الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب لا العاملة عمل إن
ص: إذا لم تكرر "لا" وقُصِد خلوصُ العموم باسم نكرة يليها، غير معمول لغيرها، عملت عمل إنّ، إلا أن الاسم إنْ لم يكن مضافا، ولا شبيها به، رُكِّبَ معها، وبني على ما ينصب به، والفتح في نحو: ولا لذّاتَ للشيب.
أولى من الكسر، ورفع الخبر -إن لم يركب الاسم مع لا- بها عند الجميع، وكذا مع التركيب على الأصح. وإذا علم كثر حذفه عند الحجازيين، ولم يُلْفَظ به عند التميميين، وربما أُبقي وحُذف الاسم.
ولا عمل للافي لفظ المثنى من نحو: لا رجلين فيها خلافا للمبرد. وليست الفتحة في نحو: لا أحدَ فيها، إعرابية خلافا للزجاج والسيرافي. ودخول الباء على لا يمتنع التركيب غالبا، وربما ركبت النكرة مع "لا" الزائدة.
وقد يعامل غير المضاف معاملته في الإعراب ونَزْع التنوين والنون إنْ وليه مجرور بلام معلقة بمحذوف غير خبر، فإن فصلها جارٌّ آخر أو ظرف امتنعت المسألة في الاختيار خلافا ليونس. وقد يقال في الشعر: لا أباك، وقد يُحْمَل على المضاف مُشابهه بالعمل فينزع تنوينه.
ش: إذا قصد بلا نفي الجنس على سبيل الاستغراق ورفع احتمال الخصوص اختصت بالأسماء، لأن قصد ذلك يسلتزم وجود من الجنسية لفظا أو معنى، ولا يليق ذلك إلا بالأسماء النكرات، فوجب للا عند ذلك القصد عملٌ فيما يليها من نكرة، وذلك العمل إما جر وإما نصب وإما رفع، فلم يكن جرا لئلا يتوهم أنه
بمن المنوية، فإنها في حكم الموجودة لظهورها في بعض الأحيان، كقول الشاعر:
فقام يذود الناسَ عنها بسيفه
…
وقال ألا لا مِنْ سبيل إلى هند
ولأن عامل الجر لا يستقل كلام به وبمعموله ولا يستحق التصدير، ولا المذكورة بخلاف ذلك.
ولم يكن عملها فيما يليها رفعا لئلا يتوهم أن عامله الابتداء، فإن موضعها موضع المبتدأ، ولأنها لو رفعت ما يليها عند قصد التنصيص على العموم لم يحصل الغرض، لأنها على ذلك التقدير بمنزلة المحمولة على ليس، وهي لا تنصيص فيها على العموم. فلما امتنع أن تعمل فيما وليها جرا أو رفعا - مع استحقاقها عملا - تعين أن يكون نصبا، ولما لم تستغن بما يليها عن جزء ثان عملت فيه رفعا، لأنه عمل لا يستغنى بغيره عنه في شيء من الجمل. وأيضا فإن إعمال لا هذا العمل إلحاق لها بإنّ، لمشابهتها لها في التصدير، والدخول على المبتدأ والخبر، وإفادة التوكيد، فإن لا لتوكيد النفي، وإنّ لتوكيد الإثبات، ولفظ لا مساو للفظ إن ذا خففت. وأيضا فإن لا تقترن بهمزة الاستفهام ويراد بها التمني. ولا يجب أن تعمل لا هذا العمل من القصد المذكور إذا كررت، بل إذا كررت جاز إعمالها وإلغاؤها. فجواز إعمالها لعدم تغير حالها وحال مصحوبها، وجواز إلغائها لشبهها بالمكررة مع المعرفة، فلجواز الوجهين مع التكرر، شرطت انتفاءه في وجوب العمل فقلت: إذا لم تكرر "لا" وقصد خلوص العموم في اسم نكرة يليها فعلم بهذا أنها لا تعمل في معرفة ولا في منفصل.
واحترزت بقولي: غير معمول لغيرها من نحو قوله تعالى: (لا مرحبا بهم).
ثم أشرت إلى أن اسمها ينقسم إلى مفرد وإلى مضاف وإلى شبيه به، وخصصت
المفرد بالتركيب والبناء، فعلم بذلك أن الآخريْن منصوبان نصبا صريحا، نحو: لا صاحب بِرٍّ مذموم، ولا راغبا في الشر محمود.
ويتناول قولي في المركب: ويبنى على ما كان ينصب به، المبني على فتحة نحو:"لا إلهَ إلا الله" و: (فقاتلوا أئكمة الكفر إنهم لا أيمانَ لهم). والمبني على ياء مفتوح ما قبلها، كقول الشاعر:
تَعَزّ فلا إلفَيْن بالعين مُتِّعا
…
ولكن لوُرّاد المَنون تتابُعُ
والمبني على ياء مكسورة ما قبلها، كقول الشاعر:
يُحْشَرُ الناسُ لا بنينَ ولا آبا
…
ءَ إلا وقد عَنَتْهم شُئُونُ
والمبني على كسرة، كقول سلامة بن جندل:
إن الشباب الذي مجدٌ عواقبُه
…
فيه نَلَذُّ ولا لذاتِ للشيب
يروى بكسر التاء وفتحها، والفتح أشهر، وبالوجهين أيضا أنشد قول الشاعر:
لا سابغات ولا جاواءَ باسلةً
…
تقى المنون لدى استيفاء آجال
وزعم أبو الحسن بن عصفور أن الفتح في مثل هذا لازم، والصحيح جواز الفتح والكسر.
