الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابٌ) هُوَ فِي الْعُرْفِ مَعْرُوفٌ وَفِي اللُّغَةِ فُرْجَةٌ فِي سَاتِرٍ يُتَوَصَّلُ بِهَا مِنْ دَاخِلٍ إلَى خَارِجٍ وَعَكْسُهُ حَقِيقَةٌ فِي الْأَجْسَامِ كَبَابِ الدَّارِ مَجَازٌ فِي الْمَعَانِي كَ
بَابِ الطَّهَارَةِ
وَفِي الِاصْطِلَاحِ اسْمٌ لِطَائِفَةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ مُشْتَرَكَةٍ فِي حُكْمٍ وَالْبَابُ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ إمَّا مَرْفُوعٌ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَوْ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَوْ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَوْ مَوْقُوفٌ عَلَى حَدِّ مَا قِيلَ فِي الْأَعْدَادِ الْمَسْرُودَةِ وَاعْتُرِضَ الْإِعْرَابُ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الِابْتِدَاءُ بِالنَّكِرَةِ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُسَوِّغَ لِلِابْتِدَاءِ هُنَا وُقُوعُ الْخَبَرِ جَارًّا وَمَجْرُورًا، وَهُوَ إذَا وَقَعَ خَبَرًا عَنْ نَكِرَةٍ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهَا لِيَسُوغَ الِابْتِدَاءُ بِهَا فَهُوَ هُنَا يُقَدَّرُ مُقَدَّمًا عَلَيْهَا وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ مَقَاصِدُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ فِيمَا يَبْتَدِئُونَ بِهِ كُتُبَهُمْ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ أَغْرَاضِهِمْ فِيمَا قَصَدُوا تَبْيِينَهُ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِأَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَهِيَ الِاعْتِقَادَاتُ الْمُسَمَّاةُ بِأُصُولِ الدِّينِ وَأَعْمَالُ الْجَوَارِحِ الظَّاهِرَةِ الْمُسَمَّاةُ بِالْفُرُوعِ
ــ
[حاشية العدوي]
الْخُطْبَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْكَرِيمِ الْوَهَّابِ وَهَّابِ الْعَطَايَا وَمُسَبِّبِ الْأَسْبَابِ نَتَوَسَّلُ إلَيْك بِجَاهِ الْحَبِيبِ أَنْ تُبَلِّغَ الْمَقَاصِدَ عَنْ قَرِيبٍ فَإِنَّك قَرِيبٌ مُجِيبٌ.
[بَابُ الطَّهَارَةِ]
(بَابُ الطَّهَارَةِ)(قَوْلُهُ بَابٌ) قَالَ ابْنُ مَحْمُودٍ شَارِحُ أَبِي دَاوُد وَقَدْ اُسْتُعْمِلَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ زَمَنَ التَّابِعِينَ ذَكَرَهُ الْمُنَاوِيُّ (قَوْلُهُ هُوَ فِي الْعُرْفِ مَعْرُوفٌ) ، وَهُوَ الْجِسْمُ الْمَعْرُوفُ الْمُرَكَّبُ مِنْ خَشَبٍ وَمِنْ مَسَامِيرَ وَقَوْلُهُ وَفِي اللُّغَةِ إلَخْ فَإِذَنْ الْخَشَبُ الْمَعْرُوفُ لَا يُقَالُ فِيهِ لُغَةً بَابٌ (قَوْلُهُ فِي الْأَجْسَامِ) أَيْ حَقِيقَةً لُغَوِيَّةً فِي دَاخِلِ الْأَجْسَامِ الَّذِي هُوَ الْفُرْجَةُ (قَوْلُهُ مَجَازٌ فِي الْمَعَانِي) مَجَازُ اسْتِعَارَةٍ بِأَنْ شَبَّهَ الْأَلْفَاظَ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا يُتَوَصَّلُ بِهَا لِفَهْمِ الْمَعَانِي بِالْبَابِ الَّذِي هُوَ الْفُرْجَةُ وَاسْتُعِيرَ اسْمُ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ وَالْقَرِينَةُ حَالِيَّةٌ وَأَرَادَ بِالْمَعْنَى مَا قَابَلَ الذَّاتَ فَيَصْدُقُ بِاللَّفْظِ، فَإِنَّهُ مَعْنَى أَيْ لَيْسَ بِذَاتٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْمَعْنَى مَا قَابَلَ اللَّفْظَ وَقَوْلُهُ مَجَازٌ أَيْ لُغَةً فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِيهَا، وَهُوَ الْمُشَارَكَةُ بِقَوْلِهِ وَفِي الِاصْطِلَاحِ (قَوْلُهُ مِنْ الْمَسَائِلِ) أَرَادَ بِهَا الْقَضَايَا الْمَخْصُوصَةَ الدَّالَّةَ عَلَى الْمَعَانِي الْمَخْصُوصَةِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَدْلُولَ لِلتَّرَاجِمِ إنَّمَا هُوَ اللَّفْظُ لَا الْمَعْنَى (قَوْلُهُ مُشْتَرَكَةٍ فِي حُكْمٍ) كَبَابِ الْوُضُوءِ فَالْقَضَايَا الدَّالَّةُ عَلَى فَرَائِضِ الْوُضُوءِ وَسُنَنِهِ وَمُسْتَحَبَّاتِهِ وَمَكْرُوهَاتِهِ مُشْتَرَكَةٌ فِي حُكْمٍ، وَهُوَ كَوْنُهَا مُتَعَلِّقَةً بِالْوُضُوءِ وَالْمُرَادُ مُشْتَرَكُ مَدْلُولِهَا كَمَا ظَهَرَ (قَوْلُهُ وَالْبَابُ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ) أَيْ لَا فِي كُلِّ مَوَاضِعِهِ هَذَا ظَاهِرُهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ فِي كُلِّ مَوَاضِعِهِ يَأْتِي فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّ الِاعْتِرَاضَ بِلُزُومِ الِابْتِدَاءِ بِالنَّكِرَةِ لَا يَأْتِي فِي مِثْلِ قَوْلِ الرِّسَالَةِ بَابُ مَا يَجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءُ فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ) أَيْ فِي الطَّهَارَةِ بَابٌ (قَوْلُهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ) أَيْ هَذَا بَابٌ (قَوْلُهُ أَوْ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ) وَيُقَالُ وَيُبْعِدُهُ الرَّسْمُ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عَلَى لُغَةِ رَبِيعَةَ (قَوْلُهُ أَوْ مَوْقُوفٌ عَلَى حَدِّ مَا قِيلَ إلَخْ) أَيْ مَوْقُوفٌ لَا مُعْرَبٌ وَلَا مَبْنِيٌّ وَقَوْلُهُ عَلَى حَدِّ مَا قِيلَ أَيْ عَلَى طَرِيقَةٍ هِيَ مَا قِيلَ إلَخْ أَيْ أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ، وَقِيلَ مَبْنِيٌّ لِلشَّبَهِ الْإِهْمَالِيِّ، وَهِيَ أَنَّهَا عَامِلَةٌ وَلَا مَعْمُولَةٌ، وَأَمَّا دَعْوَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ وَكُسِرَ آخِرُهُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ فِي نَحْوِ بَابِ الطَّهَارَةِ فَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا وَجْهَ لِبِنَائِهِ إلَّا أَنْ يُرَاعِيَ قَبْلَ التَّرْكِيبِ وَالْقَوْلَ بِالْبِنَاءِ حِينَئِذٍ (قَوْلُهُ وُقُوعُ الْخَبَرِ إلَخْ) فِي عِبَارَتِهِ تَنَافٍ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَوَّلًا أَنَّ الْمُسَوِّغَ وُقُوعُ الْخَبَرِ جَارًّا وَمَجْرُورًا وَقَوْلُهُ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّ التَّقْدِيمَ هُوَ الْمُسَوَّغُ وَالتَّحْقِيقُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنَّ الْمُسَوِّغَ إنَّمَا هُوَ كَوْنُ الْخَبَرِ جَارًّا وَمَجْرُورًا وَالتَّقْدِيمُ إنَّمَا يُرْتَكَبُ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَّرَهُ يُتَوَهَّمُ كَوْنُهُ نَعْتًا؛ لِأَنَّ طَلَبَ النَّكِرَةِ لِلنَّعْتِ طَلَبٌ حَثِيثٌ لِلتَّخْصِيصِ (قَوْلُهُ فِيمَا يَبْتَدِئُونَ) أَيْ مَقَاصِدَهُمْ الْكَائِنَةَ فِي الشَّيْءِ الَّذِي يَبْتَدِئُونَ بِهِ كُتُبَهُمْ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ مَقْصُودًا ذَلِكَ الْخَاصُّ أَوْ فِي بِمَعْنَى مِنْ (قَوْلُهُ بِحَسَبِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِاخْتِلَافِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ أَغْرَاضِهِمْ) أَيْ مَقَاصِدِهِمْ وَقَوْلُهُ فِيمَا قَصَدُوا إلَخْ مِنْ ظَرْفِيَّةِ الْعَامِّ فِي الْخَاصِّ مَقْصُودًا ذَلِكَ الْخَاصُّ مَا تَقَدَّمَ أَوْ فِي بِمَعْنَى مِنْ (قَوْلُهُ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ) مِنْ بَيَانٌ لِمَا وَالْمُبَيَّنُ تِلْكَ الْأَحْكَامُ إمَّا بِاعْتِبَارِ ذَوَاتِهَا وَأَصْلِهَا أَوْ بِاعْتِبَارِهَا كُلِّهَا دُونَ أَصْلِهَا أَوْ بِاعْتِبَارِ بَعْضِهَا فَالْأَوَّلُ كَالْبُخَارِيِّ فَإِنَّهُ أَرَادَ التَّعَرُّضَ لَهَا، وَأَصْلُهَا نَاسَبَ الِابْتِدَاءَ بِالْأَصْلِ وَالثَّانِي كَابْنِ أَبِي زَيْدٍ فَإِنَّهُ لَمَّا أَرْدَاهَا كُلَّهَا دُونَ أَصْلِهَا لَمْ يَبْتَدِئْ بِالْأَصْلِ وَنَاسَبَ الِابْتِدَاءُ بِأُصُولِ الدِّينِ؛ لِأَنَّ الْفَرْعِيَّةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَيْهِ وَالثَّالِثُ كَخَلِيلٍ فَإِنَّهُ أَرَادَ الْفَرْعِيَّةَ فَقَطْ فَلَمْ يُنَاسِبْ الِابْتِدَاءُ بِالْأَصْلِ وَلَا بِأُصُولِ الدِّينِ وَنَاسَبَ الِابْتِدَاءُ بِمَا اقْتَضَى الْمَقَامُ عِنْدَ كُلِّ الِابْتِدَاءِ بِهِ كَمَا تَبَيَّنَ فَتَدَبَّرْ، وَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ أَحْكَامٌ هِيَ الشَّرِيعَةُ (قَوْلُهُ بِأَعْمَالِ الْقُلُوبِ) مِنْ تَعَلُّقِ الْمُتَعَلِّقِ بِكَسْرِ اللَّامِ بِالْمُتَعَلَّقِ بِفَتْحِهَا وَتِلْكَ الْأَحْكَامُ النِّسَبُ التَّامَّةُ (قَوْلُهُ وَهِيَ الِاعْتِقَادَاتُ) تَفْسِيرٌ لِأَعْمَالِ الْقُلُوبِ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ اللَّفْظُ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَهُوَ التَّصْدِيقُ عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يُجَوِّزُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ الْمُسَمَّاةُ) أَيْ الِاعْتِقَادَاتُ أَيْ مُتَعَلِّقُهَا، وَهِيَ الْأَحْكَامُ بِمَعْنَى النِّسَبِ التَّامَّةِ وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ أُصُولَ الدِّينِ النِّسَبُ التَّامَّةُ كَنِسْبَةِ قَوْلِك اللَّهُ قَادِرٌ اللَّهُ مُرِيدٌ اللَّهُ سَمِيعٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَيَصِحُّ قَوْلُهُ وَهِيَ أَيْ أَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ الِاعْتِقَادَاتُ أَيْ الْمُعْتَقَدَاتُ (قَوْلُهُ أَعْمَالِ الْجَوَارِحِ) مَعْطُوفٌ عَلَى أَعْمَالِ الْقُلُوبِ (قَوْلُهُ الظَّاهِرَةِ) أَيْ الْجَوَارِحِ الْمَوْصُوفَةِ بِكَوْنِهَا ظَاهِرَةً احْتِرَازًا عَنْ الْجَارِحَةِ الْبَاطِنَةِ الَّتِي هِيَ الْقَلْبُ أَوْ صِفَةٌ لِلْأَعْمَالِ أَيْ الْأَعْمَالِ الْمَوْصُوفَةِ بِالظُّهُورِ احْتِرَازًا مِنْ الِاعْتِقَادَاتِ فَإِنَّهَا، وَإِنْ كَانَتْ أَفْعَالًا إلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ ظَاهِرَةً (قَوْلُهُ الْمُسَمَّاةُ بِالْفُرُوعِ) صِفَةٌ لِأَعْمَالٍ أَيْ الْمُسَمَّاةِ تِلْكَ الْأَعْمَالُ بِالْفُرُوعِ أَيْ الْمُسَمَّى أَحْكَامُ تِلْكَ الْأَعْمَالِ بِالْفُرُوعِ وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْفُرُوعَ هِيَ الْأَحْكَامُ، وَهِيَ النِّسَبُ التَّامَّةُ وَهِيَ أَحْكَامُ الْأَعْمَالِ أَيْ أَحْكَامٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْأَعْمَالِ فَثُبُوتُ الْوُجُوبِ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْوُضُوءِ مَثَلًا الَّذِي هُوَ عَمَلٌ مِنْ الْأَعْمَالِ
فَابْتَدَأَ الْبُخَارِيُّ بِبَيَانِ بَدْءِ الْوَحْيِ لِقَصْدِ بَيَانِ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَمَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَغَيْرِهِ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ وَابْتَدَأَ مُسْلِمٌ بِكِتَابِ الْإِيمَانِ؛ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الشَّرِيعَةَ تَقَرَّرَتْ وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إلَى بَيَانِ أَحْكَامِهَا الْأُصُولِيَّةِ وَالْفَرْعِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي قَصَدَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي ابْتِدَاءِ رِسَالَتِهِ بِالْكَلَامِ فِي الْعَقَائِدِ وَمَنْ لَمْ يَبْتَدِئْ بِبَيَانِ الْعَقَائِدِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ رَأَى أَنَّ الْكَلَامَ إنَّمَا هُوَ فِي فُرُوعِ الدِّينِ وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ تَقَرُّرِ الْعَقَائِدِ الَّذِي هُوَ الْوَاجِبُ الْأَوَّلُ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مَا هُوَ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ أَوْ جُلُّهُمْ ابْتَدَءُوا بِالْكَلَامِ فِي أَوَّلِ أَرْكَانِ الْفُرُوعِ الَّتِي بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَيْهَا، وَهُوَ الصَّلَاةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ بَعْدَ رُكْنِ الْأَصْلِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الشَّهَادَتَانِ تَبَرُّكًا بِالْحَدِيثِ وَلِأَنَّهَا مِنْ الدِّينِ كَالرَّأْسِ مِنْ الْجَسَدِ، ثُمَّ لَا يَتَحَدَّثُونَ بَعْدَهَا فِي الْغَالِبِ إلَّا فِي بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّ مَقَاصِدَهُمْ اخْتَلَفَتْ هُنَا أَيْضًا فَمَنْ ابْتَدَأَ بِالْكَلَامِ فِي الطَّهَارَةِ وَهُمْ الْأَكْثَرُونَ رَأَوْا أَنَّهَا مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الَّتِي بِهِ تُدْخَلُ وَالْكَلَامُ فِي الشَّرْطِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ بِبَيَانِ بَدْءِ الْوَحْيِ) أَيْ ابْتِدَاءِ الْوَحْيِ أَيْ فَابْتَدَأَ الْبُخَارِيُّ بِبَيَانِ ابْتِدَاءِ الْوَحْيِ الْوَحْيُ لُغَةً الْإِعْلَامُ فِي خَفَاءٍ وَفِي اصْطِلَاحِ الشَّرْعِ إعْلَامُ اللَّهِ تَعَالَى أَنْبِيَاءَهُ الشَّيْءَ إمَّا بِكِتَابٍ أَوْ رِسَالَةِ مَلَكٍ أَوْ مَنَامٍ أَوْ إلْهَامٍ أَيْ تَبْيِينِ الْحَالِ الْوَاقِعِ فِي ابْتِدَاءِ الْوَحْيِ كَمَا أَشَارَ لَهُ الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِيثِ «فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ لَهُ اقْرَأْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا أَنَا بِقَارِئٍ قَالَ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ بِفَتْحِ الْجِيمِ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ فَقُلْتُ مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ اقْرَأْ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] {خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق: 2] {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} [العلق: 3] فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ» إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ (قَوْلُهُ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ) أَيْ أَصْلِ الشَّرِيعَةِ الَّذِي هُوَ الْوَحْيُ الْأَوَّلُ وَجُمِعَ لِعِظَمِهِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَحْيَ الْأَوَّلَ أَسَاسُ الْأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ وَالْأَصْلِيَّةِ وَقَوْلُهُ وَمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ إلَخْ أَيْ الْمُحْتَوِي عَلَى الشَّرِيعَةِ وَقَوْلُهُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ أَيْ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ أَسَاسُهَا (قَوْلُهُ تَقَرَّرَتْ) أَيْ ثَبَتَتْ حَقِيقَتُهَا بِالْوَحْيِ الْأَوَّلِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ أَحْكَامِهَا) أَيْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ وَيُرَادُ بِالْأَحْكَامِ الْأُصُولِيَّةِ الْأَحْكَامُ الِاعْتِقَادِيَّةُ (قَوْلُهُ وَالْفَرْعِيَّةِ) هِيَ الْأَحْكَامُ الْفِقْهِيَّةُ وَالْأُصُولِيَّةُ نِسْبَةً لِلْأُصُولِ مِنْ نِسْبَةِ الْخَاصِّ لِلْعَامِّ إنْ أُرِيدَ بِالْأُصُولِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهَا مُطْلَقُ أُصُولٍ أَوْ مِنْ نِسْبَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ لِقَصْدِ الْمُبَالَغَةِ إنْ أُرِيدَ الْقَوَاعِدُ الْمَعْلُومَةُ وَقَوْلُهُ وَالْفَرْعِيَّةُ مِنْ نِسْبَةِ الْجُزْئِيَّاتِ لِكُلِّيِّهَا وَالْفَرْعُ هُوَ الْحُكْمُ الْمُسْتَنْبَطُ بِالِاجْتِهَادِ مِنْ الدَّلِيلِ التَّفْصِيلِيِّ وَلْنُمْسِكْ عِنَانَ الْقَلَمِ عَنْ التَّطْوِيلِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ بَيَانُ أَحْكَامِهَا الْأُصُولِيَّةِ وَالْفَرْعِيَّةِ (قَوْلُهُ فِي ابْتِدَاءِ رِسَالَتِهِ) أَيْ مِنْ أَجْلِ ابْتِدَاءِ رِسَالَتِهِ بِالْكَلَامِ إلَخْ أَيْ مِنْ أَجْلِ جَمْعِهِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ مُبْتَدِئًا بِالْكَلَامِ أَيْ التَّكَلُّمِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ فِي فُرُوعِ الدِّينِ) أَيْ الَّتِي هِيَ الْأَحْكَامُ الْفِقْهِيَّةُ أَيْ رَأَى أَنَّ الْكَلَامَ أَيْ التَّكَلُّمَ الْمُحْتَاجَ لَهُ إنَّمَا هُوَ مِنْ فُرُوعِ الدِّينِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ بَعْدَ أَنْ تَقَرَّرَتْ الْعَقَائِدُ أَيْ اُعْتُقِدَتْ وَجُزِمَ بِهَا جَزْمًا مُطَابِقًا لِلْحَقِّ عَنْ دَلِيلٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِهَا، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ لِبَيَانِ الْأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ، وَقَوْلُهُ الَّذِي هُوَ الْوَاجِبُ الْأَوَّلُ أَيْ التَّقْرِيرُ بِمَعْنَى عِلْمِهَا وَاعْتِقَادِهَا بِالدَّلِيلِ، وَإِضَافَةُ فُرُوعٍ إلَى الدِّينِ مِنْ إضَافَةِ الْجُزْءِ إلَى الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الدِّينَ مَجْمُوعُ الْأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ وَالْأَصْلِيَّةِ (قَوْلُهُ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ) فَقِيلَ أَوَّلُ وَاجِبٍ مَعْرِفَةُ اللَّهِ قَالَ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ
وَاجْزِمْ بِأَنَّ أَوَّلًا مِمَّا يَجِبُ
مَعْرِفَةُ إلَخْ، وَهُوَ الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِهِ الَّذِي هُوَ الْوَاجِبُ الْأَوَّلُ عَلَى اخْتِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَعْرِفَةَ اللَّهِ يَصْدُقُ عَلَيْهَا تَقَرُّرُ عَقَائِدَ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَتَضَمَّنُ مَعْرِفَةَ وُجُودِهِ وَمَعْرِفَةَ قِدَمِهِ وَمَعْرِفَةَ بَقَائِهِ وَقِيلَ الْوَاجِبُ الْأَوَّلُ النَّظَرُ وَقِيلَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ مِنْ النَّظَرِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَوْ جُلُّهُمْ) يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ أَوْ لِلشَّكِّ أَوْ الْإِضْرَابِ (قَوْلُهُ بِالْكَلَامِ) أَيْ التَّكَلُّمِ (قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ أَرْكَانِ) أَيْ فِي أَحْكَامِ أَوَّلِ إلَخْ (قَوْلُهُ الْفُرُوعِ) أَيْ فَالصَّلَاةُ بَيْنَ أَرْكَانِ الْفُرُوعِ لَا يَخْفَى أَنَّ الْفُرُوعَ هِيَ الْأَحْكَامُ الْفِقْهِيَّةُ وَأَرْكَانُهَا خَمْسَةٌ فَالرُّكْنُ الْأَوَّلُ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ الصَّلَاةُ وَجَعَلَهَا أَرْكَانًا لِلْفُرُوعِ مِنْ حَيْثُ إنَّ إثْبَاتَهَا مُتَوَقِّفٌ عَلَى إقَامَتِهَا (قَوْلُهُ الَّتِي بُنِيَ) صِفَةُ أَرْكَانِ الْفُرُوعِ مِنْ بِنَاءِ الْكُلِّ عَلَى مُعْظَمِ أَجْزَائِهِ أُرِيدَ بِالْإِسْلَامِ الْإِسْلَامُ الْكَامِلُ، وَهُوَ مَجْمُوعُ الْأَعْمَالِ الشَّامِلِ لِلْخَمْسَةِ وَغَيْرِهَا أَوْ أُرِيدَ بِهِ النَّاقِصُ، وَهُوَ الْإِذْعَانُ الظَّاهِرِيُّ الْمَبْنِيُّ عَلَى الْإِذْعَانِ الْبَاطِنِيِّ (قَوْلُهُ وَهِيَ الصَّلَاةُ) أَيْ أَوَّلُ أَرْكَانِ الْفُرُوعِ الصَّلَاةُ.
(قَوْلُهُ بَعْدَ رُكْنِ الْأَصْلِ) الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ أَيْ بَعْدَ رُكْنٍ هُوَ الْأَصْلُ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ تَبَرُّكًا إلَخْ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ ابْتَدَءُوا إلَخْ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهَا مِنْ الدِّينِ) أَيْ وَلِأَنَّهَا مِنْ جِهَةِ الدِّينِ كَالرَّأْسِ مِنْ الْجَسَدِ فَكَمَا لَا نِظَامَ لِلْجَسَدِ بِدُونِ الرَّأْسِ بَلْ يَتْلَفُ بِتَلَفِ الرَّأْسِ كَذَا لَا نِظَامَ لِلْأَحْكَامِ الْفَرْعِيَّةِ بِدُونِ الصَّلَاةِ إذْ بِضَيَاعِ الصَّلَاةِ تَضِيعُ الْأَحْكَامُ أَيْ فَتُنْسَى فَلَا يُعْمَلُ بِهَا وَبِحِفْظِهَا تُحْفَظُ الْأَحْكَامُ أَيْ لَا تُنْسَى فَيُنْتَفَعُ بِالْعَمَلِ بِهَا وَأَرَادَ بِالدِّينِ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ مِنْ كُلِّ طَاعَةٍ (قَوْلُهُ: ثُمَّ لَا يَتَحَدَّثُونَ بَعْدَهَا) أَيْ الصَّلَاةِ فِي الْغَالِبِ إلَخْ أَيْ وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ لَا يَتَكَلَّمُ عَلَى بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ وَقَوْلُهُ بَقِيَّةِ الْأَرْكَانِ أَيْ مِنْ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ (قَوْلُهُ هُنَا أَيْضًا) أَيْ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي لَمْ يَتَكَلَّمُوا فِيهِ فِي الْعَقَائِدِ (قَوْلُهُ فَمَنْ ابْتَدَأَ بِالْكَلَامِ فِي الطَّهَارَةِ) أَيْ مُتَعَلِّقَاتِ الطَّهَارَةِ وَسَيَأْتِي تَعْرِيفُ الطَّهَارَةِ (قَوْلُهُ أَيْضًا) أَيْ كَمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ الْأَوَّلُ الْمُبَيَّنُ بِقَوْلِهِ فَالْبُخَارِيُّ ابْتَدَأَ بِكَذَا إلَخْ (قَوْلُهُ الَّتِي) أَيْ الصَّلَاةُ تُدْخَلُ أَيْ بِالْمِفْتَاحِ أَيْ يُدْخَلُ فِيهَا وَلَمَّا كَانَتْ الْمِفْتَاحِيَّةُ عِبَارَةً عَنْ الشَّرْطِيَّةِ بَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ وَالْكَلَامُ فِي الشَّرْطِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْكَلَامِ فِي الْمَشْرُوطِ
وَمَنْ ابْتَدَأَ بِالْكَلَامِ فِي وُقُوتِ الصَّلَاةِ كَفِعْلِ الْإِمَامِ فِي الْمُوَطَّأِ رَأَى أَنَّ الْخِطَابَ بِالطَّهَارَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَقَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَيْهِ، ثُمَّ عَادَ إلَى الْكَلَامِ فِي الطَّهَارَةِ، ثُمَّ الَّذِينَ ابْتَدَءُوا بِالطَّهَارَةِ أَوْ ذَكَرُوهَا بَعْدَ الْعَقَائِدِ اخْتَلَفَتْ آرَاؤُهُمْ فِيمَا يُقَدِّمُونَ مِنْ أَنْوَاعِهَا فَمِنْهُمْ مَنْ ابْتَدَأَ بِذِكْرِ عَمَلِ الْوُضُوءِ كَالْمُدَوَّنَةِ وَابْنِ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّهُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ عِنْدَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ وَمِنْهُمْ مَنْ ابْتَدَأَ بِذِكْرِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ كَالرِّسَالَةِ؛ لِأَنَّهُ السَّابِقُ عَلَيْهِ عَادَةً وَمِنْهُمْ مَنْ ابْتَدَأَ بِذِكْرِ مَا يَكُونُ بِهِ الطَّهَارَةُ، وَهُوَ الْمَاءُ فِي الْغَالِبِ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يُوجَدْ هُوَ وَلَا بَدَلُهُ لَا تُوجَدُ الطَّهَارَةُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ سَابِقًا عَلَى الْكَلَامِ فِيهَا لِأَنَّهُ كَالْآلَةِ وَاسْتَدْعَى الْكَلَامُ فِيهِ الْكَلَامَ عَلَى الطَّهَارَةِ مِنْ الْأَشْيَاءِ وَالنَّجَسِ مِنْهَا لِكَيْ يُعْلَمَ مَا يُنَجِّسُ الَّذِي بِهِ تَكُونُ الطَّهَارَةُ وَمَا لَا يُنَجِّسُهُ وَمَا يَمْنَعُ التَّلَبُّسُ بِهِ مِنْ التَّقَرُّبِ بِالصَّلَاةِ وَمَا فِي حُكْمِهَا كَالطَّوَافِ وَمَا لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُؤَلِّفِ وَمَنْ سَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ جَرَتْ عَادَتُهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ أَنْ يَتَعَرَّضُوا لِبَيَانِ حَقَائِقَ سِتَّةٍ بَلْ سَبْعَةٍ وَهِيَ الطَّهَارَةُ وَالنَّجَاسَةُ وَالطَّاهِرُ وَالنَّجَسُ وَالطَّهُورِيَّةُ وَالتَّطْهِيرُ وَالتَّنْجِيسُ وَالتَّرْجَمَةُ الْمُضَافُ إلَيْهَا الْبَابُ هُنَا الطَّهَارَةُ وَعَلَيْهَا نَقْتَصِرُ عَلَى بَيَانِهَا وَمَا لِلِاخْتِصَارِ فَنَقُولُ الطَّهَارَةُ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَهِيَ لُغَةً النَّزَاهَةُ وَالنَّظَافَةُ مِنْ الْأَدْنَاسِ وَالْأَوْسَاخِ وَتُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي التَّنْزِيهِ عَنْ الْعُيُوبِ وَشَرْعًا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَهِيَ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا جَوَازَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ أَوْ لَهُ فَالْأُولَيَانِ مِنْ خَبَثٍ وَالْأَخِيرَةُ مِنْ حَدَثٍ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ رَأَى أَنَّ الْخِطَابَ بِالطَّهَارَةِ) أَيْ بِالْأَمْرِ الْمُحَصِّلِ لَهَا أَوْ أَرَادَ بِالطَّهَارَةِ التَّطْهِيرَ غَيْرَ مَا أَرَادَ ابْنُ عَرَفَةَ.
(قَوْلُهُ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ الْخِطَابَ أَيْ الْخِطَابُ بِهَا أَيْ طَلَبُهَا الْآتِي عَلَى طَرِيقٍ هِيَ الْوُجُوبُ مِنْ إتْيَانِ الْجِنْسِ عَلَى أَحَدِ أَنْوَاعِهِ أَيْ فِي أَحَدِ أَنْوَاعِهِ فَالْوُجُوبُ أَحَدُ أَنْوَاعِ الطَّلَبِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ عَادَ إلَى الْكَلَامِ فِي الطَّهَارَةِ) أَيْ رَجَعَ إلَى الْكَلَامِ فِي الطَّهَارَةِ أَيْ فِي الْأَحْكَامِ الَّتِي لَهَا ارْتِبَاطٌ بِالطَّهَارَةِ وَتَعَلُّقٌ بِهَا وَقَوْلُهُ، ثُمَّ الَّذِينَ ابْتَدَءُوا بِالطَّهَارَةِ أَيْ بِالْأَحْكَامِ الَّتِي لَهَا ارْتِبَاطٌ بِالطَّهَارَةِ الَّتِي هِيَ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ عَلَى مَا يَأْتِي (قَوْلُهُ ابْتَدَءُوا بِالطَّهَارَةِ) أَيْ الَّذِينَ لَمْ يَتَكَلَّمُوا عَلَى الْعَقَائِدِ وَقَوْلُهُ أَوْ ذَكَرُوهَا بَعْدَ الْعَقَائِدِ انْتِقَالٌ لِمَا هُوَ أَعَمُّ (قَوْلُهُ مِنْ أَنْوَاعِهَا) أَيْ الطَّهَارَةِ أَرَادَ بِأَنْوَاعِهَا مَالَهُ ارْتِبَاطٌ بِهَا الْمُبَيَّنُ بِمَا يَأْتِي (قَوْلُهُ عَمَلِ الْوُضُوءِ) أَيْ عَمَلٍ هُوَ الْوُضُوءُ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ السَّابِقُ) أَيْ؛ لِأَنَّ النَّاقِضَ سَابِقٌ عَلَيْهِ عَادَةً وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ نَاقِضًا لِلْوُضُوءِ يَكُونُ قَطْعًا مُتَأَخِّرًا عَنْهُ وَلَا يُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ السَّابِقُ عَلَيْهِ عَادَةً وَيُجَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالنَّاقِضِ الْمُوجِبَ تَأَمَّلْ وَقَوْلُهُ وَبِذِكْرِ مَا يَكُونُ بِهِ الطَّهَارَةُ أَيْ بِسَبَبِ الطَّهَارَةِ، وَهُوَ الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ أَوْ أَرَادَ بِهَا التَّطْهِيرَ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَقْدِيرٍ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يُوجَدْ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ بِذِكْرِ مَا يَكُونُ بِهِ الطَّهَارَةُ (قَوْلُهُ لَا تُوجَدُ الطَّهَارَةُ) أَيْ سَبَبُهَا مِنْ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ فِيهَا) أَيْ أَسْبَابِهَا (قَوْلُهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَاءِ (قَوْلُهُ حَقَائِقَ سِتَّةٍ بَلْ سَبْعَةٌ) اُنْظُرْ الْمُنْتَقَلَ عَنْهُ الَّذِي هُوَ السِّتَّةُ مَا هِيَ مِنْ السَّبْعَةِ وَلَعَلَّهُ مَا عَدَا الطَّهُورِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَهَا مُقَابِلٌ وَسَكَتَ عَنْ النَّجَسِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تُسْتَعْمَلْ فِي الشَّرْعِ وَلَوْ اُسْتُعْمِلَ لَقِيلَ فِي رَسْمِهَا صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا كَوْنَ الْمُلْقَى هُوَ فِيهِ نَجَسًا.
(قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ نَقْتَصِرُ) لَا يَخْفَى أَنَّ إتْمَامَ الْفَائِدَةِ بِذِكْرِ الْبَاقِي فَنَقُولُ الطَّاهِرُ هُوَ الْمَوْصُوفُ بِصِفَةٍ حُكْمِيَّةٍ أَوْجَبَتْ لَهُ جَوَازَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ وَالنَّجِسُ بِكَسْرِ الْجِيمِ هُوَ الْمَوْصُوفُ بِصِفَةٍ حُكْمِيَّةٍ أَوْجَبَتْ لَهُ مَنْعَ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ وَحَدُّ الطَّهُورِيَّةِ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَهِيَ كَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ مِنْ خَوَاصِّ الْمَاءِ لَا تَتَعَدَّاهُ لِسَائِرِ الْمَائِعَاتِ إجْمَاعًا صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا كَوْنَهُ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْمُزَالُ بِهِ نَجَاسَتُهُ طَاهِرًا وَضَمِيرُ بِهِ يَعُودُ عَلَى الْمَوْصُوفِ وَضَمِيرِ نَجَاسَتِهِ يَعُودُ عَلَى أَلْ الْمَوْصُولَةِ وَنَجَاسَتُهُ نَائِبُ الْفَاعِلِ وَطَاهِرًا خَبَرُ صَارَ فَالْمَوْصُوفُ بِالطَّهُورِيَّةِ هُوَ الْمَاءُ وَالْمُزَالُ بِهِ نَجَاسَتُهُ هُوَ الثَّوْبُ مَثَلًا فَالطَّهُورِيَّةُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِلْمَوْصُوفِ بِهَا الَّذِي هُوَ الْمَاءُ كَوْنَ ذَلِكَ الْمَاءِ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْمُزَالُ بِهِ نَجَاسَتُهُ، وَهُوَ الثَّوْبُ مَثَلًا بِذَلِكَ الْمَاءِ طَاهِرًا وَحَدُّ التَّطْهِيرِ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ أَوْ رَفْعُ مَانِعِ الصَّلَاةِ وَمِنْهُ يُتَعَقَّلُ حَدُّ ضِدِّهِ الَّذِي هُوَ التَّنْجِيسُ فَيُقَالُ هُوَ إلْقَاءُ النَّجَسِ بِطَاهِرٍ، وَأَمَّا الطُّهَارَةُ بِضَمِّ الطَّاءِ فَهِيَ فَضْلَةُ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ وَيُقَالُ لِتِلْكَ الْفَضْلَةِ طُهُورِيَّةٌ بِضَمِّ الطَّاءِ أَيْضًا، وَأَمَّا الطِّهَارَةُ بِالْكَسْرِ فَهِيَ مَا يُضَافُ إلَى الْمَاءِ مِنْ صَابُونٍ أَوْ غَاسُولٍ أَوْ نَحْوِهِمَا (قَوْلُهُ وَالنَّظَافَةُ) عَطْفُ مُرَادِفٍ (قَوْلُهُ وَالْأَوْسَاخِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ جَمْعُ وَسَخٍ مَا عَلَى الثَّوْبِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ قِلَّةِ التَّعَهُّدِ (قَوْلُهُ وَتُسْتَعْمَلُ مَجَازًا) أَيْ مَجَازَ اسْتِعَارَةٍ تَبِعَ فِيهِ الْحَطَّابَ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ لُغَةً فِي النَّظَافَةِ وَالْخُلُوصِ مِنْ الْأَدْنَاسِ حِسِّيَّةً كَانَتْ كَالْأَنْجَاسِ أَوْ مَعْنَوِيَّةً كَالْعُيُوبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [آل عمران: 55] أَيْ مُخَلِّصُك مِنْ أَدْنَاسِهِمْ {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل: 56] أَيْ يَتَنَزَّهُونَ عَنْ الْعَيْبِ
وَحِينَئِذٍ فَلَفْظُ الطَّهَارَةِ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَتَبِعَهُ فِي ذَلِكَ الرَّصَّاعُ وتت فِي شَرْحِهِ عَلَى الْجَلَّابِ (قَوْلُ جَوَازَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ أَوْ لِلتَّرْدِيدِ وَالتَّرْدِيدُ يُنَافِي التَّحْدِيدَ وَأُجِيبُ بِأَنَّ التَّرْدِيدَ فِي مُتَعَلِّقِ الْحَدِّ لَا فِي الْحَدِّ نَفْسِهِ فَيُقَالُ أَنَّ الصُّفَّةَ الْحُكْمِيَّةَ أَوْجَبَتْ جَوَازَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِالْإِطْلَاقِ إمَّا بِشَيْءٍ أَوْ فِي شَيْءٍ أَوْ لِشَيْءٍ، وَبِذَلِكَ يَنْدَفِعُ أَيْضًا مَا يَرِدُ مِنْ أَنَّ فِيهِ جَمْعَ حَقَائِقَ فِي حَدٍّ وَاحِدٍ، وَهُوَ طَهَارَةُ الْحَدَثِ وَطَهَارَةُ الْخَبَثِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجَمْعَ فِي الْمُتَعَلِّقِ أَوْ أَنَّ ذَلِكَ فِي قُوَّةِ تَعَارِيفَ لِكَوْنِ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ
وَيُقَابِلُهَا بِهَذَا الْمَعْنَى النَّجَاسَةُ فَيُقَالُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ أَيْضًا هِيَ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا مَنْعَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ انْتَهَى وَمَعْنَى قَوْلِهِ حُكْمِيَّةٌ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِهَا وَيُقَدَّرُ قِيَامُهَا بِمَحَلِّهَا وَلَيْسَتْ مَعْنًى وُجُودِيًّا قَائِمًا بِمَحَلِّهِ لَا مَعْنَوِيًّا كَالْعِلْمِ لِصَاحِبِهِ وَلَا حِسِّيًّا كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَقَوْلُهُ بِهِ أَيْ بِمُلَابِسِهِ فَيَشْمَلُ الثَّوْبَ وَالْبَدَنَ وَالْمَاءَ وَكُلَّ مَا يَجُوزُ لِلْمُصَلِّي مُلَابَسَتُهُ فَانْدَفَعَ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ طَهَارَةَ الْمَاءِ الْمُضَافِ وَقَوْلُهُ فِيهِ يُرِيدُ بِهِ الْمَكَانَ وَقَوْلُهُ يُرِيدُ بِهِ الْمُصَلِّيَ، وَهُوَ شَامِلٌ لِطَهَارَةِ الْمُصَلِّي مِنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدُ وَالْأَخِيرَةُ مِنْ حَدَثٍ يَخُصُّهُ بِهِ وَقَوْلُهُ فِي حَدِّ النَّجَاسَةِ تُوجِبُ مَنْعَ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ اقْتَصَرَ عَلَى هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ وَهُمَا الْمُعَبَّرُ عَنْهُمَا بِقَوْلِهِ فِي حَدِّ الطَّهَارَةِ فَالْأُولَيَانِ مِنْ خَبَثٍ وَلَمْ يَقُلْ أَوَّلُهُ كَمَا فِي حَدِّ الطَّهَارَةِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ شَرْعًا لِلْحَدَثِ نَجَاسَةٌ وَلَا لِلْمُحْدِثِ نَجَسٌ وَالضَّمِيرُ فِي بِهِ وَفِيهِ وَلَهُ عَائِدٌ عَلَى الْمَوْصُوفِ مِنْ قَوْلِهِ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا وَمَعْنَى
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ وَيُقَابِلُهَا بِهَذَا الْمَعْنَى) أَيْ، وَأَمَّا لَا بِهَذَا الْمَعْنَى فَلَا يُقَابِلُهَا النَّجَاسَةُ بِأَنْ أُرِيدَ مِنْ الطَّهَارَةِ رَفْعُ الْحَدَثِ وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ الطَّهَارَةُ وَاجِبَةٌ وَاسْتَظْهَرَ الْحَطَّابُ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الْمَعْنَيَيْنِ فَالْأَحْسَنُ التَّعَرُّضُ لِبَيَانِ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ الْوَاجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا مَنْعَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ إلَخْ) أَوْرَدَ عَلَى تَعْرِيفِ النَّجَاسَةِ أَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ لِشُمُولِهِ الثَّوْبَ الْمَغْصُوبَ وَالدَّارَ الْمَغْصُوبَةَ؛ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ أَنَّ بِهِ صِفَةً حُكْمِيَّةً تَمْنَعُ الصَّلَاةَ بِهِ أَوْ فِيهِ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ أَثَرُ الْغَصْبِ الَّذِي هُوَ مَانِعٌ مِنْ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِالشَّيْءِ الْمَغْصُوبِ أَوْ فِيهِ وَهُوَ تَعَلُّقُ حَقِّ الْمَالِكِ بِهِ لَا يُسَمَّى صِفَةً فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ (قَوْلُهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ حُكْمِيَّةٌ إلَخْ) أَيْ فَقَوْلُهُ صِفَةٌ كَالنَّجَسِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الصِّفَاتِ (قَوْلُهُ وَيُقَدَّرُ قِيَامُهَا) عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَيْ فَهِيَ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ أُورِدَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْأُمُورَ الِاعْتِبَارِيَّةَ لَا تَكُونُ صِفَةً وَالْجَوَابُ بِأَنَّهُ اصْطِلَاحٌ شَرْعِيٌّ وَبِهِ يُجَابُ عَنْ جَعْلِهَا عِلَّةً مَعَ أَنَّهَا عَدَمِيَّةٌ وَالْعِلَّةُ وُجُودِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْعَدَمَ الْمُقَيَّدَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً وَالْخِلَافُ فِي تَعْلِيلِ الْوُجُودِ بِالْعَدَمِ فِي الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ أَمَّا الْمَنْصُوصَةُ فَجَائِزٌ بِاتِّفَاقٍ كَالْعَدَمِيَّيْنِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَتْ مَعْنَى وُجُودِيًّا) أَيْ لَيْسَتْ صِفَةً وُجُودِيَّةً يُمْكِنُ رُؤْيَتُهَا (قَوْلُهُ لَا مَعْنَوِيًّا) أَرَادَ بِهِ الْأَمْرَ الْوُجُودِيَّ الَّذِي يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ لَكِنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالرُّؤْيَةِ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْكَلَامِ (قَوْلُهُ وَلَا حِسِّيًّا) أَيْ كَالْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ مِمَّا يُرَى بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِمَوْصُوفِهَا لِشِبْهِ الْمِلْكِ وَالِاسْتِحْقَاقِ لَا لِلتَّعْلِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ إيجَابَ اسْتِبَاحَةٍ لِأَجْلِ الْمَوْصُوفِ لَا لِلْمَوْصُوفِ وَالْمَعْنَى عَلَى جَعْلِهَا لِشِبْهِ الْمِلْكِ وَالِاسْتِحْقَاقِ ظَاهِرٌ أَيْ أَنَّ الْمَوْصُوفَ صَارَ كَالْمَالِكِ لِإِبَاحَةِ الصَّلَاةِ أَوْ مُسْتَحِقًّا لَهَا ثُمَّ هَذَا ظَاهِرٌ إنْ جَعَلَ قَوْلَهُ لِمَوْصُوفِهَا مُتَعَلِّقًا بِمَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ جَوَازَ اسْتِبَاحَتِهِ إلَخْ، وَأَمَّا عَلَى جَعْلِهَا مُتَعَلِّقَةً بِ تُوجِبُ فَهِيَ لِلتَّعْدِيَةِ.
(فَإِنْ قُلْت) يَرِدُ عَلَى هَذَا طَهَارَةُ الْمَيِّتِ فَإِنَّهَا أَوْجَبَتْ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَلَمْ تُوجِبْ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ لَهُ وَلَا بِهِ وَلَا فِيهِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ أَوْ عَلَيْهِ لِيَدْخُلَ ذَلِكَ وَيَجْرِيَ نَحْوُهُ فِي طَهَارَةِ الذِّمِّيَّةِ لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ أَيْ لِوَطْئِهَا فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَزِيدَ أَوْ لِلتَّمَتُّعِ بِهِ أَيْضًا وَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَشْمَلُ الْوُضُوءَ لِلسَّلَاطِينِ وَالْوُضُوءَ لِلتِّلَاوَةِ أَيْضًا وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ تُوجِبُ لَهُ الْجَوَازَ بِشَرْطِ تَوَفُّرِ الشُّرُوطِ وَانْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ؛ وَلِذَا لَوْ وُجِدَتْ الطَّهَارَةُ الْكُبْرَى وَحَصَلَ مَانِعُ الصُّغْرَى فَلَا يُقَالُ أَنَّ الْكُبْرَى لَيْسَتْ طَهَارَةً لِعَدَمِ إيجَابِهَا الْإِبَاحَةَ الْمَذْكُورَةَ بَلْ طَهَارَةٌ وَعَدَمُ إيجَابِهَا الْمَانِعَ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا طَهَارَةً فَطُهْرُ الذِّمِّيَّةِ وَمَا مَعَهَا طَهَارَةٌ لَوْلَا الْمَانِعَ وَالْمَانِعُ هُوَ الْمَوْتُ وَالْكُفْرُ، وَأَمَّا الْوُضُوءُ لِلدُّخُولِ عَلَى السَّلَاطِينِ وَنَحْوِهِ فَلَيْسَ بِطَهَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَالتَّعْرِيفُ لَهَا وَفِيهِ شَيْءٌ لِظَاهِرِ إطْلَاقِهِمْ عَلَيْهِ أَنَّهُ طَهَارَةٌ وَشَرْعًا، وَأَمَّا الْأَوْضِيَةُ الْمُسْتَحَبَّةُ وَالِاغْتِسَالَاتُ الْمَسْنُونَةُ وَالْمُسْتَحَبَّةُ الَّتِي يُصَلَّى بِهَا فَإِنَّهَا تُوجِبُ جَوَازَ الِاسْتِبَاحَةِ لَوْلَا وُجُودُ مِثْلِهَا إذْ الْمِثْلَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يَرِدُ عَلَى الرَّسْمِ أَنَّهُ صَادِقٌ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَإِحْرَامِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا صِفَاتٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا مَا ذُكِرَ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا طَهَارَةً؛ لِأَنَّهُ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ أَفْعَالٌ لَا صِفَاتٌ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا مَبْدَأُ الرَّسْمِ أَوْ يُقَالُ أَنَّ الصَّلَاةَ بِدُونِ الْأَوْضِيَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَالِاغْتِسَالَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ أَوْ الْمَسْنُونَةِ مَكْرُوهَةٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى فَلَا تَكُونُ مُبَاحَةً وَبِهَا تَصِيرُ مُبَاحَةً فَصَدَقَ التَّعْرِيفُ عَلَيْهَا.
(قَوْلُهُ بِهِ أَيْ بِمُلَابِسِهِ) كَذَا فِي نُسْخَتِهِ وَالْمُنَاسِبُ بِمُلَابَسَتِهِ كَمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي الشُّرَّاحِ (قَوْلُهُ وَالْبَدَنَ) أَيْ بَدَنَ الْمُصَلِّي (قَوْلُهُ وَالْمَاءَ) الَّذِي يَحْمِلُهُ الْمُصَلِّي لِقَوْلِهِ وَكُلُّ مَا يَجُوزُ لِلْمُصَلِّي مُلَابَسَتُهُ (قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ طَهَارَةَ الْمَاءِ الْمُضَافِ) الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ فَانْدَفَعَ الْبَحْثُ بِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ طَهَارَةَ الْجَسَدِ مِنْ الْخَبَثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مُلَابِسٍ لِلْمُصَلِّي وَقَوْلُهُ الْمَاءُ الْمُضَافُ لَا خُصُوصِيَّةً لِلْمَاءِ وَلَا قَيْدَ كَوْنِهِ مُضَافًا؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ وَارِدٌ بِكُلِّ مَا يَحْمِلُهُ الْمُصَلِّي كَانَ مَاءً أَوْ غَيْرَهُ كَانَ الْمَاءُ مُضَافًا أَمْ لَا وَيُرَادُ بِقَوْلِهِ بِمُلَابَسَتِهِ أَيْ مَعَ الِاتِّصَالِ بِهِ فَلَا يَرِدُ أَنَّهُ يَسْتَغْنِي عَنْ فِيهِ بِتَقْدِيرِ مُلَابِسِهِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ شَامِلٌ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ يُقَالُ لَهُ مُتَطَهِّرٌ بِالنِّسْبَةِ لِطَهَارَتِهِ مِنْ الْحَدَثِ بِالْوُضُوءِ وَمُتَطَهِّرٌ بِالنِّسْبَةِ لِطَهَارَةِ بَدَنِهِ مِنْ الْخَبَثِ لَكِنْ قَوْلُ ابْنِ عَرَفَةَ وَالْأَخِيرَةُ مِنْ حَدَثٍ تَقْصُرُ الْمُصَلِّيَ عَلَى الْمُصَلِّي عَلَى الْحَدَثِ فَلَا يُقَالُ لَهُ مُتَطَهِّرٌ بِاعْتِبَارِ طَهَارَةِ الْخَبَثِ وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ مُتَطَهِّرٌ بِاعْتِبَارِ الْحَدَثِ (وَأَقُولُ) بِحَمْدِ اللَّهِ إيرَادُهُمْ الْبَدَنَ وَجَوَابَهُ بِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّخْصِ الرُّوحُ فَقَطْ فَلَا يُقَالُ حِينَئِذٍ أَنَّ قَوْلَهُ لَهُ شَامِلٌ لِطَهَارَةِ الْمُصَلِّي مِنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ (قَوْلُهُ وَلَا لِلْمُحْدِثِ نَجَسٌ) نَقُولُ مُسَلَّمٌ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لَهُ نَجَسٌ بِاعْتِبَارِ الْحَدَثِ لَكِنْ يُقَالُ لَهُ نَجَسٌ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ النَّجَاسَةِ بِبَدَنِهِ أَيْ مُتَنَجِّسٌ.
(قَوْلُهُ وَالضَّمِيرُ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ طَهَارَةَ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ اشْتَرَكَا فِي أَنَّ كُلًّا يُوجِبُ لِمَوْصُوفِهِ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ
تُوجِبُ تُصَحِّحُ وَمَعْنَى جَوَازِ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ أَيْ تُصَحِّحُ لِمَوْصُوفِهَا جَوَازَ طَلَبِ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ طَلَبَ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ شَرْعًا مَعَ الْمَانِعِ كَانَ مَمْنُوعًا فَإِنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يَجُوزُ لَهُ شَرْعًا طَلَبُ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ مِفْتَاحِهَا، وَهُوَ الطَّهَارَةُ؛ لِأَنَّ مَنْ لَيْسَ مَعَهُ مِفْتَاحٌ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَسَوَّرَ عَلَى طَلَبِ إبَاحَةِ الدُّخُولِ فَإِذَا وَجَدَ مِفْتَاحَهَا ثَبَتَ جَوَازُ طَلَبِ إبَاحَةِ الدُّخُولِ فَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ جَوَازُ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ كَمَا قِيلَ.
(ص) يُرْفَعُ الْحَدَثُ وَحُكْمُ الْخَبَثِ بِالْمُطْلَقِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْحَدَثَ، وَهُوَ الْمَنْعُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ لَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْمَاءُ الْمُطْلَقُ وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْخَبَثِ، وَهُوَ الْبَاقِي بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ لَا يُزَالُ إلَّا بِالْمُطْلَقِ، وَأَمَّا عَيْنُ النَّجَاسَةِ فَتُزَالُ بِكُلِّ قِلَاعٍ وَالْحَدَثُ بِفَتْحَتَيْنِ لُغَةً وُجُودُ الشَّيْءِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ وَشَرْعًا يُطْلَقُ عَلَى الْخَارِجِ الْمُعْتَادِ وَعَلَى الْخُرُوجِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ آدَابُ الْحَدَثِ وَعَلَى الْوَصْفِ الْحُكْمِيِّ الْمُقَدَّرِ قِيَامُهُ بِالْأَعْضَاءِ قِيَامَ الْأَوْصَافِ الْحِسِّيَّةِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ يَمْنَعُ الْحَدَثَ كَذَا وَعَلَى الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ هُنَا يُرْفَعُ الْحَدَثُ وَيَصِحُّ هُنَا إرَادَةُ الْمَعْنَى الثَّالِثِ الَّذِي هُوَ الْوَصْفُ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ فَإِذَا ارْتَفَعَ أَحَدُهُمَا ارْتَفَعَ الْآخَرُ وَلَا يَصِحُّ إرَادَةُ الْمَعْنَيَيْنِ
ــ
[حاشية العدوي]
فَفِي الْخَبَثِ تُوجِبُ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ لِمَوْصُوفِهَا أَوْ فِي مَوْصُوفِهَا وَفِي الْحَدَثِ تُوجِبُ الِاسْتِبَاحَةَ لِمَوْصُوفِهَا فَضَمِيرُ بِهِ وَفِيهِ وَلَهُ كُلٌّ يَعُودُ عَلَى الْمَوْصُوفِ وَلَمَّا أَبْهَمَ طَهَارَةَ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ بَيَّنَ ذَلِكَ فَقَالَ وَالْأُولَيَانِ مِنْ خَبَثٍ وَالْأَخِيرَةُ مِنْ حَدَثٍ (قَوْلُهُ تُصَحِّحُ) أَيْ تُسَبِّبُ لِمَوْصُوفِهَا الْجَوَازَ وَالْمُرَادُ أَنَّهَا سَبَبٌ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ، وَإِنْ شِئْت قُلْت فِي إبَاحَةِ الصَّلَاةِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِيجَابِ حَقِيقَتَهُ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ (فَإِنْ قُلْت) هَذَا يُخَالِفُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهَا شَرْطٌ نَقُولُ لَا مُخَالَفَةَ؛ لِأَنَّهَا سَبَبٌ فِي إبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَشَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا ثُمَّ إنَّ كَلَامَهُ قَاصِرٌ؛ لِأَنَّهَا كَمَا تُسَبِّبُ جَوَازَ الصَّلَاةِ تُسَبِّبُ جَوَازَ غَيْرِهَا مِنْ طَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْلُومٌ (وَأُجِيبُ) بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ جَوَازُ غَيْرِهَا إلَّا أَنَّهُ يُرَادُ أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ فِي التَّعْرِيفِ فَتَدَبَّرْ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الِاحْتِمَالَاتِ أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُسْقِطَ جَوَازَ وَاسْتِبَاحَةَ أَوْ يَذْكُرَ الْأَوَّلَ دُونَ الثَّانِي أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ يَذْكُرَهُمَا مَعًا أَمَّا عَدَمُ ذِكْرِهِمَا مَعًا بِأَنْ يَقُولَ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا الصَّلَاةَ فَلَا يَصِحُّ سَوَاءٌ أُرِيدَ مِنْ الْإِيجَابِ حَقِيقَتُهُ أَوْ التَّسَبُّبُ فَتَعَيَّنَ تَقْدِيرُ شَيْءٍ، ثُمَّ إنَّ ابْنَ عَرَفَةَ ذَكَرَ الْأَمْرَيْنِ اسْتِبَاحَةَ وَجَوَازَ فَاعْتُرِضَ بِأَنَّ فِيهِ إضَافَةَ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ فَأَجَابَ الشَّارِحُ بِأَنَّ ذَلِكَ مَدْفُوعٌ بِجَعْلِ السِّينِ وَالتَّاءِ لِلطَّلَبِ (أَقُولُ) بِحَمْدِ اللَّهِ اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ إضَافَةَ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ جَائِزَةٌ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ.
وَثَانِيًا إنَّ جَعْلَهَا لِلطَّلَبِ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ كُلَّ مَوْصُوفٍ بِهَا كَانَ ثَوْبًا أَوْ مَكَانًا أَوْ شَخْصًا يَطْلُبُ مِنْ اللَّهِ إبَاحَةَ ذَلِكَ وَهَذَا غَيْرُ وَاقِعٍ فَالْأَحْسَنُ أَنْ تَجْعَلَ السِّينَ وَالتَّاءَ زَائِدَتَيْنِ وَالْإِضَافَةُ صَحِيحَةٌ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ نَعَمْ لَوْ حَذَفَ ابْنُ عَرَفَةَ أَحَدَ اللَّفْظَيْنِ وَاكْتَفَى بِوَاحِدٍ لَكَانَ أَخْصَرَ، وَإِنْ أَرَدْت تَمَامَ الْكَلَامِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ فَرَاجِعْ عج وَلَكِنْ فِيمَا ذَكَرْنَا كِفَايَةٌ لِلْقَاصِرِينَ (قَوْلُهُ فَإِنَّ الْمُكَلَّفَ إلَخْ) أَيْ مَثَلًا لِمَا أَنَّ الْمَوْصُوفَ أَعَمُّ مِنْ الْمُكَلَّفِ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ (قَوْلُهُ أَنْ يَتَسَوَّرَ) أَيْ يُقَدِّمَ
(قَوْلُهُ الْمَنْعُ) أَيْ تَحْرِيمُ قُرْبَانِ الْعِبَادَةِ وَقَوْلُهُ الْمُتَرَتِّبُ أَيْ الْمُتَعَلِّقُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْقَائِمَ بِالْأَعْضَاءِ؛ لِأَنَّهُ صِفَةُ الْمَوْلَى جَلَّ وَعَزَّ (فَإِنْ قُلْت) إنَّمَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالشَّخْصِ لَا بِالْأَعْضَاءِ (قُلْنَا) الْمَعْنَى أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِالشَّخْصِ بِاعْتِبَارِ تِلْكَ الْأَعْضَاءِ أَوْ تَجَوُّزٍ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ لَا يَرْفَعُهُ إلَّا الْمَاءُ الْمُطْلَقُ) أُخِذَ الْحَصْرُ إمَّا مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي لَا بِمُتَغَيِّرٍ لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رِيحًا أَيْ وَأَوْلَى غَيْرُهُ مِنْ الْمَاءِ الْمُضَافِ وَالْجَمَادِ أَوْ يُقَالُ كَمَا قَالَ الْحَطَّابُ إنَّ تَصْدِيرَ الْبَابِ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وَسِيَاقَهَا مَسَاقَ الْحَدِّ يُفِيدُ الْحَصْرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ أَدَاةُ حَصْرٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنَّمَا يُرْفَعُ الْحَدَثُ وَحُكْمُ الْخَبَثِ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ بَلْ وَكُلُّ طَهَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ مِنْ غُسْلٍ أَوْ وُضُوءٍ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً فَلَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ أَوْ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ مَفْهُومِ الْمُطْلَقِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْبَاقِي إلَخْ) ذَلِكَ الْبَاقِي أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ، وَهُوَ كَوْنُ الشَّيْءِ نَجَسًا فِي الشَّرْعِ لَا تُبَاحُ مُلَابَسَتُهُ فِي الصَّلَاةِ وَالْغِذَاءِ فَلَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَأَمَّا مَوْضِعُ الِاسْتِجْمَارِ وَالسَّيْفُ الصَّقِيلِ وَنَحْوُهُ إذَا مُسِحَ وَالْخُفُّ وَالنَّعْلُ إذَا دُلِّكَا مِنْ أَبْوَالِ الدَّوَابِّ وَأَرْوَاثِهَا فَالْمَحَلُّ مَحْكُومٌ لَهُ بِالنَّجَاسَةِ وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْهُ لِلضَّرُورَةِ وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ صِفَةٌ اعْتِبَارِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِالْمَحَلِّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ (قَوْلُهُ بِكُلِّ قِلَاعٍ) أَيْ بِكُلِّ شَيْءٍ يَقْلَعُهَا وَيُزِيلُهَا (قَوْلُهُ وُجُودُ الشَّيْءِ) أَيْ وَالْحَادِثُ الْمَوْجُودُ بَعْدَ الْعَدَمِ وَهَلْ الْوُجُودُ وَجْهٌ وَاعْتِبَارٌ أَوْ حَالٌ قَوْلَانِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ آدَابُ الْحَدَثِ بِمَعْنَى الْخُرُوجِ) أَيْ وَالْخَارِجُ مِنْ حَيْثُ الْخُرُوجُ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْوَصْفِ الْحُكْمِيِّ) أَيْ الَّذِي حَكَمَ بِهِ الشَّرْعُ أَوْ الْمَعْنَى لَا حِسِّيٌّ فَهُوَ اعْتِبَارِيٌّ لَا وُجُودِيٌّ (قَوْلُهُ قِيَامَ) أَيْ كَقِيَامِ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْمَنْعِ الْمُتَرَتِّبِ) أَيْ الْمُتَسَبِّبِ أَيْ تَعَلُّقُهُ لِمَا يَأْتِي وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا الْمَنْعَ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ مُتَسَبِّبٌ عَنْ الْخُرُوجِ وَأَنَّهُ مُقَارِبٌ لِلْوَصْفِ فِي التَّرَتُّبِ لَا أَنَّ التَّرَتُّبَ سَابِقٌ عَلَيْهِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ سَابِقٌ عَلَيْهِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ سَابِقٌ عَلَيْهِ تَعَقُّلًا (قَوْلُهُ فَإِذَا ارْتَفَعَ أَحَدُهُمَا إلَخْ) أَيْ وَإِذَا ثَبَتَ أَحَدُهُمَا ثَبَتَ الْآخَرُ لَا يُقَالُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ فَإِذَا ارْتَفَعَ أَحَدُهُمَا ارْتَفَعَ الْآخَرُ فَإِنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ الْمَنْعَ؛ لِأَنَّهُ تُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلَاةُ وَغَيْرُهَا وَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ بِمَعْنَى الْوَصْفِ الْقَائِمِ بِالْأَعْضَاءِ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَلَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّا نَقُولُ التَّيَمُّمُ لَا يَرْفَعُ الْمَنْعَ رَفْعًا مُطْلَقًا وَإِنَّمَا هُوَ رُخْصَةٌ فَيَرْفَعُ الْمَنْعَ عَمَّا يُسْتَبَاحُ بِهِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ عَدَمُ الْمَاءِ فَلَا تُسْتَبَاحُ بِهِ إلَّا فَرِيضَةٌ وَاحِدَةٌ فِي حَالِ عَدَمِ الْمَاءِ وَلَوْ وُجِدَ الْمَاءُ قَبْلَ فِعْلِ ذَلِكَ الْمُسْتَبَاحِ عَادَ الْمَنْعُ وَلَمْ يُسْتَبَحْ بِهِ شَيْءٌ أَفَادَ الْحَطَّابُ وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ مَعْنَى تَلَازُمِهِمَا أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ أَحَدُهُمَا دَائِمًا وَيَبْقَى الْآخَرُ دَائِمًا بَلْ إذَا ارْتَفَعَ الْمَنْعُ فَإِنَّمَا هُوَ مُقَيَّدٌ بِوَقْتٍ ثُمَّ يَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَعَلَّ الْأَحْسَنَ أَنْ يُقَالَ أَنَّ كُلًّا
الْأُولَيَيْنِ إذْ لَا يَرْتَفِعَانِ إلَّا بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ حُكْمُ الْحَدَثِ فَيَصِحُّ إرَادَتُهُمَا لَا يُقَالُ الْحَدَثُ هُوَ الْمَنْعُ الْمُتَرَتِّبُ إلَخْ وَالْمَنْعُ هُوَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمُهُ قَدِيمٌ وَاجِبُ الْوُجُودِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ رَفْعُ وَاجِبِ الْوُجُودِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ الْحُكْمُ مُرْتَفِعٌ وَمُتَجَدِّدٌ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهِ لَا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ وَالتَّعَلُّقُ عَدَمِيٌّ مُمْكِنُ الِارْتِفَاعِ وَبَنَى الْمُؤَلِّفُ يُرْفَعُ لِلْمَجْهُولِ لِلْعِلْمِ بِفَاعِلِهِ، وَهُوَ اللَّهُ أَوْ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام بِوَاسِطَةِ مَا أَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ لَا يُقَالُ قَوْلُهُ يُرْفَعُ الْأَوْلَى فِيهِ التَّعْبِيرُ بِالْمَاضِي؛ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ ثَابِتٌ مُقَرَّرٌ عَنْ الشَّارِعِ أَيْ حَكَمَ بِصِحَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ وَحُكْمِ الْخَبَثِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا عَبَّرَ بِالْمُضَارِعِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ نَظَرَ فِيهِ إلَى حُكْمِ الْفَقِيهِ بِذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَوْ نَظَرَ إلَى مَا ثَبَتَ عَنْ الشَّارِعِ لَعَبَّرَ بِالْمَاضِي أَوْ أَنَّهُ عَبَّرَ بِالْمُضَارِعِ عَنْ الْمَاضِي عَلَى نَقِيضِ قَوْله تَعَالَى {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: 1] نَظَرًا إلَى إحْضَارِ هَذَا الْحُكْمِ الْعَجِيبِ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ أَيْ إحْضَارِهِ الْآنَ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِعَ يُسْتَحْضَرُ بِهِ الْأُمُورُ الْغَرِيبَةُ بِخِلَافِ الْمَاضِي فَإِنَّهُ لَا إحْضَارَ فِيهِ وَالشَّيْءُ قَدْ يُحْمَلُ عَلَى نَقِيضِهِ كَمَا يُحْمَلُ عَلَى نَظِيرِهِ وَعَبَّرَ بِالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ وَلَمْ يُعَبِّرْ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ فَيَقُولُ رَافِعُ الْحَدَثِ وَحُكْمُ الْخَبَثِ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ؛ لِأَنَّهَا تُفِيدُ التَّجَدُّدَ وَالْحُدُوثَ وَالْمَقْصُودُ هُنَا ذَلِكَ وَلِأَنَّ نِسْبَةَ الرَّفْعِ إلَى الْمَاءِ مَجَازٌ.
(ص) ، وَهُوَ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ
ــ
[حاشية العدوي]
مِنْ الْوَصْفِ وَالْمَنْعِ يَرْتَفِعُ رَفْعًا مُقَيَّدًا وَقَوْلُهُمْ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ أَيْ رَفْعًا مُطْلَقًا أُرِيدَ بِهِ الْحَدَثُ أَوْ الْمَنْعُ (قَوْلُهُ إلَّا بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ) أَيْ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ حُكْمُ الْحَدَثِ الَّذِي هُوَ الْوَصْفُ أَوْ الْمَنْعُ ثُمَّ نَقُولُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ تَرَتَّبَ عَنْ حَدَثٍ أَوْ سَبَبٍ أَوْ رِدَّةٍ أَوْ شَكٍّ (قَوْلُهُ وَالْمَنْعُ هُوَ حُكْمُ اللَّهِ) ؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيمُ قُرْبَانِ الْعِبَادَةِ (قَوْلُهُ وَاجِبُ الْوُجُودِ) أَتَى بِهِ دَفْعًا لِمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَدِيمِ طَوِيلُ الزَّمَنِ فِيمَا مَضَى (قَوْلُهُ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ إلَخْ) اسْتِفْهَامٌ إنْكَارِيٌّ (قَوْلُهُ وَمُتَجَدِّدٌ) لَا دَخْلَ هُنَا، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا (قَوْلُهُ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهِ) أَيْ أَنَّهُ فِي حَدِّ ذَاتِهِ لَيْسَ مُتَجَدِّدًا وَمُرْتَفِعًا بَلْ مَا مُرْتَفِعٌ وَمُتَجَدِّدٌ إلَّا تَعَلُّقُهُ (قَوْلُهُ عَدَمِيٌّ) أَيْ لَيْسَ لَهُ وُجُودٌ فِي الْخَارِجِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ وَالْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَالتَّعَلُّقُ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ؛ لِأَنَّهُ عَدَمِيٌّ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ وُجُودِيًّا فَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا عَلَى فَرْضِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ صِفَةَ الْقَدِيمِ الْوُجُودِيَّةَ قَدِيمَةٌ فَتَدَبَّرْ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّعَلُّقَ لَيْسَ جُزْءًا مِنْ مُسَمَّى الْحُكْمِ.
وَأَمَّا إذَا قُلْنَا أَنَّ التَّعَلُّقَ جُزْءُ مُسَمَّى الْحُكْمِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ تَعَلُّقًا تَنْجِيزِيًّا حَادِثًا بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ فَيَكُونُ حَادِثًا؛ لِأَنَّ الْمُرَكَّبَ مِنْ الْقَدِيمِ وَالْحَادِثِ حَادِثٌ فَلَا مَحْذُورَ فِي كَوْنِهِ يَتَجَدَّدُ وَيَرْتَفِعُ (قَوْلُهُ، وَهُوَ اللَّهُ أَوْ النَّبِيُّ إلَخْ) الْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْفَاعِلَ هُوَ الْمُكَلَّفُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَاعِلِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ مَنْ قَامَ بِهِ الْفِعْلُ لَا مَنْ أَوْجَدَهُ فَلَا يَرِدُ مَا يَأْتِي إذْ لَوْ أُرِيدَ الْمُوجِدُ لَمَا صَحَّ إسْنَادُ فِعْلٍ إلَى أَحَدٍ غَيْرِهِ حَقِيقَةً إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ قَوْلَهُ بَعْدُ أَيْ حُكْمٌ إلَخْ يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ بِفَاعِلِهِ أَيْ بِحَاكِمِهِ أَيْ بِالْحَاكِمِ بِهِ (قَوْلُهُ بِوَاسِطَةِ) أَيْ بِوَاسِطَةٍ هِيَ الْأَحْكَامُ الَّتِي أَوْحَاهَا اللَّهُ إلَيْهِ أَوْ بِوَاسِطَةِ الْإِيحَاءِ (قَوْلُهُ الشَّارِعِ) أَيْ الَّذِي هُوَ اللَّهُ تَعَالَى حَقِيقَةً وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَجَازًا (قَوْلُهُ أَيْ حَكَمَ بِصِحَّةِ رَفْعِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ تَفْسِيرًا لِلَّفْظِ بِمَدْلُولِهِ فَهُوَ بَعِيدٌ غَايَةَ الْبُعْدِ وَالْأَقْرَبُ مَا قُلْنَا وَالْحُكْمُ بِاعْتِبَارِ إسْنَادِهِ إلَى اللَّهِ أَزَلِيٌّ وَبِالنِّسْبَةِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَادِثٌ (قَوْلُهُ نَظَرَ فِيهِ إلَى حُكْمِ الْفَقِيهِ) أَيْ إخْبَارِهِ (قَوْلُهُ إلَى إحْضَارِ هَذَا الْحُكْمِ) أَيْ الَّذِي هُوَ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الرَّفْعِ وَإِنَّمَا كَانَ عَجِيبًا لِغَرَابَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَعْهُودًا (قَوْلُهُ أَيْ إحْضَارُهُ إلَخْ) خُلَاصَتُهُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْحُكْمَ الْعَجِيبَ حَاضِرًا فِي ذِهْنِ السَّامِعِ وَالطَّرِيقُ الَّتِي تُوَصِّلُ لِذَلِكَ إنَّمَا هِيَ الْمُضَارِعُ، وَأَمَّا الْمَاضِي فَلَا فَلِذَلِكَ عَبَّرَ بِالْمُضَارِعِ.
