الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ فَقبض عَلَيْهِ وَنهب أهل الأندلس دَاره وَكَتَبُوا إِلَى السُّلْطَان بذلك مظهرين طَاعَته مكيدة ونفاقا فَبعث إِلَيْهِم مَوْلَاهُ وقائده الْمَمْلُوك عجيبا فَمَكثَ بَين أظهرهم مُدَّة فَلم يعبؤوا بِهِ وصاروا يهزؤون بِهِ ثمَّ عدوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ فَظهر مِنْهُم شقّ الْعَصَا على السُّلْطَان زَيْدَانَ وأظلم الجو بَينه وَبينهمْ وَبَقِي أهل سلا فوضى لَا وَالِي عَلَيْهِم وَكثر النهب وامتدت أَيدي اللُّصُوص إِلَى المَال والحريم وسيدي مُحَمَّد العياشي سَاكِت لَا يتَكَلَّم وَاسْتمرّ الْحَال على ذَلِك إِلَى أَن كَانَ من أمره مَا نذكرهُ بعد هَذَا إِن شَاءَ الله
انعطاف إِلَى خبر عبد الله بن الشَّيْخ بفاس والثوار القائمين بهَا وَمَا تخَلّل ذَلِك
قد قدمنَا مَا كَانَ من قدوم السُّلْطَان زَيْدَانَ إِلَى فاس أواسط سنة تسع عشرَة وَألف واستيلائه عَلَيْهَا ثمَّ خُرُوجه عَنْهَا وإعراضه عَنْهَا وَعَن أَعمالهَا إِلَى آخر دولته وَكَانَ عبد الله بن الشَّيْخ حَيَاة أَبِيه الشَّيْخ تَحت أمره يصغي إِلَيْهِ وَلَا يقطع أمرا دونه وَقيل إِنَّه خرج عَن طَاعَته سنة عشْرين وَألف وَلما قتل أَبوهُ بِبِلَاد الهبط كَمَا مر استبد عبد الله هَذَا بفاس وَمَا انضاف إِلَيْهَا على وَهن وفشل ريح وَكَانَ غَالب جنده من شراقة وشراقة هَؤُلَاءِ هم عرب بادية تلمسان وَمَا انضاف إِلَيْهَا وَسموا بذلك لأَنهم فِي نَاحيَة الشرق من الْمغرب الْأَقْصَى فَأهل تلمسان وأعمالها يسمون أهل الْمغرب الْأَقْصَى مغاربة وَأهل الْمغرب الْأَقْصَى يسمون أهل تلمسان وأعمالها مشارقة لَكِن الْعَامَّة يلحنون فِي هَذِه النِّسْبَة فَيَقُولُونَ شراقة فَكَانَ غَالب جند عبد الله من هَؤُلَاءِ الْعَرَب وَمن انْضَمَّ إِلَيْهِم فهم حماته وأنصاره وبهم كَانَ يعتصم حَتَّى أَعْطَاهُم أجنة النَّاس ودورهم فَكَانَ الرجل من أهل فاس يَأْتِي بستانه فيجد الْأَعرَابِي بخيمته فِي وَسطه فَيَقُول لَهُ أعطانيه السُّلْطَان
ومدوا أَيْديهم إِلَى حَرِيم النَّاس ونهبوا الْأَسْوَاق وجاهروا بِالْفَسَادِ وأظهروا السكر فِي الطرقات واقتحموا على النَّاس دُورهمْ حَتَّى أَن امْرَأَة كَانَت تطبخ خليعا وَوَلدهَا رَضِيع عِنْدهَا فاقتحم عَلَيْهَا الدَّار أحد شراقة فهربت
الْمَرْأَة وأغلقت عَلَيْهَا مشربَة لَهَا فَلم يقدر لَهَا على شَيْء فَرَاوَدَهَا على النُّزُول فَأَبت فَقَالَ لَهَا إِن لم تنزلي رميت الْوَلَد فِي الطنجير فتمادت على الِامْتِنَاع فَرمى بِهِ فِيهِ فَمَا هُوَ إِلَّا أَن رَأَتْ وَلَدهَا فِي وسط الطنجير صاحت وَأَلْقَتْ بِنَفسِهَا عَلَيْهِ فاندقت رقبَتهَا وَمَاتَتْ فغاظ النَّاس ذَلِك وأعظموه