ثم أشرت إلى أنه لا خلاف في كون الخبر مرفوعا بلا إذا لم يركب الاسم معها، ثم قلت:"وكذا مع التركيب على الأصح" فنبهت بذلك على ما ذهب إليه سيبويه من أن الخبر مع التركيب مرفوع بما كان مرفوعا به قبل دخول لا، لأن شبهها بإن ضعف حين تركبت وصارت كجزء كلمة، وجزء كلمة لا يعمل، فمقتضى هذا أن يبطل عملها في الاسم والخبر، لكن عملها أبقى في أقرب المعمولين، وجعلت
هي ومعمولها بمنزلة مبتدأ، والخبر بعدها على ما كان عليه من التجرد.
وغير ما ذهب إليه سيبويه أولى، لأن كل ما استحقت "لا" به العمل من المناسبات السابق ذكرها باق، فليبق ما ثبت بسببه، ولا يضر التركيب، كما لم يضر أنّ صيرورتها بفتح الهمزة مع معمولها كشيء واحده، ولو كان جعل لا مع اسمها كشيء واحد مانعها من العمل في الخبر لمنعها من العمل في الاسم، لأن أحد جزأي الكلمة لا يعمل في الآخرن ولا خلاف في أن التركيب لم يمنع عملها في الاسم، فلا يمنع عملها في الخبر. وأيضا فإن عمل لا في الخبر أولى من عملها في الاسم، لأن تأثيرها في معناه أشد من تأثيرها في معنى الاسم، والإعراب إنما جيء به في الأصل للدلالة على المعنى الحادث بالعامل، وإنما لم يكن خلاف في ارتفاع الخبر بلا غير المركبة، لأن مانع التركيب هو كون اسم إنّ صالح للابتداء به مجردا عن إنّ، وليس كذلك مصحوب لا المركب، فإن تجرده من لا مبطل للابتداء به، لأنه نكرة لا مسوغ معها، فإذا قرنت بلا كانت بمنزلة نكرة ابتدئ بها لاعتمادها على نفي.
ثم أشرت إلى حذف الخبر، وهو على ثلاثة أقسام: ممتنع وجائز وواجب.
فالممتنع حذفه في موضع لا دليل فيه من لفظ ولا معنى، كقولك مبتدئا مقتصرا: لا رجلَ، فمثل هذا لا يعد كلاما عند أحد من العرب، لأن المخاطب لا يستفيد منه شيئا.
وأما الجائز والواجب فحذف ما دل عليه دليل، كقولك: لا رجلَ، لمن قال: هل في الدار من رجل؟ وكقولك للشاكي: لا بأسَ، تحذف، فيها من الأول، و: عليك، من الآخر، فمثل هذا يجوز فيه الحذف والإثبات عند الحجازيين، ولا يلفظ به التميميون ولا الطائيون، بل الحذف عندهم واجب بشرط ظهور المعنى، ومن نسب إليهم التزام الحذف مطلقا أو بشرط كونه ظرفا فليس بمصيب، وإنْ رُزق من الشهرة أوفر نصيب.
وأكثر ما يحذفه الحجازيون مع إلا نحو: لا إله إلا الله. ومن حذفه دون
إلا قوله تعالى: (قالوا لا ضيرَ). وقوله تعالى: (ولو ترى إذْ فزِعوا فلا فَوْتَ). ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضررَ ولا ضرارَ ولا عدوى ولا طِيَرَةَ).
ومن استعمال الخبر منطوقا به في لغة غير الحجازيين قول حاتم:
ورَدَّ جازُرهم حَرْفا مُصَرَّمةً
…
ولا كريمَ من الوِلدان مَصْبُوحُ
فمصبوح خبر لا صفة لعدم الحاجة إلى مقدر.
وربما حذف الاسم للعلم به وبقي الخبر، كقولهم: لا عليك، أي: لا بأس عليك.
وخالف المبرد سيبويه في اسم لا المثنى نحو: لا رجلين فيها، فزعم أنه معرب، واحتج له بأمرين: أحدهما: أنه بزيادة الياء والنون أشبه المطول المستحق للنصب، نحو: لا خيرا من زيد هنا.
والثاني: أن العرب تقول: أعجبني يومَ زرتني، فتفتح، وأعجبني يومُ زرتني فتعرب.
