الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثورة الْفَقِيه أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن عبد الله السجلماسي الْمَعْرُوف بِأبي محلي
قَالَ فِي كِتَابه أصليت الخريت مَا ملخصه كَانَت ولادتي سنة سبع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة بسجلماسة وَالَّذِي تلقيته من أبي وكافة عمومتي أَن أَوْلَاد أبي محلي من ذُرِّيَّة الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب رضي الله عنه وَأما جدنا الْأَشْهر المكنى بِأبي محلي فتح الْمِيم والحاء وَكسر اللَّام الْمُشَدّدَة بعْدهَا يَاء تحتية سَاكِنة مَعَ كَبِير شهرته لَا علم لي الْآن بِسَبَب تكنيته بذلك وَلَا بتفاصيل أَحْوَاله بعد الْبَحْث عَنهُ قَالَ وبخطة الْقَضَاء اشْتهر نسبنا فنعرف بأولاد القَاضِي وزاويتنا بزاوية القَاضِي وَلم تزل بَقِيَّة الْعلم فِي دُورنَا وخصوصا دَار أبي اه
وَقَالَ صَاحب الْبُسْتَان أَبُو محلي هَذَا اسْمه أَحْمد بن عبد الله وينتسب إِلَى بني الْعَبَّاس ويعرفون فِي سجلماسة بأولاد ابْن اليسع أهل زَاوِيَة القَاضِي انْتهى قلت أما الانتساب إِلَى الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب رضي الله عنه فقد أنكر ابْن خلدون وجود النِّسْبَة العباسية فِي الْمغرب قَالَ فِي فصل اخْتِلَاط الْأَنْسَاب وَمَا بعده مَا نَصه وَلم يعلم دُخُول أحد من العباسيين إِلَى الْمغرب لِأَنَّهُ كَانَ مُنْذُ أول دولتهم على دَعْوَة العلويين أعدائهم من الأدارسة والعبيديين فَكيف يسْقط العباسي إِلَى أحد من شيعَة العلويين اه ثمَّ قَالَ أَبُو محلي فِي الْكتاب الْمَذْكُور فَلَمَّا نشأت فِي حجر وَالِدي بذل مجهوده فِي تعليمي وَقد كَانَت أُمِّي رَأَتْ وَهِي حَامِل بِي وليا من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى أحد شُيُوخ التربية ببلدنا وَهُوَ الشَّيْخ أَبُو الْحسن عَليّ بن عبد الله السجلماسي قد سَقَاهَا قدحا من لبن وَأَرْجُو الله صدق تَأْوِيلهَا بِالْعلمِ وَالدّين وَحقّ الْيَقِين قَالَ وَكَانَ خروجي لطلب الْعلم بفاس فِي حُدُود
الثَّمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَأَنا يَوْمئِذٍ مراهق أَو بَالغ الْحلم لَا همة لي إِلَّا فِي الْعلم فأقمت بفاس نَحْو خمس سِنِين إِلَى أَن جَاءَ النَّصَارَى إِلَى وَادي المخازن فدهش النَّاس واستشرت أَخا من الطّلبَة فدلني على الْخُرُوج إِلَى الْبَادِيَة حَتَّى ينجلي نَهَار الْأَمْن فَخرجت إِلَى كريكرة فَحفِظت فِيهَا الرسَالَة وَقد كنت مَا حصلت بفاس إِلَى النَّحْو ثمَّ رجعت إِلَى فاس بعد أَن زَالَ الدهش بهزيمة النَّصَارَى وَولَايَة الْمَنْصُور والنحو صنعتي وَفِي الْفِقْه رغبتي
