المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة) - شرح النووي على مسلم - جـ ٣

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌(باب معنى قول الله عز وجل ولقد رآه نزلة أخرى)

- ‌(هَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَشَكَّكَ فِيهِ ثُمَّ إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ

- ‌(باب اثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم سبحانه

- ‌(باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النَّارِ)

- ‌(وَفِي الْمُذْنِبِينَ وَحَلَّتِ الشَّفَاعَةُ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ

- ‌(وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ

- ‌(بَاب دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لأمته وبكائه

- ‌(باب بَيَانِ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ فَهُوَ فِي النَّارِ)

- ‌(باب شَفَاعَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لابي طالب)

- ‌(بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ لَا يَنْفَعُهُ عَمَلٌ)

- ‌(باب مُوَالَاةِ الْمُؤْمِنِينَ وَمُقَاطَعَةِ غَيْرِهِمْ وَالْبَرَاءَةِ منهم)

- ‌(باب الدَّلِيلِ عَلَى دُخُولِ طَوَائِفَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْجَنَّةَ)

- ‌(باب بيان كون هذه الامة نصف أهل الجنة)

- ‌(كِتَابُ الطَّهَارَةِ)

- ‌(بَاب فَضْلِ الْوُضُوءِ)

- ‌(بَابُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ)

- ‌(بَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَكَمَالِهِ)

- ‌(بَابُ فضل الوضوء والصلاة عقبه)

- ‌(باب الذِّكْرِ الْمُسْتَحَبِّ عَقِبَ الْوُضُوءِ)

- ‌(باب آخر في صفته الْوُضُوءِ)

- ‌(بَابُ الْإِيتَارِ فِي الِاسْتِنْثَارِ وَالِاسْتِجْمَارِ)

- ‌(باب وجوب غسل الرجلين بكمالها)

- ‌(بَابُ وُجُوبِ اسْتِيعَابِ جَمِيعِ أَجْزَاءِ مَحِلِ الطَّهَارَةِ)

- ‌(بَابُ خُرُوجِ الْخَطَايَا مَعَ مَاءِ الْوَضُوءِ)

- ‌(باب اسْتِحْبَابِ إِطَالَةِ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فِي الْوُضُوءِ)

- ‌(باب فَضْلِ إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ)

- ‌(بَابُ السِّوَاكِ)

- ‌(بَابُ خِصَالِ الْفِطْرَةِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِطَابَةِ)

- ‌(بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ)

- ‌(بَابُ التَّوْقِيتِ فِي المسح على الْخُفَّيْنِ)

- ‌(بَابُ جَوَازِ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ)

- ‌(باب كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك فِي

- ‌(بَابُ حُكْمِ وُلُوغِ الْكَلْبِ)

- ‌(باب النهي عن البول في الماء الراكد)

- ‌(باب النَّهْيِ عَنِ الِاغْتِسَالِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ)

- ‌(باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إِذَا حَصَلَتْ فِي

- ‌(بَابُ حُكْمِ بَوْلِ الطِّفْلِ الرَّضِيعِ وَكَيْفِيَّةِ غَسْلِهِ)

- ‌(بَابُ حُكْمِ الْمَنِيِّ)

- ‌(باب نَجَاسَةِ الدَّمِ وَكَيْفِيَّةُ غَسْلِهِ)

- ‌(باب الدَّلِيلِ عَلَى نَجَاسَةِ الْبَوْلِ وَوُجُوبُ الاستبراء منه)

- ‌(كِتَاب الْحَيْضِ)

- ‌(بَاب مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ فَوْقَ الْإِزَارِ)

- ‌(باب الِاضْطِجَاعِ مَعَ الْحَائِضِ فِي لحاف واحد)

- ‌(باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وَطَهَارَةِ

- ‌(باب المذي)

- ‌(بَابُ غَسْلِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنَ النوم)

- ‌(باب جَوَازِ نَوْمِ الْجُنُبِ وَاسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ لَهُ)

- ‌(بَابُ وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْهَا)

- ‌(باب بَيَانِ صِفَةِ مَنِيِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَأَنَّ الولد مخلوق من

- ‌(باب صِفَةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ)

- ‌(اغْتَسَلَ وَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً وَأَمَّا فِعْلُ التَّنْشِيفِ فَقَدْ

الفصل: ‌(باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة)