وكلتا الحجتين ضعيفة، أما الأولى فمعارضة بأن شبه "لا رجلين" بيا رجلان، أقوى من شبهه بلا خيرا من زيد، وقد سوى بين يا رجلان ويا رجلُ، فلْيُسَوِّ بين لا رجلين ولا رجلَ. وأما الثانية فضعفها بيّن أيضا، وذلك أن بناء يوم وشبهه حين أضيف إلى الجملة إنما كان لشبهه بإذ لفظا ومعنى، فلما بنى خالفه بلحاق
علامة التثنية، وبكون اليوم إذا بني يصير مؤقتا، والمحمول على إذ لا يكون مؤقتا، وإنما يكون مبهما أي صالحا لنهار وليلة وللقليل والكثير، واليوم المفرد بهذه المنزلة، كقوله تعالى:(ويوم يقول كن فيكون* قوله الحق). وقوله تعالى: (كل يوم هو في شأن).
والحاصل أن يوما لإبهامه أشبه إذ فحمل عليه في البناء إذا استعمل استعماله، فإذا ثنى زال إبهامه. فلم يصلح أن يحمل على إذ للزوم إبهامها وصلاحيتها لكل زمان ماض ليلا كان أو نهارا، قليلا كان أو كثيرا.
وزعم أبو إسحاق الزجاج والسيرافي أن فتحة: لا رجلَ، وشبهه فتحة إعراب، وأن التنوين حذف منه تخفيفا، ولشبهه بالمركب. وهذا الرأي لو لم يكن في كلام العرب ما يبطله لبطل بكونه مستلزما مخالفة النظائر، فإن الاستقراء قد أطلعنا على أن حذف التنوين من الأسماء المتمكنة لا يكون إلا لمنع صرف، أو للإضافة، أو لدخول الألف واللام، أو لكونه في علم موصوف بابن مضاف إلى علم، أو لملاقاة ساكن، أو لوقف، أو لبناء، والاسم المشار إليه ليس ممنوعا من الصرف، ولا مضافا، ولا ذا ألف ولام، ولا علما موصوفا بابن، ولا ذا التقاء ساكنين، ولا موقوفا عليه، فتعين كونه مبنيا، كيف وقد روي عن العرب: جئتَ بلا شيءَ، بالفتح وسقوط التنوين، كما قالوا: جئت بخمسةَ عشرَ، والجار لا يلغى ولا يعلق، فثبت البناء بذلك يقينا. والعجب من الزجاج والسيرافي في زعمهما أن ما ذهبا إليه من أن فتحة: لا رجلَ، وشبهه، فتحة إعراب هو مذهب سيبويه، استنادا إلى قوله في الباب الأول من أبواب لا:"ولا تعمل فيما بعدها منتصبة بغير تنوين" وغفلا عن قوله في الباب الثاني: واعم أن المنفي الواحد إذا لم يل "لك" فإنما يُذْهَب منه التنوين كما أُذْهِب من خمسةَ عشرَ، لا كما أذهب من المضاف". فهذا نص لا احتمال فيه.
قلت: ومما يدل على أن الفتحة المشار إليها فتحة بناء لا فتحة إعراب ثبوتها في: ولا لذاتَ للشيب، في الرواية المشهورة، وتوجيه رواية الكسر على أن يكون لذات منصوبة لكونه مضافا أو شبيها بالمضاف، على نحو ما يوجه به: لا أبا لك، ولا يدي لك، وسيأتي بيان ذلك مستوفى بعون الله تعالى. وقد قال سيبويه في الثاني من أبواب لا في النفي: اعلم أن التنوين يقع من المنفي في هذا الموضع إذا قلت: لا غلام لك، كما يقع من المضاف إلى اسم، ذلك إذا قلت:"لا مثل زيد" فعلم بهذا أن فتحة ميم: لا غلام لك، كفتحة: لا مثلَ زيد، لأنهما عنده سيان في الإضافة، فعلى هذا تكون كسرة تاء: لا لذات، كسرة إعراب، لكونه مضافا واللام مقحمة، وهذا واضح بلا تكلف.
