المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل مسائل متفرقة قال أنت طالق إذا رأيت الهلال] - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت الفقي - جـ ٩

[المرداوي]

الفصل: ‌[فصل مسائل متفرقة قال أنت طالق إذا رأيت الهلال]

الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَتْ امْرَأَتُهُ " أُرِيدُ أَنْ تُطَلِّقَنِي " فَقَالَ " إنْ كُنْت تُرِيدِينَ " أَوْ " إذَا أَرَدْت أَنْ أُطَلِّقَك فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَظَاهِرُ الْكَلَامِ: يَقْتَضِي أَنَّهَا تَطْلُقُ بِإِرَادَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، وَدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ إيقَاعَهُ، لِلْإِرَادَةِ الَّتِي أَخْبَرَتْهُ بِهَا، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ، وَنَصَرَ الثَّانِيَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقِيَمِ رحمه الله فِي أَعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ.

[فَصْلٌ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا رَأَيْتِ الْهِلَالَ]

قَوْلُهُ (فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ)(إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا رَأَيْتِ الْهِلَالَ: طَلُقَتْ إذَا رُئِيَ) أَوْ أَكْمَلَتْ الْعِدَّةَ (إلَّا أَنْ يَنْوِيَ حَقِيقَةَ رُؤْيَتِهَا، فَلَا يَحْنَثُ حَتَّى تَرَاهُ) ، إذَا نَوَى حَقِيقَةَ رُؤْيَتِهَا لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى تَرَاهُ، بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ، وَيُدَيَّنُ بِلَا نِزَاعٍ، وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْحُكْمِ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ مُطْلَقًا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: قُبِلَ حُكْمًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ، وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَعَنْهُ: لَا يُقْبَلُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ بِقَرِينَةٍ.

تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا: ظَاهِرُ قَوْلِهِ " طَلُقَتْ إذَا رُئِيَ الْهِلَالُ " أَنَّهَا تَطْلُقُ إذَا رُئِيَ، سَوَاءٌ رُئِيَ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَوْ بَعْدَهُ، وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ إلَّا إذَا رُئِيَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ، وَالْحَاوِي، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى.

ص: 111

الثَّانِي: تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصِّيَامِ إذَا قَالَ " أَنْتِ طَالِقٌ لَيْلَةَ الْقَدْرِ " مَتَى تَطْلُقُ.

فَوَائِدُ إحْدَاهَا: لَوْ لَمْ يَرَ الْهِلَالَ حَتَّى أَقَمَرَ: لَمْ تَطْلُقْ، وَهَلْ يُقْمِرُ بَعْدَ ثَالِثَةٍ؟ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى أَوْ بِاسْتِدَارَتِهِ، أَوْ بِبُهْرِ ضَوْئِهِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، قَالَ الْقَاضِي: لَا يَبْهَرُ ضَوْءُهُ إلَّا فِي اللَّيْلَةِ السَّابِعَةِ، حَكَاهُ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ، وَأَطْلَقَهُنَّ فِي الْكَافِي، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " إنْ رَأَيْتِ فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ " فَرَأَتْهُ وَلَوْ مَيِّتًا طَلُقَتْ، وَلَوْ رَأَتْهُ فِي مَاءٍ أَوْ فِي زُجَاجٍ شَفَّافٍ: طَلُقَتْ، إلَّا مَعَ نِيَّةٍ أَوْ قَرِينَةٍ وَلَوْ رَأَتْهُ مُكْرَهَةً: لَمْ تَطْلُقْ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ، وَلَوْ رَأَتْ خَيَالَهُ فِي مَاءٍ أَوْ مِرْآةٍ: لَمْ تَطْلُقْ، وَلَوْ جَالَسَتْهُ، وَهِيَ عَمْيَاءُ: لَمْ تَطْلُقْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: تَطْلُقُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

الثَّالِثَةُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ (وَإِنْ قَالَ: مَنْ بَشَّرَتْنِي بِقُدُومِ أَخِي فَهِيَ طَالِقٌ، فَأَخْبَرَتْهُ بِهِ امْرَأَتَاهُ: طَلُقَتْ الْأُولَى مِنْهُمَا، إلَّا أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ هِيَ الصَّادِقَةَ وَحْدَهَا، فَتَطْلُقُ وَحْدَهَا) ، أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَتَاهُ مَعًا تَطْلُقَانِ، وَهُوَ صَحِيحٌ، لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالَ: مَنْ أَخْبَرَتْنِي بِقُدُومِهِ فَهِيَ طَالِقٌ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي) ، يَعْنِي أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ التَّفْصِيلِ وَالْحُكْمِ،