وَالْغَرَضُ إِنَّمَا هُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَمَعْنَاهُ إِنَّمَا وَلِيِّيَ مَنْ كَانَ صَالِحًا وَإِنْ بَعُدَ نسبه مِنِّي وَلَيْسَ وَلِيِّي مَنْ كَانَ غَيْرُ صَالِحٍ وان كان نسبه قريبا قال القاضي عياض رضي الله عنه قِيلَ إِنَّ الْمُكَنَّى عَنْهُ ها هنا هُوَ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ جِهَارًا فَمَعْنَاهُ عَلَانِيَةً لَمْ يُخْفِهِ بَلْ بَاحَ بِهِ وَأَظْهَرَهُ وَأَشَاعَهُ فَفِيهِ التَّبَرُّؤُ من المخالفين وموالاة الصالحين والاعلان بذلك مالم يَخَفْ تَرَتُّبَ فِتْنَةٍ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(باب الدَّلِيلِ عَلَى دُخُولِ طَوَائِفَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْجَنَّةَ)

(بغير حساب ولا عذاب)

قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي الْجَنَّةَ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ) فِيهِ عِظَمُ مَا أَكْرَمَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأُمَّتَهُ زَادَهَا اللَّهُ فَضْلًا وَشَرَفًا وَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيحِ مسلم

ص: 88

سَبْعُونَ أَلْفًا مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَبْعُونَ ألفا قَوْلُهُ (عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ) هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ وَتَخْفِيفِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ ذَكَرَهُمَا جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ ثَعْلَبٌ وَالْجَوْهَرِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ ثَعْلَبٌ هُوَ مُشَدَّدٌ وَقَدْ يُخَفَّفُ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ التَّشْدِيدُ أَكْثَرُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي عِيَاضٌ هُنَا غَيْرَ التَّشْدِيدِ وَأَمَّا مِحْصَنُ فَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الصَّادِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِلرَّجُلِ الثَّانِي سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قِيلَ إِنَّ الرَّجُلَ الثَّانِي لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ تِلْكَ الْمَنْزِلَةَ وَلَا كَانَ بِصِفَةِ أَهْلِهَا بِخِلَافِ عُكَّاشَةَ وَقِيلَ بَلْ كَانَ مُنَافِقًا فَأَجَابَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَلَامٍ مُحْتَمَلٌ وَلَمْ يَرَ صلى الله عليه وسلم التَّصْرِيحَ لَهُ بِأَنَّكَ لَسْتَ مِنْهُمْ لِمَا كَانَ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ مِنْ حُسْنِ الْعِشْرَةِ وَقِيلَ قَدْ يَكُونُ سَبْقُ عُكَّاشَةَ بِوَحْيٍ أَنَّهُ يُجَابُ فِيهِ وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ لِلْآخَرِ قُلْتُ وَقَدْ ذَكَرَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي الْأَسْمَاءِ الْمُبْهَمَةِ أَنَّهُ يُقَالُ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رضي الله عنه فَإِنْ صَحَّ هَذَا بَطَلَ قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُنَافِقٌ وَالْأَظْهَرُ الْمُخْتَارُ هُوَ الْقَوْلُ الْأَخِيرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (يَرْفَعُ نَمِرَةً) النَّمِرَةُ كِسَاءٌ فِيهِ خُطُوطٌ بِيضٌ وَسُودٌ وَحُمْرٌ كَأَنَّهَا أُخِذَتْ مِنْ جِلْدِ النَّمِرِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّلَوُّنِ وَهِيَ مِنْ مَآزِرِ الْعَرَبِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي أَبُو يُونُسَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَاسْمُ أَبِي يُونُسَ هَذَا سُلَيْمُ بْنُ جُبَيْرٍ بِضَمِّ السِّينِ وَالْجِيمِ الْمِصْرِيُّ الدَّوْسِيُّ مَوْلَى ابي هريرة رضي الله عنه قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (يدخل الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا

ص: 89

زُمْرَةً وَاحِدَةً مِنْهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ) رُوِيَ زُمْرَةً وَاحِدَةً بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ وَالزُّمْرَةُ الْجَمَاعَةُ فِي تَفْرِقَةِ بَعْضِهَا فِي إِثْرِ بَعْضٍ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (هُمُ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ احْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ التَّدَاوِيَ مَكْرُوهٌ وَمُعْظَمُ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَاحْتَجُّوا بِمَا وَقَعَ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مِنْ ذِكْرِهِ صلى الله عليه وسلم لِمَنَافِعِ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَطْعِمَةِ كَالْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ وَالْقُسْطِ وَالصَّبْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَبِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَدَاوَى وَبِإِخْبَارِ عَائِشَةَ رضي الله عنها بِكَثْرَةِ تدَاوِيهِ وَبِمَا عُلِمَ مِنَ الِاسْتِشْفَاءِ بِرُقَاهُ وَبِالْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ أَخَذُوا عَلَى الرُّقْيَةِ أَجْرًا فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا حُمِلَ مَا فِي الْحَدِيثِ عَلَى قَوْمٍ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الْأَدْوِيَةَ نَافِعَةٌ بِطَبْعِهَا وَلَا يُفَوِّضُونَ الْأَمْرَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْحَدِيثِ وَلَا يَسْتَقِيمُ هَذَا التَّأْوِيلُ وَإِنَّمَا أَخْبَرَ صلى الله عليه وسلم أَنَّ هَؤُلَاءِ لَهُمْ مَزِيَّةٌ وَفَضِيلَةٌ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وبان وجوههم تضئ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَلَوْ كَانَ كَمَا تَأَوَّلَهُ هَؤُلَاءِ لَمَا اخْتُصَّ هَؤُلَاءِ بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ لِأَنَّ تِلْكَ هِيَ عَقِيدَةُ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنِ اعْتَقَدَ خِلَافَ ذَلِكَ كَفَرَ وَقَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ وَأَصْحَابُ الْمَعَانِي عَلَى هَذَا فَذَهَبَ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ تَرَكَهَا تَوَكُّلًا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَرِضَاءً بِقَضَائِهِ وَبَلَائِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهَذِهِ مِنْ أَرْفَعِ دَرَجَاتِ الْمُحَقِّقِينَ بِالْإِيمَانِ قَالَ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ سَمَّاهُمْ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا ذُكِرَ مِنَ الْكَيِّ وَالرُّقَى وَسَائِرُ أَنْوَاعِ الطِّبِّ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي يَفْعَلُونَهُ فِي الصِّحَّةِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِمَنْ لَيْسَتْ بِهِ عِلَّةٌ أَنْ يَتَّخِذَ التَّمَائِمَ وَيَسْتَعْمِلَ الرُّقَى وَأَمَّا مَنْ يَسْتَعْمِلُ ذَلِكَ مِمَّنْ

