الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لها عمل يقتضي تركها البيت نهارًا كالأمر المشروط في العقد; لأن إقدامه على خطبتها مع علمه بعملها بمثابة الشرط المدوّن في العقد، فعلمُه وقتَ التعاقد كالإذن منه فيه، وبناءً على ذلك فإن رجوعه عنه يترتب عليه ما يترتب على الرجوع عن الشرط المنصوص عليه.
الرأي الثاني: ذهب أغلب مَن كتب عن هذا الموضوع من المعاصرين (1) إلى أن هذا العِلْمَ السَّابقَ ليس شَرطًا في العقد، وإنما هو بمثابة الإذن الضِّمني فحسب، فيَجوز للزوج الرجوع عنه.
وعُلل ذلك: بأن سكوته لا يُعدُّ بمنزلة اشتراطها عليه عدمَ منعها من وظيفتها، بل ولا يُعدُّ رضًا منه بعملها خارج البيت إلا إذا لم يمنعها منه بعد قدرته على ذلك.
ولعلّ هذا الرأي أقرب، وبالتالي يحقُّ له أن يمنعها من الخروج لوظيفتها، فإن عصت فإنها تعدّ ناشزًا (2).
*
مسألة: المعاوضة على الإذن بالعمل:
المراد بهذه المسألة أن يأذن الزوج بعمل زوجته على أن يأخذ عوضًا منها في مقابل هذا الإذن.
والأصل أن الإذن يكون مجانًا، ولكن لو اشترط الآذنُ عِوضًا، أو اتفقا على بدلٍ ماليٍّ، فهل تصحّ هذه المعاوضة?
يمكن تقسيم المعاوضة على الإذن بالعمل إلى صورتين:
الصُّورة الأولى: أن يكون الإذن في مقابل إسقاط النفقة الزوجيّة أو بعضها.
(1) المفصل لأحكام المرأة، د. عبد الكريم زيدان 7/ 166 ، السياسة الشرعية في الأحوال الشخصيّة، د. / عبد الفتاح عمرو ص 92 ، الفقه الإسلامي وأدلته د. وهبة الزحيلي 7/ 793.
(2)
المفصل لأحكام المرأة، د. عبد الكريم زيدان 7/ 166.
وذلك بأن يتفق الزوجان على عمل المرأة في مقابل أن تسقط نفقتها عنه، أو أن يسقط بعضُها; كسقوط نفقة السُّكنى فيكون راء المنزل عليها مثلًا، أو نفقة اللباس، ونحو ذلك.
فالظاهر أن هذا الاتفاق صحيح; لأن انتفاء الإذن يترتب عليه سقوط النفقة أو جزئها، فإذا اتفقا على سقوطها في مقابل الإذن فإنه يكون صحيحًا، وتستفيد المرأة مِن الإذن رفعَ الإثم عنها، إضافةً لبقاء الأُلفة بين الزوجين وإزالة مسببات التشاحن.
الصورة الثانية: أن يكون الإذن في مقابل عوضٍ مالي غير إسقاط النفقة; كأن يشترط الزوج جزءً من راتب زوجته، أو أن يأخذ مبلغًا مقطوعًا منه، أو أن تتولى الزوجة مُؤنةَ النفقة على أبنائهما، أو تبذل له عينًا; كسيارة، ونحو ذلك مِن الصور.
فإن له حالتين:
1: فإن كان هذا العِوضُ في مقابل عملٍ مِن الزوج; كأن يقوم بتوصيل الزوجة لعملها، أو بمرافقتها فيه، ونحو ذلك فإنه يستحق عليها الأُجرة بالمعروف.
2: وأمّا إذا كان هذا العوضُ في مُقابل الإذن بالعمل فقط. فإن حكم هذه المسألة متفرعٌ عن كون هذا الإذن هل يصحّ المعاوضةُ عليه، أم لا (1) ? ومبنى ذلك أن الحقوق تختلف في قبولها للمعاوضةِ في مُقابل الإسقاط، فبعضها يقبل المعاوضة، وبعضها لا يقبله (2).
وفي مسألتنا هذه فإن الحقَّ الثابتَ للزوج هو احتباس الزوجة والتمكين التام منها، فهل يصحّ له المعاوضة على إسقاط هذا الحق بمالٍ؟
(1) من يرى عدم المعاوضة فلأنها حقوق لم تثبت ولم تجب بعد، فلا يصحّ المعاوضة عليها [العناية للبابرتي 5/ 126].
(2)
تقرير القواعد لابن رجب 2/ 290.
هذه المسألة -وكذا سائر الحقوق الزوجيّة غير المالية، كالمبيت والقَسْم وهما حقٌّ للزوجة هل يصحّ المعاوضة عليها- فيها رأيان لأهل العلم (1):
القول الأول: أن هذا الحقّ لا يصحّ المعاوضة عليه. وهو قول الحنفيّة (2) ، وأحد القولين عند المالكية (3)، ومشهور مذهب الحنابلةِ (4). ويعللون ذلك: بأن هذا الحقوق لا تقبل المعاوضةِ; لأنها ليس بمالٍ فلا يجوز مقابلتها بمال.
القول الثاني: أنه يصحّ المعاوضة على الإذن وسائر الحقوق الزوجيّة. وهو قول عند المالكية (5).
وعلى القول بجوازه فلا بُدّ مِن تقييده بعدم المُضارّة، بل بطيب النفس من الزوجَة; لكي لا يكون ذريعة للتعسف في استعمال الزوج لحقّه بالإذن مِن أجل مساومة المرأة على بذل المال.
(1) تقرير القواعد لابن رجب 2/ 290. وذكر الخلاف في المسألة.
(2)
بدائع الصنائع 2/ 333 ، العناية للبابرتي 5/ 126.
(3)
شرح خليل للخرشي 5/ 205.
(4)
الشرح الكبير لابن أبي عُمر 21/ 458.
(5)
شرح خليل للخرشي 5/ 205.