الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمن آثَار عبد الله بن الشَّيْخ الْقبَّة الَّتِي على الخصة الكائنة أَسْفَل المنارة الَّتِي بوسط صحن جَامع الْقرَوِيين فَإِنَّهُ لم يكن فِي الْقَدِيم إِلَّا الخصة الْمُقَابلَة لَهَا شَرْقي الْجَامِع الْمَذْكُور
غَرِيبَة
قَالَ اليفرني حَدثنِي شَيخنَا الْفَقِيه أَبُو الْحسن عَليّ بن أَحْمد قَالَ كَانَ شيخ شُيُوخنَا الْفَقِيه الإِمَام أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن أَحْمد ميارة يَقُول إِن أَحْمد ابْن الْأَشْهب الَّذِي تقدم ذكره قبل فِي الثوار أخبر بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ والْحَدِيث بذلك مَذْكُور فِي كتاب الْجَامِع الْكَبِير لِلْحَافِظِ جلال الدّين السُّيُوطِيّ رحمه الله اه وَقتل ولد ابْن الْأَشْهب رَابِع جُمَادَى الأولى سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف فتك بِهِ عَليّ بن سعد فِي جَامع الْقرَوِيين وَهُوَ فِي صَلَاة الْعَصْر وَقَامَت بِسَبَب ذَلِك حَرْب بَين أهل الأندلس واللمطيين وانتهبت السّلع الَّتِي بسوق القيسارية وسوق العطارين وَبنى اللمطيون الدَّرْب الَّذِي بِبَاب العطارين واستمرت الْحَرْب نَحْو ثَمَانِيَة أَيَّام ثمَّ اصْطَلحُوا
ثورة أبي زَكَرِيَّاء بن عبد الْمُنعم بالسوس ومغالبته لأبي حسون السملالي الْمَعْرُوف بِأبي دميعة على تارودانت
كَانَ الْفَقِيه أَبُو زَكَرِيَّاء يحيى بن عبد الله بن سعيد بن عبد الْمُنعم الحاحي لما رَجَعَ من مراكش إِلَى السوس حَسْبَمَا مر بدا لَهُ فِي طلب الْملك وَجمع الْكَلِمَة لما رأى من افتراقها فِي حواضر الْمغرب وبواديه
وَكَانَ المرابط أَبُو الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْوَلِيّ الصَّالح أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُوسَى السملالي وَيُقَال لَهُ أَيْضا أَبُو حسون قد ظهر بالصقع السُّوسِي عِنْد فشل ريح السُّلْطَان زَيْدَانَ بِهِ وَاسْتولى على تارودانت وأعمالها
فَلَمَّا ثار الْفَقِيه أَبُو زَكَرِيَّاء سَار إِلَى تارودانت فتغلب عَلَيْهَا وملكها من يَد أبي حسون الْمَذْكُور وَبعد أَن وَقع بَينه وَبَينه معارك ومقاتلات كَبِيرَة وَكَانَ
القَاضِي بتارودانت يَوْمئِذٍ الْفَقِيه الْعَالم أَبُو مهْدي عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن السكتاني وَكَانَ أَبُو زَكَرِيَّا قد استشاره فِيمَا عزم عَلَيْهِ فَلم يُوَافقهُ على ذَلِك وَلم يساعده على مُرَاده لما فِيهِ من الْخُرُوج على السُّلْطَان بِلَا مُوجب فَغَضب عَلَيْهِ الْفَقِيه أَبُو زَكَرِيَّاء حَتَّى أَمر بقتْله غيله فِيمَا قيل فَخرج القَاضِي من الْمَدِينَة خَائفًا يترقب وَذهب إِلَى مراكش فاستقر بهَا وَعَصَمَهُ الله مِنْهُ وَكتب إِلَى أبي زَكَرِيَّاء برسالة يعظه فِيهَا وينهاه عَن الْخُرُوج على السُّلْطَان وَنَصهَا