ص: 90

بِهِ مَرَضٌ فَهُوَ جَائِزٌ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى تَخْصِيصِ الرُّقَى وَالْكَيِّ مِنْ بَيْنِ أَنْوَاعِ الطِّبِّ لِمَعْنًى وَأَنَّ الطِّبَّ غَيْرُ قَادِحٍ فِي التَّوَكُّلِ إِذْ تَطَبَّبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْفُضَلَاءُ مِنَ السَّلَفِ وَكُلُّ سَبَبٍ مَقْطُوعٌ بِهِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِلْغِذَاءِ وَالرِّيِّ لَا يَقْدَحُ في التَّوَكُّلَ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي هَذَا الْبَابِ وَلِهَذَا لَمْ يُنْفَ عَنْهُمُ التَّطَبُّبُ وَلِهَذَا لَمْ يَجْعَلُوا الِاكْتِسَابَ لِلْقُوتِ وَعَلَى الْعِيَالِ قَادِحًا فِي التَّوَكُّلِ إِذَا لَمْ يَكُنْ ثِقَتُهُ فِي رِزْقِهِ بِاكْتِسَابِهِ وَكَانَ مُفَوِّضًا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْكَلَامُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الطِّبِّ وَالْكَيِّ يَطُولُ وَقَدْ أَبَاحَهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَثْنَى عَلَيْهِمَا لَكِنِّي أَذْكُرُ مِنْهُ نُكْتَةً تَكْفِي وَهُوَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَطَبَّبَ فِي نَفْسِهِ وَطَبَّبَ غَيْرَهُ وَلَمْ يَكْتَوِ وَكَوَى غَيْرَهُ وَنَهَى فِي الصَّحِيحِ أُمَّتَهُ عَنِ الْكَيِّ وَقَالَ مَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالظَّاهِرُ مِنْ مَعْنَى الْحَدِيثِ مَا اخْتَارَهُ الْخَطَّابِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ كَمُلَ تَفْوِيضُهُمْ إِلَى اللَّهِ عز وجل فَلَمْ يَتَسَبَّبُوا فِي دَفْعِ مَا أَوْقَعَهُ بِهِمْ وَلَا شَكَّ فِي فَضِيلَةِ هَذِهِ الْحَالَةِ وَرُجْحَانِ صَاحِبِهَا وَأَمَّا تَطَبُّبُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَفَعَلَهُ لِيُبَيِّنَ لَنَا الْجَوَازَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فِي حَقِيقَةِ التَّوَكُّلِ فَحَكَى الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ التَّوَكُّلِ إِلَّا مَنْ لَمْ يُخَالِطْ قَلْبَهُ خَوْفٌ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ سَبُعٍ أَوْ عَدُوٍّ حَتَّى يَتْرُكَ السَّعْيَ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ ثِقَةً بِضَمَانِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ رِزْقَهُ وَاحْتَجُّوا بِمَا جَاءَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْآثَارِ وَقَالَتْ طائفة حده الثقة بالله تعالى والايقان بِأَنَّ قَضَاءَهُ نَافِذٌ وَاتِّبَاعُ سُنَّةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّعْي فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ وَالتَّحَرُّزِ مِنَ الْعَدُوِّ كَمَا فَعَلَهُ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهَذَا الْمَذْهَبُ هُوَ اخْتِيَارُ الطَّبَرِيُّ وَعَامَّةُ الْفُقَهَاءِ وَالْأَوَّلُ مَذْهَبُ بَعْضِ الْمُتَصَوِّفَةِ وَأَصْحَابِ عِلْمِ الْقُلُوبِ وَالْإِشَارَاتِ وَذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ إِلَى نَحْوِ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمُ اسْمُ التَّوَكُّلِ مَعَ الِالْتِفَاتِ وَالطُّمَأْنِينَةِ إِلَى الْأَسْبَابِ بَلْ فِعْلُ الْأَسْبَابِ سُنَّةُ اللَّهِ وَحِكْمَتُهُ وَالثِّقَةُ بِأَنَّهُ لَا يَجْلِبُ نَفْعًا وَلَا يَدْفَعُ ضَرًّا وَالْكُلُّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي عِيَاضٍ قَالَ الْإِمَامُ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اعْلَمْ أَنَّ التَّوَكُّلَ مَحَلُّهُ الْقَلْبُ وَأَمَّا الْحَرَكَةُ بِالظَّاهِرِ فَلَا تُنَافِي التَّوَكُّلَ بِالْقَلْبِ بَعْدَ مَا تَحَقَّقَ الْعَبْدُ أَنَّ الثِّقَةَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تعالى فان تعسر شئ فَبِتَقْدِيرِهِ وَإِنْ تَيَسَّرَ فَبِتَيْسِيرِهِ وَقَالَ سَهْلُ بْنُ

ص: 91

عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيُّ رضي الله عنه التَّوَكُّلُ الِاسْتِرْسَالُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا يُرِيدُ وَقَالَ أَبُو عُثْمَانَ الْجَبَّرِيُّ التَّوَكُّلُ الِاكْتِفَاءُ بِاللَّهِ تَعَالَى مَعَ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ وَقِيلَ التَّوَكُّلُ أَنْ يَسْتَوِيَ الْإِكْثَارُ وَالتَّقَلُّلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا حَاجِبُ بْنُ عُمَرَ أَبُو خُشَيْنَةَ) هُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ بَعْدَهُمَا مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ ثُمَّ نُونٍ ثُمَّ هَاءٍ وَحَاجِبٌ هَذَا هُوَ أَخُو عِيسَى بْنُ عُمَرَ النَّحْوِيُّ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا مُتَمَاسِكُونَ آخِذٌ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لَا يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الْأُصُولِ مُتَمَاسِكُونَ بالواو وآخذ بالرفع ووقع في بعض الاصول متماسكين وآخذا بِالْيَاءِ وَالْأَلِفِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَمَعْنَى مُتَمَاسِكِينَ مُمْسِكٌ بَعْضُهُمْ بِيَدِ بَعْضٍ وَيَدْخُلُونَ مُعْتَرِضِينَ صَفًّا وَاحِدًا بَعْضُهُمْ بِجَنْبِ بَعْضٍ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِعِظَمِ سَعَةِ بَابِ الْجَنَّةِ نَسْأَلُ اللَّهَ الْكَرِيمَ رِضَاهُ وَالْجَنَّةَ لَنَا وَلِأَحْبَابِنَا وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ (أَيُّكُمْ رَأَى الْكَوْكَبَ الَّذِي انْقَضَّ الْبَارِحَةَ) هُوَ بِالْقَافِ