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَاضِي فَإِنَّهُ لَا إحْضَارَ فِيهِ) أَيْ لَا يَتَيَسَّرُ أَنْ يَكُونَ آلَةً فِي إحْضَارِ ذَلِكَ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ هَذَا مَعْنَاهُ (أَقُولُ) لَا يَخْفَى لَوْ عَبَّرَ بِالْمَاضِي وَأَخْبَرَ بِهِ السَّامِعَ فَإِنَّهُ يَتَصَوَّرُهُ فِي ذِهْنِهِ قَطْعًا، وَهَذَا إحْضَارٌ لَهُ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ فَقَدْ حَصَلَ الْإِحْضَارُ بِالْمَاضِي وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ أَنَّ مُرَادَهُ إحْضَارٌ بِحَيْثُ يُلَاحِظُ أَنَّهُ وَاقِعٌ فِي الْحَالِ لَا مُطْلَقُ إحْضَارٍ (قَوْلُهُ وَالشَّيْءُ قَدْ يُحْمَلُ عَلَى نَقِيضِهِ) كَمَا هُنَا (قَوْلُهُ كَمَا يُحْمَلُ عَلَى نَظِيرِهِ) كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي بَابِ الْقِيَاسِ كَحَمْلِ الْأَرُزِّ عَلَى الْبُرِّ فِي حُرْمَةِ الرِّبَا بِجَامِعِ الِاقْتِيَاتِ وَالِادِّخَارِ وَكَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي الْمَجَازَاتِ مَثَلًا اسْتِعْمَالُ السَّبَبِ فِي الْمُسَبَّبِ يَكْفِي وُرُودُهُ عَنْ الْعَرَبِ فِي جُزْئِيٍّ وَيَجُوزُ لَنَا أَنْ نَسْتَعْمِلَ اسْمَ السَّبَبِ فِي جُزْئِيٍّ غَيْرَ مَا اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَجَازَ مَوْضُوعٌ بِالنَّوْعِ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ التَّجَدُّدَ وَالْحُدُوثَ) أَيْ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمُضَارِعُ بِالْقَرِينَةِ لَا الْوُجُودِ بَعْدَ الْعَدَمِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْفِعْلِ مُطْلَقًا وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَرِينَةٍ، وَأَمَّا الْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ فَتُفِيدُ الدَّوَامَ وَالثَّبَاتَ بِقَرِينَةٍ أَيْضًا لَكِنَّهُ لَيْسَ مُرَادًا (قَوْلُهُ وَالْمَقْصُودُ هُنَا ذَلِكَ) فِيهِ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ لَهُ أَنَّ الرَّفْعَ قَدِيمٌ فَقَضِيَّتُهُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَعْنَى عَلَى التَّجَدُّدِ وَالْحُدُوثِ فَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا نَاظِرٌ لِمَا تَقَدَّمَ مَنْقُولُهُ أَوْ نَظَرًا لِحُكْمِ الْفَقِيهِ بِذَلِكَ نَعَمْ هَذَا الْكَلَامُ ظَاهِرٌ عَلَى مَا قُلْنَا أَنَّ الرَّافِعَ الْمُكَلَّفُ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ نِسْبَةَ الرَّفْعِ إلَى الْمَاءِ مَجَازٌ) أَيْ الَّذِي يَأْتِي عَلَى التَّعْبِيرِ بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ، وَأَمَّا الْفِعْلِيَّةُ فَلَا يَأْتِي ذَلِكَ عَلَيْهَا لَكِنْ يَرِدُ أَنَّ الْمَجَازَ أَبْلَغُ مِنْ الْحَقِيقَةِ.
(قَوْلُهُ مَا صَدَقَ) أَيْ الَّذِي صَدَقَ أَوْ شَيْءٌ صَدَقَ أَوْ يُقْرَأُ مَاءٌ بِالتَّنْوِينِ (قَوْلُهُ صَدَقَ) أَيْ حُمِلَ؛ لِأَنَّ الصِّدْقَ فِي الْمُفْرَدَاتِ مَعْنَاهُ الْحَمْلُ وَفِي الْقَضَايَا بِمَعْنَى التَّحَقُّقِ أَيْ مَا صَحَّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ أَيْ عُرْفًا كَمَا أَفَادَهُ الْحَطَّابُ وَفِي كَلَامِ تت مَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ مَا صَحَّ لُغَةً مَثَلًا مَاءُ الْبِطِّيخِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ عُرْفًا مَاءٌ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ عَلَى مَا قَالَ الْحَطَّابُ وَهَلْ يَصِحُّ إطْلَاقُ ذَلِكَ عَلَيْهِ لُغَةً، وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ إذْ الْأَصْلُ اخْتِلَافُ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالْعُرْفِيِّ، وَأَمَّا عَلَى مَا قَالَ تت فَلَا يَصِحُّ إطْلَاقُ ذَلِكَ عَلَيْهِ لُغَةً وَصِحَّةُ هَذَا تَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ لُغَةً كَذَا فِي ك قَالَ عج ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتَاوَى السُّيُوطِيَّةِ مَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ
اسْمُ مَاءٍ بِلَا قَيْدٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ هُوَ الذَّاتُ الَّتِي يُقَالُ لَهَا هَذَا مَاءٌ فَيَصْدُقُ عَلَيْهَا اسْمُ الْمَاءِ بِلَا قَيْدٍ زَائِدٍ عَلَى ذَلِكَ اللَّفْظِ فَمَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ مَاءٍ كَالْجِنْسِ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ مَاءٍ عِنْدَهُمْ عَرَضٌ عَامٌّ وَبِلَا قَيْدٍ كَالْفَصْلِ يَخْرُجُ مَا عَدَا الْمُطْلَقِ مِنْ أَقْسَامِ الْمِيَاهِ لَا يُقَالُ فِي كُلٍّ مِنْهَا مَاءٌ إلَّا بِزِيَادَةِ قَيْدٍ آخَرَ مِنْ إضَافَةٍ أَوْ وَصْفٍ أَوْ غَيْرِهِمَا كَقَوْلِنَا مَاءُ وَرْدٍ وَمَاءُ رَيْحَانٍ وَلَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ ذَوَاتِهَا بِاسْمِ الْمَاءِ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِشَيْءٍ كَمَا فِي الْمُطْلَقِ وَدَخَلَ فِي تَعْرِيفِ الْمُؤَلِّفِ لِلْمُطْلَقِ مَا إضَافَتُهُ بَيَانِيَّةٌ كَمَاءِ الْمَطَرِ وَمَا أُضِيفَ لِمَحَلِّهِ كَمَاءِ السَّمَاءِ وَالْآبَارِ وَالْعُيُونِ وَالْبَحْرِ فَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ التَّطْهِيرِ بِهِ، ثُمَّ إنَّهُ يُسْتَثْنَى مِنْ الْآبَارِ آبَارُ ثَمُودَ فَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِمَائِهَا وَلَا الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مَاءُ عَذَابٍ لَا لِنَجَاسَتِهِ وَكَمَا يُمْنَعُ الْوُضُوءُ بِمَائِهَا يُمْنَعُ التَّيَمُّمُ بِأَرْضِهَا وَهِيَ مَسِيرَةُ خَمْسَةِ أَمْيَالٍ وَعَلَى الْقَوْلِ بِمَنْعِ الِاسْتِعْمَالِ بِالْمَاءِ الْمَذْكُورِ، فَإِنْ تَطَهَّرَ بِهِ وَصَلَّى صَحَّتْ صَلَاتُهُ كَذَا يَنْبَغِي كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِهِ وَدَخَلَ فِي حَدِّ الْمُطْلَقِ الْمَاءُ الْعَذْبُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ وَدَخَلَ فِيهِ أَيْضًا جَمِيعُ الْمِيَاهِ الْمَكْرُوهَةِ الْآتِيَةِ.
(ص) ، وَإِنْ جُمِعَ مِنْ نَدًى (ش) هَذَا وَمَا بَعْدَهُ
ــ
[حاشية العدوي]
الْحَطَّابُ وَيَرِدُ مَا ذَكَرَهُ تت، ثُمَّ إنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ الْحَمْلَ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى الْمُفْرَدَاتِ الَّتِي هِيَ الْجُزْئِيَّاتُ لَا عَلَى الْحَقِيقَةِ الَّتِي تُرَادُ فِي التَّعْرِيفِ فَإِذَنْ إمَّا أَنْ يُقَدَّرَ مُضَافٌ أَيْ مَا صَدَقَ عَلَى أَفْرَادِهِ أَوْ يُوقَعُ مَا عَلَى أَفْرَادٍ وَلَا يُجْعَلُ تَعْرِيفًا بَلْ ضَابِطًا، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ فِي كَلَامِهِ الْحُكْمَ ضِمْنًا عَلَى الْمُطْلَقِ وَكَيْفَ يُحْكَمُ عَلَى الشَّيْءِ بِدُونِ تَصَوُّرِهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَا هُنَا مِنْ قَبِيلِ تَقْدِيمِ الْحُكْمِ عَلَى التَّصْوِيرِ لَا عَلَى التَّصَوُّرِ فَافْهَمْ (قَوْلُهُ اسْمُ مَاءٍ) أَيْ اسْمٌ هُوَ لَفْظُ مَاءٍ أَيْ الَّذِي يُكْتَفَى فِي الْإِخْبَارِ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ إطْلَاقِ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ بِلَا قَيْدٍ) أَيْ مَعَ عَدَمِ ذِكْرِ الْقَيْدِ (قَوْلُهُ الَّتِي يُقَالُ هَذَا مَاءٌ) كَذَا فِي نُسْخَتِهِ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ أَيْ الَّتِي يُقَالُ فِي شَأْنِهَا هَذَا مَاءٌ.
(قَوْلُهُ فَيَصْدُقُ) أَيْ فَيُحْمَلُ (قَوْلُهُ فَمَا صَدَقَ إلَخْ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا إمَّا مَوْصُوفَةٌ أَوْ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ لَا مَاءٌ بِالْمَدِّ (قَوْلُهُ كَالْجِنْسِ) ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ مَا لَيْسَ جِنْسًا (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ لَفْظَةَ مَاءٍ) أَيْ مَدْلُولَ لَفْظَةِ مَاءٍ (قَوْلُهُ عَرَضٌ) أَيْ لَا جِنْسٌ أَيْ وَصْفٌ عَامٌّ خَارِجٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُوصَفُ بِهِ تَعَالَى وَقَوْلُهُ عَامٌّ أَيْ لَا خَاصٌّ (قَوْلُهُ كَالْفَصْلِ) لَمْ يَقُلْ فَصْلٌ؛ لِأَنَّ الْفُصُولَ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ الْأَنْوَاعِ الْمُحْتَوِيَةِ عَلَى الْأَجْنَاسِ (قَوْلُهُ إذْ لَا يُقَالُ) أَيْ إذْ لَا يُحْمَلُ (قَوْلُهُ أَوْ وَصْفٌ إلَخْ) أَيْ كَقَوْلِك هَذَا مَاءٌ مُضَافٌ هَذَا مَاءٌ نَجِسٌ هَذَا مَا أَفَادَهُ الْحَطَّابُ أَوْ هَذَا مَاءُ مَطَرٍ أَوْ مَاءُ نَدًى أَيْ مَمْطُورٌ وَمُنَدًّى كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرِهِمَا) أَيْ كَالْأَلِفِ وَاللَّامِ الَّتِي لِلْعَهْدِ كَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إذَا رَأَتْ الْمَاءَ» وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ «عَائِشَةَ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ غُسْلٌ قَالَ عليه السلام نَعَمْ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ» أَوْ كَمَا قَالَ فَأَلْ فِي الْمَاءِ دَاخِلَةٌ عَلَى مَاءٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ الْمَنِيُّ (قَوْلُهُ كَقَوْلِنَا مَاءِ وَرْدٍ إلَخْ) تَمْثِيلٌ لِلْإِضَافَةِ (قَوْلُهُ مَا إضَافَتُهُ بَيَانِيَّةٌ) الرَّاجِحُ أَنَّهَا لِلْبَيَانِ لَا بَيَانِيَّةٌ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ الْبَيَانِيَّةَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ كَخَاتَمِ حَدِيدٍ (قَوْلُهُ كَمَاءِ السَّمَاءِ) أَيْ أَنَّ السَّمَاءَ مَحَلُّ الْمَاءِ وَالسَّمَاءُ كُلُّ مَا عَلَاك وَمِنْهُ قِيلَ لِسَقْفِ الْبَيْتِ سَمَاءٌ فَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْمَحَلَّ هُنَا هُوَ السَّحَابُ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ سَمَاءٌ أَوْ أَنَّ الْمَاءَ نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ، ثُمَّ نَزَلَ إلَى السَّحَابِ فَيَكُونُ السَّمَاءُ الْحَقِيقِيُّ مَحَلًّا أَوَّلِيًّا هَذَا مَا أَفَادَهُ أَبُو السُّعُودِ.
(قَوْلُهُ وَالْآبَارِ) بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ بَعْدَ اللَّامِ السَّاكِنَةِ عَلَى وَزْنِ الْأَمْثَالِ جَمْعُ بِئْرٍ جَمْعُ قِلَّةٍ وَإِذَا كَثُرَتْ فَهِيَ الْبِئَارُ عَلَى وَزْنِ الْفِعَالِ (قَوْلُهُ وَالْعُيُونِ) جَمْعُ عَيْنٍ هِيَ مُشْتَرَكَةٌ تَقَعُ عَلَى الْبَاصِرَةِ وَالذَّهَبِ وَالشَّمْسِ وَالْمَالِ وَالنَّقْدِ وَالْجَاسُوسِ وَوَلَدِ الْبَقَرِ الْوَحْشِيِّ وَخِيَارِ الشَّيْءِ وَنَفْسِ الشَّيْءِ وَالْيَنْبُوعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ هُنَا الْيَنْبُوعُ (قَوْلُهُ وَالْبَحْرِ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْبَحْرَ هُوَ الْمَاءُ الْمُتَّسِعُ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى مَحَلِّهِ بَلْ هُوَ مِثْلُ مَاءِ الْمَطَرِ (قَوْلُهُ فَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ التَّطْهِيرِ بِهِ) أَيْ بِالْبَحْرِ إنَّمَا احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ حُكِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَرَاهَةُ الْوُضُوءِ بِهِ فَقَدْ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ أَنَّهُ يُسْتَثْنَى) لَا حَاجَةَ؛ لِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا يَصِحُّ التَّطْهِيرُ بِهِ وَمَا لَا لَا فِيمَا يَجُوزُ دُونَ مَا يَحْرُمُ، وَهُوَ يَصِحُّ التَّطْهِيرُ بِهِ كَمَا قَالَ (قَوْلُهُ آبَارُ ثَمُودَ) لَا خُصُوصِيَّةَ لِآبَارِ ثَمُودَ بِالذِّكْرِ وَمِثْلُهُ آبَارُ قَوْمِ لُوطٍ وَكُلِّ قَوْمٍ أَهْلَكَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَلَا الِانْتِفَاعُ) أَيْ فِي عَجْنٍ أَوْ طَبْخٍ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مَاءُ عَذَابٍ) أَيْ مَاءُ قَوْمٍ وَقَعَ بِهِمْ الْعَذَابُ فَرُبَّمَا يَحْصُلُ لِلْمُسْتَعْمِلِ آثَارٌ مِنْ ذَلِكَ الْعَذَابِ أَوْ كَرَاهَةً فِيهِمْ وَبُغْضًا لَهُمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَبْغَضَهُمْ (قَوْلُهُ لَا لِنَجَاسَتِهِ) أَيْ فَهُوَ طَهُورٌ نَعَمْ بِئْرُ النَّاقَةِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا لَا مَنْعَ فِيهَا (قَوْلُهُ يُمْنَعُ التَّيَمُّمُ بِأَرْضِهَا) هَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُ الْحَطَّابُ عَنْ أَلْغَازِ ابْنِ فَرْحُونٍ قَالَ عج.
وَذَكَرَ تت فِي فَصْلِ التَّيَمُّمِ أَنَّهُ صَحَّحَ الْقَوْلَ بِجَوَازِ التَّيَمُّمِ عَلَى تُرَابِ أَرْضِ ثَمُودَ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِمَنْعِ الِاسْتِعْمَالِ) مُقَابَلَةُ الْقَوْلِ بِالْكَرَاهَةِ يُعْلَمُ مِنْ عج (قَوْلُهُ صَحَّتْ) كَذَا يَنْبَغِي وَذَكَرَ أَنَّ شَارِحَ حُدُودِ ابْنِ عَرَفَةَ صَرَّحَ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ وَكَذَا د وَلَمْ يَعْزُهُ لِمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ فِي الْمَذْهَبِ) إنَّمَا قَالَ رَدًّا عَلَى مَا نَقَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي عَنْ ابْنِ التِّينِ أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ ابْنِ حَبِيبٍ مَنْعَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ قَالَ ح قُلْت تَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ مَطْعُومٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَرَادَ الْعَذْبَ وَهَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي الْمَذْهَبِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ جُمِعَ مِنْ نَدًى) أَيْ جُمِعَ فِي يَدِ الْمُتَوَضِّئِ أَوْ الْمُغْتَسِلِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ جُمِعَ فِي إنَاءٍ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ كَذَا فِي ك (فَإِنْ قُلْت) هَلْ يَرِدُ هَذَا عَلَى تَعْرِيفِ الشَّيْخِ لِلْمُطْلَقِ فَإِنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ إلَّا مَعَ كَوْنِهِ مَاءَ نَدًى (قُلْت) لَا يَرِدُ عَلَيْهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّدَى لَيْسَ شَيْئًا انْضَافَ إلَى الْمَاءِ
أَحْوَالٌ لِلْمُطْلَقِ لَا يُسْلَبُ مَعَهَا مَا ثَبَتَ لَهُ مِنْ رَفْعِ الْحَدَثِ وَحُكْمِ الْخَبَثِ وَلَمَّا كَانَ صِدْقُ حَدِّ الْمُطْلَقِ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى أَكْثَرِهَا غَيْرَ ظَاهِرٍ عَلَى مَا لَا يَخْفَى أَتَى بِهَا فِي صُورَةِ الْإِغْيَاءِ تَنْبِيهًا عَلَى بُعْدِهَا مِنْ حَقِيقَةِ الْمُطْلَقِ الَّذِي ذُكِرَ، وَإِنْ أُلْحِقَتْ بِهِ فِي الْحُكْمِ وَمَفْعُولُ جَمَعَ وَفَاعِلُ ذَابَ وَمَعْنَاهُ تَمَيَّعَ بَعْدَ جُمُودِهِ وَاسْمُ كَانَ وَمَفْعُولُ خُولِطَ وَفَاعِلُ تَغَيَّرَ ضَمَائِرُ عَائِدَةٌ عَلَى الْمُطْلَقِ أَوْ عَلَى الْمَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِّ وَهُمَا بِمَعْنَى وَكَذَلِكَ الْهَاءَاتُ فِي مُغَيِّرِهِ وَقَرَارِهِ عَائِدَةٌ عَلَى مَا ذُكِرَ فَمَعْنَى كَلَامِهِ يُرْفَعُ الْحَدَثُ وَحُكْمُ الْخَبَثِ بِالْمُطْلَقِ، وَإِنْ جَمَعَ ذَلِكَ الْمُطْلَقَ مِنْ نَدَى وَالنَّدَى قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْمَطَرُ وَالْبَلَلُ وَنَدَى الْأَرْضِ نَدَوَاتُهَا وَبَلَلُهَا اهـ. وَالظَّاهِرُ مِنْ عُرْفِ النَّاسِ الْيَوْمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ بَلَلُ الْأَرْضِ وَمَا يَقَعُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَوْرَاقِ الشَّجَرِ وَلَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ صَارَ كَقَرَارِهِ فَإِذَنْ لَا يَضُرُّ تَغَيُّرُ رِيحِ الْمَاءِ مِنْ وَرَقِ الشَّجَرِ حَيْثُ جُمِعَ مِنْ فَوْقِهِ خِلَافًا لِابْنِ فُجْلَةَ.
(ص) أَوْ ذَابَ بَعْدَ جُمُودِهِ (ش) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى جَمَعَ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْإِغْيَاءِ أَيْ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُطْلَقُ جَامِدًا، ثُمَّ ذَابَ كَالْبَرَدِ وَالْجَلِيدِ وَالثَّلْجِ يَذُوبُ، وَهُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ ذَابَ الشَّيْءُ يَذُوبُ ذَوْبًا وَذَوَابًا نَقِيضُ جَمَدَ أَذَابَهُ غَيْرُهُ وَذَوَّبَهُ بِمَعْنَى وَاحِدٍ وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ شَامِلٌ لِلْمِلْحِ الذَّائِبِ فِي غَيْرِ مَوْضُوعِهِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَاءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَ فِي غَيْرِهِ فَإِنَّهُ فِي حَالَةِ الْوُقُوعِ مِنْ جِنْسِ الطَّعَامِ وَلِذَلِكَ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِيهِ الْخِلَافَ الْآتِيَ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ هُنَا وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ ذَابَ أَيْ أَوْ ذَوَّبَهُ مُذَوَّبُ بِتَسْخِينٍ بِنَارٍ أَوْ شَمْسٍ وَإِذَا وُجِدَ دَاخِلَ الْبَرْدِ إذَا ذَابَ شَيْءٌ مُفَارِقٌ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ لَهُ بَعْدَ سَيَلَانِهِ فَإِنْ غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ سَلَبَ طَهُورِيَّتَهُ وَبَعْدَ ذَلِكَ حُكْمُهُ كَمُغَيِّرِهِ، وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْ أَحَدَ أَوْصَافِهِ كَانَ طَهُورًا عَلَى حَالِهِ.
(ص) أَوْ كَانَ سُؤْرَ بَهِيمَةٍ (ش) يَعْنِي وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ شَرَابِ الْبَهِيمَةِ طَهُورٌ سَوَاءٌ كَانَتْ جَلَّالَةً أَمْ لَا وَلَا يُعَارِضُ هَذَا مَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ وَمَا لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي الطَّهَارَةِ وَهُنَاكَ فِي كَوْنِهِ مَكْرُوهًا وَمَنْ قَيَّدَ هَذَا بِمَا يَأْتِي
ــ
[حاشية العدوي]
وَإِنَّمَا هُوَ صِفَةٌ لِلْمَاءِ كَمَا يُقَالُ مَاءُ الْمَطَرِ أَيْ مَاءٌ مَمْطُورٌ فَهُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِهِمْ صَلَاةُ الْأُولَى كَذَا قَالَ بَهْرَامُ أَيْ فَتَكُونُ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةً (قَوْلُهُ أَحْوَالٌ لِلْمُطْلَقِ) أَيْ أَنْوَاعٌ لَهُ أَيْ مِنْ جُمْلَةِ أَنْوَاعِهِ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ لَا يَسْلُبُ مَعَهَا إلَخْ يَدْفَعُهُ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ أَنَّ الْمُرَادَ الْأَوْصَافُ (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى أَكْثَرِهَا) أَوْ لِلتَّرَدُّدِ (قَوْلُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ عَلَى مَا لَا يَخْفَى إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَفْرَادِ الْمُطْلَقِ إلَّا أَنَّهَا أُلْحِقَتْ بِهِ فِي الْحُكْمِ وَكَيْفَ يُقَالُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهُ مَعَ الْإِتْيَانِ بِالْغَايَةِ الْمُفِيدَةِ أَنَّهَا مِنْهُ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَنْبِيهٌ عَلَى بُعْدِهَا مِنْ حَقِيقَةِ الْمُطْلَقِ أَيْ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ، وَإِنْ أُلْحِقَتْ بِالْمُطْلَقِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ فِي الْحُكْمِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْهُ حَقِيقَةً وَالتَّعْرِيفُ صَادِقٌ عَلَيْهَا (قَوْلُهُ عَائِدَةٌ عَلَى الْمُطْلَقِ) أَيْ، وَإِنْ جُمِعَ الْمُطْلَقُ أَيْ جُمِعَتْ أَفْرَادُهُ؛ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَوْصُوفَةُ بالمجموعية وَالْمُخَالَطَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى الْمَاءِ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ مَا قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا لَفْظُهَا وَأَنَّ إضَافَةَ اسْمٍ إلَيْهَا بَيَانِيَّةٌ (فَإِنْ قُلْت) قَوْلُهُ أَوْ عَلَى الْمَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِّ أَيْ فِي قَوْلِهِ، وَهُوَ مَا صَدَقَ أَيْ شَيْءٌ صَدَقَ عَلَيْهِ الَّذِي هُوَ الْمَاءُ (قُلْت) التَّعْرِيفُ لِلْمَاهِيَّاتِ لَا لِلْأَفْرَادِ وَالْمَجْمُوعُ مِنْ نَدًى لَيْسَ الْمَاهِيَّاتِ بَلْ الْأَفْرَادُ وَأَيْضًا التَّعَارِيفُ لَا يُبَالِغُ عَلَيْهَا فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَالْمُبَالَغُ عَلَيْهِ هُوَ قَوْلُهُ، وَهُوَ الْحَدَثُ أَيْ أَفْرَادُهُ وَكَذَا قَوْلُهُ وَحُكْمُ الْخَبَثِ (قَوْلُهُ وَالْبَلَلُ) أَيْ كَاَلَّذِي يَنْزِلُ عَلَى الْأَرْضِ وَالْأَشْجَارِ آخِرَ اللَّيْلِ وَقَوْلُهُ وَنَدَى الْأَرْضِ بِالْأَلِفِ الْمَقْصُورَةِ كَمَا فَهِمْته مِنْ نُسْخَةِ الصِّحَاحِ يُظَنُّ بِهَا الصِّحَّةُ (قَوْلُهُ وَبَلَلُهَا) عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَهَذَا مَا أَشَارَ لَهُ الْجَوْهَرِيُّ بِالْبَلَلِ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ إلَخْ) أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ النَّدَى فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ الَّذِي أَشَارَ لَهُ الْجَوْهَرِيُّ الَّذِي هُوَ الْمَطَرُ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ مَا تُعُورِفَ عِنْدَ النَّاسِ، وَهُوَ مَا نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ وَالْجُدْرَانِ آخِرَ اللَّيْلِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ بَلَلُ الْأَرْضِ الْأَوْلَى الْإِتْيَانُ بِعِبَارَةٍ تُفْهِمُ الْمَقْصُودَ صَرِيحًا بِأَنْ يَقُولَ إنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا يَقَعُ عَلَى الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ مِنْ الْبَلَلِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ
(قَوْلُهُ وَلَا يَضُرُّ إلَخْ) قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُضِرًّا وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ كَالْمُتَغَيِّرِ بِقَرَارِهِ لِنُدُورِهِ اهـ. فَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّهُ لَا يَضُرُّ وَلَوْ اللَّوْنُ أَوْ الطَّعْمُ؛ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ بِالْقَرَارِ لَا يَضُرُّ مُطْلَقًا وَالتَّفْرِقَةُ بَيْنَ الرِّيحِ وَغَيْرِهِ تَفْرِقَةٌ مِنْ غَيْرِ فَارِقٍ.
(قَوْلُهُ كَالْبَرَدِ إلَخْ) الْبَرَدُ بِفَتْحَتَيْنِ شَيْءٌ يَنْزِلُ مِنْ السَّحَابِ يُشْبِهُ الْحَصَى وَيُقَالُ لَهُ حَبُّ السَّحَابِ (قَوْلُهُ وَالْجَلِيدِ) مَا سَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ النَّدَى فَيَجْمُدُ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ (قَوْلُهُ وَالثَّلْجِ) هُوَ مَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ، ثُمَّ يَنْعَقِدُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، ثُمَّ يَذُوبُ بَعْدَ جُمُودِهِ.
(قَوْلُهُ وَأَذَابَهُ غَيْرُهُ) لَفْظَةُ غَيْرُهُ فَاعِلُ أَذَابَ لَا أَنَّهَا فِعْلٌ وَجَدْته مَضْبُوطًا فِي نُسْخَةٍ يُظَنُّ مِنْهَا الصِّحَّةُ مِنْ الصِّحَاحِ وَكُنْت أَوَّلًا تَرَدَّدْت وَخَطَر بِبَالِي ذَلِكَ الضَّبْطُ ثُمَّ وَجَدْته فَالْحَمْدُ لِلَّهِ (قَوْلُهُ مَا إذَا وَقَعَ فِي غَيْرِهِ) أَيْ وَقَعَ مِلْحٌ فِي مَاءٍ أَيْ قَصْدًا؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ الْآتِيَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَطْرُوحِ قَصْدًا وَسَيَأْتِي أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ (قَوْلُهُ وَلِذَلِكَ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ) وَالْمُقَابِلُ الَّذِي يَقُولُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ يَقُولُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الطَّعَامِ (قَوْلُهُ وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ ذَابَ) لَا يَخْفَى أَنَّا نَقُولُ هَذَا مِنْ مَصْدُوقِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ ذَابَ شَامِلٌ لِمَا إذَا ذَابَ بِنَفْسِهِ أَوْ ذَوَّبَهُ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ دَاخِلَ الْبَرَدِ) أَيْ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الثَّلْجِ وَالْجَلِيدِ.
(قَوْلُهُ أَوْ كَانَ سُؤْرَ) السُّؤْرُ بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَقَدْ تُسَهَّلُ أَفَادَهُ الْحَطَّابُ (قَوْلُهُ: وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ إلَخْ) أَيْ فَالْمُرَادُ بِالسُّؤْرِ الْبَقِيَّةُ وَكَذَا يُقَالُ لِبَقِيَّةِ الطَّعَامِ سُؤْرٌ (قَوْلُهُ سَوَاءٌ كَانَتْ جَلَّالَةً أَمْ لَا) أَيْ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَأْكُولَةَ اللَّحْمِ أَوْ لَا (قَوْلُهُ وَمَنْ قَيَّدَ هَذَا بِمَا يَأْتِي) أَيْ قَيَّدَهُ بِسَبَبِ مَا يَأْتِي أَوْ بِنَقِيضِ مَا يَأْتِي أَيْ فَقَالَ أَوْ كَانَ سُؤْرَ بَهِيمَةٍ وَلَمْ تَكُنْ جَلَّالَةً وَالْمُقَيِّدُ هُوَ بَعْضُ شُيُوخِ الشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيِّ وَعِبَارَةُ تت وَظَاهِرُهُ كَانَتْ تَأْكُلُ الْأَرْوَاثَ أَوْ لَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ
فَفِيهِ نَظَرٌ.
(ص) أَوْ حَائِضٍ وَجُنُبٍ (ش) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَجْرُورِ، وَهُوَ بَهِيمَةٌ أَيْ أَنَّ فَضْلَةَ شَرَابِ الْحَائِضِ أَوْ الْجُنُبِ طَهُورٌ وَسَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ وَسَوَاءٌ كَانَا شَارِبَيْ خَمْرٍ أَوْ لَا وَنُسْخَةُ الْوَاوِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى الصُّورَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ فَأَحْرَى سُؤْرُ أَحَدِهِمَا فَلَا حَاجَةَ إلَى جَعْلِ الْوَاوِ بِمَعْنَى أَوْ.
(ص) أَوْ فَضْلَةِ طُهَارَتِهِمَا (ش) أَيْ أَنَّ فَضْلَةَ طُهَارَةِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ أَيْ مَا فَضَلَ مِنْهُمَا بَعْدَ أَنْ تَطَهَّرَا فَإِنَّهُ طَهُورٌ وَلَا أَثَرَ لِمَا تَسَاقَطَ مِنْهُمَا فِي الْإِنَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَسَوَاءٌ نَزَلَا فِي الْمَاءِ أَوْ اغْتَرَفَا خِلَافًا لِمَنْ قَيَّدَ ذَلِكَ بِالِاغْتِرَافِ لِئَلَّا يَصِيرَ مَكْرُوهًا لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي الطُّهَارَةِ وَالْكَرَاهَةُ شَيْءٌ آخَرُ.
(ص) أَوْ كَثِيرًا خُلِطَ بِنَجَسٍ لَمْ يُغَيَّرْ (ش) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى خَبَرِ كَانَ أَيْ أَنَّ الْمَاءَ الْكَثِيرَ، وَهُوَ الزَّائِدُ عَلَى آنِيَةِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ إذَا خُولِطَ بِشَيْءٍ نَجِسٍ وَأَوْلَى بِطَاهِرٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ فَإِنَّ وُقُوعَ ذَلِكَ فِيهِ لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ وَقَوْلُهُ خُلِطَ وَأَحْرَى جُووِرَ فَمَفْهُومُهُ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ وَكَذَلِكَ مَفْهُومُ كَثِيرًا إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَعْتَبِرْ هَذَا الْمَفْهُومَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَفْهُومَ شَرْطٍ فَصَرَّحَ بِهِ فِيمَا سَيَأْتِي.
(ص) أَوْ شَكَّ فِي مُغَيِّرِهِ هَلْ يَضُرُّ (ش) أَيْ أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي مُغَيِّرِ الْمَاءِ هَلْ حَصَلَ مِنْ جِنْسِ مَا يَضُرُّ، وَهُوَ مَا يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا كَطَعَامٍ أَوْ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يَضُرُّ كَقَرَارِهِ فَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ عَلَى الطَّهُورِيَّةِ وَلَا يَنْتَقِلُ الْمَاءُ عَنْ أَصْلِهِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ مَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمُغَيِّرَ مُفَارِقٌ وَشَكَّ فِي طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ فَالْمَاءُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ شَكَّ أَنَّهُ لَوْ ظَنَّ أَنَّ مُغَيِّرَهُ مِمَّا يَضُرُّ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَهُوَ كَذَلِكَ إذْ الْحُكْمُ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَلَى الظَّنِّ فَقَوْلُهُ هَلْ يَضُرُّ بَدَلٌ مِنْ شَكَّ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ عَلَيْهِ أَوْ تَفْسِيرٌ لَهُ بِحَسَبِ الْمَعْنَى قَوْلُهُ هَلْ يَضُرُّ أَيْ هَلْ هُوَ مِمَّا يُفَارِقُهُ غَالِبًا أَوْ مِنْ قَرَارِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ شَكَّ فِي مُغَيِّرِهِ هَلْ هُوَ طَاهِرٌ أَوْ نَجِسُ فَإِنَّ هَذَا يُجْتَنَبُ أَيْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِهِ أَوْ شَكَّ فِي مُغَيِّرِهِ إلَخْ وَبَيْنَ قَوْلِهِ يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ وَيَشُكُّ فِي حَدَثٍ وَالْجَامِعُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا شَكَّ فِي الْمَانِعِ فَلَا أَثَرَ لَهُ وُقُوفًا مَعَ قَوْلِهِ عليه السلام «خَلَقَ اللَّهُ الْمَاءَ طَهُورًا» الْحَدِيثَ
ــ
[حاشية العدوي]
اهـ. أَيْ فَهُوَ قَائِلٌ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ يُقَيِّدُ أَنْ لَا تَأْكُلَ الْأَرْوَاثَ وَانْتَصَرَ مُحَشِّي تت لتت بِقَوْلِهِ مَا قَالَهُ صَوَابٌ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ هُنَا فِي الْمُطْلَقِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ شَيْئًا هُنَا مِمَّا يُكْرَهُ وَلِقَوْلِهِ أَوْ كَثِيرًا خُلِطَ بِنَجَسٍ فَلَوْ كَانَ كَلَامُهُ هُنَا فِي الْمُطْلَقِ وَلَوْ مَعَ كَرَاهَةٍ مَا قَيَّدَ بِالْكَثِيرِ.
(قَوْلُهُ أَوْ فَضْلَةِ) مَعْطُوفٌ عَلَى سُؤْرِ وَقَوْلُهُ طُهَارَتِهِمَا بِضَمِّ الطَّاءِ وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيْ فَضْلَةٍ هِيَ طُهَارَتُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْكَسْرُ وَلَا الْفَتْحُ أَمَّا الْفَتْحُ فَلِأَنَّ الطَّهَارَةَ بِالْفَتْحِ إمَّا الصِّفَةُ الْحُكْمِيَّةُ الْمُعَرَّفَةُ بِمَا تَقَدَّمَ وَإِمَّا مَصْدَرُ طَهُرَ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْهَاءِ وَضَمِّهِمَا وَكُلٌّ لَا يَصِحُّ، وَأَمَّا الْكَسْرُ فَهُوَ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ مِنْ غَاسُولٍ وَنَحْوِهِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) أَيْ طَهُورٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَمُقَابِلُهُ أَنَّهُ لَا يُتَطَهَّرُ بِفَضْلَةِ تَطْهِيرِ الْحَائِضِ قَالَ بَعْضٌ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَجْرِيَ ذَلِكَ فِي فَضْلَةِ تَطْهِيرِ الْجُنُبِ (قَوْلُهُ لِئَلَّا يَصِيرَ مَكْرُوهًا) ؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَدَثٍ وَسَيَأْتِي أَنَّ مَحَلَّ كَرَاهَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي حَدَثٍ إذَا كَانَ يَسِيرًا (قَوْلُهُ أَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي الطَّهَارَةِ) الْأَوْلَى الطَّهُورِيَّةُ.
