الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[بَابُ الرَّجْعَةِ]
ِ قَوْلُهُ (إذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، أَوْ الْعَبْدُ وَاحِدَةً، بِغَيْرِ عِوَضٍ، فَلَهُ رَجْعَتُهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ) ، رَضِيَتْ أَوْ كَرِهَتْ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: لَا يُمَكَّنُ مِنْ الرَّجْعَةِ إلَّا مَنْ أَرَادَ إصْلَاحًا وَأَمْسَكَ بِمَعْرُوفٍ، فَلَوْ طَلَّقَ إذًا فَفِي تَحْرِيمِهِ الرِّوَايَاتُ، وَقَالَ: الْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ، وَأَنَّهُ لَوْ أَوْقَعَهُ لَمْ يَقَعْ، كَمَا لَوْ طَلَّقَ الْبَائِنَ، وَمَنْ قَالَ: إنَّ الشَّارِعَ مَلَّكَ الْإِنْسَانَ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ: فَقَدْ تَنَاقَضَ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا " أَنَّهُ لَوْ خَلَا بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا: يَمْلِكُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةَ. لِأَنَّ الْخَلْوَةَ بِمَنْزِلِهِ الدُّخُولِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا رَجْعَةَ بِالْخَلْوَةِ مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْخُلَاصَةِ.
فَائِدَةٌ: الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ وَلِيَّ الْمَجْنُونِ يَمْلِكُ عَلَيْهِ الرَّجْعَةَ، وَقِيلَ: لَا يَمْلِكُهَا.
قَوْلُهُ (وَأَلْفَاظُ الرَّجْعَةِ: رَاجَعْتُ امْرَأَتِي، أَوْ رَجَعْتهَا، أَوْ ارْتَجَعْتهَا أَوْ رَدَدْتهَا، أَوْ أَمْسَكْتهَا)، الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ الْخَمْسَةَ وَنَحْوَهَا صَرِيحٌ فِي الرَّجْعَةِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَلَوْ زَادَ بَعْدَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ " لِلْمَحَبَّةِ " أَوْ " الْإِهَانَةِ " وَلَا نِيَّةَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ،
وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: الصَّرِيحُ مِنْ ذَلِكَ: لَفْظُ " الرَّجْعَةِ " وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِلْمُصَنِّفِ، وَاحْتِمَالٌ فِي الرِّعَايَةِ، قَوْلُهُ (فَإِنْ قَالَ: نَكَحْتهَا، أَوْ تَزَوَّجْتهَا، فَعَلَى وَجْهَيْنِ) ، عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَهُمَا رِوَايَتَانِ فِي الْإِيضَاحِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالزُّبْدَةِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَالْبُلْغَةِ، وَالْمُبْهِجِ، وَالْإِيضَاحِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ. أَحَدُهُمَا: لَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِذَلِكَ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَتَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، قَالَهُ فِي الْمُبْهِجِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِذَلِكَ، أَوْمَأَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَاخْتَارَهُ [الْقَاضِي] وَابْنُ حَامِدٍ، وَقَالَ فِي الْمُوجِزِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ: تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِذَلِكَ مَعَ نِيَّةٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، قَالَ فِي الْمُنَوِّرِ: فَنَكَحْتهَا وَتَزَوَّجْتهَا كِنَايَةٌ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: هَلْ تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِكِنَايَةٍ، نَحْوَ " أَعَدْتُك " أَوْ " اسْتَدَمْتُكِ؟ " فِيهِ وَجْهَانِ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: يَنْوِي فِي قَوْلِهِ " أَعَدْتُك " أَوْ " اسْتَدَمْتُكِ " فَقَطْ، وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ التَّاسِعَةِ وَالثَّلَاثِينَ: إنَّ اشْتَرَطْنَا الْإِشْهَادَ فِي الرَّجْعَةِ: لَمْ تَصِحَّ رَجْعَتُهَا بِالْكِنَايَةِ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ،
وَأَطْلَقَ صَاحِبُ التَّرْغِيبِ وَغَيْرُهُ الْوَجْهَيْنِ، وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرْنَا. انْتَهَى.
