المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب صفة الوضوء وكماله) - شرح النووي على مسلم - جـ ٣

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌(باب معنى قول الله عز وجل ولقد رآه نزلة أخرى)

- ‌(هَذَا مِمَّا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَشَكَّكَ فِيهِ ثُمَّ إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ

- ‌(باب اثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم سبحانه

- ‌(باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النَّارِ)

- ‌(وَفِي الْمُذْنِبِينَ وَحَلَّتِ الشَّفَاعَةُ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ

- ‌(وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (وَتُرْسَلُ الْأَمَانَةُ

- ‌(بَاب دُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لأمته وبكائه

- ‌(باب بَيَانِ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ فَهُوَ فِي النَّارِ)

- ‌(باب شَفَاعَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لابي طالب)

- ‌(بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ لَا يَنْفَعُهُ عَمَلٌ)

- ‌(باب مُوَالَاةِ الْمُؤْمِنِينَ وَمُقَاطَعَةِ غَيْرِهِمْ وَالْبَرَاءَةِ منهم)

- ‌(باب الدَّلِيلِ عَلَى دُخُولِ طَوَائِفَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْجَنَّةَ)

- ‌(باب بيان كون هذه الامة نصف أهل الجنة)

- ‌(كِتَابُ الطَّهَارَةِ)

- ‌(بَاب فَضْلِ الْوُضُوءِ)

- ‌(بَابُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ)

- ‌(بَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَكَمَالِهِ)

- ‌(بَابُ فضل الوضوء والصلاة عقبه)

- ‌(باب الذِّكْرِ الْمُسْتَحَبِّ عَقِبَ الْوُضُوءِ)

- ‌(باب آخر في صفته الْوُضُوءِ)

- ‌(بَابُ الْإِيتَارِ فِي الِاسْتِنْثَارِ وَالِاسْتِجْمَارِ)

- ‌(باب وجوب غسل الرجلين بكمالها)

- ‌(بَابُ وُجُوبِ اسْتِيعَابِ جَمِيعِ أَجْزَاءِ مَحِلِ الطَّهَارَةِ)

- ‌(بَابُ خُرُوجِ الْخَطَايَا مَعَ مَاءِ الْوَضُوءِ)

- ‌(باب اسْتِحْبَابِ إِطَالَةِ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فِي الْوُضُوءِ)

- ‌(باب فَضْلِ إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ)

- ‌(بَابُ السِّوَاكِ)

- ‌(بَابُ خِصَالِ الْفِطْرَةِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِطَابَةِ)

- ‌(بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ)

- ‌(بَابُ التَّوْقِيتِ فِي المسح على الْخُفَّيْنِ)

- ‌(بَابُ جَوَازِ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ)

- ‌(باب كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك فِي

- ‌(بَابُ حُكْمِ وُلُوغِ الْكَلْبِ)

- ‌(باب النهي عن البول في الماء الراكد)

- ‌(باب النَّهْيِ عَنِ الِاغْتِسَالِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ)

- ‌(باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إِذَا حَصَلَتْ فِي

- ‌(بَابُ حُكْمِ بَوْلِ الطِّفْلِ الرَّضِيعِ وَكَيْفِيَّةِ غَسْلِهِ)

- ‌(بَابُ حُكْمِ الْمَنِيِّ)

- ‌(باب نَجَاسَةِ الدَّمِ وَكَيْفِيَّةُ غَسْلِهِ)

- ‌(باب الدَّلِيلِ عَلَى نَجَاسَةِ الْبَوْلِ وَوُجُوبُ الاستبراء منه)

- ‌(كِتَاب الْحَيْضِ)

- ‌(بَاب مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ فَوْقَ الْإِزَارِ)

- ‌(باب الِاضْطِجَاعِ مَعَ الْحَائِضِ فِي لحاف واحد)

- ‌(باب جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله وَطَهَارَةِ

- ‌(باب المذي)

- ‌(بَابُ غَسْلِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ إِذَا اسْتَيْقَظَ مِنَ النوم)

- ‌(باب جَوَازِ نَوْمِ الْجُنُبِ وَاسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ لَهُ)

- ‌(بَابُ وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْهَا)

- ‌(باب بَيَانِ صِفَةِ مَنِيِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَأَنَّ الولد مخلوق من

