الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ)
أَجْمَعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ سَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ لِغَيْرِهَا حَتَّى يَجُوزَ لِلْمَرْأَةِ الْمُلَازِمَةِ بَيْتَهَا وَالزَّمِنِ الَّذِي لَا يَمْشِي وَإِنَّمَا أَنْكَرَتْهُ الشِّيعَةُ وَالْخَوَارِجُ وَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رِوَايَاتٌ فِيهِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ كَمَذْهَبِ الْجَمَاهِيرِ وَقَدْ رَوَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ خَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَدَّثَنِي سَبْعُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَقَدْ بَيَّنْتُ أَسْمَاءَ جَمَاعَاتٍ كَثِيرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ رَوَوْهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَدْ ذَكَرْتُ فِيهِ جُمَلًا نَفِيسَةً مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَفْضَلُ أَمْ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ فَذَهَبَ أَصْحَابُنَا إِلَى أَنَّ الْغَسْلَ أَفْضَلُ لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ وَذَهَبَ إِلَيْهِ جَمَاعَاتٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ رضي الله عنهم وَذَهَبَ جَمَاعَاتٌ مِنَ التَّابِعِينَ إِلَى أن المسح أفضل وذهب إليه الشَّعْبِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ أَصَحُّهُمَا المسح أفضل والثانية هما سواء واختاره بن المنذر والله أعلم قَوْلُهُ (كَانَ يُعْجِبهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ لِأَنَّ إِسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ) مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ فَلَوْ كَانَ إِسْلَامُ جَرِيرٍ مُتَقَدِّمًا عَلَى نُزُولِ الْمَائِدَةِ لَاحْتُمِلَ كَوْنُ حَدِيثِهِ فِي مَسْحِ الْخُفِّ
مَنْسُوخًا بِآيَةِ الْمَائِدَةِ فَلَمَّا كَانَ إِسْلَامُهُ مُتَأَخِّرًا عَلِمْنَا أَنَّ حَدِيثَهُ يُعْمَلُ بِهِ وَهُوَ مُبَيِّنٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ غَيْرُ صَاحِبِ الْخُفِّ فَتَكُونُ السُّنَّةُ مُخَصِّصَةٌ لِلْآيَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَرُوِّينَا فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ قَالَ مَا سَمِعْتُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَحْسَنَ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَانْتَهَى إِلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا فَتَنَحَّيْتُ فَقَالَ ادْنُهْ فَدَنَوْتُ حَتَّى قُمْتُ عِنْدَ عَقِبَيْهِ فَتَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ) أَمَّا السُّبَاطَةُ فَبِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ مَلْقَى الْقُمَامَةِ وَالتُّرَابِ وَنَحْوِهِمَا تَكُونُ بِفِنَاءِ الدُّورِ مُرْفَقًا لِأَهْلِهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ سهلا منثا لا يَحُدُّ فِيهِ الْبَوْلُ وَلَا يَرْتَدُّ عَلَى الْبَائِلِ وَأَمَّا سَبَبُ بَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا فَذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ أَوْجُهًا حَكَاهَا الْخَطَّابِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ أَحَدُهَا قَالَا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَسْتَشِفِي لِوَجَعِ الصُّلْبِ بِالْبَوْلِ قَائِمًا قَالَ فَتَرَى أَنَّهُ كَانَ بِهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعُ الصُّلْبِ إِذْ ذَاكَ وَالثَّانِي أَنَّ سَبَبَهُ مَا رُوِيَ فِي رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ رَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم بَالَ قَائِمًا لعلة بمأبضه والمأبض بهمزة ساكنة بعد الميم ثم باء مُوَحَّدَةٍ وَهُوَ بَاطِنُ الرُّكْبَةِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا لِلْقُعُودِ فَاضْطُرَّ إِلَى الْقِيَامِ لِكَوْنِ الطَّرَفِ الَّذِي مِنَ السُّبَاطَةِ كَانَ عَالِيًا مُرْتَفِعًا وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ
تَعَالَى وَجْهًا رَابِعًا وَهُوَ أَنَّهُ بَالَ قَائِمًا لِكَوْنِهَا حَالَةً يُؤْمَنُ فِيهَا خُرُوجُ الْحَدَثِ مِنَ السَّبِيلِ الْآخَرِ فِي الْغَالِبِ بِخِلَافِ حَالَةِ الْقُعُودِ وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ الْبَوْلُ قَائِمًا أَحْصَنُ لِلدُّبُرِ وَيَجُوزُ وَجْهٌ خَامِسٌ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ لِلْجَوَازِ فِي هَذِهِ الْمَرَّةِ وَكَانَتْ عادته المستمرة يبول قاعدا ويدل عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ مَا كَانَ يَبُولُ إِلَّا قَاعِدًا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَآخَرُونَ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ رُوِيَ فِي النَّهْيِ عَنِ الْبَوْلِ قَائِمًا أَحَادِيثُ لَا تَثْبُتُ وَلَكِنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ هَذَا ثَابِتٌ فَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ يُكْرَهُ الْبَوْلُ قَائِمًا إِلَّا لِعُذْرٍ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لَا تحريم قال بن الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَاقِ اخْتَلَفُوا فِي الْبَوْلِ قَائِمًا فَثَبَتَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وزيد بن ثابت وبن عُمَرَ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُمْ بَالُوا قِيَامًا قَالَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَنَسٍ وَعَلِيٍّ وَأَبِي هريرة رضى الله عنهم وفعل ذلك بن سيرين وعروة بن الزبير وكرهه بن مَسْعُودٍ وَالشَّعْبِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ لَا يُجِيزُ شَهَادَةَ مَنْ بَالَ قَائِمًا وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ كَانَ فِي مكان يتطاير إليه من البول شئ فَهُوَ مَكْرُوهٌ فَإِنْ كَانَ لَا يَتَطَايَرُ فَلَا بأس به وهذا قول مالك قال بن الْمُنْذِرِ الْبَوْلُ جَالِسًا أَحَبُّ إِلَيَّ وَقَائِمًا مُبَاحٌ وَكُلُّ ذَلِكَ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هذا كلام بن الْمُنْذِرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا بَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي سُبَاطَةِ قَوْمٍ فَيَحْتَمِلُ أَوْجُهًا أَظْهَرُهَا أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤْثِرُونَ ذَلِكَ وَلَا يَكْرَهُونَهُ بَلْ يَفْرَحُونَ بِهِ وَمَنْ كَانَ هَذَا حَالَهُ جَازَ الْبَوْلُ فِي أَرْضِهِ وَالْأَكْلُ مِنْ طَعَامِهِ وَنَظَائِرُ هَذَا فِي السُّنَّةِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى وَقَدْ أَشَرْنَا إِلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ احْتَفَزْتُ كَمَا يَحْتَفِزُ الثَّعْلَبُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُخْتَصَّةً بِهِمْ بَلْ كَانَتْ بِفِنَاءِ دُورِهِمْ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ فَأُضِيفَتْ إِلَيْهِمْ لَقُرْبِهَا مِنْهُمْ وَالثَّالِثُ أَنْ يَكُونُوا أَذِنُوا لِمَنْ أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ إِمَّا بِصَرِيحِ الْإِذْنِ وَإِمَّا بِمَا فِي مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا بَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي السُّبَاطَةِ الَّتِي بِقُرْبِ الدُّورِ مَعَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ عَادَتِهِ صلى الله عليه وسلم التَّبَاعُدُ فِي الْمَذْهَبِ فَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رضي الله عنه أَنَّ سَبَبَهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ مِنَ الشُّغْلِ بِأُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّظَرِ فِي مَصَالِحِهِمْ بِالْمَحَلِّ الْمَعْرُوفِ فَلَعَلَّهُ طَالَ عَلَيْهِ مَجْلِسٌ حَتَّى حَفَزَهُ الْبَوْلُ فَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّبَاعُدُ وَلَوْ أَبْعَدَ لَتَضَرَّرَ وَارْتَادَ السُّبَاطَةَ لِدَمَثِهَا وَأَقَامَ حُذَيْفَةُ بِقُرْبِهِ لِيَسْتُرَهُ عَنِ النَّاسِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي حَسَنٌ ظَاهِرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَتَنَحَّيْتُ فَقَالَ ادْنُهْ فَدَنَوْتُ حَتَّى قُمْتُ عند عقبيه
قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا اسْتَدْنَاهُ صلى الله عليه وسلم لِيَسْتَتِرَ بِهِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ من الناظرين لكونها حالة يستخفى بها ويستحي مِنْهَا فِي الْعَادَةِ وَكَانَتِ الْحَاجَةُ الَّتِي يَقْضِيهَا بَوْلًا مِنْ قِيَامٍ يُؤْمَنُ مَعَهَا خُرُوجُ الْحَدَثِ الْآخَرِ وَالرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ فَلِهَذَا اسْتَدْنَاهُ وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ لَمَّا أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ قَالَ تَنَحَّ لِكَوْنِهِ كَانَ يَقْضِيهَا قَاعِدًا وَيَحْتَاجُ إِلَى الحديثين جَمِيعًا فَتَحْصُلُ الرَّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ وَمَا يَتْبَعُهَا وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ السُّنَّةِ الْقُرْبُ مِنَ الْبَائِلِ إِذَا كَانَ قَائِمًا فَإِذَا كَانَ قَاعِدًا فَالسُّنَّةُ الْإِبْعَادُ عَنْهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُشْتَمِلٌ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ الْفَوَائِدِ تَقَدَّمَ بَسْطُ أَكْثَرِهَا فيما ذكرناه ونشير اليها ها هنا مُخْتَصَرَةً فَفِيهِ إِثْبَاتُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَفِيهِ جَوَازُ الْمَسْحِ فِي الْحَضَرِ وَفِيهِ جَوَازُ الْبَوْلِ قَائِمًا وَجَوَازُ قُرْبِ الْإِنْسَانِ مِنَ الْبَائِلِ وَفِيهِ جَوَازُ طَلَبِ الْبَائِلِ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْقُرْبُ مِنْهُ لِيَسْتُرَهُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ السِّتْرِ وَفِيهِ جَوَازُ الْبَوْلِ بِقُرْبِ الدِّيَارِ وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقَالَ حُذَيْفَةُ لَوَدِدْتُ أَنَّ صَاحِبكُمْ لَا يُشَدِّدُ هَذَا التَّشْدِيدَ فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَتَمَاشَى فَأَتَى سُبَاطَةً خَلْفَ حَائِطٍ فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ فَبَالَ) إِلَخْ مَقْصُودُ حُذَيْفَةَ أَنَّ هَذَا التَّشْدِيدَ خِلَافُ السُّنَّةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَالَ قَائِمًا وَلَا شَكَّ فِي كَوْنِ الْقَائِمِ مُعَرَّضًا لِلرَّشِيشِ وَلَمْ يَلْتَفِتِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ وَلَمْ يَتَكَلَّفِ الْبَوْلَ فِي قَارُورَةٍ كَمَا فَعَلَ أَبُو مُوسَى رضي الله عنه وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ الْمُغِيرَةِ) هَذَا الْإِسْنَادُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُمْ يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ وَهُوَ الْأَنْصَارِيُّ وَسَعْدٌ وَنَافِعٌ وَعُرْوَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مِيمَ الْمُغِيرَةِ تُضَمُّ وَتُكْسَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ فَاتَّبَعَهُ الْمُغِيرَةُ بِإِدَاوَةٍ فِيهَا مَاءٌ فَصَبَّ عَلَيْهِ حِينَ فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ) وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى مَكَانَ حِينٍ أَمَّا قَوْلُهُ فَاتَّبَعَهُ الْمُغِيرَةُ فَهُوَ مِنْ كَلَامِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ وَهَذَا كَثِيرٌ يَقَعُ مِثْلُهُ فِي الْحَدِيثِ فَنَقَلَ الرَّاوِي عَنِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ لَفْظَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِلَفْظِ الْغَيْبَةِ وَأَمَّا الْإِدَاوَةُ فَهِيَ وَالرَّكْوَةُ وَالْمِطْهَرَةُ وَالْمِيضَأَةُ بِمَعْنًى مُتَقَارِبٍ وَهُوَ إِنَاءُ الْوُضُوءِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَصَبَّ عَلَيْهِ حِينَ فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ فَمَعْنَاهُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ مِنْ مَوْضِعِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ وَانْتِقَالِهِ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَصَبَّ عَلَيْهِ فِي وُضُوئِهِ وَأَمَّا رِوَايَةُ حَتَّى فَرَغَ فلعل معناها فَصَبَّ عَلَيْهِ فِي وُضُوئِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْوُضُوءِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْحَاجَةِ الْوُضُوءَ وَقَدْ جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مُبَيَّنًا أَنَّ صَبَّهُ عَلَيْهِ كَانَ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِعَانَةِ فِي الْوُضُوءِ وَقَدْ ثَبَتَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه أَنَّهُ صَبَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وُضُوئِهِ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ عَرَفَةَ وَقَدْ جَاءَ فِي أَحَادِيثَ لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ النَّهْيُ عَنْ الِاسْتِعَانَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا الِاسْتِعَانَةُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ فِي إِحْضَارِ الْمَاءِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ
وَلَا نَقْصَ وَالثَّانِي أَنْ يَسْتَعِينَ بِهِ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ وَيُبَاشِرَ الْأَجْنَبِيُّ بِنَفْسِهِ غَسْلَ الْأَعْضَاءِ فَهَذَا مَكْرُوهٌ إِلَّا لِحَاجَةٍ وَالثَّالِثُ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ فَهَذَا الْأَوْلَى تَرْكُهُ وَهَلْ يُسَمَّى مَكْرُوهًا فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَإِذَا صَبَّ عَلَيْهِ وَقَفَ الصَّابُّ عَلَى يَسَارِ الْمُتَوَضِّئِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ الْجُبَّةِ) فِيهِ جَوَازُ مِثْلِ هَذَا لِلْحَاجَةِ وَفِي الْخَلْوَةِ وَأَمَّا بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْبَغِي أَلَّا يَفْعَلَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ لان فيه اخلالا بالمرؤة قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نمير حدثنا أبى حدثنا زكريا
عَنْ عَامِرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ) هَذَا الْإِسْنَادُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ لَا يَجُوزُ إِلَّا إِذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ بِأَنْ يُفْرِغَ مِنَ الْوُضُوءِ بِكَمَالِهِ ثُمَّ يَلْبَسُهُمَا لِأَنَّ حَقِيقَةَ إِدْخَالِهِمَا طَاهِرَتَيْنِ أَنْ تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أُدْخِلَتْ وَهِيَ طَاهِرَةٌ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لُبْسُهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ حَتَّى لَوْ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ثُمَّ لَبِسَ خُفَّهَا وَغَسَلَ الْيُسْرَى ثُمَّ لَبِسَ خُفَّهَا لَمْ يَصِحَّ لُبْسُ الْيُمْنَى فَلَا بُدَّ مِنْ نَزْعِهَا وَإِعَادَةِ لُبْسِهَا وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى نَزْعِ الْيُسْرَى لِكَوْنِهَا أُلْبِسَتْ بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ وَشَذَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَأَوْجَبَ نَزْعَ الْيُسْرَى أَيْضًا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ فِي اللُّبْسِ هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ وَالْمُزَنِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ يَجُوزُ اللُّبْسُ عَلَى حَدَثٍ ثُمَّ يُكْمِلُ طَهَارَتَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ) قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ هَكَذَا رُوِيَ لَنَا عَنْ مُسْلِمٍ إِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ مِنْ جَمِيعِ الطُّرُقِ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّعْبِيِّ أَحَدٌ وَذَكَرَ أَبُو مَسْعُودٍ أَنَّ مُسْلِمَ بْنَ الحجاج خرجه عن بن حَاتِمٍ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَهَكَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْجَوْرَقِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي زَائِدَةَ قَدْ سَمِعَ من الشعبي وأنه كان يبعث بن أَبِي السَّفَرِ وَزَكَرِيَّا إِلَى الشَّعْبِيِّ يَسْأَلَانِهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ أَبِي عَلِيٍّ قُلْتُ وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ خَلَفٌ الْوَاسِطِيُّ فِي أَطْرَافِهِ أن مسلما رواه عن بن حَاتِمٍ عَنْ إِسْحَاقَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ كَمَا
هو في الأصول ولم يذكر بن أَبِي السَّفَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ قَالَ حَدَّثَنَا يزيد يعنى بن زُرَيْعٍ قَالَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ قَالَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الدمشقي) هكذا يقول مسلم في حديث بن بَزِيعٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَخَالَفَهُ النَّاسُ فَقَالُوا فِيهِ حَمْزَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بَدَلَ عُرْوَةَ وَأَمَّا أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ فَنَسَبَ الْوَهَمَ فِيهِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ لَا إِلَى مُسْلِمٍ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْغَسَّانِيِّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ حَمْزَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا عُرْوَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ وَحَمْزَةُ وَعُرْوَةُ ابْنَانِ لِلْمُغِيرَةِ وَالْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ عَنْهُمَا جَمِيعًا لَكِنَّ رِوَايَةَ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُزَنِيِّ إِنَّمَا هِيَ عَنْ حمزة بن المغيرة وعن بن الْمُغِيرَةِ غَيْرُ مُسَمًّى وَلَا يَقُولُ بَكْرٌ عُرْوَةُ وَمَنْ قَالَ عُرْوَةُ عَنْهُ فَقَدْ وَهِمَ وَكَذَلِكَ اخْتُلِفَ عَنْ بَكْرٍ فَرَوَاهُ مُعْتَمِرٌ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ عَنْهُ عَنْ بَكْرٍ عَنِ الْحَسَنِ عَنِ بن الْمُغِيرَةِ وَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ التَّيْمِيِّ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا مُسْلِمٌ وَقَالَ غَيْرُهُمْ عَنْ بَكْرٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَهُوَ وَهَمٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي عِيَاضٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَأَتَيْتُهُ بِمِطْهَرَةِ) قَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا أَنَّ فِيهَا لُغَتَيْنِ فَتْحَ الْمِيمِ وَكَسْرَهَا وَأَنَّهَا الْإِنَاءُ الَّذِي يُتَطَهَّرُ مِنْهُ قَوْلُهُ (ثُمَّ ذَهَبَ يَحْسِرُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ
وَكَسْرِ السِّينِ أَيْ يَكْشِفُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ) هَذَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ مَسْحَ بَعْضِ الرَّأْسِ يَكْفِي وَلَا يُشْتَرَطُ الْجَمِيعُ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْجَمِيعُ لَمَا اكْتَفَى بِالْعِمَامَةِ عَنِ الْبَاقِي فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ مَسَحَ عَلَى خُفٍّ وَاحِدٍ وَغَسَلَ الرِّجْلَ الْأُخْرَى وَأَمَّا التَّتْمِيمُ بِالْعِمَامَةِ فَهُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِتَكُونَ الطَّهَارَةُ عَلَى جَمِيعِ الرَّأْسِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لُبْسُ الْعِمَامَةِ عَلَى طُهْرٍ أَوْ عَلَى حَدَثٍ وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ قَلَنْسُوَةٌ وَلَمْ يَنْزِعْهَا مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُتِمَّ عَلَى الْقَلَنْسُوَةِ كَالْعِمَامَةِ وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَلَمْ يَمْسَحْ شَيْئًا مِنَ الرَّأْسِ لَمْ يجزه ذلك عندنا بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى جَوَازِ الِاقْتِصَارِ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَاللَّهُ أعلم والناصية هِيَ مُقَدَّمُ الرَّأْسِ قَوْلُهُ (فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَوْمِ وَقَدْ قَامُوا فِي الصَّلَاةِ يُصَلِّي بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَقَدْ رَكَعَ رَكْعَةً بِهِمْ فَلَمَّا أَحَسَّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَهَبَ يَتَأَخَّرُ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ فَصَلَّى بِهِمْ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقُمْتُ فَرَكَعْنَا الرَّكْعَةَ الَّتِي سَبَقَتْنَا) اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فِيهِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا جَوَازُ اقْتِدَاءِ الْفَاضِلِ بِالْمَفْضُولِ وَجَوَازُ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَلْفَ بَعْضِ أُمَّتِهِ وَمِنْهَا أَنَّ الْأَفْضَلَ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُمْ فَعَلُوهَا أَوَّلَ الْوَقْتِ وَلَمْ يَنْتَظِرُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمِنْهَا أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا تَأَخَّرَ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ اسْتُحِبَّ لِلْجَمَاعَةِ أَنْ يُقَدِّمُوا أَحَدَهُمْ فَيُصَلِّي بِهِمْ إِذَا وَثِقُوا بِحُسْنِ خُلُقِ الْإِمَامِ وَأَنَّهُ لَا يَتَأَذَّى مِنْ ذلك ولا يترتب عليه فتنة فاما إذا لَمْ يَأْمَنُوا أَذَاهُ فَإِنَّهُمْ يُصَلُّونَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فُرَادَى ثُمَّ إِنْ أَدْرَكُوا الْجَمَاعَةَ بَعْدُ ذلك استحب