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَصلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول الْفَقِير الشَّديد الْحَاجة إِلَى رَحْمَة مَوْلَاهُ الْغَنِيّ بِهِ عَمَّن سواهُ السَّائِل مِنْهُ التَّوْفِيق واللطف فِي ظعنه ومأواه كَاتبه عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن السكتاني عَفا الله عَنهُ وسمح لَهُ الْحَمد لله الَّذِي جعل الصدع بِالْحَقِّ وَظِيفَة الْأَنْبِيَاء وأورثه بعدهمْ من خلقه فريق الْعلمَاء وَصلى الله عَلَيْهِ وَسلم على من أكد أَمر الصُّلْح وَقَالَ (الدّين النَّصِيحَة) فَقيل لمن يَا رَسُول الله فَقَالَ (لله وَلِرَسُولِهِ ولأئمة الْمُسلمين وعامتهم) وَالرِّضَا على آله وَصَحبه الَّذين سلكوا سَبيله وانتهجوا من المناهج طَرِيقه وَعَن التَّابِعين وتابع التَّابِعين لَهُم إِلَى وُقُوع الْقصاص بَين الخليقة وَبعد فَإِنِّي لما قفلت بِحَمْد الله بسلامة وعافية إِلَى جبلي وجدت أَهلِي وأولادي مستوحشين من الْبَادِيَة وَإِن كَانَت مَحل سلفي ومقر تلادي بعد أَن ألفوا الحواضر وطبعوا على طباعها فَكَانُوا أَحَق بهَا وَكنت فِي غَايَة الضّيق والتأسف لما حل بالأولاد فتذكرت قَول بعض فُقَهَاء الأندلس مِمَّن نابه مثل مَا نابني وأصابه مثل مَا أصابني
(أَلَيْسَ من الْقَبِيح مقَام مثلي
…
بدار الْخَسْف منكسف الْجمال)
(أخالط أهل سَائِمَة وسرح
…
وأرتع بَين راعية الْجمال)
فأجلت فكري وَإِن كَانَ الْكل بِقدر الله وإرادته فَرَأَيْت أَن ذَلِك وَفِي الْقَضَاء لطف أَمر أنتجه كَمَا لَا يخفى على ذِي بَصِيرَة مَا حل بالمغرب من
افْتِرَاق الْكَلِمَة وتلاعب شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ بذوي الْعُقُول مِنْهُم فصاروا أحزابا وفرقا فاتبعت كل طَائِفَة من هَواهَا مَا كَانَت تعبد حَتَّى إِذا عرض لعاقل أَو عرض عَلَيْهِ مِنْهُم الإقلاع بادره الشَّيَاطِين فسدوا عَلَيْهِ بَابه وأروه بإغوائهم وزينوا لَهُ أَن ذَلِك يشينه لَدَى الْعَامَّة وَيُوجب لَهُ السُّقُوط من أعين النَّاس مَعَ أَنه لَا يعده من السُّقُوط إِلَّا {الوسواس الخناس الَّذِي يوسوس فِي صُدُور النَّاس من الْجنَّة وَالنَّاس} النَّاس 6 - 4 وَأَيْنَ يغيب عَن الْمُوفق أَن السُّقُوط من عين الله هُوَ الطامة الْكُبْرَى وَأَيْنَ غَابَ عَنهُ أَن الْعبْرَة بِكِتَاب الله وَسنة رَسُوله صلى الله عليه وسلم لَا بِكَلَام الهمج الرعاع مِمَّن لَا يزَال الشَّيْطَان يلْعَب بِهِ آخِذا بزمامه سَاكِنا على قلبه وَلسَانه وَأَيْنَ يغيب عَنهُ من كتاب الله {فَأَما من طَغى وآثر الْحَيَاة الدُّنْيَا فَإِن الْجَحِيم هِيَ المأوى وَأما من خَافَ مقَام ربه وَنهى النَّفس عَن الْهوى فَإِن الْجنَّة هِيَ المأوى} النازعات 37 - 41 فَقلت إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون هَذِه مُصِيبَة عَظِيمَة نزلت بمغربنا فافترق ملأهم وَقتلت سرواتهم وانتهبت أَمْوَالهم وهتكت حرمهم ومزقت أعراضهم وفسدت أديانهم واختلت وبدت عَن التَّوْفِيق آراؤهم وكادت تطمع بل طمعت فيهم أعداؤهم اللَّهُمَّ يَا ذَا الطول والامتنان يَا حنان يَا منان يَا ذَا الْجلَال وَالْإِكْرَام تداركنا بألطافك الْخفية فِي ديننَا ودنيانا يَا خَالق الأَرْض وَالسَّمَاء