وندر تركيب النكرة مع لا الزائدة كقول الشاعر:
لو لم تكن غَطفان لا ذنوبَ لها
…
إذن للام ذوو أحسابها عُمَرا
وهذه من التشبيه الملحوظ فيه مجرد اللفظ، وهو نظير تشبيه ما الموصولة بما النافية في قول الشاعر:
يُرَجِّي المرءُ ما إنْ لا يراه
…
وتعرضُ دون أدناه الخطوبُ
فزاد إنْ بعد الموصولة، وإنما تزاد بعد النافية، لكن سوغ ذلك كون اللفظ واحدا. والمشهور الوارد على القياس أن يقال في اسم "لا" إذا كان أبا أو أخا: لا أب له، ولا أخ لك، كما قال نهار اليشكري:
أبي الإسلامُ لا أبَ لي سواه
…
إذا افتخروا بقيس أو تميم
وأن يقال فيه إذا كان مثنى أو شبهه كما قال الشاعر:
تأملْ فلا عَيْنَيْن للمرء صارفا
…
عنايته عن مضمر العِبَرات
وكما قال:
أرى الرَّبع لا أهلين في عَرَصاتِه
…
ومن قبلُ عن أهليه كان يضيق
وقد كثر في الكلام مخالفة القياس نحو: لا أبالك، ولا أخالك، ولا غلامي لك، فمن ذلك قول الراجز:
أهَدَموا بيتك لا أبا لكا
…
وزعموا أنك لا أخا لكا
…
وأنا أمشي الدَّألى حوالكا
ومثال: لا غلامي لك، قول الشاعر:
لا تُعْنَيَنَّ بما أسبابه عسرت
…
فلا يَدَيْ لامرئٍ إلا بما قُدِرا
ولم يرد هذا الاستعمال في غير ضرورة إلا مع اللام، وقد يحذف في الضرورة، كقول الشاعر:
وقد مات شَمَّاخٌ ومات مُزَرّد
…
وأيُّ كريم لا أباك بخالد
وقال آخر:
أبالموتِ الذي لا بُدَّ أني
…
مُلاقٍ لا أباك تُخَوِّفيني
ومذهب أكثر النحويين في هذا النوع أنه مضاف إلى المجرور باللام، وأن اللام مقحمة لا اعتداد بها، كما لا اعتداد باللام في قول الشاعر:
يا بُؤْس للحرب التي
…
وَضَعتْ أراهِط فاستراحوا
وهذا القول وإن كان قول أكثر النحاة فلا أرتضيه، لأن الإضافة التي ادعيت في الأمثلة المشار إليها إما محضة وإما غير محضة، فإن كانت محضة لزم كون اسم
لا معرفة، وهو غير جائز، ولا عذر في الانفصال باللام، لأن نية الإضافة محضة كافية في التعريف، مع كونه غير مهيأ للإضافة، نحو:(وكُلًّا ضربنا له الأمثال) و: (لله الأمر من قبل ومن بعد). وما نحن بسبيله مهيأ للإضافة، فهو أحق بتأثير نية الإضافة. وإن كانت الإضافة المدعاة غير محضة لزم من ذلك مخالفة النظائر، لأن المضاف إضافة غير محضة لا بد من كونه عاملا عمل الفعل، لشبهه به لفظا ومعنى، نحو: هذا ضارب زيدٍ الآن، وحسن الوجه. أو معطوفا على ما لا يكون إلا نكرة نحو: رب رجل وأخيه، وكم ناقة وفصليها ملكت، والأسماء المشار إليها بخلاف ذلك، فلا تكون إضافتها غير محضة، فلو كانت مضافة وإضافتها غير محضة، لم يَلِقْ بهما أن يؤكد معناها بإقحام اللام، لأن المؤكَّد معتنى به، وما ليس محضا لا يُعتنى به فيؤكد، فلذلك قبح توكيد الفعل الملغى، لأنه مذكور في حكم المسكوت عنه، وقول من قال: يا بؤسَ للحرب
وهو يريد: يا بؤس الحرب، سهله كون إضافته محضة، على أن للقائل أن يجعل أصله: يا بؤسا للحرب، ثم حذفت الألف للضرورة وهي مرادة، فلا إضافة ولا إقحام.
وأيضا لو كانت إضافة الأسماء المشار إليها غير محضة لكانت كذلك مع غيرها، إذ لا شيء مما يضاف إضافة غير محضة إلا وهو كذلك مع كل عامل، ومعلوم أن إضافتها في غير هذا الباب محضة، فيجب أن تكون كذلك في هذا الباب، وإلا لزم عدم النظير. ومما يدل على ضعف القول، بكون الأسماء المشار إليها مضافة قولهم: لا أبالي، ولا أخالي، فلو كانوا قاصدين الإضافة لقالوا: لا أبِ لي، ولا أخِ لي، فيكسرون الباء والخاء إشعارا بأنها متصلة بالياء تقديرا، فإن اللام لا اعتداد بها على ذلك التقدير، وإذ لم يفعلوا ذلك فلا ارتياب في كونهم لم يقصدوا الإضافة، ولكنهم
قصدوا إعطاء الأسماء المذكورة حكم المضاف إذا كانت موصوفة بلام الجر ومجرورها، ولم يفصل بينهما، وذلك أن الصفة يتكمل بها الموصوف كما يتكمل المضاف بالمضاف إليه، فإذا انضم إلى ذلك كون الموصوف معلوم الافتقار إلى المضاف إليه، وكون الصفة متصلة بالموصوف، وكونها باللام التي يلازم معناها الإضافة غالبا، وكون المجرور صالحا أن يضاف إليه الأول، تأكد شبه الموصوف بالمضاف، فجاز أن يجرى مجراه فيما ذكر من الحذف والإثبات، فمن ثم لم يبالوا بفيك أن يجرى هذا المجرى، كقول الشاعر:
وداهية من دواهي المَنُو
…
ن يرهبُها الناس لا فالها
فنصبه بالألف كما ينصبه في الإضافة. ومن ذهب في هذه المسألة إلى ما ذهب إليه ابن كيسان وهشام الكوفي شرط كون اللام ومجرورها غير خبر، فإن كان هو الخبر تعين إثبات النون وحذف الألف بإجماع. وكذا إن لم تل اللام ومجرورها، أو كان في موضع اللام حرف جر غيرها. وأجاز يونس المعاملة المذكورة مطلقا مع فصل اللام بظرف أو جار غيرها نحو: لا يَدَيْ بها لك، ولا غلامين عندك لزيد. وأشار سيبويه إلى جواز ذلك في الضرورة.