- ‌(باب صِفَةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ)

- ‌(اغْتَسَلَ وَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ مَاءً وَأَمَّا فِعْلُ التَّنْشِيفِ فَقَدْ

الفصل: ‌(باب صفة الوضوء وكماله)

(بَابُ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَكَمَالِهِ)

فِيهِ حَرْمَلَةُ التُّجِيبِيُّ هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فِي مَوَاضِعَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قوله (عن بن شِهَابٍ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَزِيدَ أَخْبَرَهُ أَنَّ حُمْرَانَ أَخْبَرَهُ) هَؤُلَاءِ ثَلَاثَةٌ تَابِعِيُّونَ بَعْضُهُمْ عَنْ بعض وحمران أن بِضَمِّ الْحَاءِ قَوْلُهُ (فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَسْلَهُمَا فِي أَوَّلِ الْوُضُوءِ سُنَّةٌ وَهُوَ كَذَلِكَ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَقَوْلُهُ (ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ) قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفُقَهَاءُ وَالْمُحَدِّثُونَ الِاسْتِنْثَارُ هُوَ إِخْرَاجُ الْمَاءِ مِنَ الانف بعد الاستنشاق وقال بن الاعرابي وبن قُتَيْبَةَ الِاسْتِنْثَارُ الِاسْتِنْشَاقُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى اسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّثْرَةِ وَهِيَ طَرَفُ الْأَنْفِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ هِيَ الْأَنْفُ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ رَوَى سَلَمَةُ عَنِ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ يُقَالُ نَثَرَ الرَّجُلُ وَانْتَثَرَ وَاسْتَنْثَرَ إِذَا حَرَّكَ النَّثْرَةَ فِي الطَّهَارَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا حَقِيقَةُ الْمَضْمَضَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا كَمَالُهَا أَنْ يَجْعَلَ الْمَاءَ فِي فَمِهِ ثُمَّ يُدِيرُهُ فِيهِ ثُمَّ يَمُجُّهُ وَأَمَّا أَقَلُّهَا فَأَنْ يَجْعَلَ الْمَاءَ فِي فِيهِ وَلَا يُشْتَرَطُ إِدَارَتُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ مِثْلُ الْخِلَافِ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ يَدَهُ الْمُبْتَلَّةَ عَلَى رَأْسِهِ وَلَمْ يُمِرَّهَا هَلْ يَحْصُلُ الْمَسْحُ وَالْأَصَحُّ الْحُصُولُ كَمَا يَكْفِي إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى بَاقِي الْأَعْضَاءِ من غير دلك وَأَمَّا الِاسْتِنْشَاقُ فَهُوَ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى دَاخِلِ الْأَنْفِ وَجَذْبُهُ بِالنَّفَسِ إِلَى أَقْصَاهُ وَيُسْتَحَبُّ الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَائِمًا فَيُكْرَهُ ذَلِكَ لِحَدِيثِ لَقِيطٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَعَلَى أَيِّ صِفَةٍ وَصَلَ الْمَاءُ إِلَى الْفَمِ وَالْأَنْفِ حَصَلَتِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَفِي الْأَفْضَلِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ يَتَمَضْمَضُ مِنْ كُلٍّ

