الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حجَّة الله فِي الْإِسْلَام ذِي الْعقل الرَّاجِح وَالْهَدْي الْوَاضِح عهود من الْآبَاء توارثتها الْأَبْنَاء المتواضع الخاشع صَاحب الْقَلَم البارع سَيِّدي وسندي أبي مُحَمَّد عبد الله سلمه الله من كل مَكْرُوه ووقاه فحضني حفظه الله على اخْتِصَار الشَّرْح الْمَذْكُور يَعْنِي شَرحه الْكَبِير على المرشد الْمعِين بعد أَن طالع جله وسر بِهِ كل السرُور وحث عَليّ فِي تَقْدِيم ذَلِك على جَمِيع الْأُمُور فَلَمَّا قفلت من وجهتي شرعت فِي ذَلِك تَارِكًا للتسويف طَالبا من الْمولى سُبْحَانَهُ السَّلامَة من الْخَطَأ والتحريف انْتهى الْمَقْصُود مِنْهُ
قَالَ فِي نشر المثاني إِن أَبَا عبد الله العياشي قدم فاسا وَنظر فِي أمرهَا وغزا عرب الحياينة مرَارًا وأثخن فيهم حَتَّى خضعوا للطاعة
إِيقَاع أبي عبد الله العياشي بنصارى الجديدة
سَبَب هَذِه الْغَزْوَة كَمَا ذكره الْفَقِيه الْعَلامَة قَاضِي تامسنا أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد الغنامي الشاوي الْمَعْرُوف بسيدي رحو الغنامي أَن نَصَارَى الجديدة عقدوا المهادنة مَعَ أهل آزمور مُدَّة فَكَانَ من عزة النَّصَارَى وذلة الْمُسلمين فِي تِلْكَ الْمدَّة مَا تنفطر مِنْهُ الأكباد وتخر لَهُ الأطواد فَمن ذَلِك أَن زَوْجَة قبطانهم خرجت ذَات يَوْم فِي محفتها وَمَعَهَا صواحباتها إِلَى أَن وصلت حلَّة الْعَرَب فتلقاها أهل الْحلَّة بالزغاريت والفرح وصنعوا لَهَا من الْأَطْعِمَة وحملوا لَهَا من هَدَايَا الدَّجَاج والحليب وَالْبيض شَيْئا كثيرا فظلت عِنْدهم فِي فَرح عَظِيم وَلما كَانَ اللَّيْل رجعت وَوَقع لَهَا أَيْضا أَنَّهَا أمرت القبطان زَوجهَا أَن يخرج بجيشه وَيبْعَث إِلَى قَائِد آزمور أَن يخرج بِجَيْش الْمُسلمين فيلعبوا فِيمَا بَينهم وَهِي تنظر إِلَيْهِم بِقصد الفرجة والنزهة فَكَانَ كَذَلِك فَجعلُوا يَلْعَبُونَ وَهِي تتفرج فيهم فَمَا كَانَ بأسرع من أَن حمل نَصْرَانِيّ على مُسلم فَقتله فَكلم قَائِد الْمُسلمين القبطان وَأخْبرهُ بِمَا وَقع فَقَالَ لَهُ القبطان فَمَا يضركم إِن مَاتَ شَهِيدا يهزأ بِالْمُسْلِمين ويسخر مِنْهُم قَالَ
وَكَانَ الْوَلِيّ الصَّالح العابد الناسك الزَّاهِد الْمُجَاهِد رَافع لِوَاء الْإِسْلَام ومحيي منهاج النَّبِي صلى الله عليه وسلم سَيِّدي مُحَمَّد العياشي كلما سمع شَيْئا من ذَلِك تغير وَبَات لَا يلتذ بِطَعَام وَلَا مَنَام وَهُوَ يفكر كَيفَ تكون الْحِيلَة فِي زَوَال المعرة عَن الْمُسلمين بِتِلْكَ الْجِهَة وَغسل أعراضهم من وسخ الإهانة وَهُوَ مَعَ ذَلِك يخَاف من الْعُيُون الَّذين يَرْصُدُونَهُ من صَاحب مراكش وقائد آزمور وَمن قبطان الجديدة إِذْ كَانَ مَا خلف وَادي أم الرّبيع إِلَى مراكش بَاقِيا فِي دَعْوَة السُّلْطَان لم يدْخل فِي دَعْوَة