قَوْلُهُ (وَهَلْ مِنْ شَرْطِهَا الْإِشْهَادُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ، وَيَأْتِي قَرِيبًا الْخِلَافُ فِي مَحَلِّ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا: لَا يُشْتَرَطُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ، مِنْهُمْ الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ عَقِيلٍ، وَالشِّيرَازِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي النَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ، وَغَيْرِهِمْ. وَالثَّانِيَةُ: يُشْتَرَطُ، وَنَصَّ عَلَيْهَا فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا، وَعُزِيَتْ إلَى اخْتِيَارِ الْخِرَقِيِّ، وَأَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا فِي تَعَالِيقِهِ، وَقَدَّمَهُ ابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: إنْ أَشْهَدَ وَأَوْصَى الشُّهُودَ بِكِتْمَانِهَا: فَالرَّجْعَةُ بَاطِلَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَيَأْتِي " إذَا ارْتَجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا وَأَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ " فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ. قَوْلُهُ (وَالرَّجْعِيَّةُ زَوْجَةٌ، يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ وَالظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ) ، وَكَذَا اللِّعَانُ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ الْإِيلَاءُ مِنْهَا، فَعَلَى الْمَذْهَبِ: ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ الْيَمِينِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ،
وَأَخَذَ الْمُصَنِّفُ مِنْ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ بِتَحْرِيمِ الرَّجْعِيَّةِ: أَنَّ ابْتِدَاءَ الْمُدَّةِ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ حِينِ الرَّجْعَةِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يَجِيءُ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي مُحَمَّدٍ: إذَا كَانَ الْمَانِعُ مِنْ جِهَتِهَا لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ بِمُدَّتِهِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ غَيْرِهِ بِالِاحْتِسَابِ: فَلَا يَتَمَشَّى.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَالرَّجْعِيَّةُ زَوْجَةٌ " أَنَّ لَهَا الْقَسْمَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، وَصَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي: أَنَّهُ لَا قَسْمَ لَهَا، ذَكَرَهُ فِي الْحَضَانَةِ عِنْدَ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ " وَإِذَا أُخِذَ الْوَلَدُ مِنْ الْأُمِّ إذَا تَزَوَّجَتْ ثُمَّ طَلُقَتْ ".
قَوْلُهُ (وَيُبَاحُ)(لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا وَالْخَلْوَةُ وَالسَّفَرُ بِهَا، وَلَهَا أَنْ تَتَشَرَّفَ لَهُ وَتَتَزَيَّنَ) ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ الْقَاضِي: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي إدْرَاكِ الْغَايَةِ: هَذَا أَظْهَرُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: هَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ أَيْضًا، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالْمُذْهَبُ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ: حِلُّهَا، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: لَيْسَتْ مُبَاحَةً حَتَّى يُرَاجِعَهَا بِالْقَوْلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، فَعَلَى هَذَا: هَلْ مِنْ شَرْطِهَا الْإِشْهَادُ؟ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ، وَبَنَاهُمَا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ وَاضِحٌ،
أَمَّا إنْ قُلْنَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِالْوَطْءِ: فَكَلَامُ الْمَجْدِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَعَامَّةُ الْأَصْحَابِ يُطْلِقُونَ الْخِلَافَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي فِي التَّعَلُّقِ، قُلْت: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، وَأَلْزَمَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله بِإِعْلَانِ الرَّجْعَةِ، وَالتَّسْرِيحِ وَالْإِشْهَادِ كَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ عِنْدَهُ، لَا عَلَى ابْتِدَاءِ الْفُرْقَةِ.
قَوْلُهُ (وَتَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِوَطْئِهَا، نَوَى الرَّجْعَةَ بِهِ أَوْ لَمْ يَنْوِ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمْ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، قَالَ فِي الْمُذْهَبِ، وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ: تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِوَطْئِهَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْعُمْدَةِ وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا، قَالَ فِي الْكَافِي: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالْفُرُوعِ، وَعَنْهُ: لَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِذَلِكَ إلَّا مَعَ نِيَّةِ الرَّجْعَةِ، نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: إذَا نَوَى بِوَطْئِهِ الرَّجْعَةَ كَانَتْ رَجْعَةً، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، وَقِيلَ: لَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِوَطْئِهَا مُطْلَقًا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ.
تَنْبِيهٌ: قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ مُخْتَلِفُونَ فِي حُصُولِ الرَّجْعَةِ بِالْوَطْءِ هَلْ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِحِلِّ الرَّجْعِيَّةِ أَمْ مُطْلَقٌ؟ عَلَى طَرِيقَتَيْنِ.