ص: 105

وَاحِدَةٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ مِنْهَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِغَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ يَتَمَضْمَضُ مِنْهَا ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ مِنْهَا ثَلَاثًا وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ يَجْمَعُ أَيْضًا بِغَرْفَةِ وَلَكِنْ يَتَمَضْمَضُ مِنْهَا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ ثُمَّ يَتَمَضْمَضُ مِنْهَا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ ثُمَّ يَتَمَضْمَضُ مِنْهَا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ وَالرَّابِعُ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِغَرْفَتَيْنِ فَيَتَمَضْمَضُ مِنْ إِحْدَاهُمَا ثَلَاثًا ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ مِنَ الْأُخْرَى ثَلَاثًا وَالْخَامِسُ يَفْصِلُ بِسِتِّ غَرَفَاتٍ يَتَمَضْمَضُ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ وَالصَّحِيحُ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَبِهِ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا وَأَمَّا حَدِيثُ الْفَصْلِ فَضَعِيفٌ فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَى الْجَمْعِ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ كَمَا ذَكَرْنَا لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَضْمَضَةَ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الِاسْتِنْشَاقِ وَعَلَى كُلِّ صِفَةٍ وهل هو تقديم استحباب واشتراط فِيهِ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا اشْتِرَاطٌ لِاخْتِلَافِ الْعُضْوَيْنِ وَالثَّانِي اسْتِحْبَابٌ كَتَقْدِيمِ يَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ غَسَلَ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ) هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ مَرَّةً مَرَّةً وَعَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ سُنَّةٌ وَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالْغَسْلِ مَرَّةً مَرَّةً وَثَلَاثًا ثَلَاثًا وَبَعْضُ الْأَعْضَاءِ ثَلَاثًا وَبَعْضُهَا مَرَّتَيْنِ وَبَعْضُهَا مَرَّةً قَالَ الْعُلَمَاءُ فَاخْتِلَافُهَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَأَنَّ الثَّلَاثَ هِيَ الْكَمَالُ وَالْوَاحِدَةُ تُجْزِئُ فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ اخْتِلَافُ الْأَحَادِيثِ وَأَمَّا اخْتِلَافُ الرُّوَاةِ فِيهِ عَنِ الصَّحَابِيِّ الْوَاحِدِ فِي الْقِصَّةِ الْوَاحِدَةِ فَذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ حَفِظَ وَبَعْضَهُمْ نَسِيَ فَيُؤْخَذُ بِمَا زَادَ الثِّقَةُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي قَبُولِ زِيَادَةِ الثِّقَةِ الضَّابِطِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي طَائِفَةٍ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِيهِ الْمَسْحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَمَا فِي بَاقِي الْأَعْضَاءِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالكٌ وَأَحْمَدُ وَالْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ السُّنَّةَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا

ص: 106

وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِيهَا الْمَسْحُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَفِي بَعْضِهَا الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ مَسَحَ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ عُثْمَانَ رضي الله عنه الْآتِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ رَأْسَهُ ثَلَاثًا وَبِالْقِيَاسِ عَلَى بَاقِي الْأَعْضَاءِ وَأَجَابَ عَنْ أَحَادِيثِ الْمَسْحِ مَرَّةً وَاحِدَةً بِأَنَّ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَوَاظَبَ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْأَفْضَلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَاسْتِيعَابِ جَمِيعِهِمَا بِالْغَسْلِ وَانْفَرَدَتِ الرَّافِضَةُ عَنِ الْعُلَمَاءِ فَقَالُوا الْوَاجِبُ فِي الرِّجْلَيْنِ الْمَسْحُ وَهَذَا خَطَأٌ مِنْهُمْ فَقَدْ تَظَاهَرَتِ النُّصُوصُ بِإِيجَابِ غَسْلِهِمَا وَكَذَلِكَ اتَّفَقَ كُلُّ مَنْ نَقَلَ وُضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنَّهُ غَسَلَهُمَا وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ مَسْحِ الرَّأْسِ وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ فِيهِ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي جَمَاعَةٍ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَلَوْ شَعْرَةً وَاحِدَةً وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ إِلَى وُجُوبِ اسْتِيعَابِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي رِوَايَةٍ الْوَاجِبُ رُبْعُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِمَا أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَذَهَبَ إِلَيْهِ مِنَ السَّلَفِ الحسن البصري والزهري والحكم وقتادة وربيعة ويحي بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ عَطَاءٍ وَأَحْمَدَ وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي أَنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ لَا يَصِحَّانِ إِلَّا بِهِمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حنبل وهو مذهب بن أَبِي لَيْلَى وَحَمَّادٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَرِوَايَةً عَنْ عَطَاءٍ وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ أَنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ فِي الْغُسْلِ دُونَ الْوُضُوءِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ أَنَّ الِاسْتِنْشَاقَ وَاجِبٌ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَالْمَضْمَضَةُ سُنَّةٌ فِيهِمَا وهو مذهب أبي ثور وأبي عبيد وَدَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ جَرَيَانُ الْمَاءِ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ الدَّلْكُ وَانْفَرَدَ مَالِكٌ وَالْمُزَنِيُّ بِاشْتِرَاطِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاتَّفَقَ الْجَمَاهِيرُ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الْكَعْبَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ وَانْفَرَدَ زُفَرُ وَدَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ بِقَوْلِهِمَا لَا يَجِبُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَعْبَيْنِ الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ بَيْنَ السَّاقِ وَالْقَدَمِ وَفِي كُلِّ رِجْلٍ كَعْبَانِ وَشَذَّتِ الرَّافِضَةُ فَقَالَتْ فِي كُلِّ رِجْلٍ كَعْبٌ وَهُوَ الْعَظْمُ الَّذِي فِي ظَهْرِ الْقَدَمِ وَحُكِيَ هَذَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ وَحُجَّةُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ نَقْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالِاشْتِقَاقِ وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الَّذِي نَحْنُ