ص: 112

كَذَا قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: إنْ أَخْبَرَتَاهُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِهِمَا عَلَى الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ، لِأَنَّ الْخَبَرَ يَدْخُلُهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ، وَيُسَمَّى خَبَرًا وَإِنْ تَكَرَّرَ، وَالْبِشَارَةُ الْقَصْدُ بِهَا السُّرُورُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مَعَ الصِّدْقِ، وَيَكُونُ مِنْ الْأُولَى لَا غَيْرُ، وَقِيلَ: تَطْلُقَانِ مَعَ الصِّدْقِ فَقَطْ، وَاخْتَارَهُ فِي الْمُحَرَّرِ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ قَالَ " إنْ لَبِسْت ثَوْبًا فَأَنْتِ طَالِقٌ " وَنَوَى مُعَيَّنًا: دُيِّنَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّا: لَا يُدَيَّنُ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّبْصِرَةِ، وَخَرَّجَهُ الْحَلْوَانِيُّ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، قَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْخَامِسَةِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ: وَشَذَّ طَائِفَةٌ فَحَكَوْا الْخِلَافَ فِي تَدْيِينِهِ فِي الْبَاطِنِ، مِنْهُمْ الْحَلْوَانِيُّ وَابْنُهُ، وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ مُفْرَدَاتِ ابْنِ عَقِيلٍ فِي الْأَيْمَانِ، وَكَذَلِكَ وَقَعَ لِلْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ، قَالَ الْمَجْدُ: وَهُوَ سَهْوٌ. انْتَهَى. وَيُقْبَلُ حُكْمًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَنْهُ: لَا يُقْبَلُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ " ثَوْبًا " فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، قَالَهُ فِي الْقَوَاعِدِ، وَقَدَّمَهُ، وَقِيلَ: لَا يُقْبَلُ حُكْمًا، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي كِتَابِ الْحِيَلِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ فِي التَّرْغِيبِ: وَإِنْ حَلَفَ " لَا لُبْسَ " وَنَوَى مُعَيَّنًا: دُيِّنَ، وَفِي الْحُكْمِ رِوَايَتَانِ، سَوَاءٌ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ، عَلَى الْأَصَحِّ. انْتَهَى.

الثَّانِيَةُ: لَوْ قَالَ " إنْ قَرِبْت دَارِ أَبِيك بِكَسْرِ الرَّاءِ مِنْ قَرِبْت فَأَنْتِ

ص: 113

طَالِقٌ " لَمْ يَقَعْ حَتَّى تَدْخُلَهَا، وَإِنْ قَالَ " إنْ قَرُبْت " بِضَمِّ الرَّاءِ طَلُقَتْ بِوُقُوفِهَا تَحْتَ فِنَائِهَا وَلُصُوقِهَا بِجِدَارِهَا؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهَا ذَلِكَ، قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ)(حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَفَعَلَهُ نَاسِيًا) وَكَذَا جَاهِلًا (حَنِثَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَلَمْ يَحْنَثْ فِي الْيَمِينِ الْمُكَفَّرَةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَقَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: هِيَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَذَكَرُوهُ فِي الْمُذْهَبِ، وَعَنْهُ: يَحْنَثُ فِي الْجَمِيعِ، قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، ذَكَرُوهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ، وَعَنْهُ: لَا يَحْنَثُ فِي الْجَمِيعِ، بَلْ يَمِينُهُ بَاقِيَةٌ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ، وَهُوَ فِي الْإِرْشَادِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا أَظْهَرُ، قُلْتُ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله، وَقَالَ: إنَّ رُوَاتِهَا بِقَدْرِ رُوَاةِ التَّفْرِيقِ، وَإِنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رحمه الله جَعَلَهُ حَالِفًا لَا مُعَلَّقًا، وَالْحِنْثُ لَا يُوجِبُ وُقُوعَ الْمَحْلُوفِ بِهِ، وَاخْتَارَهَا ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ أَيْضًا، ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ، قَالَ فِي الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ: وَقَالَ الْأَصْحَابُ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ: يَمِينُهُ بَاقِيَةٌ بِحَالِهَا وَيَأْتِي أَيْضًا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ " إذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا فَفَعَلَهُ نَاسِيًا " فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا، أَوْ لَا يُكَلِّمُهُ، أَوْ

