الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ، خُصُوصًا الَّذِينَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، الَّذِينَ جَعَلَهُمُ اللَّهُ بِمَنْزِلَةِ النُّجُومِ، يُهْدَى بِهِمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى هِدَايَتِهِمْ وَدِرَايَتِهِمْ، إِذْ كَلُّ أُمَّةٍ قَبْلَ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عُلَمَاؤُهَا شِرَارُهَا، إِلَّا الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ عُلَمَاءَهُمْ خِيَارُهُمْ، فَإِنَّهُمْ خُلَفَاءُ الرَّسُولِ مِنْ أُمَّتِهِ، وَالْمُحْيُونَ لِمَا مَاتَ مِنْ سُنَّتِهِ، فَبِهِمْ قَامَ الْكِتَابُ وَبِهِ قَامُوا، وَبِهِمْ نَطَقَ الْكِتَابُ وَبِهِ نَطَقُوا، وَكُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ اتِّفَاقًا يَقِينًا عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم. وَلَكِنْ إِذَا وُجِدَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ قَوْلٌ قَدْ جَاءَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ بِخِلَافِهِ -: فَلَابُدَّ لَهُ فِي تَرْكِهِ مِنْ عُذْرٍ.
وَجِمَاعُ الْأَعْذَارِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ:
أَحَدُهَا: عَدَمُ اعْتِقَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَهُ.
وَالثَّانِي: عَدَمُ اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ أَرَادَ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ بِذَلِكَ الْقَوْلِ.
وَالثَّالِثُ: اعْتِقَادُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ مَنْسُوخٌ.
فَلَهُمُ الْفَضْلُ عَلَيْنَا وَالْمِنَّةُ بِالسَّبْقِ، وَتَبْلِيغِ مَا أُرْسِلَ بِهِ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم إِلَيْنَا، وَإِيضَاحِ مَا كَانَ مِنْهُ يَخْفَى عَلَيْنَا، فَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ. " {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الْحَشْرِ: 10] .
[لَا يُفَضَّلُ الْأَوْلِيَاءُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ]
[لَا يُفَضَّلُ أَحَدٌ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ]
قَوْلُهُ: (وَلَا نُفَضِّلُ أَحَدًا مِنَ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام، وَنَقُولُ: نَبِيٌّ وَاحِدٌ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ) .
ش: يُشِيرُ الشَّيْخُ رحمه الله إِلَى الرَّدِّ عَلَى الِاتِّحَادِيَّةِ وَجَهَلَةِ الْمُتَصَوِّفَةِ، وَإِلَّا فَأَهْلُ الِاسْتِقَامَةِ يُوصُونَ بِمُتَابَعَةِ الْعِلْمِ وَمُتَابَعَةِ الشَّرْعِ. فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ مُتَابَعَةُ الرُّسُلِ، قَالَ تَعَالَى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ} [النِّسَاءِ: 64] إِلَى أَنْ قَالَ: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النِّسَاءِ: 65] . وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آلِ عِمْرَانَ: 31] .
قَالَ أَبُو عُثْمَانَ النَّيْسَابُورِيُّ: مَنْ أَمَّرَ السُّنَّةَ عَلَى نَفْسِهِ قَوْلًا وَفِعْلًا، نَطَقَ بِالْحِكْمَةِ، وَمَنْ أَمَّرَ الْهَوَى عَلَى نَفْسِهِ، نَطَقَ بِالْبِدْعَةِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا تَرَكَ بَعْضُهُمْ شَيْئًا مِنَ السُّنَّةِ إِلَّا لِكِبْرٍ فِي نَفْسِهِ.
وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ، فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُتَّبِعًا لِلْأَمْرِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، كَانَ يَعْمَلُ بِإِرَادَةِ نَفْسِهِ، فَيَكُونُ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ، بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ، وَهَذَا غِشُّ النَّفْسِ، وَهُوَ مِنَ الْكِبْرِ، فَإِنَّهُ شَبِيهٌ بِقَوْلِ الَّذِينَ قَالُوا:{لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الْأَنْعَامِ: 124] .
وَكَثِيرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ يَظُنُّ أَنَّهُ يَصِلُ بِرِيَاسَتِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي الْعِبَادَةِ، وَتَصْفِيَةِ نَفْسِهِ، إِلَى مَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ مِنْ غَيْرِ اتِّبَاعٍ لِطَرِيقَتِهِمْ!
