الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(لَا تقنطن فَإِن الله منان
…
وَعِنْده للورى عَفْو وغفران)
(إِن كَانَ عنْدك إهمال ومعصية
…
فَعِنْدَ رَبك أفضال وإحسان)
وَمن وزرائه مُحَمَّد باشا العلج وَيحيى آجانا الوريكي وجؤذر وَغَيرهم وقاضيه الْفَقِيه أَبُو مهْدي عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن السكتاني قَاضِي مراكش ومفتيه أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد السملالي رحم الله الْجَمِيع
الْخَبَر عَن دولة السُّلْطَان أبي يزِيد الْوَلِيد بن زَيْدَانَ رحمه الله
لما قتل السُّلْطَان عبد الْملك بن زَيْدَانَ فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم بُويِعَ أَخُوهُ الْوَلِيد بن زَيْدَانَ فَلم يزل مُقْتَصرا على مَا كَانَ لِأَخِيهِ وَأَبِيهِ من قبله لم يُجَاوز سُلْطَانه مراكش وأعمالها وعظمت الْفِتَن بفاس حَتَّى عطلت الْجُمُعَة والتراويح من جَامع الْقرَوِيين مُدَّة وَلم يصل بِهِ لَيْلَة الْقدر إِلَّا رجل وَاحِد من شدَّة الهول والحروب الَّتِي كَانَت بَين أهل الْمَدِينَة
واقتسم الْمغرب فِي أَيَّام أَوْلَاد زَيْدَانَ طوائف فَكَانَ حَاله كَحال الأندلس أَيَّام طوائفها كَمَا ذكرنَا وَنَذْكُر بعد إِن شَاءَ الله
ظُهُور أبي حسون السملالي الْمَعْرُوف بِأبي دميعة بالسوس ثمَّ استيلاؤه على درعة وسجلماسة وأعمالها
هَذَا الرجل هُوَ أَبُو الْحسن وَيُقَال أَبُو حسون عَليّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْوَلِيّ الصَّالح أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن مُوسَى السملالي وَكَانَ بَدْء أمره أَنه لما ضعف أَمر السُّلْطَان زَيْدَانَ بالصقع السُّوسِي وفشل رِيحه فِيهِ نبغ هُوَ فَدَعَا لنَفسِهِ وجر نَار الرياسة إِلَى قرصه وتألبت عَلَيْهِ البرابرة من بسائط جزولة وجبالها والتفت عَلَيْهِ غَالب الْقَبَائِل السوسية فاستولى على تارودانت وأعمالها إِلَى أَن أخرجه عَنْهَا الْفَقِيه أَبُو زَكَرِيَّاء بن عبد الْمُنعم بعد حروب
وَفتن عَظِيمَة حَسْبَمَا مرت الْإِشَارَة إِلَيْهِ
وَلما توفّي أَبُو زَكَرِيَّاء فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم صفا لأبي حسون قطر السوس وَنفذ فِيهِ أمره وَسمعت كَلمته ثمَّ بعد مهلك زَيْدَانَ مد يَده إِلَى درعة فاستولى عَلَيْهَا ثمَّ استولى سجلماسة ونواحيها فاستحكم أمره وتقوى عضده
وَلم يزل أمره نَافِذا فِي سجلماسة إِلَى أَن ثار عَلَيْهِ الْأسد الهصور الْمولى مُحَمَّد بن الشريف فَأخْرجهُ من سجلماسة بعد حروب يشيب لَهَا الْوَلِيد ثمَّ أخرجه من درعة أَيْضا على مَا نذكرهُ بعد وَقد وقفت على سُؤال رفع من جَانب أبي حسون إِلَى القَاضِي أبي مهْدي السكتاني فِي شَأْن مَدِينَة إيليغ دَار رياسته ومقر عزه يستفتيه فِي إِحْدَاث كَنِيسَة الْيَهُود بهَا هَل يجوز أم لَا وَفِيه مَعَ ذَلِك بعض الْكَشْف عَن حَال هَذِه الْمَدِينَة فلنذكره وَنَصه
