الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ صَاحب الْخُلَاصَة النقية فِي أُمَرَاء إفريقية مَا نَصه وَفِي سنة سِتّ عشرَة وَألف قدمت الْأُمَم الجالية من جَزِيرَة الأندلس فأوسع لَهُم صَاحب تونس عُثْمَان داي كنفه وأباح لَهُم بِنَاء الْقرى فِي مَمْلَكَته فبنوا نَحْو الْعشْرين قَرْيَة واغتبط بهم أهل الحضرة وتعلموا حرفهم وقلدوا ترفهم اه ثمَّ قَالَ فِي نفح الطّيب وَكَذَلِكَ خرج طوائف مِنْهُم بتطاوين وسلا والجزائر وَلما استخدم سُلْطَان الْمغرب الْأَقْصَى مِنْهُم عسكرا جرارا وَسَكنُوا سلا كَانَ مِنْهُم من الْجِهَاد فِي الْبَحْر مَا هُوَ مَشْهُور الْآن وحصنوا قلعة سلا وبنوا بهَا الْقُصُور والحمامات والدور وهم الْآن بِهَذَا الْحَال وَوصل جمَاعَة مِنْهُم إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة الْعُظْمَى وَإِلَى مصر وَالشَّام وَغَيرهَا من بِلَاد الْإِسْلَام اه كَلَام نفح الطّيب وَقَوله وحصنوا قلعة سلا يَعْنِي بهَا رِبَاط الْفَتْح إِذْ هِيَ يَوْمئِذٍ مُضَافَة إِلَى سلا ومعدودة مِنْهَا وَالله تَعَالَى أعلم
اسْتِيلَاء السُّلْطَان زَيْدَانَ على فاس وفرار الشَّيْخ بن الْمَنْصُور عَنْهَا إِلَى العرائش ثمَّ إِلَى طاغية الإصبنيول
كَانَ الشَّيْخ بن الْمَنْصُور عَفا الله عَنهُ على مَا تقدم من قبح السِّيرَة والإساءة إِلَى الْخَاصَّة والعامة حَتَّى مِلَّته النُّفُوس ورفضته الْقُلُوب وضاق أهل فاس بشؤمه ذرعا وَكَانَ قد بعث ابْنه عبد الله مرّة ثَالِثَة إِلَى حَرْب السُّلْطَان زَيْدَانَ بمراكش وأعمالها فَخرج عبد الله من فاس آخر ذِي الْحجَّة سنة سِتّ عشرَة وَألف فَالتقى الْجَمْعَانِ بوادي بوركراك فَكَانَت الْهَزِيمَة على عبد الله وفر فِي رَهْط من أَصْحَابه وَترك محلته بِمَا فِيهَا بيد السُّلْطَان زَيْدَانَ فاستولى عَلَيْهَا وانضم إِلَيْهِ جَيش عبد الله من أهل فاس وَغَيرهم ميلًا إِلَيْهِ ورغبة فِي صحبته فَعَفَا عَنْهُم وتألفهم واستفحل أَمر السُّلْطَان زَيْدَانَ وَتكلم بِهِ أهل فاس وَسَائِر بِلَاد الغرب واتصل الْخَبَر بالشيخ وَعرف أَن قُلُوب النَّاس عَلَيْهِ فخاف الفضيحة وَأصْبح غاديا فِي أَهله وحشمه إِلَى نَاحيَة العرائش فاحتل
بِالْقصرِ الْكَبِير وَهُنَاكَ لحق بِهِ ابْنه عبد الله مهزوما من وقْعَة بوركراك وانضم إِلَيْهِمَا أَبُو فَارس بن الْمَنْصُور فَإِنَّهُ بعد فراره من مرس الرماد إِلَى مسفيوة أَقَامَ بهَا مُدَّة وَلما استولى السُّلْطَان زَيْدَانَ على مراكش كَمَا مر شدد فِي طلبه ففر إِلَى السوس وَلما أعيت عَلَيْهِ الْمذَاهب وزيدان فِي طلبه لحق بشقيقه الشَّيْخ فَكَانَ مَعَه إِلَى هَذَا التَّارِيخ
