الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إِذَا حَصَلَتْ فِي
الْمَسْجِدِ)
(وَأَنَّ الْأَرْضَ تَطْهُرُ بِالْمَاءِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى حَفْرِهَا)
فِيهِ حَدِيثُ أَنَسٍ رضي الله عنه (أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَامَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْقَوْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تُزْرِمُوهُ فَلَمَّا فَرَغَ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعُوهُ فَلَمَّا فَرَغَ أَمَرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَنُوبٍ فَصُبَّ عَلَى بَوْلِهِ) الْأَعْرَابِيُّ هُوَ الَّذِي يَسْكُنُ الْبَادِيَةَ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لَا تُزْرِمُوهُ هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ وَبَعْدَهَا رَاءٌ أَيْ لَا تَقْطَعُوا وَالْإِزْرَامُ الْقَطْعُ وَأَمَّا الدَّلْوُ ففيها لغتان التذكير والتأنيث والذنوب بفتح الذَّالِ وَضَمُّ النُّونِ وَهِيَ الدَّلْوُ الْمَمْلُوءَةُ مَاءً أَمَّا أَحْكَامُ الْبَابِ فَفِيهِ إِثْبَاتُ نَجَاسَةِ بَوْلِ الْآدَمِيِّ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ لَكِنَّ بَوْلَ الصَّغِيرِ يَكْفِي فِيهِ النَّضْحُ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهِ احْتِرَامُ الْمَسْجِدِ وَتَنْزِيهِهِ عَنِ الْأَقْذَارِ وَفِيهِ أَنَّ الْأَرْضَ تَطْهُرُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا وَلَا يشترط حفرها
وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا تَطْهُرُ إِلَّا بِحَفْرِهَا وَفِيهِ أَنَّ غُسَالَةَ النَّجَاسَةِ طَاهِرَةٌ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَلِأَصْحَابِنَا فِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهَا طَاهِرَةٌ وَالثَّانِي نَجِسَةٌ وَالثَّالِثُ إِنِ انْفَصَلَتْ وَقَدْ طَهُرَ الْمَحَلُّ فَهِيَ طَاهِرَةٌ وَإِنِ انْفَصَلَتْ وَلَمْ يَطْهُرِ الْمَحَلُّ فَهِيَ نَجِسَةٌ وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الصَّحِيحُ وَهَذَا الْخِلَافُ إِذَا انْفَصَلَتْ غَيْرَ مُتَغَيِّرَةٍ أَمَّا إِذَا انْفَصَلَتْ مُتَغَيِّرَةً فَهِيَ نَجِسَةٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ تَغَيَّرَ طَعْمُهَا أَوْ لَوْنُهَا أَوْ رِيحُهَا وَسَوَاءٌ كَانَ التَّغَيُّرُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ الرِّفْقُ بِالْجَاهِلِ وَتَعْلِيمُهُ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ غَيْرِ تَعْنِيفٍ وَلَا إِيذَاءٍ إِذَا لَمْ يَأْتِ بِالْمُخَالَفَةِ اسْتِخْفَافًا أَوْ عِنَادًا وَفِيهِ دَفْعُ أَعْظَمِ الضَّرَرَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَخَفِّهِمَا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم دَعُوهُ قَالَ الْعَلَمَاءُ كَانَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم دَعُوهُ لِمَصْلَحَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ عَلَيْهِ بَوْلَهُ تَضَرَّرَ وَأَصْلُ التَّنْجِيسِ قَدْ حَصَلَ فَكَانَ احْتِمَالُ زِيَادَتِهِ أَوْلَى مِنْ إِيقَاعِ الضَّرَرِ بِهِ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ التَّنْجِيسَ قَدْ حَصَلَ فِي جُزْءٍ يَسِيرٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَلَوْ أَقَامُوهُ فِي أَثْنَاءِ بَوْلِهِ لَتَنَجَّسَتْ ثِيَابُهُ وَبَدَنُهُ وَمَوَاضِعُ كَثِيرَةٌ من المسجد وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (إن هذه المساجد لا تصلح لشئ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فيه صِيَانَةُ الْمَسَاجِدِ وَتَنْزِيهُهَا عَنِ الْأَقْذَارِ وَالْقَذَى وَالْبُصَاقِ ورفع