الْحَمد لله الَّذِي ارتضى لِلْإِسْلَامِ دينا وَأنزل بِهِ على خيرة خلقه كتابا مُبينًا الْفَقِيه الْأَجَل الْعَلامَة الأحفل القَاضِي الأعدل خَاتِمَة الْمُحَقِّقين ومعتمد الموثقين أَبَا مهْدي عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن السكتاني وَفقه الله لما يرضيه وأعانه على مَا هُوَ متوليه السَّلَام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته وَبعد فقد تقرر عِنْد سيدنَا أَمر هَذِه الحضرة الْعلية العلوية إيليغ أَدَم بهجتها كَمَا رفع كَغَيْرِهَا من الحواضر درجتها وَأَنَّهَا محدثة فتوفرت ببركة بانيها عمارتها ومبانيها فاتخذها مسكنا أهل السهول والحزون وجمعت لطيب تربَتهَا بَين الضَّب وَالنُّون فنزلها برسم الاستيطان أَو شَاب من أهل الذِّمَّة بِإِذن مختطها
الإِمَام العالي الهمة فاختطوا بهَا عَن إِذْنه مَنَازِلهمْ وبنوا بفنائها كنيستهم وصيروها متعبدهم فاتفق والْحَدِيث شجون أَن جرى بِبَعْض أندية علمائها ومحضر جمع من نبهاء الْبَلدة وفقهائها كَلَام أفْضى بهم إِلَى ذكر الْكَنِيسَة الْمَذْكُورَة والمجادلة فِي مُحَصل الحكم الشَّرْعِيّ فِيهَا فِي الدَّوَاوِين المسطورة فَأفْتى بَعضهم بِوُجُوب هدمها لِأَنَّهَا محدثة بِبِلَاد الْإِسْلَام وَلما فِي تَركهَا من الْمَفَاسِد الْعِظَام وَأَنَّهَا لَا تتْرك لَهُم متعبدا وَجزم الْكَلَام وَقَالَ هَذَا مُحَصل مَا ذكره فِي مثل هَذِه الْقَضِيَّة الْأَعْلَام وَأفْتى فريق بِجَوَاز إبقائها وَأَنه لَا يَنْبَغِي تقويض بنائها وَلَا التَّعَرُّض لَهُم فِي إحداثها إِذْ على مثل هَذَا من دينهم الْفَاسِد أقرُّوا وأعطوا الذِّمَّة فأعطوا الْجِزْيَة صاغرين وَلم يرد منع اجْتِمَاع دينين إِلَّا فِي جَزِيرَة الْعَرَب وَكم من بلد إسلامي مُحدث مشحون بالعلماء أحدثت فِيهِ وَلم يَقُولُوا بِمَنْعه وتواطؤهم على تَركهَا كالنص وَالدَّلِيل على جَوَاز إحداثها وإبقائها بعده وَاسْتمرّ الْحجَّاج وَكثر اللجاج وَلم يقنع كل فريق بِمَا أبداه الآخر من الِاحْتِجَاج فعطلت لذَلِك إِلَى أَن تفَرقُوا فِيهَا بعلمكم النافع بَين العذب والأجاج بفتوى تبين صَحِيح الْأَقْوَال من سقيمها وتفصل بَين ليلى وغريمها وَلَوْلَا مَحل النَّازِلَة من الدّين مَا رفعت إِلَيْكُم فَلذَلِك وَجب الْجَواب عَنْهَا عَلَيْكُم مَعَ مَسْأَلَة أُخْرَى وَهِي أَنهم طلبُوا أَن تتْرك لَهُم بقْعَة يوارون فِيهَا جيف موتاهم لِأَن مَسَافَة مَا بَينهم وَبَين أفران الَّتِي هِيَ مَقْبرَة قديمَة لَهُم بعيدَة هَل يساعفون أم لَا وَالله يبقيكم ومجدكم محروس وظل من استزلكم مكنوس وَالسَّلَام عَلَيْكُم