ص: 92

وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَمَعْنَاهُ سَقَطَ وَأَمَّا الْبَارِحَةَ فَهِيَ أَقْرَبُ لَيْلَةٍ مَضَتْ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ يُقَالُ قَبْلَ الزَّوَالِ رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ وَبَعْدَ الزَّوَالِ رأيت البارحة وهكذا قاله غَيْرُ ثَعْلَبٍ قَالُوا وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ بَرِحَ إِذَا زَالَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الرُّؤْيَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ قَالَ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمُ الْبَارِحَةَ رُؤْيَا قَوْلُهُ (أَمَا إِنِّي لَمْ أَكُنْ فِي صَلَاةٍ وَلَكِنِّي لُدِغْتُ) أَرَادَ أَنْ يَنْفِيَ عَنْ نَفْسِهِ اتِّهَامَ العبادة والسهر فِي الصَّلَاةِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهَا وَقَوْلُهُ لُدِغْتُ هُوَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ لَدَغَتْهُ الْعَقْرَبُ وَذَوَاتُ السَّمُومِ إِذَا أَصَابَتْهُ بِسُمِّهَا وَذَلِكَ بِأَنْ تَأْبُرُهُ بشوكتها قوله (لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ) أَمَّا الْحُمَةُ فَهِيَ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَهِيَ سُمُّ الْعَقْرَبِ وَشِبْهِهَا وَقِيلَ فَوْعَةُ السُّمِّ وَهِيَ حِدَّتُهُ وَحَرَارَتُهُ وَالْمُرَادُ أَوْ ذِي حُمَةٍ كَالْعَقْرَبِ وَشِبْهِهَا أَيْ لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ لَدْغِ ذِي حُمَةٍ وَأَمَّا الْعَيْنُ فَهِيَ إِصَابَةُ الْعَائِنِ غَيْرَهُ بِعَيْنِهِ وَالْعَيْنُ حَقٌّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا رُقْيَةَ أَشْفَى وَأَوْلَى مِنْ رُقْيَةِ الْعَيْنِ وَذِي الْحُمَةِ وَقَدْ رَقَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَ بِهَا فَإِذَا كَانَتْ بِالْقُرْآنِ وَبِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَهِيَ مُبَاحَةٌ وَإِنَّمَا جَاءَتِ الْكَرَاهَةُ مِنْهَا لِمَا كَانَ بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا كَانَ كُفْرًا أَوْ قَوْلًا يَدْخُلُهُ الشِّرْكُ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي كُرِهَ مِنَ الرُّقْيَةِ مَا كَانَ مِنْهَا عَلَى مَذَاهِبِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي الْعُوَذِ الَّتِي كَانُوا يَتَعَاطَوْنَهَا وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا تَدْفَعُ عَنْهُمُ الْآفَاتِ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا مِنْ قِبَلِ الْجِنِّ وَمَعُونَتِهِمْ هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (بُرَيْدَةُ بْنُ حُصَيْبٍ) هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ) هُوَ بِضَمِّ

ص: 93

الرَّاءِ تَصْغِيرُ الرَّهْطِ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ دُونَ الْعَشَرَةِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ فَقِيلَ لِي هَذِهِ أُمَّتُكَ وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ) مَعْنَاهُ وَمَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ أُمَّتِكَ فَكَوْنُهُمْ مِنْ أُمَّتِهِ صلى الله عليه وسلم لَا شَكَّ فِيهِ وَأَمَّا تَقْدِيرُهُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ وَسَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ أُمَّتِكَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ وَلَيْسُوا مَعَ هَؤُلَاءِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ فِي جُمْلَتِهِمْ سَبْعُونَ أَلْفًا وَيُؤَيِّدُ هَذَا رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ هَذِهِ أُمَّتُكَ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَخَاضَ النَّاسُ) هُوَ بِالْخَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ أَيْ تَكَلَّمُوا وَتَنَاظَرُوا

ص: 94