(قَوْلُهُ أَوْ كَثِيرًا خُلِطَ بِنَجَسٍ لَمْ يُغَيَّرْ) أَيْ خِلَافًا لِابْنِ وَهْبٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ أَنَّهُ غَيْرُ طَهُورٍ قَالَ الشَّارِحُ وَلَعَلَّ ابْنَ وَهْبٍ لَا يَرَى ذَلِكَ كَثِيرًا وَإِلَّا فَمَتَى كَانَ كَثِيرًا فَلَا خِلَافَ فِي طَهُورِيَّتِهِ (قَوْلُهُ الزَّائِدُ عَلَى آنِيَةٍ إلَخْ) لَوْ قَالَ الْمُرَادُ بِالْكَثِيرِ مَا كَانَ أَزْيَدَ مِنْ آنِيَةِ الْغُسْلِ لَكَفَى قَالَ الشَّارِحُ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْقَلِيلِ مِنْ الْمَاءِ فَقِيلَ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَدٌّ بَلْ بِمِقْدَارِ الْعَادَةِ وَوَقَعَ لِمَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ قَدْرَ آنِيَةِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ (قَوْلُهُ وَكَذَا مَفْهُومُ كَثِيرًا) لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ يُفِيدُ أَنَّهُ يَضُرُّ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَسِيرٌ كَآنِيَةِ وُضُوءٍ إلَخْ يُفِيدُ أَنَّهُ طَهُورٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ دَلَالَةَ الْمَنْطُوقِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ لَكِنْ عَلَيْهِ مُؤَاخَذَةٌ فِي الْعُدُولِ عَنْ اللَّفْظِ الشَّامِلِ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ إلَى التَّقْيِيدِ الشَّامِلِ لِلْقَلِيلِ لَكِنْ قَدْ عَلِمْت جَوَابَهُ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ سَيَأْتِي يُصَرِّحُ بِهَذَا الْمَفْهُومِ فَلَمْ يَعْتَبِرْهُ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ لَيْسَ مِنْ الْمَفَاهِيمِ الْمُعْتَبَرَةِ عِنْدَهُ إلَّا أَنَّهُ يَرِدُ أَنَّهُ تَقَدَّمَ لِلشَّارِحِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ يَعْتَبِرُ مَفْهُومَ الْمُوَافَقَةِ كَالشَّرْطِ فَهَذَا يُنَافِيهِ فَلَعَلَّ الْمُنَاسِبَ لِمَا تَقَدَّمَ أَنْ يَقُولَ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ الْمَفْهُومِ، وَإِنْ كَانَ يَعْتَبِرُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ.
(قَوْلُهُ أَنَّهُ لَوْ ظَنَّ أَنَّ مُغَيِّرَهُ مِمَّا لَا يَضُرُّ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ) ، وَإِنْ لَمْ يَقْوَ الظَّنُّ كَذَا قَالَ عج وَتَبِعَهُ عبق (قَوْلُهُ وَالْحُكْمُ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَلَى الظَّنِّ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ كَثِيرًا كَالْبِرْكَةِ أَوْ قَلِيلًا كَالْآبَارِ لَكِنَّ الثَّانِيَ مَحَلُّ وِفَاقٍ وَالْأَوَّلُ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ، وَأَمَّا لَوْ عَلِمَ أَنَّ التَّغَيُّرَ مِمَّا يَضُرُّ فَإِنَّهُ يَضُرُّ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا تَغَيَّرَ مَاءُ الْبِئْرِ وَنَحْوِهَا، فَإِنْ تَحَقَّقَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ الَّذِي غَيَّرَهُ مِمَّا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ أَيْ وَالطَّاهِرِيَّةَ لِقُرْبِهَا مِنْ الْمَرَاحِيضِ وَرَخَاوَةِ أَرْضِهَا أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَضُرُّ، وَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ مِمَّا لَا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ أَوْ ظَنَّ ذَلِكَ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَالْمَاءُ طَهُورٌ، وَأَمَّا الْمَاءُ الْكَثِيرُ كَخَلِيجِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ يَظُنُّ أَنَّ تَغَيُّرَهُ مِمَّا يَصُبُّ فِيهِ مِنْ الْمَرَاحِيضِ فَهَلْ هُوَ طَهُورٌ، وَهُوَ مَا قَالَ الْبَاجِيُّ أَنَّهُ ظَاهِرُ السَّمَاعِ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهُ الِاسْتِعْمَالِ أَوْ هُوَ كَالْمَاءِ الْقَلِيلِ فَيَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ أَيْ وَالطَّاهِرِيَّةَ بِذَلِكَ، وَهُوَ مَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ وَالْأَوْلَى كَمَا قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ تَرْكُ اسْتِعْمَالِ مَا شَكَّ فِي مُغَيِّرِهِ وَحَيْثُ ظَنَّ الْمُسْتَعْمِلُ أَنَّهُ يَضُرُّ وَلَمْ يُعَارِضْهُ ظَنُّ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِظَنِّهِ قَطْعًا وَالظَّاهِرُ بَلْ الْوَاجِبُ الْعَمَلُ بِظَنِّ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ عِنْدَ التَّعَارُضِ كَذَا ذَكَرَهُ عج رحمه الله (قَوْلُهُ بِحَسَبِ الْمَعْنَى) ، وَأَمَّا بِحَسَبِ اللَّفْظِ فَلَيْسَ تَفْسِيرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِأَيِّ التَّفْسِيرِيَّةِ (أَقُولُ) يُقَالُ لَهُ تَفْسِيرٌ عَلَى حَذْفِ أَيْ (قَوْلُهُ فَإِنَّ هَذَا يُجْتَنَبُ) أَيْ فِي الْعِبَادَاتِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْعَادَاتِ (قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ) مُبْتَدَأٌ.
(قَوْلُهُ وُقُوفًا) كَذَا فِي نُسْخَتِهِ بِالنَّسَبِ فَيَكُونُ الْخَبَرُ مَحْذُوفًا
وَأَمَّا مَا يَأْتِي فَإِنَّهُ شَكٌّ فِي الشَّرْطِ وَالذِّمَّةُ عَامِرَةٌ فَلَا تَبْرَأُ إلَّا بِيَقِينٍ وُقُوفًا مَعَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] إلَخْ أَيْ يَقِينًا.
(ص) أَوْ تَغَيَّرَ بِمُجَاوِرِهِ (ش) مُجَاوِرُهُ بِالْهَاءِ وَالتَّاءِ وَعَلَى كُلٍّ فَالْمُرَادُ بِهِ تَغَيُّرُ رِيحِهِ فَقَطْ بِحَسَبِ الصُّورَةِ بِرَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ كَالْجِيفَةِ أَوْ طَيِّبَةٍ كَنَبْتٍ مُجَاوِرٍ لَهُ فَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّائِحَةَ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هِيَ فِي الشَّيْءِ الْمُجَاوِرِ لِلْمَاءِ لَا فِيهِ هَذَا إنْ كَانَ الْمُجَاوِرُ مُنْفَصِلًا غَيْرَ مُلَاصِقٍ بَلْ، وَإِنْ كَانَ تَغَيُّرَ الْمُجَاوَرَةِ (بِدُهْنٍ لَاصَقَ) سَطْحَهُ وَلَمْ يُمَازِجْهُ وَلَاصَقَ فِعْلٌ مَاضٍ يُقَالُ بِالصَّادِ وَالسِّينِ وَالزَّايِ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُجَاوِرَ قِسْمَانِ لَا يُسْتَغْنَى بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ التَّغَيُّرِ فِي الْمُلَاصِقِ أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ عَطَاءِ اللَّهِ وَابْنُ بَشِيرٍ وَابْنُ رَاشِدٍ وَاعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَاتِ وَأَقْوَالَهُمْ أَنَّ كُلَّ تَغَيُّرٍ بِحَالٍ مُعْتَبَرٌ، وَإِنْ لَمْ يُمَازِجْ وَبِنَقْلِ عَبْدِ الْحَقِّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ الشَّيْخِ وَالْقَابِسِيِّ مَاءٌ اُسْتُقِيَ بِدَلْوٍ دُهِنَ بِزَيْتٍ غَيْرُ طَهُورٍ اهـ.
(ص) أَوْ بِرَائِحَةِ قَطِرَانِ وِعَاءِ مُسَافِرٍ (ش) أَيْ أَنَّ الْمَاءَ إذَا تَغَيَّرَ بِرَائِحَةِ الْقَطِرَانِ الْبَاقِيَةِ فِي الْوِعَاءِ أَوْ بِإِلْقَاءِ جِرْمِهِ فِي وِعَاءِ مُسَافِرٍ فَظَهَرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُهُ وَلَا طَعْمُهُ فَهُوَ طَهُورٌ يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْهُ مُرَاعَاةً لِمُطْلَقِ الِاسْمِ عَلَى الْأَرْجَحِ عِنْدَ سَنَدٍ فَقَوْلُهُ أَوْ بِرَائِحَةِ قَطِرَانٍ مَعْطُوفٌ عَلَى بِدُهْنٍ دَاخِلٌ فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ لَا عَلَى مُجَاوِرِهِ إذْ الْقَطِرَانُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُجَاوِرِ وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ وَالتَّقْدِيرُ: وَإِنْ كَانَتْ الْمُجَاوَرَةُ بِسَبَبِ رَائِحَةِ قَطِرَانٍ وَتَقْيِيدُ الْمُؤَلِّفِ بِالْمُسَافِرِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ بَلْ لَا يَضُرُّ تَغَيُّرُ الرِّيحِ مُطْلَقًا وَيَضُرُّ تَغَيُّرُ اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ مُطْلَقًا وَالْحَاصِلُ كَمَا قَالَهُ الْحَطَّابُ إنْ تَغَيَّرَ رِيحُ الْمَاءِ فَقَطْ مِنْ الْقَطِرَانِ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّغَيُّرِ بِالْمُجَاوِرِ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ وَلَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالضَّرُورَةِ وَلَا بِالسَّفَرِ، وَإِنْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لَا فِي الْحَضَرِ وَلَا فِي السَّفَرِ إلَّا عَلَى ظَاهِرِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ رَاشِدٍ عَنْ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَيَتَقَيَّدُ حِينَئِذٍ بِالسَّفَرِ وَبِالضَّرُورَةِ إلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَكُنْ
ــ
[حاشية العدوي]
وَالتَّقْدِيرُ ظَاهِرٌ لِأَجْلِ الْوُقُوفِ أَيْ هُنَا وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وُقُوفًا تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فَلَا تَبْرَأُ إلَخْ (أَقُولُ) بِحَمْدِ اللَّهِ الْحَقُّ أَنَّ هَذَا شَكٌّ فِي الْمَانِعِ فَقَطْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ مُحَقَّقُ الْحُصُولِ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ الَّذِي هُوَ مَانِعُهُ وَقَوْلُهُمْ الشَّكُّ فِي الشَّرْطِ مُؤَثِّرٌ مَعْنَاهُ إذَا شَكَّ هَلْ حَصَّلَهُ أَوْ لَا بَعْدَ تَيَقُّنِ الْحَدَثِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ جَازِمًا بِالطَّهَارَةِ، ثُمَّ شَكَّ فِي حَدَثٍ لَحِقَهُ أَوْ لَا فَهُوَ شَكٌّ فِي الْمَانِعِ وَمَنْ يُنَازِعُ فِي ذَلِكَ فَلَا يُخَاطَبُ فَمَا لَنَا حِينَئِذٍ إلَّا مَحْضُ اتِّبَاعِ النَّصِّ فِي النَّقْضِ بِالْحَدَثِ مَعَ كَوْنِهِ شَكًّا فِي الْمَانِعِ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ الشَّرْطِ) أَيْ الَّذِي هُوَ الْوُضُوءُ (قَوْلُهُ وَالذِّمَّةُ عَامِرَةٌ) الذِّمَّةُ وَصْفٌ قَائِمٌ بِالشَّخْصِ وَقَوْلُهُ عَامِرَةٌ أَيْ يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِهَا وَقَوْلُهُ فَلَا تَبْرَأُ أَيْ مِنْهُ إلَّا بِيَقِينٍ أَيْ مِنْ تَحْصِيلِ ذَلِكَ الْحُكْمِ.
(قَوْلُهُ أَوْ تَغَيَّرَ بِمُجَاوِرِهِ) أَيْ بِدُونِ مُلَاصَقَةٍ (قَوْلُهُ تَغَيَّرَ رِيحُهُ فَقَطْ) بَلْ لَوْ فُرِضَ تَغَيُّرُ الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ لَا يَضُرُّ إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ (قَوْلُهُ بِحَسَبِ الصُّورَةِ) أَيْ لَا بِحَسَبِ الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ تَغَيَّرَ بِمُجَاوَرَةٍ لَا يَصِحُّ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَى امْتِنَاعِ انْتِقَالِ الْأَعْرَاضِ، ثُمَّ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَوْ تَيَقَّنَ حُصُولَ التَّغَيُّرِ فِي الْمَاءِ يَضُرُّ عَلَى فَرْضِ حُصُولِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى وُجُودِ التَّغَيُّرِ حَقِيقَةً وَلَا يَرِدُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْأَعْرَاضَ لَا تَنْتَقِلُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ كَمَا أَنَّ الْعَرَضَ يَبْقَى بِبَقَاءِ أَمْثَالِهِ عَلَى مَا فِيهِ يَنْتَقِلُ مِثْلُهُ بِمَعْنَى أَنَّ الْجِيفَةَ لَمَّا جَاوَرَتْ الْمَاءَ يَخْلُقُ اللَّهُ فِي الْهَوَاءِ الْمُلَاقِي لِسَطْحِ الْمَاءِ كَيْفِيَّةً مُمَاثِلَةً لِكَيْفِيَّةِ الْجِيفَةِ، ثُمَّ يَخْلُقُ اللَّهُ فِي الْمَاءِ كَيْفِيَّةً مِثْلَ الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي فِي الْهَوَاءِ الْمُلَاصِقِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الرَّائِحَةَ فِي الْحَقِيقَةِ إلَخْ) بَلْ وَلَوْ فِي الْمَاءِ عَلَى مَا قُلْنَا (قَوْلُهُ بَلْ، وَإِنْ كَانَ تَغَيُّرَ الْمُجَاوَرَةِ) أَيْ تَغَيَّرَ الرِّيحُ بِسَبَبِ الْمُجَاوَرَةِ الْمُلَاصِقَةِ، وَأَمَّا تَغَيُّرُ الطَّعْمِ وَاللَّوْنِ فَإِنَّهُ يَضُرُّ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ مَازَجَ الْمَاءَ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُمَازِجْهُ) وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ دَفْعِ الدُّهْنِ عَنْ وَجْهِ الْمَاءِ عِنْدَ الِاسْتِعْمَالِ إنْ كَانَ الدُّهْنُ كَثِيرًا، وَإِنْ كَانَ كَالنُّقْطَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِلَقْطِهِ قَالَهُ ابْنُ قَدَّاحٍ قَالَ بَعْضٌ الْقَلِيلُ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ لِلَقْطِهِ هُوَ مَا لَوْ مَازَجَ الْمَاءَ لَا يُغَيِّرُهُ (قَوْلُهُ وَاعْتَرَضَ ابْنُ عَرَفَةَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ) أَيْ فَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ ضَعِيفٌ وَصَارَ حَاصِلُهُ أَنَّ التَّغَيُّرَ بِالْمُجَاوِرِ الْمُلَاصِقِ يَضُرُّ مُطْلَقًا لَوْنًا وَطَعْمًا وَرِيحًا (قَوْلُهُ وَبِنَقْلِ عَبْدِ الْحَقِّ إلَخْ) فَرَّقَ صَاحِبُ الْجَمْعِ بَيْنَ الدَّلْوِ وَالدُّهْنِ الْوَاقِعِ عَلَى سَطْحِ الْمَاءِ بِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَاءِ مَازَجَهُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الدُّهْنِ فِي الدَّلْوِ؛ لِأَنَّ الدُّهْنَ يَنْشَغُ مِنْ قَعْرِ الدَّلْوِ وَأَجْنَابِهِ بِخِلَافِ الدُّهْنِ الْوَاقِعِ فِي الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَطْفُو عَلَى وَجْهِهِ وَيَبْقَى مَا تَحْتَهُ سَالِمًا قَالَ الْحَطَّابُ وَصَاحِبُ الْجَمْعِ هَذَا لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَقَوْلُهُ يَنْشَغُ بِالنُّونِ وَالشِّينِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَتَيْنِ أَيْ يَرْفَعُ.
(قَوْلُهُ فَهُوَ طَهُورٌ يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْهُ مُرَاعَاةً لِمُطْلَقِ الِاسْمِ عَلَى الْأَرْجَحِ) هَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي إبْقَاءِ جُرْمِهِ لَا فِي الرَّائِحَةِ فَقَطْ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ الْأُولَى لَمْ يَبْقَ مِنْ جُرْمِ الْقَطِرَانِ فِي الْوِعَاءِ شَيْءٌ قَالَ ح فَلَا شَكَّ أَنَّهُ مِنْ التَّغَيُّرِ بِالْمُجَاوِرِ فَلَا يَسْلُبُ الْمَاءَ الطَّهُورِيَّةَ وَلَا إشْكَالَ فِي ذَلِكَ الثَّانِيَةُ مَا إذَا حَصَلَ التَّغَيُّرُ بِرَائِحَةِ الْقَطِرَانِ مَعَ وُجُودِ جُرْمِهِ فِي الْوِعَاءِ قَالَ سَنَدٌ، فَإِنْ رَاعَيْنَا مُطْلَقَ الِاسْمِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَهُوَ مَاءٌ مُطْلَقٌ حَتَّى يَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَتَثْبُتَ لَهُ صِفَةُ الْإِضَافَةِ، وَإِنْ رَاعَيْنَا مُجَرَّدَ التَّغَيُّرِ مَنَعْنَاهُ وَالْأَوَّلُ عِنْدِي أَرْجَحُ (قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَتْ الْمُجَاوَرَةَ) أَيْ، وَإِنْ كَانَ تَغَيُّرُ الرِّيحِ بِسَبَبِ الْمُجَاوَرَةِ (قَوْلُهُ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ) أَيْ بَلْ الْحَاضِرُ وَالْمُسَافِرُ سَوَاءٌ (قَوْلُهُ مُطْلَقًا) حَاضِرًا أَوْ مُسَافِرًا وَكَذَا قَوْلُهُ بَعْدُ مُطْلَقًا (قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ) أَيْ الْمُتَغَيِّرِ بِالطَّعْمِ أَوْ اللَّوْنِ (قَوْلُهُ إلَّا عَلَى ظَاهِرِ مَا نَقَلَهُ ابْنُ رَاشِدٍ) قَالَ الْحَطَّابُ فَلَوْ أَسْقَطَ لَفْظَةَ رَائِحَةَ أَمْكَنَ
الْقَطِرَانُ دِبَاغًا لِوِعَاءِ الْمَاءِ، فَإِنْ كَانَ دِبَاغًا لِوِعَاءِ الْمَاءِ فَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رِيحًا وَانْظُرْ إذَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ دِبَاغًا أَمْ لَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ أَوْ شَكَّ فِي مُغَيِّرِهِ هَلْ يَضُرُّ.
(ص) أَوْ بِمُتَوَلِّدٍ مِنْهُ (ش) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى بِمُجَاوَرَةِ أَيْ، وَإِنْ تَغَيَّرَ ذَلِكَ الْمُطْلَقُ بِمُتَوَلِّدٍ مِنْ الْمَاءِ كَالْمُتَغَيِّرِ بِالطُّحْلُبِ بِضَمِّ الطَّاءِ وَاللَّامِ وَبِفَتْحِ اللَّامِ أَيْضًا وَهِيَ الْخُضْرَةُ الَّتِي تَعْلُو الْمَاءَ وَالْخَزُّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالزَّايِ مَا يَنْبُتُ فِي جَوَانِبِ الْجُدْرَانِ الْمُلَاصِقَةِ لِلْمَاءِ قَالَ اللَّخْمِيُّ وَالضَّرِيعُ قَالَ بَعْضٌ لَمْ أَقِفْ عَلَى مَعْنَاهُ قَالَ سَيِّدِي زَرُّوقٌ وَالزَّعْلَانُ حَيَوَانٌ صَغِيرٌ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ وَمِنْهُ مَا يَنْشَأُ مِنْ طُولِ مُكْثِهِ بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ كَاصْفِرَارِهِ وَغِلَظِ قَوَامِهِ وَدُهْنِيَّةٍ تَعْلُوهُ مِنْ ذَاتِهِ كُلُّ ذَلِكَ لَا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ سَوَاءٌ غَيَّرَهُ فِي حَالِ اتِّصَالِهِ أَوْ أُلْقِيَ فِيهِ بَعْدَ انْفِصَالِهِ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الثَّانِي عِنْدَ ابْنِ بَشِيرٍ وَعَنْ مَالِكٍ الْكَرَاهَةُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى أَوْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ أَوْ الْجَمِيعُ بِمُتَوَلِّدٍ مِنْهُ كَالطُّحْلُبِ وَنَحْوِهِ وَقَيَّدَ الطُّرْطُوشِيُّ الطُّحْلُبَ إذَا لَمْ يُطْبَخْ فِي الْمَاءِ وَقَبِلَهُ ابْنُ غَازِيٍّ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ حِينَئِذٍ وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرُ الْمَاءِ بِالسَّمَكِ أَوْ رَوْثِهِ احْتَاجَ إلَى ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ إمَّا مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ.
(ص) أَوْ بِقَرَارِهِ (ش) أَيْ أَنَّ الْمَاءَ إذَا تَغَيَّرَ بِمَا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا مِمَّا هُوَ مِنْ قَرَارِ الْأَرْضِ كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ بِطِينٍ أَوْ جَرَى عَلَى كِبْرِيتٍ أَوْ زِرْنِيخٍ أَوْ مِلْحٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ وَاحْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا غَالِبًا مِنْ مِثْلِ حَبْلِ السَّانِيَةِ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَوْ بِقَرَارِهِ كَمِلْحٍ وَلَوْ طُبِخَ بِهِ وَقَالَ الْحَطَّابُ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا طُبِخَ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ فَغَيَّرَهُ فَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ لَهُ حُكْمُ الْمَاءِ الْمُضَافِ وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ قُلْت الْجَارِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ الطُّرْطُوشِيِّ فِي الطُّحْلُبِ إذَا طُبِخَ فِي الْمَاءِ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ تَغَيُّرَ الْمَطْبُوخِ أَقْوَى اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ اُنْظُرْ وَجْهَهُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ.
(ص) أَوْ بِمَطْرُوحٍ وَلَوْ قَصْدًا مِنْ تُرَابٍ أَوْ مِلْحٍ (ش) يَعْنِي أَنَّ
ــ
[حاشية العدوي]
أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ أَشَارَ لِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رَاشِدٍ اهـ. لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مِنْ الْحَطَّابِ فِيهِ نَوْعُ مَيْلٍ لِكَلَامِ ابْنِ رَاشِدٍ فَتَأَمَّلْهُ (قَوْلُهُ يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ عَلَيْهِ) أَيْ إمَّا لِدَفْعِ تَوَهُّمٍ أَوْ إشَارَةٍ لِخِلَافٍ لَكِنْ يَصِيرُ فِيهِ نَوْعُ تَدَافُعٍ؛ لِأَنَّ مَا قَبِلَ الْمُبَالَغَةَ، وَهُوَ تَغَيُّرُ الْمُجَاوَرَةِ عَامٌّ إلَّا أَنْ يَنْظُرَ لِمَا هُوَ الْغَالِبُ فِي تَغَيُّرِ الْمُجَاوَرَةِ مِنْ أَنَّهُ فِي الرَّائِحَةِ فَقَطْ وَالْبَاءُ فِي بِرَائِحَةٍ لِلْمُلَابَسَةِ وَمَا قَبْلَهَا لِلسَّبَبِيَّةِ ذَكَرَ هَذَا كُلَّهُ الْبَدْرُ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْقَطِرَانُ دِبَاغًا) الظَّاهِرُ تَقْيِيدُهُ بِمَا إذَا كَانَ الدِّبَاغُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ لَا إنْ كَانَ مُتَفَاحِشًا وَمِثْلُ التَّغَيُّرِ بِرَائِحَةِ الْقَطِرَانِ التَّغَيُّرُ بِمَا يَكُونُ دِبَاغًا كَالْقَرَظِ وَنَحْوِهِ وَالْقَطِرَانُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهِمَا وَبِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الطَّاءِ.
(قَوْلُهُ وَالْخَزُّ بِالْخَاءِ) مَعْطُوفٌ عَلَى الطُّحْلُبِ وَكَذَا الضَّرِيعُ وَالزَّعْلَانُ وَقَوْلُهُ مَا يَنْبُتُ أَيْ، وَهُوَ مَا يَنْبُتُ وَقَوْلُهُ حَيَوَانٌ أَيْ، وَهُوَ حَيَوَانٌ (قَوْلُهُ وَالضَّرِيعُ قَالَ بَعْضٌ إلَخْ) بَيَّنَهُ فِي الْقَامُوسِ فَقَالَ نَبَاتٌ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ لَهُ عُرُوقٌ لَا تَصِلُ إلَى الْأَرْضِ (قَوْلُهُ وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمُتَوَلِّدِ (قَوْلُهُ قَوَامُهُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِهَا أَيْ أَجْزَاؤُهُ (قَوْلُهُ وَعَنْ مَالِكٍ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْمُقَابَلَةَ لَمْ تَظْهَرْ؛ لِأَنَّ الطَّهُورِيَّةَ لَا تُنَافِي الْكَرَاهَةَ نَعَمْ هَذَا يُؤَيِّدُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ مُحَشِّي تت أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُطْلَقِ الْخَالِي عَنْ الْكَرَاهَةِ (قَوْلُهُ الطُّرْطُوشِيُّ) بِضَمِّ الطَّاءَيْنِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَفٍ نِسْبَةً لِبَلَدِهِ طَرْطُوشَةَ بِالْأَنْدَلُسِ نَشَأَ بِهَا وَتُوُفِّيَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ عَاشَ أَبُو بَكْرٍ سَبْعِينَ سَنَةً وَتُوُفِّيَ فِي جُمَادَى الْأُولَى (قَوْلُ بِالسَّمَكِ) أَيْ الْحَيِّ، فَإِنْ مَاتَ فَحُكْمُهُ كَالطَّاهِرِ فَيَضُرُّ تَغَيُّرُهُ (قَوْلُهُ أَوْ رَوْثِهِ) فِي شَرْحِ عج خِلَافُهُ وَأَنَّ الرَّوْثَ يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَوَلِّدٍ مِنْ الْمَاءِ وَلَا مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَاَلَّذِي أَقُولُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّهُ لَازِمٌ فَكَانَ كَالْقَرَارِ وَلَا يُعْطَى حُكْمُ السَّمَكِ الْمَيِّتِ لِنُدُورِهِ وَفِي كَلَامِ عج آخِرًا إشَارَةٌ لِذَلِكَ هَكَذَا ظَهَرَ لِي سَابِقًا، ثُمَّ ظَهَرَ لِي الْآنَ صِحَّةُ كَلَامِ عج الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ احْتَاجَ إلَى ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ) أَيْ كَالْبَيَاضِ وَالْقُرْمُوطِ وَقَوْلُهُ أَوْ لَا أَيْ كَالصِّيرِ وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي هُوَ الصِّيرُ وَقَوْلُهُ أَوْ مِمَّا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ كَالْبَيَاضِ وَالْقُرْمُوطِ.
(قَوْلُهُ لَوْ تَغَيَّرَ بِطِينٍ أَوْ جَرَى عَلَى كِبْرِيتٍ) حَاصِلُهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ سَوَاءٌ مَرَّ الْمَاءُ عَلَيْهَا أَوْ صُنِعَتْ مِنْهَا أَوَانٍ فَغَيَّرَتْهُ بِمُكْثِهِ فِيهَا أَوْ تَسْخِينِهِ كَقُدُورِ الْحَمَّامَاتِ وَأَوَانِي الْفَخَّارِ وَلَا تُخْرِجُهَا الصَّنْعَةُ وَلَا كَرَاهَةَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَوْ ظَهَرَ طَعْمُ الْقُدُورِ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِمَّنْ مَضَى الْوُضُوءَ مِنْ إنَاءِ الْحَدِيدِ مَعَ سُرْعَةِ تَغَيُّرِهِ وَإِنَّمَا كَانَ الْكِبْرِيتُ وَمَا مَعَهُ غَيْرَ مُضِرٍّ لِلْمَاءِ وَلَوْ نَقَلَ وَمُنِعَ التَّيَمُّمُ بِهِ وَمَا مَعَهُ حَيْثُ نَقَلَ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ ضَعِيفَةٌ.
(تَنْبِيهٌ) : يَدْخُلُ فِي الْقَرَارِ الْجِيرُ وَالطِّفْلُ فَقَدْ نَصَّ الْبُرْزُلِيُّ فِي نَوَازِلِهِ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ إذَا تَغَيَّرَ بِالْجِيرِ وَصَارَ أَصْفَرَ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ وَنَصَّ أَيْضًا فِي مَحَلٍّ آخَرَ عَلَى أَنَّ مَاءَ الْمَطَرِ إذَا تَغَيَّرَ بِالسَّطْحِ بِغَيْرِ نَجَاسَةٍ لَا يَضُرُّ وَالْجِبْسُ مِثْلُ الْجِيرِ كَمَا نَقَلَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ (قَوْلُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ) وَجْهُ النَّظَرِ أَنَّ الْأَثَرَ الَّذِي يَظْهَرُ بِطَبْخِ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ هُوَ مَا يَحْصُلُ بِوَضْعِ الْمِلْحِ فِي الْمَاءِ مِنْ غَيْرِ طَبْخٍ، وَأَمَّا طَبْخُ الطُّحْلُبِ فِي الْمَاءِ فَيَحْصُلُ مِنْهُ تَغَيُّرُ طَعْمِ الْمَاءِ وَلَوْنِهِ وَهَذَا غَيْرُ التَّغَيُّرِ الْحَاصِلِ بِهِ قَبْلَ طَبْخِهِ وَطَبْخُ الْمَاءِ بِالْكِبْرِيتِ وَنَحْوِهِ كَطَبْخِهِ بِالْمِلْحِ كَذَا فِي ك.
(قَوْلُهُ وَلَوْ قَصْدًا) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ قَصْدًا كَأَنَّهُ أَلْقَتْهُ فِيهِ الرِّيحُ وَمِثْلُهُ لَوْ جَرَى بَلْ وَلَوْ طُرِحَ قَصْدًا (قَوْلُهُ مِنْ تُرَابٍ أَوْ مِلْحٍ) حَلُّ الشَّارِحِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِلتُّرَابِ وَالْمِلْحِ بِذَلِكَ بَلْ الْخِلَافُ جَارٍ فِي الْمَغْرَةِ وَالْكِبْرِيتِ وَنَحْوِهِمَا كَالتُّرَابِ فَإِذَنْ يَعْتَرِضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ اكْتَفَى بِذِكْرِ أَقْرَبِ الْأَشْيَاءِ إلَى الْمَاءِ، وَهُوَ التُّرَابُ وَأَبْعَدِهَا عَنْهُ، وَهُوَ الْمِلْحُ لِكَوْنِهِمَا طَرَفَيْ غَايَةٍ حُكْمُ مَا بَيْنَهُمَا كَالْكِبْرِيتِ وَالزِّرْنِيخِ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِمَا
الْمَاءَ لَا يَضُرُّهُ مَا طُرِحَ فِيهِ مِنْ تُرَابٍ أَوْ مِلْحٍ أَوْ مَغْرَةٍ وَكِبْرِيتٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَوْ قَصْدًا عَلَى الْمَشْهُورِ قَلَّ التَّغَيُّرُ أَوْ كَثُرَ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ إنَّ الْمَطْرُوحَ قَصْدًا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ لِانْفِكَاكِ الْمَاءِ عَنْهُ (ص) وَالْأَرْجَحُ السَّلْبُ بِالْمِلْحِ (ش) أَيْ وَالْأَرْجَحُ عِنْدَ ابْنِ يُونُسَ سَلْبُ طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ بِالْمِلْحِ الْمَطْرُوحِ قَصْدًا الْمُغَيِّرِ لِأَحَدِ أَوْصَافِ الْمَاءِ وَأَحْسَنَ مَا قُرِّرَ بِهِ قَوْلُ الْمُؤَلِّفِ (ص) وَفِي الِاتِّفَاقِ عَلَى السَّلْبِ بِهِ إنْ صَنَعَ تَرَدُّدٌ (ش) نَقَلَ الْمَوَّاقُ عَنْ ابْنِ بَشِيرٍ وَنَصُّهُ اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي الْمِلْحِ هَلْ هُوَ كَالتُّرَابِ فَلَا يُنْقَلُ حُكْمَ الْمَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ أَوْ كَالطَّعَامِ فَيَنْقُلُهُ أَوْ الْمَعْدِنِيُّ مِنْهُ كَالتُّرَابِ وَالْمَصْنُوعُ كَالطَّعَامِ ثَلَاثُ طُرُقٍ وَاخْتَلَفَ مَنْ بَعْدَهُمْ هَلْ تَرْجِعُ جَمِيعُ هَذِهِ الطُّرُقِ إلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ مَنْ جَعَلَهُ كَالتُّرَابِ يُرِيدُ الْمَعْدِنِيَّ وَمَنْ جَعَلَهُ كَالطَّعَامِ يُرِيدُ الْمَصْنُوعَ أَوْ مَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، ثُمَّ إنَّ قَوْلَهُ وَالْأَرْجَحُ إلَخْ طَرِيقَةٌ لِلْقَابِسِيِّ وَاخْتَارَهَا ابْنُ يُونُسَ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ وَالْمَذْهَبُ عَدَمُ السَّلْبِ بِمَا تَغَيَّرَ مِنْ الْمِلْحِ الْمَطْرُوحِ وَلَوْ قَصْدًا صَنَعَ أَمْ لَا (ص) لَا بِمُتَغَيِّرٍ لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رِيحًا بِمَا يُفَارِقُهُ غَالِبًا مِنْ طَاهِرٍ أَوْ نَجَسٍ (ش) هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى بِالْمُطْلَقِ أَيْ لَا بِمَاءٍ مُتَغَيِّرٍ أَحَدَ أَوْصَافِهِ الثَّلَاثَةِ بِمَا يُفَارِقُهُ غَالِبًا مِنْ طَاهِرٍ كَلَبَنٍ وَزَعْفَرَانٍ أَوْ نَجِسٍ كَبَوْلٍ وَدَمٍ فَلَا يُرْفَعُ بِهِ حَدَثٌ وَلَا حُكْمُ خَبَثٍ وَقَوْلُهُ غَالِبًا أَيْ كَثِيرًا فَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرُهُ بِمَا لَا يُفَارِقُهُ أَصْلًا كَالسَّمَكِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ أَوْ مَغْرَةٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَصْدًا إلَخْ) فَخُلَاصَتُهُ أَنَّ التُّرَابَ أَوْ غَيْرَهُ لَوْ أَلْقَتْهُ الرِّيحُ مَثَلًا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ بِلَا خِلَافٍ (قَوْلُهُ أَنَّ الْمَطْرُوحَ قَصْدًا يَسْلُبُ إلَخْ) وَجْهُهُ أَنَّ الْمَاءَ يَنْفَكُّ عَنْ هَذَا الطَّارِئِ (قَوْلُهُ وَالْأَرْجَحُ السَّلْبُ بِالْمِلْحِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ خِلَافَ ابْنِ يُونُسَ إنَّمَا هُوَ فِي الْمِلْحِ فَقَطْ وَالْأَرْجَحِيَّةُ رَاجِعَةٌ لِلْمُبَالَغِ عَلَيْهِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ يُونُسَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْمِلْحِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا فَارَقَ الْأَرْضَ صَارَ طَعَامًا لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَلَيْهِ فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ إلَخْ يُفِيدُ مَا قُلْنَا أَنَّ خِلَافَهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمِلْحِ فَقَطْ وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ يُونُسَ ضَعِيفٌ وَالرَّاجِحُ قَوْلُهُ قَبْلُ أَوْ مِلْحٍ، ثُمَّ نَقُولُ قَوْلُهُ وَالْأَرْجَحُ السَّلْبُ بِالْمِلْحِ مُطْلَقًا أَيْ عِنْدَ مَنْ يُبْقِي الْأَقْوَالَ عَلَى ظَاهِرِهَا، وَإِنْ كَانَ مَصْنُوعًا عِنْدَ مَنْ يَجْعَلُ الْقَوْلَ الثَّالِثَ تَفْسِيرًا لِلْقَوْلَيْنِ كَذَا قَالَ اللَّقَانِيِّ
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ عج كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْ قَوْلُهُ وَالْأَرْجَحُ إلَخْ فِيمَا طُرِحَ قَصْدًا إذْ الْمَطْرُوحُ بِغَيْرِ قَصْدٍ يُتَّفَقُ عَلَى عَدَمِ سَلْبِ الطَّهُورِيَّةِ اهـ.