ص: 114

لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ، أَوْ لَا يُفَارِقُهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ حَقَّهُ، فَدَخَلَ بَيْتًا هُوَ فِيهِ وَلَمْ يَعْلَمْ، أَوْ سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ وَلَمْ يَعْلَمْ، أَوْ قَضَاهُ حَقَّهُ: فَفَارَقَهُ فَخَرَجَ رَدِيئًا، أَوْ أَحَالَهُ بِحَقِّهِ فَفَارَقَهُ ظَنًّا أَنَّهُ قَدْ بَرَّ: خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي النَّاسِي وَالْجَاهِلِ) ، وَكَذَا قَالَ الشَّارِحُ، وَقَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ فِي غَيْرِ الْكَلَامِ وَالسَّلَامِ، قَالَ الشَّارِحُ: وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ لِزَيْدٍ ثَوْبًا، فَوَكَّلَ زَيْدٌ مَنْ يَدْفَعُهُ إلَى مَنْ يَبِيعُهُ، فَدَفَعَهُ إلَى الْحَالِفِ فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ، فَهِيَ كَالنَّاسِي، وَكَذَلِكَ إنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ فُلَانًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ يَحْسَبُهُ أَجْنَبِيًّا، وَأَطْلَقَ فِي التَّرْغِيبِ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثَ فِيمَا إذَا " حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى فُلَانٍ " فَدَخَلَ وَلَمْ يَعْلَمْ، أَوْ " لَا فَارَقَهُ إلَّا بِقَبْضِ حَقِّهِ " فَقَبَضَهُ فَفَارَقَهُ فَخَرَجَ رَدِيئًا، أَوْ أَحَالَهُ فَفَارَقَهُ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ بَرِئَ، أَوْ لَا يُكَلِّمُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَجَهِلَهُ، وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ أَنَّهُ يَحْنَثُ، وَجَزَمَ فِي الْمُنْتَخَبِ: أَنَّهُ يَحْنَثُ بِالْحَوَالَةِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ، وَغَيْرُهُ فِي بَابِ الضَّمَانِ: أَنَّ الْحَوَالَةَ كَالْقَضَاءِ، وَقَالَ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمَا: لَوْ سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ وَهُوَ فِيهِمْ، وَلَمْ يَعْلَمُ وَقُلْنَا: يَحْنَثُ كَالنَّاسِي فَهَلْ يَحْنَثُ هُنَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، أَصَحُّهُمَا لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ عَلِمَ بِهِ فَلَمْ يَنْوِهِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِهِ بِقَلْبِهِ فَرِوَايَتَانِ، أَصَحُّهُمَا: يَحْنَثُ، وَإِنْ قَصَدَ حَنِثَ، وَفِي التَّرْغِيبِ وَجْهٌ: لَا يَحْنَثُ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِثْلُهَا الدُّخُولُ عَلَى فُلَانٍ، وَقَالَ ابْنُ مُنَجَّا فِي شَرْحِهِ: وَإِنْ عَلِمَ بِهِ وَنَوَى السَّلَامَ عَلَى الْجَمِيعِ، أَوْ كَلَامَهُمْ: حَنِثَ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ نَوَى السَّلَامَ عَلَى غَيْرِهِ، أَوْ كَلَامَ غَيْرِهِ: لَمْ يَحْنَثْ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ أَطْلَقَ فَرِوَايَتَانِ

