الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رياسة ولي الله تَعَالَى أبي عبد الله سَيِّدي مُحَمَّد العياشي على الْجِهَاد ومبدأ أمره فِي ذَلِك
هَذَا الرجل هُوَ ولي الله تَعَالَى الْمُجَاهِد فِي سَبيله أَبُو عبد الله مُحَمَّد فتحا ابْن أَحْمد الْمَالِكِي الزياني الْمَعْرُوف بالعياشي ونسبته إِلَى بني مَالك ابْن زغبة الهلاليين وهم الْيَوْم قَبيلَة من عرب الغرب كَانَ رحمه الله مستوطنا مَدِينَة سلا وَكَانَ من تلامذة الْوَلِيّ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أبي مُحَمَّد عبد الله بن حسون السلاسي دَفِين سلا
وَكَانَ ابْتِدَاء أَمر أبي عبد الله أَنه كَانَ ملازما لشيخه الْمَذْكُور من أقرب التلامذة إِلَيْهِ وأسرعهم إِلَى خدمته وأولهم دُخُولا عَلَيْهِ وَآخرهمْ خُرُوجًا عَنهُ وَكَانَ مَعَ ذَلِك كثير الْوَرع قَلِيل الْكَلَام مديما للصيام وَقِرَاءَة الْقُرْآن فَكَانَ الشَّيْخ ابْن حسون ملتفتا إِلَيْهِ وَلم يزل الْأَمر على ذَلِك إِلَى أَن شاعت مَنَاقِب الشَّيْخ وَكثر غاشيه فأهدى لَهُ يَوْمًا بعض أَشْيَاخ الْقَبَائِل فرسا فَأمر الشَّيْخ بإسراجه وَقَالَ أَيْن مُحَمَّد العياشي فَقَالَ هَا أَنا ذَا يَا سَيِّدي فَقَالَ الشَّيْخ اركب بحول الله فرسك ودنياك وآخرتك فتفهقر تأدبا فَحلف عَلَيْهِ ليركبن وَحبس لَهُ الركاب بِيَدِهِ وَقَالَ لَهُ ارتحل عني إِلَى آزمور وَانْزِلْ على أَوْلَاد أبي عَزِيز وَلَا بُد لَك من الرُّجُوع إِلَى هَذِه الْبِلَاد وسيكون لَك شَأْن عَظِيم فودعه أَبُو عبد الله وَوضع الشَّيْخ يَده على رَأسه وَبكى ودعا لَهُ بِخَير فقصد نَاحيَة آزمور وَنزل حَيْثُ عين لَهُ شَيْخه الْمَذْكُور وَذَلِكَ لأوّل دولة السُّلْطَان زَيْدَانَ سنة ثَلَاث عشرَة وَألف فَلم يزل أَبُو عبد الله العياشي مثابرا على الْجِهَاد شَدِيد الشكيمة على الْعَدو عَارِفًا بِوُجُوه المكايد الحربية بطلا شهما مقداما فِي مَوَاطِن الإحجام وقورا صموتا عَن الْكَلَام فطار بذلك فِي الْبِلَاد صيته وشاع بَين النَّاس ذكره لما هُوَ عَلَيْهِ من
التَّضْيِيق على نَصَارَى الجديدة وَكَانُوا يَوْمئِذٍ قد أَمر أَمرهم ففرح بذلك قَائِد آزمور وَلم يزل الْأَمر على ذَلِك إِلَى أَن توفّي قَائِد الفحص والبلاد الآزمورية فَسَأَلَ السُّلْطَان زَيْدَانَ عَمَّن يَلِيق بتولية ذَلِك الثغر فَقيل لَهُ سَيِّدي مُحَمَّد العياشي فَكتب إِلَيْهِ بالتولية فَقبل ونهض بأعباء مَا حمل من ولَايَة الفحص وجهاده
وَكَانَت لَهُ مَعَ نَصَارَى الجديدة وقائع وضيق عَلَيْهِم حَتَّى مَنعهم من الْحَرْث والرعي فَبعث النَّصَارَى إِلَى حَاشِيَة السُّلْطَان زَيْدَانَ بالتحف ونفائس الْهَدَايَا ليعزلوا عَنْهُم أَبَا عبد الله الْمَذْكُور لمضايقته لَهُم فخوفوا السُّلْطَان زَيْدَانَ عاقبته وحضوه على عَزله وأظهروا لَهُ أَنه مسموع الْكَلِمَة فِي تِلْكَ النواحي وَأَنه يخْشَى على الدولة مِنْهُ وَكَانَ أَبُو عبد الله العياشي كلما بعث بالغنائم وَمَا يفتح الله بِهِ عَلَيْهِ من الْأُسَارَى إِلَى مراكش ازدادت شهرته وتناقل النَّاس حَدِيثه فوغر بذلك قلب زَيْدَانَ وحنق عَلَيْهِ فَبعث إِلَيْهِ قائده مُحَمَّد السنوسي فِي أَرْبَعمِائَة فَارس وَأمره بِالْقَبْضِ عَلَيْهِ وَقَتله وَألقى الله فِي قلب الْقَائِد الْمَذْكُور الشَّفَقَة عَلَيْهِ لما يعلم من بَرَاءَته مِمَّا قذف بِهِ فَبعث إِلَيْهِ خُفْيَة أَن أَنْج بِنَفْسِك فَإنَّك مغدور فَخرج أَبُو عبد الله العياشي فِي أَرْبَعِينَ رجلا فُرْسَانًا وَمُشَاة قَاصِدين سلا فاستقر بهَا سنة ثَلَاث وَعشْرين وَألف وَلما انْتهى السنوسي إِلَى آزمور وَلم يجد لَهُ أثرا أظهر الْعِنَايَة بالبحث عَنهُ وعاقب شرذمة من أهل الفحص على إفلاته تعمية على السُّلْطَان وَإِقَامَة لعذره عِنْده فَقبل السُّلْطَان زَيْدَانَ ذَلِك وَالله غَالب على أمره