الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَجَاذَبَ الْحَضَانَةَ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا النِّكَاحُ؛ لِأَنَّهُ مُنْشَؤُهَا وَالْآخَرُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْحَاضِنَ عَلَيْهِ حِفْظُ الْمَحْضُونِ وَلَهُ قَبْضُ نَفَقَتِهِ وَتَحْصِيلُ مَا بِهِ قَوَامُهُ بِالنَّفَقَةِ إذَا كَانَتْ عَيْنًا وَنَحْوَهَا، وَهُوَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْبَيْعِ فَلِذَا وَضَعَ الْبَيْعَ مُتَّصِلًا بِالْحَضَانَةِ فَقَالَ (بَابٌ) ذَكَرَ فِيهِ الْبَيْعَ وَهُوَ أَوَّلُ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْمُخْتَصَرِ جَرَى مُؤَلَّفُهُ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فِي وَضْعِهِمْ النِّكَاحَ وَتَوَابِعَهُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ فِي الرُّبُعِ الثَّانِي مِنْهُ وَالْبَيْعَ وَتَوَابِعَهُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي وَهُوَ مِمَّا يَتَعَيَّنُ الِاهْتِمَامُ بِهِ وَبِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِهِ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَالْبَلْوَى بِهِ
ــ
[حاشية العدوي]
[بَابٌ الْبَيْعَ]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ (قَوْلُهُ تَجَاذَبَ الْحَضَانَةَ إلَخْ) أَيْ سَحَبَتْهُمَا وَسَحَبَاهَا أَيْ طَلَبَتْهُمَا وَطَلَبَاهَا هَذَا حَقِيقَةُ اللَّفْظِ وَلَيْسَ مُرَادًا؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَ أَنَّ النِّكَاحَ طَالِبٌ لَهَا لَا مَطْلُوبٌ لَهَا وَالْبَيْعُ بِالْعَكْسِ فَإِذَنْ أَرَادَ بِهِ التَّعَلُّقَ وَالْمَعْنَى وَلَمَّا تَعَلَّقَ بِالْحَضَانَةِ أَمْرَانِ وَلَمَّا تَبَيَّنَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ النِّكَاحَ سَبَبٌ فِيهَا نَاسَبَ تَقْدِيمَهُ عَلَيْهَا، وَأَنَّ الْبَيْعَ مُسَبَّبٌ عَنْهَا نَاسَبَ تَأْخِيرُهُ (قَوْلُهُ قَوَامُهُ) بِالْفَتْحِ فِي الْقَامُوسِ وَالْقَوَامُ بِالْفَتْحِ مَا يُعَاشُ بِهِ انْتَهَى، وَيَصِحُّ أَنْ يُقْرَأَ بِالْكَسْرِ وَالْمَعْنَى يَتَعَلَّقُ بِهِمَا نِظَامُ الْعَالَمِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ بَعْضِ كُتُبِ اللُّغَةِ وَالْمَعْنَى عَقْدَانِ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مَعَاشُ الْعَالَمِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ النِّكَاحَ مِنْ بَابِ الْقُوتِ (قَوْلُهُ إذَا كَانَتْ عَيْنًا) أَيْ النَّفَقَةُ بِمَعْنَى الْمُنْفَقِ وَقَوْلُهُ وَنَحْوَهَا أَيْ كَالْعُرُوضِ (قَوْلُهُ وَهُوَ) أَيْ مَا بِهِ قَوَامُهُ وَلَا يَصِحُّ تَرْجِيعُ الضَّمِيرِ لِلتَّحْصِيلِ (قَوْلُهُ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ) ، وَأَمَّا طَرِيقَةُ الْمُتَقَدِّمِينَ فَبِالْعَكْسِ (قَوْلُهُ فِي الرُّبُعِ الثَّانِي) أَيْ وَأَمَّا الرُّبُعُ الْأَوَّلُ فَهُوَ رُبُعُ الْعِبَادَاتِ الصَّلَاةِ وَتَوَابِعِهَا وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَتَوَابِعِهِ وَالْحَجِّ (قَوْلُهُ وَالْبَيْعَ وَتَوَابِعَهُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي) أَيْ فِي الرُّبُعِ الْأَوَّلِ مِنْ النِّصْفِ الثَّانِي وَالْإِجَارَةَ وَتَوَابِعَهَا فِي الرُّبُعِ الثَّانِي مِنْ النِّصْفِ الثَّانِي وَانْظُرْ مَا وَجْهُ كَوْنِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْمُسَاقَاةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ تَوَابِعِ الْبَيْعِ دُونَ الْإِجَارَةِ وَالْحُدُودِ وَالْوَقْفِ وَالْهِبَةِ وَالْقَضَاءِ وَالشَّهَادَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ تَوَابِعِ الْإِجَارَةِ دُونَ الْبَيْعِ، (قَوْلُهُ وَبِمَعْرِفَةِ أَحْكَامِهِ) تَوْضِيحٌ لِمَا قَبْلَهُ (قَوْلُهُ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ) أَيْ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ أَيْ كَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَالْبَلْوَى) هِيَ نَفْسُ الْحَاجَةِ، وَكَانَ التَّعْبِيرُ عَنْهَا بِالْبَلْوَى إشَارَةً إلَى مَشَقَّةِ حُصُولِهِ وَمَعْنَى عُمُومِهِ
إذْ لَا يَخْلُو الْمُكَلَّفُ غَالِبًا مِنْ بَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ فَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ قَبْلَ التَّلَبُّسِ بِهِ وَالْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ عَقْدَانِ يَتَعَلَّقُ بِهِمَا قَوَامُ الْعَالَمِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ يَكْفِي رُبُعُ الْعِبَادَاتِ لَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مُحْتَاجًا إلَى الْغِذَاءِ مُفْتَقِرًا لِلنِّسَاءِ وَخَلَقَ لَهُ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا، وَلَمْ يَتْرُكْهُ سُدًى يَتَصَرَّفُ كَيْفَ شَاءَ بِاخْتِيَارِهِ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ثُمَّ يَجِبُ عَلَى الشَّخْصِ الْعَمَلُ بِمَا عَلِمَهُ مِنْ أَحْكَامِهِ وَيَجْتَهِدُ فِي ذَلِكَ وَيَحْتَرِزُ مِنْ إهْمَالِهِ فَيَتَوَلَّى أَمْرَ بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ بِنَفْسِهِ إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا فَغَيْرُهُ بِمُشَاوَرَتِهِ وَلَا يَتَّكِلُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُ الْأَحْكَامَ أَوْ يَعْرِفُهَا وَيَتَسَاهَلُ فِي الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ وَعُمُومِهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَحِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّتِهِ الْوُصُولُ إلَى مَا فِي يَدِ الْغَيْرِ عَلَى وَجْهِ الرِّضَا، وَذَلِكَ مُفْضٍ إلَى عَدَمِ الْمُنَازَعَةِ وَالْمُقَاتَلَةِ وَالسَّرِقَةِ وَالْخِيَانَةِ وَالْحِيَلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ لُغَةً مَصْدَرُ بَاعَ الشَّيْءَ أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ أَدْخَلَهُ فِيهِ بِعِوَضٍ فَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ يُطْلَقُ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ كَالْقُرْءِ لِلطُّهْرِ وَالْحَيْضِ وَلِلزَّنَاتِيِّ لُغَةُ قُرَيْشٍ اسْتِعْمَالُ بَاعَ إذَا أَخْرَجَ وَاشْتَرَى إذَا أَدْخَلَ وَهِيَ أَفْصَحُ وَاصْطَلَحَ عَلَيْهَا الْعُلَمَاءُ تَقْرِيبًا لِلْفَهْمِ وَأَمَّا شَرَى فَيُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى بَاعَ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ إذْ لَا يَخْلُو الْمُكَلَّفُ إلَخْ) أَيْ وَأَمَّا الصَّبِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَجْنُونِ فَحَاجَتُهُمَا مُتَعَلِّقَةٌ بِغَيْرِهِمَا وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ يَخْلُو عَنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِتَجَرُّدِهِ لِلْعِبَادَةِ وَطَرْحِهِ الدُّنْيَا وَرِضَاهُ بِمَا يَسُوقُهُ اللَّهُ مِنْ الرِّزْقِ (قَوْلُهُ فَيَجِبُ أَنْ يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ إلَخْ) وَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ يُرِيدُ التَّلَبُّسَ بِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ فَإِنْ فَعَلَ مُتَّفَقًا عَلَى تَحْرِيمِهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ أَثِمَ مِنْ جِهَةِ الْقُدُومِ وَالْفِعْلِ فَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَقَالَ الْقَرَافِيُّ هَلْ نُؤَثِّمُهُ بِنَاءً عَلَى التَّحْرِيمِ أَوْ لَا بِنَاءً عَلَى التَّحْلِيلِ لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ نَصًّا، وَكَانَ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَقُولُ أَنَّهُ آثِمٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَدَّمَ غَيْرَ عَالِمٍ (قَوْلُهُ قَوَامُ الْعَالَمِ) أَرَادَ عَالَمًا مَخْصُوصًا وَهُوَ النَّوْعُ الْإِنْسَانِيُّ وَالنَّوْعُ الْجِنِّيُّ؛ لِأَنَّ لَهُمْ مَا لَنَا وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْنَا (قَوْلُهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ) أَيْ نَظَرٌ الظَّاهِرُ إطْلَاقُهُ وَإِلَّا فَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى أَهْلِ التَّجْرِيدِ الْمَوْصُوفِينَ بِمَا سَبَقَ حُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْكِنَانِيِّ أَنَّهُ كَانَ إذَا بَلَغَهُ عَنْ فَقِيرٍ أَنَّهُ مَشَى خُطْوَةً فِي طَلَبِ الرِّزْقِ هَجَرَهُ، وَيَقُولُ أَنَّهُ خَرَجَ عَنْ الطَّرِيقِ، وَإِنَّمَا شَأْنُ الْفَقِيرِ أَنْ تَتْبَعَهُ الدُّنْيَا انْتَهَى (قَوْلُهُ إلَى الْغِذَاءِ) مِثْلُ كِتَابٍ مَا يُغْتَذَى بِهِ وَهُوَ مَا تَقُومُ بِهِ بِنْيَتُهُ (قَوْلُهُ مُفْتَقِرًا لِلنِّسَاءِ) بِمَعْنَى مُحْتَاجًا، وَعَبَّرَ بِهِ دَفْعًا لِلثِّقَلِ الْحَاصِلِ بِالتَّكْرَارِ اللَّفْظِيِّ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْقُوتِ (قَوْلُهُ وَخَلَقَ لَهُ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) إشَارَةٌ إلَى قَوْله تَعَالَى {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] أَيْ تَنْتَفِعُونَ بِهِ فِي غِذَاءٍ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَتْرُكْهُ إلَخْ مَعْطُوفٌ عَلَى خَلَقَ أَوْ أَنَّهَا جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (قَوْلُهُ سُدًى) أَيْ هَمْلًا (قَوْلُهُ يَتَصَرَّفُ) تَفْسِيرٌ لِسُدًى (قَوْلُهُ بِاخْتِيَارِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَتَصَرَّفُ أَيْ يَتَصَرَّفُ بِإِرَادَتِهِ كَيْفَ شَاءَ أَيْ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ شَاءَهُ (قَوْلُهُ فَيَجِبُ إلَخْ) أَيْ إذَا كَانَ اللَّهُ خَلَقَ لَهُ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا، وَجَعَلَهُ مُحْتَاجًا لِلْغِذَاءِ مُفْتَقِرًا لِلنِّسَاءِ وَلَمْ يَتْرُكْهُ سُدًى يَجِبُ عَلَيْهِ إلَخْ (قَوْلُهُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ) أَيْ اتَّصَفَ بِالتَّكْلِيفِ (قَوْلُهُ ثُمَّ يَجِبُ عَلَى الشَّخْصِ) أَظْهَرَ فِي مَحَلِّ الْإِضْمَارِ؛ لِأَنَّ قَصْدَهُ مَزِيدُ الْإِيضَاحِ فَلَا يُبَالِي بِمِثْلِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ مِنْ أَحْكَامِهِ) أَيْ أَحْكَامِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ (قَوْلُهُ وَيَجْتَهِدُ فِي ذَلِكَ وَيَحْتَرِزُ مِنْ إهْمَالِهِ) أَلْفَاظٌ بِمَعْنًى (قَوْلُهُ فَيَتَوَلَّى) أَيْ فَيَتَأَكَّدُ عَلَيْهِ أَيْ يُنْدَبُ لَهُ ذَلِكَ نَدْبًا أَكِيدًا.
قَالَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا اُضْطُرَّ إلَى قَضَاءِ حَاجَتِهِ فِي السُّوقِ أَنْ يُبَاشِرَ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ السُّنَّةُ، وَيَبْرَأَ مِنْ الْكِبْرِ وَإِنْ عَاقَهُ عَائِقٌ اسْتَنَابَ مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِالْأَحْكَامِ فِي ذَلِكَ انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ وَأَرَادَ صَاحِبُ الْمَدْخَلِ بِقَوْلِهِ يَجِبُ أَيْ يَتَأَكَّدُ (قَوْلُهُ وَإِلَّا) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَقْدِرْ فَغَيْرُهُ بِمُشَاوَرَتِهِ أَيْ مِمَّنْ يَعْرِفُ الْأَحْكَامَ وَلَا يَتَسَاهَلُ (قَوْلُهُ وَلَا يَتَّكِلُ إلَخْ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا فَغَيْرُهُ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ بِأَنْ عَاقَهُ عَائِقٌ فَغَيْرُهُ بِمُشَاوَرَتِهِ وَلَا يَتَّكِلُ فَالْعِبَارَةُ صَحِيحَةٌ (قَوْلُهُ لِغَلَبَةِ الْفَسَادِ) هَذِهِ الْعِلَّةُ لَا تَظْهَرُ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ فِي قَوْلِهِ لَا يَتَّكِلُ إلَخْ ظَاهِرٌ وَثَابِتٌ سَوَاءٌ غَلَبَ الْفَسَادُ أَمْ لَا (قَوْلُهُ وَعُمُومُهُ) بِمَعْنَى غَلَبَتِهِ (قَوْلُهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ) أَرَادَ بِهِ زَمَنَهُ وَمَا شَابَهَهُ مِمَّا قَبْلَهُ مِنْ الْأَزْمِنَةِ الَّتِي اخْتَلَّ نِظَامُ الدِّينِ فِيهَا (قَوْلُهُ وَذَلِكَ مُفْضٍ) أَيْ وَالْوُصُولُ عَلَى وَجْهِ الرِّضَا مُفْضٍ (قَوْلُهُ وَالْمُقَاتَلَةِ) مُغَايِرَانِ أُرِيدَ بِالْمُنَازَعَةِ الْمُخَالَفَةُ بِالْأَقْوَالِ (قَوْلُهُ وَالْحِيَلِ) كَأَنْ يُكْرِمَهُ لِأَجْلِ أَنْ يَبِيعَ لَهُ بِغَبَنٍ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَوْلُهُ وَحِكْمَتُهُ أَيْ حِكْمَةُ الْبَيْعِ الشَّرْعِيِّ وَالْبَيْعُ مَعَ الْحِيَلِ بَيْعٌ غَيْرُ شَرْعِيٍّ (قَوْلُهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ كَالْغَصْبِ، (قَوْلُهُ وَهُوَ لُغَةً) أَيْ فِي اللُّغَةِ (قَوْلُهُ مَصْدَرُ بَاعَ) أَيْ مَدْلُولُ مَصْدَرِ بَاعَ وَهُوَ الْإِخْرَاجُ وَالْإِدْخَالُ (قَوْلُهُ يُطْلَقُ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ) أَيْ يُطْلَقُ عَلَى الْإِخْرَاجِ وَالْإِدْخَالِ عَلَى طَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ اللَّفْظِيِّ وَالشِّرَاءُ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ كَمَا فِي ك وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ عِنْدَهُ شَامِلٌ لِلْإِدْخَالِ وَالْإِخْرَاجِ (قَوْلُهُ كَالْقُرْءِ إلَخْ) أَيْ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ لَفْظًا بَيْنَ الضِّدَّيْنِ وَهُمَا الْحَيْضُ وَالطُّهْرُ (قَوْلُهُ وَهِيَ أَفْصَحُ) أَيْ مِنْ الْأُولَى وَعَلَى تِلْكَ اللُّغَةِ فَلَيْسَ الْبَيْعُ مِنْ الْأَضْدَادِ (قَوْلُهُ تَقْرِيبًا لِلْفَهْمِ) بِخِلَافِهِ عَلَى اللُّغَةِ الْأُولَى فَلَيْسَ فِيهِ تَقْرِيبٌ لِلْفَهْمِ لِاحْتِيَاجِ الْمُشْتَرَكِ فِي فَهْمِ الْمُرَادِ مِنْهُ مِنْ أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ أَوْ مَعَانِيهِ إلَى قَرِينَةٍ، (قَوْلُهُ وَأَمَّا شَرَى فَيُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى بَاعَ) ذَوْقُ الْعِبَارَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى اشْتَرَى وَهُوَ الْأَصْلُ وَبِمَعْنَى بَاعَ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَلَوْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا مَعْنَى لَهُ إلَّا بَاعَ لَعَبَّرَ بِقَوْلِهِ، وَأَمَّا شَرَى فَهُوَ بِمَعْنَى بَاعَ وَفِي الْقَامُوسِ إنَّ شَرَى يُسْتَعْمَلُ بِالْمَعْنَيَيْنِ
كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف: 20] أَيْ بَاعُوهُ فَفَرَّقَ بَيْنَ شَرَى وَاشْتَرَى، وَأَمَّا مَعْنَاهُ شَرْعًا فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَعْرِفَةُ حَقِيقَتِهِ ضَرُورِيَّةٌ حَتَّى لِلصِّبْيَانِ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ نَحْوُهُ لِلْبَاجِيِّ وَيُرَدُّ بِأَنَّ الْمَعْلُومَ ضَرُورَةً وُجُودُهُ عِنْدَ وُقُوعِهِ لِكَثْرَةِ تَكَرُّرِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عِلْمُ حَقِيقَتِهِ، ثُمَّ قَالَ الْبَيْعُ الْأَعَمُّ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ عَلَى غَيْرِ مَنَافِعَ وَلَا مُتْعَةِ لَذَّةٍ فَتَخْرُجُ الْإِجَارَةُ وَالْكِرَاءُ وَالنِّكَاحُ وَتَدْخُلُ هِبَةُ الثَّوَابِ وَالصَّرْفُ وَالْمُرَاطَلَةُ وَالسَّلَمُ وَالْغَالِبُ عُرْفًا أَخَصُّ مِنْهُ بِزِيَادَةِ ذُو مُكَايَسَةٍ أَحَدُ عِوَضَيْهِ غَيْرُ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ مُعَيَّنٌ غَيْرُ الْعَيْنِ فِيهِ فَتَخْرُجُ الْأَرْبَعَةُ إلَخْ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَشَرَوْهُ} [يوسف: 20] أَيْ بَاعُوهُ) أَيْ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ لِإِخْوَةِ يُوسُفَ وَالْوَاقِعُ مِنْهُمْ الْبَيْعُ لَا الشِّرَاءُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ ضَمِيرَ بَاعُوهُ لِلْآخِذِينَ لِيُوسُفَ وَالْوَاقِعُ مِنْهُمْ الْبَيْعُ لَا الشِّرَاءُ وَالْآخِذُونَ لَهُ إخْوَتُهُ مِنْ السَّيَّارَةِ الَّذِينَ أَخْرَجَهُ وَارِدُهُمْ حِينَ أَدْلَى دَلْوَهُ، وَقَالَ إخْوَتُهُ هُوَ غُلَامُنَا سُرِقَ مِنَّا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ خَوْفًا مِنْهُمْ، ثُمَّ بَاعُوهُ لِلسَّيَّارَةِ فَلَوْ جَعَلَ ضَمِيرَ شَرَوْهُ لِلسَّيَّارَةِ لَمْ يَلْتَئِمْ مَعَ قَوْلِهِ {وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ} [يوسف: 20] إذْ الزَّاهِدُونَ فِيهِ إخْوَتُهُ لَا السَّيَّارَةُ وَإِنْ جَعَلَ ضَمِيرَ شَرَوْهُ لِلسَّيَّارَةِ وَضَمِيرَ كَانُوا لِأُخُوَّتِهِ لَزِمَ تَشْتِيتُ مَرْجِعِ الضَّمِيرِ. اهـ.
(أَقُولُ) لَا مَانِعَ مِنْ أَنَّ السَّيَّارَةَ يَتَّصِفُونَ بِأَنَّهُمْ زَاهِدُونَ فِيهِ لِاشْتِرَائِهِمْ لَهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ يُظَنُّ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَدُومُ لَهُمْ ثُمَّ وَجَدْت ذَلِكَ فِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ (قَوْلُهُ فَفَرَّقَ بَيْنَ شَرَى وَاشْتَرَى) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّ اشْتَرَى لِلْإِدْخَالِ لَا غَيْرُ، وَأَمَّا شَرَى فَهُوَ لِلْإِخْرَاجِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ إلَّا أَنَّهُ يَرُدُّ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا} [البقرة: 90] (قَوْلُهُ وَأَمَّا مَعْنَاهُ شَرْعًا) كَأَنَّهُ يَقُولُ أَمَّا مَعْنَاهُ لُغَةً فَقَدْ عَرَفْته (قَوْلُهُ مَعْرِفَةُ حَقِيقَتِهِ) أَيْ مَعْرِفَةُ مَعْنَاهُ الشَّرْعِيِّ (قَوْلُهُ ضَرُورَةً) أَيْ لَا تَحْتَاجُ لِلنَّظَرِ وَلَا لِلِاسْتِدْلَالِ فَلَا تَحْتَاجُ لِتَعْرِيفٍ (قَوْلُهُ وُجُودُهُ عِنْدَ وُقُوعِهِ) فِيهِ أَنَّ وُجُودَهُ عَيْنُ وُقُوعِهِ وَثُبُوتِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وُجُودُهُ عِنْدَ وُجُودِهِ أَوْ وُقُوعُهُ عِنْدَ وُقُوعِهِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الرِّكَّةِ فَلَوْ حَذَفَ عِنْدَ وُقُوعِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ (أَقُولُ) وَلَوْ قَالَ إنَّ الْمَعْلُومَ حَقِيقَتُهُ عَلَى الْإِجْمَالِ لَا عَلَى التَّفْصِيلِ لَكَانَ أَحْسَنَ (قَوْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عِلْمُ حَقِيقَتِهِ) أَيْ بِالْجِنْسِ وَالْفَصْلِ.
