المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌[كِتَابُ الْجِنَايَاتِ] ِ فَائِدَةٌ " الْجِنَايَاتُ " جَمْعُ جِنَايَةٍ. وَالْجِنَايَةُ لَهَا - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ٩

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌[كِتَابُ الْجِنَايَاتِ] ِ فَائِدَةٌ " الْجِنَايَاتُ " جَمْعُ جِنَايَةٍ. وَالْجِنَايَةُ لَهَا

[كِتَابُ الْجِنَايَاتِ]

ِ فَائِدَةٌ " الْجِنَايَاتُ " جَمْعُ جِنَايَةٍ. وَالْجِنَايَةُ لَهَا مَعْنَيَانِ: مَعْنًى فِي اللُّغَةِ، وَمَعْنًى فِي الِاصْطِلَاحِ فَمَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ: كُلُّ فِعْلٍ وَقَعَ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي سَوَاءٌ كَانَ فِي النَّفْسِ أَوْ فِي الْمَالِ. وَمَعْنَاهَا فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ: التَّعَدِّي عَلَى الْأَبَدَانِ. فَسَمَّوْا مَا كَانَ عَلَى الْأَبَدَانِ جِنَايَةً. وَسَمَّوْا مَا كَانَ عَلَى الْأَمْوَالِ غَصْبًا، وَإِتْلَافًا وَنَهْبًا وَسَرِقَةً وَخِيَانَةً

قَوْلُهُ (الْقَتْلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ: عَمْدٍ، وَشِبْهِ عَمْدٍ، وَخَطَإٍ، وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ رحمه الله قَسَّمَ الْقَتْلَ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ. وَكَذَا فَعَلَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ. وَصَاحِبِ الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْوَجِيزِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. فَزَادُوا: مَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ كَالنَّائِمِ يَنْقَلِبُ عَلَى إنْسَانٍ فَيَقْتُلُهُ، أَوْ يَقْتُلُ بِالسَّبَبِ مِثْلَ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا، أَوْ يَنْصِبَ سِكِّينًا، أَوْ حَجَرًا، فَيَئُولُ إلَى إتْلَافِ إنْسَانٍ، وَعَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَمَا مَثَّلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْفَصْلِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهَذِهِ الصُّوَرُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْ قِسْمِ الْخَطَأِ، أَعْطَوْهُ حُكْمَهُ. انْتَهَيَا. قُلْت: كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ قَسَّمُوا الْقَتْلَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ. مِنْهُمْ الْخِرَقِيُّ، وَصَاحِبُ الْعُمْدَةِ، وَالْكَافِي، وَالْمُحَرَّرُ، وَالْفُرُوعُ، وَغَيْرُهُمْ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَأَبِي الْخَطَّابِ، وَمَنْ تَبِعَهُ زَادُوا قِسْمًا رَابِعًا.

ص: 433

قَالَ: وَلَا نِزَاعَ أَنَّهُ بِاعْتِبَارِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ لَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. عَمْدٍ، وَهُوَ مَا فِيهِ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ. وَشَبَهِ الْعَمْدِ، وَهُوَ مَا فِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ مِنْ غَيْرِ قَوَدٍ. وَخَطَأٍ، وَهُوَ مَا فِيهِ دِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ. انْتَهَى. وَيَأْتِي تَفَاصِيلُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الدِّيَاتِ " قُلْت: الَّذِي نَظَرَ إلَى الْأَحْكَامِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْقَتْلِ جَعَلَ الْأَقْسَامَ ثَلَاثَةً. وَاَلَّذِي نَظَرَ إلَى الصُّوَرِ: فَهِيَ أَرْبَعَةٌ بِلَا شَكٍّ. وَأَمَّا الْأَحْكَامُ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهَا: تَنْبِيهٌ:

ظَاهِرُ قَوْلِهِ (أَحَدُهَا: أَنْ يَجْرَحَهُ بِمَا لَهُ مَوْرٌ) أَيْ دُخُولٌ وَتَرَدُّدٌ (فِي الْبَدَنِ، مِنْ حَدِيدٍ أَوْ غَيْرِهِ، مِثْلَ أَنْ يَجْرَحَهُ بِسِكِّينٍ، أَوْ يَغْرِزَهُ بِمِسَلَّةٍ) وَلَوْ لَمْ يُدَاوِ الْمَجْرُوحُ الْقَادِرُ عَلَى الدَّوَاءِ جُرْحَهُ، حَتَّى مَاتَ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ وَلَوْ لَمْ يُدَاوِ مَجْرُوحٌ قَادِرٌ جُرْحَهُ. وَقِيلَ: لَيْسَ بِعَمْدٍ. نَقَلَ جَعْفَرٌ: الشَّهَادَةَ عَلَى الْقَتْلِ: أَنْ يَرَوْهُ وَجَأَهُ. وَأَنَّهُ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: لَوْ جَرَحَهُ فَتَرَكَ مُدَاوَاةَ الْجُرْحِ، أَوْ فَصَدَهُ فَتَرَك شَدَّ فَصَادِهِ: لَمْ يَسْقُطْ الضَّمَانُ. ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي مَحَلَّ وِفَاقٍ. وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: لَا ضَمَانَ فِي تَرْكِ شَدِّ الْفِصَادِ. ذِكْرُهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ. وَذَكَرَ فِي تَرْكِ مُدَاوَاةٍ لِجُرْحٍ مِنْ قَادِرٍ عَلَى التَّدَاوِي: وَجْهَيْنِ. وَصَحَّحَ الضَّمَانَ انْتَهَى. وَأَرَادَ بِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ: صَاحِبَ الْفُرُوعِ.

فَائِدَةٌ:

وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ طَالَ بِهِ الْمَرَضُ، وَلَا عِلَّةَ بِهِ غَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْوَاضِحِ: أَوْ جَرَحَهُ، وَتَعَقَّبَهُ سِرَايَةٌ بِمَرَضٍ وَدَامَ جُرْحُهُ، حَتَّى مَاتَ فَلَا يُعَلَّقُ بِفِعْلِ اللَّهِ شَيْءٌ.

ص: 434

قَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يَغْرِزَهُ بِإِبْرَةٍ، أَوْ شَوْكَةٍ وَنَحْوِهِمَا فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ فَيَمُوتَ فِي الْحَالِ. فَفِي كَوْنِهِ عَمْدًا وَجْهَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْكَافِي، وَالْهَادِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيِّ، وَالْفُرُوعِ.

أَحَدُهُمَا: يَكُونُ عَمْدًا. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. فَإِنَّهُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ النُّسْخَةُ مَغْلُوطَةً. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: هُوَ قَوْلُ غَيْرِ ابْنِ حَامِدٍ. وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَكُونُ عَمْدًا، بَلْ شِبْهَ عَمْدٍ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَقَدَّمَهُ فِي تَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَشَرْحِ ابْن رَزِينٍ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَا حَتَّى مَاتَ) فَهُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَفِيهِ وَجْهٌ لَا يَكُونُ عَمْدًا.

قَوْلُهُ (أَوْ كَانَ الْغَرْزُ بِهَا فِي مَقْتَلٍ كَالْفُؤَادِ وَالْخَصِيَتَيْنِ فَهُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ) بِلَا نِزَاعٍ

قَوْلُهُ (وَإِنْ قَطَعَ سِلْعَةً مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَمَاتَ. فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ) بِلَا نِزَاعٍ.

ص: 435

وَقَوْلُهُ (فَإِنْ قَطَعَهَا حَاكِمٌ مِنْ صَغِيرٍ، أَوْ وَلِيُّهُ: فَلَا قَوَدَ وَكَذَا لَوْ قَطَعَهَا وَلِيُّ الْمَجْنُونِ مِنْهُ: فَلَا قَوَدَ) مُقَيَّدٌ فِيهِمَا بِمَا إذَا كَانَ ذَلِكَ

لِمَصْلَحَةٍ

. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَيْهِمَا إذَا فَعَلَا ذَلِكَ

لِمَصْلَحَةٍ

. وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ، وَقِيلَ: الْأُولَى

لِمَصْلَحَةٍ

قَوْلُهُ (الثَّانِي: أَنْ يَضْرِبَهُ بِمُثَقَّلٍ كَبِيرٍ فَوْقَ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي ضُرِبَ بِهِ بِمَا هُوَ فَوْقَ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَنَقَلَ ابْنُ مُشَيْشٍ: يَجِبُ الْقَوَدُ إذَا ضَرَبَهُ بِمَا هُوَ فَوْقَ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ.