ولا تختص هذه المعاملة بالمثنى وأخ وأب وأخواتها، بل هي الجائزة في كل ما وليه لام جر معلقة بمحذوف غير خبر، حتى في: لا غلام لك، ولا بني لك، ولا بنات لك، ولا عشرى لك، وقد فهم ذلك من قولي: وقد يعامل غير المضاف معاملته في الإعراب ونزع التنوين، فدل ذكر الإعراب على أن فتحة: لا غلام لك، قد تكون إعرابا، وأنه يقال: لا أبًا لك، ولا أخًا لك، ولا غلامين لك، ولا بنين لك، ولا بناتٍ لك. ودل ذكر التنوين والنون على أن تنوين: لا غلام لك، أزيل لما أزيل له نون: لا غلامي لك، وذلك كله مفهوم من قول سيبويه: فلو جعل
اللام ومجرورها خبرا تعين البناء وتوابعه. ولو تعلقت اللام بالاسم تعين الإعراب وتوابعه غالبا نحو: لا واهبا لك درهما.
واحترزت بغالبا من قول الشاعر:
أراني ولا كُفران لله أيَّةً
…
لنفسيَ قد طالبْتُ غير مُنيل
أنشده أبو علي في التذكرة، وقال: أيّه منصوب بكفران، أي لا أكفر لله رحمة لنفسي، ولا يجوز نصب أية بأويت مضمرا، لئلا يلزم من ذلك اعتراض بين مفعولي أرى بجملتين، إحداهما: لا واسمها وخبرها، والثانية: أويت، ومعناه رققت.
وإلى: ولا كفران لله أية، أشرت بقولي: وقد يحمل على المضاف مشابهه بالعمل.
ويمكن أن يكون هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صَمْت يومٌ إلى الليل" على رفع يوم بالمصدر على تقديره: بأنْ وفعل ما لم يسم فاعله. ولا يستغنى عن اللام بعد ما أعطى حكم المضاف من الأسماء المذكورة إلا بعد أب في الضرورة، كقول الشاعر:
وقد مات شَمَّاخ ومات مُزَرّدٌ
…
وأيُّ كريم لا أباكَ بخالد
وقول الآخر:
أبا لموتِ الذي لا بد أني
…
مُلاقٍ لا أباك تخوفيني
أراد: لا أبالكَ، ولا أبالكِ، كذا زعموا، وهو عندي بعيد، لأنه إن كان الأمر كذلك لم يخل من أن يكون أب مضافا إلى الكاف عاملا فيها، أو يكون مقدر الانفصال
باللام وهي العاملة في الكاف مع حذفها. فالأول ممنوع لاستلزامه تعريف اسم لا، أو تقدير عدم تمحض الإضافة فيما إضافته محضة، والثاني ممنوع لاستلزامه وجود ضمير متصل معمول لعامل غير منطوق به، وهو شيء لا يعلم له نظير، فوجب الإعراض عنه، والتبرؤ منه.
والوجه عندي في: لا أبالك، ولا أباك، أن يكون دعاء على المخاطب بأن لا يأباه الموت. وهذا توجيه ليس فيه من التكلف شيء والحمد لله.
فصل: ص: إذا انفصل مصحوب لا، أو كان معرفة، بطل العمل بإجماع، ويلزم حينئذ التكرار في غير ضرورة، خلافا للمبرد وابن كيسان، وكذا التاليها خبرٌ مفردٌ وشبهُه. وأُفْرِدَتْ في: لا نَوْلُك أن تفعل، لتأوله بلا ينبغي. وقد يؤول غير عبد الله وعبد الرحمن من الأعلام بنكرة، فيعامل معاملتها بعد نزع ما فيه أو فيما أضيف إليه من ألف ولام، ولا يعامل بهذه المعاملة ضمير ولا اسم إشارة خلافا للفراء.
ويُفْتح أو يرفع الأول من نحو: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإن فتح فتح الثاني أو نصب أو رفع. وإن رفع رفع الثاني أو فتح. وإن سقطت لا الثانية فتح الأول ورفع الثاني أو نصب، وربما فتح منويا معه لا.
وتنصب صفة اسم لا أو ترفع مطلقا، وقد تجعل مع الموصوف كخمسةَ عشرَ إن أفردا واتصلا، وليس رفعهما مقصورا على تركيب الموصوف، ولا دليلا على إلغاء لا، خلافا لابن برهان في المسألتين.
وللبدل الصالح لعمل لا النصبُ والرفع، فإن لم يصلح لعملها تعين رفعه، وكذا المعطوف نسقا.