ص: 107

فِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَغَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَرِجْلَهُ الْيُسْرَى كَذَلِكَ فَأَثْبَتَ فِي كُلِّ رِجْلٍ كَعْبَيْنِ وَالْأَدِلَّةُ فِي الْمَسْأَلَةِ كَثِيرَةٌ وَقَدْ أَوْضَحْتُهَا بِشَوَاهِدِهَا وَأُصُولِهَا فِي الْمَجْمُوعِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَكَذَلِكَ بَسَطْتُ فِيهِ أَدِلَّةَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَاخْتِلَافَ الْمَذَاهِبِ وَحُجَجَ الْجَمِيعِ مِنَ الطَّوَائِفِ وَأَجْوِبَتَهَا وَالْجَمْعَ بَيْنَ النُّصُوصِ الْمُخْتَلِفَةِ فِيهَا وَأَطْنَبْتُ فِيهَا غَايَةَ الْإِطْنَابِ وَلَيْسَ مُرَادِي هُنَا إِلَّا الْإِشَارَةَ إلى ما يتعلق بالحديث والله أعلم قال أَصْحَابُنَا وَلَوْ خُلِقَ لِلْإِنْسَانِ وَجْهَانِ وَجَبَ غَسْلُهُمَا وَلَوْ خُلِقَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيْدٍ أَوْ أَرْجُلٍ أَوْ أَكْثَرَ وَهِيَ مُتَسَاوِيَاتٌ وَجَبَ غَسْلُ الْجَمِيعِ وَإِنْ كَانَتِ الْيَدُ الزَّائِدَةُ نَاقِصَةً وَهِيَ نَابِتَةٌ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ وَجَبَ غَسْلُهَا مَعَ الْأَصْلِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ نَابِتَةً فَوْقَ الْمِرْفَقِ وَلَمْ تُحَاذِ مَحَلَّ الْفَرْضِ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهَا وَإِنْ حَاذَتْهُ وَجَبَ غَسْلُ الْمُحَاذِي خَاصَّةً عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يَجِبُ وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ مِنْ فَوْقِ الْمِرْفَقِ فَلَا فَرْضَ عَلَيْهِ فِيهَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْسِلُ بَعْضَ مَا بَقِيَ لِئَلَّا يَخْلُو الْعُضْوُ مِنْ طَهَارَةٍ فَلَوْ قُطِعَ بَعْضُ الذِّرَاعِ وَجَبَ غَسْلُ بَاقِيهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) إِنَّمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ وُضُوئِي وَلَمْ يَقُلْ مِثْلَ لِأَنَّ حَقِيقَةَ مُمَاثَلَتِهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ وَالْمُرَادُ بِالْغُفْرَانِ الصَّغَائِرُ دُونَ الْكَبَائِرِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ عَقِبَ كُلِّ وُضُوءٍ وَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَيَفْعَلُ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ لَهَا سَبَبًا وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ بِلَالٍ رضي الله عنه الْمُخَرَّجِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ مَتَى تَوَضَّأَ صَلَّى وَقَالَ إِنَّهُ أَرْجَى عَمَلٍ لَهُ وَلَوْ صَلَّى فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً مَقْصُودَةً حَصَلَتْ لَهُ هَذِهِ الْفَضِيلَةُ كَمَا تَحْصُلُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ بِذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ فَالْمُرَادُ لَا يحدث بشئ من أمور الدنيا ومالا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ وَلَوْ عَرَضَ لَهُ حَدِيثٌ فَأَعْرَضَ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ عُرُوضِهِ عُفِيَ عَنْ ذَلِكَ وَحَصَلَتْ لَهُ هَذِهِ الْفَضِيلَةُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَقَدْ عُفِيَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَنِ الْخَوَاطِرِ الَّتِي تَعْرِضُ وَلَا تَسْتَقِرُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي كتاب الايمان