قَوْلُهُ (أَوْ) يَضْرِبُهُ (بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ يَمُوتُ بِهِ)(كَاللَّتِّ وَالْكُوذِينَ وَالسِّنْدَانِ، أَوْ حَجَرٍ كَبِيرٍ، أَوْ يُلْقِي عَلَيْهِ حَائِطًا، أَوْ سَقْفًا، أَوْ يُلْقِيه مِنْ شَاهِقٍ) فَهَذَا كُلُّهُ عَمْدٌ. بِلَا نِزَاعٍ.

قَوْلُهُ (أَوْ يُعِيدَ الضَّرْبَ بِصَغِيرٍ) الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ إذَا أَعَادَ الضَّرْبَ بِصَغِيرٍ وَمَاتَ، يَكُونُ عَمْدًا. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ: لَا يَكُونُ عَمْدًا. ذَكَرَهُ فِي الْوَاضِحِ. قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ. نَقَلَ حَرْبٌ: شَبَهُ الْعَمْدِ: أَنْ يَضْرِبَهُ بِخَشَبَةٍ دُونَ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ وَنَحْوِ ذَلِكَ حَتَّى يَقْتُلَهُ

ص: 436

قَوْلُهُ (أَوْ يَضْرِبَهُ بِهِ فِي مَقْتَلٍ) . هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: لَا يَكُونُ عَمْدًا إذَا ضَرَبَهُ بِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً. ذَكَرَهُ فِي الْوَاضِحِ.

فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ (أَوْ) يَضْرِبَهُ بِهِ (فِي حَالِ ضَعْفِ قُوَّةٍ: مِنْ مَرَضٍ، أَوْ صِغَرٍ، أَوْ كِبَرٍ، أَوْ فِي حَرٍّ) مُفْرِطٍ (أَوْ بَرْدٍ) مُفْرِطٍ (وَنَحْوِهِ) وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِ: وَمِثْلُهُ: أَوْ لَكَمَهُ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. لَكِنْ لَوْ ادَّعَى جَهْلَ الْمَرَضِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ: لَمْ يُقْبَلْ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ. فَيَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ إذَا كَانَ مِثْلُهُ بِجَهْلِهِ، وَإِلَّا فَلَا

الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ (الثَّالِثُ: إلْقَاؤُهُ فِي زُبْيَةِ أَسَدٍ) وَكَذَا لَوْ أَلْقَاهُ فِي زُبْيَةِ نَمِرٍ فَيَكُونُ عَمْدًا. بِلَا نِزَاعٍ. وَكَذَا لَوْ أَلْقَاهُ مَكْتُوفًا بِفَضَاءٍ بِحَضْرَةِ سَبُعٍ فَقَتَلَهُ. أَوْ أَلْقَاهُ بِمَضِيقٍ بِحَضْرَةِ حَيَّةٍ فَقَتَلَتْهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَنَصَرَاهُ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَكُونُ عَمْدًا فِيهِمَا. وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يُكَتِّفَهُ كَالْمُمْسِكِ لِلْقَتْلِ. وَهَذَا الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ عَلَى مَا يَأْتِي

ص: 437

قَوْلُهُ (أَوْ أَنْهَشَهُ كَلْبًا، أَوْ سَبُعًا، أَوْ حَيَّةً، أَوْ أَلْسَعَهُ عَقْرَبًا مِنْ الْقَوَاتِلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَقَتَلَهُ) فَهُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ. اعْلَمْ أَنَّهُ إذَا أَنْهَشَهُ كَلْبًا، أَوْ أَلْسَعَهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يَقْتُلُ غَالِبًا، أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ يَقْتُلُ غَالِبًا: فَهُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ. وَإِنْ كَانَ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا كَثُعْبَانِ الْحِجَازِ، أَوْ سَبُعٍ صَغِيرٍ وَقُتِلَ: بِهِ. فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا: أَنَّهُ يَكُونُ قَتَلَا عَمْدًا. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ فِي النَّظْمِ، وَغَيْرِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَكُونُ عَمْدًا. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَغَيْرِهِ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ الْفُرُوعُ

قَوْلُهُ (الرَّابِعُ: إلْقَاؤُهُ فِي مَاءٍ يُغْرِقُهُ، أَوْ نَارٍ لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهُمَا، فَمَاتَ بِهِ) إذَا أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ. فَلَا يَخْلُو: إمَّا أَنْ يُمْكِنَهُ التَّخَلُّصُ مِنْهُ أَوْ لَا. فَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهُ وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ هُنَا فَهُوَ عَمْدٌ. وَإِنْ أَمْكَنَهُ التَّخَلُّصُ كَالْمَاءِ الْيَسِيرِ وَلَمْ يَتَخَلَّصْ حَتَّى مَاتَ، فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ مَوْتَهُ هَدَرٌ. فَلَا يَضْمَنُ الدِّيَةَ، وَلَا غَيْرَهَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَا يَضْمَنُ الدِّيَةَ فِي الْأَصَحِّ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ الدِّيَةَ. وَإِذَا أَلْقَاهُ فِي نَارٍ: فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّخَلُّصُ مِنْهَا. فَهُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ. بِلَا نِزَاعٍ.

ص: 438

وَإِنْ أَمْكَنَهُ التَّخَلُّصُ وَلَمْ يَتَخَلَّصْ حَتَّى مَاتَ فَقِيلَ: دَمُهُ هَدَرٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ. وَقِيلَ: يَضْمَنُ الدِّيَةَ بِإِلْقَائِهِ. قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِنْ كَانَ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا، أَوْ التَّخَلُّصُ مِنْهُ مُمْكِنٌ: فَلَا قَوَدَ فِيهِ. لِأَنَّهُ عَمْدٌ خَطَأٌ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّ فِيهِ الدِّيَةَ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ

قَوْلُهُ (الْخَامِسُ: خَنْقُهُ بِحَبْلٍ، أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ سَدُّ فَمِهِ وَأَنْفِهِ، أَوْ عَصْرُ خُصْيَتَيْهِ حَتَّى مَاتَ) فَعَمْدٌ. ظَاهِرُهُ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ سَدُّ الْفَمِ وَالْأَنْفِ جَمِيعًا. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي السَّدِّ وَالْعَصْرِ بَيْنَ طُولِ الْمُدَّةِ، أَوْ قِصَرِهَا. وَقَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: إنْ فَعَلَهُ ذَلِكَ فِي مُدَّةٍ يَمُوتُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا، فَمَاتَ: فَهُوَ عَمْدٌ. فِيهِ الْقِصَاصُ. قَالَا: وَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ. لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا كَانَتْ يَسِيرَةً. لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِهِ. قَالَ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ: وَإِذَا مَاتَ فِي مُدَّةٍ لَا يَمُوتُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا: فَهُوَ شِبْهُ عَمْدٍ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا إلَى الْغَايَةِ، بِحَيْثُ لَا يُتَوَهَّمُ الْمَوْتُ مِنْهُ. فَلَا يُوجِبُ ضَمَانًا.

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (السَّادِسُ: حَبْسُهُ وَمَنْعُهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ حَتَّى مَاتَ جُوعًا وَعَطَشًا فِي مُدَّةٍ يَمُوتُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا) مُرَادُهُ: إذَا تَعَذَّرَ عَلَى الْجَائِعِ وَالْعَطْشَانِ الطَّلَبُ لِذَلِكَ. فَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ الطَّلَبُ، أَوْ تَرَكَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ قَادِرًا عَلَى الطَّلَبِ، أَوْ غَيْرِهِ: فَلَا دِيَةَ لَهُ. كَتَرْكِهِ شَدَّ مَوْضِعِ فَصَادِهِ. قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ.

ص: 439

وَتَقَدَّمَ النَّقْلُ فِي ذَلِكَ أَوَّلَ الْبَابِ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ.