وَقَامَ رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان بن مُحَمَّد الشريف الزرهوني محتسبا على شراقة واعصوصب عَلَيْهِ كثير من الْعَامَّة وَقَامُوا بنصرته فَقتل شراقة والتلمسانيين بفاس حَيْثُ وجدوا وَحكم السَّيْف فِي رقابهم ونفاهم عَن فاس وحماها من إذايتهم وطهرها من رجسهم فَاسْتحْسن النَّاس أمره وأذعنوا إِلَيْهِ
قَالَ فِي الْمرْآة وَفِي يَوْم الْجُمُعَة الْحَادِي وَالْعِشْرين من ربيع الأول يَعْنِي سنة عشْرين وَألف ثار بفاس الشريف أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان بن مُحَمَّد الزرهوني وعضده الْفَقِيه أَبُو عبد الله مُحَمَّد اللمطي الْمَعْرُوف بالمربوع وتبعهما أهل فاس بأجمعهم وأخرجوا من كَانَ بهَا من جَيش السُّلْطَان وَقتلُوا كثيرا مِنْهُم وَجَرت فِي ذَلِك خطوب آلت بعد سِنِين إِلَى انْقِطَاع الْملك بفاس وَبَقِي النَّاس فوضى إِلَى الْآن اه كَلَام الْمرْآة
وَكَانَ ابْتِدَاء أَمر شراقة واشتداد شوكتهم سنة سِتّ عشرَة وَألف كَانُوا إدالة على أهل فاس نازلين بقصبة الطالعة وبقصبة أُخْرَى وببعض الفنادق وَقرب بَاب الْمُسَافِرين إِلَى أَن قَامَ عَلَيْهِم الشريف أَبُو الرّبيع فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم وَكَانَ عبد الله بن الشَّيْخ يَوْم ثورة أبي الرّبيع وفتكه بشراقة غَائِبا فِي سلا فَلَمَّا بلغه الْخَبَر قدم ورام أَن يصلح بَين أهل فاس وَبَين شراقة وراودهم على ذَلِك فَقَالُوا لَا لَا فسميت تِلْكَ السّنة سنة لَا لَا ثمَّ أَمر أَبُو الرّبيع أهل فاس بشرَاء الْعدة والتهيؤ لقِتَال شراقة وَخرج إِلَيْهِم فَاقْتَتلُوا خَارج بَاب الجيسة فانهزمت شراقة واستتب أَمر أبي الرّبيع وسكنت أَحْوَال الْمَدِينَة وَأمن النَّاس أَمَانًا لم يعْهَد من زمَان السُّلْطَان الْغَالِب بِاللَّه
وَفِي يَوْم الْأَرْبَعَاء رَابِع عشر جُمَادَى الثَّانِيَة سنة عشْرين وَألف كَانَت
وقْعَة المترب مَوضِع خَارج بَاب الْفتُوح وسببها أَن أهل فاس اسْتَغَاثَ بهم الملالقة واستصرخوهم على شراقة مكيدة وحيلة فَخَرجُوا فِي يَوْم شَدِيد الرّيح وَكَمن لَهُم شراقة بخولان وأغاروا عَلَيْهِم بَغْتَة فَانْهَزَمَ النَّاس وَقتل من أهل فاس نَحْو الْأَلفَيْنِ
وَفِي نشر المثاني سَبْعمِائة فَقَط قَالَ وجلهم هلك بالعطش وغلقت الْأَبْوَاب واضطربت الْمَدِينَة وهاج الشَّرّ بِسَبَب ذَلِك مُدَّة ثمَّ خرج أهل فاس مرّة أُخْرَى لقِتَال عبد الله بن الشَّيْخ فهزموه وأسروه وَبَقِي فِي أَيْديهم فعفوا عَن قَتله وأطلقوه وذهبوا خَلفه حَتَّى دخل دَاره من فاس الْجَدِيد
وَلما قتل أَبوهُ الشَّيْخ سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين كَمَا مر واتصل خبر مَقْتَله بِابْنِهِ عبد الله عزم على الْأَخْذ بثأره من قاتليه أَوْلَاد أبي الليف وأزمع الْمسير إِلَيْهِم وَوَافَقَهُ على ذَلِك الشريف أَبُو الرّبيع والفقيه المربوع وأصحابهما وامتنعت الْعَامَّة من الذّهاب مَعَهم لِأَن الشَّيْخ لم تبْق لَهُ فِي نفوس الْمُسلمين مَوَدَّة حَيْثُ بَاعَ العرائش لِلنَّصَارَى