وَقد كنت فِي الخرجة الأولى إِلَى الْبَادِيَة زرت قبر الشَّيْخ أبي يعزى رضي الله عنه فطلبت الله عِنْده أَن أكون من الراسخين فِي الْعُلُوم بأسرها وتوبة يتقبلها فَمَا دَار عَليّ الْحول إِلَّا وَأَنا بزاوية الشَّيْخ أبي عبد الله سَيِّدي مُحَمَّد بن مبارك الزعري لَا عَن قصد لكوني إِذْ ذَاك مُولَعا بِالْعلمِ أما طَرِيق الْفقر فَلَا تخطر لي ببال لِأَن الْمُعْتَمد يَوْمئِذٍ فِي فُقَرَاء الْوَقْت أَخْلَاق الضلال فَكنت أَشد النَّاس حذرا مِنْهُم إِلَى أَن انْكَشَفَ السّتْر فَرَأَيْت مَا رَأَيْت ووعيت فصاحبت شَيْخي الَّذِي لولاه مَعَ فضل الله لهلكت وَلَوْلَا هدايته بِإِذن الله لضللت أَعنِي أَبَا عبد الله مولَايَ مُحَمَّد بن مبارك الزعري الْقَبِيل الجراري السَّبِيل وَهُوَ رضي الله عنه من قَبيلَة عرب بالمغرب يُقَال لَهُم زعير بِصِيغَة التصغير وَالنّسب إِلَيْهَا زعرى على التَّكْبِير وَهِي قَبيلَة من عرب السوس بالمغرب الْأَقْصَى قَالَ فَبَقيت فِي صُحْبَة شَيْخي الْمَذْكُور نَحوا من ثَمَان عشرَة سنة وَمَا فارقته إِلَّا عَن أمره إِذْ هُوَ الَّذِي وجهني إِلَى بلدي سجلماسة من غير اخْتِيَار قَائِلا لي صَلَاحهمْ فِيك ثمَّ ناولني عَصَاهُ وبرنسه وَنَعله من غير طلب مني لشَيْء من ذَلِك وَجعل فِي رَأْسِي قلنسوة كالخرقة بِيَدِهِ الْيُمْنَى عِنْد الْوَدَاع فَلَمَّا استوطنت بلدي عَن إِذْنه زرته مِنْهُ إِحْدَى عشرَة مرّة وَفِي الْأَخِيرَة مِنْهَا وَذَلِكَ بعد مقفلي من الْحجَّة الأولى الَّتِي كَانَت سنة اثْنَتَيْنِ بعد الْألف دَعَا لي بقوله بلاك الله أَكثر مِمَّا بلاني فتأولتها بإقبال الْخلق كَمَا ترى وَقد صَاح عِنْدهَا صَيْحَة عَظِيمَة لم أر مثلهَا مِنْهُ مُنْذُ
صحبته إِذْ عَادَته كَانَت الطُّمَأْنِينَة وَلما توفّي رحمه الله بقيت نَحوا من ثَلَاث سِنِين عاطلا ثمَّ تحلى النَّحْر بدرر لطائفه الْمَوْعُود بهَا فَلهُ الْحَمد على مَا أسدى وَله الشُّكْر فِيمَا أولى ثمَّ ذكر بَقِيَّة أشياخه كالشيخ أبي الْعَبَّاس المنجور وَالشَّيْخ أبي الْعَبَّاس السوداني وَالشَّيْخ سَالم السنهوري وَغَيرهم مِمَّن يطول ذكرهم قَالَ ثمَّ كملت الْفَائِدَة بعد المقفل من الْحَج فَرَجَعت إِلَى الديار المغربية وَنزلت بوادي الساورة ثمَّ تحولت بِجَمِيعِ عيالي إِلَى الْوَادي الْمَذْكُور هَذَا ملخص أوليته مَنْقُولًا من كِتَابه الْمَذْكُور
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد التواتي رَحمَه الله تَعَالَى فِي رسَالَته الَّتِي سَمَّاهَا مقامة التحلي والتخلي من صُحْبَة الشَّيْخ أبي محلي وَهِي رِسَالَة طَوِيلَة مسجعة قَالَ كَانَ الْفَقِيه أَبُو محلي فِي أول أمره فَقِيها صرفا ثمَّ انتحل طَريقَة التصوف مُدَّة حَتَّى وَقع على بعض الْأَحْوَال الربانية ولاحت لَهُ مخايل الْولَايَة فانحشر النَّاس لزيارته أَفْوَاجًا وقصدوه فُرَادَى وأزواجا وَبعد صيته وَكَثُرت أَتْبَاعه قَالَ فَلَمَّا سَمِعت بذلك ذهبت إِلَيْهِ وَجَلَست عِنْده إِلَى أَن وجدته يُشِير إِلَى نَفسه بِأَنَّهُ الْمهْدي الْمَعْلُوم المبشر بِهِ فِي صَحِيح الْأَحَادِيث فتركته وَرَاء ونبذته بالعراء اه
