الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من يَد الْعَدو الْكَافِر بِإِعْطَاء بلد من بِلَاد الْإِسْلَام لَهُ جَائِز وَإِنَّا موافقون على ذَلِك وَوَقع هَذَا الاستفتاء بعد أَن وَقع مَا وَقع وَمَا أجَاب من أجَاب من الْعلمَاء عَن ذَلِك إِلَّا خوفًا على نَفسه وَقد فر جمَاعَة من تِلْكَ الْفَتْوَى كَالْإِمَامِ أبي عبد الله مُحَمَّد الْجنان صَاحب الطرر على الْمُخْتَصر وكالإمام أبي الْعَبَّاس أَحْمد الْمقري مؤلف نفح الطّيب فاختفيا مُدَّة اسْتِبْرَاء لدينهما حَتَّى صدرت الْفَتْوَى من غَيرهمَا وبسبب هَذِه الْفَتْوَى أَيْضا فر جمَاعَة من عُلَمَاء فاس إِلَى الْبَادِيَة كالشيخ أبي عَليّ الْحسن الزياتي شَارِح جمل ابْن المجراد والحافظ أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن يُوسُف الفاسي وَغَيرهمَا
بَقِيَّة أَخْبَار الشَّيْخ ومقتله رحمه الله وَتجَاوز عَنهُ
ثمَّ إِن الشَّيْخ ابْن الْمَنْصُور نزل بالفحص وَاجْتمعت عَلَيْهِ لمة من أهل الذعارة وَالْفساد على شاكلته فَنَهَضَ بهم إِلَى تطاوين فاستولى عَلَيْهَا وَأخرج مِنْهَا كبيرها الْمُقدم الْمُجَاهِد أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد النقسيس وَلم يزل الشَّيْخ يجول فِي بِلَاد الفحص ويعسف أَهلهَا إِلَى أَن مِلَّته الْقُلُوب وتمالأ أَشْيَاخ الفحص على قَتله لما رَأَوْا من انحلال عقيدته ورقة ديانته وتمليكه ثغر الْإِسْلَام للْكفَّار ففتك بِهِ الْمُقدم أَبُو الليف فِي وسط محلته بِموضع يعرف بفج الْفرس وَبَقِي صَرِيعًا مَكْشُوف الْعَوْرَة أَيَّامًا حَتَّى خرج جمَاعَة من أهل تطاوين فَحَمَلُوهُ مَعَ من قتل مَعَه من أَصْحَابه كالدبيريين وَبَعض أَوْلَاده ودفنوهم خَارج تطاوين إِلَى حمل الشَّيْخ إِلَى فاس الْجَدِيد مَعَ أمه الخيزران فدفنا بِهِ وَكَانَ مَقْتَله خَامِس رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَألف
وَقَالَ منويل إِنَّه وصل إِلَى قرب تطاوين وَبنى هُنَالك أفراكا وَأقَام ينْتَظر اجْتِمَاع الجيوش عَلَيْهِ ثمَّ سكر ذَات يَوْم على عَادَته وَخرج إِلَى عين مَاء هُنَالك فاستلقى قربهَا فِي نَبَات أَخْضَر أَعْجَبته خضرته فَجَاءَهُ أنَاس من أهل تِلْكَ الْبَلدة فعرفوه وشدخوا رَأسه بصخرة فَقَتَلُوهُ وَيُقَال إِن قَتله كَانَ بِإِشَارَة الثائر أبي محلي الْآتِي ذكره وَإنَّهُ كتب إِلَى المقدمين النقسيس وَأبي الليف يحضهما على قَتله فَقَتَلُوهُ وانتهبوا مَاله وَكَانَ شَيْئا كثيرا وَمن جملَة مَا نهب مِنْهُ نَحْو الْمَدّ من الْيَاقُوت وَبَقِي من أثاثه نَحْو وسق سفينة كَانَ قد تَركه بطنجة فاستولى عَلَيْهِ نصاراها من البرتغال لما قتل وَكَانَ للشَّيْخ عَفا الله عَنهُ مُشَاركَة فِي الْعلم وَيَد فِي مبادئ الطِّبّ أَخذ عَن أَشْيَاخ الحضرتين وَله شعر مُتَقَارب وَمن كِتَابه الأديب المتفنن أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد الغرديس التغلبي وَكَانَ من أهل الإجادة والتبريز فِي صناعَة الْإِنْشَاء قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْعَرَبِيّ الفاسي فِي شَرحه لدلائل الْخيرَات عِنْد قَوْله وَكَانَ لي جَار نساخ مَا نَصه وَقد كَانَ الشَّيْخ الْكَاتِب الرئيس أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد الغرديس شيخ كتاب الْإِنْشَاء بِحَضْرَة فاس رحمه الله اسْتعَار مني كتاب الأنباء فِي شرح الْأَسْمَاء للإقليشي ثمَّ مرض مرض مَوته فعدته فَوجدت الْكتاب عِنْد رَأسه وَمَعَهُ كراريس مَنْسُوخَة وَأُخْرَى معدة للنسخ فَقَالَ لي إِنِّي إِذا وجدت رَاحَة كتبت مِنْهُ مَا قدرت عَلَيْهِ فَإِذا غلبني مَا بِي أَمْسَكت فَقَالَ لَهُ وَلم تتكلف هَذَا فَقَالَ إِنِّي عصيت الله بِهَذِهِ الْأَصَابِع مَا لَا أحصيه فرجوت أَن يكون مَا أعانيه على هَذِه الْحَال من نسخ هَذَا الْكتاب خَاتِمَة عَمَلي وَكَفَّارَة لذَلِك فكمل الله قَصده وَأتم الْكتاب وَتُوفِّي من مَرضه ذَلِك وَقد طَال بِهِ سنة عشْرين والف اه وَلِهَذَا الْكَاتِب يَقُول الشَّاعِر
(تمتعت يَا غرديس والدهر رَاقِد
…
وَأَنت بفاس وَابْن حيون وَاجِد)
(بسعدك راحت خيزران لقبرها
…
مصائب قوم عِنْد قوم فَوَائِد)