الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِجُمْلَةِ تِلْكَ الْبِدْعَةِ، بَلْ بِفَرْعٍ مِنْهَا. وَلِهَذَا انْتَحَلَ أَهْلُ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ لِطَوَائِفَ مِنَ السَّلَفِ الْمَشَاهِيرِ.
[أَهْلُ الْبِدَعِ يُكَفِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَأَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ يُخَطِّئُونَ وَلَا يُكَفِّرُونَ]
فَمِنْ عُيُوبِ أَهْلِ الْبِدَعِ تَكْفِيرُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَمِنْ مَمَادِحِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ يُخَطِّئُونَ وَلَا يُكَفِّرُونَ.
وَلَكِنْ بَقِيَ هُنَا إِشْكَالٌ يَرِدُ عَلَى كَلَامِ الشَّيْخِ رحمه الله، وَهُوَ: أَنَّ الشَّارِعَ قَدْ سَمَّى بَعْضَ الذُّنُوبِ كُفْرًا، قَالَ اللَّهُ:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [الْمَائِدَةِ: 44] . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» .
وَ «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ - فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا. إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ» . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ، أَوْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ» .
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ» . رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِهَذَا اللَّفْظِ.
وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «ثِنْتَانِ فِي أُمَّتِي هُمَا كُفْرٌ: الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ، وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ» . وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ مُتَّفِقُونَ كُلُّهُمْ عَلَى أَنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ لَا يَكْفُرُ كُفْرًا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ بِالْكُلِّيَّةِ، كَمَا قَالَتِ الْخَوَارِجُ، إِذْ لَوْ كَفَرَ كُفْرًا يَنْقُلُ عَنِ الْمِلَّةِ لَكَانَ مُرْتَدًّا يُقْتَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَا يُقْبَلُ عَفْوُ وَلِيِّ الْقِصَاصِ، وَلَا تَجْرِي الْحُدُودُ فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ! وَهَذَا الْقَوْلُ مَعْلُومٌ بُطْلَانُهُ وَفَسَادُهُ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ.
وَمُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الْكُفْرِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْخُلُودَ مَعَ الْكَافِرِينَ، كَمَا قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ. فَإِنَّ قَوْلَهُمْ بَاطِلٌ أَيْضًا، إِذْ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ تَعَالَى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [الْبَقَرَةِ: 178] إِلَى أَنْ قَالَ: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [الْبَقَرَةِ: 178] . فَلَمْ يُخْرِجِ الْقَاتِلَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا، وَجَعَلَهُ أَخًا لِوَلِيِّ الْقِصَاصِ، وَالْمُرَادُ أُخُوَّةُ الدِّينِ بِلَا رَيْبٍ. وَقَالَ تَعَالَى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الْحُجُرَاتِ: 9] إِلَى أَنْ قَالَ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الْحُجُرَاتِ: 10] .
وَنُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّانِيَ وَالسَّارِقَ وَالْقَاذِفَ لَا يُقْتَلُ، بَلْ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُرْتَدٍّ.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ لِأَخِيهِ الْيَوْمَ مَظْلَمَةٌ مِنْ عِرْضٍ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِرْهَمٌ وَلَا دِينَارٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ» . أَخْرَجَاهُ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) .
فَثَبَتَ أَنَّ الظَّالِمَ يَكُونُ لَهُ حَسَنَاتٌ يَسْتَوْفِي الْمَظْلُومُ مِنْهَا حَقَّهُ. وَكَذَلِكَ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَا تَعُدُّونَ الْمُفْلِسَ فِيكُمْ؟ قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا لَهُ دِرْهَمٌ وَلَا دِينَارٌ، قَالَ: الْمُفْلِسُ مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَهُ حَسَنَاتٌ أَمْثَالُ الْجِبَالِ، قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَأَخَذَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِذَا فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114]