الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَذَا الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ الْقَسْمِ هُوَ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ أَنَّ غُسْلَ الْجَنَابَةِ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ وَإِنَّمَا يَتَضَيَّقُ عَلَى الْإِنْسَانِ عِنْدَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ وَهَذَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدِ اخْتَلَفَ أصحابنا فى الموجب لغسل الجنابة هل هو حُصُولُ الْجَنَابَةِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ أَوْ إِنْزَالُ الْمَنِيِّ أَمْ هُوَ الْقِيَامُ إِلَى الصَّلَاةِ أَمْ هُوَ حُصُولُ الْجَنَابَةِ مَعَ الْقِيَامِ إِلَى الصَّلَاةِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا وَمَنْ قَالَ يَجِبُ بِالْجَنَابَةِ قَالَ هُوَ وُجُوبٌ مُوَسَّعٌ وَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي مُوجِبِ الْوُضُوءِ هَلْ هُوَ الْحَدَثُ أَمِ الْقِيَامُ إِلَى الصَّلَاةِ أَمِ الْمَجْمُوعُ وَكَذَا اخْتَلَفُوا فِي الْمُوجِبِ لِغُسْلِ الْحَيْضِ هَلْ هُوَ خُرُوجُ الدَّمِ أَمِ انْقِطَاعِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَسَانِيدِ الْبَابِ فقوله قال بن الْمُثَنَّى فِي حَدِيثِهِ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يحدث معناه قال بن الْمُثَنَّى فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ قَالَ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ يُحَدِّثُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ أَقْوَى مِنَ الْأُولَى فَإِنَّ الْأُولَى بِعَنْ عَنْ وَالثَّانِيَةَ بِحَدَّثَنَا وَسَمِعْتُ وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ حَدَّثَنَا وَسَمِعْتُ أَقْوَى مِنْ عَنْ وَقَدْ قَالَتْ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنَّ عَنْ لَا تَقْتَضِي الِاتِّصَالَ وَلَوْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ مُدَلِّسٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَ هَذَا فِي الْفُصُولِ وَفِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ بَعْدَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى جَدِّهِ مُقَدَّمٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَفِيهِ أَبُو الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ هُوَ أَبُو الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيُّ وَاسْمُهُ عَلِيُّ بْنُ داود وقيل بن داود بِضَمِّ الدَّالِ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي نَاجِيَةَ قَبِيلَةٍ مَعْرُوفَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(بَابُ وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْهَا)
فِيهِ (أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ رضي الله عنها قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ عَائِشَةُ رَضِيَ الله عنها
يَا رَسُولَ اللَّهِ الْمَرْأَةُ تَرَى مَا يَرَى الرَّجُلُ فِي الْمَنَامِ فَتَرَى مِنْ نَفْسِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ مِنْ نَفْسِهِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها يَا أُمَّ سُلَيْمٍ فَضَحْتِ النِّسَاءَ تَرِبَتْ يَمِينُكِ قَوْلُهَا تَرِبَتْ يَمِينُكِ خَيْرٌ فَقَالَ لِعَائِشَةَ بَلْ أَنْتِ فَتَرِبَتْ يَمِينُكِ نَعَمْ فَلْتَغْتَسِلْ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ إِذَا رَأَتْ ذَلِكَ) وَفِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ الرِّوَايَاتُ الْبَاقِيَةُ وَسَتَمُرَّ عَلَيْهَا إِنْ شَاءَ اللَّهِ تَعَالَى اعْلَمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا خَرَجَ مِنْهَا الْمَنِيُّ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ كَمَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ بِخُرُوجِهِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ أَوْ إِيلَاجِ الذَّكَرِ فِي الْفَرْجِ وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِهِ عَلَيْهَا بِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَاخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِهِ عَلَى مَنْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَصْلًا وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وُجُوبُ الْغُسْلِ وَكَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إِذَا أَلْقَتْ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَمَنْ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إِنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلَ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ سَوَاءٌ كَانَ بِشَهْوَةٍ وَدَفْقٍ أَمْ بِنَظَرٍ أَمْ فِي النَّوْمِ أَوْ فِي الْيَقَظَةِ وَسَوَاءٌ أَحَسَّ بِخُرُوجِهِ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ خَرَجَ مِنَ الْعَاقِلِ أَمْ مِنَ الْمَجْنُونِ ثُمَّ إِنَّ الْمُرَادَ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الظَّاهِرِ أَمَّا مَا لَمْ يَخْرُجْ فَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَرَى النَّائِمُ أَنَّهُ يُجَامِعُ وَأَنَّهُ قَدْ أَنْزَلَ ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ فَلَا يَرَى شَيْئًا فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ بِإِجْمَاعِ المسلمين وكذا لو اضطرب بدنه لمبادى خُرُوجِ الْمَنِيِّ فَلَمْ يَخْرُجْ وَكَذَا لَوْ نَزَلَ الْمَنِيُّ إِلَى أَصْلِ الذَّكَرِ ثُمَّ لَمْ يَخْرُجْ فَلَا غُسْلَ وَكَذَا لَوْ صَارَ الْمَنِيُّ فِي وَسَطِ الذَّكَرِ وَهُوَ فِي صَلَاةِ فَأَمْسَكَ بِيَدِهِ عَلَى ذَكَرِهِ فَوْقَ حَائِلٍ فَلَمْ يَخْرُجِ الْمَنِيُّ حَتَّى سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ فَإِنَّهُ مازال مُتَطَهِّرًا حَتَّى خَرَجَ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي هَذَا إِلَّا أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ ثَيِّبًا فَنَزَلَ الْمَنِيُّ إِلَى فَرْجِهَا وَوَصَلَ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهَا غَسْلُهُ فِي الْجَنَابَةِ وَالِاسْتِنْجَاءِ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ حَالَ قُعُودِهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ بوصول المنى إلى ذلك موضع لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا لَمْ يَلْزَمْهَا مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ فَرْجِهَا لِأَنَّ دَاخِلَ فَرْجِهَا كَدَاخِلِ إِحْلِيلِ الرَّجُلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا أَلْفَاظُ الْبَابِ وَمَعَانِيهِ فَفِيهِ أُمُّ سُلَيْمٍ وَهِيَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْمِهَا فَقِيلَ اسْمُهَا سَهْلَةُ وَقِيلَ مُلَيْكَةُ وقيل رميثة وقيل أنيفة ويقال الرميضا
وَالْغُمَيْصَا وَكَانَتْ مِنْ فَاضِلَاتِ الصَّحَابِيَّاتِ وَمَشْهُورَاتِهِنَّ وَهِيَ أُخْتُ أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ رضي الله عنهما وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فضحت النساء فمعناه حَكَيْتِ عَنْهُنَّ أَمْرًا يُسْتَحَيَا مِنْ وَصْفِهِنَّ بِهِ وَيَكْتُمْنَهُ وَذَلِكَ أَنَّ نُزُولَ الْمَنِيِّ مِنْهُنَّ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ شَهْوَتِهِنَّ لِلرِّجَالِ وَأَمَّا قَوْلُهَا تَرِبَتْ يَمِينُكِ فَفِيهِ خِلَافٌ كَثِيرٌ مُنْتَشِرٌ جِدًّا لِلسَّلَفِ والخلف من الطوائف كلها ولأصح الْأَقْوَى الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ فِي مَعْنَاهُ أَنَّهَا كلمة أصلها افتقرت ولكن العرب اعتادت استعماله غَيْرَ قَاصِدَةٍ حَقِيقَةَ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيِّ فَيَذْكُرُونَ تَرِبَتْ يَدَاكَ وَقَاتَلَهُ اللَّهُ مَا أَشْجَعَهُ وَلَا أُمَّ لَهُ وَلَا أَبَ لَكَ وَثَكِلَتْهُ أُمُّهُ وَوَيْلُ أمه وما أشبه هذا من ألفاظهم يقولنها عند انكار الشئ أو الزجر عنه أزجر عَنْهُ أَوِ الذَّمِّ عَلَيْهِ أَوِ اسْتِعْظَامِهِ أَوِ الْحَثُّ عَلَيْهِ أَوِ الْإِعْجَابِ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ بَلْ أَنْتِ فَتَرِبَتْ يَمِينُكِ فَمَعْنَاهُ أَنْتِ أَحَقُّ أَنْ يُقَالَ لَكِ هَذَا فَإِنَّهَا فَعَلَتْ مَا