بِلَفْظِهِ (قَوْلُهُ وَأَحْسَنُ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هُنَاكَ تَقْرِيرًا آخَرَ، وَهُوَ كَذَلِكَ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى ذِكْرِهِ (قَوْلُهُ وَمَرْجِعُ ذَلِكَ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ) وَجْهُهَا أَنَّ الِالْتِفَاتَ إلَى أَصْلِهِ يُلْحِقُهُ بِالتُّرَابِ وَالِالْتِفَاتَ إلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي الطَّعَامِ يُلْحِقُهُ بِالطَّعَامِ وَوَجْهُ التَّفْصِيلِ؛ لِأَنَّ الْمَعْدِنِيَّ لَمْ يَنْضَفْ إلَيْهِ زَائِدٌ وَالْمَصْنُوعُ قَدْ انْضَافَ إلَيْهِ زَائِدٌ فَأَخْرَجَهُ عَنْ بَابِهِ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالتَّرَدُّدِ إلَى اخْتِلَافِهِمْ الثَّانِي فِي رَدِّ الْأَقْوَالِ إلَى الْقَوْلِ بِالتَّفْصِيلِ وَعَدَمِ رَدِّهَا قَالَ فِي ك لَكِنْ اُنْظُرْ كَيْفَ مُلَاءَمَةُ ذِكْرِ التَّرَدُّدِ هُنَا لِاصْطِلَاحِ الْمُصَنِّفِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَبِالتَّرَدُّدِ؛ لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ هُنَا لَمْ يَتَرَدَّدُوا فِي النَّقْلِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَلَا فِي الْحُكْمِ نَفْسِهِ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ وَإِنَّمَا تَرَدَّدُوا فِي بَقَاءِ أَقْوَالِ الْمُتَأَخِّرِينَ السَّابِقِينَ عَلَيْهِمْ عَلَى إطْلَاقِهَا أَوْ رَدِّهَا لِقَوْلِ وَاحِدٍ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُؤَلِّفِ فِي اصْطِلَاحِهِ السَّابِقِ بِالْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مُطْلَقَ مَنْ تَقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ عَنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ مُتَأَخِّرِينَ بِاصْطِلَاحِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ قَبْلِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ بَعْدِهِ وَيُرَادُ أَيْضًا عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ مَا نُسِبَ إلَيْهِمْ وَلَوْ بِطَرِيقِ الْفَهْمِ أَوْ الْحَمْلِ مِنْ كَلَامِهِمْ اهـ. مِنْ ك وَفِي الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي الْأَقْسَامُ أَرْبَعَةٌ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ عَنْ عج وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا أَصْلُهُ مَاءٌ وَجَمَدَ يُجْزِئُ اتِّفَاقًا وَمَا أَصْلُهُ مِنْ أَرَاكٍ لَا يُجْزِئُ اتِّفَاقًا وَالْخِلَافُ فِيمَا صُنِعَ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَتُرَابٍ بِنَارٍ وَمَا كَانَ مِنْ مَعْدِنِهِ حِجَارَةٌ وَقَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ يُجْزِئُ اتِّفَاقًا فَاتَّبَعَ فِيهِ عج وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ خِلَافًا إلَّا أَنَّهُ ضَعِيفٌ.
(تَنْبِيهٌ) : لَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ وَفِي الِاتِّفَاقِ عَلَى السَّلْبِ بِهِ إنْ صُنِعَ وَعَلَى عَدَمِ السَّلْبِ بِهِ إنْ لَمْ يُصْنَعْ؛ لِأَنَّ الَّذِينَ يَحْكُونَ اتِّفَاقَ الْمَذْهَبِ عَلَى سَلْبِ الْمَصْنُوعِ لَا يَحْكُونَهُ عَلَى عَدَمِ السَّلْبِ الْمَعْدِنِيِّ أَيْضًا وَإِنَّمَا يَجْعَلُونَهُ كَالتُّرَابِ وَالتُّرَابُ فِيهِ الْخِلَافُ قَالَ ح نَعَمْ إلَّا إنْ أُرِيدَ اتِّفَاقُ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ التُّرَابَ لَا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ فَيَصِحُّ (قَوْلُهُ لَا بِمُتَغَيِّرٍ) اسْمُ فَاعِلٍ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ أَيْ مَاءٌ مُتَغَيِّرٌ وَجَازَ حَذْفُ الْمَوْصُوفِ هُنَا لِقَرِينَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ لَوْنًا مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ الْمُحَوَّلِ عَنْ الْفَاعِلِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِكَانَ الْمَحْذُوفَةِ.
(تَنْبِيهٌ) : قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْبَاقِي لَا بِمُتَغَيِّرٍ تَحْقِيقًا أَوْ غَلَبَةَ ظَنٍّ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَغْلِبْ الظَّنُّ فَلَا يَضُرُّ انْتَهَى كَلَامُهُ، ثُمَّ أَقُولُ هَذَا غَيْرُ مُنَاسِبٍ بَلْ الَّذِي يُفِيدُهُ النَّقْلُ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الظَّنِّ، وَإِنْ لَمْ يَقْوَ وَلَا حَاجَةَ لِجَلْبِ مَا يُفِيدُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ كَبَوْلٍ وَدَمٍ) هَذَا يَقْتَضِي قِرَاءَةَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَوْ نَجَسٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ فَهُوَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ، وَإِنْ كُسِرَتْ فَهُوَ الشَّيْءُ الْمُتَنَجِّسُ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَيَدْخُلُ عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الْفَتْحُ مِنْ الْمُصَنِّفِ بَلْ يَجُوزُ الْأَمْرَانِ كَمَا يُفِيدُهُ الْحَطَّابُ اتِّفَاقًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَعَلَى مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ فِي الثَّالِثِ كَمَا قَالَهُ ك وَقَوْلُهُ غَالِبًا أَيْ بِحَسَبِ كُلِّ قَوْمٍ فَأَهْلُ الْبَوَادِي لَوْ تَغَيَّرَتْ آنِيَتُهُمْ بِالدُّهْنِ فَلَا يَضُرُّ انْتَهَى كَمَا قَالَهُ ابْنُ رَاشِدٍ حَيْثُ جَعَلَ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ مِنْ أَوَانِي الْأَعْرَابِ بِالسَّمْنِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ الْمَاءُ غَالِبًا اُنْظُرْ ح انْتَهَى.
أَيْ فَيُغْتَفَرُ ذَلِكَ لِأَهْلِ الْبَوَادِي دُونَ غَيْرِهِمْ قَالَهُ شَيْخُنَا الصَّغِيرُ (قَوْلُهُ كَالسَّمَكِ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ إنَّ السَّمَكَ الْحَيَّ يُفَارِقُ قَلِيلًا وَالْمُقِرَّ بِوَصْفٍ كَوْنُهُ مُقِرًّا لَا يُفَارِقُ أَصْلًا كَذَا قَرَّرَ شَيْخُنَا رحمه الله (أَقُولُ) وَلَعَلَّ الشَّارِحَ قَصَدَ أَنَّ شَأْنَ السَّمَكِ يُوصَفُ كَوْنُهُ حَيًّا لَا يُفَارِقُ مُسْتَمِرَّ الْحَيَاةِ بَلْ يَمُوتُ، وَأَمَّا الْمُقِرُّ فَقَدْ يُفَارِقُ بِاعْتِبَارِ زَوَالِ الْمَاءِ عَنْ مَوْضِعِهِ أَوْ بِنَقْلِهِ عَنْ مَوْضِعِهِ
الْحَيِّ وَبِمَا يُفَارِقُهُ قَلِيلًا كَمَقَرِّهِ، وَأَمَّا السَّمَكُ إذَا مَاتَ فِيهِ فَهُوَ مِنْ الْمُفَارِقِ كَثِيرًا فَيَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ الْمُؤَلِّفُ لَا بِالْمُتَغَيِّرِ لِيُوَافِقَ بِالْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّهُ عُطِفَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ يَصِحُّ عَطْفُ النَّكِرَةِ عَلَى الْمَعْرِفَةِ أَوْ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الْمُطْلَقَ لَمَّا كَانَ مُتَصَوَّرًا فِي الْأَذْهَانِ صَحَّ أَنْ يُعْرَفَ بِخِلَافِ الْمُتَغَيِّرِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ اللَّوْنَ عَلَى الطَّعْمِ لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِيهِ.
وَإِلَّا كَانَ الْوَاجِبُ تَقْدِيمَ الطَّعْمِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ وَأَخَّرَ الرِّيحَ لِضَعْفِ الْخِلَافِ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَشْهُورَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَضُرُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ خِلَافًا لِابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي إلْغَائِهِ مُطْلَقًا بَلْ قَالَ ابْنُ نَاجِي إنَّهُ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَالرِّسَالَةِ وَنَسَبَ ابْنُ عَرَفَةَ لِسَحْنُونٍ التَّفْرِقَةَ بَيْنَ كَوْنِ تَغَيُّرِ الرِّيحِ كَثِيرًا فَيَضُرُّ أَوْ خَفِيفًا فَلَا يَضُرُّ (ص) كَدُهْنٍ أَوْ بُخَارٍ مُصْطَكَى (ش) مِثَالَانِ لِلطَّاهِرِ الْمُغَيِّرِ الْمُفَارِقِ غَالِبًا هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا مِثَالَيْنِ لِلْمُغَيِّرِ الْمُفَارِقِ غَالِبًا سَوَاءٌ كَانَ طَاهِرًا أَوْ نَجِسًا فَإِنَّ الدُّهْنَ قَدْ يَكُونُ طَاهِرًا وَقَدْ يَكُونُ نَجِسًا وَكَذَا بُخَارُ الْمُصْطَكَى، وَأَمَّا كَوْنُهُمَا مُشَبَّهَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ احْتِمَالًا فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ جُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَ وَالتَّشْبِيهُ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَاءَ إذَا تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ بِالدُّهْنِ الْمُمَازِجِ لَهُ فَإِنَّهُ يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ اتِّفَاقًا وَقَوْلُ الشَّارِحِ فِي الْكَبِيرِ وَالْوَسَطِ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ يُوهِمُ خِلَافًا، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ مُرَادُهُ الرَّدَّ عَلَى إطْلَاقِ قَوْلِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَغَيِّرُ بِالدُّهْنِ طَهُورٌ إذْ يَتَنَاوَلُ بِظَاهِرِهِ الْمُلَاصِقَ وَالْمُخَالِطَ وَقَدْ حَمَلَهُ فِي تَوْضِيحِهِ عَلَى الْمُلَاصِقِ كَمَا تَقَدَّمَ فَالْأَحْسَنُ قَوْلُهُ فِي الصَّغِيرِ، وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَكَذَلِكَ يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ عَنْ الْمَاءِ الْمُتَغَيِّرِ بِنَحْوِ عُودٍ أَوْ مُصْطَكَى أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ فِي التَّغَيُّرِ بَيْنَ الْبَيِّنِ وَالْيَسِيرِ وَالظَّاهِرِ
ــ
[حاشية العدوي]
وَلَا دَاعِيَ إلَى الِالْتِفَاتِ إلَى كَوْنِهِ مُقِرًّا بِوَصْفِ كَوْنِهِ مُقِرًّا (قَوْلُهُ إنَّمَا لَمْ يَقُلْ الْمُؤَلِّفُ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا رحمه الله بَعِيدٌ غَايَةَ الْبُعْدِ إذْ مِثْلُ الْمُصَنِّفِ لَا يَقْصِدُ هَذِهِ الْأُمُورَ وَإِنَّمَا يَقْصِدُهَا مِثْلُ سَعْدِ الدِّينِ (قَوْلُهُ لَمَّا كَانَ مُتَصَوَّرًا فِي الْأَذْهَانِ) أَيْ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ أَوْ لِكَوْنِهِ هُوَ الْأَصْلُ (قَوْلُهُ لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِيهِ) أَيْ أَنَّ مَنْ يَقُولُ بِأَنَّ اللَّوْنَ لَا يَضُرُّ قَوِيٌّ فَاعْتَنَى الْمُصَنِّفُ بِالرَّدِّ عَلَيْهِ أَوَّلًا حَيْثُ قَالَ بِمُتَغَيِّرٍ لَوْنًا وَاَلَّذِي عِنْدَ الشَّيْخِ عَبْدِ الْبَاقِي أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَكَذَا فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ فِي صَدْرِ الْعِبَارَةِ وَكَذَا فِي شَرْحِ الشَّبْرَخِيتِيِّ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَشْهُورَ الْمَذْهَبِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ اللَّوْنَ لَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ إنَّمَا ضَعُفَ الْخِلَافُ فِي الرِّيحِ؛ لِأَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ يَضُرُّ أَيْ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْخِلَافُ قَوِيًّا كَمَسْأَلَةِ اللَّوْنِ فَلَا يَكُونُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَضُرُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ فِي إلْغَائِهِ مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ تَغَيُّرُ الرِّيحِ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا (قَوْلُهُ كَدُهْنٍ) هُوَ كُلُّ مَا يُدْهَنُ بِهِ مِنْ سَمْنٍ أَوْ زَيْتٍ أَوْ وَدَكٍ أَوْ شَيْرَجٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ خَالَطَ الْمَاءَ) أَيْ مَازَجَهُ (قَوْلُهُ أَوْ بُخَارٍ مُصْطَكَى) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا وَيُمَدُّ فِي الْفَتْحِ فَقَطْ وَفِي حَلِّ الشَّارِحِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا خُصُوصِيَّةَ لِبُخَارِ الْمُصْطَكَى بَلْ بُخَارُ الْعُودِ وَنَحْوُهُ كَذَلِكَ وَلِهَذَا لَوْ أَدْخَلَ الْكَافَ عَلَى مُصْطَكَى لِيَدْخُلَ غَيْرُهَا لَكَانَ أَحْسَنَ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّ كَافَ كَدُهْنٍ الدَّاخِلَةَ عَلَى بُخَارٍ دَاخِلَةٌ تَقْدِيرًا عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَهُوَ مُصْطَكَى كَمَا هُوَ عَادَةُ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ) أَيْ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الدُّهْنِ هُوَ وَبُخَارُ الْمُصْطَكَى أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا (قَوْلُهُ وَكَذَا بُخَارُ الْمُصْطَكَى) ضَعِيفٌ بَلْ الْمُعْتَمَدُ الطَّهَارَةُ فَقَطْ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا كَوْنُهُمَا مُشَبَّهَيْنِ إلَخْ) يُمْكِنُ صِحَّتُهُ بِالْمُغَايَرَةِ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ.
وَفِي حَاشِيَةِ الشَّيْخِ يُوسُفَ الْفِيشِيِّ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ تَشْبِيهًا كَمَا قَالَ تت؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُخَالَطَةِ الدُّهْنِ لِلْمَاءِ تَغَيُّرُهُ وَلَوْ جُعِلَ تَمْثِيلًا اقْتَضَى أَنَّ مُخَالَطَةَ الدُّهْنِ لِلْمَاءِ لَا تَضُرُّ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ سَيَأْتِي مَا يُفِيدُ ضَعْفَهُ (قَوْلُهُ إذَا تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ بِالدُّهْنِ الْمُمَازِجِ لَهُ) لَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ اللَّقَانِيِّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مُجَرَّدَ الْمُمَازَجَةِ مُضِرٌّ وَقَدْ عَلِمْته وَكَلَامُ هَذَا الشَّيْخِ يُفِيدُ أَنَّ مُجَرَّدَ الْمُمَازَجَةِ لَا يُؤَثِّرُ ضَرَرًا إلَّا إذَا تَغَيَّرَ الْمَاءُ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَأَخْرَجَ ذَلِكَ الدُّهْنَ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَلِذَلِكَ قَالَ ح عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي سَلْبِ الطَّهُورِيَّةِ إنَّمَا هُوَ تَغَيُّرُ أَوْصَافِ الْمَاءِ لَا مُجَرَّدُ مُخَالَطَةِ الْمَاءِ لِغَيْرِهِ فَلَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ جِلْدٌ أَوْ ثَوْبٌ وَأُخْرِجَ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ لَمْ يَضُرَّهُ وَقَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ (قَوْلُهُ وَقَدْ حَمَلَهُ فِي تَوْضِيحِهِ عَلَى الْمُلَاصِقِ) أَيْ التَّغَيُّرَ بِالرِّيحِ فَقَطْ.
(قَوْلُهُ فَالْأَحْسَنُ قَوْلُهُ فِي الصَّغِيرِ إلَخْ) لَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْعِبَارَةَ قَطْعًا تُفِيدُ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّهُمْ يُطْلِقُونَ الْمَذْهَبَ عَلَى الْقَوْلِ الْمُعْتَمَدِ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ يَسْلُبُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُضِرَّ فِي التَّغَيُّرِ بِالْبُخَارِ إنْ تَبَخَّرَ الْإِنَاءُ فَارِغَةً وَتَحْبِسَ الْبُخَارَ حَتَّى تَصُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَفِي نَحْوِ التَّمْرِ حِنَّةَ وَالْوَرْدِ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُلَاصِقًا لِلْمَاءِ لَا فِيمَا إذَا كَانَتْ الْقُلَّةُ نَاقِصَةً وَوُضِعَ عَلَى نَحْوِ شُبَّاكِهَا فَإِنَّهُ مِنْ التَّغَيُّرِ بِالْمُجَاوِرِ انْتَهَى قَالَ ح خَصَّصَ الْمُصَنِّفُ الْمُتَغَيِّرَ بِالدُّهْنِ الْمُخَالِطِ وَالْمُتَغَيِّرَ بِبُخَارِ الْمُصْطَكَى بِالذِّكْرِ لِنُكْتَةٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِيُنَبِّهَ بِذَلِكَ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ، وَإِنْ بِدُهْنٍ لَاصِقٍ.
وَأَمَّا الْمُتَغَيِّرُ بِبُخَارِ الْمُصْطَكَى فَلِيُنَبِّهَ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ الْخِلَافِ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرِ إلَخْ) الظَّاهِرُ هُوَ الْبَيِّنُ وَالْخَفِيُّ هُوَ الْيَسِيرُ فَحِيَاضُ الرِّيفِ الَّتِي يَغْتَسِلُ فِيهَا النَّصَارَى وَالْجُنُبُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهَا حَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ تَغَيُّرٌ وَمَا قَالَهُ عج عَنْ الْحَطَّابِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَوَضَّأُ مِنْهَا وَلَا يُجْزِئُ أَحَدًا الْغُسْلُ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا صَحِيحٌ لِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مِنْ حُصُولِ النَّجَاسَةِ الْكَثِيرَةِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ تَغَيُّرُ أَحَدِ أَوْصَافِهِ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى فَأَفَادَ أَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِوُجُودِ النَّجَاسَةِ الْكَثِيرَةِ بِالْمَاءِ تَتَضَمَّنُ تَغَيُّرَ أَحَدِ أَوْصَافِهِ، وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ انْتَهَى عج لَيْسَ بِمُنَاسِبٍ؛ لِأَنَّ الْحَطَّابَ ذَكَرَ بَعْدُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ طَهُورٌ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ حَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ تَغَيُّرُهُ وَقَوْلُهُ أَنْ يُدْرِكَ التَّغَيُّرَ فِيهِ أَيْ تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا.
وَالْخَفِيِّ إلَّا مَا يَأْتِي بِالْمُتَغَيِّرِ بِحَبْلِ السَّانِيَةِ فَقَوْلُ بَعْضٍ إذَا بَخَّرَ الْإِنَاءَ وَظَهَرَ أَثَرُهُ ظُهُورًا بَيِّنًا فَإِنَّهُ يَسْلُبُهُ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِهِمْ فَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنْ يُدْرِكَ التَّغَيُّرَ فِيهِ.
(ص) وَحُكْمُهُ كَمُغَيِّرِهِ (ش) هَذَا جَوَابٌ مِنْ الْمُؤَلِّفِ لِمَنْ سَأَلَهُ إذَا قُلْتُمْ أَنَّ التَّغَيُّرَ بِالْمُفَارِقِ يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ فَمَا حُكْمُ الْمَاءِ بَعْدَ سَلْبِهَا هَلْ الطَّهَارَةُ أَوْ النَّجَاسَةُ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ إبَاحَةَ تَنَاوُلِهِ فِي غَيْرِ الْعِبَادَاتِ وَمَنْعِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّ حُكْمَ الْمَاءِ أَيْ وَصْفَهُ الْمَحْكُومَ لَهُ بِهِ شَرْعًا، وَهُوَ الطَّهَارَةُ أَوْ النَّجَاسَةُ كَحُكْمِ مُغَيِّرِهِ فَهِيَ الطَّهَارَةُ إنْ كَانَ مُغَيِّرُهُ طَاهِرًا فَيُسْتَعْمَلُ فِي الْعَادَاتِ مِنْ عَجْنٍ وَطَبْخٍ وَغَسْلِ ثِيَابٍ مِنْ الْوَسَخِ أَوْ النَّجَاسَةِ إنْ كَانَ مُغَيِّرُهُ نَجَسًا فَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي عِبَادَاتٍ وَلَا عَادَاتٍ لَكِنَّهُ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ وَآدَمِيٍّ كَمَا سَيَأْتِي، ثُمَّ بَعْدَ حَمْلِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ كَمَا قَرَّرْنَا يَصِيرُ فِي الْكَلَامِ مُسَامَحَةٌ؛ لِأَنَّ مَا غَيَّرَهُ النَّجَسُ بِفَتْحِ الْجِيمِ، وَهُوَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَصِفَةُ نَجِسٍ بِكَسْرِهَا أَوْ مُتَنَجِّسٍ فَلَيْسَ حُكْمُهُ أَيْ وَصْفُهُ وَصْفُ مُغَيِّرِهِ لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ كَثِيرًا مَا يَتَسَامَحُونَ بِإِطْلَاقِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَرُبَّمَا صَحَّ حَمْلُ الْحُكْمِ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ عَلَى الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُنْقَسِمِ إلَى طَلَبِ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ أَوْ التَّخْيِيرِ فِيهَا فَالْمَعْنَى حِينَئِذٍ وَحُكْمُهُ مِنْ جَوَازِ التَّنَاوُلِ وَمَنْعِهِ كَحُكْمِ مُغَيِّرِهِ فَهُوَ جَائِزُ التَّنَاوُلِ إنْ كَانَ مُغَيِّرُهُ طَاهِرًا وَمَمْنُوعُهُ إنْ كَانَ مُغَيِّرُهُ مُتَنَجِّسًا أَوْ نَجَسًا وَهَذَا أَوْلَى وَحِينَئِذٍ فَلَا مُسَامَحَةَ.
(ص) وَيَضُرُّ بَيِّنُ تَغَيُّرٍ بِحَبْلِ سَانِيَةٍ (ش) لَمَّا دَلَّ إطْلَاقُ كَلَامِهِ عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ التَّغَيُّرِ يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ كَمَا قَرَّرْنَا عَلَى الْمَعْرُوفِ السَّابِقِ نَبَّهَ هُنَا عَلَى مَا يَضُرُّ فِيهِ التَّغَيُّرُ الْبَيِّنُ دُونَ الْخَفِيِّ وَالْمَعْنَى أَنَّ التَّغَيُّرَ لِأَحَدِ أَوْصَافِ الْمَاءِ بِحَبْلٍ أَوْ دَلْوِ اسْتِقَاءٍ مِنْ بِئْرِ سَانِيَةٍ فَإِنَّهُ يَضُرُّ إنْ كَانَ تَغَيُّرُهُ بَيِّنًا أَيْ فَاحِشًا كَمَا فِي عِبَارَةِ ابْنِ رُشْدٍ وَالْمُعْتَبَرُ فِي كَوْنِهِ فَاحِشًا أَوْ غَيْرَ فَاحِشٍ قَوْلُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَانْظُرْ لِمَ لَمْ يَقُلْ الْمُؤَلِّفُ وَيَضُرُّ بَيِّنُ تَغَيُّرِ مَاءِ سَانِيَةٍ بِحَبْلِهِ مَعَ أَنَّهُ الْأَوْلَى لِتُلُوِّ مَرْجِعِ ضَمِيرِهِ.
(ص) كَغَدِيرٍ بِرَوْثِ مَاشِيَةٍ (ش) أَيْ كَمَا يَضُرُّ مُطْلَقُ تَغَيُّرِ غَدِيرٍ بِرَوْثِ الْمَاشِيَةِ وَأَطْلَقَ الرَّوْثَ عَلَى مَا يَعُمُّ الْبَوْلَ وَالْغَدِيرُ وَاحِدُ الْغُدْرَانِ وَالْغُدَرُ كَصُرَدٍ قِطَعُ الْمَاءِ يُغَادِرُهَا السَّيْلُ سُمِّيَتْ بِهِ لِغَدْرِهَا أَهْلَهَا عِنْدَ شِدَّةِ حَاجَتِهِمْ لَهَا فَإِذَا تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ بِرَوْثٍ أَوْ بَوْلِ الْمَوَاشِي عِنْدَ وُرُودِهَا لَهُ فَإِنَّهُ يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ كَانَ تَغَيُّرًا بَيِّنًا أَمْ لَا عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ اللَّخْمِيِّ وَيَتَيَمَّمُ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، وَإِنْ تَوَضَّأَ بِهِ أَعَادَ أَبَدًا فَالتَّشْبِيهُ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ وَحُكْمُهُ كَمُغَيِّرِهِ) ، فَإِنْ تَغَيَّرَ بِمَشْكُوكٍ فِي طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ فَهُوَ طَاهِرٌ (قَوْلُهُ يَصِيرُ فِي الْكَلَامِ مُسَامَحَةٌ) وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُشَبَّهَ بِالشَّيْءِ لَا يُعْطَى حُكْمُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَيُجَابُ بِأَحْسَنَ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ الْوَصْفَ هُوَ النَّجَاسَةُ أَوْ الطَّهَارَةُ اللَّتَانِ هُمَا الْوَصْفَانِ الِاعْتِبَارِيَّانِ وَهُمَا مُتَّحِدَانِ (قَوْلُهُ: وَهُوَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ النَّجَاسَةَ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ وَيُجَابُ بِأَنَّ النَّجَاسَةَ تُسْتَعْمَلُ مُرَادًا بِهَا الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ وَتُسْتَعْمَلُ تَارَةً مُرَادًا مِنْهَا الْعَيْنُ الْمَعْرُوفَةُ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْمُغَيِّرُ لِلْمَاءِ نَجِسًا بِكَسْرِهَا فَلَيْسَ كَوْنُ الْمُغَيِّرِ نَجَسًا بِفَتْحِهَا مُطْلَقًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَصْفُهُ نَجِسٌ بِكَسْرِهَا إلَخْ) أَيْ، وَأَمَّا وَصْفُ عَيْنِ النَّجَاسَةِ فَهُوَ نَجَسٌ بِفَتْحِهَا وَأَرَادَ بِالْوَصْفِ الِاسْمَ (قَوْلُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ النَّجَسُ بِالْفَتْحِ وَالنَّجِسُ بِالْكَسْرِ (قَوْلُهُ جَوَازِ التَّنَاوُلِ) أَرَادَ بِهِ الْإِذْنَ فَيَشْمَلُ الْوُجُوبَ فَتَدَبَّرْ (قَوْلُهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا مُسَامَحَةَ) فِيهِ شَيْءٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ جَوَازَ التَّنَاوُلِ وَعَدَمَهُ خُرُوجٌ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ مِنْهُ مِمَّا يَصِحُّ بِهِ الطَّهُورِيَّةُ وَمَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ إلَّا بِبَابِ الْمُبَاحِ وَثَانِيًا أَنَّهُ لَا يَدْفَعُ الْمُسَامَحَةَ؛ لِأَنَّ الْمُتَنَجِّسَ يُنْتَفَعُ بِهِ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ وَآدَمِيٍّ.
(قَوْلُهُ وَيَضُرُّ بَيِّنُ تَغَيُّرٍ) مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ وَاخْتَارَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لِيُسْقِطَ لَفْظَ تَنْوِينٍ بَيِّنٍ وَلِيَلِيَ تَغَيُّرَ (قَوْلُهُ بِئْرِ سَانِيَةٍ) الْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ الْمَفْهُومِ مِنْ الْحَطَّابِ صَرِيحًا أَنَّ السَّانِيَةَ هِيَ السَّاقِيَةُ الَّتِي هِيَ غَيْرُ الْبِئْرِ فَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ أَيْ سَاقِيَةً وَمِثْلُهَا الْبِئْرُ لَكَانَ أَحْسَنَ وَلَهَا إطْلَاقَاتٌ أُخَرُ فَتُطْلَقُ عَلَى الْغَرْبِ أَيْ الرِّوَايَةِ وَالدَّلْوِ الْعَظِيمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذَا الْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي الْحَبْلِ، وَأَمَّا آلَةُ الِاسْتِقَاءِ إذَا كَانَتْ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ فَلَا يَضُرُّ التَّغَيُّرُ بِهَا وَلَوْ فَاحِشًا وَسَوَاءٌ بَقِيَتْ بِحَالِهَا كَأَنْ كَانَتْ حَدِيدًا أَوْ نُحَاسًا أَوْ حَجَرًا أَوْ حُرِقَتْ بِالنَّارِ كَآنِيَةِ الْفَخَّارِ وَلَا يَضُرُّ تَغَيُّرُ الْقِرَبِ بِمَا يُصْلِحُهَا مِنْ الدِّبَاغِ وَلَوْ بَيِّنًا؛ لِأَنَّهُ كَالْمُتَغَيِّرِ بِالْمُقَرِّ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ زَرُّوقٌ عَنْ الشَّبِيبِيِّ وَلَكِنْ ذَكَرَ الْحَطَّابُ عَلَى سَبِيلِ الْبَحْثِ أَنَّهُ كَحَبْلِ السَّانِيَةِ بِجَامِعِ ضَرُورَةِ الِاسْتِقَاءِ (قَوْلُهُ اُنْظُرْ لِمَ لَمْ يَقُلْ الْمُؤَلِّفُ) الْأَوْلَى تَرْكُ هَذِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِتُلُوِّ مَرْجِعِ ضَمِيرِهِ يُوهِمُ أَنَّ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ ضَمِيرًا وَلَيْسَ تَالِيًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ لَا ضَمِيرَ أَصْلًا فَلَوْ قَالَ مَعَ أَنَّهُ الْأَوْلَى لِيُفِيدَ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ فِي تَغَيُّرِ الْمَاءِ بِحَبْلِ سَانِيَتِهِ أَيْ لَا بِحَبْلِ غَيْرِهَا فَيَضُرُّ مُطْلَقًا بَيِّنًا أَوْ لَا وَقُلْنَا يُوهِمُ؛ لِأَنَّ لَك أَنْ تَقُولَ وَانْظُرْ لِمَ لَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ كَذَا إلَخْ أَيْ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ قَوْلِهِ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ تَالِيًا لِلضَّمِيرِ أَيْ وَالسَّالِبَةُ تَصْدُقُ بِنَفْيِ الْمَوْضُوعِ (قَوْلُهُ ضَمِيرِهِ) أَيْ ضَمِيرِ ذَلِكَ الْقَوْلِ أَيْ الضَّمِيرُ الَّذِي فِيهِ أَيْ لِيَكُونَ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ تَالِيًا لِلضَّمِيرِ أَيْ مُتَّصِلًا بِهِ وَمُفَادُهُ أَنَّ ضَمِيرَ بِحَبْلِهِ عَائِدٌ عَلَى السَّانِيَةِ فَيَكُونُ التَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهَا دُولَابًا.
(قَوْلُهُ وَأَطْلَقَ الرَّوْثَ عَلَى مَا يَعُمُّ) إطْلَاقًا مَجَازِيًّا لَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ لَا قَرِينَةَ عَلَيْهِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَمِثْلُهُ الْبَوْلُ (قَوْلُهُ الْغُدْرَانِ) بِضَمِّ الْغَيْنِ لِغَدْرِهَا أَيْ تَرْكِهَا قَالَ أَبُو الْحَسَنِ مَا نَصُّهُ الْغُدُرُ جَمْعُ غَدِيرٍ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّرْكِ؛ لِأَنَّ السَّيْلَ تَرَكَهَا إلَّا أَنَّ ذَلِكَ يُعَارِضُ قَوْلَهُ لِغَدْرِهَا أَهْلَهَا فَالْأَحْسَنُ أَنْ يَجْعَلَهُ تَعْلِيلًا ثَانِيًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ غَدِيرَ فَعِيلٌ إمَّا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَوْ فَاعِلٍ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَعْرُوفِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ) وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُحَرِّمَهُ
فِي التَّغَيُّرِ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ بَيِّنًا، فَإِنْ قُلْت لَا وَجْهَ لِذِكْرِ الْمُؤَلِّفِ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِدُخُولِهَا تَحْتَ قَوْلِهِ لَا بِمُتَغَيِّرٍ لَوْنًا أَوْ طَعْمًا أَوْ رِيحًا قُلْت أَتَى بِهَا لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يَشْتَرِطُ فِي تَغَيُّرِ الْغَدِيرِ أَنْ يَكُونَ بَيِّنًا كَمَا وَهَمَ فِيهِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ حَيْثُ جَعَلَ التَّشْبِيهَ تَامًّا تَأَمَّلْ.
(ص) أَوْ بِئْرٍ بِوَرَقِ شَجَرٍ أَوْ تِبْنٍ وَالْأَظْهَرُ فِي بِئْرِ الْبَادِيَةِ بِهِمَا الْجَوَازُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْبِئْرَ إذَا تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِ مَائِهَا بِوَرَقِ شَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ حَشِيشٍ طُوِيَتْ بِهِ أَوْ سَقَطَ مِنْ الرِّيَاحِ أَوْ غَيْرِهَا فِيهَا أَوْ تِبْنٌ أَلْقَتْهُ الرِّيَاحُ فِيهَا فَإِنَّهُ يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ، وَهُوَ قَوْلُ الْإِبْيَانِيِّ وَاللَّخْمِيِّ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَ ابْنُ رُشْدٍ فِي بِئْرِ الْبَادِيَةِ وَالصَّحَارِيِ تَتَغَيَّرُ بِوَرَقِ الشَّجَرِ وَالتِّبْنِ وَكَذَا الْحَشِيشُ الَّذِي تُطْوَى بِهِ الَّذِي لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ تُطْوَى بِهِ عَدَمُ التَّأْثِيرِ قَالَ فِي الطِّرَازِ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ لَكِنَّ ابْنَ رُشْدٍ لَمْ يُخَصِّصْ الْجَوَازَ بِالْبِئْرِ بَلْ جَعَلَ فِي حُكْمِهَا الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالْغُدُرِ وَيُجَابُ عَنْ الْمُؤَلِّفِ بِأَنَّهُ لَا مَفْهُومَ فِي كَلَامِهِ لِلْبِئْرِ وَلَا لِقَيْدِ كَوْنِهَا فِي بَادِيَةٍ وَإِنَّمَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَالْمَدَارُ عَلَى عُسْرِ الِاحْتِرَازِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ ابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ عَرَفَةَ وَغَيْرِهِمَا.
(ص) وَفِي جَعْلِ الْمُخَالِطِ الْمُوَافِقِ كَالْمُخَالِفِ نَظَرٌ (ش) الْمُرَادُ بِالْجَعْلِ التَّقْدِيرُ لَا التَّصْيِيرُ وَلَا الِاعْتِقَادُ أَيْ أَنَّ الْمَاءَ إذَا خَالَطَهُ أَجْنَبِيٌّ مِمَّا مَرَّ مِنْ طَاهِرٍ أَوْ نَجَسٍ مُوَافِقٍ لَهُ فِي أَوْصَافِهِ الثَّلَاثَةِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ قُلْت أَتَى بِهَا لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ يَشْتَرِطُ إلَخْ) هَذَا بَعِيدٌ غَايَةَ الْبُعْدِ بَلْ ظَاهِرُهُ كَمَا أَفَادَهُ الْحَطَّابُ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ إلَّا التَّغَيُّرُ الْبَيِّنُ.