فَإِن قلت مَا ذكرته من أَن خُرُوجك من الحواضر إِلَى الْبَوَادِي هُوَ نتيجة افْتِرَاق الْكَلِمَة كَمَا فعله من يَقْتَدِي بِهِ من الصَّحَابَة رضي الله عنهم فتبدى صَحِيح وَمَا دليلك على التلاعب قلت مَا خرجه أَئِمَّة الصِّحَاح من منع الْخُرُوج على الْأَئِمَّة وَأَن الْوَاجِب فِي حق من رأى مِنْهُم مَا يكره الصَّبْر والاحتساب إِذْ غائلة الْجور وَإِن تفاحش أقل بِكَثِير من غائلة الْخُرُوج الَّذِي يَتَرَتَّب عَلَيْهِ فَسَاد المهج وَالْأَمْوَال والأعراض والأديان وهتك الْحرم وَلِهَذَا صَبر على الْحجَّاج من عُلَمَاء الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ من صَبر حَتَّى لقوا الله تَعَالَى سالمي الْأَدْيَان وبعبادته مغتنمي الزَّمَان وتذكر فَمَا بالعهد من قدم بالمرابط أبي محلي كَانَ فِي قطره عالي الصيت يقْصد ويتبرك بِهِ ويعتقد فِيهِ أَنه من قطب زَمَانه وَبلغ بِهِ الْحَال إِلَى أَن سَوَّلت لَهُ نَفسه أَو سَوَّلَ لَهَا أَنه يصلح بِهِ
مَا لم يصلح بِغَيْرِهِ من أهل الزَّمَان فَقَامَ وأعانه عَلَيْهِ قوم آخَرُونَ حَتَّى مَلأ الدُّنْيَا صياحا ودعاوى وعياطا وأكاذيب لَا يشْهد لَهَا عقل وَلَا نقل فتمرد على الْمُسلمين حَتَّى لم يسلمُوا من لِسَانه وَيَده فَقتل وَنهب وَسَب واغتاب وَحمل نَفسه مَا لَا تُطِيقهُ فاستهوته شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ وَالنَّفس والهوى ثمَّ بعد ذَلِك كُله لم يحصل من سَعْيه على طائل وآفته الْغَفْلَة عَن الْكتاب وَالسّنة وَالرِّضَا عَن النَّفس حَتَّى أَنه حكمهَا فَصَارَت تلعب بِهِ إِلَى أَن فَاه وَادّعى بدعاوى استبيح بهَا مَا كَانَ مَعْصُوما من دَمه وَهَلَكت بِسَبَبِهِ بعده نفوس وأموال وَغير ذَلِك أيشك من ارتاض بِالْكتاب وَالسّنة وَنظر بِعَين الشَّرِيعَة إِن فعله ذَلِك مِمَّا حمله عَلَيْهِ من تجب مُخَالفَته من الشَّيْطَان وَالنَّفس والهوى وَرُبمَا اسحسن فعله ذَلِك من شيعته من ابْتُلِيَ بِهِ أَو قَلّدهُ تقليدا رديا فِي فعله فَإِن توليت فَإِنَّمَا عَلَيْك إِثْم الأريسيين وَإِلَى الْآن كَانُوا يستصوبون فعله ويستحسنون قَوْله مَعَ أَنه بمعزل عَن الْكتاب وَالسّنة
فَإِن قلت وَهَذِه طَائِفَة الْفُقَرَاء مَا بَين متعصب متحزب ومتحيل متصيد ومتسور على مَا اسْتَأْثر بِهِ الْبَارِي من الغيوب مرتكب للآثام مصر على الْعُيُوب قلت وَهَذِه طَائِفَة الْفُقَرَاء فِيهَا جلّ مَا تقدم وزيادات تضيق عَن الْإِحَاطَة بهَا السطور والطروس قد بددتها وَالْعِيَاذ بِاللَّه الْفِتَن وشردها مَا تخوفته من المحن بَانَتْ الْعُلُوم واضمحلت الفهوم وتعطلت الرسوم فَلَا مَنْطُوق يذكر وَلَا مَفْهُوم
