الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر مَا دَار بَين السُّلْطَان مُحَمَّد الشَّيْخ ابْن زَيْدَانَ وَبَين الْأَمِير الْمولى مُحَمَّد بن الشريف رحمهمَا الله تَعَالَى
كَانَت المكاتبات والمرسلات تقع بَين السُّلْطَان مُحَمَّد الشَّيْخ بن زَيْدَانَ السَّعْدِيّ وَبَين الْأَمِير الْمولى مُحَمَّد بن الشريف السلجماسي فَمن ذَلِك رِسَالَة بعث بهَا السُّلْطَان الْمَذْكُور إِلَى الْأَمِير الْمَذْكُور فَكَانَ من فصولها أَن قَالَ لَهُ وَبَلغنِي أَنَّك تعلن فِي النوادي من الحواضر والبوادي إِن جرثومة انتمائنا لبني سعد بن بكر بن هوَازن مَعَ أَنَّهَا فِي بني نزار بن معد وافية المكاييل ثَقيلَة الموازن وأننا من تيدسي أحد الْقُصُور بوادي درعة وَمِنْهَا أنبت الله أصلنَا فأزهر غصنه وأثمر فَرعه فلئن كَانَ غرضك حط منْطقَة قَدرنَا من اللبب فَهَذَا من العلى عَلَيْك عَار وَأَن تحاول محونا من صحيفَة النّسَب فَتلك دَعْوَى لَا تغلي أَو ترخص أسواق الأسعار وَقد صرفنَا إِلَيْك نُسْخَة من مناهج الصفاء فِي أَخْبَار الشرفاء ليطلع عَلَيْهَا أنظارك من الْمُلُوك فيزول مَا بالخاطر من إشراك الشكوك
فَأَجَابَهُ الْمولى مُحَمَّد بن الشريف عَن هَذَا الْفَصْل بِأَن قَالَ لَهُ وعتابكم أننا عزوناكم لبني سعد بن بكر بن هوَازن بن مَنْصُور وناشرون لذَلِك فِي الْحلَل والمدن والقصور تالله مَا فَهُنَا بذلك عَن معايرة لكم وَلَا جهل وَلَا بِأَن نضيفكم لمن لَا عشيرة لَهُ وَلَا أهل بل اعتمدنا فِي ذَلِك بِحَمْد الله على مَا نَقله الثِّقَات المؤرخون لأخبار النَّاس من عُلَمَاء مراكش وتلمسان وفاس وَلَقَد أمعن الْكل التَّأَمُّل بِالذكر والفكر فَمَا وجدكم إِلَّا من بني سعد بن بكر وَلَا معول على كتاب الْمَنْصُور من الفشاتلة وَلَا ابْن القَاضِي المكناسي وَلَا ابْن عَسْكَر الشريف الشفشاوني وسواهم إِذْ الْكل أهل بساطكم وَمحل مزاحكم وانبساطكم وَلَقَد بلغتنا نُسْخَة مناهل الصَّفَا فَلم نجد فِيهَا موردا عذب وَصفا وَكفى دَلِيلا بالباطن وَالظَّاهِر قَول الثِّقَة مَوْلَانَا عبد الله بن
طَاهِر وَمَعَ هَذَا فَلم نعتمد دفعكم عَن شرف النّسَب وَلَا رفعكم على مَا وسمكم الله بِهِ من زِينَة الْحسب انْتهى الْغَرَض من هَذِه الرسَالَة وَأَشَارَ بقوله قَول الثِّقَة مَوْلَانَا عبد الله بن طَاهِر إِلَى مَا اتّفق لَهُ مَعَ الْمَنْصُور حِين جالسه على الْمَائِدَة وَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور أَيْن اجْتَمَعنَا فَقَالَ لَهُ ابْن طَاهِر على هَذَا الخوان والحكاية قد مرت فِي صدر هَذِه الدولة السعدية
