الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المفعول له
ص: وهو المصدر المعلَّل به حدث شاركه في الوقت والفاعل تحقيقا أو تقديرا، وينصبه مفهم الحدث ظاهرا أو مقدرا نصب المفعول به المصاحب في الأصل حرف جرّ، لا نصبَ نوع المصدر خلافا للزجاج. وإن تغاير الوقت أو الفاعل أو عدمت المصدرية جُرَّ باللام أو ما في معناها. وجرُّ المستوفِي لشروط النصب مقرونا بألْ أكثر من نصْبه، والمجرّد بالعكس، ويستوي الأمران في المضاف. ومنهم مَن لا يشترط اتحاد الفاعل.
ش: المفعول له هو ما دلّ على مراد الفاعل من الفعل كدلالة التأديب من قولك ضربته تأديبا. فإن لم يكن مصدرا ولا أنْ وأنَّ ظاهرة فلا بد من لام الجر أو ما في معناها نحو (خلق لكم ما في الأرض جميعا) و (أنزلنا إليك الذكر لتُبيِّن للناس ما نُزِّل إليهم)، وكذا إن كان مصدرا ووقته غير وقت المعلّل به كقول امرئ القيس:
فجئتُ وقد نَضَّتْ لِنوم ثيابَها
…
لدى الستر إلَّا لِبْسَةَ المُتَفَضِّلِ
وكذا إن كان مصدرا وفاعله غير فاعل المعلَّل به كقول الشاعر:
وإني لَتَعْوني لذِكراكِ هزَّةٌ
…
كما انْتفض العصفورُ بَلّلهُ القَطْرُ
فلو كان الفاعل واحدا ولم يذكر لكان الحكم مثل ما هو مع وحدته إذا ذكر، وذلك نحو: ضُرب الصبيُّ تأديبا. وكذا لو كان الفاعل غير واحد في اللفظ وواحدا
في التقدير كقول النابغة:
وحَلّتْ بُيوتي في يَفاع ممنَّعٍ
…
يُخالُ به راعي الحمولة طائرا
حِذارا على ألّا تنال مَقادتي
…
ولا نِسْوتي حتّى يَمُتْنَ حرائرا
فإن فاعل حلّت في الظاهر غير فاعل حذارا وهو في التقدير واحد، لأن المعنى وأحْلَلتُ بيوتي حذارا.
وكذا قوله تعالى (يُريكم البرقَ خوفا وطمعا) لأن معنى يُريكم يجعلكم تَرون، ففاعل الرؤية فاعل الخوف والطمع في التقدير، فلا يلزم جعل خوفا وطمعا حالين كما زعم الزمخشري، ولا كون التقدير يريكم البرق إراءة خوف وطمع.
وقد يكون عامل المفعول محذوفا، ومنه حديث محمود بن لبيد الأشهلي "قالوا ما جاء بك يا عمرو؟ أحَرْبا على قومك أم رغبةً في الإسلام" أي جئت حربا أو رغبة. وأجاز ابن خروف حذف الجار مع عدم اتحاد الفاعل من كل وجه نحو جئتك حذر زيد الشرّ، وزعم أنه لم ينصّ على منعه أحد من المتقدمين، قال ومن حجة مَن أجازه شبهه في عدم اتخاذ الفاعل بقولهم ضربته ضربَ الأمير اللصّ، فكما نصب الفعل في هذا المصدر وفاعلهما غيران، إذ لا محذور في ذلك من لَبْس ولا غيره. وظاهر كلام سيبويه يشعر بالجواز، لأنه قال بعد أمثلة المفعول له: فهذا كله ينتصب لأنه مفعول له، كأنه قيل له: لمَ فعلتَ كذا؟ فقال: لكذا، ولكنه لمّا طرح اللام عمل فيه ما قبله كما عمل في "دَأبَ بكارٍ" ما قبله حين طرح "مثل". يشير إلى قول الراجز:
إذا رأتني سَقطت أبصارُها
…
دأبَ بِكارٍ شايحتْ بكارُها
فشبّه انتصاب المفعول له بانتصاب المصدر المشبّه به، وفاعل المشبّه به غير فاعل ناصبه، فكذلك لا يمتنع أن يكون فاعل المفعول له غير فاعل ناصبه. وهذا بيّن والله أعلم. وأجاز ابن خروف في قول الشاعر:
مَدَّتْ عليك المُلكَ أطنابَها
…
كأسٌ رَنَوْناةٌ وطِرْفٌ طِمِرَّ
على أن يكون نصب الملك على أنه مفعول له وأطنابها على أن يكون مفعولا به.
والمعنى أن هذا المخاطب تكون همته مقصورة على الأكل والشرب وشبههما. ورجح هذا الوجه على وجه غيره، وهو أن يكون الملك مفعولا به وأطنابها بدل والضمير عائد على الملك بتأويل الخلافة.
وزعم الزجاج أن المفعول له منصوب نصب نوع المصدر، ولو كان كذلك لم يجز دخول لام الجر عليه كما لا يدخل على الأنواع نحو سار الجمَزَى وعَدا البشَكَى، ولأن نوع المصدر يصح أن يضاف إليه كل ويخبر عنه بما هو نوع له كقولك كل جَمزَى سَيْرٌ، ولو فعل ذلك بالتأديب والضرب من قولك ضربته تأديبا لم يصح، فثبت بذلك فساد مذهب الزجاج.
وانجرار المستوفي لشروط النصب جائز مختصا كان بالألف واللام كقول الراجز:
لا أقْعُدُ الجُبْنَ عن الهَيْجاءِ
…
ولو توالتْ زُمَرُ الأعداءِ
أو مضافا كقول حاتم:
وأغْفِرُ عَوْراءَ الكريم ادّخاره ? أو غير مختص كقوله أعني حاتما:
وأُعرِضُ عن شَتْم اللئيم تكرُّما
إلا أن انجرار المختص بالألف واللام أكثر من نصبه، ونصب غير المختص أكثر من انجراره، ويستوي الأمران في المختص بالإضافة.
وزعم الجزولي أنه لا يكون المنجرّ إلا مختصّا، يعني أنه لا يقال جئته لإعظام لك.
قال أبو علي الشلوبين: وهذا غير صحيح، بل هو جائز لأنه لا مانع يمنع منه ولا أعرف له سلفا في هذا القول. قلت ويمكن أن يكون القسط في قوله تعالى:(ونَضَعُ الموازينَ القِسْطَ) مفعولا له لأنه مستوفٍ للشروط.
والجر في هذا الباب إما باللام وهو الكثير، وإما بمن كقوله تعالى:(خاشِعا متصدِّعا من خشية الله) وإما بالباء كقوله (فبِظُلم من الذين هادوا حَرّمنا)، وبفي كقوله صلى الله عليه وسلم "إنَّ امرأةً دخلتْ النارَ في هِرَّة" أي من أجل هرَّة.