ثمَّ إِن السُّلْطَان زَيْدَانَ بعث كَبِير جَيْشه مصطفى باشا إِلَى فاس فَانْتهى إِلَيْهَا وَنزل مخيما بِظهْر الزاوية وَوجد لأَصْحَاب الشَّيْخ زروعا كَثِيرَة فَأرْسل مصطفى باشا عَلَيْهَا جَيْشه فانتسفوها وَدخلت فاس فِي طَاعَته ثمَّ نَهَضَ إِلَى نَاحيَة الْقصر الْكَبِير نَاوِيا الْقَبْض على الشَّيْخ وَحزبه واتصل بالشيخ خَبره ففر إِلَى العرائش وَمِنْهَا ركب الْبَحْر إِلَى طاغية الإصبنيول مستصرخا بِهِ على السُّلْطَان زَيْدَانَ وَحمل مَعَه أمه الخيزران وَبَعض عِيَاله وَجَمَاعَة من قواده وبطانته وَذَلِكَ فِي ذِي الْقعدَة سنة سبع عشرَة وَألف
وانْتهى مصطفى باشا إِلَى الْقصر الْكَبِير فَقبض على من وجد بِهِ من أَصْحَاب الشَّيْخ وفر عبد الله وَأَبُو فَارس فَنزلَا بِموضع يُقَال لَهُ سطح بني وارتين فَبلغ خبرهما إِلَى السُّلْطَان زَيْدَانَ فجَاء حَتَّى نزل قبالتهما بِموضع يُقَال لَهُ آرورات ففر من كَانَ مَعَهُمَا إِلَى السُّلْطَان زَيْدَانَ وَلما بقيا أوحش من وتد بقاع فرا إِلَى دَار الْيَهُودِيّ ابْن مشعل من بِلَاد بني يزناسن فأقاما بهَا
وَاخْتصرَ صَاحب الْمرْآة هَذَا الْخَبَر فَقَالَ كَانَ السُّلْطَان أَبُو الْمَعَالِي زَيْدَانَ بن الْمَنْصُور التقى مَعَ ابْن أَخِيه عبد الله بن الشَّيْخ صَاحب فاس برؤوس الشعاب يَوْم الْخَمِيس السَّابِع وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة سبع عشرَة وَألف فَانْهَزَمَ عبد الله بن الشَّيْخ وفر إِلَى محلّة أَبِيه بالعرائش ثمَّ رَجَعَ إِلَى جِهَة فاس وانْتهى إِلَى دَار ابْن مشعل وَاسْتولى عَمه السُّلْطَان زَيْدَانَ على محلته وَسَار إِلَى فاس فَدَخلَهَا وَأقَام بهَا اه
وَفِي دخلة السُّلْطَان زَيْدَانَ هَذِه إِلَى فاس قبض على الْفَقِيه القَاضِي أبي
الْحسن عَليّ بن عمرَان السلاسي رحمه الله قَالَ اليفرني فِي الصفوة كَانَ القَاضِي الْمَذْكُور مِمَّن أَخذ عَن الشَّيْخ الْقصار وَكَانَ مَعَ ذَلِك لما ولي الْقصار الْفَتْوَى والخطابة بِجَامِع الْقرَوِيين يسْعَى عِنْد السُّلْطَان فِي تَأْخِيره حَتَّى أخر وَولي هُوَ مَكَانَهُ مُدَّة يسيرَة ثمَّ أُعِيد الْقصار وَكَانَت بَينهمَا شَحْنَاء عَظِيمَة بِسَبَب فَتْوَى تنَازعا فِيهَا ثمَّ أفضت الْحَال بِالْقَاضِي أبي الْحسن إِلَى أَن قبض عَلَيْهِ السُّلْطَان زَيْدَانَ بِسَبَب أَنه عثر لَهُ على كتاب كتبه إِلَى بعض إخْوَته ينتقصه فِيهِ ويوهن أمره فأوغر ذَلِك قلب السُّلْطَان عَلَيْهِ فسطا بِهِ وسجنه وَنهب دَاره وأثاثه ثمَّ سقَاهُ سما على مَا قيل فَكَانَ فِيهِ حتفه وَقد حُكيَ هَذَا الْخَبَر فِي مَوضِع آخر من الصفوة مطولا فَقَالَ كَانَ القَاضِي أَبُو الْحسن عَليّ بن عمرَان السلاسي شَدِيد الانحراف عَن الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه أبي زيد عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الفاسي سيئ الِاعْتِقَاد فِيهِ وَلم يزل يسْعَى بِهِ ويكيده فاتفق أَن اجْتمع بالشيخ فِي بعض اللَّيَالِي بعض من يتعاطى الْعلم فتكلموا فِي مسَائِل من صِفَات الله فَنقل كَلَام الشَّيْخ إِلَى القَاضِي على غير وَجهه فَأنْكر