الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الَّذِي يُعْطِيهِ إِيَّاهُ، كَمَا فِي الْعَمَلِ وَالثَّوَابِ، فَهُوَ الَّذِي وَفَّقَ الْعَبْدَ لِلتَّوْبَةِ ثُمَّ قَبِلَهَا، وَهُوَ الَّذِي وَفَّقَهُ لِلْعَمَلِ ثُمَّ أَثَابَهُ، وَهُوَ الَّذِي وَفَّقَهُ لِلدُّعَاءِ ثُمَّ أَجَابَهُ، فَمَا أَثَّرَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، بَلْ هُوَ جَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ سَبَبًا لِمَا يَفْعَلُهُ. قَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، أَحَدُ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ: نَظَرْتُ فِي هَذَا الْأَمْرِ، فَوَجَدْتُ مَبْدَأَهُ مِنَ اللَّهِ، وَتَمَامَهُ عَلَى اللَّهِ، وَوَجَدْتُ مِلَاكَ ذَلِكَ الدُّعَاءَ.
[بَيَانُ الْحِكْمَةِ أَنَّ الدَّاعِيَ قَدْ لَا يُعْطَى شَيْئًا أَوْ يُعْطَى غَيْرَ مَا سَأَلَ]
وَهُنَا سُؤَالٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ: أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ قَدْ يَسْأَلُ اللَّهَ فَلَا يُعْطَى شَيْئًا، أَوْ يُعْطَى غَيْرَ مَا سَأَلَ؟ وَقَدْ أُجِيبَ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ، فِيهَا ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ مُحَقَّقَةٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْآيَةَ لَمْ تَتَضَمَّنْ عَطِيَّةَ السُّؤَالِ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا تَضَمَّنَتْ إِجَابَةَ الدَّاعِي، وَالدَّاعِي أَعَمُّ مِنَ السَّائِلِ، وَإِجَابَةُ الدَّاعِي أَعَمُّ مِنْ إِعْطَاءِ السَّائِلِ. وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟» .
فَفَرْقٌ بَيْنَ الدَّاعِي وَالسَّائِلِ، وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ وَالْإِعْطَاءِ، وَهُوَ فَرْقٌ بِالْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ، كَمَا أَتْبَعَ ذَلِكَ بِالْمُسْتَغْفِرِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ السَّائِلِ، فَذَكَرَ الْعَامَّ ثُمَّ الْخَاصَّ ثُمَّ الْأَخَصَّ. وَإِذَا عَلِمَ الْعِبَادُ أَنَّهُ قَرِيبٌ، يُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي، عَلِمُوا قُرْبَهُ مِنْهُمْ، وَتَمَكُّنَهُمْ مِنْ سُؤَالِهِ -: وَعَلِمُوا عِلْمَهُ
وَرَحْمَتَهْ وَقُدْرَتَهُ، فَدَعَوْهُ دُعَاءَ الْعِبَادَةِ فِي حَالٍ، وَدُعَاءَ الْمَسْأَلَةِ فِي حَالٍ، [غَافِرٍ: 60] بِالدُّعَاءِ، الَّذِي هُوَ الْعِبَادَةُ، وَالدُّعَاءِ الَّذِي هُوَ الطَّلَبُ. وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ:{إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} [غَافِرٍ: 60]- يُؤَيِّدُ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ.
الْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ إِجَابَةَ دُعَاءِ السُّؤَالِ أَعَمُّ مِنْ إِعْطَاءِ عَيْنِ السُّؤَالِ، كَمَا فَسَّرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:«مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ. إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ، أَوْ يَدَّخِرَ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ مِثْلَهَا، أَوْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ الشَّرِّ مِثْلَهَا» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: اللَّهُ أَكْثَرُ. فَقَدْ أَخْبَرَ الصَّادِقُ
الْمَصْدُوقُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الدَّعْوَةِ الْخَالِيَةِ عَنِ الْعُدْوَانِ مِنْ إِعْطَاءِ السُّؤَالِ مُعَجَّلًا، أَوْ مِثْلِهِ مِنَ الْخَيْرِ مُؤَجَّلًا، أَوْ يَصْرِفُ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهُ.
الْجَوَابُ الثَّالِثُ: أَنَّ الدُّعَاءَ سَبَبٌ مُقْتَضٍ لِنَيْلِ الْمَطْلُوبِ، وَالسَّبَبُ لَهُ شُرُوطٌ وَمَوَانِعُ، فَإِذَا حَصَلَتْ شُرُوطُهُ وَانْتَفَتْ مَوَانِعُهُ حَصَلَ الْمَطْلُوبُ، وَإِلَّا فَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ الْمَطْلُوبُ، بَلْ قَدْ يَحْصُلُ غَيْرُهُ. وَهَكَذَا سَائِرُ الْكَلِمَاتِ الطَّيِّبَاتِ، مِنَ الْأَذْكَارِ الْمَأْثُورَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا جَلْبُ مَنَافِعَ أَوْ دَفْعُ مَضَارَّ، فَإِنَّ الْكَلِمَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْآلَةِ فِي يَدِ الْفَاعِلِ، تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قُوَّتِهِ وَمَا يُعِينُهَا، وَقَدْ يُعَارِضُهَا مَانِعٌ مِنَ الْمَوَانِعِ. وَنُصُوصُ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ الْمُتَعَارِضَةِ فِي الظَّاهِرِ -: مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَكَثِيرًا مَا تَجِدُ أَدْعِيَةً دَعَا بِهَا قَوْمٌ فَاسْتُجِيبَ لَهُمْ، وَيَكُونُ قَدِ اقْتَرَنَ بِالدُّعَاءِ ضَرُورَةُ صَاحِبِهِ وَإِقْبَالُهُ عَلَى اللَّهِ، أَوْ حَسَنَةٌ تَقَدَّمَتْ مِنْهُ، جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ إِجَابَةَ دَعْوَتِهِ شُكْرًا لِحَسَنَتِهِ، أَوْ صَادَفَ وَقْتَ إِجَابَةٍ، وَنَحْوُ ذَلِكَ - فَأُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ، فَيَظُنُّ أَنَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ الدُّعَاءِ، فَيَأْخُذُهُ مُجَرَّدًا عَنْ تِلْكَ الْأُمُورِ الَّتِي قَارَنَتْهُ مِنْ ذَلِكَ الدَّاعِي.
وَهَذَا كَمَا إِذَا اسْتَعْمَلَ رَجُلٌ دَوَاءً نَافِعًا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَنْبَغِي، فَانْتَفَعَ بِهِ، فَظَنَّ آخَرُ أَنَّ اسْتِعْمَالَ هَذَا الدَّوَاءِ بِمُجَرَّدِهِ كَافٍ فِي حُصُولِ الْمَطْلُوبِ، فَكَانَ غَالِطًا.
وَكَذَا قَدْ يَدْعُو بِاضْطِرَارٍ عِنْدَ قَبْرٍ، فَيُجَابُ، فَيَظُنُّ أَنَّ السِّرَّ لِلْقَبْرِ، وَلَمْ يَدْرِ أَنَّ السِّرَّ لِلِاضْطِرَارِ وَصِدْقِ اللَّجْءِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ أَفْضَلَ وَأَحَبَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.