المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب آخر في صفته الوضوء) - شرح النووي على مسلم - جـ ٣

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌(باب معنى قول الله عز وجل ولقد رآه نزلة أخرى)

- ‌(هَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَشَكَّكَ فِيهِ ثُمَّ إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ

- ‌(باب اثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم سبحانه

- ‌(باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النَّارِ)

- ‌(وَفِي الْمُذْنِبِينَ وَحَلَّتِ الشَّفَاعَةُ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ

- ‌(وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ

- ‌(بَاب دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لأمته وبكائه

- ‌(باب بَيَانِ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ فَهُوَ فِي النَّارِ)

- ‌(باب شَفَاعَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لابي طالب)

- ‌(بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ لَا يَنْفَعُهُ عَمَلٌ)

- ‌(باب مُوَالَاةِ الْمُؤْمِنِينَ وَمُقَاطَعَةِ غَيْرِهِمْ وَالْبَرَاءَةِ منهم)

- ‌(باب الدَّلِيلِ عَلَى دُخُولِ طَوَائِفَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْجَنَّةَ)

- ‌(باب بيان كون هذه الامة نصف أهل الجنة)

- ‌(كِتَابُ الطَّهَارَةِ)

- ‌(بَاب فَضْلِ الْوُضُوءِ)

- ‌(بَابُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ)

- ‌(بَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَكَمَالِهِ)

- ‌(بَابُ فضل الوضوء والصلاة عقبه)

- ‌(باب الذِّكْرِ الْمُسْتَحَبِّ عَقِبَ الْوُضُوءِ)

- ‌(باب آخر في صفته الْوُضُوءِ)

- ‌(بَابُ الْإِيتَارِ فِي الِاسْتِنْثَارِ وَالِاسْتِجْمَارِ)

- ‌(باب وجوب غسل الرجلين بكمالها)

- ‌(بَابُ وُجُوبِ اسْتِيعَابِ جَمِيعِ أَجْزَاءِ مَحِلِ الطَّهَارَةِ)

- ‌(بَابُ خُرُوجِ الْخَطَايَا مَعَ مَاءِ الْوَضُوءِ)

- ‌(باب اسْتِحْبَابِ إِطَالَةِ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فِي الْوُضُوءِ)

- ‌(باب فَضْلِ إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ)

- ‌(بَابُ السِّوَاكِ)

- ‌(بَابُ خِصَالِ الْفِطْرَةِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِطَابَةِ)

- ‌(بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ)

- ‌(بَابُ التَّوْقِيتِ فِي المسح على الْخُفَّيْنِ)

- ‌(بَابُ جَوَازِ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ)

- ‌(باب كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك فِي

- ‌(بَابُ حُكْمِ وُلُوغِ الْكَلْبِ)

- ‌(باب النهي عن البول في الماء الراكد)

- ‌(باب النَّهْيِ عَنِ الِاغْتِسَالِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ)

- ‌(باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إِذَا حَصَلَتْ فِي

- ‌(بَابُ حُكْمِ بَوْلِ الطِّفْلِ الرَّضِيعِ وَكَيْفِيَّةِ غَسْلِهِ)

- ‌(بَابُ حُكْمِ الْمَنِيِّ)

- ‌(باب نَجَاسَةِ الدَّمِ وَكَيْفِيَّةُ غَسْلِهِ)

- ‌(باب الدَّلِيلِ عَلَى نَجَاسَةِ الْبَوْلِ وَوُجُوبُ الاستبراء منه)

- ‌(كِتَاب الْحَيْضِ)

- ‌(بَاب مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ فَوْقَ الْإِزَارِ)

- ‌(باب الِاضْطِجَاعِ مَعَ الْحَائِضِ فِي لحاف واحد)

- ‌(باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وَطَهَارَةِ

- ‌(باب المذي)

- ‌(بَابُ غَسْلِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنَ النوم)

- ‌(باب جَوَازِ نَوْمِ الْجُنُبِ وَاسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ لَهُ)

- ‌(بَابُ وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْهَا)

- ‌(باب بَيَانِ صِفَةِ مَنِيِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَأَنَّ الولد مخلوق من

- ‌(باب صِفَةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ)

- ‌(اغْتَسَلَ وَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً وَأَمَّا فِعْلُ التَّنْشِيفِ فَقَدْ

الفصل: ‌(باب آخر في صفته الوضوء)