ص: 115

فَوَائِدُ. الْأُولَى: لَوْ حَلَفَ عَلَى مَنْ يَمْتَنِعُ بِيَمِينِهِ وَقَصَدَ مَنْعَهُ كَالزَّوْجَةِ، وَالْوَلَدِ، وَنَحْوِهِمَا فَفَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا: فَفِيهِ الرِّوَايَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ، قَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْكَافِي، وَغَيْرِهِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَجَزَمَ فِي الْوَجِيزِ: أَنَّهُ يَحْنَثُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ دُونَ غَيْرِهِمَا، وَهُوَ مَاشٍ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي النَّاسِي وَالْجَاهِلِ، وَقِيلَ: يَحْنَثُ هُنَا وَإِنْ لَمْ يَحْنَثْ هُنَاكَ، وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ: إنْ قَصَدَ أَنْ لَا يُخَالِفَهُ لَمْ يَحْنَثْ النَّاسِي، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رحمه الله فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى غَيْرِهِ لَيَفْعَلْنَهُ فَخَالَفَهُ: لَمْ يَحْنَثْ إنْ قَصَدَ إكْرَامَهُ لَا إلْزَامَهُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْأَمْرِ وَلَا يَجِبُ لِأَمْرِهِ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه بِوُقُوفِهِ فِي الصَّفِّ وَلَمْ يَقِفْ، وَلِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَقْسَمَ لَيُخْبِرَنَّهُ بِالصَّوَابِ وَالْخَطَأِ لَمَّا فَسَّرَ الرُّؤْيَا، فَقَالَ " لَا تُقْسِمْ " لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْإِقْسَامَ عَلَيْهِ مَعَ الْمَصْلَحَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْكَتْمِ وَقَالَ أَيْضًا: إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ فَكَالنَّاسِي، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَعَدَمُ حِنْثِهِ هُنَا أَظْهَرُ. انْتَهَى.

وَأَمَّا إنْ قَصَدَ بِمَنْعِهِمْ أَنْ لَا يُخَالِفُوهُ، وَفَعَلُوهُ كُرْهًا: لَمْ يَحْنَثْ، قَالَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي، وَغَيْرِهِمْ. الثَّانِيَةُ: قَالَ فِي الْكَافِي، وَالْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِمَا: وَإِنْ كَانَ الْحَلِفُ عَلَى مَنْ لَا يَمْتَنِعُ بِيَمِينِهِ كَالسُّلْطَانِ، وَالْحَاجِّ اسْتَوَى الْعَمْدُ وَالسَّهْوُ وَالْإِكْرَاهُ وَغَيْرُهُ، وَقَالَهُ فِي الْوَجِيزِ، وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى فِي السُّلْطَانِ، الثَّالِثَةُ: لَوْ فَعَلَهُ فِي حَالِ جُنُونِهِ: لَمْ يَحْنَثْ. كَالنَّائِمِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالْفُرُوعِ، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي،

ص: 116

وَقِيلَ: حُكْمُهُ حُكْمُ النَّاسِي. الرَّابِعَةُ: لَوْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَفَعَلَهُ مُكْرَهًا: لَمْ يَحْنَثْ، عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ، وَقَالَ: اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ، وَعَنْهُ: يَحْنَثُ، وَقِيلَ: هُوَ كَالنَّاسِي، قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَحْنَثُ إلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَيَأْتِي مَعْنَى ذَلِكَ فِي بَابِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ.

الْخَامِسَةُ: لَوْ حَلَفَ " لَا تَأْخُذُ حَقَّك مِنِّي " فَأُكْرِهَ عَلَى دَفْعِهِ إلَيْهِ، أَوْ أَخْذِهِ مِنْهُ قَهْرًا: حَنِثَ جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فَعَلَ الْأَخْذَ مُخْتَارًا، وَإِنْ أُكْرِهَ صَاحِبُ الْحَقِّ عَلَى أَخْذِهِ تَخَرَّجَ عَلَى الْخِلَافِ إذَا حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا فَفَعَلَهُ مُكْرَهًا، خَرَّجَهُ الْأَصْحَابُ عَلَى ذَلِكَ.

وَقَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا فَفَعَلَ بَعْضَهُ: لَمْ يَحْنَثْ) ، هَذَا الْمَذْهَبُ، مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَوْ سَبَبٌ أَوْ قَرِينَةٌ، قَالَ الشَّارِحُ: هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ، وَالنَّظْمِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ، قَالَهُ الْمُصَنِّفُ، وَعَنْهُ: يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ جَمِيعَهُ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي، وَأَصْحَابُهُ، مِنْهُمْ: الشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ فِي خِلَافَيْهِمَا وَالشِّيرَازِيُّ، وَابْنُ الْبَنَّاءِ، وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ، وَغَيْرِهِمْ، قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ: حَنِثَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُغْنِي، وَالرِّعَايَتَيْنِ، وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ.