إحْدَاهُمَا وَهِيَ طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِينَ، مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْجَامِعِ، وَجَمَاعَةٌ عَدَمُ الْبِنَاءِ. وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَبِي الْبَرَكَاتِ، وَيَحْتَمِلُهَا كَلَامُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ الْبِنَاءُ، فَإِنْ قُلْنَا الرَّجْعِيَّةُ مُبَاحَةٌ: حَصَلَتْ الرَّجْعَةُ بِالْوَطْءِ، وَإِنْ قُلْنَا غَيْرَ مُبَاحَةٍ: لَمْ تَحْصُلْ، وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ: لَعَلَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى حِلِّ الْوَطْءِ وَعَدَمِهِ، وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْخَمْسِينَ: وَهَلْ تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِوَطْئِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ مَأْخَذُهُمَا عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ الْخِلَافُ فِي وَطْئِهَا: هَلْ هُوَ مُبَاحٌ أَوْ مُحَرَّمٌ؟ وَالصَّحِيحُ: بِنَاؤُهُ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِشْهَادِ لِلرَّجْعِيَّةِ وَعَدَمِهِ، وَهُوَ الْبِنَاءُ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَلَا عِبْرَةَ بِحِلِّ الْوَطْءِ وَلَا عَدَمِهِ، فَلَوْ وَطِئَهَا فِي الْحَيْضِ وَغَيْرِهِ كَانَ رَجْعَةً. انْتَهَى. فَعَلَى الْقَوْلِ بِالرَّجْعَةِ: لَا تَحْصُلُ بِوَطْئِهِ، وَأَنَّ وَطْئَهَا غَيْرُ مُبَاحٍ، جَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ لَهَا الْمَهْرَ إذَا أَكْرَهَهَا عَلَى الْوَطْءِ إنْ لَمْ يَرْتَجِعْهَا بَعْدَهُ، وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ، وَقِيلَ: يَجِبُ الْمَهْرُ، سَوَاءٌ ارْتَجَعَهَا أَوْ لَمْ يَرْتَجِعْهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، قَالَ فِي الْبُلْغَةِ، وَالرِّعَايَةِ: وَهُوَ ضَعِيفٌ. انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مَهْرٌ إذَا أَكْرَهَهَا عَلَى الْوَطْءِ، سَوَاءٌ ارْتَجَعَهَا أَوْ لَمْ يَرْتَجِعْهَا، وَسَوَاءٌ قُلْنَا: تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِوَطْئِهَا أَوْ لَمْ تَحْصُلْ، اخْتَارَهُ الشَّارِحُ، وَالْقَاضِي فِي الْجَامِعِ، وَالتَّعْلِيقِ، وَالشَّرِيفُ فِي خِلَافِهِ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْمُصَنِّفِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَالزُّبْدَةِ، وَالْفُرُوعِ، وَأَطْلَقَهُنَّ الزَّرْكَشِيُّ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ عَلَى الْمُكْرَهِ وَجْهَيْنِ.
قَوْلُهُ (وَلَا تَحْصُلُ بِمُبَاشَرَتِهَا وَالنَّظَرِ إلَى فَرْجِهَا وَالْخَلْوَةِ بِهَا لِشَهْوَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ) ، فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَالنَّظَرِ، يَعْنِي إذَا قُلْنَا: تَحْصُلُ بِالْوَطْءِ، لَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِذَلِكَ، أَمَّا مُبَاشَرَتُهَا وَالنَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا: فَلَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِأَحَدِهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَخَرَّجَهُ ابْنُ حَامِدٍ عَلَى وَجْهَيْنِ مِنْ تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ بِذَلِكَ، قَالَ الْقَاضِي: تُخَرَّجُ رِوَايَةٌ أَنَّهَا تَحْصُلُ بِنَاءً عَلَى تَحْرِيمِ الْمُصَاهَرَةِ، وَخَرَّجَهُ الْمَجْدُ مِنْ نَصِّهِ عَلَى أَنَّ الْخَلْوَةَ تَحْصُلُ بِهَا الرَّجْعَةُ، قَالَ: فَاللَّمْسُ وَنَظَرُ الْفَرْجِ أَوْلَى. انْتَهَى. وَأَمَّا الْخَلْوَةُ: فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَيْضًا: أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَحْصُلُ بِهَا، كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُصَنِّفُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّارِحُ، وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِالْخَلْوَةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَغَيْرِهِمَا: هَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا، وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ، وَهُوَ مِنْهَا، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ، وَأَطْلَقَ الْخِلَافَ فِي الْمُذْهَبِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْخُلَاصَةِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ هُنَا، أَنَّ قَوْلَهُ " نَصَّ عَلَيْهِ " يَشْمَلُ الْخَلْوَةَ،
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ النَّصَّ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْمُبَاشَرَةِ وَالنَّظَرِ فَقَطْ. قُلْت: وَحَكَى فِي الرِّعَايَتَيْنِ فِي حُصُولِ الرَّجْعَةِ بِالْخَلْوَةِ رِوَايَتَيْنِ، وَحَكَاهُمَا فِي الْمُذْهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ وَجْهَيْنِ.
فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِإِنْكَارِ الطَّلَاقِ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ وَقَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَغَيْرِهِمَا. الثَّانِيَةُ. قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الرَّجْعَةِ بِشَرْطٍ) ، فَلَوْ قَالَ " رَاجَعْتُك إنْ شِئْت " أَوْ " كَمَا طَلَّقْتُك فَقَدْ رَاجَعْتُك " لَمْ يَصِحَّ بِلَا نِزَاعٍ، لَكِنْ لَوْ عَكَسَ، فَقَالَ " كُلَّمَا رَاجَعْتُك فَقَدْ طَلَّقْتُك " صَحَّ وَطَلُقَتْ.
قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ)(الِارْتِجَاعُ فِي الرِّدَّةِ)، إنْ قُلْنَا تُتَعَجَّلُ الْفُرْقَةُ بِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ: لَمْ يَصِحَّ الِارْتِجَاعُ؛ لِأَنَّهَا قَدْ بَانَتْ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا تُتَعَجَّلُ، فَجَزَمَ، الْمُصَنِّفُ هُنَا: أَنَّ الِارْتِجَاعَ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقِيلَ: يَصِحُّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي: إنْ قُلْنَا تُتَعَجَّلُ الْفُرْقَةُ بِالرِّدَّةِ: لَمْ تَصِحَّ الرَّجْعَةُ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا تُتَعَجَّلُ الْفُرْقَةُ، فَالرَّجْعَةُ مَوْقُوفَةٌ، قَالَ الشَّارِحُ تَبَعًا لِلْمُصَنِّفِ فَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيمَا إذَا رَاجَعَهَا بَعْدَ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا. انْتَهَى. وَتَقَدَّمَ حُكْمُ الرَّجْعَةِ فِي الْإِحْرَامِ فِي بَابِ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَلَمَّا تَغْتَسِلْ: فَهَلْ لَهُ رَجَعْتُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ،
ذَكَرَهُمَا ابْنُ حَامِدٍ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَالنَّظْمِ، وَالْحَاوِي، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَذَكَرَهُ فِي الْعِدَّةِ. إحْدَاهُمَا: لَهُ رَجْعَتُهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ: قَالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، قَالَ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَغَيْرِهِمَا، قَالَ أَصْحَابُنَا: لَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هِيَ أَنَصُّهُمَا عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَاخْتِيَارُ أَصْحَابِهِ: الْخِرَقِيِّ، وَالْقَاضِي، وَالشَّرِيفِ، وَالشِّيرَازِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: لَهُ ارْتِجَاعُهَا قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: لَيْسَ لَهُ رَجْعَتُهَا، بَلْ تَنْقَضِي الْعِدَّةُ بِمُجَرَّدِ انْقِطَاعِ الدَّمِ، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، قَالَ فِي مَسْبُوكِ الذَّهَبِ: وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الطَّلَاقِ.
تَنْبِيهٌ:
ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى: أَنَّ لَهُ رَجْعَتَهَا وَلَوْ فَرَطَتْ فِي الْغُسْلِ سِنِينَ، حَتَّى قَالَ بِهِ شَرِيكٌ الْقَاضِي عِشْرِينَ سُنَّةً، وَذَكَرَهَا ابْنُ الْقِيَمِ فِي الْهُدَى إحْدَى الرِّوَايَاتِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، وَجَمَاعَةٍ، وَيَأْتِي حِكَايَتُهُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَعَنْهُ: يَمْضِي وَقْتُ صَلَاةٍ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ " وَالْقُرْءُ: الْحَيْضُ ".
فَائِدَتَانِ إحْدَاهُمَا: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي إبَاحَتِهَا لِلْأَزْوَاجِ، وَحِلِّهَا لِزَوْجِهَا بِالرَّجْعَةِ،
أَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ انْقِطَاعِ نَفَقَتِهَا، وَعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهَا، وَانْتِفَاءِ الْمِيرَاثِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ: فَيَحْصُلُ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، قَالَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَذَلِكَ قَصْرًا عَلَى مَوْرِدِ حُكْمِ الصَّحَابَةِ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَجَعَلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ مَحَلًّا لِلْخِلَافِ، وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ.