أبي عبد الله الْمَذْكُور فَمَكثَ كَذَلِك ثَلَاث سِنِين وَلما رأى أَن الْأَمر لَا يزِيد إِلَّا شدَّة أوعز إِلَى بعض أَوْلَاد ذُؤَيْب من أَوْلَاد أبي عَزِيز أَن يجلبوا إِلَى النَّصَارَى شَيْئا من الْقَمْح خُفْيَة وَأَن يكون ذَلِك شَيْئا فَشَيْئًا حَتَّى تطمئِن نُفُوسهم ويذوقوا حلاوته ويوهمهم النصح والمحبة فَلَمَّا حصل ذَلِك جَاءَهُ جمَاعَة مِنْهُم وَأَخْبرُوهُ الْخَبَر وأطلعوه على غرَّة النَّصَارَى خذلهم الله فعزم على قصد الجديدة ثمَّ بدا لَهُ فِي تَقْدِيم غَزْو العرائش ثمَّ يَأْتِي الجديدة بَغْتَة فَفعل رحمه الله وَكَانَ ذَلِك أَوَائِل صفر سنة تسع وَأَرْبَعين وَألف
ثمَّ عزم على قصد الجديدة فَذكرُوا لَهُ أَن وَادي أم الرّبيع فِي نِهَايَة الْمَدّ والامتلاء فَلم ينْتَه عَن ذَلِك وَسَار حَتَّى بلغ الْوَادي الْمَذْكُور على مشرع أبي الأعوان فَوَجَدَهُ ممتلئا جدا لَا يكَاد يدْخلهُ أحد إِلَّا غرق فَقَالَ لأَصْحَابه وَسَائِر من مَعَه توكلوا على الله واجتهدوا فِي الدُّعَاء ثمَّ اقتحم الْوَادي بفرسه وَتَبعهُ النَّاس فعبروا جَمِيعًا وَلم يتأذ مِنْهُم أحد وَكَانَ المَاء يصل إِلَى قريب من ركب خيلهم مَعَ أَن مد ذَلِك الْوَادي حِين امتلائه لَا يدْرك لَهُ قَعْر عِنْد النَّاس كَمَا هُوَ شهير وَهَذِه كَرَامَة عَظِيمَة وَقعت لَهُ رضي الله عنه وَكَانَ القَاضِي أَبُو زيد الغنامي حَاضرا لَهَا وشاهدها وَلم يَقع مثل هَذَا فِيمَا علمناه إِلَّا للصحابة رضي الله عنهم مثل مَا وَقع لسعد بن أبي وَقاص فِي عبوره دجلة لفتح الْمَدَائِن وَمثل مَا وَقع للعلاء بن الْحَضْرَمِيّ فِي فتح بعض بِلَاد فَارس وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يَشَاء
وَلما وصل أَبُو عبد الله إِلَى الجديدة وجد طَائِفَة من أَوْلَاد أبي عَزِيز قد نذروا بِهِ ولجؤوا إِلَى القبطان خوفًا مِنْهُ أَن يُوقع بهم لأجل مهادنتهم للْكفَّار واتصالهم بهم فَخرج القبطان فِي خيله وَكَانَ سَيِّدي مُحَمَّد كامنا بِإِزَاءِ الجديدة بِالْغَابَةِ الَّتِي كَانَت هُنَاكَ وَقد زَالَت الْيَوْم فَلَمَّا انْفَصل القبطان بجيشه عَن الجديدة حمل عَلَيْهِم أَبُو عبد الله فقطعهم عَنْهَا فَفرُّوا إِلَى جِهَة الْبَحْر فأوقع بهم فهلكوا وَلم ينج مِنْهُم إِلَّا سَبْعَة وَعِشْرُونَ رجلا فَتغير صَاحب مراكش من ذَلِك وَأنكر مَا صنع أَبُو عبد الله وَكَذَا أنكرهُ قاضيه الْفَقِيه أَبُو مهْدي السكتاني