ص: 117

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فَأَدْخَلَهَا بَعْضَ جَسَدِهِ، أَوْ دَخَلَ طَاقَ الْبَابِ أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا فَلَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ مِنْهُ، أَوْ لَا يَشْرَبُ مَاءَ هَذَا الْإِنَاءِ فَشَرِبَ بَعْضَهُ: خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ) ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ عَبْدَهُ وَلَا يَهَبُهُ، فَبَاعَ نِصْفَهُ وَوَهَبَ نِصْفَهُ، وَجَزَمَ بِهِ الشَّارِحُ، وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةِ الدَّارِ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمِنْ صَوَّرَ الْمَسْأَلَةَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا فَأَدْخَلَهَا بَعْضَ جَسَدِهِ، وَفِيهَا رِوَايَتَانِ مَنْصُوصَتَانِ، فَالْقَاضِي وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى التَّحْنِيثِ كَمَسْأَلَةِ الْغَزْلِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ اخْتَارَا عَدَمَ التَّحْنِيثِ، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ فِي مَسْأَلَةِ الْغَزْلِ وَغَيْرِهَا الْحِنْثَ، كَالْجَمَاعَةِ، وَأَطْلَقَ فِي الْمُحَرَّرِ فِي مَسْأَلَةِ الدَّارِ الرِّوَايَتَيْنِ.

فَائِدَةٌ: لَوْ حَلَفَ " لَا أَلْبَسُ مِنْ غَزْلِهَا " وَلَمْ يَقُلْ " ثَوْبًا " فَلَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ مِنْهُ، أَوْ " لَا آكُلُ طَعَامًا اشْتَرَتْهُ " فَأَكَلَ طَعَامًا شُورِكَتْ فِي شِرَائِهِ، فَقِيلَ: هُوَ عَلَى الْخِلَافِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَقِيلَ: يَحْنَثُ هُنَا قَوْلًا وَاحِدًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي مُحَرَّرِهِ، وَالْمُصَنِّفُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي.

قَوْلُهُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، أَوْ نَسَجَهُ، أَوْ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا طَبَخَهُ زَيْدٌ، فَلَبِسَ ثَوْبًا نَسَجَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ، أَوْ اشْتَرَيَاهُ، أَوْ أَكَلَ مِنْ طَعَامٍ طَبَخَاهُ: فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الشَّرْحِ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا،

ص: 118

إحْدَاهُمَا: يَحْنَثُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَتَقَدَّمَ اخْتِيَارُ الْمَجْدِ فِي الْمُشَارَكَةِ فِي الشِّرَاءِ، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرِهِمْ فِي الْجَمِيعِ. وَالثَّانِيَةُ: لَا يَحْنَثُ، وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ قَالَ: يَحْنَثُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَلَمْ يَحْكِ فِيهَا خِلَافًا، كَمَا حَكَى فِي الْمَسَائِلِ الْمُتَقَدِّمَةِ، مِنْهُمْ الْقَاضِي، وَالشَّرِيفُ، وَأَبُو الْخَطَّابِ وَابْنُ الْبَنَّا، وَغَيْرُهُمْ.

قَوْلُهُ (وَإِنْ اشْتَرَى غَيْرُهُ شَيْئًا فَخَلَطَهُ بِمَا اشْتَرَاهُ فَأَكَلَ أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ شَرِيكُهُ: حَنِثَ، وَإِنْ أَكَلَ مِثْلَهُ: فَعَلَى وَجْهَيْنِ) ، وَأَطْلَقَهَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، ذَكَرَهُ فِي أَوَاخِرِ جَامِعِ الْأَيْمَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَحْنَثُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ. وَالثَّانِي: يَحْنَثُ.

تَنْبِيهٌ: مَفْهُومُ كَلَامِهِ: أَنَّهُ لَوْ أَكَلَ أَقَلَّ مِنْهُ: أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَهُوَ صَحِيحٌ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَحْنَثُ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ، وَالْمُسْتَوْعِبِ، وَالْمُغْنِي، وَالشَّرْحِ.

فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا: لَوْ اشْتَرَاهُ لِغَيْرِهِ، أَوْ بَاعَهُ: حَنِثَ بِأَكْلِهِ مِنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ. وَالثَّانِيَةُ: الشَّرِكَةُ وَالتَّوْلِيَةُ وَالسَّلَمُ وَالصُّلْحُ عَلَى مَالٍ: شِرَاءٌ.

ص: 119