قَوْلُهُ (السَّابِعُ: إسْقَاؤُهُ سُمًّا لَا يَعْلَمُ بِهِ، أَوْ خَلَطَ سُمًّا بِطَعَامٍ فَأَطْعَمَهُ، أَوْ خَلَطَهُ بِطَعَامِهِ فَأَكَلَهُ، وَلَا يَعْلَمُ بِهِ. فَمَاتَ) فَهُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ. هَذَا الْمَذْهَبُ. وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ. وَأَطْلَقَ ابْنُ رَزِينٍ: فِيمَا إذَا أَلْقَمَهُ سُمًّا، أَوْ خَلَطَهُ بِهِ: قَوْلَيْنِ تَنْبِيهٌ:

مَفْهُومُ قَوْلِهِ (فَإِنْ عَلِمَ آكِلُهُ بِهِ، وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ، أَوْ خَلَطَهُ بِطَعَامِ نَفْسِهِ، فَأَكَلَهُ إنْسَانٌ بِغَيْرٍ إذْنِهِ: فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) أَمَّا غَيْرُ الْبَالِغِ لَوْ أَكَلَهُ كَانَ ضَامِنًا لَهُ إذَا مَاتَ بِهِ. وَهُوَ صَحِيحٌ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: إنْ كَانَ مُمَيِّزًا فَفِي ضَمَانِهِ نَظَرٌ

قَوْلُهُ (فَإِنْ ادَّعَى الْقَاتِلُ بِالسُّمِّ: أَنَّنِي لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ سُمٌّ قَاتِلٌ: لَمْ يُقْبَلْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَغَيْرِهِ.

(وَيُقْبَلُ فِي الْآخَرِ) وَيَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْهَادِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ إذَا كَانَ مِثْلُهُ يَجْهَلُهُ، وَإِلَّا فَلَا

قَوْلُهُ (الثَّامِنُ: أَنْ يَقْتُلَهُ بِسَحَرٍ يَقْتُلُ غَالِبًا)

ص: 440

إذَا قَتَلَهُ بِسَحَرٍ يَقْتُلُ غَالِبًا، فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَقْتُلُ: فَهُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ. وَإِنْ قَالَ " لَمْ أَعْلَمْهُ قَاتِلًا " لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: يُقْبَلُ وَيَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ وَقِيلَ: يُقْبَلُ إذَا كَانَ مِثْلُهُ يَجْهَلُهُ، وَإِلَّا فَلَا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي السُّمِّ سَوَاءٌ فَائِدَتَانِ

إحْدَاهُمَا: إذَا وَجَبَ قَتْلُهُ بِالسَّحَرِ، وَقُتِلَ: كَانَ قَتْلُهُ بِهِ حَدًّا. وَتَجِبُ دِيَةُ الْمَقْتُولِ فِي تَرِكَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ: وَعِنْدِي فِي هَذَا نَظَرٌ. وَيَأْتِي بَعْضُ ذَلِكَ فِي آخِرِ بَابِ الْمُرْتَدِّ.

الثَّانِيَةُ: قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ: لَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا الْمِعْيَانَ الْقَاتِلَ بِعَيْنِهِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالسَّاحِرِ الَّذِي يَقْتُلُ بِسَحَرِهِ غَالِبًا. فَإِذَا كَانَتْ عَيْنُهُ يَسْتَطِيعُ الْقَتْلَ بِهَا. وَيَفْعَلُهُ بِاخْتِيَارِهِ: وَجَبَ بِهِ الْقِصَاصُ. وَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ بِغَيْرِ قَصْدِ الْجِنَايَةِ، فَيُتَوَجَّهُ: أَنَّهُ خَطَأٌ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ. وَكَذَا مَا أَتْلَفَهُ الْمِعْيَانُ بِعَيْنِهِ. وَيُتَوَجَّهُ فِيهِ الْقَوْلُ بِضَمَانِهِ، إلَّا أَنْ يَقَعَ بِغَيْرِ قَصْدِهِ. فَيُتَوَجَّهُ عَدَمُ الضَّمَانِ. انْتَهَى. قُلْت: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالتَّرْغِيبِ: عَدَمُ الضَّمَانِ. وَكَذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي، عَلَى مَا يَأْتِي فِي آخِرِ " بَابِ التَّعْزِيرِ "

قَوْلُهُ (التَّاسِعُ: أَنْ يَشْهَدَا عَلَى رَجُلٍ بِقَتْلٍ عَمْدٍ، أَوْ رِدَّةٍ، أَوْ زِنًا فَيُقْتَلُ بِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعَا وَيَقُولَا: عَمِدْنَا قَتْلَهُ) هَكَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ

ص: 441

وَقَالَ فِي الْكَافِي: وَقَالَا " عَلِمْنَا أَنَّهُ يُقْتَلُ ". وَقَالَ فِي الْمُغْنِي: وَلَمْ يَجُزْ جَهْلُهُمَا بِهِ. وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: وَكَذَّبَتْهُمَا قَرِينَةٌ. فَالْأَصْحَابُ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا عَمْدٌ مَحْضٌ. وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: ذَكَرَ الْأَصْحَابُ مِنْ صُوَرِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْمُوجِبِ لِلْقَوَدِ: مَنْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِالرِّدَّةِ. فَقُتِلَ بِذَلِكَ، ثُمَّ رَجَعُوا. وَقَالُوا: عَمِدْنَا قَتْلَهُ. قَالَ: وَفِي هَذَا نَظَرٌ. لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ إنَّمَا يُقْتَلُ إذَا لَمْ يَتُبْ، فَيُمْكِنُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ التَّوْبَةَ. كَمَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصَ مِنْ النَّارِ إذَا أُلْقِيَ فِيهَا. انْتَهَى. قُلْت: يُتَصَوَّرُ عَدَمُ قَبُولِ تَوْبَةِ الْمُرْتَدِّ فِي مَسَائِلَ عَلَى رِوَايَةٍ قَوِيَّةٍ. كَمَنْ سَبَّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ. وَكَالزِّنْدِيقِ. وَمَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ. وَالسَّاحِرُ وَغَيْرُ ذَلِكَ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهِ. فَلَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ. فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِكُلِّ حَالٍ. وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ. عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ. فَكَلَامُ الْأَصْحَابِ مَحَلُّهُ حَيْثُ امْتَنَعَتْ التَّوْبَةُ. وَيَكْفِي هَذَا فِي إطْلَاقِهِمْ فِي مَسْأَلَةٍ، وَلَوْ وَاحِدَةٍ. لَكِنْ ظَهَرَ لِي عَلَى كَلَامٍ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ إشْكَالٌ فِي قَوْلِهِمْ " لَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِزِنًا. فَقُتِلَ بِذَلِكَ " فَإِنَّ الشَّاهِدَيْنِ لَا يُقْتَلُ الزَّانِي بِشَهَادَتِهِمَا. فَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِهَذَا. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمَنْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِمَا يُوجِبُ قَتْلَهُ. فَتَخَلَّصَ مِنْ الْإِشْكَالِ.

قَوْلُهُ (أَوْ يَقُولَ الْحَاكِمُ: عَلِمْت كَذِبَهُمَا وَعَمِدْت قَتْلَهُ) . فَهَذَا عَمْدٌ مَحْضٌ. وَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْحَاكِمِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ

ص: 442

وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَنَصَرَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي مُنَاظَرَاتِهِ: أَنَّ الْحَاكِمَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: فِي قَتْلِ الْحَاكِمِ وَجْهَانِ فَوَائِدُ

الْأُولَى: يُقْتَلُ الْمُزَكِّي كَالشَّاهِدِ. قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَغَيْرُهُ وَعِنْدَ الْقَاضِي لَا يُقْتَلُ وَإِنْ قَتَلَ الشَّاهِدُ.

الثَّانِيَةُ: لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ مَعَ مُبَاشَرَةِ الْوَلِيِّ الْقَتْلَ وَإِقْرَارِهِ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا عُدْوَانًا. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَغَيْرِهِمَا. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ: الْبَيِّنَةُ وَالْوَلِيُّ هُنَا: كَمُمْسِكٍ مَعَ مُبَاشِرٍ فَالْبَيِّنَةُ هُنَا: كَالْمُمْسِكِ. وَالْوَلِيُّ هُنَا: كَالْمُبَاشِرِ هُنَاكَ. عَلَى مَا يَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ قَرِيبًا فِي هَذَا الْبَابِ وَالْخِلَافُ فِيهِ. وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: إنْ عَلِمَ الْوَلِيُّ وَالْحَاكِمُ أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْ أُقِيدَ الْكُلُّ.