(قَوْلُهُ أَوْ بِئْرٍ) أَيْ مَاءِ بِئْرٍ وَقَوْلُهُ بِوَرَقٍ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ تَغَيَّرَ (قَوْلُهُ بِهِمَا) لَا خَفَاءَ أَنَّ ضَمِيرَ بِهِمَا لِلْوَرَقِ وَالتِّبْنِ مَعَ أَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ وَتَقَدَّمَ عَنْ الرَّضِيِّ فِي قَوْلِهِ أَوْ فَضْلَةِ طُهَارَتِهِمَا مَا يَشْهَدُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ الْإِفْرَادَ (قَوْلُهُ أَوْ خَشَبٍ أَوْ حَشِيشٍ) فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبِئْرٍ بِوَرَقِ شَجَرٍ أَوْ تِبْنٍ (قَوْلُهُ طُوِيَتْ بِهِ) أَيْ طُوِيَتْ الْبِئْرُ بِكُلٍّ مِنْ الْخَشَبِ وَالْحَشِيشِ وَقَوْلُهُ أَوْ سَقَطَ عَطْفٌ عَلَى طُوِيَتْ وَفِي الْعِبَارَةِ لَفٌّ وَنَشْرٌ؛ لِأَنَّ طُوِيَتْ رَاجِعٌ لِلْخَشَبِ وَالْحَشِيشِ وَقَوْلُهُ أَوْ سَقَطَ رَاجِعٌ لِوَرَقِ الشَّجَرِ وَقَوْلُهُ أَوْ تِبْنٍ مَعْطُوفٌ عَلَى وَرَقٍ (قَوْلُهُ الْإِبْيَانِيِّ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَهُوَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ وَيُقَالُ الصَّوَابُ تَخْفِيفُهَا قَالَهُ ابْنُ فَرْحُونٍ (قَوْلُهُ عَدَمَ التَّأْثِيرِ) مَفْعُولُ اخْتَارَ (قَوْلُهُ وَالْغُدَرِ) عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ أَوْ مُرَادِفٍ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَيُجَابُ عَنْ الْمُؤَلِّفِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الِاعْتِرَاضَ مُتَوَجِّهٌ عَلَى ظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ وَالِاعْتِرَاضُ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الظَّاهِرِ وَلَا شَكَّ فِي ظُهُورِهِ (قَوْلُهُ لَا مَفْهُومَ فِي كَلَامِهِ لِلْبِئْرِ) ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ فِي الْأَوْدِيَةِ وَالْغُدَرِ يَسْقُطُ مِنْ أَوْرَاقِ الشَّجَرِ النَّابِتَةِ عَلَيْهِ أَوْ الَّتِي جَلَبَتْهَا الرِّيَاحُ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ وَلَا لِقَيْدِ كَوْنِهَا فِي بَادِيَةٍ) ؛ لِأَنَّ الَّتِي فِي الْحَاضِرَةِ كَذَلِكَ كَمَا أَفَادَهُ ح.
(تَنْبِيهٌ) : كَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ التَّصْدِيرُ بِقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ إذْ صَنِيعُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَرْجُوحٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لَكِنْ تَرَكَ الْمُصَنِّفُ التَّقْيِيدَ بِكَوْنِ سُقُوطِ كُلٍّ مِنْ التِّبْنِ وَالْوَرَقِ غَالِبًا وَلَا بُدَّ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى تَعَسُّرِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْأَزْهَرِيِّ فِي قَوَاعِدِهِ: إنَّهُ إنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ لَا تَنْفَكُّ عَنْ السُّقُوطِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْمُطْلَقِ وَإِذَا كَانَ السُّقُوطُ وَقْتًا دُونَ وَقْتٍ يَصْدُقُ بِمَا إذَا تَسَاوَيَا وَبِمَا إذَا كَانَ وَقْتُ السُّقُوطِ أَكْثَرَ، وَلَيْسَ بِمُرَادٍ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ وَقْتُ السُّقُوطِ أَكْثَرَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مُسْتَمِرِّ السُّقُوطِ بَلْ رُبَّمَا يُقَالُ إنَّهُ إذَا تَسَاوَى وَقْتُ السُّقُوطِ وَوَقْتُ عَدَمِهِ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَمِرِّ أَيْضًا لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ وَيَدُلُّ لَهُ مَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَةِ السَّلَسِ مِنْ أَنَّ تَسَاوِيَ زَمَنِ انْقِطَاعِهِ وَزَمَنِ إتْيَانِهِ بِمَنْزِلَةِ اسْتِمْرَارِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَا يَتَيَسَّرُ تَغْطِيَتُهَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَا يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَفِي جَعْلِ إلَخْ) الْمُعْتَمَدُ لَا يُجْعَلُ كَالْمُخَالِفِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ عليه السلام:«بُعِثْت بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَاءِ» أَيْ السَّهْلَةِ وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا مَا جَاءَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ لِمَا يَدُلُّ عَلَى التَّيْسِيرِ وَالتَّخْفِيفِ وَعَدَمِ الْمَشَقَّةِ (قَوْلُهُ الْمُرَادُ بِالْجَعْلِ التَّقْدِيرُ) أَيْ وَفِي وُجُوبِ تَقْدِيرِ إلَخْ وَقَوْلُهُ لَا التَّصْيِيرُ أَيْ كَمَا فِي قَوْلِهِمْ جَعَلْت الطِّينَ إبْرِيقًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ الْمُخَالِفَ مُوَافِقًا بِحَيْثُ انْقَلَبَتْ صِفَتُهُ وَقَوْلُهُ وَلَا الِاعْتِقَادُ نَحْوُ {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا} [الزخرف: 19] ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَقِدْ أَنَّ الْمُخَالِفَ مُوَافِقٌ كَالِاعْتِقَادِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ حَيْثُ أُرِيدَ مِنْ الْجَعْلِ التَّقْدِيرُ فَتَكُونُ الْكَافُ فِي قَوْلِهِ كَالْمُخَالِفِ زَائِدَةً وَيُشِيرُ لَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ مِنْ طَاهِرٍ) أَيْ كَمَاءِ الْوَرْدِ أَوْ غَيْرِهِ الْمُنْقَطِعِ الرَّائِحَةِ وَقَوْلُهُ أَوْ نَجَسٍ كَالْبَوْلِ الْمُنْقَطِعِ الرَّائِحَةِ كَمَا عِنْدَ ابْنِ رَاشِدٍ وَعِبَارَةُ عب وَفِي تَقْدِيرِ الْمُخَالِطِ الْمُطْلَقِ قَدْرُ آنِيَةِ غُسْلٍ وَلَوْ لِمُتَوَضِّئٍ وَالْمُخَالِطُ قَدْرُهَا أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْمُطْلَقِ فِي حَقِيقَتِهِ وَيَنْفَكُّ عَنْهُ غَالِبًا الْمُوَافِقُ الْآنَ لَهُ فِي أَوْصَافِهِ الثَّلَاثَةِ وَكَانَ ذَا صِفَةٍ مُخَالِفَةٍ زَالَتْ عَنْهُ وَتَحَقَّقَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَتْ لَغَيَّرَتْ الْمُطْلَقَ كَبَوْلٍ وَمَاءِ رَيَاحِينَ انْقَطَعَتْ رَائِحَةُ كُلٍّ فِي مَقَرِّهِ إلَى أَنْ قَالَ وَاحْتَرَزْتُ بِقَوْلِي لِمُطْلَقِ قَدْرِ آنِيَةِ غُسْلٍ عَمَّا إذَا كَانَ الْمُطْلَقُ أَكْثَرَ مِنْهَا فَلَا يَضُرُّهُ الْمُخَالِطُ الْمَذْكُورُ كَانَ قَدْرَهُ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَعَمَّا إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ آنِيَةِ غُسْلٍ فَيَضُرُّهُ الْمُخَالِطُ الْمَذْكُورُ مُطْلَقًا وَاحْتَرَزْتُ بِقَوْلِي وَكَانَ ذَا صِفَةٍ مُخَالِفَةٍ زَالَتْ عَنْهُ عَمَّا إذَا كَانَ ذَا صِفَةٍ غَيْرِ مُخَالِفَةٍ لِلْمُطْلَقِ كَمَاءِ زَرْجُونٍ أَيْ حَطَبِ عِنَبٍ فَلَا تَضُرُّ مُخَالَطَتُهُ لِلْمُطْلَقِ قَطْعًا وَكَذَا بَوْلُ شَخْصٍ شَرِبَ مَاءً وَنَزَلَ بِصِفَتِهِ لِضَعْفِ مِزَاجِهِ فَخُلِطَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ مَعَ مُوَافَقَتِهِ لِصِفَتِهِ، وَأَمَّا نَقْضُ الْوُضُوءِ بِخُرُوجِهِ مِنْ غَيْرِ مُسْتَنْكَحٍ لَا مِنْهُ فَشَيْءٌ آخَرُ وَاحْتَرَزْتُ بِقَوْلِي وَتَحَقَّقَ أَوْ ظَنَّ إلَخْ عَمَّا إذَا تَحَقَّقَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَتْ لَمْ تُغَيِّرْ الْمُطْلَقَ فَإِنَّهُ طَهُورٌ وَكَذَا إنْ شَكَّ فِي تَغَيُّرِهِ لَوْ بَقِيَتْ فَلَا يَضُرُّ خِلَافًا لِحَمْلِ الشَّيْخِ سَالِمٍ تَبَعًا لح أَنَّ هَذِهِ مِنْ مَحَلِّ التَّرَدُّدِ.
وَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ أَقْسَامَ
أَوْ شَيْءٍ مِنْهَا وَلَمْ يُغَيِّرْهُ لِأَجْلِ الْمُوَافَقَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَوْ قُدِّرَ مُخَالِفًا فِي أَوْصَافِهِ أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لَغَيَّرَهُ فِي جَمِيعِ الْأَوْصَافِ أَوْ فِي بَعْضِهَا فَهَلْ يُقَدَّرُ كَالْمُخَالِفِ وَيُنْظَرُ فِي كَوْنِهِ طَاهِرًا أَوْ نَجَسًا وَإِلَى قِلَّةِ الْمَاءِ وَكَثْرَتِهِ وَيَجْرِي عَلَى مَا سَبَقَ وَمَا يَأْتِي؛ لِأَنَّ الْأَوْصَافَ الْمَوْجُودَةَ إنَّمَا هِيَ لِلْمَاءِ وَلِمُخَالِطِهِ أَوْ لَا يُقَدِّرُ مُخَالِفًا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ بَاقٍ عَلَى أَوْصَافِ خِلْقَتِهِ وَذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي اسْتِعْمَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ فَالنَّظَرُ فِي وُجُوبِ التَّقْدِيرِ وَعَدَمِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُؤَلِّفُ اصْطِلَاحَهُ فِي النَّظَرِ لِقِلَّتِهِ وَقَالَ بَعْضٌ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ تَرَدَّدَ وَقَالَ بَعْضٌ التَّرَدُّدُ إذَا جَزَمَ الْمُتَأَخِّرُونَ بِالْحُكْمِ وَالنَّظَرُ إذَا وَقَفُوا وَلَمْ يَجْزِمُوا، ثُمَّ التَّرَدُّدُ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ إذَا كَانَ يَحْصُلُ التَّغَيُّرُ بِتَقْدِيرِ وُجُودِ الْأَوْصَافِ الَّتِي تَحْصُلُ بِهَا الْمُخَالَفَةُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَشُكُّ فِي حُصُولِ التَّغَيُّرِ بِتَقْدِيرِهَا فَهُوَ طَهُورٌ اتِّفَاقًا وَلَا تَقْدِيرَ فَالتَّرَدُّدُ فِي غَيْرِ حَالَةِ الشَّكِّ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ فِي اعْتِرَاضِهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ وَفِي كَلَامِ الْحَطَّابِ نَظَرٌ اُنْظُرْهُ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ.
(ص) وَفِي التَّطْهِيرِ بِمَاءٍ جُعِلَ فِي الْفَمِ قَوْلَانِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ إذَا جُعِلَ فِي الْفَمِ فَهَلْ يُتَطَهَّرُ بِهِ أَوْ لَا فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يُتَطَهَّرُ بِهِ خِلَافًا لِأَشْهَبَ وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فِي حَالٍ وَصِفَةٍ وَهِيَ أَنَّ الْمَاءَ هَلْ يَنْفَكُّ عَنْ الرِّيقِ أَمْ لَا فَابْنُ الْقَاسِمِ رَأَى أَنَّهُ يَنْفَكُّ عَنْهُ
ــ
[حاشية العدوي]
هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تِسْعَةٌ حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثِ حَالَاتِ الْمُطْلَقِ قَدْرِ آنِيَةِ غُسْلٍ وَدُونِهَا أَوْ أَكْثَرَ فِي حَالَاتِ الْمُخَالِطِ بِكَسْرِ اللَّامِ وَهِيَ كَوْنُهُ قَدْرَ الْمُطْلَقِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَأَنَّ مَحَلَّ التَّرَدُّدِ فِي ثَلَاثَةٍ هِيَ كَوْنُ الْمُطْلَقِ قَدْرَ آنِيَةِ غُسْلٍ سَوَاءٌ خَالَطَهُ مِثْلُهُ أَوْ أَقَلُّ وَكَذَا أَكْثَرُ عَلَى مَا لِبَعْضٍ وَلِغَيْرِهِ أَنَّ الْمُطْلَقَ حِينَئِذٍ غَيْرُ طَهُورٍ قَطْعًا وَثَلَاثَةٌ فِيهَا الْمُطْلَقُ طَهُورٌ قَطْعًا، وَهِيَ كَوْنُهُ أَكْثَرَ مِنْ آنِيَةِ غُسْلٍ كَانَ الْمُخَالِطُ قَدْرَهُ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَثَلَاثَةٌ فِيهَا الْمُطْلَقُ فِي الْأَصْلِ غَيْرُ طَهُورٍ الْآنَ وَهِيَ كَوْنُهُ أَقَلَّ مِنْ آنِيَةِ غُسْلٍ كَانَ الْمُخَالِطُ قَدْرَهُ أَوْ أَكْثَرَ اهـ. إلَّا أَنَّهُ يَشْكُلُ عَلَيْهِ مَا صَرَّحُوا بِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ كَآنِيَةِ وُضُوءٍ مِنْ أَنَّ مَا كَانَ دُونَ آنِيَةِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ إذَا حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ فَهُوَ مِنْ الْمُطْلَقِ وَجَعَلَهُ مِنْ مَحَلِّ التَّرَدُّدِ مَا إذَا كَانَ الْمُخَالِطُ دُونَهُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ مَا يُفِيدُهُ ابْنُ فَرْحُونٍ وَإِلَّا فَكَلَامُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ يُفِيدُ أَنَّهُ مُطْلَقٌ مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ وَفِي ك أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَحَلِّ الِاتِّفَاقِ مَا إذَا شَرِبَ الْمَاءَ وَنَزَلَ بِصِفَتِهِ بَلْ مِنْ مَحَلِّ التَّرَدُّدِ وَنَصُّهُ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَوْصَافٌ ذَهَبَتْ كَمَاءٍ شَرِبَهُ شَخْصٌ فَنَزَلَ مِنْهُ كَمَا شَرِبَهُ وَكَمَاءِ الزَّرْجُونِ بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْجِيمِ فَانْظُرْ مَا الَّذِي يُعْتَبَرُ لَهُ مِنْ الْأَوْصَافِ هَلْ أَوْصَافُ أَيِّ مُخَالِفٍ أَوْ أَوْصَافُ مُخَالِفٍ مُعَيَّنٍ فَيُعْتَبَرُ فِي الْبَوْلِ أَوْصَافُ بَوْلِ شَخْصٍ مُوَافِقٍ لِصَاحِبِهِ فِي الْمِزَاجِ وَلَكِنَّهُ صَحِيحٌ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ بَلْ الْمُتَعَيِّنُ.
؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ مِنْ حَيْثُ هُوَ ذُو وَصْفٍ مُخَالِفٍ لِلْمَاءِ وَتَخَلُّفُهُ فِي الْفَرْضِ الْمَذْكُورِ لِعِلَّةٍ، وَأَمَّا مَاءُ الزَّرْجُونِ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي الْجَزْمُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ إلَخْ وَفِي ك مَا نَصُّهُ، ثُمَّ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ قَالَ مَا نَصُّهُ أَيْ ابْنُ مَرْزُوقٍ، ثُمَّ إنَّكَ إذَا عَلِمْت أَوْصَافَ الْمُخَالِطِ الَّتِي ذَهَبَتْ تَحْقِيقًا اُعْتُبِرَتْ وَكَذَا يُعْتَبَرُ مَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ مِنْهَا وَيُقَدَّرُ الْوَسَطُ إنْ جُهِلَتْ أَوْ شُكَّ فِيهَا هَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ وَاعْلَمْ أَنَّ الصُّوَرَ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ ذَلِكَ أَنْ تَضْرِبَ الْأَحْوَالَ الْخَمْسَةَ وَهِيَ مَا إذَا ظَنَّ أَوْ تَحَقَّقَ التَّغَيُّرَ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُخَالَفَةِ أَوْ شَكَّ فِيهِ أَوْ تَحَقَّقَ أَوْ ظَنَّ عَدَمَهُ فِي التِّسْعَةِ الْمَذْكُورَةِ فَمَحَلُّ التَّرَدُّدِ سِتٌّ هِيَ مَا إذَا كَانَ قَدْرَ آنِيَةِ الْغُسْلِ وَالْمُخَالِطُ بِأَقْسَامِهِ الثَّلَاثَةِ مَضْرُوبٌ فِيمَا إذَا تَحَقَّقَ أَوْ ظَنَّ التَّغَيُّرَ وَالتِّسْعَةُ الْبَاقِيَةُ وَهِيَ مَا إذَا شَكَّ أَوْ ظَنَّ أَوْ تَحَقَّقَ عَدَمَهُ فِي أَحْوَالِ الْمُخَالِطِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ مَحَلُّ اتِّفَاقٍ فِي عَدَمِ السَّلْبِ وَمِثْلُهَا الْخَمْسَ عَشْرَةَ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَاءُ أَكْثَرَ مِنْ آنِيَةِ الْغُسْلِ وَهِيَ أَنْ تَضْرِبَ الْأَحْوَالَ الْخَمْسَةَ فِي أَحْوَالِ الْمُخَالِطِ الثَّلَاثَةِ وَمَا جَعَلَ مَحَلَّ التَّرَدُّدِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ مَحَلَّ اتِّفَاقٍ فِي السَّلْبِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَاءُ أَقَلَّ مِنْ آنِيَةِ الْغُسْلِ وَالتِّسْعَةُ الْبَاقِيَةُ مَحَلُّ وِفَاقٍ فِي عَدَمِهِ هَذَا مَا تَحَصَّلَ (قَوْلُهُ أَوْ شَيْءٍ مِنْهَا) الْمُنَاسِبُ إسْقَاطُهُ وَيَقْتَصِرُ عَلَى قَوْلِهِ مُوَافِقٍ لَهُ فِي أَوْصَافِهِ وَيُجَابُ بِفَرْضِهِ فِي مَاءِ وَرْدٍ مَثَلًا قَلِيلٍ اخْتَلَطَ بِمُطْلَقٍ بِحَيْثُ ذَهَبَ طَعْمُهُ وَلَوْنُهُ بِتِلْكَ الْمُخَالَطَةِ وَكَانَ لَهُ رَائِحَةٌ ذَكِيَّةٌ ذَهَبَتْ إلَّا أَنَّهَا لَوْ بَقِيَتْ لَغَيَّرَتْ رِيحَ الْمَاءِ فَهَذَا لَا نَنْظُرُ فِيهِ إلَّا لِلْمُتَغَيِّرِ فِي الْبَعْضِ فَقَطْ.
(قَوْلُهُ إلَى قِلَّةِ الْمَاءِ وَكَثْرَتِهِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ حَيْثُ فُرِضَ نَجَسًا فَلَا دَاعِيَ إلَى النَّظَرِ لِذَلِكَ نَعَمْ لَا يَجْرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَحُكْمُهُ كَمُغَيِّرِهِ وَمَا يَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ وَيُنْتَفَعُ بِمُتَنَجِّسٍ (قَوْلُهُ وَالنَّظَرُ إذَا وَقَفُوا إلَخْ) وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ التَّرَدُّدُ بَيْنَ الشَّخْصِ وَنَفْسِهِ وَلَكِنْ فِي عج خِلَافُهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْحُكْمِ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ سَلْبِ الطَّهُورِيَّةِ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ (قَوْلُهُ وَفِي كَلَامِ الْحَطَّابِ نَظَرٌ) ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ صُورَةَ الشَّكِّ مَحَلَّ التَّرَدُّدِ، وَلِذَا قَالَ فَمَحَلُّ النَّظَرِ إذَا شَكَّ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ وَفِي التَّطْهِيرِ بِمَاءٍ) بِالْمَدِّ وَالْهَمْزِ وَاحِدُ الْمِيَاهِ وَيَصِحُّ جَعْلُ مَا مَوْصُولَةً أَوْ مَوْصُوفَةً وَجُعِلَ صِلَةَ الْمَوْصُولِ أَوْ صِفَةَ النَّكِرَةِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ يَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ مَوْصُوفٍ كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ (قَوْلُهُ جُعِلَ) مَفْهُومُ جُعِلَ فِي الْفَمِ أَنَّهُ لَوْ بَصَقَ فِيهِ، وَهُوَ فِي إنَاءٍ لَمْ يَضُرَّ فَفِي التَّهْذِيبِ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ يَقَعُ فِيهِ الْبُصَاقُ وَشِبْهُهُ أَيْ كَمَاءِ الْفَسَاقِيِ وَقَيَّدَهُ ابْنُ يُونُسَ بِمَا إذَا لَمْ يَكْثُرْ حَتَّى يَتَغَيَّرَ الْمَاءُ انْتَهَى (قَوْلُهُ خِلَافٌ فِي حَالٍ وَصِفَةٍ) أَيْ مَبْنِيٌّ عَلَى حَالٍ وَصِفَةٍ وَعَطْفُ الصِّفَةِ عَلَى مَا قَبْلَهُ تَفْسِيرٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْخِلَافَ عَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ لَفْظِيٌّ قَالَ فِي الْكَبِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ هُنَا لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِتَغَيُّرٍ وَلَا عَدَمِهِ بَلْ اكْتَفَوْا فِي الْمُضِرِّ بِتَحَقُّقِ الْمُخَالِطِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَاءَ لَمَّا كَانَ يَسِيرًا وَرُبَّمَا كَانَ الْمُخَالِطُ أَكْثَرَ لَمْ يَنْظُرُوا إلَى التَّغَيُّرِ انْتَهَى.
وَأَشْهَبُ رَأَى أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ، وَأَمَّا إذَا تَحَقَّقْنَا الْمُخَالَطَةَ أَوْ عَدَمَهَا فَإِنَّهُ يَعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَفِي صِحَّةِ التَّطْهِيرِ مِنْ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ بِمَاءٍ جُعِلَ فِي الْفَمِ وَأُخْرِجَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ بِالرِّيقِ تَغَيُّرًا ظَاهِرًا وَقَبْلَ طُولِ مُكْثِهِ فِي الْفَمِ زَمَنًا يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ حَصَلَ مِنْ الرِّيقِ مِقْدَارٌ وَلَوْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الرِّيقِ لَغَيَّرَهُ فَعِنْدَ حُصُولِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ وَهُمَا عَدَمُ التَّغَيُّرِ وَعَدَمُ طُولِ الْمُكْثِ قَوْلَانِ وَقَيَّدْنَا مَحَلَّ الْخِلَافِ بِقَيْدَيْنِ عَدَمِ التَّغَيُّرِ ظَاهِرًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ إذْ لَوْ غَلَبَتْ لُعَابِيَّةُ الْفَمِ عَلَى الْمَاءِ لَانْتَفَى الْخِلَافُ وَبِعَدَمِ طُولِ الْمُكْثِ إذْ لَوْ طَالَ مُكْثُ الْمَاءِ فِي فَمِهِ أَوْ حَصَلَ مِنْهُ مَضْمَضَةٌ لَانْتَفَى الْخِلَافُ لِغَلَبَةِ الرِّيقِ.
(ص) وَكُرِهَ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَدَثٍ (ش) لَمَّا ذَكَرَ مَا يُبَاحُ التَّطْهِيرُ بِهِ وَمَا يُمْنَعُ ذَكَرَ مَا حُكْمُهُ الْكَرَاهَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ بَيْنَهُمَا بِهَذَا الْكَلَامِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَاءَ الْيَسِيرَ إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي رَفْعِ حَدَثٍ بِأَنْ تَقَاطَرَ مِنْ الْأَعْضَاءِ أَوْ اتَّصَلَ بِهَا يُكْرَهُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي حَدَثٍ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ أَوْ عَدَمَهَا إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحَقُّقُ الْعَدَمِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ؛ لِأَنَّ أَشْهَبَ يَرَى أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ فَكَيْفَ يُعْقَلُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَتَحَقَّقَ عَدَمُ الِانْفِكَاكِ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِالْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ (قَوْلُهُ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى إلَخْ) صَاحِبُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ يَرَى أَنَّ الْخِلَافَ حَقِيقِيٌّ، وَهُوَ أَنَّهُمَا مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ مُخَالَطَةِ الرِّيقِ لَكِنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ يَعْتَبِرُ بَقَاءَ صِدْقِ الْمُطْلَقِ عَلَيْهِ وَأَشْهَبُ يَعْتَبِرُ الْمُخَالَطَةَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَذَا فِي بَعْضِ الشُّرَّاحِ قَالَ ك وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ الْخِلَافَ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْفَمِ نَجَاسَةٌ قَالَ بَعْضٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ (قُلْت) لَعَلَّ وَجْهَ ظُهُورِهِ أَنَّهُ يَصِيرُ حِينَئِذٍ مَاءً قَلِيلًا حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ، وَهِيَ تَسْلُبُهُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْهُ فَيَتَّفِقُ الْقَوْلَانِ عَلَى عَدَمِ التَّطْهِيرِ بِهِ، وَإِنْ بَقِيَ الْخِلَافُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي طَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ فَشَيْءٌ آخَرُ قَالَ بَعْضُهُمْ، وَعَلَى أَنَّ الْخِلَافَ حَقِيقِيٌّ وَأَنَّ الْمُخَالَطَةَ حَصَلَتْ قَطْعًا تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ عَيْنَ مَا قَبْلَهَا وَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُمْ لَا نَصَّ فِيهَا وَيُجَابُ بِأَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْأُولَى مُوَافِقٌ يُؤَثِّرُ نَوْعُهُ الْمُخَالِفُ كَمَاءِ الْوَرْدِ الْمَقْطُوعِ الرَّائِحَةِ فَإِنَّ نَوْعَهُ يُؤَثِّرُ لَوْ كَانَ لَهُ رَائِحَةٌ بِخِلَافِ هَذِهِ فَإِنَّ الرِّيقَ لَيْسَ لَهُ نَوْعَانِ مُوَافِقٌ وَمُخَالِفٌ، وَهُوَ جَوَابٌ لَطِيفٌ وَفَرَّقَ بَعْضٌ أَيْضًا بَيْنَهُمَا عَلَى الْخِلَافِ فِي حَالٍ بِاحْتِمَالِ الْمُخَالِطِ هُنَا وَفَرْضِ وُقُوعِهِ هُنَاكَ قَالَ بَعْضٌ، وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ إذْ لَا احْتِمَالَ عَلَيْهِ بَلْ اللَّازِمُ الْمُخَالِطُ.
قَالَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اخْتِلَافِ الشَّيْخَيْنِ فِيمَا يَتَحَقَّقُ مُخَالَطَتُهُ اخْتِلَافُهُمَا فِيمَا تَحَقَّقَتْ مُخَالَطَتُهُ فَهُمَا مَسْأَلَتَانِ فَلَا تَكْرَارَ وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي حَالٍ انْتَهَى وَانْظُرْ كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ حِكَايَتِهِمْ هُنَا خِلَافَ أَشْهَبَ وَقَوْلَهُمْ الْمَاءُ الْقَلِيلُ إذَا خُولِطَ بِطَاهِرٍ لَمْ يُغَيِّرْهُ طَهُورٌ اتِّفَاقًا وَكَأَنَّ الْجَمْعَ أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا كَانَ شَأْنُ الْمُخَالِطِ أَنْ يَظْهَرَ كَالْبُنِّ وَالْعَسَلِ فَلَمَّا لَمْ يُغَيِّرْ دَلَّ عَلَى قِلَّتِهِ وَهُنَا مُوَافِقٌ لِصِفَتِهِ فَلَا دَلِيلَ عَلَى قِلَّتِهِ كَذَا قَالَهُ بَعْضٌ (قَوْلُهُ تَغَيُّرًا ظَاهِرًا) صَادِقٌ بِمَا إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ أَصْلًا أَوْ تَغَيُّرًا غَيْرَ ظَاهِرٍ وَمَفْهُومُهُ لَوْ كَانَ ظَاهِرَ الضَّرَرِ هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالظُّهُورِ تَيَقُّنُ أَوْ ظَنُّ التَّغَيُّرِ.
(فَائِدَةٌ) الْبُصَاقُ مُسْتَقْذَرٌ، وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا فَلِذَا اشْتَدَّ نَكِيرُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ فِي الْمُعَارَضَةِ عَلَى مَنْ يُلَطِّخُ صَفَحَاتِ أَوْرَاقِ مُصْحَفٍ أَوْ كِتَابٍ لِيَسْهُلَ قَلْبُهَا قَائِلًا إنَّا لِلَّهِ عَلَى غَلَبَةِ الْجَهْلِ الْمُؤَدِّي إلَى الْكُفْرِ وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ لَا يَجُوزُ مَسْحُ لَوْحِ الْقُرْآنِ أَوْ بَعْضِهِ بِالْبُصَاقِ وَيَتَعَيَّنُ عَلَى مُعَلِّمِ الصِّبْيَانِ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى مِنْ ك قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا، وَهُوَ مُجَرَّدُ زَجْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي لِلْكُفْرِ.
(قَوْلُهُ الْمَاءَ الْيَسِيرَ) ، وَأَمَّا الْكَثِيرُ فَلَا يُكْرَهُ وَكَذَا لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ، فَإِنْ صُبَّ عَلَيْهِ مُسْتَعْمَلٌ مِثْلُهُ حَتَّى كَثُرَ لَمْ تَنْتَفِ الْكَرَاهَةُ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ الْإِمَامِ وَالْحَطَّابُ لِثُبُوتِ الْكَرَاهَةِ فِي كُلِّ جُزْءٍ حَالَ انْفِرَادِهِ وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ انْتِفَاءَهَا فَلَوْ فُرِّقَ حَتَّى صَارَ كُلُّ جُزْءٍ يَسِيرًا فَهَلْ تَعُودُ الْكَرَاهَةُ أَوْ لَا، وَهُوَ الظَّاهِرُ لِزَوَالِهَا وَلَا مُوجِبَ لِعَوْدِهَا اُنْظُرْ ك (قَوْلُهُ بِأَنْ تَقَاطَرَ مِنْ الْأَعْضَاءِ) أَيْ، ثُمَّ يُجْمَعُ فِي قَصْرِيَّةٍ (قَوْلُهُ أَوْ اتَّصَلَ بِهَا) شَمِلَ صُورَتَيْنِ مَا اتَّصَلَ بِهَا وَاسْتَمَرَّ عَلَى اتِّصَالِهِ وَمَا اتَّصَلَ بِهَا وَانْفَصَلَ عَنْهَا كَمَا فِي قَصْرِيَّةٍ غَسَلَ عُضْوَهُ بِهَا وَهَذَا الثَّانِي يُقَيَّدُ بِكَوْنِهِ يَسِيرًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَلَا يَكُونُ إلَّا يَسِيرًا أَيْ وَالْفَرْضُ أَنَّهُ دَلَّكَهُ فِي الْقَصْرِيَّةِ بِهِ، وَأَمَّا لَوْ غَمَسَهُ بِهَا وَلَمْ يُدَلِّكْهُ إلَّا بَعْدَ مَا أَخْرَجَهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ كَمَا ظَهَرَ لِي ثُمَّ وَجَدْت عج ذَكَرَهُ.
ثُمَّ إنَّ مَا تَقَاطَرَ مِنْ الْعُضْوِ الَّذِي تَتِمُّ بِهِ الطَّهَارَةُ أَوْ اتَّصَلَ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ بِلَا نِزَاعٍ، وَأَمَّا مَا تَقَاطَرَ مِنْ الْعُضْوِ غَيْرِ الْأَخِيرِ أَوْ اتَّصَلَ بِهِ، فَإِنْ اُسْتُعْمِلَ بَعْدَ تَمَامِ الطَّهَارَةِ، فَهُوَ اسْتِعْمَالٌ بِمَاءٍ مُسْتَعْمَلٍ فِي حَدَثٍ أَيْضًا، وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ قَبْلَ تَمَامِ الطَّهَارَةِ، فَإِنْ قُلْنَا أَنَّ الْحَدَثَ يَرْتَفِعُ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ بِانْفِرَادِهِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا يُكْرَهُ (قَوْلُهُ يُكْرَهُ أَنْ يُسْتَعْمَلَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ حَيْثُ وُجِدَ غَيْرُهُ فِي كُلِّ طَهَارَةٍ لَا تُفْعَلُ إلَّا بِالطَّهُورِ سَوَاءٌ كَانَ يُصَلِّي بِهَا أَوْ لَا كَالْوُضُوءِ لِزِيَارَةِ الْأَوْلِيَاءِ وَوُضُوءِ الْجُنُبِ لِلنَّوْمِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تُقَيَّدُ بِالْيَسَارَةِ وَوُجُودِ مُطْلَقٍ وَعَدَمِ صَبِّ مُطْلَقٍ غَيْرِ مُسْتَعْمَلٍ وَتَمَامِ غَسْلِ الْعُضْوِ لَا إنْ اُسْتُعْمِلَ فِي بَعْضِ الْعُضْوِ وَأَحْرَى لِلْبَعْضِ الْآخَرِ وَفِي عج بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ حَاصِلٌ عَظِيمٌ وَنَصُّهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ صُوَرَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ سِتَّ عَشْرَةَ صُورَةً؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ أَوَّلًا إمَّا فِي حَدَثٍ وَإِمَّا فِي حُكْمِ خَبَثٍ وَإِمَّا فِي طَهَارَةٍ مَسْنُونَةٍ أَوْ مُسْتَحَبَّةٍ وَإِمَّا فِي غَسْلِ إنَاءٍ وَنَحْوِهِ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ إذَا اُسْتُعْمِلَ ثَانِيًا فَلَا بُدَّ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي أَحَدِهَا فَالْمُسْتَعْمَلُ فِي حَدَثٍ أَوْ حُكْمِ خَبَثٍ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ وَصُوَرُهُ أَرْبَعٌ وَكَذَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الطَّهَارَةِ الْمَسْنُونَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ وَهَاتَانِ صُورَتَانِ كَمَا يُفِيدُهُ مَا رَجَحَ فِي تَعْلِيلِ الْكَرَاهَةِ مِنْ أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي طَهُورِيَّتِهِ وَلَا يُكْرَهُ فِي غُسْلٍ كَالْإِنَاءِ وَهَاتَانِ صُورَتَانِ أَيْضًا وَالْمُسْتَعْمَلُ
أَوْ خَبَثٍ أَوْ أَوْضِيَةٍ أَوْ اغْتِسَالَاتٍ مُسْتَحَبَّةٍ أَوْ مَسْنُونَةٍ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَعُلِّلَتْ الْكَرَاهَةُ بِعِلَلٍ كُلِّهَا لَا تَخْلُو عَنْ ضَعْفٍ وَالرَّاجِحُ فِي التَّعْلِيلِ مُرَاعَاةُ الْخِلَافِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ؛ لِأَنَّ أَصْبَغَ قَائِلٌ بِعَدَمِ الطَّهُورِيَّةِ وَتَخْصِيصُ الْمُؤَلِّفِ الْكَرَاهَةَ بِالْمَاءِ يُخْرِجُ التُّرَابَ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَاءَ لَا بُدَّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْبَدَنِ وَقَوْلُهُ فِي حَدَثٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُتَنَازِعًا فِيهِ كُلُّ مَنْ كُرِهَ وَمُسْتَعْمَلٍ وَيُحْتَمَلُ فِيهِ الْحَذْفُ مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي وَالتَّقْدِيرُ عَلَى الْأَوَّلِ وَكُرِهَ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ فِي حَدَثٍ إذَا أَعْلَمْت الْأَوَّلَ، وَإِنْ أَعْلَمْت الثَّانِيَ كَانَ اللَّفْظُ عَلَى حَالِهِ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي التَّقْدِيرِ وَعَلَى الثَّانِي وَكُرِهَ فِي حَدَثٍ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي حَدَثٍ وَقَوْلُهُ فِي حَدَثٍ أَيْ فِي رَفْعِهِ فَيَدْخُلُ وُضُوءُ الصَّبِيِّ إذَا كَانَ مُحْدِثًا.
(ص) وَفِي غَيْرِهِ تَرَدُّدٌ (ش) أَيْ وَفِي كَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي غَيْرِ حَدَثٍ كَالْمُسْتَعْمَلِ فِي الْأَوْضِيَةِ وَالِاغْتِسَالَاتِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَالْمَسْنُونَةِ وَمُسْتَعْمَلُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فِي الْوُضُوءِ وَغُسْلِ الذِّمِّيَّةِ مِنْ الْحَيْضِ وَوُضُوءِ التَّبَرُّدِ وَالْغَسْلَةِ الرَّابِعَةِ وَمَاءٍ غُسِلَ بِهِ ثَوْبٌ طَاهِرٌ سَالِمٌ مِنْ النَّجَسِ وَالْوَسَخِ وَجَوَازُهُ تَرَدُّدٌ لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ وَاعْتَمَدْنَا فِي التَّعْمِيمِ الْمَذْكُورِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الشَّارِحِ فِي الْكَبِيرِ.