ذَلِك وَركب من حِينه إِلَى السُّلْطَان زَيْدَانَ وَهُوَ يَوْمئِذٍ بفاس منتهزا للفرصة فَقَالَ إِن هَهُنَا رجلا يعلم النَّاس الْبدع ويلقنهم آراء الْفرق الضَّالة فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان من هُوَ قَالَ فلَان قَالَ أَخُو سَيِّدي يُوسُف قَالَ نعم قَالَ سمعنَا أَنه أعلم من أَخِيه ثمَّ بعث السُّلْطَان إِلَيْهِ وَهُوَ مستشيط غَضبا لخَبر بلغه من ثورة بعض أَقَاربه عَلَيْهِ فجَاء الشَّيْخ أَبُو زيد وَلم يخلع نَعله حَتَّى بلغ بِسَاط السُّلْطَان فَسلم عَلَيْهِ وَمد يَده فصافحه ثمَّ تكلمُوا فِي الْمَسْأَلَة فَانْقَطع القَاضِي وَلم يجد مَا يَقُول إِلَّا أَن النَّاقِل لم يحسن نقلهَا فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ فَهَلا تثبت وَكَانَ بعض عُلَمَاء مراكش حَاضرا فَبَالغ فِي عتاب القَاضِي وَقيل للشَّيْخ مَا سَبَب الوحشة بَيْنك وَبَين هَؤُلَاءِ فَقَالَ لَا شَيْء إِلَّا الِاسْتِغْنَاء عَنْهُم فَقَالُوا يَا سَيِّدي هَذَا وصف يُوجب الْحبّ فَمَا انْفَصل الشَّيْخ عَن السُّلْطَان حَتَّى اطلع على مَا يُوجب الْقَبْض على القَاضِي فَقبض عَلَيْهِ وَنهب دَاره فِي الْحِين فَنزل الشَّيْخ من فاس الْجَدِيد فلقي أثاث القَاضِي فِي الطَّرِيق جِيءَ بِهِ منهوبا وَبَقِي فِي السجْن إِلَى أَن مَاتَ مسموما رحمه الله وَكَانَ
الأديب الْكَاتِب أَبُو عبد الله المكلاثي قد كتب إِلَيْهِ بِأَبْيَات يَقُول فِيهَا مَا نَصه
(أما لهِلَال غَابَ عَنَّا سفور
…
فيجلى بِهِ خطب دجاه تثور)
(فصبرا لدهر رام يمنحك الأسى
…
فَأَنت عَظِيم والعظيم صبور)
(سَيظْهر مَا عهدته من جمالكم
…
فللبدر من بعد الْكُسُوف ظُهُور)
(وتحيى رسوم للمعالي تَغَيَّرت
…
فللميت من بعد الْمَمَات نشور)
(أَبَا حسن إِنِّي على الْحبّ لم أزل
…
مُقيما عَلَيْهِ مَا أَقَامَ ثبير)
(فَفِي الْفَم مَاء من بقايا ودادكم
…
وَذَلِكَ عِنْدِي سَائِغ ونمير)
(عَلَيْكُم سَلام الله مَا هطل الحيا
…
وغنت بأغصان الرياض طيور)
قَالَ منشئها وَقد أنشدتها بَين يَدَيْهِ بمحبسه فَبكى حَتَّى ظَنَنْت أَنه سيهلك ثمَّ أَفَاق وَقَالَ {لله الْأَمر من قبل وَمن بعد} الرّوم 4 فراجعني رضي الله عنه بِأَبْيَات يَقُول فِيهَا
(تفتق عَن زهر الرّبيع سطور
…
فَمَا هِيَ إِلَّا رَوْضَة وغدير)
(هزمت من الصَّدْر الجريح همومه
…
فَأَنت على جند الْكَلَام أَمِير)
(مُحَمَّد هَل فِي الْعَصْر غَيْرك شَاعِر
…
لَهُ مَعكُمْ فِي الْخَافِقين ظُهُور)
(فَإِنِّي على صفو الوداد وإنني
…
سأشدوا وقلبي بالهموم كسير)
(مَتى وَعَسَى يثني الزَّمَان عنانه
…
بنهضة جد وَالزَّمَان عثور)
(فتدرك آمال وتقضي مآرب
…
وتحدث من بعد الْأُمُور أُمُور)
(عَلَيْك سَلام الله مني فإنني
…
غَرِيب بأقصى المغربين أَسِير)
وَكَانَت وَفَاة القَاضِي الْمَذْكُور رحمه الله فِي جَامع المشور فِي مهل ربيع الثَّانِي سنة ثَمَان عشرَة وَألف