وَمِنْهُمْ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَدْ صَارَ أَفْضَلَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ! !
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ إِنَّمَا يَأْخُذُونَ الْعِلْمَ بِاللَّهِ مِنْ مِشْكَاةِ خَاتَمِ الْأَوْلِيَاءِ! ! وَيَدَّعِي لِنَفْسِهِ أَنَّهُ خَاتَمُ الْأَوْلِيَاءِ! ! وَيَكُونُ ذَلِكَ الْعِلْمُ هُوَ حَقِيقَةُ قَوْلِ فِرْعَوْنَ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْوُجُودَ الْمَشْهُودَ وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ، لَيْسَ لَهُ صَانِعٌ مُبَايِنٌ لَهُ، لَكِنَّ هَذَا يَقُولُ: هُوَ اللَّهُ! وَفِرْعَوْنُ أَظْهَرَ الْإِنْكَارَ بِالْكُلِّيَّةِ، لَكِنْ كَانَ فِرْعَوْنُ فِي الْبَاطِنِ أَعْرَفُ بِاللَّهِ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُ كَانَ مُثْبِتًا لِلصَّانِعِ، وَهَؤُلَاءِ ظَنُّوا أَنَّ الْوُجُودَ الْمَخْلُوقَ هُوَ الْوُجُودُ الْخَالِقُ، كَابْنِ عَرَبِيٍّ وَأَمْثَالِهِ! ! وَهُوَ لَمَّا رَأَى أَنَّ الشَّرْعَ الظَّاهِرَ لَا سَبِيلَ إِلَى تَغْيِيرِهِ - قَالَ: النُّبُوَّةُ خُتِمَتْ، لَكِنَّ الْوِلَايَةَ لَمْ تُخْتَمْ! وَادَّعَى مِنَ الْوِلَايَةِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ النُّبُوَّةِ وَمَا يَكُونُ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، وَأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مُسْتَفِيدُونَ مِنْهَا! كَمَا قَالَ:
مَقَامُ النُّبُوَّةِ فِي بَرْزَخٍ
…
فُوَيْقَ الرَّسُولِ وَدُونَ الْوَلِيِّ!
وَهَذَا قَلْبٌ لِلشَّرِيعَةِ، فَإِنَّ الْوِلَايَةَ ثَابِتَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62]
[يُونُسَ: 62 - 63] . وَالنُّبُوَّةُ أَخَصُّ مِنَ الْوِلَايَةِ، وَالرِّسَالَةُ أَخَصُّ مِنَ النُّبُوَّةِ، كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ عَرَبِيٍّ أَيْضًا فِي فُصُوصِهِ: وَلَمَّا مَثَّلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النُّبُوَّةَ بِالْحَائِطِ مِنَ اللَّبِنِ فَرَآهَا قَدْ كَمُلَتْ إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ، فَكَانَ هُوَ صلى الله عليه وسلم مَوْضِعَ اللَّبِنَةِ، وَأَمَّا خَاتَمُ الْأَوْلِيَاءِ فَلَابُدَّ لَهُ مِنْ هَذِهِ الرُّؤْيَةِ، فَيَرَى مَا مَثَّلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، وَيَرَى نَفْسَهُ فِي الْحَائِطِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَتَيْنِ! ! وَيَرَى نَفْسَهُ تَنْطَبِعُ فِي مَوْضِعِ [تَيْنِكَ] اللَّبِنَتَيْنِ، فَيُكْمِلُ الْحَائِطَ! ! وَالسَّبَبُ الْمُوجِبُ لِكَوْنِهِ يَرَاهَا لَبِنَتَيْنِ: أَنَّ الْحَائِطَ لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَاللَّبِنَةُ الْفِضَّةُ هِيَ ظَاهِرُهُ وَمَا يَتْبَعُهُ فِيهِ مِنَ الْأَحْكَامِ، كَمَا هُوَ أَخْذٌ عَنِ اللَّهِ فِي الشَّرْعِ مَا هُوَ فِي الصُّورَةِ الظَّاهِرَةِ مُتَّبَعٌ فِيهِ، لِأَنَّهُ يَرَى الْأَمْرَ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَلَابُدَّ أَنْ يَرَاهُ هَكَذَا، وَهُوَ مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ الذَّهَبِيَّةِ فِي الْبَاطِنِ! فَإِنَّهُ يَأْخُذُ مِنَ الْمَعْدِنِ