(قَوْلُهُ الْبَيْعُ الْأَعَمُّ) الْأَعَمُّ صِفَةُ الْبَيْعِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ وَحَدُّ الْبَيْعِ الْأَعَمِّ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ عَقْدُ إلَخْ مِثْلُ قَوْلِكَ الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ وَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْإِنْسَانُ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ وَقَوْلِنَا حَدُّ الْإِنْسَانِ حَيَوَانٌ نَاطِقٌ فَيَتَعَيَّنُ حَذْفُ الْمُضَافِ (قَوْلُهُ وَلَا مُتْعَةِ لَذَّةٍ) أَيْ تَحْصِيلًا أَوْ تَرْكًا لِيَشْمَلَ الْخُلْعَ وَلَا تَظْهَرُ فَائِدَةُ زِيَادَتِهِ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تُطْلَقُ عَلَى مُتْعَةِ اللَّذَّةِ وَهُوَ الْكَثِيرُ فِي كَلَامِهِمْ، وَأَمَّا عَلَى مُقَابِلِهِ فَلَا حَاجَةَ لَهُ (قَوْلُهُ فَتَخْرُجُ الْإِجَارَةُ وَالْكِرَاءُ) أَيْ بِقَوْلِهِ عَلَى غَيْرِ مَنَافِعَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ شِرَاءُ مَنَافِعِ الْحَيَوَانِ الْعَاقِلِ وَالْكِرَاءَ شِرَاءُ مَنَافِعِ غَيْرِ الْعَاقِلِ، وَقَوْلُهُ وَالنِّكَاحُ أَيْ بِقَوْلِهِ وَلَا مُتْعَةِ لَذَّةٍ.
(قَوْلُهُ وَتَدْخُلُ هِبَةُ الثَّوَابِ) وَكَذَا تَدْخُلُ الْمُبَادَلَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَالشَّرِكَةُ فِي الشَّيْءِ الْمُشْتَرَى أَعْنِي تَوْلِيَةَ الْبَعْضِ وَالْقِسْمَةَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا بَيْعٌ، وَالشَّرِكَةَ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ وَلَا تَدْخُلُ الشُّفْعَةُ نَفْسُهَا؛ لِأَنَّهَا اسْتِحْقَاقُ الشَّرِيكِ أَخْذَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ الَّتِي بَاعَهَا بِثَمَنِهَا قَالَهُ الْحَطَّابُ (قَوْلُهُ وَالصَّرْفُ) هُوَ دَفْعُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي مُقَابَلَةِ الْآخَرِ كَدَفْعِ ذَهَبٍ فِي مُقَابَلَةِ فِضَّةٍ وَبِالْعَكْسِ وَقَوْلُهُ وَالْمُرَاطَلَةُ بَيْعُ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ بِالْمِيزَانِ بِأَنْ يَضَعَ ذَهَبَ هَذَا فِي كِفَّةٍ وَالْآخَرَ فِي كِفَّةٍ حَتَّى يَعْتَدِلَا فَيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَهَبَ صَاحِبِهِ (قَوْلُهُ وَالْغَالِبُ عُرْفًا) أَيْ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ كَمَا أَفَادَهُ فِي ك.
(قَوْلُهُ مُعَيَّنٌ) بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِعَقْدٍ فَإِنَّهُ مُضَافٌ لِنَكِرَةٍ فَلَا يَتَعَرَّفُ فَصَحَّ وَصْفُهُ بِالنَّكِرَةِ وَقَوْلُهُ غَيْرُ الْعَيْنِ نَائِبُ فَاعِلِ مُعَيَّنٌ وَفِيهِ مُتَعَلِّقٌ بِمُعَيَّنٍ (قَوْلُهُ فَتَخْرُجُ الْأَرْبَعَةُ إلَخْ) أَعْنِي هِبَةَ الثَّوَابِ بِقَوْلِهِ ذُو مُكَايَسَةٍ إذْ لَا مُكَايَسَةَ أَيْ مُغَالَبَةَ فِيهَا وَالصَّرْفُ وَالْمُرَاطَلَةُ بِقَوْلِهِ أَحَدُ عِوَضَيْهِ غَيْرُ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ وَالْمُسْلَمُ بِقَوْلِهِ مُعَيَّنٌ غَيْرُ الْعَيْنِ فِيهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَيْنِ فِي السَّلَمِ هُوَ الْمُسْلَمُ فِيهِ وَمِنْ شُرُوطِهِ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَشَمَلَ الْمُعَيَّنَ الْغَائِبَ الْمَبِيعَ بِالصِّفَةِ وَنَحْوَهُ لَا الْحَاضِرَ فَقَطْ حَتَّى يَرِدَ أَنَّ الْبَيْعَ قَدْ يَكُونُ لِغَائِبٍ بِشُرُوطِهِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ سَلَمُ عَرْضٍ فِي مِثْلِهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَيْنِ وَهُوَ الْعَرْضَانِ مَعًا لَمْ يَتَعَيَّنَا بَلْ أَحَدُهُمَا وَهُوَ رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ فَصَدَقَ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِيهِ غَيْرُ الْعَيْنِ أَيْ جَمِيعُهُ بَلْ بَعْضُهُ فَلَمْ تَدْخُلْ هَذِهِ الصُّورَةُ فِي التَّعْرِيفِ الْأَخَصِّ.
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَانِعٍ لِدُخُولِ بَعْضِ أَنْوَاعِ الصُّلْحِ فِيهِ كَصُلْحٍ عَنْ دَيْنِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بِعَرْضٍ يُسَاوِي ذَلِكَ أَوْ يُقَارِبُهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ وَالسَّلَمُ فِي حَائِطٍ مُعَيَّنَةٍ مَعَ أَنَّهُ سَلَمٌ انْتَهَى، وَأَجَابَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِالْتِزَامِ دُخُولِ الْأَوَّلِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ كَمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى غَيْرِ الْمُدَّعَى بَيْعٌ وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ التَّعْيِينَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَائِطِ لَا لِعَيْنِ الْمُشْتَرَى وَهُوَ الثَّمَنُ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا إجْمَالٌ فِي قَوْلِهِ مُعَيَّنٌ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ التَّعْيِينِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ هُوَ الْكَامِلُ، أَوْ أَنَّ تِلْكَ الصُّورَةَ نَادِرَةٌ وَالنَّادِرُ لَا حُكْمَ لَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ لَهَا شُرُوطًا تَخُصُّهَا غَيْرَ شُرُوطِ السَّلَمِ فِي غَيْرِهَا أَوْ أَنَّ فِي إطْلَاقِ السَّلَمِ عَلَيْهَا تَجَوُّزًا انْتَهَى.
وَفِي الْأَوَّلِ نَظَرٌ لِمَنْعِهِمْ تَسْمِيَةَ الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ بَيْعًا فِي غَالِبِ الْعُرْفِ؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ وَالْمُرَاطَلَةَ وَمَا مَعَهَا أَقْرَبُ إلَى الدُّخُولِ فِيهِ مِنْهُ فَحَيْثُ أُخْرِجَتْ فَهُوَ أَحْرَى وَكَوْنُهُ بَيْعًا إنَّمَا هُوَ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ، وَالْمُكَايَسَةُ الْمُغَالَبَةُ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ كَلَامَ ابْنِ عَرَفَةَ يَصْدُقُ بِمَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ مُعَيَّنَةً أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ وَدَفْعُ عَرْضٍ فِي مَعْلُومِ قَدْرٍ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ غَيْرِ مَسْكُوكٍ لِأَجَلٍ سَلَمٌ لَا بَيْعٌ لِأَجَلٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اسْتَحَقَّ لَمْ يَنْفَسِخْ بَيْعُهُ وَلَوْ كَانَ بَيْعَ مُعَيَّنٍ
وَلَعَلَّ الْمُؤَلِّفَ تَبِعَ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِحَدِّهِ بَلْ تَعَرَّضَ لِأَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ بِقَوْلِهِ (ص) يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا (ش) اعْلَمْ أَنَّ لِلْبَيْعِ أَرْكَانًا ثَلَاثَةً الصِّيغَةَ وَالْعَاقِدَ وَهُوَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَالْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَهُوَ الثَّمَنُ وَالْمُثَمَّنُ وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ خَمْسَةٌ وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ إمَّا لِقِلَّتِهِ أَوْ لِكَوْنِهِ أَوَّلَهَا فِي الْوُجُودِ وَبَعْدَهُ يَحْصُلُ تَقَابُضُ الْعِوَضَيْنِ وَالْمَعْنَى تَثْبُتُ وَتُوجَدُ حَقِيقَةُ الْبَيْعِ بِسَبَبِ وُجُودِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ الْعَاقِدِ مِنْ لَفْظٍ أَوْ إشَارَةِ أَخْرَسَ غَيْرَ أَعْمَى عَرَبِيٍّ أَوْ عَجَمِيٍّ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ أَخْرَسَ أَعْمَى مُنِعَتْ مُعَامَلَتُهُ وَمُنَاكَحَتُهُ لِتَعَذُّرِ الْإِشَارَةِ مِنْهُ وَبِعِبَارَةٍ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ قَوْلٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ فِعْلٍ مِنْهُمَا أَوْ قَوْلٍ مِنْ أَحَدِهِمَا وَفِعْلٍ مِنْ الْآخَرِ أَوْ إشَارَةٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ جَانِبٍ وَقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ مِنْ الْآخَرِ، وَدَخَلَتْ فِيهِ الدَّلَالَةُ الْمُطَابِقِيَّةُ كَبِعْتُ وَاشْتَرَيْت وَالتَّضَمُّنِيَّةُ كَخُذْ وَهَاتِ وَالِالْتِزَامِيَّة كَعَاوَضْتُكَ هَذَا بِهَذَا وَالْعُرْفِيَّةُ كَالْمُعَاطَاةِ وَقَوْلُهُ بِمَا أَيْ بِشَيْءٍ أَوْ بِالشَّيْءِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَتُفَسَّرُ بِنَكِرَةٍ أَوْ بِمَعْرِفَةٍ وَهُوَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ أَيْ بِكُلِّ شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ (وَإِنْ بِمُعَاطَاةٍ) زَائِدَةٌ أَيْ وَإِنْ
ــ
[حاشية العدوي]
لَانْفَسَخَ بَيْعُهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ انْتَهَى.