فاجتمعت الْعَامَّة بِجَامِع الْقرَوِيين وَقَالُوا لَا نقبل سُلَيْمَان وَلَا المربوع وحاصوا حَيْصَة حمر الْوَحْش وَاتَّخذُوا رُؤَسَاء آخَرين فَوَقع بِسَبَب ذَلِك شَرّ عَظِيم أدّى إِلَى قتل الشريف مولَايَ إِدْرِيس بن أَحْمد الجوطي العمراني التّونسِيّ وَسبب ذَلِك أَن مُنَادِي أبي الرّبيع مر يُنَادي فِي السُّوق باستنفار النَّاس مَعَ عبد الله بن الشَّيْخ فَقَامَ إِلَيْهِ الشريف مولَايَ إِدْرِيس وضربه بعصا وسبه فَأقبل أَبُو الرّبيع وَمن مَعَه واقتحموا على مولَايَ إِدْرِيس دَار القيطون وقتلوه على خصتها وَلما كَانَ صباح الْقَبْر من الْغَد قَامَ ولد مولَايَ إِدْرِيس وشكا هضيمته لعلماء فاس فأمروه بِالصبرِ ثمَّ التف عَلَيْهِ أهل العدوة وقصدوا دَار أبي الرّبيع وناوشوه الْحَرْب فَرَجَعُوا مفلولين وَقتل بَعضهم وَالْأَمر لله وَحده وَوَقع الغلاء حَتَّى بيع الْقَمْح بأوقيتين وَربع للمد وَكَثُرت الْأَمْوَات حَتَّى أَن صَاحب المارستان أحصى من الْأَمْوَات من عيد الْأَضْحَى من سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَألف إِلَى ربيع النَّبَوِيّ من السّنة بعْدهَا أَرْبَعَة آلَاف وسِتمِائَة وَخَربَتْ أَطْرَاف الْمَدِينَة وخلت المداسر وَلم
يبْق بلمطة إِلَّا الوحوش وَكثر النهب فِي القوافل
وَلما كَانَ الْمحرم فاتح سنة سِتّ وَعشْرين وَألف قبض الشريف أَبُو الرّبيع على أَرْبَعَة من كبار شراقة ثمَّ قَتلهمْ فَوَجَمَ لَهَا اللمطيون وَخَافَ النَّاس على الْمَدِينَة وتوقعوا الشَّرّ وَعظم الرعب فِي الْقُلُوب حَتَّى وَقعت بِسَبَب ذَلِك الْهَزِيمَة فِي كل مَسْجِد من مَسَاجِد الْخطْبَة بفاس وَذَلِكَ أَنه كَانَ إِمَام جَامع الْقرَوِيين ذَات يَوْم يخْطب وَالنَّاس فِي صحن الْمَسْجِد فَوَقع شؤبوب من الْمَطَر غزير فابتدر من فِي الصحن الدُّخُول إِلَى تَحت السّقف فَظن النَّاس أَن أَبَا الرّبيع قد قَصده شراقة فَانْهَزَمُوا وَخَرجُوا من الْمَسْجِد لَا يلوي أحد على أحد فَبلغ الْخَبَر إِلَى أهل جَامع الأندلس فاقتدوا بهم وَبلغ الْخَبَر إِلَى أهل الطالعة فَكَانَ كَذَلِك وَتَتَابَعَتْ الهزائم بالمساجد
وَفِي يَوْم السبت الْخَامِس من صفر سنة سِتّ وَعشْرين وَألف قتل الشريف أَبُو الرّبيع غدرا فِي جَنَازَة رجل لمطي خرج إِلَيْهَا فَقتله الْفَقِيه المربوع وَقتل أَبَاهُ وَأَبْنَاء عَمه وَسِتَّة من أَصْحَابه وَدفن مَعَ وَالِده بِمَسْجِد الجرف وَلما قتل أَبُو الرّبيع بقيت فاس فِي يَد المربوع واعصوصب عَلَيْهِ اللمطيون واشتدت شوكته ثمَّ قدم جمع من عشيرة أبي الرّبيع من زرهون وحاولوا الفتك بالمربوع فَفطن بهم وَوَقع بَينه وَبينهمْ قتال هلك فِيهِ نَحْو مائَة وَثَلَاثِينَ رجلا وَسلم المربوع مِنْهَا