الثَّالِثَةُ: يَخْتَصُّ الْمُبَاشِرُ الْعَالِمُ بِالْقَوَدِ، ثُمَّ الْوَلِيُّ، ثُمَّ الْبَيِّنَةُ وَالْحَاكِمُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ: يَخْتَصُّ الْقَوَدُ بِالْحَاكِمِ إذَا اشْتَرَكَ هُوَ وَالْبَيِّنَةُ. لِأَنَّ سَبَبَهُ أَخَصُّ مِنْ سَبَبِهِمْ. فَإِنَّ حُكْمَهُ وَاسِطَةٌ بَيْنَ شَهَادَتِهِمْ وَقَتَلَهُ. فَأَشْبَهَ الْمُبَاشِرَ مَعَ الْمُتَسَبِّبِ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ لَزِمَتْ الدِّيَةَ الْبَيِّنَةُ وَالْحَاكِمُ، فَقِيلَ: تَلْزَمُهُمْ ثَلَاثًا. عَلَى الْحَاكِمِ الثُّلُثُ، وَعَلَى كُلِّ شَاهِدٍ ثُلُثٌ.

ص: 443

جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ. وَقِيلَ: نِصْفَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ

الْخَامِسَةُ: لَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ " عَمِدْنَا قَتْلَهُ " وَقَالَ بَعْضُهُمْ " أَخْطَأْنَا " فَلَا قَوَدَ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَلَا قَوَدَ عَلَى الْمُتَعَمِّدِ عَلَى الْأَصَحِّ. وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الْقَوَدُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: عَلَى الْمُتَعَمِّدِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ. وَعَلَى الْمُخْطِئِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْمُخَفَّفَةِ. وَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَنَظَائِرُهَا فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا.

السَّادِسُ: لَوْ قَالَ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا " تَعَمَّدْت وَأَخْطَأَ شَرِيكِي " فَوَجْهَانِ فِي الْقَوَدِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ: وُجُوبُ الْقَوَدِ عَلَيْهِمَا. لِاعْتِرَافِهِمَا بِالْعَمْدِيَّةِ. وَقَدَّمَ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي: عَدَمَ الْقَوَدِ. وَصَحَّحَهُ فِي الْكُبْرَى، وَقَالَ: الدِّيَةُ عَلَيْهِمَا حَالَّةً. وَلَوْ قَالَ وَاحِدٌ " عَمِدْنَا " وَقَالَ الْآخَرُ " أَخْطَأْنَا " لَزِمَ الْمُقِرُّ بِالْعَمْدِ الْقَوَدَ. وَلَزِمَ الْآخَرُ نِصْفَ الدِّيَةِ

السَّابِعَةُ: لَوْ رَجَعَ الْوَالِي وَالْبَيِّنَةُ: ضَمِنَهُ الْوَالِي وَحْدَهُ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقَالَ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ: يَضْمَنُهُ الْوَالِي وَالْبَيِّنَةُ مَعًا كَمُشْتَرِكٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: أَنَّ الْوَالِي يَلْزَمُهُ الْقَوَدُ إنْ تَعَمَّدَ. وَإِلَّا الدِّيَةُ. وَأَنَّ الْآمِرَ لَا يَرِثُ.

ص: 444

الثَّامِنَةُ: لَوْ حَفَرَ فِي بَيْتِهِ بِئْرًا أَوْ سَتَرَهُ لِيَقَعَ فِيهِ أَحَدٌ، فَوَقَعَ فَمَاتَ. فَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِإِذْنِهِ: قُتِلَ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. وَقِيلَ: لَا يُقْتَلُ بِهِ. كَمَا لَوْ دَخَلَ بِلَا إذْنِهِ. أَوْ كَانَتْ مَكْشُوفَةً. بِحَيْثُ يَرَاهَا الدَّاخِلُ. وَيَأْتِي فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الدِّيَاتِ ": " إذَا حَفَرَ فِي فِنَائِهِ بِئْرًا فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ "

التَّاسِعَة: لَوْ جَعَلَ فِي حَلْقِ زَيْدٍ خِرَاطَةً وَشَدَّهَا فِي شَيْءٍ عَالٍ وَتَرَكَ تَحْتَهُ حَجَرًا. فَأَزَالَهُ آخَرُ عَمْدًا فَمَاتَ: قُتِلَ مُزِيلُهُ دُونَ رَابِطِهِ. فَإِنْ جَهِلَ الْخِرَاطَةَ فَلَا قَوَدَ عَلَى قَاتِلِهِ وَفِي مَالِهِ الدِّيَةُ. عَلَى الصَّحِيحِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ. وَقِيلَ: الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَقِيلَ: بَلْ عَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُهَا. وَقِيلَ: بَلْ عَلَى عَاقِلَتِهِ

قَوْلُهُ (وَشِبْهُ الْعَمْدِ: أَنْ يَقْصِدَ الْجِنَايَةَ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا. فَيَقْتُلُ) قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ: وَلَمْ يَجْرَحْهُ بِذَلِكَ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ سَوَاءٌ قَصَدَ قَتْلَهُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ. وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ: لَا يَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ إلَّا إذَا لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ بِذَلِكَ. قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَشِبْهُ الْعَمْدِ قَتْلُهُ قَصْدًا بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا. وَقِيلَ: قَصْدُ جِنَايَةٍ، لَا قَتْلُهُ غَالِبًا تَنْبِيهٌ:

مَفْهُومُ قَوْلِهِ (أَوْ يَصِيحَ بِصَبِيٍّ، أَوْ مَعْتُوهٍ، وَهُمَا عَلَى سَطْحٍ فَيَسْقُطَا)

ص: 445

أَنَّهُ لَوْ صَاحَ بِرَجُلٍ مُكَلَّفٍ، أَوْ امْرَأَةٍ مُكَلَّفَةٍ وَهُمَا عَلَى سَطْحٍ فَسَقَطَا: أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهِمَا. وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ. وَقِيلَ: الْمُكَلَّفُ كَالصَّبِيِّ، وَالْمَعْتُوهِ. وَأَلْحَقَ فِي الْوَاضِحِ: الْمَرْأَةَ بِالصَّبِيِّ الْمَعْتُوهِ.

فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (أَوْ يَغْتَفِلَ عَاقِلًا فَيَصِيحَ بِهِ فَيَسْقُطَ) .

وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ. < m s=1> وَكَذَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فَذَهَبَ عَقْلُهُ.

تَنْبِيهٌ:

يَلْزَمُ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ الدِّيَةُ. لَكِنْ هَلْ تَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، أَوْ عَلَى الْقَاتِلِ؟ فِيهِ خِلَافٌ عَلَى مَا يَأْتِي فِي أَوَّلِ " كِتَابِ الدِّيَاتِ " وَ " بَابِ الْعَاقِلَةِ ". وَيَأْتِي فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الْخِلَافُ الْآتِي فِي " بَابِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ "

قَوْلُهُ (وَالْخَطَأُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرْمِيَ الصَّيْدَ، أَوْ يَفْعَلَ مَا لَهُ فِعْلُهُ فَيَقْتُلَ إنْسَانًا فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) بِلَا نِزَاعٍ

تَنْبِيهٌ:

مَفْهُومُ قَوْلِهِ " أَوْ يَفْعَلَ مَالَهُ فِعْلُهُ " أَنَّهُ إذَا فَعَلَ مَا لَيْسَ لَهُ فِعْلُهُ كَأَنْ يَقْصِدَ رَمْيَ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ، أَوْ بَهِيمَةٍ مُحْتَرَمَةٍ، فَيُصِيبُ غَيْرَهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ خَطَأً، بَلْ عَمْدٌ وَهُوَ مَنْصُوصُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله قَالَهُ الْقَاضِي فِي رِوَايَتَيْهِ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَخَرَّجَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ فِيمَنْ رَمَى نَصْرَانِيًّا، فَلَمْ يَقَعْ بِهِ السَّهْمُ حَتَّى أَسْلَمَ أَنَّهُ عَمْدٌ يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ. وَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهُ خَطَأٌ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ حَيْثُ قَالَ فِي الْخَطَأِ: أَنْ يَرْمِيَ صَيْدًا، أَوْ هَدَفًا، أَوْ شَخْصًا، فَيُصِيبُ إنْسَانًا لَمْ يَقْصِدْهُ

ص: 446

قَوْلُهُ (الثَّانِي: أَنْ يَقْتُلَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَنْ يَظُنَّهُ حَرْبِيًّا وَيَكُونُ مُسْلِمًا، أَوْ يَرْمِيَ إلَى صَفِّ الْكُفَّارِ فَيُصِيبَ مُسْلِمًا، أَوْ يَتَتَرَّسُ الْكُفَّارُ بِمُسْلِمٍ، وَيَخَافُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إنْ لَمْ يَرْمِهِمْ فَيَرْمِيهِمْ، فَيَقْتُلُ الْمُسْلِمَ. فَهَذَا فِيهِ الْكَفَّارَةُ) . عَلَى مَا يَأْتِي فِي بَابِهَا. وَفِي وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ رِوَايَتَانِ.

إحْدَاهُمَا: لَا تَجِبُ الدِّيَةُ. وَهُوَ الْمَذْهَبُ. صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَالنَّظْمِ. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْخِرَقِيِّ، وَالْمُنَوِّرِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ إمَامِنَا، وَمُخْتَارُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا: الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَالشِّيرَازِيِّ، وَابْن الْبَنَّا، وَأَبِي مُحَمَّدٍ، وَغَيْرِهِمْ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: تَجِبُ عَلَيْهِمْ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ.

تَنْبِيهٌ:

قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: مَحَلُّ هَذَا فِي الْمُسْلِمِ الَّذِي هُوَ بَيْنَ الْكُفَّارِ مَعْذُورٌ، كَالْأَسِيرِ، وَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُ الْهِجْرَةُ، وَالْخُرُوجُ مِنْ صَفِّهِمْ. فَأَمَّا الَّذِي يَقِفُ فِي صَفِّ قِتَالِهِمْ بِاخْتِيَارِهِ: فَلَا يَضْمَنُ بِحَالٍ. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ مَعْنَى ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ " كِتَابِ الْجِهَادِ " فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ " وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمِينَ " وَعَنْهُ: تَجِبُ الدِّيَةُ فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: عَكْسُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ فَعَلَ الْوَاجِبَ هُنَا قَالَ: وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي فَيُصَلِّي وَيُكَفِّرْ كَذَا هُنَا

ص: 447

تَنْبِيهٌ: قَوْلُهُ (وَعَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ) يَعْنِي: أَنَّ عَمْدَهُمَا مِنْ الَّذِي أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ. وَهُوَ كَذَلِكَ. لَكِنْ لَوْ قَالَ " كُنْت حَالَ الْفِعْلِ صَغِيرًا، أَوْ مَجْنُونًا " صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. وَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ الْعَاقِلَةِ " هَلْ تَتَحَمَّلُ عَمْدَ الصَّبِيِّ أَوْ تَكُونُ فِي مَالِهِ؟ "

قَوْلُهُ (وَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ) هَذَا الْمَذْهَبُ. كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِلَا رَيْبٍ وَقَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ. وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: عَلَيْهِ عَامَّةُ شُيُوخِنَا. وَعَنْهُ: لَا يُقْتَلُونَ بِهِ. نَقَلَهُ حَنْبَلٌ. وَحَسَّنَهَا ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ. وَيَأْتِي كَلَامُهُ فِي الْفُنُونِ، فِيمَا إذَا اشْتَرَكَ فِي الْقَتْلِ اثْنَانِ، لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى أَحَدِهِمَا. وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ وَالْفَضْلُ: أَنَّهُ إنْ قَتَلَهُ ثَلَاثَةٌ: فَلَهُ قَتْلُ أَحَدِهِمْ، وَالْعَفْوُ عَنْ آخَرَ، وَأَخْذُ الدِّيَةِ كَامِلَةً مِنْ أَحَدِهِمْ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ: مِنْ شَرْطِ قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ: أَنْ يَكُونَ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ صَالِحًا لِلْقَتْلِ بِهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ عَفَى الْوَلِيُّ عَنْهُمْ: سَقَطَ الْقَوَدُ. وَلَمْ يَلْزَمْهُمْ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ. عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ. وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُمْ دِيَاتٌ. نَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ: يَلْزَمُهُمْ دِيَاتٌ. وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَصَحَّحَهَا الشِّيرَازِيُّ

ص: 448

وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ. وَتَقَدَّمَ رِوَايَةُ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَالْفَضْلُ وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: فَلَا يَلْزَمُ إلَّا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ

فَائِدَةٌ:

مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ فَعَلُوا مَا يُوجِبُ قِصَاصًا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ. كَالْقَطْعِ وَنَحْوِهِ. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَيَأْتِي هَذَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فِي آخِرِ " بَابِ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ "

قَوْلُهُ (وَإِنْ جَرَحَهُ أَحَدُهُمَا جَرْحًا، وَالْآخَرُ مِائَةً: فَهُمَا سَوَاءٌ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ) هَذَا بِلَا نِزَاعٍ بِشَرْطِ الْمُتَقَدِّمِ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَطَعَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْكُوعِ، ثُمَّ قَطَعَهُ الْآخَرُ مِنْ الْمِرْفَقِ) يَعْنِي: وَمَاتَ (فَهُمَا قَاتِلَانِ) . هَذَا الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ. وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ. وَقِيلَ: الْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي، فَيُقْتَلُ بِهِ. وَيُقَادُ مِنْ الْأَوَّلِ، بِأَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ مِنْ الْكُوعِ، كَقَطْعِهِ.

تَنْبِيهٌ:

مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا كَانَ قَطْعُ الثَّانِي قَبْلَ بُرْءِ الْقَطْعِ الْأَوَّلِ: أَمَّا إنْ كَانَ بَعْدَ بُرْئِهِ: فَالْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي، قَوْلًا وَاحِدًا. قَالَهُ الْأَصْحَابُ. وَهُوَ وَاضِحٌ.

ص: 449

فَوَائِدُ

إحْدَاهَا: لَوْ ادَّعَى الْأَوَّلُ أَنَّ جُرْحَهُ انْدَمَلَ، فَصَدَّقَهُ الْوَلِيُّ: سَقَطَ عَنْهُ الْقَتْلُ. وَلَزِمَهُ الْقِصَاصُ فِي الْيَدِ، أَوْ نِصْفُ الدِّيَةِ. وَإِنْ كَذَّبَهُ شَرِيكُهُ، وَاخْتَارَ الْوَلِيُّ الْقِصَاصَ: فَلَا فَائِدَةَ لَهُ فِي تَكْذِيبِهِ. لِأَنَّ قَتْلَهُ وَاجِبٌ. وَإِنْ عَفَا عَنْهُ إلَى الدِّيَةِ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ. وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ. وَإِنْ كَذَّبَ الْوَلِيُّ الْأَوَّلَ: حَلَفَ، وَكَانَ لَهُ قَتْلُهُ. وَإِنْ ادَّعَى الثَّانِي انْدِمَالَ جُرْحِهِ: فَالْحُكْمُ فِيهِ كَالْحُكْمِ فِي الْأَوَّلِ إذَا ادَّعَى ذَلِكَ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ انْدَمَلَ الْقَطْعَانِ: أُقِيدَ الْأَوَّلُ، بِأَنْ يُقْطَعَ مِنْ الْكُوعِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَذَا مِنْ الثَّانِي الْمَقْطُوعِ يَدُهُ مِنْ كُوعٍ. وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ، أَوْ ثُلُثُ دِيَةٍ. فِيهِ الرِّوَايَتَانِ. وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: وَإِنْ انْدَمَلَا. فَعَلَى الْأَوَّلِ الْقَوَدُ مِنْ الْكُوعِ. وَعَلَى الثَّانِي حُكُومَةٌ. وَعَنْهُ: ثُلُثُ دِيَةِ الْيَدِ. وَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ مَعَ كَمَالِ يَدِهِ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ قَتَلُوهُ بِأَفْعَالٍ لَا يَصْلُحُ وَاحِدٌ مِنْهَا لِقَتْلِهِ نَحْوَ أَنْ يَضْرِبَهُ كُلُّ وَاحِدٍ سَوْطًا فِي حَالَةٍ، أَوْ مُتَوَالِيًا: فَلَا قَوَدَ. وَفِيهِ عَنْ تَوَاطُؤٍ وَجْهَانِ فِي التَّرْغِيبِ. وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ. قُلْت: الصَّوَابُ الْقَوَدُ

قَوْلُهُ (وَإِنْ فَعَلَ أَحَدُهُمَا فِعْلًا لَا تَبْقَى الْحَيَاةُ مَعَهُ كَقَطْعِ حَشْوَتِهِ أَوْ مَرِيئِهِ، أَوْ وَدَجَيْهِ ثُمَّ ضَرَبَ عُنُقَهُ آخَرُ: فَالْقَاتِلُ هُوَ الْأَوَّلُ. وَيُعَزَّرُ الثَّانِي)

ص: 450

هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا وَالْوَجِيزِ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قُتِلَ الْأَوَّلُ، وَعُزِّرَ الثَّانِي. وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِهِ فِي التَّبْصِرَةِ. كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى مَيِّتٍ. فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُهُ. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ التَّصَرُّفَ فِيهِ كَمَيِّتٍ كَمَا لَوْ كَانَ عَبْدًا، فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ. قَالَ: كَذَا جَعَلُوا الضَّابِطَ: يَعِيشُ مِثْلُهُ، أَوْ لَا يَعِيشُ كَذَا عَلَّلَ الْخِرَقِيُّ الْمَسْأَلَتَيْنِ، مَعَ أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي لَا يَعِيشُ " خَرَقَ بَطْنَهُ، وَأَخْرَجَ حَشْوَتَهُ فَقَطَعَهَا، فَأَبَانَهَا مِنْهُ ". قَالَ " وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُبِنْهَا، لَمْ يَكُنْ حُكْمُهُ كَذَلِكَ، مَعَ أَنَّهُ بِقَطْعِهَا لَا يَعِيشُ ". فَاعْتَبَرَ الْخِرَقِيُّ كَوْنَهُ لَا يَعِيشُ فِي مَوْضِعٍ خَاصٍّ. فَتَعْمِيمُ الْأَصْحَابِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ احْتَجَّ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِكَلَامِ الْخِرَقِيِّ فِيهِ نَظَرٌ. قَالَ: وَهَذَا مَعْنَى اخْتِيَارِ الشَّيْخِ وَغَيْرِهِ فِي كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِهِ فِي مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ. فَدَلَّ عَلَى تَسَاوِيهِمَا عِنْدَهُ وَعِنْدَ الْخِرَقِيِّ. وَلِهَذَا احْتَجَّ بِوَصِيَّةِ عُمَرَ رضي الله عنه، وَوُجُوبِ الْعِبَادَةِ عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَةِ الذَّكَاةِ. كَمَا احْتَجَّ هُنَا. وَلَا فَرْقَ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَغَيْرُهُ فِي الذَّكَاةِ: كَالْقَوْلِ هُنَا، فِي أَنَّهُ يَعِيشُ أَوْ لَا يَعِيشُ. وَنَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدَ رحمه الله أَيْضًا قَالَ: فَهَؤُلَاءِ أَيْضًا سَوَّوْا بَيْنَهُمَا. كَلَامُ الْأَكْثَرِ عَلَى التَّفْرِقَةِ. وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى.

فَائِدَةٌ:

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحِ: إنْ فَعَلَ مَا يَمُوتُ بِهِ يَقِينًا، وَبَقِيَتْ

ص: 451

مَعَهُ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ كَمَا لَوْ خَرَقَ حَشْوَتَهُ وَلَمْ يُبِنْهَا. ثُمَّ ضَرَبَ آخَرُ عُنُقَهُ كَانَ الْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي. لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْحَيَاةِ. لِصِحَّةِ وَصِيَّةِ عُمَرَ رضي الله عنه. قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ تَخْرِيجُ رِوَايَةٍ مِنْ مَسْأَلَةِ الذَّكَاةِ: أَنَّهُمَا قَاتِلَانِ قُلْت: وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلِهَذَا اعْتَبَرُوا إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى. قَالَ: وَلَوْ كَانَ فِعْلُ الثَّانِي كَلَا فِعْلٍ: لَمْ يُؤَثِّرْ غَرَقُ حَيَوَانٍ فِي مَاءٍ بِقَتْلِ مِثْلِهِ بَعْدَ ذَبْحِهِ، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَلَمَا صَحَّ الْقَوْلُ بِأَنَّ نَفْسَهُ زَهَقَتْ بِهِمَا كَالْمُقَارِنِ وَلَا يَنْفَعُ كَوْنُ الْأَصْلِ الْحَظْرُ. ثُمَّ الْأَصْلُ هُنَا: بَقَاءُ عِصْمَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى مَا كَانَ. فَإِنْ قِيلَ: زَالَ الْأَصْلُ بِالسَّبَبِ. قِيلَ: وَفِي مَسْأَلَةِ الذَّكَاةِ. وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الْفِعْلَ الطَّارِئَ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي التَّحْرِيمِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَتَأْثِيرٌ فِي الْمَحَلِّ فِي مَسْأَلَةِ الْمُنْخَنِقَةِ وَأَخَوَاتِهَا، عَلَى مَا فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ. وَلَمْ أَجِدْ فِي كَلَامِهِمْ دَلِيلًا هُنَا إلَّا مُجَرَّدُ دَعْوَى أَنَّهَا كَمَيِّتٍ، وَلَا فَرْقًا مُؤَثِّرًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذَّكَاةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى

قَوْلُهُ (وَإِنْ رَمَاهُ فِي لُجَّةٍ، فَتَلَقَّاهُ حُوتٌ فَابْتَلَعَهُ فَالْقَوَدُ عَلَى الرَّامِي فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ. وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: لَا قَوَدَ عَلَيْهِ. بَلْ يَكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ. وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ. وَقِيلَ: عَلَيْهِ الْقَوَدُ إنْ الْتَقَمَهُ الْحُوتُ بَعْدَ حُصُولِهِ فِيهِ قَبْلَ غَرَقِهِ.

فَائِدَةٌ:

لَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ يَسِيرٍ، فَإِنْ عَلِمَ بِهِ الْحُوتُ وَالْتَقَمَهُ: فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ

ص: 452

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَكْرَهَ إنْسَانًا عَلَى الْقَتْلِ فَقَتَلَ فَالْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا) هَذَا الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمَغْنَى وَالْكَافِي وَالْهَادِي وَالْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالشَّرْحِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ

قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: الْمَذْهَبُ اشْتِرَاكُ الْمُكْرَهِ وَالْمُكْرِهِ فِي الْقَوَدِ وَالضَّمَانِ وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ: قَالَ فِي الْمُوجَزِ: هَذَا إنْ قُلْنَا بِقَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ وَقَالَ الطُّوفِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِهِ فِي الْأُصُولِ: مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله: يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ دُونَ الْمُكْرِهِ بِكَسْرِهَا وَلَعَلَّهُ مُرَادُ صَاحِبِ الْفُرُوعِ بِقَوْلِهِ " وَخَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِمُكْرَهٍ " قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ: وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي بَابِ الرَّهْنِ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ ذَكَرَ أَنَّ الْقَوَدَ عَلَى الْمُكْرَهِ الْمُبَاشِرِ وَلَمْ يَذْكُرْ عَلَى الْمُكْرِهِ قَوَدًا قَالَا: وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُهُ عَلَيْهِمَا

وَذَكَرَ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ السَّمَرْقَنْدِيَّ مِنْ أَصْحَابِنَا خَرَّجَ وَجْهًا: أَنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ رِوَايَةِ قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ وَأَوْلَى

قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيُتَوَجَّهُ عَكْسُهُ وَيَعْنِي: أَنَّ الْقَوَدَ يَخْتَصُّ الْمُكْرِهُ بِكَسْرِ الرَّاءُ وَقَالَ فِي الِانْتِصَارُ: لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْقَتْلِ بِأَخْذِ الْمَالِ: فَالْقَوَدُ وَلَوْ أُكْرِهَ بِقَتْلِ النَّفْسِ: فَلَا

فَائِدَةٌ:

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَمَرَ مَنْ لَا يُمَيِّزُ أَوْ مَجْنُونًا أَوْ عَبْدَهُ الَّذِي لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْقَتْلَ مُحَرَّمٌ بِالْقَتْلِ فَقَتَلَ: فَالْقِصَاصُ عَلَى الْآمِرِ) وَكَذَا الْحَكَمُ لَوْ أَمَرَ كَبِيرًا يَجْهَلُ تَحْرِيمَهُ

ص: 453

وَهَذَا الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلُّهُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا أَنَّ أَبَا الْخَطَّابِ قَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَوْ أَمَرَ صَبِيًّا بِالْقَتْلِ فَقَتَلَ هُوَ وَآخَرُ: وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى آمِرِهِ وَشَرِيكِهِ فِي رِوَايَةٍ وَإِنْ سُلِّمَ: فَلِعَجْزِهِ غَالِبًا تَنْبِيهٌ:

مَفْهُومُ قَوْلِهِ " وَإِنْ أَمَرَ مَنْ لَا يُمَيِّزُ بِالْقَتْلِ فَقَتَلَ فَالْقِصَاصُ عَلَى الْآمِرِ " أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ مَنْ يُمَيِّزُ بِالْقَتْلِ فَقَتَلَ: أَنَّ الْقِصَاصَ عَلَى الْقَاتِلِ

وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ (وَإِنْ أَمَرَ كَبِيرًا عَاقِلًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِ الْقَتْلِ بِهِ فَقَتَلَ فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ) أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَى غَيْرِ الْكَبِيرِ الْعَاقِلِ فَشَمِلَ مَنْ يُمَيِّزُ فَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْآمِرِ

أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ

وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِأَنَّ تَمْيِيزَهُ يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ كَالْآلَةِ فَلَا قَوَدَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ وَمَنْ أَمَرَ صَبِيًّا بِالْقَتْلِ فَقَتَلَ: لَزِمَ الْآمِرُ فَظَاهِرُهُ: إدْخَالُ الْمُمَيِّزِ فِي ذَلِكَ وَيُؤَيِّدُهُ: أَنَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَكَى مَا قَالَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَمَرَ كَبِيرًا عَاقِلًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِ الْقَتْلِ بِهِ فَقَتَلَ: فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ) وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَاب وَأَمَّا الْآمِرُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُعَزَّرُ لَا غَيْرُ نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ: يُحْبَسُ كَمُمْسِكِهِ وَفِي الْمُبْهِجِ رِوَايَةً: يُقْتَلُ أَيْضًا وَعَنْهُ: يُقْتَلُ بِأَمْرِهِ عَبْدَهُ وَلَوْ كَانَ كَبِيرًا عَاقِلًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِ الْقَتْلِ

ص: 454

نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: مَنْ أَمَرَ عَبْدَهُ أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا فَقَتَلَهُ: قُتِلَ الْمَوْلَى وَحُبِسَ الْعَبْدُ حَتَّى يَمُوتَ لِأَنَّهُ سَوْطُ الْمَوْلَى وَسَيْفُهُ كَذَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما وَأَنَّهُ لَوْ جَنَى بِإِذْنِهِ لَزِمَ مَوْلَاهُ لِمَنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ وَحَمَلَهَا أَبُو بَكْرٍ عَلَى جَهَالَةِ الْعَبْدِ وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ: إنْ أَمَرَ عَبْدًا بِقَتْلِ سَيِّدِهِ فَقَتَلَ: أَثِمَ وَأَنَّ فِي ضَمَانِ قِيمَتِهِ رِوَايَتَيْنِ وَيُحْتَمَلُ إنْ خَافَ السُّلْطَانُ قُتِلَا

فَوَائِدُ

لَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ " اُقْتُلْنِي أَوْ اجْرَحْنِي " فَفَعَلَ فَدَمُهُ وَجُرْحُهُ هَدَرٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ نَصَّ عَلَيْهِ وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَقِيلَ: عَلَيْهِ دِيَتُهُمَا ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَعَنْهُ: عَلَيْهِ الدِّيَةُ لِلنَّفْسِ دُونَ الْجُرْحِ وَيُحْتَمَلُ الْقَوَدُ فِيهِمَا وَهُوَ لِصَاحِبِ الرِّعَايَةِ وَلَوْ قَالَهُ " ضَمِنَ الْفَاعِلُ لِسَيِّدِهِ بِمَالٍ فَقَطْ نَصَّ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ " اُقْتُلْنِي وَإِلَّا قَتَلْتُك " قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَخِلَافٌ كَإِذْنِهِ وَقَالَ فِي الِانْتِصَارِ: لَا إثْمَ وَلَا كَفَّارَةَ وَقَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي: وَإِنْ قَالَ " اُقْتُلْنِي وَإِلَّا قَتَلْتُك " فَإِكْرَاهٌ وَلَا قَوَدَ إذَنْ وَعَنْهُ: وَلَا دِيَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقْتَلَ أَوْ يَغْرَمَ الدِّيَةَ إنْ قُلْنَا: هِيَ لِلْوَرَثَةِ وَإِنْ قَالَ لَهُ الْقَادِرُ عَلَيْهِ " اُقْتُلْ نَفْسَك وَإِلَّا قَتَلْتُك " أَوْ " اقْطَعْ يَدَك وَإِلَّا قَطَعْتهَا " فَلَيْسَ إكْرَاهًا وَفِعْلُهُ حَرَامٌ

ص: 455

وَاخْتَارَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى: أَنَّهُ إكْرَاهٌ وَإِنْ قَالَ " أَقْتُلْ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا " فَلَيْسَ إكْرَاهًا فَإِنْ قَتَلَ أَحَدَهُمَا: قُتِلَ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ قُلْت: وَيُحْتَمَلُ الْإِكْرَاهُ وَإِنْ أَكْرَهَ سَعْدٌ زَيْدًا عَلَى أَنْ يُكْرَهَ عَمْرًا عَلَى قَتْلِ بَكْرٍ لَهُ: قَتْلُ الثَّلَاثَةِ جَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى

قَوْلُهُ (وَإِنْ أَمْسَكَ إنْسَانًا لِآخَرَ لِيَقْتُلَهُ فَقَتَلَهُ: قُتِلَ الْقَاتِلُ وَحُبِسَ الْمُمْسِكُ حَتَّى يَمُوتَ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَالْوَجِيزُ وَالْمُنَوِّرُ وَمُنْتَخَبُ الْأَدَمِيِّ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا أَشْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ وَاخْتِيَارُ الْقَاضِي وَالشَّرِيفِ وَأَبِي الْخَطَّابِ فِي خِلَافَاتِهِمْ وَالشِّيرَازِيِّ وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَالْأُخْرَى يُقْتَلُ أَيْضًا الْمُمْسِكُ اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَقَالَ ابْنُ الصَّيْرَفِيِّ فِي عُقُوبَةِ أَصْحَابِ الْجَرَائِمِ فِي الْمُمْسِكِ الْقَتْلُ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ إلَى أَنَّهُ تُغَلُّ يَدُ الْمُمْسِكِ إلَى عُنُقِهِ حَتَّى يَمُوتَ وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا فَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ قَتَلَ الْوَلِيُّ الْمُمْسِكَ فَقَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ مَعَ أَنَّهُ فِعْلٌ مُخْتَلِفٌ

ص: 456

قَالَ الْمُجَاهِدُ: وَهَذَا إنْ أَرَادَ بِهِ فِيمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُعْتَقِدًا لِجَوَازِهِ وَوُجُوبِ الْقِصَاصِ لَهُ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ قَطْعًا وَإِنْ أَرَادَ: مُعْتَقِدًا لِلتَّحْرِيمِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا: سُقُوطُ الْقِصَاصِ بِشُبْهَةِ الْخِلَافِ كَمَا فِي الْحُدُودِ تَنْبِيهٌ:

شَرَطَ فِي الْمُغْنِي فِي الْمُمْسِكِ: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ بِقَتْلِهِ وَتَابَعَهُ الشَّارِحُ قُلْت وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا قَالَ الْقَاضِي: إذَا أَمْسَكَهُ لِلَّعِبِ أَوْ الضَّرْبِ وَقَتَلَهُ الْقَاتِلُ: فَلَا قَوَدَ عَلَى الْمَاسِكِ وَذِكْرُهُ مَحَلُّ وِفَاقٍ وَقَالَ فِي مُنْتَخَبِ الشِّيرَازِيِّ: لَا مَازِحًا مُتَلَاعِبًا انْتَهَى وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ الْإِطْلَاقُ فَائِدَةٌ:

مِثْلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْحُكْمِ: لَوْ أَمْسَكَهُ لِيَقْطَعَ طَرَفَهُ ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَكَذَا إنْ فَتَحَ فَمَه وَسَقَاهُ آخَرُ سُمًّا وَكَذَا لَوْ اتَّبَعَ رَجُلًا لِيَقْتُلَهُ فَهَرَبَ فَأَدْرَكَهُ آخَرُ فَقَطَعَ رِجْلَهُ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الثَّانِي فَقَتَلَهُ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ حَبَسَهُ بِالْقَطْعِ: فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي الْقَطْعِ وَحُكْمُهُ فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ حُكْمُ الْمُمْسِكِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَفِيهِ وَجْهٌ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْقَطْعُ بِكُلِّ حَالٍ

قَوْلُهُ (وَإِنْ كَتَّفَ إنْسَانًا وَطَرَحَهُ فِي أَرْضِ مُسَبَّعَةٍ أَوْ ذَاتِ حَيَّاتٍ فَقَتَلَتْهُ: فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُمْسِكِ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَهَذَا إحْدَى الرِّوَايَاتِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ

ص: 457

وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ الْقَوَدُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ الدِّيَةُ كَغَيْرِ الْأَرْضِ الْمُسَبَّعَةِ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ " الثَّالِثُ إلْقَاؤُهُ فِي زُبْيَةِ أَسَدٍ "

قَوْلُهُ (وَإِذَا اشْتَرَكَ فِي الْقَتْلِ اثْنَانِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى أَحَدِهِمَا كَالْأَبِ وَالْأَجْنَبِيِّ فِي قَتْلِ الْوَلَدِ وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي قَتْلِ الْعَبْدِ وَالْخَاطِئِ وَالْعَامِدِ فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الشَّرِيكِ رِوَايَتَانِ أَظْهَرُهُمَا: وُجُوبُهُ عَلَى شَرِيكِ الْأَبِ وَالْعَبْدِ وَسُقُوطُهُ عَنْ شَرِيكِ الْخَاطِئِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا الْأَظْهَرُ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الْمَشْهُورُ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ وَالْمَقْطُوعُ بِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ: قَتْلُ شَرِيكِ الْأَبِ وَقَالَ فِي الْخَاطِئِ: لَا قِصَاصَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَالْمُخْتَارُ لِجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَعَنْهُ: يُقْتَصُّ مِنْ الشَّرِيكِ مُطْلَقًا اخْتَارَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَعَنْهُ: لَا يُقْتَصُّ مِنْ الشَّرِيكِ مُطْلَقًا قَالَ فِي الْفُنُونِ: أَنَا أَخْتَارُ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله أَنَّ شَرِكَةَ الْأَجَانِبِ

ص: 458

تَمْنَعُ الْقَوَدَ لِأَنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لَنَا بِظَنٍّ فَضْلًا عَنْ عِلْمٍ بِجِرَاحَةِ أَيِّهِمَا مَاتَ؟ بِهِ أَوْ بِهِمَا

تَنْبِيهٌ:

قَوْلُهُ " أَظْهَرُهُمَا: وُجُوبُهُ عَلَى شَرِيكِ الْأَبِ وَالْعَبْدِ " تَقْدِيرُهُ: أَظْهَرُهُمَا وُجُوبُهُ عَلَى شَرِيكِ الْأَبِ وَوُجُوبُهُ عَلَى الْعَبْدِ " فَالْعَبْدُ مَعْطُوفٌ " عَلَى لَفْظَةِ " شَرِيكٍ " وَلَا يَجُوزُ عَطْفُهُ عَلَى لَفْظَةِ " الْأَبِ " لِفَسَادِ الْمَعْنَى وَهُوَ وَاضِحٌ

فَائِدَةٌ:

دِيَةُ الشَّرِيكِ الْمُخْطِئِ: فِي مَالِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قَالَهُ الْقَاضِي وَعَنْهُ: عَلَى عَاقِلَتِهِ

قَوْلُهُ (وَفِي شَرِيكِ السَّبُعِ وَشَرِيكِ نَفْسِهِ: وَجْهَانِ) ذَكَرَهُمَا ابْنُ حَامِدٍ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ

أَحَدُهُمَا: يَجِبُ الْقَوَدُ اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَالتَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا قَوَدَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله أَنَّهُ قَالَ: إذَا جَرَحَهُ رَجُلٌ ثُمَّ جَرَحَ الرَّجُلَ نَفْسَهُ فَمَاتَ: فَعَلَى شَرِيكِهِ الْقِصَاصُ ثُمَّ قَالَا: فَأَمَّا إنْ جَرَحَ الرَّجُلُ نَفْسَهُ خَطَأً مِثْلَ إنْ أَرَادَ ضَرْبَ غَيْرِهِ فَأَصَابَ نَفْسَهُ فَلَا قِصَاصَ عَلَى شَرِيكِهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي شَرِيكِ الْخَاطِئِ انْتَهَى

فَائِدَةٌ:

حَيْثُ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْ الشَّرِيكِ: وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ

ص: 459

وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ: تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ عَلَى شَرِيكِ السَّبُعِ وَقِيلَ: تَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ فِي شَرِيكِ الْمُقْتَصِّ قُلْت: يَتَخَرَّجُ وُجُوبُ الدِّيَةِ كَامِلَةً عَلَى شَرِيكِ النَّفْسِ مِنْ مَسْأَلَةِ الْمَنْجَنِيقِ إذَا قَتَلَ أَحَدُ الرُّمَاةِ بِهِ: أَنَّ دِيَتَهُ عَلَى أَصْحَابِهِ كَامِلَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ فَعَلَى هَذَا: يَكُونُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مُؤَثِّرٌ

قَوْلُهُ (وَلَوْ جَرَحَهُ إنْسَانٌ عَمْدًا فَدَاوَى جُرْحَهُ بِسُمٍّ) فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْجَارِحِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَةِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا وَالْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالنَّظْمِ وَالْهَادِي

أَحَدُهُمَا: يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْجَارِحِ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُ: لَوْ جَرَحَهُ إنْسَانٌ فَتَدَاوَى بِسُمٍّ وَكَانَ سُمُّ سَاعَةٍ قَتَلَ فِي الْحَالِ فَقَدْ قَتَلَ نَفْسَهُ وَقَطَعَ سِرَايَةَ الْجَرْحِ وَجَرَى مَجْرَى مَنْ ذَبَحَ نَفْسَهُ بَعْدَ أَنْ جَرَحَ وَيُنْظَرُ فِي الْجُرْحِ فَإِنْ كَانَ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ: فَلِوَلِيِّهِ اسْتِيفَاؤُهُ وَإِلَّا فَلِوَلِيِّهِ الْأَرْشُ وَإِنْ كَانَ السُّمُّ لَا يَقْتُلُ غَالِبًا وَقَدْ قَتَلَ فَفِعْلُ الرَّجُلِ فِي نَفْسِهِ عَمْدُ خَطَأٍ وَالْحُكْمُ فِي شَرِيكِهِ كَالْحُكْمِ فِي شَرِيكِ الْخَاطِئِ

ص: 460

فَإِذَا لَمْ يَجِبْ الْقِصَاصُ فَعَلَى الْجَارِحِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ السُّمُّ يَقْتُلُ غَالِبًا بَعْدَ مُدَّةٍ: احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ عَمْدُ الْخَطَإِ أَيْضًا وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ فِي حُكْمِ الْعَمْدِ فَيَكُونُ فِي شَرِيكِهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا انْتَهَيَا قُلْت: قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا: أَوْ دَاوَاهُ بِسُمٍّ وَقَتَلَ غَالِبًا

قَوْلُهُ (إذْ خَاطَهُ فِي اللَّحْمِ أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ وَلِيُّهُ أَوْ الْإِمَامُ فَمَاتَ: فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْجَارِحِ وَجْهَانِ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْهَادِي وَالْكَافِي وَالْمُغْنِي وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالشَّرْحِ وَالنَّظْمِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهِمْ

أَحَدُهُمَا: يَجِبُ الْقِصَاصُ صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ

ص: 461