يَجِبُ عَلَيْهَا مِنَ السُّؤَالِ عَنْ دِينِهَا فَلَمْ تَسْتَحِقَّ الْإِنْكَارَ وَاسْتَحْقَقْتِ أَنْتِ الْإِنْكَارَ لِإِنْكَارِكِ مَا لا انكار فيه وأما قوله قَوْلُهَا تَرِبَتْ يَمِينُكِ خَيْرٌ فَكَذَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ وَهُوَ تَفْسِيرٌ وَلَمْ يَقَعْ هَذَا التَّفْسِيرُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُصُولِ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي إِثْبَاتِهِ وَحَذْفِهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُثْبِتُونَ فِي ضَبْطِهِ فَنَقَلَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَغَيْرُهُ عَنِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ خَيْرٌ بِإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ ضِدَّ الشَّرِّ وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ خَبَرٌ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ الْقَاضِي عياض وهذا الثانى ليس بشئ قُلْتُ كِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَالْأَوَّلُ مَعْنَاهُ لَمْ تُرِدْ بِهَذَا شَتْمًا وَلَكِنَّهَا كَلِمَةٌ تَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ وَمَعْنَى الثَّانِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِدُعَاءٍ بَلْ هُوَ خَبَرٌ لَا يُرَادُ حَقِيقَتُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ) هُوَ عَبَّاسٌ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَصَحَّفَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ لِكِتَابِ مُسْلِمٍ فَقَالَ عَيَّاشٌ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ غَلَطٌ صَرِيحٌ فَإِنَّ عَيَّاشًا بِالْمُعْجَمَةِ هُوَ عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ الرَّقَّامُ الْبَصْرِيُّ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ مُسْلِمٌ شَيْئًا وَرَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ
وأما عباس بالمهملة فهو بن الْوَلِيدِ الْبَصْرِيُّ التُّرْسِيُّ وَرَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ جَمِيعًا وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ وَكَانَ غَلَطُ هَذَا الْقَائِلِ وَقَعَ لَهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمَا مُشْتَرَكَانِ فِي الْأَبِ وَالنَّسَبِ وَالْعَصْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ وَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ ذَلِكَ) هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ وَذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ أَنَّهُ هَكَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَأَنَّهُ غُيِّرَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَجُعِلَ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ وَالْمَحْفُوظُ مِنْ طُرُقٍ شَتَّى أُمُّ سَلَمَةَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ السَّائِلَةَ هِيَ أُمُّ سُلَيْمٍ وَالرَّادَّةُ عَلَيْهَا أُمُّ سَلَمَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَعَائِشَةُ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ جَمِيعًا أَنْكَرَتَا عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الحديث يقولون الصحيح هنا أم سلمة لعائشة وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ) مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَلَدَ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ وَمَاءِ الْمَرْأَةِ فَأَيُّهُمَا غَلَبَ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ وَإِذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ مَنِيٌّ فَإِنْزَالُهُ وَخُرُوجُهُ مِنْهَا مُمْكِنٌ وَيُقَالُ شِبْهٌ وَشَبَهٌ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ إِحْدَاهُمَا بِكَسْرِ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ وَالثَّانِيَةُ بِفَتْحِهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (إِنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ وَمَاءُ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ) هَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فِي بَيَانِ صِفَةِ الْمَنِيِّ وَهَذِهِ صِفَتُهُ فِي حَالِ السَّلَامَةِ وَفِي الْغَالِبِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَنِيُّ الرَّجُلِ فِي حَالِ الصِّحَّةِ أَبْيَضُ ثَخِينٌ يَتَدَفَّقُ فِي خُرُوجِهِ دَفْقَةً بَعْدَ دَفْقَةٍ وَيَخْرُجُ بشهوة ويتلذذ بِخُرُوجِهِ وَإِذَا خَرَجَ اسْتَعْقَبَ خُرُوجَهُ فُتُورًا وَرَائِحَةً كَرَائِحَةِ طَلْعِ النَّخْلِ وَرَائِحَةُ الطَّلْعِ قَرِيبَةٌ مِنْ رَائِحَةِ الْعَجِينِ وَقِيلَ تُشْبِهُ رَائِحَتُهُ رَائِحَةُ الْفَصِيلِ وقيل إذا يبس كان رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ الْبَوْلِ فَهَذِهِ صِفَاتُهُ وَقَدْ يُفَارِقُهُ بَعْضُهَا مَعَ بَقَاءِ مَا يَسْتَقِلُّ بِكَوْنِهِ مَنِيًّا وَذَلِكَ بِأَنْ يَمْرَضْ فَيَصِيرُ مَنِيُّهُ رَقِيقًا أَصْفَرَ أَوْ يَسْتَرْخِيَ وِعَاءُ الْمَنِيِّ فَيَسِيلُ مِنْ غَيْرِ الْتِذَاذٍ وَشَهْوَةٍ أَوْ يَسْتَكْثِرُ مِنَ الْجِمَاعِ فَيَحْمَرَّ ويصير كماء اللحم وربما خرج دما غبيطا وَإِذَا خَرَجَ الْمَنِيُّ أَحْمَرَ فَهُوَ طَاهِرٌ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ كَمَا لَوْ كَانَ أَبْيَضَ ثُمَّ إِنَّ خَوَاصَّ الْمَنِيِّ الَّتِي عَلَيْهَا الِاعْتِمَادُ فِي كَوْنِهِ مَنِيًّا ثَلَاثٌ أَحَدُهَا الْخُرُوجُ بِشَهْوَةٍ مَعَ
الفتور عقبه والثانية الرائحة التي شبه الطَّلْعِ كَمَا سَبَقَ الثَّالِثُ الْخُرُوجُ بِزُرَيْقٍ وَدَفْقٍ وَدَفَعَاتٍ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ كَافِيَةٌ فِي إِثْبَاتِ كَوْنِهِ مَنِيًّا وَلَا يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهَا فيه واذا لم يوجد شئ مِنْهَا لَمْ يُحْكَمْ بِكَوْنِهِ مَنِيًّا وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ كَوْنُهُ لَيْسَ مَنِيًّا هَذَا كُلُّهُ فِي مَنِيِّ الرَّجُلِ وَأَمَّا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ فَهُوَ أَصْفَرُ رَقِيقٌ وَقَدْ يَبْيَضُّ لِفَضْلِ قُوَّتِهَا وَلَهُ خَاصِّيَّتَانِ يُعْرَفُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إِحْدَاهُمَا أَنَّ رَائِحَتَهُ كَرَائِحَةِ مَنِيِّ الرَّجُلِ وَالثَّانِيَةُ التَّلَذُّذُ بِخُرُوجِهِ وَفُتُورُ شَهْوَتِهَا عَقِبَ خُرُوجِهِ قَالُوا وَيَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ بِأَيِّ صِفَةٍ وَحَالٍ كَانَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلَا أَوْ سَبَقَ يَكُونُ مِنْهُ الشَّبَهُ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (إِذَا عَلَا مَاؤُهَا مَاءَ الرَّجُلِ وَإِذَا عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَهَا) قَالَ الْعُلَمَاءُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعُلُوِّ هُنَا السَّبْقُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْكَثْرَةُ وَالْقُوَّةُ بِحَسَبِ كَثْرَةِ الشَّهْوَةِ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلَا هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ فَمِنْ أَيِّهِمَا بِكَسْرِ الْمِيمِ وَبَعْدَهَا نُونٌ سَاكِنَةٌ وَهِيَ الْحَرْفُ الْمَعْرُوفُ وَإِنَّمَا ضَبَطْتُهُ لِئَلَّا يُصَحَّفَ بِمَنِيٍّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ رُشَيْدٍ) هُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الشِّينِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (إِذَا كَانَ مِنْهَا مَا يَكُونُ مِنَ الرَّجُلِ فَلْتَغْتَسِلْ) مَعْنَاهُ إِذَا خَرَجَ مِنْهَا الْمَنِيُّ فَلْتَغْتَسِلْ كَمَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ اغْتَسَلَ وَهَذَا مِنْ حُسْنِ الْعِشْرَةِ وَلُطْفِ الْخِطَابِ وَاسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْجَمِيلِ مَوْضِعَ اللَّفْظِ الَّذِي يُسْتَحَيَا مِنْهُ فِي الْعَادَةِ وَاللَّهُ أعلم قولها (إن الله لا يستحي من الحق
قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ بَيَانِ الْحَقِّ وَضَرْبِ الْمَثَلِ بِالْبَعُوضَةِ وَشِبْهِهَا كَمَا قَالَ سبحانه وتعالى أن الله لا يستحي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَكَذَا أَنَا لَا أَمْتَنِعُ مِنْ سُؤَالِي عَمَّا أَنَا مُحْتَاجَةٌ إِلَيْهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْحَيَاءِ فِي الْحَقِّ وَلَا يُبِيحُهُ وَإِنَّمَا قَالَتْ هَذَا اعْتِذَارًا بَيْنَ يَدَيْ سُؤَالِهَا عما دعت الحاجة إليه مما تستحي النِّسَاءُ فِي الْعَادَةِ مِنَ السُّؤَالِ عَنْهُ وَذِكْرَهُ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ فَفِيهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ عَرَضَتْ لَهُ مَسْأَلَةٌ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهَا وَلَا يَمْتَنِعَ مِنَ السُّؤَالِ حَيَاءً مِنْ ذِكْرِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِحَيَاءٍ حَقِيقِيٍّ لِأَنَّ الْحَيَاءَ خَيْرٌ كُلُّهُ وَالْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ وَالْإِمْسَاكُ عَنِ السُّؤَالِ فِي هَذِهِ الْحَالِ لَيْسَ بِخَيْرٍ بَلْ هُوَ شَرٌّ فَكَيْفَ يَكُونُ حَيَاءً وَقَدْ تَقَدَّمَ إِيضَاحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَقَدْ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَهْلُ العربية يقال استحيا بياء قبل الألف يستحي بِيَاءَيْنِ وَيُقَالُ أَيْضًا يَسْتَحِي بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ فِي الْمُضَارِعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْتُ لَهَا أُفٍّ لَكِ) مَعْنَاهُ اسْتِحْقَارًا لَهَا وَلِمَا تَكَلَّمَتْ بِهِ وَهِيَ كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ فِي الِاحْتِقَارِ وَالِاسْتِقْذَارِ وَالْإِنْكَارِ قَالَ الْبَاجِيُّ وَالْمُرَادُ بِهَا
هُنَا الْإِنْكَارُ وَأَصْلُ الْأُفِّ وَسَخُ الْأَظْفَارِ وَفِي أُفٍّ عَشْرُ لُغَاتٍ أُفِّ وَأُفَّ وَأُفُّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَعَ كَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا بِغَيْرِ تَنْوِينٍ وَبِالتَّنْوِينِ فَهَذِهِ السِّتَّةُ وَالسَّابِعَةُ إِفَّ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَالثَّامِنَةُ أُفْ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَالتَّاسِعَةُ أُفِّي بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبِالْيَاءِ وَأُفِّهْ بِالْهَاءِ وَهَذِهِ اللُّغَاتُ مَشْهُورَاتٌ ذَكَرَهُنَّ كُلَّهُنَّ بن الْأَنْبَارِيِّ وَجَمَاعَاتٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَدَلَائِلُهَا مَشْهُورَةٌ وَمِنْ أخصرها ما ذكره الزجاج وبن الْأَنْبَارِيِّ وَاخْتَصَرَهُ أَبُو الْبَقَاءِ فَقَالَ مَنْ كَسَرَ بَنَاهُ عَلَى الْأَصْلِ وَمَنْ فَتَحَ طَلَبَ التَّخْفِيفَ وَمَنْ ضَمَّ أَتْبَعَ وَمَنْ نَوَّنَ أَرَادَ التَّنْكِيرَ وَمَنْ لَمْ يُنَوِّنْ أَرَادَ التَّعْرِيفَ وَمَنْ خَفَّفَ الْفَاءَ حَذَفَ أَحَدَ الْمِثْلَيْنِ تَخْفِيفًا وَقَالَ الْأَخْفَشُ وبن الْأَنْبَارِيِّ فِي اللُّغَةِ التَّاسِعَةِ بِالْيَاءِ كَأَنَّهُ إِضَافَةٌ إِلَى نَفْسِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ مُسَافِعِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِكَسْرِ الْفَاءِ قَوْلُهَا (تَرِبَتْ يَدَاكَ وَأُلَّتْ) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ وَإِسْكَانِ التَّاءِ هَكَذَا الرِّوَايَةُ فِيهِ وَمَعْنَاهُ أَصَابَتْهَا الْأَلَّةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَهِيَ الْحَرْبَةُ وَأَنْكَرَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ هَذَا اللَّفْظَ وَزَعَمَ أَنَّ صَوَابَهُ أَلِلْتِ بِلَامَيْنِ الْأُولَى مَكْسُورَةٌ وَالثَّانِيَةُ سَاكِنَةٌ وَبِكَسْرِ التَّاءِ وَهَذَا الْإِنْكَارُ فَاسِدٌ بَلْ مَا صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَةُ صَحِيحٌ وَأَصْلُهُ أَلِلَتْ بِكَسْرِ اللَّامِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ وَإِسْكَانِ التَّاءِ كَرَدَّتْ أَصْلُهُ رَدَدِتَ وَلَا يَجُوزُ فَكُّ هَذَا الْإِدْغَامِ إِلَّا مَعَ الْمُخَاطَبِ وَإِنَّمَا وَحَّدَ أَلَّتْ مَعَ تَثْنِيَةِ يَدَاكِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَرَادَ الْجِنْسَ وَالثَّانِي صَاحِبَةُ الْيَدَيْنِ أَيْ وَأَصَابَتْكِ