(هَذَا الزَّمَان الَّذِي كُنَّا نحاذره
…
فِي قَول كَعْب وَفِي قَول ابْن مَسْعُود)
وَقلت وَهَذَا الشَّيْخ أَبُو زَكَرِيَّاء وَهُوَ الَّذِي يساق إِلَى نصحه الحَدِيث كُنَّا نستسقي بِهِ ونستشفي وَكَانَت تشد إِلَيْهِ الرّحال وَلَا يأنف من إِتْيَانه النِّسَاء وَالرِّجَال قد أَتَتْهُ من أقطار مغربنا الْوُفُود ودانت لَهُ الذئاب وَالْأسود وَكَانَ يعلم الْجُهَّال وَيهْدِي الضلال وَيطْعم الجائع ويكسو الْعُرْيَان ويعين ذَا الْحَاجة ويغيث اللهفان وَهِي سَبِيل يَا لَهَا من سَبِيل وَطَرِيقَة مَا أحْسنهَا من طَريقَة ثمَّ صَارَت تِلْكَ الجموع وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا أَيدي سبا
وتلاشت شذر مدر مَا لَهَا من نبا
أَيهَا الشَّيْخ أكرمك الله بتسديده أَو تَجِد فِي الْوُجُود ملكا أعظم من ذَلِك الْملك فتطلبه أَو سُلْطَانا يوازيه أَو يُقَارِبه فتحاوله أَيْن خَفِي عَلَيْك الشَّيْء وَهُوَ ضَرُورِيّ أم أَيْن ضلت عَنْك النُّصُوص من الْكتاب وَالسّنة وَأَنت منقولي معقولي {ألم يَأن للَّذين آمنُوا أَن تخشع قُلُوبهم لذكر الله وَمَا نزل من الْحق} الْحَدِيد 16 {لمقت الله أكبر من مقتكم أَنفسكُم} غَافِر 10 و (إِن أبْغض الْكَلَام إِلَى الله أَن يَقُول الرجل للرجل اتَّقِ الله فَيَقُول عَلَيْك نَفسك) وَهُوَ طرف من حَدِيث خرجه النَّسَائِيّ وَقد وعظتك وذكرتك إِن نَفَعت الذكرى قَالَ جلّ من قَائِل {وَذكر فَإِن الذكرى تَنْفَع الْمُؤمنِينَ} الذرايات 55
(فَقلت من التَّعَجُّب لَيْت شعري
…
أأيقاظ أُميَّة أم نيام)
فَإِن قَالَ شَيْطَان من شياطين الْإِنْس أَو الْجِنّ هَذَا مَا أُرِيد بِهِ وَجه الله قلت الله الْموعد إيَّاكُمْ وَالظَّن فَإِن الظَّن أكذب الحَدِيث وستلقون ربكُم فيسألكم عَن أَعمالكُم وَإِن خطر هَذَا وهجس بقلب الشَّيْخ أكْرمه الله والشيطان يجْرِي من ابْن آدم مجْرى الدَّم قلت أدل دَلِيل على أَنِّي قصدت مَحْض النَّصِيحَة هُوَ أَنه استنصحني على دفاع أبي محلي فنصحته وَقلت لَهُ إِن هَذَا لَا تستقيم مَعَه الدّيانَة فَكَأَنَّهُ مَا قبل فانفصلت عَنهُ وَهُوَ يَقُول استخر لي الله فكاتبته بِأَن لَا يفعل ثمَّ لما نزل وَكَانَ على بَاب الْغَزْو من تارودانت خلوت بِهِ فَقلت لَهُ إِذْ ذَاك إِن النَّاس يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا وعرفته إِذْ ذَاك بِمَا عَرفته من أَبنَاء الزَّمَان فجمعنا فِي رَملَة إِلَى الْآن أتخيل حرهَا وتبرأ من كل مَا يُقَال وَمَا زلت على الْمَنْع إِلَى أَن جَاءَت كراريس من قبل أبي محلي فتأملتها فَوَجَدتهَا مُشْتَمِلَة على كفريات فِي جزئيات فيحنئذ شرح الله صَدْرِي لإباحة دفاعه