وَمِمَّا كتب بِهِ السُّلْطَان مُحَمَّد الشَّيْخ بن زَيْدَانَ للأمير الْمَذْكُور أَيْضا وَذَلِكَ حِين غلب الْمولى مُحَمَّد على فاس وملكها فَكتب إِلَيْهِ السُّلْطَان الْمَذْكُور يحذرهُ من عائلة أهل الغرب وغدرهم برسالة من إنْشَاء وزيره الْقَائِد أبي عبد الله مُحَمَّد بن يحيى آجانا وَفِي آخرهَا قصيدة من إنْشَاء الْقَائِد الْمَذْكُور وَهِي
(يَا شبْل مَوْلَانَا الشريف مُحَمَّدًا
…
شمس السَّعَادَة والهلال الْأَكْمَل)
(مَلَأت مهابتك الْكَبِيرَة مغربا
…
فزهت بمشرقة أَصْبَهَان وموصل)
(صقر الصَّيَاصِي على الأعادي صائل
…
طورا يُغير وَفِي الْمَلَاحِم سيتل)
(أنيابه الْبيض الْحداد صوارم
…
وَبِكُل ظفر مِنْهُ أَبتر مقصل)
(فجناحك الجرد الْعتاق وَإِن نظرت
…
إِلَى تلمسان يطيش الشمَال)
(هابتك ثوار الأقالم عنْوَة
…
والوحش فَهِيَ يغص مِنْهَا المنهل)
(قد طبت إِن عرقت عروقك فِي الوغا
…
خلت العنابر ديف فِيهَا المندل)
(يَا مَالِكًا سعدت بِهِ أوطانه
…
فِيمَا مضى وزها بِهِ الْمُسْتَقْبل)
(نَادَى بك النَّصْر الْعَزِيز لمغرب
…
وَلكم على فاس الْجَدِيد الكلكل)
(فاحذر كَمَا حذر الْغُرَاب وَلَا تكن
…
كالبط يطفو عَن مطاه القوقل)
(واعدل تفوز وَلَا تواخي طامعا
…
ترد العداة وتعم عَنْك العذل)
(لَا تصد من جبل البرابر واصطبر
…
حَتَّى يهون على الجواسيس مدْخل)
(لَا تأمن الْأَعْرَاب فِي أقوالها
…
واقمع فضاضة من يجور ويختل)
(وَعَلَيْك بالغارات فِي أوطانها
…
بكتائب تسبي الأناث وَتقتل)
(واغضض وَلَا تردي تجار مَدَائِن
…
يبْقى عَلَيْك السّتْر دأبا يسبل)
(لَا تتَّخذ من حصن فاس صاحبا
…
أَو حَاكما يصل الْأُمُور ويفصل)
(كالبغل عَادَته الْفِرَار وَإِن غَدا
…
فِي مربط فَمَتَى استغرك يركل)
(لَا تنقلن إِلَى الصحارى ذخائرا
…
فَيَقُول أهل الغرب حتما يرحل)
(وَاضْرِبْ لبيت الْملك أوتاد الدها
…
تزداد صيتًا فِي الْقُلُوب وَتقبل)
(ألف وُفُود الغرب واعرف قدرهَا
…
وقروم كل قَبيلَة لَا تجْهَل)
(وابسط يَديك على الْعِيَال هنيئة
…
وَإِذا غرست عروق عدل تنقل)
(هذي وَصَايَا قد أضعنا حُقُوقهَا
…
فِي آخر مِمَّا نحاه الأول)
(فَمَتَى نَشد إِلَى الْمَعَالِي رحالنا
…
يأباه نصر والمقادير تخذل)
(فرضينا متبعين أَحْكَام القضا
…
وَالله يحكم مَا يُرِيد ويعدل)
فَأَجَابَهُ الْمولى مُحَمَّد بن الشريف فِي سنة تسع وَخمسين وَألف بقصيدة ختم بهَا جَوَابه من إنْشَاء الْفَقِيه أبي عبد الله مُحَمَّد بن سَوْدَة الفاسي وَنَصهَا
(أمحمد الشَّيْخ بن زَيْدَانَ الرِّضَا