وَقَالَ الشَّيْخ اليوسي فِي محاضراته وَقد تكلم على الدَّعْوَى الفاطمية مَا نَصه وَمِمَّنْ ابْتُلِيَ بهَا قَرِيبا أَحْمد بن عبد الله بن أبي محلي التستاوتي خَاضَ فِي الطَّرِيق حَتَّى حصل لَهُ نصيب من الذَّوْق وَألف فِيهَا كتابا يدل على ذَلِك ثمَّ نزغت بِهِ هَذِه النزغة فحدثونا أَنه كَانَ فِي أول أمره معاشرا لمُحَمد بن أبي بكر الدلائي وَكَانَ الْبَلَد إِذْ ذَاك قد كثرت فِيهِ المناكر وشاعت فَقَالَ ابْن أبي محلي لِابْنِ أبي بكر ذَات لَيْلَة هَل لَك فِي أَن نخرج غَدا إِلَى النَّاس فنأمر بِالْمَعْرُوفِ وننهى عَن الْمُنكر فَلم يساعفه لما رأى من تعذر ذَلِك لفساد الْوَقْت وتفاقم الشَّرّ فَلَمَّا أصبحا خرجا فَأَما ابْن أبي بكر فَانْطَلق إِلَى نَاحيَة النَّهر فَغسل ثِيَابه وازال شعثه بِالْحلقِ وَأقَام صلَاته وأوراده فِي أَوْقَاتهَا
وَأما ابْن أبي محلي فَتقدم لما هم بِهِ من الْحِسْبَة فَوَقع فِي شَرّ وخصام أَدَّاهُ إِلَى فَوَات الصَّلَاة عَن الْوَقْت وَلم يحصل على طائل فَلَمَّا اجْتمعَا بِاللَّيْلِ قَالَ لَهُ ابْن أبي بكر أما أَنا فقد قضيت مآربي وحفظت ديني وانقلبت فِي سَلامَة وصفاء وَمن أَتَى مُنْكرا فَالله حسيبه أَو نَحْو هَذَا من الْكَلَام وَأما أَنْت فَانْظُر مَا الَّذِي وَقعت فِيهِ ثمَّ لم ينْتَه إِلَى أَن ذهب إِلَى بِلَاد الْقبْلَة ودعا لنَفسِهِ وَادّعى أَنه الْمهْدي المنتظر وَأَنه بصدد الْجِهَاد فاستخف قُلُوب الْعَوام واتبعوه اه
وَصَارَ ابْن أبي محلي يُكَاتب رُؤَسَاء الْقَبَائِل وَعُظَمَاء الْبلدَانِ يَأْمُرهُم بِالْمَعْرُوفِ ويحضهم على الاستمساك بِالسنةِ ويشيع أَنه الفاطمي المنتظر وَأَن من تبعه فَهُوَ الفائز وَمن تخلف عَنهُ فموبق وَرُبمَا كَانَ يَقُول لأَصْحَابه محرضا لَهُم على نصرته أَنْتُم أفضل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم لأنكم قُمْتُم بنصر الْحق فِي زمن الْبَاطِل وهم قَامُوا بِهِ فِي زمن الْحق وَنَحْو هَذَا من زخارف كَلَامه وَإِلَى ذَلِك أَشَارَ الْفَقِيه أَبُو زَكَرِيَّاء يحيى بن عبد الْمُنعم الحاحي فِي بعض قصائده معرضًا بِأبي محلي الْمَذْكُور فَقَالَ
(يَا أمة الْمُصْطَفى الْهَادِي أَلَيْسَ لكم
…
فِيمَن مضى أُسْوَة من سَائِر العلما)
(نسيتم دين خير الْخلق وافترقت
…
آراؤكم فغدا الْإِسْلَام منقسما)
(أتحسبون بِأَن الله تارككم
…
سدى وخلقكم قد تعلمُونَ لما)
(ناشدتكم بِالَّذِي فِي الْعرض يجمعنا
…
أما فطنتم ومالاه كمن فهما)
(بِأَن مغربكم قد عَمه سخط
…
من الْمُهَيْمِن يَا لله معتصما)
(إِن قيل للنَّاس إِن الْهَرج يوبقكم
…
قَالُوا الْفَقِيه فلَان قبلنَا اعتزما)
(لَو لم يكن جَازَ مَا أفتى الإِمَام بِهِ
…
وَلَا أَتَاهُ أَلا تبنوا الَّذِي انهدما)
(وَمن يقل قَالَ خير الْخلق قيل لَهُ
…
هَا صَاحب الْوَقْت يكفينا الَّذِي علما)
(وَنحن أفضل من صحب الرَّسُول لنا
…
أجر يُضَاعف فِي أجفارنا نظما)
(وزخرفوا ترهات القَوْل فانفعلت
…
لَهُم نفوس عوام رشدها عدما)