الْجَواب
الْحَمد لله وعَلى فُقَهَاء بِلَادنَا السوسية حرسها الله وَأكْرمهمْ بِاتِّبَاع سنة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم السَّلَام وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته أما بعد فقد وقف كَاتبه عَفا الله عَنهُ على نازلة أهل الذِّمَّة النازلين بإيليغ مختط أَوْلَاد السَّيِّد الْبركَة قطب بِلَادنَا سَيِّدي أَحْمد بن مُوسَى نفعنا الله ببركاته وَبَارك فِي ذُريَّته وسددهم لما فِيهِ رِضَاهُ آمين وَلما وقفت عَلَيْهَا وتأملتها فَرَأَيْت أَن الصَّوَاب فِيهَا الْفَتْوَى بِمَنْع
إِحْدَاث أهل الذِّمَّة الْكَنَائِس فِيهَا وبهدم مَا بنى فِيهَا بعد إحداثه لِأَن إيليغ من بِلَاد الْإِسْلَام وَلَا فِيهِ شُبْهَة لأهل الذِّمَّة الطارين عَلَيْهِ لَا بِاعْتِبَار الْفَتْح العنوي وَلَا بِاعْتِبَار الصلحي على الْخلاف فِي الْمغرب بِاعْتِبَار فَتحه وَحَاصِل أمرهَا خَفَاء الْحَال فِيهَا وَإِذا كَانَ الْأَمر هَكَذَا فَالْحكم أَنَّهَا ملك لمدعيها الْحَائِز لَهَا والأراضي أَقسَام أَرض إِسْلَام لَا يجوز إِحْدَاث الْكَنَائِس بهَا بِاتِّفَاق ثمَّ إِن وَقع شَيْء من ذَلِك هدم وَأَرْض إيليغ من هَذَا الْقسم فَإِن ملكوا الأَرْض الَّتِي بنوا فِيهَا الْكَنِيسَة بِوَجْه من وُجُوه التَّمَلُّك كالعطية وَجب هدمها ونقضها وَيكون لَهُم مَا يسوغ من الْمَنَافِع وَإِن كَانَ بِنَاء الْكَنِيسَة شرطا ردَّتْ الْعَطِيَّة وَفسخ البيع إِن كَانَ بِهِ لِأَنَّهُ فِي معنى التحبيس على الْكَنِيسَة وَالْحَاصِل أَن وَجه دُخُول الْيَهُود إيليغ مَعْلُوم وَأَن بَلَده ملك لِلْإِسْلَامِ فبناء الْيَهُود فِيهَا الْكَنَائِس مَعْصِيّة وتمكينهم مِنْهُ إِعَانَة عَلَيْهَا وَهَذَا لَا يخفى وَأما الْجَوَاز والإفتاء بِهِ فِي النَّازِلَة فبمعزل عَن الصَّوَاب وَالِاسْتِدْلَال على الْجَوَاز بحواضر الْمغرب وسكوت علمائها وموافقة أمرائها لَا يتم لِأَن أصل تمكينهم من الْكَنَائِس مَجْهُول إِذْ يحْتَمل أمورا مِنْهَا أَنه يحْتَمل أَن يكون بِعَهْد كَانَ لَهُم فِي غير تِلْكَ الْبِلَاد من إقرارهم على بلد يسكنونه مَعَ بقائهم على متعبداتهم ثمَّ نقلوا لمصْلحَة اقْتَضَت ذَلِك أَو أرجح وَلِأَن الْبِلَاد تقدم فِيهَا الْيَهُود وَغَيرهم من أهل الصُّلْح وَالْحَاصِل أَن وَجه دُخُولهمْ مَجْهُول فِي هَذِه الْبِلَاد بِخِلَاف إيليغ ونازلة إيليغ مَعْلُومَة الدُّخُول فبينهما بون فَقِيَاس إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى لَا يَصح وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَكتب عِيسَى بن عبد الرَّحْمَن وَفقه الله آمين
وَلما علم المرابط بالحكم أَمر بهدمها وَمنع الْيَهُود مِمَّا أرادوه