ثمَّ وَإِن قلت ذَلِك فنفسي آمرة وَلَا أَقُول فِي نَفسِي مَا كَانَ يَقُوله سَحْنُون فِي قَضِيَّة ابْن أبي الْجواد مَالِي وَله الشَّرْع قَتله وَلَو قلت أَو غششت لغششت فِي قَضِيَّة ذَلِك الرجل وزينت لَك قِتَاله أَولا لِأَن ذَلِك هُوَ مُقْتَضى التعصب للأمير وَإِذا لم أتعصب إِذْ ذَاك فَكيف أستسهله الْآن فَتعين
أَنِّي نصحت لكم أَن قبلتم وَإِلَّا فَكَمَا قَالَ تَعَالَى عَن نَبِي من أنبيائه {وَلَكِن لَا تحبون الناصحين} الْأَعْرَاف 79 أنْشدك الله الَّذِي بِإِذْنِهِ تقوم السَّمَاوَات وَالْأَرْض أما قلت لَك بعد رجوعي الْعَام الأول من مراكش بل الَّذِي قبله إِن الْعذر لَا يحسن وصرحت ولوحت بِأَن شقّ الْعَصَا لَا يحل غيرَة مرّة وَمَا كفاني القَوْل الدَّال على ذَلِك إِلَى أَن زِدْت الْفِعْل بِالْخرُوجِ من مَدِينَة لَا أبغضها كَمَا قَالَ
(فوَاللَّه مَا فارقتها عَن قلي لَهَا
…
وَإِنِّي بشطي جانبيها لعارف)
ورضيت بالبادية مَعَ جفائها فِرَارًا من الْفِتَن وَعَملا بقوله صلى الله عليه وسلم (يُوشك أَن يكون خير مَال الرجل غنما يتبع بِهِ سعف الْجبَال ومواقع الْقطر يفر بِدِينِهِ من الْفِتَن) ثمَّ بعد فعلى هَذَا كُله نصحت فَلم أَفْلح وخانوا فأفلحوا وعدوا عَليّ من القبائح طَاعَتي للأئمة مَعَ أَنَّك يَوْم جَاءَ إِلَى دَارك قلت لَهُم هَذَا أميركم وَنحن لَا نشك أَنَّك من المعتبرين فِي مغربنا وَأَن بيعتك لأحد لَازِمَة لنا وَكَذَلِكَ حِين ذهبت إِلَى مراكش فِي وقْعَة أبي محلي قد أَرَادَ أهل مراكش فأبيت وأبحت الْبِلَاد لخدم الْأَمِير وَقلت لَهُم إِنَّه الْأَمِير وفهمه النَّاس عَنْك بِلِسَان الْحَال وبلسان الْمقَال ونصروه بمرأى مِنْك ومسمع أفتشك بعد أَن كَانَ مِنْك هَذَا أَنَّك مبايع وَأَنت قدوة وَإِذا كَانَ هَذَا فَأَي حجَّة لَك على الْأَمِير وَلَا على المأمورين فَمن زين لَك قِتَاله فقد غشك إِذْ هُوَ مُسلم وَابْن مُسلمين
فَإِن قلت موافقتي مَشْرُوطَة بِشُرُوط لم يوف لي بهَا قلت هَب أَنه لم يوف لَك أفتستبيح قِتَاله لأجل ذَلِك وَالرَّسُول صلى الله عليه وسلم يَقُول (إِذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول فِي النَّار) الحَدِيث فبالله أَيهَا الشَّيْخ مَا تَقول فِي هَذَا الحَدِيث وأنظاره وَمَا تَقول فِيمَا انتهب أَو عَسى أَن ينتهب من أَمْوَال النَّاس وَأخذ بِغَيْر حق وَأنْفق فِي سَبِيل الطاغوت وَالرَّسُول صلى الله عليه وسلم يَقُول (لَا يحل مَال امْرِئ مُسلم إِلَّا عَن طيب نفس) أَو مَا تَسْتَحي من رَبك يَوْم تسْأَل عَن النقير والقطمير وَلست مِمَّن خَفِي عَلَيْهِ ذَلِك كُله فَتعذر عِنْد
المخلوقين أَو مَا علمت أَن كثيرا من الْعَوام يعْتَقد جَوَاز ذَلِك إِذْ رآك ارتكبته فَتكون قد سننت هَذِه السّنة وضل بِسَبَب ذَلِك كثير من النَّاس أَو مَا خشيت دَعْوَة الْمَظْلُوم الَّتِي مَا بَينهَا وَبَين الله حجاب أَو مَا كنت تعير من يرتكب مثل ذَلِك من الْوُلَاة وتتأسف عَلَيْهِ (لَا تعير أَخَاك الْمُؤمن) الحَدِيث
(لَا تنه عَن خلق وَتَأْتِي مثله
…