وَقد ذكر لويز مَارِيَة خبر هَذِه الْوَقْعَة فَقَالَ إِن طَائِفَة من الْمُسلمين قدمُوا على قَائِد البرتغال بالجديدة وَقَالُوا لَهُ إِنَّا قد جئْنَاك من عِنْد الْمولى مُحَمَّد بن الشريف يطْلب مِنْك تعينه بِجَمَاعَة من عسكرك على بعض عدوه فأسعفهم بذلك وَكَانَ شَابًّا غرا لم يجرب الْأُمُور فَنَهَاهُ بعض كبار عسكره وحذره عَاقِبَة الْغدر فَأبى وعزم على الْخُرُوج مَعَ أُولَئِكَ الْمُسلمين وتقاعد عَنهُ عسكره فَقَالَ لَهُم إِنِّي أخرج وحدي وَذهب ليخرج وَحده فتبعوه حِينَئِذٍ وَكَانُوا مائَة وَأَرْبَعين فَارِسًا فَلَمَّا انفصلوا عَن الجديدة بمسافة وجدوا خيلا كَثِيرَة كامنة لَهُم فَلم يشعروا حَتَّى أحاطت بهم نصف دَائِرَة مِنْهُم فَمَا كلموهم حَتَّى كملت الدائرة عَلَيْهِم وصاروا مركزها فَحِينَئِذٍ الْتفت قَائِد الْعَسْكَر إِلَى ذَلِك الرجل الَّذِي نَهَاهُ عَن الْخُرُوج وَقَالَ لَهُ مَا الْحِيلَة فَأَجَابَهُ بِأَن الْحِيلَة الْقِتَال حَتَّى نموت ثمَّ أنْشد لَهُ شعرًا مضمنه إِنِّي أَشرت عَلَيْك وَأَنت أعظم جاها مني فَلم تسمع والآن نقْتل مَعًا وتختلط دماؤنا حَتَّى لَا يتميزان وَلَا يعرف دم الشريف من الوضيع وَالْحَاصِل أَن الْمُسلمين أوقعوا بهم حَتَّى لم يرجع مِنْهُم إِلَى الجديدة إِلَّا ثَلَاثَة وَأسر مِنْهُم خَمْسَة عشر أَحيَاء وَالْبَاقِي أَتَى عَلَيْهِ الْقَتْل وَقَامَت بالجديدة مناحة عَظِيمَة لم يتَقَدَّم مثلهَا وسجن الْأُسَارَى بسلا سِنِين فِي بعض دهاليزها حَتَّى افتداهم سلطانهم خوان الَّذِي جمع مملكتهم من يَد الإصبنيول انْتهى
وَلما قدم سَيِّدي مُحَمَّد العياشي من هَذِه الْغَزْوَة سَار إِلَى فاس للنَّظَر فِي أمرهَا لما هاج من الْحَرْب بَين أَهلهَا وَذَلِكَ أَن رجلا مِنْهُم يُقَال لَهُ ابْن الزين عدا على رجل آخر يُقَال لَهُ أَحْمد عميرَة فَرَمَاهُ برصاصة من علية مَسْجِد فَوق سويقة ابْن صافي فَقتله وهاجت الْحَرْب بفاس بَين أهل عدوة الأندلس وَكَانَ الْمَقْتُول رئيسهم وَبَين اللمطيين فَقدم سَيِّدي مُحَمَّد العياشي فاسا فِي آخر جُمَادَى سنة خمسين وَألف فَأصْلح بَينهم وأقاد من قَاتل عميرَة كَبِير الأندلسيين وَبِالْجُمْلَةِ فغزوات سَيِّدي مُحَمَّد العياشي رحمه الله كَثِيرَة وذبه عَن الْإِسْلَام وحمايته للدّين مِمَّا هُوَ شهير عِنْد الْخَاص وَالْعَام
وَفِي هَذِه الْغَزْوَة يَقُول الْكَاتِب الأديب أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد الكلاني مادحا لسيدي مُحَمَّد العياشي ومشيرا إِلَى الْكَرَامَة الَّتِي وَقعت لَهُ فِي عبور النَّهر
(حَدِيث الْعلَا عَنْكُم يسير بِهِ الركب
…
وينقله فِي صحفه الشرق والغرب)
(وحبكم فرض على كل مُسلم
…
تنَال بِهِ الزلفى من الله والقرب)
(فَأَنت رفيع من أصُول رفيعة
…
نُجُوم الدياجي فِي الْأَنَام لَهَا سرب)
(سمي رَسُول الله نَاصِر دينه
…
تجلى بكم عَن أفقه الشَّك والريب)
(وَلم أر بحرا جَاوز الْبَحْر قبلكُمْ
…
تجود لمستجد أنامله السحب)
(وَمَا يَسْتَوِي البحران عِنْدِي فَإِن ذَا
…
أجاج لعمري فِي المذاق وَذَا عذب)
وَكَانَ رحمه الله عَازِمًا على أَخذ العرائش فحال بَينه وَبَينهَا انصرام الْأَجَل وَكَذَلِكَ كَانَ ملحا على أَخذ طنجة فَلم تساعده الأقدار