(ص) وَيَسِيرٌ كَآنِيَةِ وُضُوءٍ وَغُسْلٍ بِنَجَسٍ لَمْ يُغَيَّرْ (ش) الْمَعْطُوفُ مَحْذُوفٌ أَيْ وَمَاءٌ يَسِيرٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ مَعْطُوفًا عَلَى مُسْتَعْمَلٍ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ السَّابِقَ مَخْصُوصٌ بِكَوْنِهِ
ــ
[حاشية العدوي]
فِي الطَّهَارَةِ الْمَسْنُونَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ وَحُكْمِ الْخَبَثِ وَكَذَا فِي الطَّهَارَةِ الْمَسْنُونَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ عَلَى أَحَدِ التَّرَدُّدَيْنِ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَالْمُسْتَعْمَلُ فِي غُسْلٍ كَالْإِنَاءِ لَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي شَيْءٍ انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ.
(فَائِدَةٌ) وَجَدَ بَعْضُ شُيُوخِنَا فِي خَارِجِ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَاءَ وُضُوئِهِ عليه السلام وَغُسْلِهِ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَهُوَ كَلَامٌ نَفِيسٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَذْهَبَنَا كَذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ خَبَثٍ) عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى وَفِي كَلَامِ صَاحِبِ الْإِرْشَادِ إشَارَةٌ إلَيْهِ لِاقْتِصَارِهِ عَلَى ذِكْرِ الْوُضُوءِ فَيُفِيدُ قُوَّتَهُ، وَإِنْ كَانَ كَلَامُ عب يُفِيدُ خِلَافَهُ حَيْثُ يَقُولُ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي حَدَثٍ وَكَذَا فِي إزَالَةِ حُكْمِ خَبَثٍ فِيمَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِاسْتِظْهَارِ الشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيِّ عَدَمَ كَرَاهَتِهِ (قَوْلُهُ وَعُلِّلَتْ الْكَرَاهَةُ بِعِلَلٍ إلَخْ) فَمِنْ جُمْلَةِ مَا عَلَّلَ بِهِ أَنَّهُ أُدِّيَتْ بِهِ عِبَادَةٌ وَوَجْهُ ضَعْفِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي التُّرَابِ وَأَنَّ السَّلَفَ لَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ وَوَجْهُ ضَعْفِهِ أَنْ لَا يَلْزَمَ مِنْ عَدَمِ الْوِجْدَانِ عَدَمُ الْوُجُودِ وَأَنَّهُ مَاءُ ذُنُوبٍ وَوَجْهُ ضَعْفِهِ أَنَّ الذُّنُوبَ مَعْنَى مِنْ الْمَعَانِي هَذَا مَا فِي ك وَالْكَرَاهَةُ كَمَا فِيهِ خَاصَّةٌ بِالْعِبَادَاتِ دُونَ الْعَادَاتِ خِلَافُ قَوْلِهِ وَيَسِيرٍ كَآنِيَةِ وُضُوءٍ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْكَرَاهَةَ عَامَّةٌ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْعَادَاتِ اهـ. وَاسْتَظْهَرَ ح أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَى مَنْ اسْتَعْمَلَ هَذَا الْمُسْتَعْمَلَ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَقَالَ وَلَا تَقْتَضِي الْكَرَاهَةُ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ بَلْ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ تَقْتَضِيهَا انْتَهَى (قَوْلُهُ: وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي التَّقْدِيرِ إلَخْ) أَيْ، فَإِنْ أَعْمَلْت الْأَوَّلَ يَكُونُ التَّقْدِيرُ بَعْدَ قَوْلِهِ مُسْتَعْمَلٌ، وَإِنْ أَعْمَلْتَ الثَّانِيَ يَكُونُ قَبْلَهُ هَذَا.
وَمَا قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ أَعْمَلَ الْأَوَّلَ يُصَرِّحُ بِالْإِضْمَارِ فِي الثَّانِي مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ وَلَا يَخْتَصُّ بِجَعْلِهِ مِنْ بَابِ التَّنَازُعِ بَلْ يَأْتِي عَلَى جَعْلِهِ مَحْذُوفًا مِنْ الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ الثَّانِي عَلَيْهِ أَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ لَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا فِي الْحَدَثِ لَا فِي غَيْرِهِ مِنْ أَوْضِيَةٍ أَوْ اغْتِسَالَاتٍ مُسْتَحَبَّةٍ إلَخْ مَعَ أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي الْحَدَثِ وَفِي غَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ لَهُ.
(قَوْلُهُ أَيْ وَفِي كَرَاهَةِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ) أَيْ فِي مُتَوَقِّفٍ عَلَى مُطْلَقٍ (قَوْلُهُ فِي غَيْرِ حَدَثٍ) وَمِثْلُ الْحَدَثِ حُكْمُ الْخَبَثِ (قَوْلُهُ الْمُسْتَحَبَّةِ وَالْمَسْنُونَةِ) رَاجِعٌ لِلِاغْتِسَالَاتِ، وَأَمَّا الْأَوْضِيَةُ فَلَا تَكُونُ مَسْنُونَةً أَبَدًا بَلْ إمَّا وَاجِبَةٌ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ، وَأَمَّا الِاغْتِسَالَاتُ فَتَكُونُ مَسْنُونَةً كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ وَمُسْتَحَبَّةً كَغُسْلِ الْعِيدَيْنِ وَيَدْخُلُ فِي الْأَوْضِيَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ وُضُوءُ التَّجْدِيدِ وَوُضُوءُ الْجُنُبِ لِلنَّوْمِ وَقَالَ سَنَدٌ فِي الْأَوَّلِ الْمَشْهُورُ لَا يُكْرَهُ وَيَكُونُ الثَّانِي بِالْأَوْلَى وَكَذَا ذَكَرَ عب فِي الثَّانِي وَنَحْوِهِ مِنْ كُلِّ مَاءٍ لَا يُصَلَّى بِهِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي مُتَوَقِّفٍ عَلَى طَهُورٍ مُطْلَقٍ كَمَاءٍ غُسِلَ بِهِ إنَاءٌ طَاهِرٌ اهـ.
أَيْ فَلَيْسَ مِنْ مَحَلِّ التَّرَدُّدِ وَذَكَرَ أَنَّ مَحَلَّ التَّرَدُّدِ فِي غُسْلِ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ (قَوْلُهُ وَمُسْتَعْمَلِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ) قَدْ ارْتَضَاهُ عج أَيْ ارْتَضَى أَنَّهُ مَحَلُّ التَّرَدُّدِ، وَفِي ح أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ الظَّاهِرُ كَرَاهَتُهُ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ حُكْمُ الطَّهَارَةِ الْوَاحِدَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأُولَى وَغَيْرِهَا (قَوْلُهُ وَغُسْلِ الذِّمِّيَّةِ مِنْ الْحَيْضِ) كَذَا فِي الشَّيْخِ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيِّ أَنَّهُ مِنْ مَحَلِّ التَّرَدُّدِ وَاَلَّذِي اسْتَظْهَرَهُ ح أَنَّ مَاءَ غُسْلِ الذِّمِّيَّةِ النَّقِيَّةِ الْجَسَدِ مِنْ الْحَيْضِ لِيَطَأَهَا زَوْجُهَا أَوْ مَالِكُهَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي مُتَوَقِّفٍ عَلَى الطَّهَارَةِ بِلَا تَرَدُّدٍ (قَوْلُهُ وُضُوءِ التَّبَرُّدِ إلَخْ) دُخُولُ هَذَا فِي مَحَلِّ التَّرَدُّدِ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَالْمُنَاسِبُ مَا فِي ك مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَحَلِّ التَّرَدُّدِ وَاَلَّذِي فِيهِ، وَأَمَّا مَاءُ الْغَسْلَةِ الرَّابِعَةِ وَغَسْلِ التَّبَرُّدِ وَغَسِيلِ الثَّوْبِ السَّالِمِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْقَرَافِيِّ وَسَنَدٍ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّوْضِيحِ إشَارَةٌ إلَى خُرُوجِهِ مِنْ الْخِلَافِ (أَقُولُ) فَالْوَاجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي كَلَامِ ابْنِ رَاشِدٍ فِي شَرْحِ ابْنِ الْحَاجِبِ مَا يَقْتَضِي دُخُولَ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ وَالْخِلَافُ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِيمَنْ سَلِمَتْ أَعْضَاؤُهُ مِنْ النَّجَاسَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَوْسَاخِ، وَأَمَّا مُتَنَجِّسُهَا فَمَاءٌ حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ، وَأَمَّا وَسَخُهَا فَمَاءٌ حَلَّتْهُ أَوْسَاخٌ أَجَّرَهُ عَلَى مَا سَبَقَ انْتَهَى أَيْ، فَإِنْ كَانَتْ الْأَوْسَاخُ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ لَمْ يَضُرَّ التَّغَيُّرُ بِهَا وَإِلَّا فَيَضُرُّ وَيُقَيَّدُ كَلَامُهُ بِمَا إذَا وَجَدَ غَيْرَهُ كَمَا قَيَّدَ بِهِ مَا قَبْلَهُ بَلْ هَذَا أَوْلَى بِالتَّقْيِيدِ اهـ.
(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ مَعْطُوفًا إلَخْ) تَبِعَ فِيهِ الشَّيْخَ أَحْمَدَ الزَّرْقَانِيَّ، وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى مُسْتَعْمَلٍ إذْ لَا يُقَدَّرُ فِي الْمَعْطُوفِ نَفْسُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَقَوْلُ الْمَتْنِ
مُسْتَعْمَلًا فِي الْحَدَثِ فَلَا يُنَاسِبُ تَقْدِيرَهُ هُنَا أَيْ وَكُرِهَ اسْتِعْمَالُ مَاءٍ يَسِيرٍ رَاكِدٍ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ إذَا خُلِطَ بِنَجَسٍ فَوْقَ الْقَطْرَةِ وَلَمْ يُغَيِّرْ شَيْئًا مِنْ أَوْصَافِهِ وَحَدُّ الْيَسِيرِ عِنْدَ مَالِكٍ كَآنِيَةِ وُضُوءٍ وَآنِيَةِ غُسْلٍ فَآنِيَةُ الْغُسْلُ قَلِيلَةٌ، وَإِنْ اُسْتُعْمِلَتْ فِي الْوُضُوءِ، ثُمَّ إنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ فِي قَوْلِهِ كَآنِيَةِ وُضُوءٍ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ كَمَا قَرَّرَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِيَسِيرٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْكَافُ دَالَّةٌ عَلَى عَدَمِ الْحَصْرِ فَيَدْخُلُ مَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ بَعْضِ الشُّرَّاحِ وَمَفْهُومَ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ مَا دُونَ آنِيَةِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ بِنَجَسٍ لَمْ يُغَيِّرْ مُتَنَجِّسٌ غَيْرُ سَدِيدٍ وَمَفْهُومُ لَمْ يُغَيِّرْ أَنَّهُ لَوْ غَيَّرَ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَالْحُكْمُ سَلْبُ الطَّهُورِيَّةِ وَمَفْهُومُ بِنَجَسٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِطَاهِرٍ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَهُوَ كَذَلِكَ وَالْحُكْمُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُغَيِّرْ فَلَا كَرَاهَةَ، وَإِنْ غَيَّرَ سَلَبَ الطَّهُورِيَّةَ وَإِذَا تَوَضَّأَ بِالْمَاءِ الْقَلِيلِ الْمَذْكُورِ وَصَلَّى فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ أَصْلًا عَلَى الْمَشْهُورِ وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ الْمُؤَلِّفُ بِآنِيَةِ الْوُضُوءِ عَنْ آنِيَةِ الْغُسْلِ أَوْ بِالْعَكْسِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى آنِيَةِ الْوُضُوءِ لَتُوُهِّمَ أَنَّ آنِيَةَ الْغُسْلِ مِنْ الْكَثِيرِ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْكَثِيرِ لَتُوُهِّمَ أَنَّ آنِيَةَ الْوُضُوءِ نَجِسَةٌ.
(ص) أَوْ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ (ش) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى خَلَطَ الْمُقَدَّرِ قَبْلَ قَوْلِهِ بِنَجَسٍ لِيَصِيرَ قَيْدُ الْيَسَارَةِ مُعْتَبَرًا فِيهِ لَا عَلَى يَسِيرٍ كَمَا فَعَلَهُ بَعْضٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الْكَلْبَ إذَا وَلَغَ فِي كَثِيرٍ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ؛ لِأَنَّهُ قَسِيمُهُ؛ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ مُغَايِرٌ لِلْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَا عَلَى مُسْتَعْمَلٍ لِئَلَّا يُوهِمَ كَرَاهَةَ الْكَثِيرِ أَيْضًا وَالْمَعْنَى وَكُرِهَ اسْتِعْمَالُ مَاءٍ يَسِيرٍ خُلِطَ بِنَجَسٍ أَوْ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ مَأْذُونٌ فِي اتِّخَاذِهِ أَمْ لَا بِخِلَافِ الْكَثِيرِ وَالْوُلُوغُ بِضَمِّ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا كَثْرَةُ ذَلِكَ، وَهُوَ لِلْكِلَابِ وَالسِّبَاعِ لَا لِلْآدَمِيِّ وَلَا لِلطَّيْرِ إلَّا الذُّبَابُ وَالشُّرْبُ لِلْجَمِيعِ فَكُلُّ مَنْ وَلَغَ شَرِبَ وَلَا عَكْسَ وَلَحْسُ الْإِنَاءِ إذَا كَانَ فَارِغًا يُقَالُ وَلَغَ يَلَغُ بِفَتْحِ اللَّامِ فِيهِمَا وَحُكِيَ كَسْرُهَا فِي الْأَوَّلِ إذَا أَدْخَلَ لِسَانَهُ وَحَرَّكَهُ فِيمَا فِيهِ شَيْءٌ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إذَا أَدْخَلَ لِسَانَهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكٍ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ وَكَذَا لَوْ أَدْخَلَ رَأْسَهُ أَوْ سَقَطَ مِنْ فِيهِ لُعَابٌ فِي الْمَاءِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ الْكَرَاهَةُ فِي الْمَاءِ الْمَوْلُوغِ فِيهِ وَلَوْ تُيُقِّنَتْ سَلَامَةُ فَمِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ قَالَ ح فِيمَا يَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ وَنُدِبَ غَسْلُ إنَاءِ مَاءٍ إلَخْ.
تَنْبِيهٌ: فَارَقَ سُؤْرُ الْكَلْبِ سُؤْرَ غَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ فِي الْأَمْرِ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ مِنْهُ سَبْعًا وَفِي إرَاقَتِهِ وَكَرَاهَةِ الْوُضُوءِ بِهِ، وَإِنْ عُلِمَتْ طَهَارَتُهُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ، فَإِنْ تُيُقِّنَتْ طَهَارَةُ فَمِهِ فَلَا يُرَاقُ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ فَيُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَأَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِهِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ.
(ص) وَرَاكِدٍ يُغْتَسَلُ فِيهِ (ش) أَيْ وَكُرِهَ اسْتِعْمَالُ رَاكِدٍ أَيْ الِاغْتِسَالُ فِيهِ فَجُمْلَةُ يُغْتَسَلُ فِيهِ تَفْسِيرٌ لِلْمُضَافِ الْمُقَدَّرِ قَبْلَ رَاكِدٍ، وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ الرَّاكِدِ هُوَ الِاغْتِسَالُ فِيهِ أَيْ وَكُرِهَ الِاغْتِسَالُ فِي رَاكِدٍ ابْتِدَاءً وَأَحْرَى إذَا تَقَدَّمَ فِيهِ الِاغْتِسَالُ لَا صِفَةٌ لِرَاكِدٍ؛ لِأَنَّهُ
ــ
[حاشية العدوي]
آنِيَةٍ إلَخْ جَمْعُ إنَاءٍ وَالصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ كَإِنَاءِ وُضُوءٍ لَا سِيَّمَا، وَهُوَ أَخْصَرُ قَالَ فِي الصِّحَاحِ الْإِنَاءُ مَعْرُوفٌ وَجَمْعُهُ آنِيَةٌ وَجَمْعُ الْآنِيَةِ أَوَانٍ انْتَهَى (قَوْلُهُ رَاكِدٍ) ، وَأَمَّا الْجَارِي فَلَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ كَالْكَثِيرِ وَقَوْلُهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ فَلَا يُكْرَهُ (قَوْلُهُ فَوْقَ الْقَطْرَةِ) ، وَأَمَّا هِيَ فَلَا يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ قَلِيلٍ حَلَّتْ فِيهِ، وَهُوَ مَا نَقَلَهُ النَّاصِرُ اللَّقَانِيِّ عَنْ الْبَيَانِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَاَلَّذِي يُفِيدُهُ الْحَطَّابُ أَنَّ النَّجَسَ الْقَطْرَةُ وَمَا فَوْقَهَا أَوْلَى وَالظَّاهِرُ الرُّجُوعُ فِي قَدْرِهَا لِلْعُرْفِ وَأَفَادَ مُحَشِّي تت نَاقِلًا لِلنَّصِّ أَنَّ الْقَطْرَةَ تُؤَثِّرُ فِي آنِيَةِ الْوُضُوءِ فَيَصِيرُ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ بِالْكَرَاهَةِ وَالنَّجَاسَةِ وَلَا تُؤَثِّرُ فِي آنِيَةِ الْغُسْلِ وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ فِيهِ مَا فَوْقَهَا وَذَكَرَ كَلَامَ الْمُقَدِّمَاتِ إلَخْ (قَوْلُهُ فَالْكَافُ دَالَّةٌ عَلَى عَدَمِ الْحَصْرِ) هَذَا يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ خُصُوصًا، وَقَدْ قَالَ فِيمَا سَيَأْتِي وَإِنَّمَا لَمْ يَكْتَفِ فَهَذَا يُؤْذِنُ بِالتَّحْدِيدِ.
(تَنْبِيهٌ) : كَرَاهَةُ الْمَاءِ الْقَلِيلِ مُقَيَّدَةٌ بِثَلَاثَةِ قُيُودٍ أَنْ يَجِدَ غَيْرَهُ، وَأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ مَادَّةٌ كَبِئْرٍ، وَأَنْ لَا يَكُونَ جَارِيًا (قَوْلُهُ وَالْحُكْمُ سَلْبُ الطَّهُورِيَّةِ) أَيْ وَالطَّاهِرِيَّةِ (قَوْلُهُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ أَصْلًا عَلَى الْمَشْهُورِ) وَمُقَابِلُهُ يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ بِنَجَاسَتِهِ مُرَاعَاةً لِلْخِلَافِ أَفَادَهُ الْحَطَّابُ.
(قَوْلُهُ وَلَا عَلَى مُسْتَعْمَلٍ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ مُسْتَعْمَلٍ تَقْدِيرُهُ يَسِيرُ مُسْتَعْمَلٍ وَوَجْهُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْيَسِيرِ وَالْكَثِيرِ، وَإِنْ كَانَ غُسْلُ الْإِنَاءِ تَعَبُّدًا عَلَى الْمَشْهُورِ أَنَّ الْيَسِيرَ قَدْ يَتَغَيَّرُ مِنْ لُزُوجَاتِ فَمِ الْكَلْبِ فَنَاسَبَ أَنْ يُقَالَ فِيهِ ذَلِكَ
(تَنْبِيهٌ) : كَرَاهَةُ الْمَاءِ الْمَوْلُوغِ فِيهِ إذَا وُجِدَ غَيْرُهُ (قَوْلُهُ وَفَتْحُهَا) مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ كَثْرَةُ ذَلِكَ خَبَرٌ أَيْ كَثْرَةُ الْوُلُوغِ بِالضَّمِّ فَفِي الْعِبَارَةِ شِبْهُ اسْتِخْدَامٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشَارَ لَهُ الْوُلُوغُ لَا بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ اللَّفْظُ (قَوْلُهُ وَلَحْسُ الْإِنَاءِ) أَيْ وَيُقَالُ لَحِسَ الْإِنَاءَ إذَا كَانَ فَارِغًا فَلَحِسَ فِعْلٌ مَاضٍ (قَوْلُهُ وَحَرَّكَهُ فِيمَا فِيهِ شَيْءٌ) ظَاهِرُهُ سَوَاءٌ كَانَ مَاءً أَوْ طَعَامًا وَتَبِعَ الشَّارِحُ فِي ذَلِكَ تت وَفِي عِبَارَةِ الْوُلُوغِ فِي الْمَاءِ، وَأَمَّا فِي الطَّعَامِ فَيُسَمَّى لَعْقًا (قَوْلُهُ وَلَوْ تُيُقِّنَتْ سَلَامَةُ فَمِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ) انْدَفَعَ بِذَلِكَ سُؤَالٌ وَارِدٌ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَصُورَتُهُ لِمَ لَمْ يَكْتَفِ بِعُمُومِ قَوْلِهِ وَمَا لَا يُتَوَقَّى نَجِسًا مِنْ مَاءٍ وَحَاصِلُهُ إنَّمَا خَصَّ الْكَلْبَ الْمَذْكُورَ بِالذِّكْرِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِعُمُومِ قَوْلِهِ بَعْدُ وَمَا لَا يُتَوَقَّى؛ لِأَنَّ سُؤْرَهُ مُخَالِفٌ لِسُؤْرِ غَيْرِهِ فِي ذَلِكَ (قَوْلُهُ فَلَا يُرَاقُ) الْأَوْلَى لَمْ يُكْرَهْ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ عِنْدَ الشَّكِّ يُرَاقُ مَعَ أَنَّ الْإِرَاقَةَ خَاصَّةٌ بِسُؤْرِ الْكَلْبِ (قَوْلُهُ وَأَنَّ مَنْ تَوَضَّأَ بِسُؤْرِهِ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ تَنْبِيهٌ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْحَطَّابِ.
(قَوْلُهُ تَفْسِيرٌ لِلْمُضَافِ) فَكَأَنَّهُ جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ مَا الْمُرَادُ بِاسْتِعْمَالِهِ فَقَالَ الْمُرَادُ بِاسْتِعْمَالِهِ هُوَ الِاغْتِسَالُ فِيهِ (قَوْلُهُ لَا صِفَةٌ لِرَاكِدٍ) عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ صِفَةً لِرَاكِدٍ لَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَرَاكِدٍ اغْتَسَلَ فِيهِ بِالْمَاضِي الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ الِاغْتِسَالُ فِيهِ فِيمَا مَضَى
يَقْتَضِي حِينَئِذٍ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ فِيهِ ابْتِدَاءً بَلْ حَتَّى يَتَقَدَّمَ فِيهِ الِاغْتِسَالُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ فِيهِ ابْتِدَاءً؛ لِأَنَّ مَالِكًا عَلَّلَهُ بِأَنَّهُ يُقَذِّرُهُ عَلَى مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ بَعْدَهُ إذْ لَا يَخْلُو مِنْ وَسَخٍ وَعَرَقٍ فِي جِسْمِهِ غَالِبًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ نَجَاسَةٌ وَالْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِيهِ ابْتِدَاءً وَهَذَا فِيمَنْ لَمْ تَكُنْ أَعْضَاؤُهُ نَقِيَّةً مِنْ الْأَوْسَاخِ وَالْأَذَى أَمَّا مَنْ كَانَتْ أَعْضَاؤُهُ نَقِيَّةً مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ فِيهِ وَمَحَلُّ الْكَرَاهَةِ أَيْضًا مَا لَمْ يُسْتَبْحَرْ جِدًّا كَالْبِرَكِ الْكَبِيرَةِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ فِيهِ حِينَئِذٍ.
(ص) وَسُؤْرِ شَارِبِ الْخَمْرِ وَمَا دَخَلَ يَدُهُ فِيهِ (ش) يَعْنِي وَمِمَّا يُكْرَهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ سُؤْرُ أَيْ بَقِيَّةُ شُرْبِ شَارِبِ الْخَمْرِ، وَكَذَلِكَ مَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ؛ لِأَنَّ قُصَارَاهُ أَنَّهُ مَاءٌ قَلِيلٌ حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ بَلْ النَّجَاسَةُ فِيهِ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ وَمِثْلُ الْيَدِ غَيْرُهَا كَالرِّجْلِ وَهَذَا مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ طَهَارَةُ الْيَدِ وَإِلَّا فَلَا كَرَاهَةَ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ بِخِلَافِ الْمَاءِ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهُ وَلَوْ تَحَقَّقَتْ سَلَامَةُ فِيهِ مِنْ النَّجَاسَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(ص) وَمَا لَا يُتَوَقَّى نَجِسًا مِنْ مَاءٍ لَا إنْ عَسُرَ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ أَوْ كَانَ طَعَامًا (ش) مَا مِنْ قَوْلِهِ مَا لَا يُتَوَقَّى إلَخْ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ عُطِفَ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ شَارِبِ خَمْرٍ أَيْ وَكُرِهَ سُؤْرُ شَارِبِ خَمْرٍ وَسُؤْرُ مَا لَا يَتَوَقَّى النَّجَاسَةَ مِنْ الْمَاءِ كَالطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ أَمَّا مَنْ كَانَتْ أَعْضَاؤُهُ نَقِيَّةً إلَخْ) ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ يُنَجِّسُهُ اغْتِسَالُهُ فِيهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ تَرْكُهُ، فَإِنْ كَانَ مِلْكَهُ لَمْ يَجِبْ تَرْكُهُ (قَوْلُهُ مَا لَمْ يُسْتَبْحَرْ جِدًّا) وَمِثْلُ الْمُسْتَبْحَرِ جِدًّا مَالَهُ مَادَّةٌ، وَهُوَ كَثِيرٌ فَالْمُسْتَبْحَرُ جِدًّا وَالْبِئْرُ الْكَثِيرَةُ الْمَاءُ لَا يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ فِيهِمَا، وَأَمَّا الْبِئْرُ الْقَلِيلَةُ الْمَاءُ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ فِيهَا وَخُلَاصَتُهُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالْقَلِيلَةِ هُنَا كَوْنَ مَائِهَا قَدْرَ آنِيَةِ الْغُسْلِ بَلْ كَوْنُ مَائِهَا لَيْسَ فِيهِ كَثْرَةٌ تُصَيِّرُهُ كَالْمُسْتَبْحَرِ وَكَذَلِكَ مَحَلُّ كَرَاهَةِ الْقَلِيلِ مَا لَمْ يُضْطَرَّ لَهُ، فَإِنْ اُضْطُرَّ لَهُ جَازَ هَذَا تَقْرِيرُهُ عَلَى مَا بَيَّنُوا ثُمَّ نَقُولُ بَقِيَ فِي كَلَامِ الشَّارِحِ شَيْءٌ، وَهُوَ أَنَّ مَالِكًا يَقُولُ بِأَنَّهُ يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا أَيْ وَلَمْ يُسْتَبْحَرْ وَمِثْلُ الْمُسْتَبْحَرِ مَا لَهُ مَادَّةٌ، وَهُوَ كَثِيرٌ غَسَلَ مَا بِهِ مِنْ أَذًى أَمْ لَا؛ لِأَنَّ النَّهْيَ الْوَارِدَ فِي الِاغْتِسَالِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ عِنْدَهُ تَعَبُّدِيٌّ، وَأَمَّا عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الِاغْتِسَالُ فِيهِ حَيْثُ كَانَ كَثِيرًا مُطْلَقًا أَوْ يَسِيرًا وَغَسَلَ مَا بِهِ مِنْ الْأَذَى غَيْرِ الطَّاهِرِ وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ عِنْدَهُ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ بَيْنَهُمَا حَيْثُ كَانَ مَا بِهِ مِنْ الْأَذَى لَا يَسْلُبُ طَهُورِيَّةَ الْمَاءِ وَإِلَّا فَيَتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُغْتَسَلُ فِيهِ فَلَيْسَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ حَالَةُ كَرَاهَةٍ وَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ التَّلْفِيقُ فِي عِبَارَةِ الشَّارِحِ وَعَدَمُ الْمُنَاسَبَةِ فَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَالِكًا عَلَّلَهُ إلَخْ.
قَدْ عَلِمْت أَنَّ مَالِكًا يَقُولُ: إنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ وَقَوْلُهُ وَهَذَا إلَخْ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَوْلُهُ مَا لَمْ يُسْتَبْحَرْ جِدًّا إنَّمَا يَأْتِي عَلَى كَلَامِ مَالِكٍ وَعِبَارَةُ التَّوْضِيحِ تُفِيدُ الْمُرَادَ وَنَصُّهُ حَكَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ عَلَى خُرُوجِهِ أَيْ الْمُسْتَبْحَرِ، وَأَمَّا مَا عَدَاهُ فَاخْتَلَفَا فِيهِ فَكَرِهَ مَالِكٌ الِاغْتِسَالَ فِيهِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا غَسَلَ مَا بِهِ مِنْ الْأَذَى أَمْ لَا وَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ إذَا غَسَلَ مَا بِهِ مِنْ الْأَذَى أَوْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا غَسَلَ مَا بِهِ مِنْ الْأَذَى أَوْ لَمْ يَغْسِلْهُ قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ فِي أَوَّلِ سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَنَقَلَهُ فِي التَّوْضِيحِ قَالَ ابْنُ مَرْزُوقٍ وَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ خَاصَّةٌ بِالْغُسْلِ فِيهِ دُونَ الْوُضُوءِ فِيهِ وَيُعْطَى بِظَاهِرِهِ أَنَّ التَّنَاوُلَ مِنْهُ لِلتَّطْهِيرِ خَارِجًا لَا كَرَاهَةَ فِيهِ انْتَهَى. وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ الْجُنُبَ الَّذِي بِجَسَدِهِ مِنْ الْأَذَى مَا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ تَحْقِيقًا أَوْ ظَنًّا لَا شَكًّا بِتَقْدِيرِ اغْتِسَالِهِ فِي الرَّاكِدِ لَا يَجُوزُ اغْتِسَالُهُ فِيهِ حَيْثُ بَقِيَ الْأَذَى بِجَسَدِهِ سَوَاءٌ كَانَ يَسْلُبُ عَنْهُ الطَّاهِرِيَّةَ أَيْضًا أَمْ لَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ جَسَدُهُ حَالَ اغْتِسَالِهِ فِي الرَّاكِدَةِ نَقِيًّا أَوْ كَانَ الْأَذَى مِمَّا لَا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ تَحْقِيقًا وَلَا ظَنًّا فَإِنَّهُ يُكْرَهُ اغْتِسَالُهُ فِيهِ عِنْدَ مَالِكٍ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ كَثِيرًا أَمْ لَا غَسَلَ مَا بِهِ مِنْ الْأَذَى أَمْ لَا؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عِنْدَهُ تَعَبُّدِيٌّ وَيَجُوزُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ حَيْثُ كَانَ كَثِيرًا مُطْلَقًا أَوْ يَسِيرًا وَغَسَلَ مَا بِهِ مِنْ الْأَذَى غَيْرِ الطَّاهِرِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ مَا بِهِ مِنْ الْأَذَى غَيْرَ طَاهِرٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اغْتِسَالُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِذَا تَمَهَّدَ هَذَا فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَرَاكِدٍ إلَخْ.
لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ حَالَةٌ يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ فِيهَا؛ لِأَنَّ الِاغْتِسَالَ عِنْدَهُ فِي الرَّاكِدِ إمَّا جَائِزٌ أَوْ مُمْتَنِعٌ وَإِنَّمَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ بِكَرَاهَةِ الِاغْتِسَالِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ سَوَاءٌ كَانَ يَسِيرًا أَوْ كَثِيرًا وَسَوَاءٌ كَانَ جَسَدُ الْمُغْتَسِلِ نَقِيًّا مِنْ الْأَذَى أَوْ بِهِ أَذًى وَلَكِنْ لَا يَسْلُبُ طَهُورِيَّةَ الْمَاءِ وَالْمُرَادُ بِالْيَسِيرِ الَّذِي لَا يَجُوزُ الِاغْتِسَالُ فِيهِ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ قَبْلَ غَسْلِ مَا بِهِ مِنْ الْأَذَى هُوَ قَدْرُ آنِيَةِ الْغَسْلِ وَالْمُرَادُ بِالْكَثِيرِ الَّذِي يُكْرَهُ الِاغْتِسَالُ فِيهِ عِنْدَ مَالِكٍ مُطْلَقًا وَيَجُوزُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ مُطْلَقًا مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُسْتَبْحَرْ جِدًّا وَمِثْلُ الْمُسْتَبْحَرِ جِدًّا مَالَهُ مَادَّةٌ، وَهُوَ كَثِيرٌ.
(قَوْلُهُ وَسُؤْرِ شَارِبِ خَمْرٍ) أَيْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ أَيْ كَثِيرٌ شُرْبُهُ وَشَكَّ فِيهِ وَوَجَدَ غَيْرَهُ وَكَانَ الْمَاءُ يَسِيرًا فَلَا كَرَاهَةَ فِي سُؤْرِ شَارِبِهِ مَرَّةً وَنَحْوَهُ وَلَا فِيمَنْ تَحَقَّقَ طَهَارَةَ فِيهِ وَلَا مَعَ فَقْدِ غَيْرِهِ وَلَا إذَا كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا وَالْمُرَادُ بِالْخَمْرِ مَا يَشْمَلُ النَّبِيذَ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ هُوَ الْمُتَّخَذُ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ، وَأَمَّا مِنْ غَيْرِهِ فَنَبِيذٌ وَكَذَا بَائِعُهُ وَسَائِرُ مَنْ يَتَعَاطَى النَّجَاسَاتِ (قَوْلُهُ: وَهَذَا مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ طَهَارَةُ الْيَدِ) أَيْ أَوْ الْفَمِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ بَلْ الظَّنُّ، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ كَالتَّحَقُّقِ.
(تَنْبِيهٌ) : فَإِنْ تَوَضَّأَ شَخْصٌ بِمَا ذُكِرَ مِنْ السُّؤْرِ وَمَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ أَعَادَ الْوُضُوءَ فَقَطْ لِمَا يُسْتَقْبَلُ.
(قَوْلُهُ وَمَا لَا يُتَوَقَّى نَجِسًا مِنْ مَاءٍ) أَيْ وَلَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَةُ فَمِهِ وَلَا طَهَارَتُهُ قَالَ فِي ك وَمَا لَا يُتَوَقَّى نَجِسًا أَيْ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ حَذَرًا مِنْ التَّكْرَارِ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ طَعَامًا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ سُؤْرِ شَارِبِ خَمْرٍ وَمَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ وَسُؤْرِ مَا لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا (قَوْلُهُ عَطْفًا عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ بَعْدَ وَحَذْفُ سُؤْرٍ مِنْ هُنَا فَإِنَّ قَوْلَهُ وَحَذْفُ سُؤْرٍ مِنْ هُنَا يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَهُ
إذَا لَمْ يَعْسُرْ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ، فَإِنْ عَسُرَ أَيْ شَقَّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ كَالْهِرِّ وَالْفَأْرِ وَنَحْوِهِمَا لَمْ يُكْرَهْ كَمَا إذَا كَانَ سُؤْرُ شَارِبِ الْخَمْرِ وَمَدْخُولُ يَدِهِ وَسُؤْرُ مَا لَا يُتَوَقَّى نَجَسًا وَيُمْكِنُ مِنْهُ الِاحْتِرَازُ طَعَامًا لِحُرْمَتِهِ وَلَا يُرَاقُ لِإِضَاعَةِ الْمَالِ وَهَذَا مَا لَمْ تُرَ النَّجَاسَةُ عَلَى فِيهِ وَقْتَ اسْتِعْمَالِهِ، فَإِنْ رُئِيَتْ عَلَى فِيهِ عُمِلَ عَلَيْهَا كَمَا يَأْتِي وَقَوْلُهُ مِنْ مَاءٍ قَيْدٌ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وَحُذِفَ مِنْ مَاءٍ فِي الْأَوَّلِ لِدَلَالَةِ هَذَا عَلَيْهِ وَحُذِفَ سُؤْرٌ مِنْ هُنَا لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ لَا إنْ عَسُرَ إلَى آخِرِهِ الْمَعْطُوفُ مَحْذُوفٌ وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ سُؤْرُ الْمُقَدَّرُ أَيْ لَا سُؤْرَ حَيَوَانٍ عَسُرَ إلَخْ، فَإِنْ قِيلَ الْمَعْطُوفُ بِلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ لَا يَكُونَ دَاخِلًا فِيمَا قَبْلَهَا فَلَا يُقَالُ جَاءَ الْقَوْمُ لَا زَيْدٌ وَمَا لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا شَامِلٌ لِمَا عَسُرَ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَلِمَا لَمْ يَعْسُرْ فَالْمَعْطُوفُ دَاخِلٌ فِيمَا قَبْلَهَا فَالْجَوَابُ أَنَّ فِيمَا قَبْلَهَا حَذْفًا وَالتَّقْدِيرُ وَمَا لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا مِنْ مَاءٍ إذَا لَمْ يَعْسُرْ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَحِينَئِذٍ فَالْمَعْطُوفُ غَيْرُ دَاخِلٍ وَيَصِحُّ عَطْفُ جُمْلَةِ لَا إنْ عَسُرَ عَلَى الْجُمْلَةِ الْمُقَدَّرَةِ لَكِنْ عَلَى قِلَّةٍ؛ لِأَنَّ مَعْطُوفَ لَا هُنَا جُمْلَةٌ وَهِيَ لَا تَعْطِفُ إلَّا الْمُفْرَدَاتِ غَالِبًا.