وإن كرر اسم لا المفرد دون فصل فُتح الثاني أو نُصب.
وللا مقرونة بهمزة الاستفهام في غير تمن وعَرْض ما لها مجردة، ولها في التمني من لزوم العمل ومنع الإلغاء واعتبار الابتداء ما لليت، خلافا للمازني والمبرد في جعلها كالمجردة.
ويجوز إلحاق لا العاملة بليس فيما لا تمني فيه من جميع مواضعها، إن لم تقصد الدلالة بعملها على نصوصية العموم.
ش: لما كان شبه لا بإنّ أضعف من شبه ما بليس، جعل لما مزية بأن لم يبطل عملها بالفصل مطلقا، بل إذا كان الفصل نحو: ما قائم زيد، أو لمعمول خبرٍ غير ظرف ولا جار ومجرور نحو: ما طعامك زيد آكل. فلو فصل بمعمول وهو ظرف أو جار ومجرور لم يبطل العمل، نحو: ما غدا زيد مسافرا، وما فيها أحد مقيما. وأبطل عمل لا بالفصل مطلقا نحو: لا في الدار رجل مقيم، ولا غدا أحد راحل، فانحطت بذلك "لا" عن رتبة "ما" ليكون لقوة الشبه أثر.
وإذا كان مصحوب لا معرفة لم تعمل فيه، لأنها إنما عملت العمل المذكور ليدل به على العموم على سبيل التنصيص، والمعرفة ليست كذلك، ولو كان تعريفها بالألف واللام الاستغراقية لأنها بلفظ العهدية، فليس التنصيص بها على العموم كالتنصيص عليه بمن الجنسية مذكورة أو منوية. لكن إذا وليتها المعرفة لزمها التكرار، ليكون عوضا مما فاتها من مصاحبة ذوي العموم، فإن في التكرار زيادة كما في العموم زيادة، ثم حمل في لزوم التكرار المفصولة على التي تليها معرفة، لتساويهما في وجوب الإهمال، وأيضا فإن العرب في الغالب تنفي الجملة المبتدوأة بمعرفة أو ظرف أو شبهه بما أو ليس، نحو: ما زيد عندك، وما عندك زيد، وليس عمرو في الدار، فإذا وقعت لا في نحو هذا من الكلام وقعت في موضع غيرها، فقويت بالتكرار، ولم تخل منه إلا في اضطرار. وكذا إذا ولي "لا" خبر مفرد يلزم التكرار أيضا نحو: زيد لا قائم ولا قاعد، وكذا إذا ولي "لا" نعت أو حال، نحو: مررت برجل لا قائمٍ ولا قاعدٍ، ونظرت إليه لا قائما ولا قاعدا. وإلى هذين المثالين وأشباههما أشرت بقولي:"وكذا التاليها خبر مفرد أو شبهه" فتكرار لا في هذه المواضع لازم إلا في الضرورة، كقول الشاعر:
بَكَتْ جَزَعا واسترجعت ثم آذنت
…
ركائبها أن لا إلينا رجوعها
وقال آخر:
أشاءُ ما شئتِ حتى لا أزالَ لما
…
لا أنت شائيةٌ من شأننا شانى
وكقول الآخر:
وأنت امرُؤ منا خلقت لغيرنا
…
حياتُك لا نفعٌ وموتُك فاجعُ
وكقول الآخر:
إني تركتك لاذا عسرة تربا
…
فاستعففن واكف من وافاك ذا أمل
ومثله:
قهَرتُ العدا لامستعينا بعصبة
…
ولكن بأنواع الخدائع والمكر
ولم يقصر المبرد ترك التكرار على الضرورة، بل أجازه في السعة، ووافقه ابن كيسان، ولا حجة لهما في قول العرب: لا نولك أن تفعل، فإنهم أوقعوه موقع: لا ينبغي لك أن تفعل، فاستغنوا فيه عن تكرار لا، كما يستغنون فيما هو واقع موقعه.
وقد يؤول العلم بنكرة، فيركب مع لا إن كان مفردا، وينصب بها إن لم يكن مفردا، فالأول كقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده". وكقول الشاعر:
أرى الحاجاتِ عند أبي خُبَيْبٍ
…
نَكِدْنَ ولا أميّةَ بالبلاد
وكقول الراجز:
إنّ لنا عُزّى ولا عزى لكم
والثاني كقول العرب: قضية ولا أبا حسن لها. لما أوقعوا العلم موقع نكرة جردوه من الألف واللام واللتين كانتا فيه كقوله: ولا عزى لكم، أو فيما أضيف إليه كقولكم: ولا أبا حسن. فلو كان العلم عبد الله لم يعامل بهذه المعاملة للزوم الألف واللام، وكذا عبد الرحمن على الأصح، لأن الألف واللام لا تنزعان منه إلا في النداء.
وقدر قوم المعامل بهذه المعاملة مضافا إليه "مثل" ثم حذف وأقيم العلم مقامه في الإعراب والتنكير، كما فعل بأيدي سبا في قولهم: تفرقوا أيدي سبا، يريدون مثل أيدي سبا، فحذفوا المضاف وأقاموا المضاف إليه مقامه في النصب على الحال.
