ذكر أن الهن كناية [عن اسم جنس] أردفه بكناية أخرى مأخوذة من لفظ تلك الكناية فذكر ذلك استطرادًا، لكن هذا معترض بأن

ص: 171

هنيت يائي والهن واوي، وقد يدعى أن الياء بدل عن الواو وأن ذلك من البدل الخارج عن القياس، وفي قول صاحب الصحاح وهنيت كناية عن فعلت من قولك هن إشارة إلى ذلك.

«و» كنوا «بكيت» بسكون الياء مخففة «أو كيت» بتشديد الياء «وبذيت أو ذّيت» بتخفيف الياء في الكلمة الأولى وتثقيلها في الثانية «أو كذا عن الحديث» ولا تستعمل كيت وذيت إلا مكررتين، نص عليه في اللباب، قال ابن هشام: وهو المعروف، وقد أهمل المصنف التنبيه على ذلك، تقول: جاءني فلان، فقال لي كيت وكيت، ومحل كيت النصب - وإن كان مفردًا - لأنه كناية عن جملة، وفي كلام الفارسي: إذا قلت كان من الأمر كيت وكيت، فكان شأنية خبرها كيت وكيت، لأنه نائب عن الجملة، ولا يكون كيت وكيت اسمًا لكان، كما لا يكون اسمها جملة. قال ابن هشام: ولله در هذا الإمام ما أتم نظره. قال: وسألني سائل فبم يتعلق (من الأمر) إذا كانت [كان] شأنية؟ وكيف يكون اسمها ضمير الشأن، ويتعلق بها مجرور، ويؤدي / معنى الشأن؟ فقلت: الظاهر أنه يتعين تعلقه بـ (أعني) مقدرًا.

قلت: يجب أن يكون ثم صفة للأمر محذوفة، أي كان من الأمر الذي

ص: 172

لا يفصح عنه، وإلا كان الكلام عريًا عن الفائدة، وأنت خبير بأنه يلزم - على ما ذهب إليه الفارسي، واستحسنه ابن هشام - تفسير ضمير الشأن بغير جملة مصرح بجزئيها. «وقد تكسر أو تضم تاء كيت وذيت» فتكون التاء مثلثة الحركة، والكلمة على كل حال مبنية.

قال الرضي الإستراباذي: وإنما بنيتا؛ لأن كل واحدة منهما كلمة واقعة موقع الكلام، والجملة من حيث هي لا تستحق إعرابًا، ولا بناء، لأنهما من عوارض الكلمة لا الكلام.

وأورد أنه كان يجب أن لا تكون مبنية أيضًا كالجمل، وأجاب: بأنه يجوز خلو الجمل عن الإعراب والبناء، لأنهما من صفات المفرد، ولا يجوز خلو المفرد عنهما، فلما وقع المفرد موقع ما لا إعراب له - في الأصل - ولا بناء، ولم يجز أن يخلو منهما مثله، بقي على الأصل الذي ينبغي أن تكون الكلمات عليه، وهو البناء، إذ بعض المبنيات - وهو الخالي عن الإعراب - يكفيه عريه عن سبب الإعراب، فعريه عن سبب الإعراب سبب للبناء، كما قيل: عدم العلة علة العدم - ثم سأل فقال: إنهما وضعتا لتكونا كناية عن جملة لها محل من الإعراب، ونحو: قال فلان كيت وكيت،

ص: 173

أي زيد قائم، وهي في محل نصب، وأجاب: بأن الإعراب المحكي في الجملة عارض فلم يعتد به.

وبناؤهما على الفتح؛ لثقل الياء، كما في أين وكيف، أو لكونهما في الأغلب كناية عن الجملة المنصوبة المحل. وبناؤهما على الكسر والضم؛ تشبيهًا بـ (جير) و (حيث) ثم قال: وهما - يعني كيت وذيت - مخففان من كية وذية، بحذف لام الكلمة وإبدال التاء منهما، كما في بنت، والوقف عليهما بالتاء، كما وقف على بنت، ومن العرب من يستعملهما على الأصل، فلا تكونان إلا مفتوحتين؛ لثقل التشديد، والوقف عليهما بالهاء، ولامهما ياء لا واو؛ إذ ليس في الكلام مثل: حيوت، وواو حيوان بدل عن الياء، إلا عند المازني، ولم نقل إن أصلهما كوية وذوية، لأن التاء في كيت وذيت بدل عن اللام، فلو كان العين واوًا لقلت: كوت وذوت والتاء فيهما - لكونهما عبارة عن القصتين، وحكى أبو عبيدة كيه بالهاء مكان تاء كيت، مفتوحة ومكسورة. إلى هنا كلام الرضي.

ص: 174