عَار عَلَيْك إِذا فعلت عَظِيم)
أما انْتَبَهت لما وَقع لأهل درعة من النهب وَالسَّلب واسترقاق الْأَحْرَار وهتك الْحرم (إِن دماءكم وَأَعْرَاضكُمْ عَلَيْكُم حرَام) الحَدِيث وَقد أَتَانَا السُّؤَال من قبل الشَّيْخ عَن صَنِيع سكتانة ذَلِك وَلم يسْتَطع إِذْ ذَاك من نظر بِنور الْعلم أَن يَقُول لَهُم فِي وزر نظرا إِلَى مَا آل إِلَيْهِ الْحَال فِي أهل درعة مَعَ أَن جلهم حَملَة الْقُرْآن وعامتهم بله (وَأكْثر أهل الْجنَّة البله) أفيليق بِحَق الصلحاء أَن يُسَلط عَلَيْهِم من لَا يرحمهم (وَلَا تنْزع الرَّحْمَة إِلَّا من قلب شقي)(إِنَّمَا يرحم الله من عباده الرُّحَمَاء)(من لَا يرحم لَا يرحم)(ارحموا من فِي الأَرْض يَرْحَمكُمْ من فِي السَّمَاء) أَو نسيت أَنه يقْتَصّ للجماء من القرناء وَأَن الظُّلم الَّذِي لَا يتْركهُ الله ظلم النَّاس بَعضهم لبَعض أَفِي علمك أَن حَسَنَاتك تفي بِمَا عَلَيْك من التَّبعَات أَو أَنه لَا تباعة لأحد عَلَيْك وَلَو كنت بَدْرِيًّا لاحتمل أَن يُقَال فِي شَأْنك مَا قَالَه صلى الله عليه وسلم لعمر (وَمَا يدْريك لَعَلَّ الله اطلع على أهل بدر) فَقَالَ (اعْمَلُوا مَا شِئْتُم فقد غفرت لكم) أَو كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم (وَالظُّلم ظلمات يَوْم الْقِيَامَة) أَو تَسْتَطِيع أَن تقتحم ظلمات الصِّرَاط وَأَنت مسؤول عَن القيراط وَحَتَّى أهل تارودانت بلغنَا أَنه لم يغن فِي شَأْنهمْ الترويع بل بلغ بهم الْحَال والجور إِلَى التقريع فَاتق الله أَيهَا الشَّيْخ وَلَا تكن كمن إِذا قيل لَهُ اتَّقِ الله أَخَذته الْعِزَّة بالإثم هَذَا مَا يتَعَلَّق بِبَعْض حُقُوق النَّاس على الْعُمُوم وَيتَعَلَّق بِحَق كَاتبه على الْخُصُوص إِنَّك أخذت عَلَيْهِ أَن يُؤَدِّي الطَّاعَة للأمير ويرعى مَا هُوَ من شيم الْمُؤمنِينَ من حسن الْعَهْد والتبري من الْغدر وشق الْعَصَا بعد أَن بذل وَسعه فِي نصحك ونصح الْأَمِير وحاول بكليته على جمع الْكَلِمَة وتعب فِي ذَلِك
واقتحم فِيهِ عقبات لَا يقطعهَا إِلَّا بازل وَلَا سَبِيل إِلَيْهَا لمن يكون فِي دينه وَعَمله مثلي مِمَّن هُوَ نَازل
(لعمر أَبِيك مَا نسب الْمُعَلَّى
…
إِلَى كرم وَفِي الدُّنْيَا كريم)
(وَلَكِن الْبِلَاد إِذا اقشعرت
…
وصوح نبتها رعى الهشيم)
(إِذا غَابَ ملاح السَّفِينَة فارتمت
…
بهَا الرّيح هوجا دبرتها الضفادع)
وَلَكِن لَيْسَ من شَرط النَّصِيحَة كَمَال الناصح كَمَا أَنه لَيْسَ من شَرط تَغْيِير الْمُنكر عدم ارْتِكَاب المغير مَا غير لِأَن هَذِه طَاعَة وَتلك أُخْرَى والتوفيق بيد الله سُبْحَانَهُ نعم بَلغنِي مَعَ ذَلِك وَجزم لي بِهِ أَنَّك مَعَ بذل النصح لَك وللأمير أصلح الله الْجَمِيع وَأصْلح ذَات بَينهم أخذت عَليّ بالرصد فِي قفولي لصبيتي وَالرُّجُوع إِلَيْهِم رِعَايَة لما يجب وَينْدب من حُقُوقهم وَهل هَذَا إِلَّا حكم الْهوى والشيطان أعندك مَا تستبيح بِهِ ذَلِك مَعَ أَنِّي وَالْحَمْد لله أَيْنَمَا كنت لَا أسعى إِلَّا فِي مصلحَة جهد الِاسْتِطَاعَة أَو بَث نصيحة حِين لَا أرى من يبثها أَو إغاثة ملهوف حِين تجب إغاثته {لَئِن بسطت إِلَيّ يدك لتقتلني} المائده 28 الْآيَة وَلَكِن الله عز وجل يَقُول {وَلَا يَحِيق الْمَكْر السيء إِلَّا بأَهْله} فاطر 43 وَفِي التَّوْرَاة من حفر حُفْرَة فليوسعها وَلَا تحفرن بِئْرا تُرِيدُ بهَا أَخا فَأَيْنَ وجدت مَا يسوغ لَك ارْتِكَاب مثل هَذَا قولا أَو فعل أَو إِشَارَة أَو تَصْرِيحًا أَو تَلْوِيحًا وَأي جريمة توازي هَذِه الجريمة أَو كَبِيرَة من الآثام أكبر مِنْهَا وَالله الْموعد {وَسَيعْلَمُ الَّذين ظلمُوا أَي مُنْقَلب يَنْقَلِبُون} الشُّعَرَاء 227 هَذَا والسعاية المصحوبة بسؤالي عَن دفاع سكتانه أَيْن تَجِدُونَ مَا يُوجب إباحتها أَيْن غَابَ عَنْكُم إِنَّهَا من الْكَبَائِر وَأَيْنَ غَابَ عَنْكُم قَوْله صلى الله عليه وسلم (إِن الرجل ليَتَكَلَّم بِكَلِمَة يهوي بهَا فِي النَّار سبعين خَرِيفًا) أَهَذا من أَخْلَاق الْمُؤمنِينَ وَالصَّالِحِينَ وَأَنت من بَيت الصّلاح مَا كَانَ جدك يرضى مثل هَذَا {مَا كَانَ أَبوك امْرأ سوء} مَرْيَم 28 وَهَذَا وَالله أعلم نتيجة قرناء السوء وَلَا تصْحَب من لَا ينهضك حَاله وَلَا يدلك على الله مقاله وَإِلَى هَذَا يَنْتَهِي حق الصُّحْبَة أَعنِي بذل النصح إِن الله يسْأَل عَن صُحْبَة سَاعَة
وَنحن صحبناك واعتقدناك ونصحناك ووعظناك (انصر أَخَاك ظَالِما أَو مَظْلُوما) فَنَصَرْنَاك بِالرَّدِّ إِلَى الجادة أَيْن أَنْت من مَوْلَانَا الْحسن بن عَليّ إِذْ تخلى عَن الْأَمر لِابْنِ عَمه مُعَاوِيَة مَعَ أَنه هاشمي علوي فاطمي إِحْدَى ريحانتي النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَمُعَاوِيَة أموي يجمعهما عبد منَاف فتخلى عَن الْإِمَارَة مَعَ أَنه إِمَام وَابْن إِمَام وَأصْلح الله بِهِ وَهُوَ سيد بَين فئتين عظيمتين من الْمُسلمين بعد أَن كَانَ يلقب بأمير الْمُؤمنِينَ فَقَالَ لَهُ بعض أَصْحَابه إِذْ سلم عَلَيْهِ يَا عَار الْمُؤمنِينَ فَلم يكترث بذلك وَقَالَ النَّار أَشد من الْعَار ألهمنا الله وَإِيَّاكُم رشد أَنْفُسنَا وَجَعَلنَا وَإِيَّاكُم من الَّذين يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه انْتهى
وَلم يزل الْفَقِيه أَبُو زَكَرِيَّاء مصمما على طلب جمع الْكَلِمَة إِلَى أَن اخترمته الْمنية قَالَ صَاحب الْفَوَائِد مَا صورته قَامَ الشَّيْخ أَبُو زَكَرِيَّاء بِجمع الْكَلِمَة وَالنَّظَر فِي مصَالح الْأمة وَاسْتمرّ بِهِ علاج ذَلِك إِلَى أَن توفّي وَلم يتم لَهُ أَمر انْتهى وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْخَمِيس سادس جُمَادَى الثَّانِيَة من سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَألف بقصبة تارودانت وَحمل من الْغَد إِلَى رِبَاط وَالِده فَدفن بجنبه رَحمَه الله