يَوْمٍ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لِيَكُونَ أَرْفَقَ بِهِمْ وَيَنْصَرِفَ الباقون في مصالحهم والرعاية بِكَسْرِ الرَّاءِ وَهِيَ الرَّعْيُ وَقَوْلُهُ رَوَّحْتُهَا بِعَشِيٍّ أَيْ رَدَدْتُهَا إِلَى مَرَاحِهَا فِي آخِرِ النَّهَارِ وَتَفَرَّغْتُ مِنْ أَمْرِهَا ثُمَّ جِئْتُ إِلَى مَجْلِسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ مُقْبِلٌ أَيْ وَهُوَ مُقْبِلٌ وَقَدْ جَمَعَ صلى الله عليه وسلم بِهَاتَيْنِ اللَّفْظَتَيْنِ أَنْوَاعُ الْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ لِأَنَّ الْخُضُوعَ فِي الْأَعْضَاءِ وَالْخُشُوعَ بِالْقَلْبِ عَلَى مَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ قَوْلُهُ مَا أَجْوَدَ هَذِهِ يَعْنِي هَذِهِ الْكَلِمَةَ أَوِ الْفَائِدَةَ أَوِ الْبِشَارَةَ أَوِ الْعِبَادَةَ وَجَوْدَتُهَا مِنْ جِهَاتٍ مِنْهَا أَنَّهَا سَهْلَةٌ مُتَيَسِّرَةٌ يَقْدِرُ عَلَيْهَا كُلُّ أَحَدٍ بِلَا مَشَقَّةٍ وَمِنْهَا أَنَّ أَجْرَهَا عَظِيمٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ جِئْتُ آنِفًا أَيْ قَرِيبًا وَهُوَ بِالْمَدِّ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ وَبِالْقَصْرِ عَلَى لُغَةٍ صَحِيحَةٍ قُرِئَ بِهَا فِي السَّبْعِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَيَبْلُغُ أَوْ يُسْبِغُ الْوُضُوءَ) هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَيْ يُتِمُّهُ وَيُكْمِلُهُ فَيُوَصِّلُهُ مَوَاضِعَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَمَّا أَحْكَامُ الْحَدِيثِ فَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ للمتوضيء أَنْ يَقُولَ عَقِبَ وُضُوئِهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَضُمَّ إِلَيْهِ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ مُتَّصِلَا بِهَذَا الْحَدِيثِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ وَيُسْتَحَبُّ أن يضم إليه مارواه النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِهِ عَمَلُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَرْفُوعًا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَتُسْتَحَبُّ هَذِهِ الْأَذْكَارُ للمغتسل أيضا والله أعلم

(باب آخر في صفته الْوُضُوءِ)

فِيهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ وَهُوَ غَيْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ صَاحِبِ الْأَذَانِ كَذَا قَالَهُ الْحُفَّاظُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَغَلَّطُوا سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ فِي قَوْلِهِ هُوَ هُوَ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى غَلَطِهِ فِي ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الِاسْتِسْقَاءِ مِنْ صَحِيحِهِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ صَاحِبَ الْأَذَانِ لَا يُعْرَفُ لَهُ غَيْرُ

ص: 121

حَدِيثِ الْأَذَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَدَعَا بِإِنَاءٍ فَأَكْفَأَ مِنْهَا عَلَى يَدَيْهِ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ مِنْهَا وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْ مِنَ الْمَطْهَرَةِ أَوِ الْإِدَاوَةِ وَقَوْلُهُ أَكْفَأَ هُوَ بِالْهَمْزِ أَيْ أَمَالَ وَصَبَّ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَقْدِيمِ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ قَبْلَ غَمْسِهِمَا فِي الْإِنَاءِ قَوْلُهُ (فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا) وَفِي الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَهَا فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ غَرَفَاتٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ أَنْ يَكُونَ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَقَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْخِلَافَ فِيهَا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ فِيهِ حُجَّةٌ لِلْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ الَّذِي عَلَيْهِ الْجَمَاهِيرُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الاستنثار غير الاستنشاق خلافا لما قاله بن الاعرابي وبن قُتَيْبَةَ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الباب الاول ايضاحه وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فَاسْتَخْرَجَهَا فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا) هَكَذَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَدْخَلَ يَدَهُ بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ وَكَذَا فِي أَكْثَرِ رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ هَذَا ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فَاغْتَرَفَ بِهِمَا فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ بن عَبَّاسٍ ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا أضافتها إِلَى يَدِهِ الْأُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا وَجْهَهُ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي صِفَةِ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي الْإِنَاءِ جَمِيعًا فَأَخَذَ بِهِمَا حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَضَرَبَ بِهَا عَلَى وَجْهِهِ فَهَذِهِ أَحَادِيثُ فِي بَعْضِهَا يَدَهُ وَفِي بَعْضِهَا يَدَيْهِ وَفِي بَعْضِهَا يَدَهُ وَضَمَّ إِلَيْهَا الْأُخْرَى فَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى جَوَازِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ وَأَنَّ الْجَمِيعَ سُنَّةٌ وَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ ذَلِكَ فِي مَرَّاتٍ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ مِنْهَا وَالْمَشْهُورَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْمُزَنِيِّ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَخْذُ الْمَاءِ لِلْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ جَمِيعًا لِكَوْنِهِ أَسْهَلَ وَأَقْرَبَ إِلَى الْإِسْبَاغِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ فِي غَسْلِ وَجْهِهِ بِأَعْلَاهُ لِكَوْنِهِ أَشْرَفَ ولأنه أقرب

ص: 122

إِلَى الِاسْتِيعَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ مُخَالَفَةِ الْأَعْضَاءِ وَغَسْلِ بَعْضِهَا ثَلَاثًا وَبَعْضِهَا مَرَّتَيْنِ وَبَعْضِهَا مَرَّةً وَهَذَا جَائِزٌ وَالْوُضُوءُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ صَحِيحٌ بِلَا شَكٍّ وَلَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَطْهِيرُ الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا ثَلَاثًا ثَلَاثًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَإِنَّمَا كَانَتْ مُخَالَفَتُهَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ كَمَا تَوَضَّأَ صلى الله عليه وسلم مَرَّةً مَرَّةً فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَفْضَلَ فِي حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ الْبَيَانَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ قِيلَ الْبَيَانُ يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ أَوْقَعُ بِالْفِعْلِ فِي النُّفُوسِ وَأَبْعَدُ مِنَ التَّأْوِيلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَأَقْبَلَ بِيَدَيْهِ وَأَدْبَرَ) هَذَا مُسْتَحَبٌّ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّهُ طَرِيقٌ إِلَى اسْتِيعَابِ الرَّأْسِ وَوُصُولِ الْمَاءِ إِلَى جَمِيعِ شَعْرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الرَّدُّ إِنَّمَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ غَيْرُ مَضْفُورٍ أَمَّا مَنْ لَا شَعْرَ عَلَى رَأْسِهِ وَكَانَ شَعْرُهُ مَضْفُورًا فَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الرَّدُّ إِذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَوْ رَدَّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يُحْسَبِ الرَّدُّ مَسْحَةً ثَانِيَةً لِأَنَّ الماء

ص: 123

صَارَ مُسْتَعْمَلًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا سِوَى تِلْكَ الْمَسْحَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِوُجُوبِ اسْتِيعَابِ الرَّأْسِ بِالْمَسْحِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي كَمَالِ الْوُضُوءِ لَا فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فأقبل به) أى بالمسح قوله (حدثنا هارون بن معرف وَحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ وَأَبُو الطَّاهِرِ قالوا حدثنا بن وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ حَبَّانَ بْنَ وَاسِعٍ حَدَّثَهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ حَدَّثَنَا بن وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ) هَذَا مِنَ احْتِيَاطِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَوُفُورِ عِلْمِهِ وَوَرَعِهِ فَفَرَّقَ بَيْنَ رِوَايَتِهِ عَنْ شَيْخَيْهِ الْهَارُونَيْنِ فَقَالَ فِي الْأَوَّلِ حَدَّثَنَا وَفِي الثَّانِي حَدَّثَنِي فَإِنَّ رِوَايَتَهُ عَنِ الْأَوَّلِ كَانَتْ سَمَاعًا مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَرِوَايَتَهُ عَنِ الثَّانِي كَانَتْ لَهُ خَاصَّةً مِنْ غَيْرِ شَرِيكٍ لَهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِي مِثْلِ الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ حَدَّثَنَا وَفِي الثَّانِي وَحَدَّثَنِي وَهَذَا مُسْتَحَبٌّ بِالِاتِّفَاقِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فَاسْتَعْمَلَهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ أَكْثَرَ مِنَ التَّحَرِّي فِي مِثْلِ هَذَا وَقَدْ قَدَّمْتُ لَهُ نَظَائِرَ وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى التَّنْبِيهُ عَلَى نَظَائِرِهِ كثيرة وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ قَالَ أَبُو الطَّاهِرِ حدثنا بن وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ فَهُوَ أَيْضًا مِنَ احْتِيَاطِ مُسْلِمٍ وَوَرَعِهِ فَإِنَّهُ رَوَى الْحَدِيثَ أَوَّلًا عَنْ شُيُوخِهِ الثَّلَاثَةِ الْهَارُونَيْنِ وَأَبِي الطَّاهِرِ عن بن وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَلَمْ يَكُنْ فِي رِوَايَةِ أَبِي الطَّاهِرِ أَخْبَرَنِي إِنَّمَا كَانَ فِيهَا عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ لَفْظَةَ عَنْ مُخْتَلَفٌ فِي حَمْلِهَا عَلَى الِاتِّصَالِ وَالْقَائِلُونَ إِنَّهَا لِلِاتِّصَالِ وَهُمُ الْجَمَاهِيرُ يُوَافِقُونَ عَلَى أَنَّهَا دُونَ أَخْبَرَنَا فَاحْتَاطَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَبَيَّنَ ذَلِكَ وَكَمْ فِي كِتَابِهِ مِنَ الدُّرَرِ وَالنَّفَائِسِ الْمُشَابِهَةِ لِهَذَا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَجَمَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي دَارِ كَرَامَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 124