لَهُمْ إِعَادَتُهَا مَعَهُمْ وَمِنْهَا أَنَّ مَنْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ أَتَى بِمَا أَدْرَكَ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ أَتَى بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ وَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ عَنْهُ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ عَنِ الْمَسْبُوقِ إِذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا وَمِنْهَا اتِّبَاعُ الْمَسْبُوقِ لِلْإِمَامِ فِي فِعْلِهِ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ وَجُلُوسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَوْضِعَ فِعْلِهِ لِلْمَأْمُومِ وَمِنْهَا أَنَّ الْمَسْبُوقَ إِنَّمَا يُفَارِقُ الْإِمَامَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا بَقَاءُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي صَلَاتِهِ وَتَأَخُّرُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنهما لِيَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ فِي قَضِيَّةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ قَدْ رَكَعَ رَكْعَةً فَتَرَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم التَّقَدُّمَ لِئَلَّا يَخْتَلَّ تَرْتِيبُ صَلَاةِ الْقَوْمِ بِخِلَافِ قَضِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَرَكَعْنَا الرَّكْعَةَ الَّتِي سَبَقَتْنَا فَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْبَاءِ وَالْقَافِ وَبَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ مِنْ فَوْقُ سَاكِنَةٌ أَيْ وُجِدَتْ قَبْلَ حُضُورِنَا وَاللَّهُ أعلم قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بَكْرٍ عن الحسن عن بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ) هَذَا الْإِسْنَادُ فِيهِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُمْ أَبُو الْمُعْتَمِرِ سُلَيْمَانُ بْنُ طَرْخَانَ وَبَكْرُ بْنُ عبد الله والحسن البصرى وبن الْمُغِيرَةِ وَاسْمُهُ حَمْزَةُ كَمَا تَقَدَّمَ وَهَؤُلَاءِ التَّابِعِيُّونَ الأربعة بصريون الا بن الْمُغِيرَةِ فَإِنَّهُ كُوفِيٌّ قَوْلُهُ (قَالَ بَكْرٌ وَقَدْ سمعت من بن الْمُغِيرَةِ) هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ بِبِلَادِنَا سَمِعْتُ بِالتَّاءِ فِي آخِرِهِ وَلَيْسَ بَعْدَهَا هَاءٌ وَقَالَ الْقَاضِي هُوَ عِنْدَ جَمِيعِ شُيُوخِنَا سَمِعْتُهُ يَعْنِي بِالْهَاءِ فِي آخِرِهِ بَعْدَ التَّاءِ قال وكذا ذكره بن أَبِي خَيْثَمَةَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ
وَغَيْرُهُمَا قَالَ وَوَقَعَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَلَمْ أَرْوِهِ وقد سمعت من بن الْمُغِيرَةِ يَعْنِي بِحَذْفِ الْهَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ سَمَاعُهُ الْحَدِيثَ مِنْهُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ بِلَالٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ) يَعْنِي بِالْخِمَارِ الْعِمَامَةَ لِأَنَّهَا تُخَمِّرُ الرَّأْسَ أَيْ تُغَطِّيهِ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ بِلَالٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ وَفِي حَدِيثِ عِيسَى حَدَّثَنِي الْحَكَمُ حَدَّثَنِي بِلَالٌ) وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي الْأَخِيرِ مِنْ دَقِيقِ عِلْمِ الْإِسْنَادِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَفِي حَدِيثِ إِلَخْ وَمَعْنَى هَذَا أَنَّ الْأَعْمَشَ يَرْوِي عَنْهُ هُنَا اثْنَانِ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَعِيسَى بْنُ يونس فقال أَبُو مُعَاوِيَةَ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ الْحَكَمِ وَقَالَ عِيسَى بْنُ أَبِي لَيْلَى فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَكَمُ فَأَتَى بحدثنى بَدَلَ عَنْ وَلَا شَكَّ أَنَّ حَدَّثَنَا أَقْوَى لَا سِيَّمَا مِنَ الْأَعْمَشِ الَّذِي هُوَ مَعْرُوفٌ بِالتَّدْلِيسِ وَقَالَ أَيْضًا أَبُو مُعَاوِيَةَ فِي رِوَايَتِهِ عن الأعمش عن الحكم عن بن أبي ليلى عن بلال عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَقَالَ عِيسَى فِي روايته عن الأعمش حدثنى الحكم عن بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قال حدثنى بلال فأتى بحدثنى بِلَالٌ مَوْضِعَ عَنْ بِلَالٍ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْإِسْنَادَ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِمَّا تَكَلَّمَ عَلَيْهِ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي طَرِيقِهِ وَالْخِلَافَ عَنِ الأعمش فيه