وَالْعَيْنُ عِنْدَ ابْنِ عَرَفَةَ خَاصَّةٌ بِالْمَضْرُوبِ فَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ إذَا لَمْ يَكُونَا مَسْكُوكَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْعَيْنِ فَتَصِيرُ هَذِهِ الصُّورَةُ كَمَسْأَلَةِ عَرْضٍ فِي عَرْضٍ وَفِي الْقَامُوسِ مَا يُفِيدُ إطْلَاقَ الْعَيْنِ عَلَى الذَّهَبِ غَيْرِ الْمَضْرُوبِ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُحِقَّ عَائِدٌ عَلَى الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَالْمُمَاكَسَةُ قَرِيبٌ مِنْهَا كَمَا قَالَ فِي الْمُحْكَمِ تَمَاكَسَ الْمُتَبَايِعَانِ تَشَاحَّا انْتَهَى (قَوْلُهُ وَلَعَلَّ الْمُؤَلِّفَ إلَخْ) هَذَا التَّرَجِّي ضَعِيفٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ شَأْنَ الْمُصَنِّفِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لِلْحَقَائِقِ وَلَوْ كَانَتْ نَظَرِيَّةً (قَوْلُهُ بَلْ تَعَرَّضَ لِأَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ) أَمَّا التَّعَرُّضُ لِشُرُوطِهِ فَهُوَ مَا أَشَارَ لَهُ بِقَوْلِهِ وَشُرِطَ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ طَهَارَةٌ وَأَمَّا الْأَرْكَانُ فَلَمْ يَذْكُرْ مِنْهَا إلَّا الصِّيغَةَ الْمُشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا فَقَوْلُهُ وَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُذْكَرُ بَعْدَ الْبَقِيَّةِ صَرِيحًا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ.
(قَوْلُهُ وَبِهِ يَحْصُلُ تَقَابُضُ الْعِوَضَيْنِ) أَيْ وَبِهِ يَحْصُلُ الْعِوَضَانِ الْمَقْبُوضَانِ أَيْ اللَّذَيْنِ شَأْنُهُمَا الْقَبْضُ، وَإِلَّا فَقَدْ يَتَأَخَّرُ قَبْضُ الْمُثَمَّنِ وَقَبْضُ الثَّمَنِ وَتُوجَدُ حَقِيقَةُ الْبَيْعِ (قَوْلُهُ تَثْبُتُ وَتُوجَدُ إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْبَيْعُ عَقْدٌ فَلَا يَصِحُّ التَّعْبِيرُ بِيَنْعَقِدُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ فَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِانْعِقَادِ الثُّبُوتُ وَالْوُجُودُ وَعَطْفُ تُوجَدُ عَلَى تَثْبُتُ عَطْفُ مُرَادِفٍ.
(قَوْلُهُ وَتُوجَدُ حَقِيقَةُ الْبَيْعِ) ثُمَّ أَقُولُ وَبَعْدُ فَفِي الْكَلَامِ شَيْءٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِوَصْفِ كَوْنِهِ بَائِعًا وَالْمُشْتَرِي بِوَصْفِ كَوْنِهِ مُشْتَرِيًا وَالثَّمَنُ بِوَصْفِ كَوْنِهِ ثَمَنًا وَالْمُثَمَّنُ بِوَصْفِ كَوْنِهِ مُثَمَّنًا إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْبَيْعِ كَيْفَ، وَقَدْ جُعِلَتْ مِنْ أَرْكَانِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّك إذَا نَظَرْت لِذَاتِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَتَجِدُهَا مُتَقَدِّمَةً عَلَى الْعَقْدِ الْمُسَمَّى بِكَوْنِهِ بَيْعًا وَإِنْ نَظَرْت لَهَا بِاعْتِبَارِ وَصْفِهَا الْمَذْكُورِ فَتَجِدُهَا مُتَأَخِّرَةً فَلَا يَظْهَرُ عَدُّهَا أَرْكَانًا لِذَلِكَ الْعَقْدِ ثُمَّ لَوْ جُعِلَتْ أَرْكَانًا عَلَى ضَرْبٍ مِنْ التَّسَامُحِ أَيْ أَنَّ وُجُودَ حَقِيقَتِهِ تَتَوَقَّفُ عَلَى ذَوَاتِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَكَانَ ظَاهِرًا (قَوْلُهُ إنْ كَانَ أَخْرَسَ أَعْمَى) ، أَيْ لِأَنَّ شَأْنَ الْأَخْرَسِ عَدَمُ السَّمَاعِ وَإِلَّا فَلَوْ وُجِدَ السَّمَاعُ مَا امْتَنَعَ.
وَأَمَّا مَا عَلَّلَ بِهِ بِقَوْلِهِ لِتَعَذُّرِ الْإِشَارَةِ فَلَا يَنْتِجُ الْمَنْعُ لِوُجُودِهِ فِي الْأَعْمَى فَقَطْ وَقَوْلُهُ مِنْهُ مِنْ بِمَعْنَى اللَّامِ فَفِي الْحَقِيقَةِ الْعِلَّةُ مَجْمُوعُ الْأَمْرَيْنِ تَعَذُّرُ الْإِشَارَةِ لَهُ (قَوْلُهُ أَوْ فَعْلٍ) أَيْ غَيْرِ إشَارَةٍ كَالْكِتَابَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ فِعْلٌ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ سِتُّ صُوَرٍ غَيْرُ صُورَةِ الْمُعَاطَاةِ وَهِيَ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ أَوْ كِتَابَةٌ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا (قَوْلُهُ الْمُطَابِقِيَّةُ) أَيْ الصَّرِيحَةُ (قَوْلُهُ كَبِعْتُ وَاشْتَرَيْت) أَيْ أَنَّ حُصُولَ اللَّفْظَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مِنْ الْبَائِعِ وَالْأُخْرَى مِنْ الْمُشْتَرِي يَدُلُّ مُطَابَقَةً عَلَى الْعَقْدِ الْمَذْكُورِ، وَقَوْلُهُ وَالتَّضَمُّنِيَّةُ لَمْ يُرِدْ بِهَا اصْطِلَاحَ أَهْلِ الْمَنْطِقِ دَلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَى جَزْءِ الْمَعْنَى بَلْ أَرَادَ بِهَا الِالْتِزَامِيَّةَ، وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَتُهُ حَيْثُ عَطَفَ عَلَيْهَا قَوْلَهُ الِالْتِزَامِيَّةُ تُنَافِي ذَلِكَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّضَمُّنِيَّةَ وَالِالْتِزَامِيَّة فِي الْمَقَامِ شَيْءٌ وَاحِدٌ ثُمَّ أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ الْبَيْعَ الْعَقْدُ الْمَذْكُورُ الْمُتَوَقِّفُ حُصُولُهُ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَهَذَا مَفْهُومُ مُطَابَقَةٍ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ إذْ لَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ خُذْ هَذَا وَائْتِ بِهَذَا إلَّا الْعَقْدُ الْمَذْكُورُ فَكَيْفَ يَقُولُ مُطَابِقِيَّةٌ وَتَضَمُّنِيَّةٌ وَالْتِزَامِيَّةٌ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَرَادَ بالمطابقية مَا دَلَّ دَلَالَةً ظَاهِرَةً مِنْ حَيْثُ الْعِنْوَانُ وَهُوَ بِعْت وَاشْتَرَيْت وَأَرَادَ بِالتَّضَمُّنِيَّةِ مَا دَلَّ دَلَالَةً ظَاهِرَةً إلَّا أَنَّهَا أَخْفَى مِنْ الْأُولَى، وَأَرَادَ بِالدَّلَالَةِ الِالْتِزَامِيَّةِ مَا دَلَّ دَلَالَةً إلَّا أَنَّهَا أَخْفَى مِنْ التَّضَمُّنِيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ وَإِنْ دَلَّتْ دَلَالَةً ظَاهِرَةً أَظْهَرُ مِنْ خُذْ وَهَاتِ إلَّا أَنَّهَا يَحْسِبُ الْعَوَامُّ فِيهَا خَفَاءً هَذَا غَايَةُ مَا يُتَمَحَّلُ فِي الْمَقَامِ وَاَللَّهُ يُلْهِمُنَا الصَّوَابَ.
(قَوْلُهُ وَاشْتَرَيْت) يَدُلُّ مُطَابَقَةً عَلَى الرِّضَا بِالْإِدْخَالِ (قَوْلُهُ وَهُوَ أَوْلَى إلَخْ) ، وَأَمَّا النَّكِرَةُ فَقَدْ تَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ (قَوْلُهُ وَإِنْ بِمُعَاطَاةٍ) مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا بِأَنْ يَكُونَ فِعْلٌ مِنْ أَحَدِهِمَا وَمِنْ الْآخَرِ قَوْلٌ فَاسْتَعْمَلَ اللَّفْظَ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَلَوْ قَالَ وَإِنْ إعْطَاءً كَانَ أَوْلَى أَيْ وَإِنْ كَانَ الدَّالُّ عَلَى الرِّضَا إعْطَاءً (قَوْلُهُ زَائِدَةٌ) لَا يَخْفَى أَنَّ زِيَادَةَ الْبَاءِ فِي خَبَرِ كَانَ نَادِرَةٌ كَمَا قَالَهُ النَّحْوِيُّونَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ مَعَ تَقْدِيرِ كَانَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَإِنْ كَانَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مُلْتَبِسًا بِمُعَاطَاةٍ مِنْ الْتِبَاسِ الْعَامِّ بِالْخَاصِّ وَقَالَ بَعْضٌ هَذَا غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ إذْ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ وَإِنْ حَصَلَ
كَانَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا أَوْ الدَّالُّ عَلَيْهِ مُعَاطَاةً، وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ فَيُعْطِيَهُ الْمَثْمُونَ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ وَلَا اسْتِيجَابٍ وَالْمُعَاطَاةُ الْمَحْضَةُ الْعَارِيَّةُ عَنْ الْقَوْلِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ حُضُورِ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ أَيْ قَبْضِهِمَا، وَإِلَّا فَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ فَمَنْ أَخَذَ مَا عَلِمَ ثَمَنَهُ لَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ إلَّا بِدَفْعِ الثَّمَنِ وَكَذَلِكَ مَنْ دَفَعَ ثَمَنَ رَغِيفٍ مَثَلًا لِشَخْصٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ حَتَّى يَقْبِضَ الرَّغِيفَ، وَأَمَّا أَصْلُ وُجُودِ الْعَقْدِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبْضِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَمَنْ أَخَذَ مَا عَلِمَ ثَمَنَهُ مِنْ مَالِكِهِ وَلَمْ يَدْفَعْ لَهُ الثَّمَنَ فَقَدْ وُجِدَ بِذَلِكَ أَصْلُ الْعَقْدِ وَلَا يُوجَدُ لُزُومُهُ إلَّا بِدَفْعِ الثَّمَنِ، وَلَوْ تَوَقَّفَ وُجُودُ الْعَقْدِ عَلَى دَفْعِ الثَّمَنِ لَكَانَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِالْأَكْلِ وَنَحْوِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِهِ هَذَا مَا يُفِيدُهُ كَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ
(ص) وَبِبِعْنِي فَيَقُولُ بِعْت (ش) أَيْ وَكَمَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِالْمُعَاطَاةِ يَنْعَقِدُ بِتَقَدُّمِ الْقَبُولِ مِنْ الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَقُولَ بِعْنِي عَلَى الْإِيجَابِ مِنْ الْبَائِعِ بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُك خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ وَفِيمَا قَبْلَهَا وَلِهَذَا أَتَى بِهَذِهِ عَقِبَ قَوْلِهِ وَإِنْ بِمُعَاطَاةٍ لِدُخُولِهَا مَعَهَا فِي حَيِّزِ الْمُبَالَغَةِ، وَلَمَّا كَانَ الْمَطْلُوبُ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا عُرْفًا اسْتَوَى لَفْظُ الْأَمْرِ مَعَ الْمَاضِي فَقَوْلُ الْمُشْتَرِي لِمَنْ سِلْعَتُهُ فِي يَدِهِ بِعْنِي سِلْعَتَك بِكَذَا لَيْسَ صَرِيحًا فِي إيجَابِ الْبَيْعِ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي لِاحْتِمَالِ أَمْرِهِ بِهِ أَوْ الْتِمَاسِهِ مِنْهُ فَيُحْتَمَلُ رِضَاهُ بِهِ وَعَدَمُهُ لَكِنْ الْعُرْفُ دَلَّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْبَائِعُ اشْتَرِ مِنِّي هَذِهِ السِّلْعَةَ أَوْ خُذْهَا أَوْ دُونَكَهَا فَيَقُولُ الْمُشْتَرِي قَبِلْت أَوْ فَعَلْت فَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَبِكَبِعْنِي لَكَانَ أَحْسَنَ (ص) وَبِابْتَعْتُ أَوْ بِعْتُك وَيَرْضَى الْآخَرُ فِيهِمَا (ش) أَيْ وَكَذَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ أَيْضًا بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي ابْتَعْت وَيَرْضَى الْبَائِعُ بِأَيِّ شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ إشَارَةٍ أَوْ بِقَوْلِ الْبَائِعِ بِعْتُك وَنَحْوُهُ وَيَرْضَى الْمُشْتَرِي بِأَيِّ شَيْءٍ يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِمَّا مَرَّ وَلَوْ قَالَ الْبَادِئُ مِنْهُمَا بَعْدَ إجَابَةِ صَاحِبِهِ لَا أَرْضَى
ــ
[حاشية العدوي]
بِمُعَاطَاةٍ بِعَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى الرِّضَا بَلْ هَذَا أَوْلَى مِمَّا ذُكِرَ وَيَصِحُّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ كَانَ عَائِدًا عَلَى الدَّلَالَةِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْ يَدُلُّ أَيْ وَإِنْ كَانَتْ الدَّلَالَةُ بِسَبَبِ مُعَاطَاةٍ.
(قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يُعْطِيَهُ الثَّمَنَ إلَخْ) أَيْ أَوْ يُعْطِيَهُ الْمَثْمُونَ فَيُعْطِيَهُ الثَّمَنَ (ثُمَّ أَقُولُ) وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَعْقُبَ إعْطَاءُ الْمَثْمُونِ إعْطَاءَ الثَّمَنِ، وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ تَعْقِيبٌ لَا تَصِحُّ الْمُعَاطَاةُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَذَكَرُوا كَلَامًا عَامًّا فَنَذْكُرُهُ لَك لِأَجْلِ أَنْ تَعْلَمَ الْحُكْمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَغَيْرِهَا مَا نَصُّهُ وَاَلَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ مَنْ أَجَابَهُ صَاحِبُهُ فِي الْمَجْلِسِ مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ لَزِمَهُ اتِّفَاقًا وَإِنْ تَرَاخَى الْقَبُولُ عَنْ الْإِيجَابِ عَنْ الْمَجْلِسِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْبَيْعُ اتِّفَاقًا، وَكَذَا لَوْ حَصَلَ فَصْلٌ يَقْتَضِي الْإِعْرَاضَ بِحَيْثُ لَا يَعُدُّهُ الْعُرْفُ جَوَابًا لِلْكَلَامِ السَّابِقِ لَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ عَنْ الْعَقْدِ كَمَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ أَنَّهُ يَضُرُّ وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا انْتَهَى اُنْظُرْ تَتِمَّةَ ذَلِكَ فِي الشُّرَّاحِ.
(قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ) أَيْ مِنْ الْبَائِعِ وَهُوَ قَوْلُهُ بِعْت وَقَوْلُهُ وَلَا اسْتِيجَابٍ أَيْ مِنْ الْمُشْتَرِي وَهُوَ قَوْلُهُ اشْتَرَيْت وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُعَاطَاةَ ظَاهِرَةٌ فِي الْفِعْلِ مِنْهُمَا، وَسَيُصَرِّحُ بِمَا إذَا وَقَعَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا بِقَوْلِهِ وَبِابْتَعْتُ أَوْ بِعْتُك وَيَرْضَى الْآخَرُ فِيهِمَا إلَّا أَنَّ ظَاهِرَ هَذَا التَّعْرِيفِ لِلْمُعَاطَاةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُوجَدُ الْعَقْدُ فِي بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ إلَّا بِإِعْطَائِهِ الثَّمَنَ فَيُعْطِيهِ الْمَثْمُونَ وَكَلَامُ ابْنِ عَرَفَةَ يُفِيدُ أَنَّ الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لُزُومُ بَيْعِ الْمُعَاطَاةِ لَا أَصْلُ الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بَيْعَ الْمُعَاطَاةِ اللَّازِمَ كَانَ قَاصِرًا إذْ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ إلَخْ شَامِلٌ لِلصَّحِيحِ غَيْرِ اللَّازِمِ وَاللَّازِمِ بِدَلِيلِ تَفْصِيلِهِ بَعْدُ.
(قَوْلُهُ لَا بُدَّ فِيهَا) أَيْ فِي لُزُومِهَا إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَنَقُولُ أَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِالْمُعَاطَاةِ مَا كَانَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَيْ الَّتِي هِيَ الصُّوَرُ اللَّازِمَةُ، وَإِنْ كَانَ كَلَامُهُ فِي مُطْلَقِ الصِّحَّةِ وَقَوْلُ الشَّارِحِ وَالْمُعَاطَاةُ الْمَحْضَةُ أَيْ الْمُعَاطَاةُ لَا بِالْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ بَلْ بِمَعْنَى الْإِعْطَاءِ لَا بُدَّ فِي لُزُومِهَا إلَخْ (قَوْلُهُ لَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ إلَّا بِدَفْعِ الثَّمَنِ) وَلَهُ رَدُّهُ وَأَخْذُ بَدَلِهِ بَعْدَ قَبْضِهِ قَبْلَ دَفْعِ الثَّمَنِ وَلَيْسَ فِيهِ بَيْعُ طَعَامٍ بِطَعَامٍ
(قَوْلُهُ لَيْسَ صَرِيحًا فِي إيجَابِ الْبَيْعِ) أَيْ فِي الرِّضَا بِهِ بِدَلِيلِ آخِرِ الْعِبَارَةِ وَإِنْ كَانَ يَتَبَادَرُ مِنْ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْمَعْنَى فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ وَقَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ أَمْرِهِ بِهِ أَيْ إذَا كَانَ أَعْلَى مِنْ الْمَسْئُولِ وَقَوْلُهُ أَوْ الْتِمَاسِهِ أَيْ إذَا كَانَ مُسَاوِيًا أَوْ دُعَائِهِ إذَا كَانَ أَدْنَى مِنْهُ فَقَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ أَمْرِهِ أَيْ مُجَرَّدُ الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ رِضَا كُلٍّ لَكِنْ الْعُرْفُ دَلَّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ أَيْ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ مَوْجُودٌ فِي صِيغَةِ الْمَاضِي أَيْضًا فَيُقَالُ إنَّهُ يَحْتَمِلُ مُجَرَّدَ الْإِخْبَارِ لَا الرِّضَا لَكِنْ الْعُرْفُ دَلَّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ.
(قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ إلَخْ) أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ الْمُصَنِّفِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ إذَا انْعَقَدَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ فِي الْقَبُولِ مَعَ تَقَدُّمِهِ عَلَى الْإِيجَابِ فَأَوْلَى إذَا كَانَ الْإِيجَابُ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَهُوَ فِي مَحَلِّهِ كَاشْتَرِ مِنِّي (قَوْلُهُ أَيْ وَكَذَلِكَ يَنْعَقِدُ إلَخْ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَبِابْتَعْتُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَلَوْ حَذَفَهُ لَكَانَ أَحْسَنَ لِعِلْمِ حُكْمِهِ مِنْ قَوْلِهِ وَبِبِعْنِي (قَوْلُهُ أَوْ بِقَوْلِ الْبَائِعِ بِعْتُك) اعْتَرَضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِذِكْرِ قَوْلِهِ أَوْ بِعْتُك بِدَفْعِ تَوَهُّمِ شَيْءٍ يُوجِبُ خَلَلًا فِي الْعَقْدِ كَمَا فِي قَوْلِهِ وَبِبِعْنِي (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ الْبَادِئُ مِنْهُمَا بَعْدَ إلَخْ) بَلْ وَلَوْ قَبْلَ الْإِجَابَةِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ
إنَّمَا كُنْت مَازِحًا أَوْ مَرِيدًا خِبْرَةَ ثَمَنِ السِّلْعَةِ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ مِنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ صِيغَةِ الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ وَقَبِلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَأَبُو الْحَسَنِ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمُؤَلِّفُ وَابْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُمْ وَالضَّمِيرُ فِي فِيهِمَا رَاجِعٌ إلَى الصُّورَتَيْنِ وَالْآخَرُ الْبَائِعُ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّانِيَةِ
(ص) وَحَلَفَ وَإِلَّا لَزِمَ إنْ قَالَ أَبِيعُكَهَا بِكَذَا أَوْ أَنَا أَشْتَرِيهَا بِهِ (ش) يَعْنِي أَنَّ الْبَيْعَ يَلْزَمُ مِنْ لَفْظِ بِالْمُضَارِعِ ابْتِدَاءً مِنْ بَائِعٍ أَوْ مُشْتَرٍ ثُمَّ قَالَ لَا أَرْضَى بَعْدَ رِضَا الْآخَرِ إنْ لَمْ يَحْلِفْ فَإِنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَرُدُّ الْبَيْعَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْوَعْدَ أَوْ الْمَزْحَ لَمْ يَلْزَمْ فَإِذَا قَالَ الْبَائِعُ أَبِيعُك هَذِهِ السِّلْعَةَ بِكَذَا فَرَضِيَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ قَالَ الْبَائِعُ لَا أَرْضَى، وَإِنَّمَا أَرَدْت الْوَعْدَ وَنَحْوَهُ أَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ أَنَا أَشْتَرِيهَا بِكَذَا بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ فَقَالَ صَاحِبُهَا خُذْ وَنَحْوَهُ فَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا أَرْضَى، وَإِنَّمَا أَرَدْت الْوَعْدَ وَنَحْوَهُ حَلَفَ الْبَائِعُ فِي الْأُولَى وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّانِيَةِ فَإِنْ نَكَلَ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لَزِمَهُ الْبَيْعُ فِي الْأُولَى وَالشِّرَاءُ فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ كَانَ بِلَفْظِ الْمَاضِي لَمْ يُقْبَلْ مِمَّنْ تَكَلَّمَ بِهِ أَوْ لَا يَمِينَ كَمَا مَرَّ وَالْيَمِينُ لَا تَنْقَلِبُ؛ لِأَنَّهَا يَمِينُ تُهْمَةٍ وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ تَرَدُّدٌ وَإِلَّا فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ يَمِينٌ، وَيَلْزَمُ مَنْ تَكَلَّمَ بِالْمُضَارِعِ أَوَّلًا اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ تَرَدُّدَ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ لَاعِبٍ، وَأَمَّا الْمُتَكَلِّمُ بِالْأَمْرِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ عَدَمُ إرَادَةِ الْبَيْعِ أَوْ الشِّرَاءِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَعِيسَى بْنِ دِينَارٍ فِي كِتَابِ ابْنِ مُزَيْنٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَرَجَّحَهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا مَرَّ لِلْمُؤَلِّفِ فِي قَوْلِهِ وَبِبِعْنِي فَيَقُولُ بِعْت، وَلَكِنَّهُ خِلَافُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فَإِنَّهُ سَوَّى فِيهَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ التَّسَوُّقِ الْآتِيَةِ مَعَ أَنَّ الْمَشْهُورَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ التَّوْضِيحِ قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ هُنَا يُفِيدُ الْحَلِفَ فِي الْأَمْرِ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمُضَارِعَ دَلَالَتُهُ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْحَالِ بِخِلَافِ الْأَمْرِ فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا
(ص) أَوْ تَسَوَّقَ بِهَا فَقَالَ: بِكَمْ؟ فَقَالَ بِمِائَةٍ فَقَالَ أَخَذْتهَا (ش) أَيْ وَكَذَلِكَ يَحْلِفُ صَاحِبُ السِّلْعَةِ إذَا أَوْقَفَ سِلْعَتَهُ فِي السُّوقِ الْمُعَدِّ لَهَا لِلْبَيْعِ كَثُرَ التَّسَوُّقُ أَمْ لَا فَقَالَ لَهُ شَخْصٌ: بِكَمْ هِيَ؟ فَقَالَ بِمِائَةٍ فَقَالَ أَخَذْتهَا بِهَا فَقَالَ الْبَائِعُ لَا أَرْضَى فَيَحْلِفُ مَا أَرَادَ الْبَيْعَ وَلَا يَلْزَمُهُ وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ
ــ
[حاشية العدوي]
قَوْلُهُ أَوْ أَنَا أَشْتَرِيهَا إلَخْ) وَكَذَا لَوْ أَسْقَطَ أَنَا وَقَالَ أَشْتَرِيهَا بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ، وَإِنَّمَا أَتَى بِأَنَا لِأَجْلِ أَنْ لَا يُتَوَهَّمَ الِاتِّحَادُ فِي فَاعِلِ أَبِيعُكَهَا فَيَكُونَ الْقَائِلُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَاحِدًا وَهُوَ الْبَائِعُ فَلَيْسَ حَشْوًا (قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ الْبَائِعُ لَا أَرْضَى إلَخْ) أَيْ فَمَحَلُّ الْحَلِفِ فِي الصُّورَتَيْنِ حَيْثُ لَمْ يَرْضَ بَعْدَ رِضَا الْآخَرِ كَمَا قُرِّرَ فَإِنْ كَانَ عَدَمُ الرِّضَا قَبْلَ رِضَا الْآخَرِ فَلَهُ الرَّدُّ وَلَا يَمِينَ، وَهَذَا الْقَيْدُ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ رِضَا الْآخَرِ لَا بَيْعَ، وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا لِابْنِ رُشْدٍ مِنْ أَنَّهُ إذَا رَجَعَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَمَّا أَوْجَبَهُ لِصَاحِبِهِ قَبْلَ أَنْ يُجِيبَهُ بِهِ الْآخَرُ لَمْ يُفِدْهُ رُجُوعُهُ إذَا أَجَابَهُ صَاحِبُهُ بَعْدُ بِالْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ فِي صِيغَةٍ يَلْزَمُ بِهَا الْإِيجَابُ أَوْ الْقَبُولُ كَصِيغَةِ مَاضٍ وَمَا لِلْمُصَنِّفِ هُنَا صِيغَةُ مُضَارِعٍ كَمَا هُوَ لَفْظُهُ فَإِنْ أَتَى أَحَدُهُمَا بِصِيغَةِ مَاضٍ وَرَجَعَ قَبْلَ رِضَا الْآخَرِ لَمْ يَنْفَعْهُ رُجُوعُهُ كَمَا إذَا أَتَى بِصِيغَةِ مَاضٍ.
(قَوْلُهُ: كَمَا مَرَّ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَبِابْتَعْتُ أَوْ بِعْتُك وَيَرْضَى الْآخَرُ فَإِنَّ الشَّارِحَ قَالَ يَلْزَمُ الْبَيْعُ وَلَوْ قَالَ الْبَادِئُ مِنْهُمَا بَعْدَ إجَابَةِ صَاحِبِهِ لَا أَرْضَى (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكَلَامِ تَرَدُّدٌ) سَحْنُونَ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ نَافِعٍ مَنْ قَالَ لِرَجُلٍ تَبِيعُنِي دَابَّتَك بِكَذَا فَيَقُولُ لَا إلَّا بِكَذَا فَيَقُولُ اُنْقُصْنِي دِينَارًا فَيَقُولُ لَا فَيَقُولُ أَخَذْتهَا بِهِ لَزِمَ الْبَيْعُ لِدَلَالَةِ تَرَدُّدِ الْكَلَامِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ لَاعِبٍ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا إلَخْ) وَعَلَى هَذَا فَمَحَلُّ انْعِقَادِهِ بِذَلِكَ إنْ اسْتَمَرَّ عَلَى الرِّضَا بِهِ أَوْ خَالَفَ وَلَمْ يَحْلِفْ فَإِنْ حَلَفَ لَمْ يَلْزَمْهُ الشِّرَاءُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فِي قَوْلِهِ وَحَلَفَ، وَإِلَّا لَزِمَ إلَخْ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَحْلِفُ مَعَ الْمُضَارِعِ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى مَعَ الْأَمْرِ، وَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِ فَيَقُولُ الرَّفْعُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَالنَّصْبُ بَعْدَ فَاءِ السَّبَبِيَّةِ فِي جَوَابِ الْأَمْرِ.
(قَوْلُهُ وَكَلَامُ الْمُؤَلِّفِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ بِهَذَا يَكُونُ الْمُصَنِّفُ جَارِيًا عَلَى مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُصَنِّفِ خِلَافُهُ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا مَرَّ لِلْمُؤَلِّفِ فِي قَوْلِهِ وَبِبِعْنِي إلَخْ فَهُوَ جَوَابٌ عَنْ الْمُصَنِّفِ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ وَظَاهِرُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي خِلَافِ مَذْهَبِ الْمُدَوَّنَةِ إلَّا أَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ وَهُوَ الْكَلَامُ فِي الْمُضَارِعِ يُفِيدُ الْحَلِفَ بِالْأَمْرِ بِالْأَوْلَى فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ
(قَوْلُهُ كَثُرَ التَّسَوُّقُ أَمْ لَا) وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ يُشْعِرُ بِالتَّكْرَارِ لِدَلَالَةِ صِيغَةِ التَّفَعُّلِ عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ كَثُرَ الْوُقُوفُ فِي سُوقِهَا الْمُعَدِّ لَهَا لِلسَّوْمِ أَوَّلًا فَتَدَبَّرْ.
(تَنْبِيهٌ) : كَلَامُ الْحَطَّابِ يُفِيدُ أَنَّ التَّسَوُّقَ وَعَدَمَهُ سَوَاءٌ فَإِنَّهُ قَالَ مَفْهُومُ تَسَوُّقٍ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ فَحُكْمُ مَا إذَا تَسَوَّقَ وَمَا إذَا لَمْ يَتَسَوَّقْ سَوَاءٌ، وَهُوَ إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الْبَيْعِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ بِلَا يَمِينٍ فِيهِمَا وَإِذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الْبَيْعِ فَلَا يُلْتَفَتُ لِقَوْلِ الْبَائِعِ كَمَا إذَا حَصَلَ تَمَاكُسٌ فِي الثَّمَنِ أَوْ سَكَتَ مُدَّةً تَدُلُّ عَلَى الرِّضَا ثُمَّ قَالَ بَعْدُ لَا أَرْضَى فَلَا يُلْتَفَتُ لِقَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ بِيَمِينِهِ وَانْظُرْ هَلْ مِنْ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ الْبَيْعِ مَا إذَا ذَكَرَ الْبَائِعُ ثَمَنًا قَلِيلًا فِيمَا يَكْثُرُ قِيمَتُهُ فَإِذَا قَالَ لَهُ بِكَمْ فَقَالَ بِمِائَةٍ وَهِيَ تُسَاوِي
قَالَهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَمَفْهُومُ تَسَوُّقٍ مَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ فَإِنَّ غَيْرَ الْمَوْقُوفَةِ لِلسَّوْمِ يُقْبَلُ قَوْلُ رَبِّهَا أَنَّهُ كَانَ لَاعِبًا بِلَا يَمِينٍ وَقَوْلُ ابْنِ رُشْدٍ بِيَمِينٍ ضَعِيفٌ، وَالْمَوْقُوفَةُ فِي غَيْرِ سُوقِهَا الْمُعَدِّ لَهَا حُكْمُهَا حُكْمُ غَيْرِ الْمُتَسَوَّقِ بِهَا، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فَقَالَ: بِكَمْ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَلَوْ قَالَ: بِكَمْ تَبِيعُهَا لِي فَيَنْبَغِي لُزُومُ الْبَيْعِ
(ص) وَشَرْطُ عَاقِدِهِ تَمْيِيزٌ (ش) الضَّمِيرُ الْمُضَافُ إلَيْهِ عَاقِدٌ عَائِدٌ عَلَى الْبَيْعِ الْمَفْهُومِ مِنْ السِّيَاقِ وَالْمُرَادُ بِالْعَاقِدِ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي وَالْمَعْنَى أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ عَقْدِ عَاقِدِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي التَّمْيِيزُ، وَهُوَ إذَا كَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ مَقَاصِدِ الْعُقَلَاءِ فَهِمَهُ وَأَحْسَنَ الْجَوَابَ عَنْهُ فَلَا يَنْعَقِدُ مِنْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ لِصِبًا أَوْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا عِنْدَ ابْنِ شَاسٍ وَالْمُؤَلِّفِ وَابْنِ رَاشِدٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ عَقْدُ الْمَجْنُونِ حَالَ جُنُونِهِ يَنْظُرُ لَهُ السُّلْطَانُ بِالْأَصْلَحِ فِي إتْمَامِهِ وَفَسْخِهِ إنْ كَانَ مَعَ مَنْ يَلْزَمُهُ عَقْدُهُ، وَاسْتَدَلَّ بِأَشْيَاءَ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْعَقْدَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا مِنْ جِهَةٍ دُونَ جِهَةٍ كَعَقْدِ رَشِيدٍ مَعَ عَبْدٍ، وَأَمَّا كَوْنُهُ صَحِيحًا مِنْ جِهَةٍ دُونَ جِهَةٍ فَلَا يُتَصَوَّرُ شَرْعًا إذْ لَا يُمْكِنُ اتِّصَافُهُ بِالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ فِي آنٍ وَاحِدٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعْرَفْ التَّمْيِيزُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ التَّمْيِيزُ التَّامُّ فَلَا يَتَأَتَّى لَهُ.