الثَّانِيَةُ: لَوْ كَانَتْ الْعِدَّةُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ، فَوَضَعَتْ وَلَدًا، وَبَقِيَ مَعَهَا آخَرُ: فَلَهُ رَجْعَتُهَا قَبْلَ وَضْعِهِ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: وَهَلْ لَهُ رَجْعَتُهَا بَعْدَ وَضْعِ الْجَمِيعِ، وَقَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ مِنْ النِّفَاسِ؟ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَهُ رَجْعَتُهَا عَلَى رِوَايَةِ حَنْبَلٍ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا، وَتُبَاحُ لِغَيْرِهِ، سَوَاءٌ طَهُرَتْ مِنْ النِّفَاسِ أَوْ لَا، نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ. انْتَهَى. وَجَزَمَ بِهَذَا فِي الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَيَأْتِي نَظِيرُ ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ الْعِدَدِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَلَمْ يُرَاجِعْهَا بَانَتْ، وَلَمْ تَحِلَّ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ، وَتَعُودُ إلَيْهِ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا، سَوَاءٌ رَجَعَتْ بَعْدَ نِكَاحِ زَوْجِ غَيْرِهِ أَوْ قَبْلَهُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ: إنْ رَجَعَتْ بَعْدَ نِكَاحِ زَوْجِ غَيْرِهِ: رَجَعَتْ بِطَلَاقٍ ثَلَاثٍ، نَقَلَهَا حَنْبَلٌ، وَتُلَقَّبُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِالْهَدْمِ، وَهُوَ أَنَّ نِكَاحَ الثَّانِي: هَلْ يَهْدِمُ نِكَاحَ الْأَوَّلِ، أَمْ لَا؟ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ ارْتَجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا وَأَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ
فَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ مَنْ أَصَابَهَا: رُدَّتْ إلَيْهِ، وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالْمُنَوِّرِ، وَمُنْتَخَبِ الْأَدَمِيِّ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَعَنْهُ: أَنَّهَا زَوْجَةُ الثَّانِي، إنْ كَانَ أَصَابَهَا، نَقَلَهَا الْخِرَقِيُّ، فَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: هَلْ تَضْمَنُ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا الْمَهْرَ، أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْقَوَاعِدِ. أَحَدُهُمَا: تَضْمَنُ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْبِضْعِ مُتَقَوِّمٌ. وَالثَّانِي: لَا تَضْمَنُ، وَيَأْتِي فِي بَابِ الرَّضَاعِ: أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ: أَنَّ خُرُوجَ الْبُضْعِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ.
قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِرَجْعَتِهَا: لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ، لَكِنْ إنْ صَدَّقَهُ الزَّوْجُ الثَّانِي بَانَتْ مِنْهُ، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ: لَمْ يُقْبَلْ تَصْدِيقُهَا، لَكِنْ مَتَى بَانَتْ مِنْهُ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ بِغَيْرِ عَقْدٍ جَدِيدٍ) هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: إنْ صَدَّقَتْهُ لَمْ يُقْبَلْ، إلَّا أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُمَا.
فَائِدَةٌ:
لَا يَلْزَمُهَا مَهْرُ الْأَوَّلِ لَهُ إنْ صَدَّقَتْهُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهَا، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ فِي الْوَاضِحِ: إنْ صَدَّقَتْهُ: لَزِمَهَا لِلثَّانِي مَهْرُهَا أَوْ نِصْفُهُ،
وَهَلْ يُؤْمَرُ بِطَلَاقِهَا؟ فِيهِ رِوَايَتَانِ. انْتَهَى. فَإِنْ مَاتَ الْأَوَّلُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَهِيَ فِي نِكَاحِ الثَّانِي فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَمَنْ تَبِعَهُ: يَنْبَغِي أَنْ تَرِثَهُ؛ لِإِقْرَارِهِ بِزَوْجِيَّتِهَا وَتَصْدِيقِهَا لَهُ، وَإِنْ مَاتَتْ: لَمْ يَرِثْهَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الثَّانِي بِالْإِرْثِ، وَإِنْ مَاتَ الثَّانِي: لَمْ تَرِثْهُ لِإِنْكَارِهَا صِحَّةَ نِكَاحِهِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: قُلْت: وَلَا يُمَكَّنُ مَنْ تَزْوِيجِ أُخْتِهَا وَلَا أَرْبَعٍ سِوَاهَا.
قَوْلُهُ (وَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا قُبِلَ قَوْلُهَا إذَا كَانَ مُمْكِنًا إلَّا أَنْ تَدَّعِيَهُ بِالْحَيْضِ فِي شَهْرٍ، فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْوَجِيزِ: إذَا ادَّعَتْهُ الْحُرَّةُ بِالْحَيْضِ فِي أَقَلَّ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَلَحْظَةٍ: لَمْ يُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، وَجَزَمَ بِمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا: الشَّارِحُ، وَابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْفُرُوعِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَغَيْرِهِمْ. كَخِلَافِ عَادَةٍ مُنْتَظِمَةٍ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ: قَبُولُ قَوْلِهَا مُطْلَقًا إذَا كَانَ مُمْكِنًا، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْفَرَجِ، وَذَكَرَهُ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ، وَالْفُرُوعِ رِوَايَةً عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، كَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، ذَكَرَهُ فِي الْوَاضِحِ، وَالطَّرِيقُ الْأَقْرَبُ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ فِي بَابِ الْعَدَدِ وَأَقَلُّ مَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ: تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ، وَهُوَ مِنْ الْمُفْرَدَاتِ.