ص: 108

وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَقَدْ قَالَ مَعْنَى مَا ذكرته الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَقَالَ يُرِيدُ بِحَدِيثِ النَّفْسِ الْحَدِيثَ الْمُجْتَلَبَ وَالْمُكْتَسَبَ وَأَمَّا مَا يَقَعُ فِي الْخَوَاطِرِ غَالِبًا فَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادَ قَالَ وَقَوْلُهُ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ الْحَدِيثَ مِمَّا يُكْتَسَبُ لِإِضَافَتِهِ إِلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا الَّذِي يَكُونُ بِغَيْرِ قَصْدٍ يُرْجَى أَنْ تُقْبَلَ مَعَهُ الصَّلَاةُ وَيَكُونُ دُونَ صلاة من لم يحدث نفسه بشئ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا ضَمَّنَ الْغُفْرَانَ لِمُرَاعِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَلَّ مَنْ تَسْلَمُ صَلَاتُهُ مِنْ حَدِيثِ النَّفْسِ وَإِنَّمَا حَصَلَتْ لَهُ هَذِهِ الْمَرْتَبَةُ لِمُجَاهَدَةِ نَفْسِهِ مِنْ خَطَرَاتِ الشَّيْطَانِ وَنَفْيِهَا عَنْهُ وَمُحَافَظَتِهِ عَلَيْهَا حَتَّى لَمْ يَشْتَغِلْ عَنْهَا طَرْفَةَ عَيْنٍ وَسَلِمَ مِنَ الشَّيْطَانِ بِاجْتِهَادِهِ وَتَفْرِيغِهِ قَلْبَهُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالصَّوَابُ ما قدمته والله أعلم قوله (قال بن شِهَابٍ وَكَانَ عُلَمَاؤُنَا يَقُولُونَ هَذَا أَسْبَغُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ أَحَدٌ لِلصَّلَاةِ) مَعْنَاهُ هَذَا أَتَمُّ الْوُضُوءِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّلَاثِ وَالْمُرَادُ بِالثَّلَاثِ الْمُسْتَوْعِبَةِ لِلْعُضْوِ وَأَمَّا إِذَا لَمْ تَسْتَوْعِبِ الْعُضْوَ إِلَّا بِغَرْفَتَيْنِ فَهِيَ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ شَكَّ هَلْ غَسَلَ ثَلَاثًا أَمِ اثْنَتَيْنِ جَعَلَ ذَلِكَ اثْنَتَيْنِ وَأَتَى بِثَالِثَةٍ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ الْجَمَاهِيرُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا يَجْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهَا مَخَافَةً مِنَ ارْتِكَابِ بِدْعَةٍ بِالرَّابِعَةِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ وَإِنَّمَا تَكُونُ الرَّابِعَةُ بِدْعَةً وَمَكْرُوهَةً إِذَا تَعَمَّدَ كَوْنَهَا رَابِعَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ وقد يستدل بقول بن شِهَابٍ هَذَا مَنْ يَكْرَهُ غَسْلَ مَا فَوْقَ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَعْبَيْنِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَكْرُوهٍ عِنْدنَا بَلْ هُوَ سُنَّةٌ مَحْبُوبَةٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي بَابِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا دَلَالَةَ فِي قول بن شِهَابٍ عَلَى كَرَاهَتِهِ فَإِنَّ مُرَادَهُ الْعَدَدُ كَمَا قدمناه ولو صرح بن شِهَابٍ أَوْ غَيْرُهُ بِكَرَاهَةِ ذَلِكَ كَانَتْ سُنَّةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الصَّحِيحَةُ مُقَدَّمَةً عليه والله أعلم قَوْلُهُ (أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ رضي الله عنه دَعَا بِإِنَاءٍ فَأَفْرَغَ عَلَى

ص: 109