وقدره آخرون بلا مسمى بهذا الاسم، وبلا واحد من مسميات هذا الاسم.
ولا يصح واحد من التقديرات الثلاثة على الإطلاق:
أما الأول فممنوع من ثلاثة أوجه: أحدها: ذكر مثل بعده كقول الشاعر:
تبكي على زيد ولا زيد مثلُه
فتقدير "مثل" قبل زيد مع ذكر مثله بعده وصفا أو خبرا، يستلزم وصف الشيء بنفسه، أو الإخبار عنه بنفسه، وكلاهما ممتنع.
الثاني: أن المتكلم بذلك إنما يقصد نفي مسمى العَلم المقرون بلا، فإذا قدر مثل لزم خلاف المقصود، لأن نفي مثل الشيء لا تعرض فيه لنفي ذي المثل.
الثالث: أن العلم المعامل بها قد يكون انتفاء مثله معلوما لكل أحد، فلا يكون في نفيه فائدة نحو: لا بصرة لكم، ولا أبا حسن لها، ولا قريش بعد اليوم.
وأما التقدير الثاني والثالث فلا يصح اعتبارهما مطلقا، فإن من الأعلام ما له مسميات كثيرة كأبي حسن وقيصر. فتقدير ما كان هكذا بلا مسمى بهذا الاسم، أو بلا واحد من مسمياته لا يصح، لأنه كذب، فالصحيح أن لا يقدر هذا النوع بتقدير واحد، بل يقدر ما ورد فيه بما يليق به، وبما يصلح له. فيقدر: لا زيد مثله، بلا واحد من مسميات هذا الاسم مثله، ويقدر: لا أبا حسن لها، ولا كسرى بعده، ولا قيصر بعده، بلا مثل أبي حسن، ولا مثل كسرى، ولا مثل قيصر. وكذا: لا بصرة، ولا أمية، ولا عزى. ولا يضر في ذلك عدم التعرض لنفي المنكر، فإن سياق الكلام يدل على القصد.
وأجاز الفراء أن يقال: لا هو، ولا هي، على أن يكون الضمير اسم لا محكوما بتنكيره ونصبه. وأجاز: لا هذين لك، ولا هاتين لك، على أن يكون اسم الإشارة اسم لا محكوما بتنكيره.
وفي الأول من نحو: لا حول ولا قوة إلا بالله، الفتح بمقتضى التركيب، والرفع على إلغاء لا، أو على إعمالها عمل ليس. وفي الثانية عند فتح الأول الفتح بمقتضى التركيب، وجعل الكلام في تقدير جملتين، والنصب عطفا على موضع اسم لا، باعتبار عملها، وتقدير زيادة لا الثانية، والرفع عطفا على موضع اسمها، فإنها في موضع رفع بالابتداء، ولا الثانية على هذا زائدة للتوكيد، ويجوز إعمالها عمل ليس.
وفي الثاني عند رفع الأول الرفع عطفا على اللفظ وزيادة لا الثانية، أو على إعمالها عمل ليس، والفتح بمقتضى التركيب وجعل الكلام في تقدير جملتين.
وإن سقطت الثانية فتح الأول ورفع الثاني عطفا على معنى الابتداء، أو نصب عطفا على عمل لا، وحكى الأخفش: لا رجلَ وامرأةَ فيها، بفتح المعطوف دون تنوين، على تقدير: ولا امرأة، فحذفت لا وأبقى البناء مع نيتها، كما كان مع وجودها.
وتنصب صفة اسم لا أو ترفع مطلقا، أي في التركيب وعدمه، وفي اتصال الصفة وانفصالها، نحو: لا رجل ظريفا وظريف، ولا غلام رجل عندنا ذكيا أو ذكي، وكذا مع الانفصال، فالنصب باعتبار عمل لا، والرفع بتقدير عمل الابتداء، وجاز
اعتباره بعد دخول لا في التابع، صفة كان أو غيرها، وإن كان ذلك لا يجوز بعد دخول إنّ، لأن إنّ شبيهة بالأفعال الناسخة للابتداء في الاختصاص بالمبتدأ والخبر دون عروض، وفي كون ما دخلت عليه مفيدا بدون دخولها، ولقوتها لا يبطل عملها بالانفصال في نحو: إن فيها زيدا، بخلاف لا فإنها ضعيفة العمل بكونها فرعا، وكونها عارضة الاختصاص بالمبتدأ والخبر، وكون ما تدخل عليه في الأكثر لا يفيد بدون دخولها، نحو: لا رجل في الدار، فلو قيل: رجل في الدار، لم يفد، فلتوقف الإفادة على دخول لا، كانت هي واسمها بمنزلة مبتدأ، فجاز لذلك أن يعتبر عمل الابتداء بعد دخولها في الصفة وغيرها من التوابع المستعملة، وشُبّه اعتبار الابتداء في ذلك باعتباره في نحو: هل من رجل كريم في الدار، وما لكم من إله غيره.