(ص) كَمُشَمَّسٍ (ش) هَذَا مُشَبَّهٌ بِالْمُخْرَجِ مِنْ الْكَرَاهَةِ عَلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَعَلَيْهِ حَمَلَهُ أَكْثَرُ الشُّرَّاحِ أَيْ فَلَا يُكْرَهُ التَّطْهِيرُ بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ عِنْدَ ابْنِ شَعْبَانَ وَابْنِ الْحَاجِبِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ بَعْضٌ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِمْ وَالْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ قَوِيٌّ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْفُرَاتِ عَنْ مَالِكٍ وَاقْتَصَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ عَلَيْهِ، وَلِذَا جَوَّزَ ابْنُ الْفُرَاتِ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنْ يَكُونَ شَبَّهَهُ بِالْمَكْرُوهَاتِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ حِينَئِذٍ بِكَوْنِهِ فِي الْأَوَانِي الصُّفْرِ مِنْ الْبِلَادِ الْحَارَّةِ كَمَا قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ وَنَقَلَهُ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَبِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
(ص) ، وَإِنْ رِيئَتْ عَلَى فِيهِ وَقْتَ اسْتِعْمَالِهِ عُمِلَ عَلَيْهَا (ش) هَذَا رُجُوعٌ مِنْ الْمُؤَلِّفِ لِتَقْيِيدِ كَرَاهَةِ سُؤْرِ شَارِبِ الْخَمْرِ وَمَدْخُولِ يَدِهِ وَسُؤْرِ مَا لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا وَتَيَسَّرَ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَعَدَمُ كَرَاهَةِ سُؤْرِ مَا يَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ أَوْ مَا كَانَ فِي كُلِّ ذَلِكَ طَعَامًا بِمَا إذَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَةُ ذَلِكَ الْعُضْوِ الْحَالِّ فِي الْمَاءِ بِقَوْلِهِ، وَإِنْ رُئِيَتْ عَلَى فِيهِ إلَخْ أَيْ، وَإِنْ عُلِمَتْ عَلَى فَمِ الْحَيَوَانِ السَّابِقِ أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَقْتَ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَاءِ أَوْ الطَّعَامِ أَوْ قَبْلَ الِاسْتِعْمَالِ دُونَ غَيْبَةٍ يُمْكِنُ زَوَالُ أَثَرِهَا عُمِلَ عَلَيْهَا فَيُفَرَّقُ بَيْنَ قَلِيلِ الْمَاءِ وَكَثِيرِهِ وَتَغَيُّرِهِ وَعَدَمِهِ وَبَيْنَ مَائِعِ الطَّعَامِ وَجَامِدِهِ وَطُولِ الْمُكْثِ وَعَدَمِهِ فَقَوْلُهُ عُمِلَ عَلَيْهَا أَيْ عُمِلَ عَلَى مُقْتَضَاهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَكَذَلِكَ الطَّعَامُ عَطْفًا عَلَى الْمَاءِ يَقْتَضِي مُسَاوَاتَهُمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا سَتَعْرِفُ مِنْ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَيُنَجَّسُ كَثِيرُ طَعَامٍ مَائِعٍ بِنَجَسٍ قَلَّ وَتَفْسِيرُ الرُّؤْيَا بِالْعِلْمِيَّةِ لَا الْبَصَرِيَّةِ يَدْفَعُ الِاعْتِرَاضَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْحَطَّابُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ تُيُقِّنَتْ عَلَى فِيهِ لَكَانَ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ قَدْ تُتَيَقَّنُ، وَإِنْ لَمْ تُرَ انْتَهَى وَحَيْثُ كَانَتْ عِلْمِيَّةً فَمَفْعُولُهَا الْأَوَّلُ الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ النَّائِبُ عَنْ الْفَاعِلِ وَالثَّانِي هُوَ قَوْلُهُ عَلَى فِيهِ وَوَقْتُ اسْتِعْمَالِهِ ظَرْفٌ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ رُئِيَتْ لِلنَّجَاسَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ قَوْلِهِ وَمَا لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ فِيهِ وَإِنَّمَا خَصَّهُ؛ لِأَنَّهُ
ــ
[حاشية العدوي]
وَمَا لَا يُتَوَقَّى عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ سُؤْرٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ عَطْفَ قَوْلِهِ وَمَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ عَلَى سُؤْرٍ يُبْعِدُ كَوْنَهُ بَعْدَ يُعْطَفُ عَلَى شَارِبِ خَمْرٍ بِحَيْثُ يَكُونُ سُؤْرٌ مُسَلَّطًا عَلَى مَا لَا يُتَوَقَّى (قَوْلُهُ وَحُذِفَ إلَخْ) خُلَاصَتُهُ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ احْتِبَاكًا فَإِذًا يَكُونُ قَوْلُهُ مُرْتَبِطًا أَيْ مَعْنَى فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ بَعْدَ وَحُذِفَ إلَخْ.
(قَوْلُهُ كَمُشَمَّسٍ) أَيْ مُسَخَّنٍ بِالشَّمْسِ وَسَوَاءٌ كَانَ بِوَضْعِ وَاضِعٍ فِيهَا أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَ اللَّفْظُ ظَاهِرًا فِي الْأَوَّلِ فَلَوْ عَبَّرَ بِمُتَشَمِّسٍ لَكَانَ أَوْلَى (قَوْلُهُ وَالْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ قَوِيٌّ) ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ بِكَوْنِهِ فِي الْأَوَانِي الصُّفْرِ) أَيْ النُّحَاسِ الْأَصْفَرِ لِمَا يُحْدِثُ مِنْ الْبَرَصِ هَكَذَا نَقَلَهُ ابْنُ الْإِمَامِ عَنْ ابْنِ الْعَرَبِيِّ إلَّا أَنَّ الْقَرَافِيَّ قَالَ يَخْرُجُ مِنْ الْإِنَاءِ مِثْلُ الْهَبَاءِ بِسَبَبِ التَّشَمُّسِ فِي النُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْأَجْسَامِ فَيُورِثُ الْبَرَصَ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِصَفَائِهِمَا فَلَعَلَّ ابْنَ الْعَرَبِيِّ لَا يُوَافِقُ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِلِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَوَانِي الصُّفْرِ وَخَصَّصَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ ذَلِكَ بِخُصُوصِ النُّحَاسِ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ كَوْنِهِ أَصْفَرَ أَوْ لَا وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى وَهَلْ الْكَرَاهَةُ شَرْعِيَّةٌ، وَهُوَ مَا ارْتَضَاهُ الْحَطَّابُ أَوْ طِبِّيَّةٌ وَبِهِ قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ؛ لِأَنَّ الشَّمْسَ لِحِدَّتِهَا تَفْصِلُ مِنْ الْمَاءِ زُهُومَةً تَعْلُو الْمَاءَ فَإِذَا لَاقَتْ الْبَدَنَ بِسُخُونَتِهَا خِيفَ أَنْ تَقْبِضَ عَلَيْهِ فَيُحْبَسُ الدَّمُ فَيَحْصُلُ الْبَرَصُ بِخِلَافِ الْمُسَخَّنِ بِالنَّارِ فَإِنَّ النَّارَ تُذْهِبُ الزُّهُومَةَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْكَرَاهَةَ الشَّرْعِيَّةَ يُثَابُ تَارِكُهَا وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْإِرْشَادَ شَرْعِيٌّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَنْدُوبِ أَنَّهُ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ وَالْإِرْشَادُ لِنَفْعِ الدُّنْيَا عج قَالَ ابْنُ فَرْحُونٍ وَانْظُرْ هَلْ تَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِتَبْرِيدِهِ أَمْ لَا أَوْ يَرْجِعُ ذَلِكَ لِلْأَطِبَّاءِ وَفِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ إنْ بَرَدَ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ فِيهِ انْتَهَى.
(أَقُولُ) وَحِينَئِذٍ فَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ بِتَبْرِيدِهِ؛ لِأَنَّا نَرْجِعُ لِلشَّافِعِيَّةِ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ عِنْدَنَا.
(تَنْبِيهٌ) : يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ الْمُشَمَّسِ فِي الْبَدَنِ فِي وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ مَطْلُوبٍ أَوْ لَا أَوْ غُسْلِ نَجَاسَةٍ فِي الْبَدَنِ لَا فِي غَيْرِهِ كَالثَّوْبِ نَعَمْ يُكْرَهُ شُرْبُهُ وَأَكْلُ مَا طُبِخَ فِيهِ إنْ قَالَتْ الْأَطِبَّاءُ بِضَرَرِهِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي مُشَمَّسِ الْبِرَكِ وَالْأَنْهَارِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الصِّيَانَةِ وَعَدَمِ تَأْثِيرِ الشَّمْسِ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ رِيئَتْ) أَصْلُهُ رُئِيَتْ بِتَقْدِيمِ الْهَمْزَةِ عَلَى الْيَاءِ فَفِيهِ قَلْبٌ مَكَانِيٌّ وُضِعَ الْيَاءُ مَكَانَ الْهَمْزَةِ وَهِيَ مَكَانُ الْيَاءِ وَنُقِلَتْ كَسْرَةُ الْهَمْزَةِ لِلرَّاءِ (قَوْلُهُ أَوْ مَا كَانَ) مَعْطُوفٌ عَلَى سُؤْرٍ (قَوْلُهُ طَعَامًا) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ كَانَ وَالتَّقْدِيرُ وَعَدَمُ كَرَاهَةِ مَا وُجِدَ فِي حَالِ كَوْنِهِ طَعَامًا مِنْ كُلِّ مَا ذُكِرَ أَيْ سُؤْرِ شَارِبِ الْخَمْرِ وَمَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ وَسُؤْرِ مَا لَا يَتَوَقَّى نَجِسًا (قَوْلُهُ عَطْفًا عَلَى الْمَاءِ) أَيْ عَطْفًا عَلَى الْجُمْلَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَاءِ الَّتِي هِيَ قَوْلُهُ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ إلَخْ (قَوْلُهُ وَيَنْدَفِعُ الِاعْتِرَاضُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ أَنَّ الْحَطَّابَ قَدْ قَالَ وَلَوْ قَالَ كَذَا لَكَانَ أَحْسَنَ فَأَنْتَ تَرَاهُ عَبَّرَ بِأَحْسَنَ الْمُفِيدِ إلَى حَمْلِ الرُّؤْيَةِ
الْغَالِبُ وَانْظُرْ مَا فَائِدَةُ إعَادَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ إمْكَانِ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهَا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ
(ص) وَإِذَا مَاتَ بَرِّيٌّ ذُو نَفْسٍ سَائِلَةٍ بِرَاكِدٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ نُدِبَ نَزْحٌ بِقَدْرِهِمَا لَا إنْ وَقَعَ مَيِّتًا (ش) بَرِّيٌّ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ يَعْنِي أَنَّ الْحَيَوَانَ الْبَرِّيَّ الَّذِي لَهُ نَفْسٌ أَيْ دَمٌ سَائِلَةٌ أَيْ جَارِيَةٌ مِنْهُ إنْ ذُبِحَ أَوْ جُرِحَ إذَا مَاتَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ أَيْ غَيْرِ الْجَارِي سَوَاءٌ مَا لَهُ مَادَّةٌ كَالْبِئْرِ أَوْ لَا كَالصِّهْرِيجِ وَالْبِرْكَةِ إلَّا أَنْ تَكْبُرَ جِدًّا وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُنْزَحَ مِنْهُ بَعْدَ إخْرَاجِ الْمَيْتَةِ وَيَكْفِي قَبْلَهُ وَيَكُونُ النَّزْحُ بِقَدْرِ الْمَاءِ وَالدَّابَّةِ لَا بِحَدِّ مَحْدُودٍ وَلِذَا يُنْظَرُ إلَى طُولِ الْمُكْثِ وَقُرْبِهِ وَكُلَّمَا كَثُرَ النَّزْحُ كَانَ أَحَبَّ إلَيْهِمْ وَأَحْوَطَ وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ مَاتَ إذَا وَقَعَ الْحَيَوَانُ فِي الْمَاءِ وَأُخْرِجَ حَيًّا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِجَسَدِهِ نَجَاسَةٌ وَالْمَاءُ قَلِيلٌ فَيَكُونُ مَاءً يَسِيرًا حَلَّتْهُ نَجَاسَةٌ وَهَلْ جَسَدُهُ مَحْمُولٌ عَلَى الطَّهَارَةِ وَلَوْ غَلَبَتْ مُخَالَطَتُهُ لِلنَّجَاسَةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَوْ مَا غَلَبَ مُخَالَطَتُهُ لِلنَّجَاسَةِ مَحْمُولٌ عَلَيْهَا، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ نُمَيْرٍ فِي قَصْرِيَّةِ شَرَابٍ وَقَعَتْ فِيهِ فَأْرَةٌ فَأُخْرِجَتْ حَيَّةً فَإِنَّهُ يُرَاقُ وَفِي سَمَاعِ أَشْهَبَ مِثْلُهُ وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ الْإِمَامِ وَقَالَ الشَّيْخُ وَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ أَظْهَرُ فِي الطَّعَامِ وَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ ظَاهِرٌ فِي الْمَاءِ فَيُكْرَهُ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ إذَا كَانَ قَلِيلًا انْتَهَى.
وَأَخْرَجَ أَيْضًا بِقَوْلِهِ مَاتَ مَا إذَا وَقَعَ الْحَيَوَانُ فِي الْمَاءِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ النَّزْحُ كَمَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ وَلَا يُقَالُ أَنَّ مَفْهُومَ إذَا مَاتَ مَفْهُومُ شَرْطٍ، وَهُوَ يَعْتَبِرُهُ لُزُومًا وَحِينَئِذٍ فَلِمَ صَرَّحَ بِهَذَا الشَّرْطِ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي يَعْتَبِرُهُ لُزُومًا هُوَ " إنْ " لَا مُطْلَقُ الشَّرْطِ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ بَرِّيٍّ مِنْ الْبَحْرِيِّ فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ فِي الْمَاءِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهُ فَلَا يُسْتَحَبُّ النَّزْحُ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ ذُو نَفْسٍ سَائِلَةٍ مِنْ الْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ الَّذِي لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ كَالْخُنْفُسَاءِ وَالْعَقْرَبِ فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ فِي الْمَاءِ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ لَا يُسْتَحَبُّ نَزْحُهُ وَاحْتَرَزَ بِرَاكِدٍ مِنْ الْجَارِي فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ النَّزْحُ وَمِثْلُهُ الْبِرَكُ الْكِبَارُ جِدًّا وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ مِمَّا إذَا تَغَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَجِبُ النَّزْحُ سَوَاءٌ كَانَتْ دَابَّةَ بَحْرٍ أَوْ بَرٍّ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ أَمْ لَا، غَيْرَ أَنَّ مَا تَغَيَّرَ بِالْبَرِّيِّ السَّائِلِ النَّفْسِ نَجِسٌ وَغَيْرُهُ طَاهِرٌ وَإِذَا وَجَبَ نَزْحُ الْمُتَغَيِّرِ فَمَا لَا مَادَّةَ لَهُ يُنْزَحُ كُلُّهُ وَيُغْسَلُ نَفْسُ الْجُبِّ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَا لَهُ مَادَّةٌ يُنْزَحُ مِنْهُ مَا يُزِيلُ التَّغَيُّرَ إنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا أَوْ جَمِيعُهُ إنْ كَانَ قَلِيلًا قَالَهُ فِي التَّهْذِيبِ وَالْأُمِّ لَكِنَّ كَلَامَهُ فِيمَا تَغَيَّرَ بِالْبَرِّيِّ السَّائِلِ النَّفْسِ كَمَا هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ لِنَجَاسَتِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْزَحَ فِي الْبَحْرِيِّ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ سَائِلَةٌ مِنْ الْبَرِّيِّ حَتَّى يَزُولَ التَّغَيُّرُ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ كَثِيرٍ وَقَلِيلٍ وَلَا بَيْنَ مَا لَهُ مَادَّةٌ أَوْ لَا وَلَا يُغْسَلُ مِنْهُ الْجُبُّ لِطَهَارَتِهِ وَمَا تَقَدَّمَ مِنْ اسْتِحْبَابِ النَّزْحِ بِقَدْرِ الْمَاءِ وَالْمَيْتَةِ كَمَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ لَا يُفِيدُ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ إحَالَةٌ عَلَى مَجْهُولٍ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَةُ الرَّجْرَاجِيِّ يُنْزَحُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْفَضَلَاتِ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ الْمَيْتَةِ قَدْ زَالَتْ بِحَيْثُ يَكُونُ الْمَاءُ الْبَاقِي لَا تَعَافُهُ النَّفْسُ وَلِذَا قَالُوا إنَّمَا طُلِبَ هَذَا النَّزْحُ لِجَرْيِ الْعَادَةِ الْإِلَهِيَّةِ بِانْفِتَاحِ مَسَامِّ الْحَيَوَانِ وَسَيَلَانِ رُطُوبَاتِهِ عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ وَيَفْتَحُ فَاهُ طَلَبًا لِلنَّجَاةِ فَيَدْخُلُ الْمَاءُ وَيَخْرُجُ الرُّطُوبَاتُ الَّتِي تَعَافُهَا النَّفْسُ وَلِذَا قَالُوا يُنْقِصُ النَّازِحُ الدَّلْوَ لِئَلَّا تَنْزِلَ الدُّهْنِيَّةُ مِنْ الدَّلْوِ فَتَزُولَ فَائِدَةُ النَّزْحِ وَلِزَوَالِ هَذِهِ الْعِلَّةِ لَمْ يُطْلَبْ النَّزْحُ فِي وُقُوعِهِ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا وَأُخْرِجَ كَذَلِكَ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ اسْتِحْبَابِ النَّزْحِ مَعَ الْقُيُودِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ يَجِبُ النَّزْحُ وَعَلَى الْمَشْهُورِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَيُعِيدُ مَنْ صَلَّى بِهِ فِي الْوَقْتِ.
(ص) ، وَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُ النَّجَسِ لَا بِكَثْرَةِ مُطْلَقٍ فَاسْتَحْسِنْ الطَّهُورِيَّةَ وَعَدَمَهَا أَرْجَحُ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ الْكَثِيرَ إذَا تَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ
ــ
[حاشية العدوي]
عَلَى الْيَقِينِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَبَادِرٍ (قَوْلُهُ وَانْظُرْ مَا فَائِدَةُ إلَخْ) أُجِيبُ بِأَنَّ فَائِدَةَ إعَادَةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا كَالتَّقْيِيدِ لِسُؤْرِ شَارِبِ الْخَمْرِ وَمَا بَعْدَهُ.
(قَوْلُهُ وَيَكْفِي قَبْلَهُ) ؛ لِأَنَّ الْفَضَلَاتِ خَرَجَتْ وَقْتَ خُرُوجِ الرُّوحِ، وَأَمَّا بَعْدَ خُرُوجِ الرُّوحِ فَلَا فَضَلَاتِ تَخْرُجُ إلَّا أَنَّهُ يُعَكَّرُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ؛ وَلِذَا لَا يَنْظُرُ إلَى طُولِ الْمُكْثِ وَقُرْبِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ بِطُولِ الْمُكْثِ يَقْوَى التَّغَيُّرُ بِمَا حَلَّ مِنْ الْفَضَلَاتِ فِي حَالِ خُرُوجِ الرُّوحِ. (قَوْلُهُ وَيَكُونُ النَّزْحُ إلَخْ) أَيْ فَيَكْثُرُ مَعَ قِلَّةِ الْمَاءِ وَكِبَرِ الدَّابَّةِ وَيُقَلَّلُ فِي عَكْسِهِ وَيُتَوَسَّطُ فِي عِظَمِهِمَا وَفِي صِغَرِهَا وَقِلَّةِ الْمَاءِ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّيْخُ) كَذَا فِي نُسْخَةِ الشَّارِحِ وَهَذَا فِي الْحَطَّابِ فَكَأَنَّهُ تَحَرَّفَتْ نُسْخَتُهُ عَنْ لَفْظِ ح إلَى لَفْظِ الشَّيْخِ (قَوْلُهُ وَمَا قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ ظَاهِرٌ فِي الطَّعَامِ) اُنْظُرْ هَذَا مَعَ أَنَّ دُبُرَهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ النَّجَاسَةِ أَصْلًا (قَوْلُهُ وَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ ظَاهِرٌ) أَيْ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ فَتْوَاهُ؛ لِأَنَّ الشَّرَابَ مِنْ الطَّعَامِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الْمَاءَ بَلْ الْمُرَادُ بِهِ أَحَدُ الْأَشْرِبَةِ الْمَعْرُوفَةِ فَقَدْ كَانَ شَرَابَ تُفَّاحٍ (قَوْلُهُ هُوَ أَنْ لَا مُطْلَقَ الشَّرْطِ) كَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَحْمَدُ الزَّرْقَانِيُّ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطِ فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ الْجُمْلَةُ الْأُولَى مِنْ الْجُمْلَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ النَّاصِرُ اللَّقَانِيِّ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُعَلَّقَةً بِإِنْ أَوْ إذَا أَوْ غَيْرِهِمَا انْتَهَى.
بَلْ يُقَالُ إنَّمَا صَرَّحَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ أَحْرَى بِالنَّزْحِ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ حُكْمًا؛ لِأَنَّهُ إحَالَةٌ عَلَى مَجْهُولٍ) أَيْ عَلَّقَ النَّدْبَ بِشَيْءٍ مَجْهُولٍ، وَهُوَ النَّزْحُ بِقَدْرِهِمَا (قَوْلُهُ وَالْأَحْسَنُ إلَخْ) قَدْ يُقَالُ أَنَّ مَا قَالَهُ الرَّجْرَاجِيُّ هُوَ عَيْنُ مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ حَلَّ شب الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَالْمُرَادُ أَنْ يَنْزَحَ مِنْهُ حَتَّى يَظُنَّ أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْحَيَوَانِ مِمَّا تَعَافُهُ الْأَنْفُسُ قَدْ زَالَ (قَوْلُهُ مَسَامِّ الْحَيَوَانِ) أَيْ مَنَافِذِ الْحَيَوَانِ (قَوْلُهُ لِلنَّجَاةِ) أَيْ الْخُلُوصِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ زَالَ تَغَيُّرُ) الْمَاءِ الْكَثِيرِ وَلَا مَادَّةَ لَهُ النَّجِسُ أَيْ الْمُتَنَجِّسُ، وَهُوَ مَا غَيَّرَهُ النَّجَسُ بِالْفَتْحِ فَقَوْلُ الشَّارِحِ يَعْنِي أَنَّ الْمَاءَ الْكَثِيرَ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا كَانَ الْمَاءُ يَسِيرًا فَبَاقٍ عَلَى التَّنْجِيسِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ: وَانْظُرْ مَا حَدُّ الْكَثْرَةِ (قَوْلُهُ إذَا تَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ) احْتَرَزَ بِذَلِكَ مِمَّا إذَا
ثُمَّ زَالَ تَغَيُّرُهُ لَا بِكَثْرَةِ مَاءٍ مُطْلَقٍ خُلِطَ بِهِ وَلَا بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهِ مِنْ تُرَابٍ أَوْ طِينٍ بَلْ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَزْحِ بَعْضِهِ أَوْ بِقَلِيلٍ مُطْلَقٍ خُلِطَ بِهِ فَاخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ الْمَاءِ عَلَى قَوْلَيْنِ فَمَنْ رَأَى أَنَّ الْحُكْمَ بِالنَّجَاسَةِ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ التَّغَيُّرِ وَقَدْ زَالَ وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ الْعِلَّةِ وُجُودًا وَعَدَمًا حُكِمَ بِطَهُورِيَّتِهِ كَالْخَمْرِ يَتَخَلَّلُ وَمَنْ رَأَى أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَزُولُ إلَّا بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ، وَلَيْسَ حَاصِلًا حَكَمَ بِبَقَاءِ النَّجَاسَةِ وَصَوَّبَ الْأَوَّلَ بَعْضُهُمْ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِالِاسْتِحْسَانِ وَصَوَّبَ ابْنُ يُونُسَ الثَّانِيَ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِالتَّرْجِيحِ وَقَدْ اعْتَرَضَ ابْنُ غَازِيٍّ نِسْبَةَ هَذَا لِابْنِ يُونُسَ بِمَا يُعْلَمُ بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ، وَشَمِلَ قَوْلُهُ لَا بِكَثْرَةِ مُطْلَقٍ مَا زَالَ تَغَيُّرُهُ بِقَلِيلِ الْمُطْلَقِ كَمَا أَشَرْنَا إلَيْهِ وَأَنْكَرَ الْبِسَاطِيُّ وُجُودَ الْخِلَافِ فِيهِ وَقَالَ لَوْ جَعَلَ الْمُؤَلِّفُ مَحَلَّ النِّزَاعِ مَا زَالَ بِنَفْسِهِ لَسَلِمَ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِالنَّقْلِ فِيمَا إذَا زَالَ بِقَلِيلِ الْمُطْلَقِ زَادَ فِي مُغْنِيهِ، وَهُوَ فِي عُهْدَتِهِ انْتَهَى وَكَلَامُ ابْنِ الْإِمَامِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْخِلَافِ فِيهِ وَفُهِمَ مِنْ قَوْلِهِ لَا بِكَثْرَةِ مُطْلَقٍ أَنَّ مَا زَالَ تَغَيُّرُهُ بِمُكَاثَرَةِ مَاءِ مُطْلَقٍ خَالَطَهُ طَهُورٌ بِاتِّفَاقٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَقَوْلُنَا فِي قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ لَا بِكَثْرَةِ مُطْلَقٍ وَلَا بِشَيْءٍ أُلْقِيَ فِيهِ كَمَا قَالَ فِي الطِّرَازِ لَوْ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِإِلْقَاءِ تُرَابٍ أَوْ طِينٍ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ أَحَدُ أَوْصَافِ مَا أُلْقِيَ فِيهِ وَجَبَ أَنْ يَطْهُرَ، وَإِنْ ظَهَرَ أَحَدُ أَوْصَافِ الْمُلْقَى احْتَمَلَ الْأَمْرَ قَالَ ابْنُ الْإِمَامِ وَالْأَظْهَرُ النَّجَاسَةُ عَمَلًا بِالِاسْتِصْحَابِ انْتَهَى.
وَفِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ مُعَلِّلًا لِطَهُورِيَّةِ الْمَاءِ بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ أَحَدُ أَوْصَافِ مَا أُلْقِيَ فِيهِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّا نَقْطَعُ بِزَوَالِ التَّغَيُّرِ وَسَلَامَةِ أَوْصَافِ الْمَاءِ مِنْ النَّجَاسَةِ وَأَوْرَدَ عَلَى الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي وَعَدَمِهَا يَعُودُ عَلَى الطَّهُورِيَّةِ وَهِيَ أَخَصُّ مِنْ الطَّاهِرِيَّةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الطَّهُورِيَّةِ نَفْيُ الطَّاهِرِيَّةِ الَّتِي هِيَ أَعَمُّ مَعَ أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ يَقُولُ بِعَدَمِ الطَّاهِرِيَّةِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ، وَقَدْ يُقَالُ عَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الطَّهُورِيَّةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِعَدَمِ الطَّاهِرِيَّةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ الِاسْتِصْحَابِ تَنْفِي إرَادَةَ الطَّاهِرِيَّةِ، وَهَذَا مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ، وَإِلَّا اُسْتُعْمِلَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ.
(ص) وَقُبِلَ خَبَرُ الْوَاحِدِ إنْ بَيَّنَ وَجْهَهَا أَوْ اتَّفَقَا مَذْهَبًا وَإِلَّا فَقَالَ يُسْتَحْسَنُ تَرْكُهُ (ش) يَعْنِي أَنَّ النَّجَاسَةَ تَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الْبَالِغِ عَدْلِ الرِّوَايَةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى حُرًّا أَوْ عَبْدًا إذَا بَيَّنَ لِلْمَخْبَرِ بِالْفَتْحِ وَجْهَ النَّجَاسَةِ كَقَوْلِهِ تَغَيَّرَ بِبَوْلٍ مَثَلًا إذَا اخْتَلَفَ مَذْهَبُ السَّائِلِ وَالْمُخْبَرِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَعْتَقِدَ مَا لَيْسَ نَجَسًا نَجَسًا أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهَا لَكِنْ اتَّفَقَ الْمُخْبِرُ وَالْمُخْبَرُ مَذْهَبًا أَيْ وَالْمُخْبِرُ بِالْكَسْرِ عَالِمٌ بِمَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ وَمَا لَا يُنَجِّسُهُ لِزَوَالِ عِلَّةِ التَّبْيِينِ، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ النَّجَاسَةِ الَّتِي غَيَّرَتْ الْمَاءَ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَذْهَبِ فَقَالَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِخَبَرِهِ مُشْتَبِهًا أَيْ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ.
(ص) وَوُرُودُ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ كَعَكْسِهِ (ش) لَمَّا قَدَّمَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّ الْمُطْلَقَ مَا لَمْ
ــ
[حاشية العدوي]
كَانَ الْمَاءُ طَهُورًا وَحَصَلَ لَهُ مَا يَسْلُبُ الطَّهُورِيَّةَ بِهِ بِطَاهِرٍ، ثُمَّ زَالَ فَإِنَّهُ يَعُودُ طَهُورًا (قَوْلُهُ: ثُمَّ زَالَ تَغَيُّرُهُ إلَخْ) أَيْ تَحَقُّقًا أَوْ ظَنًّا كَمَا فِي ك (قَوْلُهُ أَوْ بِقَلِيلٍ مُطْلَقٍ) ذَكَرَ تِلْكَ الصُّورَةَ لِشُمُولِ الْمُصَنِّفِ لَهَا (قَوْلُهُ بِمَا يُعْلَمُ بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ) أَيْ فَكَلَامُ ابْنِ يُونُسَ فِيمَا إذَا زَالَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ بِالْمَاءِ الْمُضَافِ فَإِنَّهُ قَالَ اُخْتُلِفَ فِي الْمُضَافِ إذَا زَالَتْ بِهِ عَيْنُ النَّجَاسَةِ هَلْ يَزُولُ حُكْمُهَا أَوْ لَا وَالصَّوَابُ الثَّانِي (قَوْلُهُ، وَهُوَ فِي عُهْدَتِهِ) أَيْ فِي ذِمَّتِهِ وَاعْتُرِضَ أَيْضًا بِشُمُولِهِ لِزَوَالِهِ بِكَثِيرٍ طَاهِرٍ غَيْرِ مُطْلَقٍ مَعَ أَنَّهُ طَهُورٌ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْكَثْرَةِ الْمُكَاثَرَةَ بِمَعْنَى الْمُخَالَطَةِ وَأَرَادَ بِالْمُطْلَقِ لَازِمَهُ، وَهُوَ طَاهِرٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا بِمُكَاثَرَةٍ أَيْ مُخَالَطَةِ طَاهِرٍ بِأَنْ زَالَ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِالْكَثْرَةِ مُقَابِلَ الْقِلَّةِ نَعَمْ اُعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَيْضًا بِأَنْ يُفِيدَ أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَذْهَبُ لِتَقْدِيمِهِ أَوْ أَنَّهُمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمَذْهَبُ الْقَوْلُ الثَّانِي (قَوْلُهُ احْتَمَلَ الْأَمْرَ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ احْتِمَالُ الزَّوَالِ مَظْنُونًا وَمُقَابِلُهُ مَوْهُومًا إلَّا أَنَّ الْمُقَرَّرَ أَنَّ الْمَظْنُونَ كَالْمُحَقَّقِ إلَّا أَنَّك خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الطَّعْمِ أَوْ اللَّوْنِ، وَأَمَّا الرِّيحُ فَيُمْكِنُ تَحَقُّقُ أَوْ ظَنُّ زَوَالِ تَغَيُّرِ النَّجِسِ كَمَا إذَا كَانَ تَغَيُّرُهُ بِهِ، ثُمَّ زَالَ تَغَيُّرُ تِلْكَ الرَّائِحَةِ زَوَالًا مُحَقَّقًا أَوْ مَظْنُونًا فَإِنَّهُ يَكُونُ طَاهِرًا مُطْلَقًا.
(قَوْلُهُ وَفِي عِبَارَةِ إلَخْ) خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَالْمُبْتَدَأُ مَحْذُوفٌ مُؤَخَّرٌ وَالتَّقْدِيرُ، وَفِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ تَبَيُّنٌ أَيْ وَتَبْيِينٌ كَائِنٌ فِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ حَالَةَ كَوْنِهِ مُعَلَّلًا إلَخْ (قَوْلُهُ بِإِلْقَاءِ) مُتَعَلِّقٌ بِطَهُورِيَّةِ الْمَاءِ وَقَوْلُهُ بِقَوْلِهِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ مُعَلَّلًا (قَوْلُهُ وَقَدْ أُجِيبُ إلَخْ) وَأُجِيبُ أَيْضًا بِأَنَّ فِي الْعِبَارَةِ اسْتِخْدَامًا (قَوْلُهُ وَهَذَا مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ) أَيْ أَنَّ مَحَلَّ الْحُكْمِ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ بِالتَّنْجِيسِ مَعَ وُجُودِ غَيْرِهِ وَإِلَّا اُسْتُعْمِلَ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَفِيهِ أَنَّ الرَّاجِحَ الثَّانِي الْقَائِلُ بِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى التَّنْجِيسِ وَمُقْتَضَى التَّوْضِيحِ وُجُوبُ التَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّ الَّذِي يَقُولُ بِالتَّنْجِيسِ يَقُولُ أَنَا أَحْكُمُ بِالنَّجَاسَةِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ إذَا وُجِدَ غَيْرُهُ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا هُوَ فَأَقُولُ بِاسْتِعْمَالِهِ مُرَاعَاةً لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَإِذَا عَلِمْت مَا قَرَّرْنَاهُ فَمَا كَتَبَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ مِنْ رُجُوعِهِ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ اسْتِشْكَالُهُ خَطَأٌ مُخَالِفٌ لِلنَّقْلِ.
(قَوْلُهُ يَعْنِي أَنَّ النَّجَاسَةَ تَثْبُتُ إلَخْ) بَلْ وَمِثْلُهُ إذَا أَخْبَرَ بِأَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ (قَوْلُهُ عَدْلِ الرِّوَايَةِ) بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا بَالِغًا عَاقِلًا غَيْرَ فَاسِقٍ وَاسْتُظْهِرَ أَنَّ الْجِنَّ فِي ذَلِكَ كَبَنِي آدَمَ وَقَوْلُهُ الْوَاحِدُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَالِاثْنَانِ وَالْأَكْثَرُ كَذَلِكَ قَالَهُ النَّاصِرُ اللَّقَانِيِّ بَلْ وَلَوْ بَلَغُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ (وَأَقُولُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الْوَاحِدِ لِبَيَانِ أَقَلِّ مَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ الْإِخْبَارُ فَلَا يُنَافِي أَنَّ الِاثْنَيْنِ وَالْأَكْثَرَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ لَكِنْ اتَّفَقَ الْمُخْبِرُ وَالْمُخْبَرُ مَذْهَبًا) أَيْ بِأَنْ كَانَ مُوَافِقًا فِي الْحُكْمِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، وَلَوْ كَانَ مُخَالِفًا فِي الْمَذْهَبِ كَذَا قَالَهُ فِي ك عَنْ تَقْرِيرٍ (قَوْلُهُ فَقَالَ الْمَازِرِيُّ يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ) وَهَلْ يُعِيدُ الصَّلَاةَ نَدْبًا حَيْثُ تَوَضَّأَ مِنْهُ حِينَئِذٍ أَوْ لَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ الثَّانِي.
(قَوْلُهُ وَوُرُودُ الْمَاءِ إلَخْ) أَيْ الْمَاءِ الْقَلِيلِ بِمَعْنَاهُ عِنْدَنَا، فَإِنْ قِيلَ وُرُودُ الْمَاءِ عَلَى النَّجَاسَةِ