وَقَالَ صَاحب مُعْتَمد الرَّاوِي لما قتل أَبُو الرّبيع الزرهوني قَامَ أَخُوهُ مولَايَ أَحْمد يطْلب بثأره وسَاق مَعَه نَحْو أَرْبَعمِائَة من الزراهنة واقتحم بهم فاس وقاتلوا الْفَقِيه المربوع وشيعته من اللمطيين فالتف أهل فاس على المربوع وقاتلوا مَعَه الشريف يدا وَاحِدَة فَانْهَزَمَ الشريف وَقتل جلّ من مَعَه وَكَاد يقبض عَلَيْهِ بِالْيَدِ ففر إِلَى رَوْضَة سَيِّدي أَحْمد الشاوي وَمَعَهُ نَحْو الثَّمَانِينَ من أَصْحَابه فَتَبِعهُمْ الْفَقِيه المربوع فِي جمع عَظِيم من اللمطيين واقتحم عَلَيْهِم الرَّوْضَة ففر الزراهنة إِلَى بيُوت دَار الشَّيْخ فهجم عَلَيْهِم المربوع بجنده وقتلهم أَجْمَعِينَ ثمَّ إِن المربوع واللمطيين جاؤوا بِرَجُل يُقَال لَهُ عبد الرَّحْمَن الخنادقي كَانَ يتعبد بزرهون فاستقدموه فِي جُمَادَى الأولى سنة سبع
وَعشْرين وَألف وراموا أَن يملكوه ويجتمعوا عَلَيْهِ فأنزلوه مَعَ أَصْحَابه فِي رَوْضَة الشَّيْخ أبي الْحسن عَليّ بن حرزهم واتصل الْخَبَر بالقائد أَحْمد بن عميرَة وَزِير عبد الله بن الشَّيْخ فَأتى وفتك بأصحاب الرجل الْمَذْكُور ولجأ هُوَ إِلَى ضريح الشَّيْخ ابْن حرزهم فَرَمَوْهُ من طاق هُنَالك فَقَتَلُوهُ وَسقط مَيتا على الْقَبْر وَبَطل أمره
وَلما سئم أهل فاس من الْفِتَن وَكَثْرَة الْحصار وضاق بهم الْحَال من غارات الْأَعْرَاب ذَهَبُوا إِلَى عبد الله بن الشَّيْخ بفاس الْجَدِيد ونصروه وأظهروا الْمحبَّة لَهُ ففرح بهم غَايَة وتحالفت الْعَامَّة والخاصة على نَصره والإذعان إِلَيْهِ فصفح عَنْهُم وَعَفا لَهُم عَمَّا سلف وَبعث وزيره إِلَى المربوع بالأمان فَلم يَأْمَن وَخَافَ على نَفسه وصمم مَعَ اللمطيين على قتال عبد الله وتهيؤوا لَهُ حَتَّى لم تصل الصَّلَوَات الْخمس بالقرويين ثمَّ إِن الْقَائِد حمو بن عَمْرو وَزِير عبد الله أَمر بِأَن يُنَادى بِأَمَان اللمطيين ففر اللمطيون عَن المربوع حِينَئِذٍ حَتَّى لم يبْق مَعَه إِلَّا قَلِيل ثمَّ بعث إِلَيْهِ عبد الله بسبحته وخاتمه أَمَانًا فَلم يَأْمَن وفر لَيْلًا إِلَى بني حسن فَأَخذه شيخهم سرحان وأتى بِهِ إِلَى عبد الله فَعَفَا عَنهُ وعادت دولة عبد الله إِلَى شبابها واستتب أمره وتمهدت لَهُ الْبِلَاد وَذَلِكَ فِي جُمَادَى الأولى سنة سبع وَعشْرين وَألف فَجمع الجيوش وَبعث بعض جنده لحصار تطاوين وَبَعْضهمْ لقبض الأعشار وَبعث وزيره حمو بن عَمْرو مَعَ المربوع لأرجين مَوضِع من جبال الزَّبِيب فغدر المربوع بالوزير وَقَتله اعْتِمَادًا على كَلَام سَمعه من عبد الله فَغَضب عبد الله وأسرها فِي نَفسه ثمَّ فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث ربيع النَّبَوِيّ سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف قتل المربوع اللمطي ونهبت دَاره
وَقَالَ فِي نشر المثاني قَتله عبد الله بن الشَّيْخ وعلقه على البرج الْجَدِيد خَارج بَاب السَّبع ثمَّ أنزلهُ ولعبت عَلَيْهِ خيله ثمَّ بعد أَيَّام وظف عبد الله على اللطميين ثَمَانِينَ ألفا فثقل عَلَيْهِم أمرهَا فَهَرَبُوا فِي كل وَجه فأسقط عَنْهُم نصفهَا وَالله تَعَالَى أعلم