وقد تجعل الصفة والموصوف كخمسة عشر، فيبنيان على الفتح، إن كانا مفردين متصلين نحو: لا رجلَ ظريفَ فيها.
وزعم ابن برهان أن صفة اسم "لا" لا ترفع إلا إذا كان الموصوف مركبا مع لا، وأن رفعها دليل على إلغاء لا، وحمله على ذلك أن العامل في الصفة هو العامل في الموصوف، والاسم المنصوب لا عمل للابتداء فيه، فلا عمل له في صفته، والاسم المبني على الفتح إن نصبت صفته دل ذلك عنده على الإعمال، وإذا رفعت دل ذلك عنده على الإلغاء. وما ذهب إليه غير صحيح، لأن إعمال لا المشار إليها عند استكمال شروطها جائز بإجماع العرب، والحكم عليها بالإلغاء دون نقصان الشروط حكم بما لا نظير له. وقوله: لا عمل للابتداء في الاسم المنصوب غير مسلم، بل له عمل في موضعه، كما له بإجماع عمل في موضع المجرور بمن في نحو: هل من رجل في الدار؟ فصح ما قلنا، وبطل ما ادعاه، ولا قوة إلا بالله.
وللبدل في هذا الباب النصب باعتبار عمل لا إن كان صالحا لعملها، نحو: لا أحد فيها رجلا ولا امرأة، ولا مال له دينارا ولا درهما. والرفع باعتبار عمل الابتداء نحو: لا أحد فيها رجلٌ ولا امرأة، ولا مال له دينارٌ ولا درهم. فلو لم يصلح البدل لعمل لا تعين الرفع نحو: لا أحد فيها زيد ولا عمرو.
وإذا كرر اسم لا المركب معها دون فصل جاز تركيب الأول والثاني كما ركب الموصوف والصفة، وجاز فيه النصب، وذلك كقولك: لا ماءَ ماءَ باردا لنا، ولا ماءَ ماءً باردا.
وإذا اقترنت همزة الاستفهام بلا في غير تمن وعرض، فللا مع مصحوبها من تركيب وعمل وإلغاء ما كان لها قبل الاقتران، فيقال: ألا رجلَ في الدار، بالفتح وحده، وألا صاحبَ معروفٍ فيها بالنصب وحده، وألا ارعواء ولا حياء لمن شاب قذاله، بالأوجه الخمسة كما كان يقال مع عدم الهمزة، فمن ذلك قول حسان رضي الله عنه:
ألا طِعانَ ألا فُرسانَ عاديةٌ
…
إلا تجَشُّوُكم حولَ التَّنانير
وقال آخر:
ألا ارعواءَ لمنْ ولّتْ شبيبَتُه
…
وآذنت بمشيب بعده هَرَمُ
وأكثر وقوع هذا النوع إذا لم يقصد تمَن ولا عرض في توبيخ وإنكار، كما سبق في بيت حسان والبيت الذي بعده. وزعم أبو علي الشلوبين أنه لا يقع لمجرد الاستفهام عن النفي دون إنكار وتوبيخ، ورد على الجزولي إجازة ذلك. والصحيح أن ذلك جائز، ولكنه قليل، ومنه قول الشاعر:
ألا اصطبار لسلمى أمْ لها جَلَد
…
إذا أُلاقي الذي لاقاه أمثالي
وإذا قصد بألا العرض فلا يليها إلا فعل ظاهر أو مقدر، أو معمول فعل مؤخر، فمن إيلائها فعلا ظاهرا قوله تعالى:(ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم) و:
(ألا تحبون أن يغفر الله لكم). ومن إيلائها معمول فعل مقدر قول الشاعر:
ألا رجلا جزاه اللهُ خيرا
…
يدل على مُحَصِّلة تَبِيت
أراد: ألا تروني، وهذا تقدير الخليل، وجعله يونس مبنيا، وفتحته فتحة بناء، وتنوينه اضطرار.
وإذا قصد بألا معنى التمني فهي عند المازني والمبرد كألا المقصود بها الإنكار والتوبيخ، أعني أن لها مع مصحوبها في التمني من تركيب وعمل وإلغاء ما كان للا مجردة من الهمزة. ومذهب سيبويه أن لها في التمني مع مصحوبها ما كان لها مجردة إلا أنها لا تلغى، ولا يعتبر في تابع اسمها معنى الابتداء كما لا يعتبر مع ليت، ومثال ووردها في تمن قول الشاعر:
ألا عُمْرَ ولّى مستطاع رجوعُه
…
فيرْأبَ ما أثْأت يد الغفلات
فنصب يرأب لأنه جواب تمَن مقرون بالفاء.
ويجوز إجراء "لا" مجرى ليس فيما لا يقصد به تمَن من مواضع إعمالها إن لم يقصد التنصيص على العموم بلفظ ما وليها، فعند ذلك لا يجوز إجراؤها مجرى ليس، لأنها إذا جرت مجرى ليس جاز أن يكون العموم مقصودا وغير مقصود.