الْأَصْوَاتِ وَالْخُصُومَاتِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ وَفِي هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلُ يَنْبَغِي أَنْ أَذْكُرَ أَطْرَافًا مِنْهَا مُخْتَصَرَةً أَحَدُهَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ الْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمُحْدِثِ فَإِنْ كَانَ جُلُوسُهُ لِعِبَادَةٍ مِنَ اعْتِكَافٍ أَوْ قِرَاءَةِ عِلْمٍ أَوْ سَمَاعِ مَوْعِظَةٍ أَوِ انْتِظَارِ صَلَاةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ كَانَ مُسْتَحَبًّا وان لم يكن لشئ مِنْ ذَلِكَ كَانَ مُبَاحًا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ النَّوْمُ عِنْدَنَا فِي الْمَسْجِدِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ الله تعالى في الأم قال بن الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَاقِ رَخَّصَ فِي النَّوْمِ فِي المسجد بن المسيب والحسن وعطاء والشافعي وقال بن عباس لاتتخذوه مَرْقَدًا وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إِنْ كُنْتَ تَنَامُ فِيهِ لِصَلَاةٍ فَلَا بَأْسَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُكْرَهُ النَّوْمُ فِي الْمَسْجِدِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِلْغُرَبَاءِ وَلَا أَرَى ذَلِكَ لِلْحَاضِرِ وَقَالَ أَحْمَدُ إِنْ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ شِبْهَهُ فَلَا بَأْسَ وَإِنِ اتَّخَذَهُ مَقِيلًا أَوْ مَبِيتًا فَلَا وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ هَذَا مَا حَكَاهُ بن الْمُنْذِرِ وَاحْتَجَّ مَنْ جَوَّزَهُ بِنَوْمِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وبن عُمَرَ وَأَهْلِ الصُّفَّةِ وَالْمَرْأَةِ صَاحِبَةِ الْوِشَاحِ وَالْغَرِيبِينِ وَثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَغَيْرِهِمْ وَأَحَادِيثُهُمْ فِي الصَّحِيحِ مَشْهُورَةٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَيَجُوزُ أَنْ يُمَكَّنَ الْكَافِرُ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ بِإِذْنِ الْمُسْلِمِينَ وَيُمْنَعُ مِنْ دُخُولِهِ بِغَيْرِ إِذْنٍ الثَّالِثَةُ قال بن الْمُنْذِرِ أَبَاحَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ الْوُضُوءَ فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا أَنْ يَتَوَضَّأَ فِي مَكَانٍ يَبُلُّهُ أَوْ يَتَأَذَّى النَّاسُ بِهِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَنَقَلَ الْإِمَامُ وَالْحَسَنُ بْنُ بَطَّالٍ الْمَالِكِيُّ هذا عن بن عمر وبن عباس وعطاء وطاوس والحنفي وبن القاسم المالكي وأكثر أهل العلم وعن بن سِيرِينَ وَمَالِكٍ وَسَحْنُونَ أَنَّهُمْ كَرِهُوهُ تَنْزِيهًا لِلْمَسْجِدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الرَّابِعَةُ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ إِدْخَالُ الْبَهَائِمِ وَالْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَا يُمَيِّزُونَ الْمَسْجِدَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ مَقْصُودَةٍ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ تَنْجِيسُهُمُ الْمَسْجِدَ وَلَا يَحْرُمُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم طَافَ عَلَى الْبَعِيرِ وَلَا يَنْفِي هَذَا الْكَرَاهَةَ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ ذَلِكَ بَيَانًا لِلْجَوَازِ أَوْ لِيَظْهَرَ لِيُقْتَدَى بِهِ صلى الله عليه وسلم وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْخَامِسَةُ يَحْرُمُ إِدْخَالُ النَّجَاسَةِ إِلَى الْمَسْجِدِ وَأَمَّا مَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ فَإِنْ خَافَ تَنْجِيسَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الدُّخُولُ فَإِنْ أَمِنَ ذَلِكَ جَازَ وَأَمَّا إِذَا افْتَصَدَ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ إِنَاءٍ فَحَرَامٌ وَإِنْ قَطَرَ دَمُهُ فِي إِنَاءٍ فَمَكْرُوهٌ وَإِنْ بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فِي إِنَاءٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ حَرَامٌ وَالثَّانِي مَكْرُوهٌ السَّادِسَةُ يَجُوزُ الِاسْتِلْقَاءُ فِي الْمَسْجِدِ وَهَزُّ الرِّجْلِ وَتَشْبِيكُ الْأَصَابِعِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