قَوْلُهُ (وَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ بِهِ مِنْ الْأَقْرَاءِ: تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ، إذَا قُلْنَا الْأَقْرَاءُ الْحَيْضُ، وَأَقَلُّ الطُّهْرِ: ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَلِلْأَمَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَحْظَةٌ،
وَإِنْ قُلْنَا الطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ، فَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ، وَلِلْأَمَةِ سَبْعَ عَشَرَ وَلَحْظَةٌ، وَإِنْ قُلْنَا: الْقُرْءُ الْأَطْهَارُ، فَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ وَلِلْأَمَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَلَحْظَتَانِ، وَإِنْ قُلْنَا: أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ، وَلِلْأَمَةِ سِتَّةَ عَشَرَ وَلَحْظَتَانِ) هَكَذَا قَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ: يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَلَحْظَةً، إنْ قُلْنَا: الْقُرْءُ حَيْضَةٌ وَإِنَّ أَقَلَّهَا يَوْمٌ، وَإِنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَإِنْ قُلْنَا: الْقُرْءُ طُهْرٌ: فَفِي أَقَلِّهِمَا مَرَّتَيْنِ، وَاللَّحْظَةُ الْمَذْكُورَةُ بِقُرْءٍ: لَحْظَةٌ مِنْ حَيْضَةٍ ثَالِثَةٍ فِي وَجْهٍ، وَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَلَحْظَتَانِ، وَإِنْ طَلَّقَ فِي سَلْخِ طُهْرٍ وَقُلْنَا: الْقُرْءُ حَيْضَةٌ: فَفِي ثَلَاثِ حِيَضٍ وَطُهْرَيْنِ وَذَلِكَ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ فَقَطْ، وَإِنْ قُلْنَا: الْقُرْءُ طُهْرٌ: فَفِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ، وَثَلَاثِ حِيَضٍ، وَلَحْظَةٍ مِنْ حَيْضَةٍ رَابِعَةٍ فِي وَجْهٍ، وَذَلِكَ أَحَدٌ وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ، وَإِنْ طَلَّقَ فِي سَلْخِ حَيْضَةٍ وَقُلْنَا: الْقُرْءُ حَيْضَةٌ فَفِي ثَلَاثِ حِيَضٍ، وَثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ، وَذَلِكَ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا فَقَطْ، وَإِنْ قُلْنَا: الْقُرْءُ طُهْرٌ: فَفِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ وَحَيْضَتَيْنِ وَلَحْظَةٍ فِي وَجْهٍ مِنْ حَيْضَةٍ ثَالِثَةٍ، وَذَلِكَ أَحَدٌ وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ، وَأَقَلُّ عِدَّةِ الْأَمَةِ: أَقَلُّ الْحَيْضِ مَرَّتَيْنِ، وَأَقَلُّ الطُّهْرِ: مَرَّةً وَلَحْظَةً مِنْ طُهْرٍ طَلَّقَهَا فِيهِ بِلَا وَطْءٍ، وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ، إنْ قُلْنَا: إنَّ الْقُرْءَ حَيْضَةٌ،
وَإِنْ قُلْنَا: الْقُرْءُ طُهْرٌ، فَأَقَلُّهُمَا وَلَحْظَةٌ مِنْ طُهْرٍ طَلَّقَ فِيهِ بِلَا وَطْءٍ، وَلَحْظَةٌ مِنْ حَيْضَةٍ أُخْرَى فِي وَجْهٍ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.
قَوْلُهُ (وَإِذَا قَالَتْ: انْقَضَتْ عِدَّتِي، فَقَالَ: قَدْ كُنْت رَاجَعْتُك فَأَنْكَرَتْهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) ، بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ، قَوْلُهُ (فَإِنْ سَبَقَ، فَقَالَ: ارْتَجَعْتُك، فَقَالَتْ: قَدْ انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبْلَ رَجْعَتِك، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْأَصَحُّ الْقَوْلُ قَوْلُهُ، قَالَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ: قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالتَّرْغِيبِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَغَيْرِهِ، وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: الْقَوْلُ قَوْلُهَا، قَالَ فِي الْوَاضِحِ فِي الدَّعَاوَى: نَصَّ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْفَرَجِ الشِّيرَازِيُّ، وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ، وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي الْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ: مَا ذَكَرْته أَوَّلًا، فَلَعَلَّهُ اطَّلَعَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ، قَوْلُهُ (وَإِنْ تَدَاعَيَا مَعًا: قُدِّمَ قَوْلُهَا) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، صَحَّحَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ،
وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَالنَّظْمِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ [وَالْمُحَرَّرِ] وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْمُحَرَّرِ، قَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ قَوْلُ مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَقِيلَ: يُقَدَّمُ قَوْلُهُ مُطْلَقًا، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْفُرُوعِ.