قَوْلُهُ (ص) إلَّا بِسُكْرٍ فَتَرَدُّدٌ (ش) اعْلَمْ أَنَّ الَّذِي يَتَحَصَّلُ فِي بَيْعِ السَّكْرَانِ وَشِرَائِهِ عَلَى مَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ إنْ كَانَ لَا تَمْيِيزَ عِنْدَهُ أَصْلًا أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ أَيْ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَالْبَاجِيِّ وَعَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ ابْنِ شَعْبَانَ، وَأَمَّا إنْ كَانَ عِنْدَهُ تَمْيِيزٌ أَيْ نَوْعٌ مِنْ التَّمْيِيزِ فَلَا خِلَافَ فِي انْعِقَادِ بَيْعِهِ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ الطُّرُقُ فِي لُزُومِهِ فَحَكَى ابْنُ رُشْدٍ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ وَقَوْلُ مَالِكٍ وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ، وَعَزَاهُ فِي الْمُعَلِّمِ لِجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا إذَا عَلِمْت هَذَا.
فَلَوْ أَسْقَطَ الْمُؤَلِّفُ قَوْلَهُ إلَّا بِسُكْرٍ فَتَرَدُّدٌ لَكَانَ أَخْصَرَ وَوَافَقَ الْمُعْتَمَدَ وَسَلِمَ مِمَّا يَرِدُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إنْ كَانَ مِنْ الْمَنْطُوقِ فَالْبَاءُ حِينَئِذٍ بِمَعْنَى مَعَ، وَالْمُرَادُ بِالسُّكْرِ حِينَئِذٍ نَوْعٌ مِنْهُ لَا غَيْبُوبَةُ الْعَقْلِ الْمُنَافِيَةُ لِلتَّمْيِيزِ أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ التَّمْيِيزُ مَعَ سُكْرٍ فَتَرَدُّدٌ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي انْعِقَادِ بَيْعِ السَّكْرَانِ الْمُمَيِّزِ أَيْ صِحَّتِهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي لُزُومِهِ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي انْعِقَادِهِ فَلَا تَصِحُّ حِكَايَةُ التَّرَدُّدِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ عَمَّا الْكَلَامُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ
ــ
[حاشية العدوي]
مِائَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَمْ أُرِدْ الْبَيْعَ فَهَلْ لَا يَحْلِفُ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَمْ لَا وَحَرِّرْ
(قَوْلُهُ عَائِدٌ عَلَى الْبَيْعِ الْمَفْهُومِ مِنْ السِّيَاقِ) الْأَوْلَى عَلَى الْبَيْعِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ وَقَدْ يُقَالُ لِمَا بَعْدَ الْمَرْجِعِ جَعَلَ الضَّمِيرَ عَائِدًا عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنْ السِّيَاقِ (قَوْلُهُ صِحَّةَ عَقْدِ إلَخْ) أَشَارَ الشَّارِحُ إلَى أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُضَافَيْنِ مَحْذُوفَيْنِ يَدُلُّ عَلَيْهِمَا مَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلُزُومُهُ وَلِأَنَّ الَّذِي يَتَّصِفُ بِالصِّحَّةِ الْعَقْدُ لَا الْعَاقِدُ (قَوْلُهُ التَّمْيِيزُ) وَلَا يَنْضَبِطُ بِحَدٍّ (قَوْلُهُ وَهُوَ إذَا كَلَّمَ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ التَّمْيِيزَ لَيْسَ هُوَ إذَا كَلَّمَ فَيَحْتَاجُ لِتَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ وَهُوَ ذُو إذَا كَلَّمَ إلَخْ أَيْ هُوَ حَالَةٌ مُصَاحِبَةٌ لِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَلَّمَ بِشَيْءٍ مِنْ مَقَاصِدِ الْعُقَلَاءِ إلَخْ (قَوْلُهُ إذَا كَانَ) أَيْ وَأَمَّا إذَا كَانَ مَعَ مِثْلِهِ فَلَا يَنْعَقِدُ.
(قَوْلُهُ وَاسْتَدَلَّ بِأَشْيَاءَ) أَيْ كَقَوْلِهَا مَنْ جُنَّ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ نَظَرَ لَهُ السُّلْطَانُ وَبِسَمَاعِ عِيسَى ابْنَ الْقَاسِمِ إنْ بَاعَ مَرِيضٌ لَيْسَ فِي عَقْلِهِ فَلَهُ أَوْ لِوَارِثِهِ إلْزَامُ الْمُبْتَاعِ ابْنُ رُشْدٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْعًا فَاسِدًا كَبَيْعِ السَّكْرَانِ وَاعْتَرَضَ دَلِيلَهُ الْأَوَّلَ بِطُرُوِّهِ بَعْدَ الْعَقْدِ فَهُوَ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ، وَلَعَلَّ دَلِيلَهُ الثَّانِيَ فِيمَنْ عِنْدَهُ تَمْيِيزٌ كَالْمَعْتُوهِ، وَاعْتَرَضَ ذَلِكَ مُحَشِّي تت بِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَأَنَّ كَلَامَهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ (قَوْلُهُ فَلَا يَتَأَتَّى لَهُ قَوْلُهُ إلَخْ) ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمَنْطُوقِ يَكُونُ الْمَعْنَى إلَّا إنْ كَانَ التَّمْيِيزُ مَعَ السُّكْرِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ التَّمْيِيزَ الَّذِي مَعَ السُّكْرِ نَوْعٌ مِنْهُ لَا التَّمْيِيزُ التَّامُّ وَإِنْ كَانَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمَفْهُومِ يَكُونُ الْمَعْنَى فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا لَا تَمْيِيزَ عِنْدَهُ فَلَوْ أُرِيدَ التَّمْيِيزُ التَّامُّ يَكُونُ الْمَعْنَى فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا لَا تَمْيِيزَ كَامِلٌ عِنْدَهُ أَيْ وَعِنْدَهُ أَصْلُ التَّمْيِيزِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ.
(قَوْلُهُ فَلَا خِلَافَ فِي انْعِقَادِ بَيْعِهِ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ مِنْ الْخِلَافِ جَعَلَهُ كَالْمَجْنُونِ وَقَالَ فِيهِ لَا يَلْزَمُهُ بَيْعٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا طَلَاقٌ فَيُؤْذِنُ بِصِحَّتِهِ مِنْ الْمَجْنُونِ أَيْ وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ وَالْبَاجِيُّ فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَيْ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا عِنْدَ ابْنِ رُشْدٍ وَالْبَاجِيِّ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ الْحَقُّ الْمُوَافِقُ لِلنَّقْلِ أَنَّ لِابْنِ رُشْدٍ وَالْبَاجِيِّ قَوْلَيْنِ بِالصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ كَالْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ أَيْ مِنْ غَيْرِ لُزُومٍ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ إلَّا بِسُكْرٍ فَتَرَدُّدٌ ظَاهِرُهُ التَّرَدُّدُ فِي الِانْعِقَادِ وَعَدَمِهِ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ وَابْنُ شَاسٍ لِذِكْرِهِمَا الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ، وَاَلَّذِي تَوَاطَأَتْ عَلَيْهِ الطُّرُقُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي اللُّزُومِ وَعَدَمِهِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى الصِّحَّةِ هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ ابْنُ رُشْدٍ وَالْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ وَالْبَاجِيُّ وَعِيَاضٌ وَاللَّخْمِيُّ كَمَا قَالَهُ مُحَشِّي تت.
(قَوْلُهُ وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ إلَخْ) عِبَارَةٌ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ ذَاتَ أَقْوَالٍ وَهُوَ كَذَلِكَ وَقَدْ بَيَّنَهَا ابْنُ رُشْدٍ بِقَوْلِهِ السَّكْرَانُ الْمُخْتَلِطُ الَّذِي مَعَهُ بَقِيَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ كَالْمَجْنُونِ فَلَا يُحَدُّ وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهُ وَلَا يَلْزَمُهُ بَيْعٌ وَلَا عِتْقٌ وَلَا طَلَاقٌ وَلَا شَيْءٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَبِي يُوسُفَ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالثَّانِي أَنَّهُ كَالصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ مَعَهُ بَقِيَّةً مِنْ عَقْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ كُلُّ مَا فَعَلَ مِنْ بَيْعٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ.
وَالثَّالِثُ يَلْزَمُهُ الْأَفْعَالُ وَلَا يَلْزَمُهُ طَلَاقٌ وَلَا عِتْقٌ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ، وَالرَّابِعُ يَلْزَمُهُ الْجِنَايَاتُ وَالْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ وَالْحُدُودُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِقْرَارَاتُ وَالْعُقُودُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وَهُوَ أَظْهَرُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ لِلَّهِ بِهِ حَقٌّ
الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْمَفْهُومِ وَعَلَيْهِ دَرَجَ الشَّارِحُ وَمَنْ وَافَقَهُ أَيْ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَدَمُ التَّمْيِيزِ بِسَبَبِ سُكْرٍ فَتَرَدُّدٌ.
وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ بَيْعَ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ غَيْرُ صَحِيحٍ إمَّا اتِّفَاقًا عِنْدَ الْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ أَوْ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ ابْنِ شَعْبَانَ فَالْمُنَاسِبُ لِلِاخْتِصَارِ وَالْمُطَابِقُ لِمَا تَجِبُ بِهِ الْفَتْوَى الْجَزْمُ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ وَتَرْكُ ذِكْرِ التَّرَدُّدِ وَإِنْ كَانَ ذَكَرَهُ صَحِيحًا عَلَى أَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّهُ أَشَارَ بِهِ لِطَرِيقَةِ الْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَلِطَرِيقَةِ ابْنِ شَعْبَانَ وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ فِيهَا ضَعِيفًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ فِيهِ صِحَّةَ كُلٍّ مِنْ طَرَفَيْهِ وَالْمُرَادُ بِالسُّكْرِ الْحَرَامُ وَهُوَ الْخَمْرُ أَوْ غَيْرُهُ حَيْثُ كَانَ مُتَعَدِّيًا عَالِمًا أَمَّا إنْ شَرِبَهُ غَيْرَ عَالِمٍ أَوْ لِلتَّدَاوِي فَكَالْمَجْنُونِ
(ص) وَلُزُومُهُ تَكْلِيفٌ (ش) عَطْفٌ عَلَى عَاقِدِهِ وَفِي الْحَقِيقَةِ عَلَى الصِّحَّةِ الْمُقَدَّرَةِ فِي قَوْلِهِ وَشَرْطُ عَاقِدِهِ تَمْيِيزٌ؛ لِأَنَّ اللُّزُومَ لَا يُقَابِلُ الْعَاقِدَ فَيُعْطَفُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُقَابِلُ الصِّحَّةَ فَلِذَلِكَ صَحَّ الْعَقْدُ وَالْمَعْنَى أَنَّ شَرْطَ لُزُومِ الْبَيْعِ أَنْ يَصْدُرَ مِنْ مُكَلَّفٍ وَهُوَ الرَّشِيدُ الطَّائِعُ فَإِنْ صَدَرَ مِنْ غَيْرِهِ كَصَبِيٍّ أَوْ سَفِيهٍ أَوْ مُكْرَهٍ لَمْ يَلْزَمْ وَإِنْ صَحَّ (ص) لَا إنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ جَبْرًا حَرَامًا (ش) يُرِيدُ أَنَّ الْمُكَلَّفَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ مَا عَقَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ إذَا كَانَ طَائِعًا وَأَمَّا إذَا أُجْبِرَ عَلَى الْبَيْعِ أَوْ عَلَى سَبَبِهِ وَهُوَ طَلَبُ مَالٍ ظُلْمًا فَبَاعَ شَيْئًا لِوَفَائِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ، وَاحْتَرَزَ بِالْجَبْرِ الْحَرَامِ مِنْ الْجَبْرِ الشَّرْعِيِّ كَجَبْرِ الْقَاضِي الْمِدْيَانِ عَلَى الْبَيْعِ لِوَفَاءِ الْغُرَمَاءِ أَوْ الْمُنْفِقِ لِلنَّفَقَةِ وَالْخَرَاجِ الْحَقِّ فَلَيْسَ مِنْ ذَلِكَ بَلْ هُوَ جَائِزٌ لَازِمٌ وَجَائِزٌ شِرَاؤُهُ لِكُلِّ أَحَدٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعْسِرًا فَيُلْجَأُ إلَى بَيْعِ مَا يُتْرَكُ لِلْمُفْلِسِ فَكَالْإِكْرَاهِ الظُّلْمُ وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَمِنْ الْإِكْرَاهِ الْحَقِّ الْجَبْرُ عَلَى بَيْعِ الْأَرْضِ لِلطَّرِيقِ أَوْ لِتَوْسِيعِ الْمَسْجِدِ وَالطَّعَامِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ وَلِلْمُكْرَهِ إكْرَاهًا حَرَامًا أَنْ يَلْزَمَ
ــ
[حاشية العدوي]
مِنْ الْإِقْرَارَاتِ وَالْعُقُودِ إذَا لَمْ يَلْزَمْ السَّفِيهَ وَالصَّبِيَّ لِنُقْصَانِ عَقْلِهِمَا فَأَحْرَى أَنْ لَا يَلْزَمَ السَّكْرَانَ لِنُقْصَانِ عَقْلِهِ بِالسُّكْرِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِلَّهِ يَلْزَمُهُ وَلَا يَسْقُطُ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ فِيهَا ضَعِيفًا) أَيْ فِي طَرِيقَةِ ابْنِ شَعْبَانَ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ إلَخْ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ طَرَفَيْ التَّرَدُّدِ طَرِيقَةُ الْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَطَرِيقَةُ ابْنِ شَعْبَانَ وَهَذَا التَّرَدُّدُ غَيْرُ الْقِسْمَيْنِ اللَّذَيْنِ أَشَارَ لَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَبِالتَّرَدُّدِ إلَخْ أَيْ فَهُوَ مِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ وَالْغَالِبُ مَا تَقَدَّمَ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ يَقُولُ إلَّا بِسُكْرٍ فَطَرِيقَتَانِ (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالسُّكْرِ الْحَرَامُ) الْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْحَرَامِ الْمُغَيِّبِ لِلْعَقْلِ حَتَّى يَشْمَلَ الْمُفْسِدَ وَالْمُرْقِدَ لَا خُصُوصَ ذُهُولِ الْعُقُولِ مَعَ نَشْأَةٍ وَطَرَبٍ (قَوْلُهُ أَوْ غَيْرُهُ) كَلَبَنٍ حَامِضٍ وَكَذَا الْمُرَقِّدُ وَالْمُخَدِّرُ وَقَوْلُهُ حَيْثُ كَانَ رَاجِعٌ لِلْخَمْرِ وَغَيْرِهِ.
(قَوْلُهُ عَالِمًا) حَالٌ لَازِمَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَدِّيَ عَالِمٌ وَقَوْلُهُ أَوْ لِلتَّدَاوِي أَيْ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ الْمُنَاوِيُّ مَا نَصُّهُ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ حِلُّ التَّدَاوِي بِكُلِّ نَجَسٍ إلَّا الْخَمْرَ وَالْخَبَرُ مَوْضِعُهُ إذَا وُجِدَ دَوَاءٌ طَاهِرٌ يُغْنِي عَنْ النَّجَسِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ انْتَهَى وَالْخَبَرُ هُوَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْجَامِعِ «وَلَا تُدَاوِي بِحَرَامٍ» فَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَقَوْلُ الشَّارِحِ أَوْ لِلتَّدَاوِي أَيْ مُقَلِّدًا مَنْ يَرَى الْجَوَازَ لِلتَّدَاوِي
(قَوْلُهُ وَلُزُومُهُ تَكْلِيفٌ) وَبَقِيَ شَرْطَانِ لِلُّزُومِ أَحَدُهُمَا فِي الْعَاقِدِ وَهُوَ كَوْنُهُ مَالِكًا مِلْكًا تَامًّا لِمَا بَاعَهُ أَوْ وَكِيلًا عَنْهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي وَمِلْكُ غَيْرِهِ عَلَى رِضَاهُ وَثَانِيهِمَا فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ بِدَلِيلٍ وَالْعَبْدُ الْجَانِي عَلَى مُسْتَحِقِّهَا (قَوْلُهُ وَهُوَ الرَّشِيدُ الطَّائِعُ) يَعْنِي مَعَ الْبُلُوغِ أَوْ أَرَادَ بِالرُّشْدِ مَا يَشْمَلُ الْبُلُوغَ وَيَكُونُ قَوْلُهُ لَا إنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ إلَخْ مُخْرِجًا مِنْ أَحَدِ الْمَفْهُومَيْنِ وَهُوَ الطَّوَاعِيَةُ وَفِيهِ أَنَّهُ حَمَلَ لَهُ عَلَى غَيْرِ مَعْنَاهُ الْمَشْهُورِ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا لِدَلِيلٍ فَقَوْلُهُ وَلُزُومُهُ تَكْلِيفٌ أَيْ وَرُشْدٌ وَطَوَاعِيَةٌ يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ قَوْلُهُ فِي بَابِ الْحَجْرِ وَلِلْوَلِيِّ رَدُّ تَصَرُّفِ مُمَيِّزٍ وَهُوَ شَامِلٌ لِلسَّفِيهِ وَعَلَى الثَّانِي قَوْلُهُ الْآتِي لَا إنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ جَبْرًا حَرَامًا؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومُهُ.
(قَوْلُهُ لَا إنْ أُجْبِرَ عَلَيْهِ) أَيْ وَلَا يَلْزَمُ فَقَوْلُهُ لَا إنْ أُجْبِرَ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَقَامُ أَيْ فَكُلُّ رَشِيدٍ يَلْزَمُهُ الْبَيْعُ إنْ طَاعَ شَرْعًا لَا إنْ أُجْبِرَ وَقَوْلُنَا إنْ طَاعَ شَرْعًا يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ أُكْرِهَ بِحَقٍّ (قَوْلُهُ أَوْ عَلَى سَبَبِهِ) أَيْ وَلَوْ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْبَيْعِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ فِي الْعِبَارَةِ حَذْفًا أَوْ يُقَالُ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْبَيْعِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا.
(قَوْلُهُ وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ إلَخْ) لَكِنْ حُرْمَةُ الْمُسْلِمِ أَشَدُّ وَإِذَا ثَبَتَ الْجَبْرُ لَمْ يَلْزَمْ سَوَاءٌ عَلِمَ بِهِ الْمُشْتَرِي أَمْ لَا وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ وَلَهُ أَنْ يُحَلِّفَ الْمُشْتَرِيَ أَنَّهُ مَا عَلِمَ بِجَبْرِهِ وَسَوَاءٌ بَاعَ الْمَضْغُوطَ أَيْ الْمَظْلُومَ بِنَفْسِهِ أَوْ بَاعَهُ قَرِيبُهُ أَوْ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ أَمَّا لَوْ بَاعَ قَرِيبُهُ أَوْ زَوْجَتُهُ مَالَ نَفْسِهِمَا لِتَخْلِيصِهِ وَلَوْ مِنْ الْعَذَابِ فَلَيْسَ بَيْعَ مَضْغُوطٍ لِاخْتِيَارِهِمَا فِي ذَلِكَ إلَّا الْوَالِدَيْنِ إذَا عُذِّبَ وَلَدُهُمَا فَبَاعَا أَوْ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِمَا فَإِنَّهُ إكْرَاهٌ سَوَاءٌ أُخْرِجَ لِلْبَيْعِ مَقْبُوضًا عَلَيْهِ أَوْ مُسَرَّحًا بِكَفِيلٍ أَوْ دُونَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ هَرَبَ خَلْفَهُ الظَّالِمُ إلَى مَنْزِلِهِ بِالْأَخْذِ وَالْمَعَرَّةِ فِي أَهْلِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ مَا بَاعَهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ وَلِيَ الْبَيْعَ أَوْ وُكِّلَ عَلَيْهِ وَلَا يُفِيتُ بَيْعَ الْمَضْغُوطِ تَدَاوُلُهُ الْأَمْلَاكَ وَلَا عِتْقُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَكَذَا لَوْ تَسَلَّفَ الْمَضْغُوطُ مَا ضُغِطَ فِيهِ مِنْ رَجُلٍ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مَا تَسَلَّفَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ.
(قَوْلُهُ لِتَوْسِيعِ الْمَسْجِدِ) أَيْ مَسْجِدِ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ وَالطَّعَامِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ إلَخْ) حَاصِلُ مَا فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إذَا اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ سُوقِ بَلَدِهِ وَأَضَرَّ ذَلِكَ بِالنَّاسِ فِي وَقْتِ الشِّرَاءِ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ يَشْتَرِكُ فِيهِ النَّاسُ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ أَهْلَ سُوقِهِ أَوْ غَيْرَهُمْ، وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ شُرُوطِ شَرِكَةِ الْجَبْرِ الْآتِيَةِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ثَمَنَهُ فَسِعْرُ يَوْمِهِ أَيْ يَوْمِ الْبَيْعِ فِي وَقْتِ الضَّرَرِ، وَأَمَّا إنْ كَانَ وَقْتُ الشِّرَاءِ لَا ضَرَرَ فِي الشِّرَاءِ ثُمَّ اُضْطُرَّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ وَقْتَ الضَّرُورَةِ بِسِعْرِ وَقْتِهِ، وَأَمَّا إنْ احْتَكَرَ مَا زَرَعَهُ أَوْ جَلَبَهُ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ فَقَالَ الْبَاجِيُّ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ احْتِكَارِهِ كَانَ ذَلِكَ ضَرُورَةً أَوْ غَيْرَهَا، وَرَوَى مُحَمَّدٌ يَبِيعُ هَذَا مَتَى شَاءَ وَيُمْسِكُ إذَا شَاءَ وَلَوْ بِالْمَدِينَةِ.
وَظَاهِرُ الْعُتْبِيَّةِ وَقَوْلِ ابْنِ رُشْدٍ إذَا وَقَعَتْ الشِّدَّةُ أُمِرَ أَهْلُ الطَّعَامِ بِإِخْرَاجِهِ مُطْلَقًا كَانَ مِنْ زِرَاعَةٍ أَوْ جَلَبٍ خِلَافُ مَا قَالَ الْبَاجِيُّ فَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي