الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبي بكر الشباني ثمَّ الحريزي كَمَا سَيَأْتِي
وَكَانَ مقتل السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس رحمه الله سنة تسع وَسِتِّينَ وَألف كَذَا فِي النزهة وَالَّذِي فِي نشر المثاني أَنه قتل سنة خمس وَسِتِّينَ وَألف وَالله أعلم بغيبه
قَالَ اليفرني رحمه الله وَقد أذكرتني هَذِه الفعلة قَول الْمولى مُحَمَّد بن الشريف فِي قصيدته السَّابِقَة
(أما الشبانة فاحذرن من غيها
…
لَا بُد تغدر بالأخير وتخذل)
فَإِن الْأَمر وَقع كَمَا قَالَ مَعَ أَن الْمولى مُحَمَّد بن الشريف كتب بالقصيدة الْمَذْكُورَة للسُّلْطَان مُحَمَّد الشَّيْخ فِي سنة تسع وَخمسين وَألف وغدر الشبانات للسُّلْطَان أبي الْعَبَّاس كَانَ سنة تسع وَسِتِّينَ وَألف وَلَعَلَّ الْمولى مُحَمَّد بن الشريف تلقى ذَلِك من بعض أهل الْكَشْف أَو نحوهم فَإِن كَلَامه كثيرا مَا يَقع فِيهِ مثل هَذَا وبمهلك السُّلْطَان أبي الْعَبَّاس رحمه الله انقرضت دولة السعديين من آل زَيْدَانَ وانهار جرفها وانطوى بساطها وَسُبْحَان من لَا يبيد ملكه وَلَا يَزُول سُلْطَانه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم
الْخَبَر عَن دولة الشبانات بمراكش وأعمالها وَمَا آل إِلَيْهِ أمرهَا من دثورها واضمحلالها
لما قتل السُّلْطَان أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد الشَّيْخ بن زَيْدَانَ فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم ثار كَبِير حَيّ الشبانات بمراكش من عرب معقل وَهُوَ الرئيس عبد الْكَرِيم بن الْقَائِد أبي بكر الشباني ثمَّ الحريزي وحريز فَخذ مِنْهَا هِيَ النبعة والصميم فِيهَا وَعبد الْكَرِيم هَذَا يعرف عِنْد الْعَامَّة بكروم الْحَاج فَدخل مراكش ودعا النَّاس إِلَى بيعَته فَبَايعُوهُ بهَا سنة تسع وَسِتِّينَ وَألف وانتظمت لَهُ مملكة مراكش ونواحيها وَسَار فِي النَّاس سيرة حميدة وَكَانَ
فِي أَيَّامه الغلاء المؤرخ بعام سبعين وَألف وَهُوَ غلاء مفرط بلغ النَّاس فِيهِ غَايَة الضَّرَر حَتَّى أكلُوا الْجِيَف وَلم يزل مُسْتَقِيم الرَّأْي بمراكش إِلَى أَن توفّي بهَا سنة تسع وَسبعين وَألف قبل أَن يدخلهَا الْمولى الرشيد بن الشريف بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا
وَقَالَ منويل لما بَايع أهل مراكش عبد الْكَرِيم الشباني خَالَفت عَلَيْهِ آسفي وأعمالها فغزاهم ثمَّ رَجَعَ مفلولا إِلَى مراكش وَكَانَت المجاعة الْمَشْهُورَة عقب ذَلِك ثمَّ قَتله بعض أجناده دخل عَلَيْهِ فطعنه بِرُمْح فأتلفه ثمَّ قبض على الْقَاتِل وَقتل أَيْضا فِي الْحِين وَلما توفّي بَايع النَّاس وَلَده أَبَا بكر ابْن عبد الْكَرِيم فَبَقيَ إِلَى أَن قدم الْمولى الرشيد وتقبض عَلَيْهِ وعَلى عشيرته فَقَتلهُمْ ثمَّ تتبع الشبانات فأفناهم قتلا وَأخرج عبد الْكَرِيم من قَبره فأحرقه بالنَّار وانقرضت دولة الشبانات والبقاء لله وَحده
ولنذكر مَا كَانَ فِي هَذِه الْمدَّة من الْأَحْدَاث فَنَقُول
فِي سنة ثَلَاث عشرَة وَألف فِي ثَانِي عشر محرم مِنْهَا توفّي الْوَلِيّ الْكَبِير أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن أَحْمد بن الْحسن الخالدي السلاسي الْمَعْرُوف بِابْن حسون نِسْبَة إِلَى جده الْحسن الْمَذْكُور وَهَذَا الشَّيْخ هُوَ دَفِين سلا الشهير بهَا أَصله من سلاس مدشر على مرحلة من فاس ثمَّ انْتقل إِلَى سلا وَسبب انْتِقَاله إِلَيْهَا أَنه كَانَ بَين أهل سلاس حروب ومقاتلات فَكَانَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد عبد الله إِذا غلب أهل مدشره فَرح وَإِذا انْهَزمُوا حزن ففكر فِي نَفسه وَقَالَ محبَّة الْغَلَبَة تستدعي محبَّة الشَّرّ للْمُسلمين وَعلي عهد الله لَا جَلَست فِي مَوضِع أفرق فِيهِ بَين الْمُسلمين وأبغي الشَّرّ لَهُم فارتحل إِلَى سلا وَلما اسْتَقر بهَا أَتَاهُ جمَاعَة من عشيرته يراودونه على الرُّجُوع إِلَى بِلَادهمْ وحثوا عَلَيْهِ فِي ذَلِك فَأخذ قدحا وملأه من مَاء الْبَحْر وَوَضعه ثمَّ قَالَ لَهُم مَا بَال مَاء الْبَحْر يضْرب بعضه بَعْضًا وتتلاطم أمواجه وَمَا لهَذَا المَاء الَّذِي مِنْهُ فِي الْقدح سَاكن فَقَالُوا لَهُ لِأَنَّهُ لم يبْق فِي الْبَحْر فَقَالَ لَهُم الغربة تصفي
وتسكن فَعَلمُوا مُرَاده وَانْصَرفُوا آيسين قلت وَفِي انْتِقَاله من سلاس إِلَى سلا إِشَارَة لَطِيفَة وَهِي أَن لفظ سلاس بِاعْتِبَار تفكيكه سلو مَوْصُول بِحرف السِّين وَهُوَ حرف ذُو قُرُون ثَلَاثَة متشعبة فَيُؤْخَذ مِنْهُ بطرِيق الْإِشَارَة أَنه سلو مَوْصُول بكدر بِخِلَاف لفظ سلا فَإِنَّهُ سلو مَحْض وَقد قدمنَا فِي أَخْبَار ابْن الْخَطِيب رحمه الله أَن مَدِينَة سلا كَانَت مقصدا لِلْعِبَادَةِ وَأهل الْخلْوَة والانفراد من لدن قديم أَخذ الشَّيْخ ابْن حسون عَن أبي مُحَمَّد الهبطي عَن أبي مُحَمَّد الغزواني عَن التباع عَن الْجُزُولِيّ رضي الله عنهم وَكَانَ صَاحب أَحْوَال تهدى إِلَيْهِ الثِّيَاب الرفيعة فيأمر بهَا فَتلقى فِي بَيت مسدود فَتبقى فبه حَتَّى يأكلها السوس وتضيع وَكَانَ كل يَوْم يصبح على بَابه أَرْبَاب الْآلَات بالطبول والأبواق يضْربُونَ عَلَيْهِ النّوبَة وَغير ذَلِك وَقد تكلم عَلَيْهِ الشَّيْخ اليوسي فِي المحاضرات وَحمله محملًا جميلا وكرامات ابْن حسون كَثِيرَة شهيرة نفعنا الله بِهِ وبأمثاله
وَفِي السّنة الْمَذْكُورَة فِي ربيع الأول مِنْهَا توفّي الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى العلام الرباني أَبُو المحاسن يُوسُف بن مُحَمَّد الفاسي جد السَّادة الفاسيين وأخباره ومناقبه شهيرة قد تكفل ببسطها كتاب مرْآة المحاسن لِابْنِهِ الْعَلامَة أبي عبد الله مُحَمَّد الْعَرَبِيّ الفاسي الْمَوْضُوع لهَذَا الْقَصْد بالخصوص
وَفِي سنة أَربع عشرَة وَألف كَانَ الغلاء الْعَظِيم بفاس قَالَ صَاحب الممتع فِي تَرْجَمَة الشَّيْخ أبي عبد الله مُحَمَّد بن حَكِيم بالأندلسي أَنه اعتراه ذَات يَوْم حَال فجَاء إِلَى بعض أفران فاس وَجعل يَقُول لصَاحب الفرن أغلق فرنك أغلق فرنك ويصيح بِهِ فَإِذا بالغلاء الْعَظِيم حدث عقب ذَلِك وَهُوَ غلاء سنة أَربع عشرَة وَألف فتعطل ذَلِك الفرن وَغَيره من أفران الْمَدِينَة وَكَانَ يمر بالطرقات فَيَقُول النَّاس يَأْكُلُون عَن أَوْلَادهم ويكرر ذَلِك على جِهَة الْإِنْكَار فجَاء الغلاء الْمَذْكُور فَكَانَ النَّاس يَأْكُلُون فِي الْأَسْوَاق عَن أَوْلَادهم وَلم يكن يعْهَد الْأكل بالأسواق قبل ذَلِك
وَفِي سنة خمس عشرَة وَألف فِي ثَانِي جُمَادَى مِنْهَا جَاءَ بفاس سيل عَظِيم حَتَّى غمر دور عمل الفخارين وَذهب بِبَعْض أنادر الزَّرْع وَحمل أمة من بَاب الْفتُوح فَمَاتَتْ
وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَألف حدث الشَّرّ بفاس وَوَقع الغلاء حَتَّى بيع الْقَمْح بأوقيتين وَربع للمد وَكَثُرت الْمَوْتَى حَتَّى أَن صَاحب المارستان أحصى من الْمَوْتَى من عيد الْأَضْحَى من سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَألف إِلَى ربيع النَّبَوِيّ من السّنة بعْدهَا أَرْبَعَة آلَاف وسِتمِائَة وَخَربَتْ أَطْرَاف فاس وخلت المداشر وَلم يبْق بلمطة سوى الوحوش
وَفِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف وَذَلِكَ عِنْد فجر يَوْم السبت الثَّانِي وَالْعِشْرين من رَجَب مِنْهَا حدثت زَلْزَلَة عَظِيمَة بفاس ذكر صَاحب الممتع فِي تَرْجَمَة أبي عبد الله بن حَكِيم الْمَذْكُور آنِفا أَنه كَانَ قبل الزلزلة الْمَذْكُورَة يَصِيح المردومات المردومات فَإِذا بالزلزلة حدثت قَالَ فَمَا بقيت دَار من دور فاس غَالِبا إِلَّا دَخَلتهَا الفؤس
وَفِي خَامِس شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة نزل برد عَظِيم قدر بيض الدَّجَاج وأكبر وأصغر ورئي حجر عَظِيم مِنْهَا نزل على خيمة فخرقها وفر أَهلهَا عَنْهَا وَبَقِي لم يذب نَحْو ثَلَاثَة أَيَّام
وَفِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَألف توفّي الإِمَام الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَبُو زيد عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الفاسي الْمَعْرُوف بالعارف بِاللَّه وَهُوَ أَخُو أبي المحاسن الْمَذْكُور آنِفا ومناقبه شهيرة أَيْضا
وَفِي السّنة الْمَذْكُورَة كَانَ الغلاء بفاس وَالْمغْرب
وَفِي سنة أَرْبَعِينَ وَألف عَشِيَّة يَوْم الْخَمِيس ثَالِث ذِي الْحجَّة مِنْهَا توفّي الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة الْهمام أَبُو مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن أَحْمد بن عَليّ بن عَاشر الْأنْصَارِيّ نسبا الأندلسي أصلا الفاسي منشأ ودارا الْفَقِيه الْمَشْهُور كَانَ رحمه الله لَهُ الباع الطَّوِيل فِي الْمُشَاركَة فِي الْعُلُوم مَعَ غَايَة التَّحْرِير وَالتَّحْقِيق وَله التَّأْلِيف الحسان الَّتِي أغْنى فِيهَا عَن الْخَبَر والعيان وَكَانَ ورعا سنيا وَكَانَ لَا