تَنْبِيهٌ:
مَحَلُّ الْخِلَافِ: إذَا قُلْنَا الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا، وَهُوَ وَاضِحٌ. فَائِدَةٌ:
مَتَى قُلْنَا الْقَوْلُ قَوْلُهَا، فَمَعَ يَمِينِهَا عِنْدَ الْخِرَقِيِّ، وَالْمُصَنِّفِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: لَا يَجِبُ عَلَيْهَا يَمِينٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، ذَكَرَهَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالزَّرْكَشِيُّ، وَالْحَاوِي، وَكَذَا لَوْ قُلْنَا: الْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَوْ نَكَلَتْ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهَا بِالنُّكُولِ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَغَيْرُهُ، وَلِلْمُصَنِّفِ احْتِمَالٌ: يُسْتَحْلَفُ الزَّوْجُ إذَا نَكَلَتْ، وَلَهُ الرَّجْعَةُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِرَدِّ الْيَمِينِ.
تَنْبِيهٌ:
مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ (وَإِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا: لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَيَطَأَ فِي الْقُبُلِ) ، إذَا كَانَ مَعَ انْتِشَارٍ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَأَدْنَى مَا يَكْفِي مِنْ ذَلِكَ: تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ) ، وَلَوْ كَانَ خَصِيًّا أَوْ نَائِمًا أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ، وَأَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا، أَوْ مَجْنُونًا أَوْ ظَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً، وَهُوَ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ فِي الْخَصِيِّ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُنْزِلُ،
وَقِيلَ: لَا تَحِلُّ بِوَطْءِ نَائِمٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَمَجْنُونٍ، وَقِيلَ: لَا يُحِلُّهَا وَطْءُ مُغْمًى عَلَيْهِ وَمَجْنُونٍ، وَقِيلَ: لَوْ وَطِئَهَا يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً لَمْ يُحِلَّهَا، فَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ مَعَ الْإِثْمِ.
فَائِدَةٌ: قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ مَجْبُوبًا، وَبَقِيَ مِنْ ذَكَرِهِ قَدْرُ الْحَشَفَةِ فَأَوْلَجَهُ)(أَحَلَّهَا) هَذَا بِلَا نِزَاعٍ، وَكَذَا لَوْ بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الْحَشَفَةِ فَأَوْلَجَ قَدْرَهَا، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ: لَا يُحِلُّهَا إلَّا بِإِيلَاجِ كُلِّ الْبَقِيَّةِ. قَوْلُهُ (أَوْ)(وَطِئَهَا مُرَاهِقٌ)(أَحَلَّهَا) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُذْهَبِ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، وَقَالَ الْقَاضِي: يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ اثْنَيْ عَشْرَ سُنَّةً، وَنَقَلَهُ مُهَنَّا، وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَعَنْهُ: عَشْرُ سِنِينَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، وَيَأْتِي فِي بَابِ اللِّعَانِ أَقَلُّ سِنٍّ يَحْصُلُ بِهِ الْبُلُوغُ لِلْغُلَامِ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْغُسْلِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ وُطِئَتْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ)(لَمْ تَحِلَّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ) وَكَذَا قَالَ فِي الْمَذْهَبِ. كَالنِّكَاحِ الْبَاطِلِ، وَفِي الرِّدَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: لَمْ يُحِلَّهَا فِي الْمَنْصُوصِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ،
وَقِيلَ: تَحِلُّ، وَهُوَ تَخْرِيجٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ، فَيَجِيءُ عَلَيْهِ إحْلَالُهَا بِنِكَاحِ الْمُحَلَّلِ، وَرَدَّهُ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ، وَأَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، الْخُلَاصَةِ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ وَطِئَهَا زَوْجٌ فِي حَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ، أَوْ إحْرَامٍ) وَكَذَا فِي صَوْمِ فَرْضٍ (أَحَلَّهَا) ، هَذَا اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ، وَالشَّارِحِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ لِأَبِي الْخَطَّابِ، وَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يُحِلُّهَا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُوصُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ هُنَا، وَأَطْلَقَ وَجْهَيْنِ فِي الْخُلَاصَةِ.
