الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَدْ وَصَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النِّسَاءَ بِنُقْصَانِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ. وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» . وَالْمُرَادُ نَفْيُ الْكَمَالِ، وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ، وَحَدِيثُ شُعَبِ الْإِيمَانِ، وَحَدِيثُ الشَّفَاعَةِ، وَأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى أَدْنَى أَدْنَى مِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ.
فَكَيْفَ يُقَالُ بَعْدَ هَذَا: إِنَّ إِيمَانَ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ سَوَاءٌ؟ ! وَإِنَّمَا التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمْ بِمَعَانٍ أُخَرَ غَيْرِ الْإِيمَانِ؟ !
[نُقُولُ الصَّحَابَةِ فِي زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَنُقْصَانِهِ]
وَكَلَامُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرٌ أَيْضًا:
مِنْهُ: قَوْلُ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه: مِنْ فِقْهِ الْعَبْدِ أَنْ يَتَعَاهَدَ إِيمَانُهُ وَمَا نَقَصَ مِنْهُ، وَمِنْ فِقْهِ الْعَبْدِ أَنْ يَعْلَمَ أَيَزْدَادُ هُوَ أَمْ يَنْتَقِصُ، وَكَانَ عُمَرُ رضي الله عنه يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: هَلُمُّوا نَزْدَدْ إِيمَانًا،
فَيَذْكُرُونَ اللَّهَ عز وجل.
وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ زِدْنَا إِيمَانًا وَيَقِينًا وَفِقْهًا.
وَكَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضي الله عنه يَقُولُ لِرَجُلٍ: اجْلِسْ بِنَا نُؤْمِنْ سَاعَةً. وَمِثْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ رضي الله عنه.
وَصَحَّ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ: إِنْصَافٌ مِنْ نَفْسِهِ، وَالْإِنْفَاقُ مِنْ إِقْتَارٍ، وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالَمِ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله فِي صَحِيحِهِ. وَفِي هَذَا الْمِقْدَارِ كِفَايَةٌ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا كَوْنُ عَطْفِ الْعَمَلِ عَلَى الْإِيمَانِ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ، فَلَا يَكُونُ الْعَمَلُ دَاخِلًا فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ -: فَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِيمَانَ تَارَةً يُذْكَرُ مُطْلَقًا عَنِ الْعَمَلِ وَعَنِ الْإِسْلَامِ، وَتَارَةً يُقْرَنُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَتَارَةً يُقْرَنُ بِالْإِسْلَامِ. فَالْمُطْلَقُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْأَعْمَالِ، قَالَ تَعَالَى: " {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الْمَائِدَةِ: 81] .
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ» ، الْحَدِيثَ.
«لَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا» .
«مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» . مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا.
وَمَا أَبْعَدَ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: فَلَيْسَ مِنَّا - أَيْ فَلَيْسَ مِثْلَنَا! فَلَيْتَ شِعْرِي فَمَنْ لَمْ يَغُشَّ يَكُونُ مِثْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ؟
أَمَّا إِذَا عُطِفَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، فَاعْلَمْ أَنَّ عَطْفَ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ مَعَ الِاشْتِرَاكِ فِي الْحُكْمِ الَّذِي ذُكِرَ لَهُمَا، وَالْمُغَايَرَةُ عَلَى مَرَاتِبَ:
أَعْلَاهَا: أَنْ يَكُونَا مُتَبَايِنَيْنِ، لَيْسَ أَحَدُهُمَا هُوَ الْآخَرَ، وَلَا جُزْءًا مِنْهُ، وَلَا بَيْنَهُمَا تَلَازُمٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الْأَنْعَامِ: 1] . {وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} [آلِ عِمْرَانَ: 3] . وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ.
وَيَلِيهِ: أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا تَلَازُمٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الْبَقَرَةِ: 42] . {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [الْمَائِدَةِ: 92] .
الثَّالِثُ: عَطْفُ بَعْضِ الشَّيْءِ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [الْبَقَرَةِ: 238] . {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [الْبَقَرَةِ: 98]{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ} [الْأَحْزَابِ: 7] .
وَفِي مِثْلِ هَذَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي الْأَوَّلِ، فَيَكُونُ مَذْكُورًا مَرَّتَيْنِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ عَطْفَهُ عَلَيْهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِيهِ هُنَا، وَإِنْ كَانَ
دَاخِلًا فِيهِ مُنْفَرِدًا، كَمَا قِيلَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي لَفْظِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينَ وَنَحْوِهُمَا، تَتَنَوَّعُ دِلَالَتُهُ بِالْإِفْرَادِ وَالِاقْتِرَانِ.
الرَّابِعُ: عَطْفُ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ لِاخْتِلَافِ الصِّفَتَيْنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} [غَافِرٍ: 3] . وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ الْعَطْفُ لِاخْتِلَافِ اللَّفْظِ فَقَطْ، كَقَوْلِهِ:
فَأَلْفَى قَوْلَهَا كَذِبًا وَمَيْنًا
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [الْمَائِدَةِ: 48] . وَالْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي مَوْضِعِهِ.
فَإِذَا كَانَ الْعَطْفُ فِي الْكَلَامِ يَكُونُ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ، نَظَرْنَا فِي كَلَامِ الشَّارِعِ: كَيْفَ وَرَدَ فِيهِ الْإِيمَانُ فَوَجَدْنَاهُ إِذَا أُطْلِقَ يُرَادُ بِهِ مَا يُرَادُ بِلَفْظِ الْبِرِّ، وَالتَّقْوَى، وَالدِّينِ، وَدِينِ الْإِسْلَامِ.
ذُكِرَ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ أَنَّهُمْ سَأَلُوا عَنِ الْإِيمَانِ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [البقرة: 177] الْآيَاتِ [الْبَقَرَةِ: 177] .
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، وَالْمُلَائِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنِ الْقَاسِمِ، قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، فَسَأَلَهُ عَنِ الْإِيمَانِ؟ فَقَرَأَ:{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ} [البقرة: 177] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ [الْبَقَرَةِ: 177]، فَقَالَ الرَّجُلُ: لَيْسَ عَنْ هَذَا سَأَلْتُكَ، فَقَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنِ الَّذِي سَأَلْتَنِي عَنْهُ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الَّذِي قَرَأْتُ عَلَيْكَ، فَقَالَ لَهُ الَّذِي قُلْتَ لِي، فَلَمَّا أَبَى أَنْ يَرْضَى، قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ الَّذِي إِذَا عَمِلَ الْحَسَنَةَ سَرَّتْهُ وَرَجَا ثَوَابَهَا، وَإِذَا عَمِلَ السَّيِّئَةَ سَاءَتْهُ وَخَافَ عِقَابَهَا. وَكَذَلِكَ أَجَابَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ بِهَذَا الْجَوَابِ.
وَفِي الصَّحِيحِ قَوْلُهُ لِوَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ: آمُرُكُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ، أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ؟ شَهَادَةٌ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا الْخُمُسَ مِنَ الْمَغْنَمِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ أَنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ تَكُونُ إِيمَانًا بِاللَّهِ بِدُونِ إِيمَانِ الْقَلْبِ، لِمَا قَدْ أَخْبَرَ فِي مَوَاضِعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِيمَانِ الْقَلْبِ، فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ مَعَ إِيمَانِ الْقَلْبِ هُوَ الْإِيمَانُ.