…
فَخر الخلائف والهمام الْأَكْمَل)
(فَلَقَد أَجَبْتُك عَمَّا قد كاتبتني
…
نظما ونثرا كي ترى مَا يمثل)
(إِنِّي أبث لكم وَصَايَا جمة
…
إِن أَنْت للنصح الْمُصَرّح تقبل)
(فَإلَى مَتى طول الرقاد أما ترى
…
أضعان ملكك كل يَوْم ترحل)
(والدهر ينتف فِي رياش جناحكم
…
ويدنسن من الصَّفَا مَا تغسل)
(مَا من مليك ذاق لَذَّة رَاحَة
…
إِلَّا تجلى لَهُ الهوان فيسفل)
(أَحْرَى الَّذِي كثرت شقا ثواره
…
يعوي عَلَيْهِ لكل عَاد معقل)
(تحتال تخدعه بِكُل حباله
…
حَتَّى يصاد كَمَا يصاد النعثل)
(فاستيقظن من الْخمار وَمن رعى
…
فِي أَرض آساد الشرى لَا يغْفل)
(وانفض غُبَار الذل واخلع ثَوْبه
…
يزْدَاد وَجهك بهجة ويهلل)
(ضيعت ملكك فِي الرخا وَتركته
…
للخزي فِي دَار الهوان يذلل)
(وركنت للظل الوريف وغادة
…
يزهو البديع بهَا إِذا مَا ترفل)
(وَإِذا أردْت دوَام هَيْبَة همة
…
وتدوم فِي ستر عَلَيْكُم يسبل)
(دع عَنْك فِي الحمرا مروق سفرجل
…
ومدربلا بالزعفران يفلفل)
(واركب مطايا الصافنات إِلَى الوغا
…
أما تحوز مزية أَو تقتل)
(واقرع طبولا للرعاة وَفِي الوغا
…
يجبي إِلَى الْحَرْب الْعوَان الجحفل)
(وخض القفار وهز رمحا وادرع
…
واثن الْعَنَان وَفِي يَمِينك منصل)
(خاطر بِنَفْسِك فِي الفيافي جائلا
…
تردي الْعَدو وكل ليل منزل)
(واصطد نهارك بالسلاق وَبعدهَا
…
عقبانها وكذاك صقر اجدل)
(وَقد الجيوش كَمَا الوحوش وَلَا تدع
…
من يعْص أَمرك وازجرنه فيفعل)
(جنب آجانا الْجُبْن فِي تَدْبيره
…
واصحب شجاعا للذخائر يبْذل)
(لَا تجمعن من العلوج بطانة
…
فطباعها الْغدر البليغ الأعجل)
(أما الشبانة فاحذرن من غيها
…
لَا بُد تغدر بالأخير وتخذل)
(ترجو عواقب دولة لنفوسها
…
وتود من وافى جنابك يجفل)
(يعْطف عَلَيْك الدَّهْر بعد نفوره
…
فتعود أَيَّام السُّعُود وَتقبل)
(مَا ذاق زَيْدَانَ أَبوك حلاوة
…
من ملكه حَتَّى غذاه الحنظل)
(فَإِذا امتثلت صَوَاب صدق وصيتي
…
يصغي الزَّمَان لكم ويصفو المنهل)
وَاعْلَم أَن هَذِه الرسائل والأشعار الَّتِي أثبتناها هُنَا نازلة كَمَا ترى عَن دَرَجَة البلاغة وعادمة لما تستحقه من فن الْوَزْن وَنقد الصِّنَاعَة وَلَكِن لما كَانَ الْكتاب كتاب تَارِيخ وأخبار لَا كتاب أدب وأشعار لم نبال بذلك إِذْ كَانَ الْمَقْصُود مِنْهَا مَا تضمنته من بَيَان الْأَحْوَال والإفصاح عَنْهَا على أصح منوال فَإِن هَذِه الرسائل هِيَ عماد التَّارِيخ وملاكه ونازلة مِنْهُ بِالْمحل الَّذِي نزلت من الدَّار أسلاكه فَلِذَا أكثرنا مِنْهَا فِي هَذَا الْكتاب وَالله تَعَالَى الملهم للصَّوَاب