فَائِدَةٌ:
لَوْ وَطِئَهَا، وَهِيَ مُحَرَّمَةُ الْوَطْءِ لِمَرَضٍ أَوْ ضِيقِ وَقْتِ صَلَاةٍ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ لِقَبْضِ مَهْرٍ وَنَحْوِهِ أَحَلَّهَا؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا لِمَعْنًى فِيهَا، بَلْ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَالْمُفْرَدَاتِ: مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا نُسَلِّمُ، لِأَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رحمه الله عَلَّلَهُ بِالتَّحْرِيمِ، فَنَطْرُدُهُ، وَهَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ كَالصَّلَاةِ فِي دَارِ غَصْبٍ، وَثَوْبِ حَرِيرٍ، وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: لَوْ نَكَحَتْ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا زَوْجًا آخَرَ فَخَلَا بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقُلْنَا: يَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ بِالْخَلْوَةِ، وَتَثْبُتُ الرَّجْعَةُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، ثُمَّ وَطِئَهَا فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ فَهَلْ يُحِلُّهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّرْغِيبِ، قُلْت: الصَّوَابُ أَنَّهُ يُحِلُّهَا.
قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَاشْتَرَاهَا مُطَلِّقُهَا)(لَمْ تَحِلَّ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَحِلَّ.
قَوْلُهُ (وَإِنْ طَلَّقَ الْعَبْدُ امْرَأَتَهُ طَلْقَتَيْنِ: لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، سَوَاءٌ عَتَقَا أَوْ بَقِيَا عَلَى الرِّقِّ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَالشَّارِحُ: وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، قَالَ فِي الْبُلْغَةِ، وَالنَّظْمِ: لَمْ يَمْلِكْ نِكَاحَهَا عَلَى الْأَصَحِّ، قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: لَمْ تَحِلَّ لَهُ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَعَنْهُ: يَمْلِكُ تَتِمَّةَ الثَّلَاثِ إذَا عَتَقَ بَعْدَ طَلْقَتَيْنِ. كَكَافِرٍ طَلَّقَ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ اُسْتُرِقَّ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى، وَكَذَا تَأْتِي هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي عِتْقِهِمَا مَعًا، فَعَلَيْهَا: يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ، وَتَقَدَّمَ مَعْنَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ " بَابِ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ ".
فَائِدَةٌ:
لَوْ عَلَّقَ الْعَبْدُ طَلَاقًا ثَلَاثًا بِشَرْطٍ، فَوَجَدَ الشَّرْطَ بَعْدَ عِتْقِهِ: لَزِمَتْهُ الثَّلَاثُ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، قَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَقِيلَ: يَبْقَى لَهُ طَلْقَةٌ. كَمَا لَوْ عَلَّقَ الثَّلَاثَ بِعِتْقِهِ، عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ.
تَنْبِيهٌ:
هَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ بِالرِّجَالِ، وَتَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ " بَابِ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ " فَبَعْضُ الْأَصْحَابِ يَذْكُرُهَا هُنَا، وَبَعْضُهُمْ يَذْكُرُهَا هُنَاكَ.
قَوْلُهُ (وَإِذَا غَابَ عَنْ مُطَلَّقَتِهِ، فَأَتَتْهُ فَذَكَرَتْ: أَنَّهَا نَكَحَتْ
مَنْ أَصَابَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَكَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا: فَلَهُ نِكَاحُهَا إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا وَإِلَّا فَلَا) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ، وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْرُوفَةً بِالثِّقَةِ وَالدِّيَانَةِ.
فَائِدَتَانِ
إحْدَاهُمَا: لَوْ كَذَّبَهَا الزَّوْجُ الثَّانِي فِي الْوَطْءِ: فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي تَنْصِيفِ الْمَهْرِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي إبَاحَتِهَا لِلْأَوَّلِ، لِأَنَّ قَوْلَهَا فِي الْوَطْءِ مَقْبُولٌ، وَلَوْ ادَّعَتْ نِكَاحَ حَاضِرٍ وَإِصَابَتَهُ، فَأَنْكَرَ الْإِصَابَةَ: حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: لَا تَحِلُّ، قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَالْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ بَعْدَمَا مَا تَقَدَّمَ، وَكَذَا إنْ تَزَوَّجَتْ حَاضِرًا وَفَارَقَهَا، وَادَّعَتْ إصَابَتَهُ، وَهُوَ مُنْكِرُهَا، انْتَهَوْا، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ فِي الْقَاعِدَةِ الْأُولَى: وَهَذَانِ الْفَرْعَانِ مُشْكِلَانِ جِدًّا. الثَّانِيَةُ: مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ: لَوْ جَاءَتْ امْرَأَةٌ حَاكِمًا، وَادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا: كَانَ لَهُ تَزْوِيجُهَا إنْ ظَنَّ صِدْقَهَا. كَمُعَامَلَةِ عَبْدٍ لَمْ يَثْبُتْ عِتْقُهُ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله: لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ الزَّوْجُ لَا يَعْرِفُ.